الزواج حصن حصين للشباب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب( مناظرة بين الإسلام والنصرانية : مناقشة بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          الشاكر العليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          هل هذا شذوذ أو ازدواج في التوجه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          زوجي مصاب بمرض الفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          اليأس طريق إلى الإلحاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 78 )           »          أخاف أن أكون سببا في شذوذ أخي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 93 )           »          أشاهد الأفلام الإباحية رغم زواجي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 100 )           »          هل ما أفعله شذوذ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 79 )           »          ابتليت بالشذوذ الجنسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 105 )           »          هل أنا شاذ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 81 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2024, 02:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,073
الدولة : Egypt
افتراضي الزواج حصن حصين للشباب

الزواج حصن حصين للشباب
يحيى بن حسن حترش

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فيا أيها المسلمون عباد الله، لقد أنعم الله علينا بنعمٍ لا تُعد ولا تُحصى، وجعل هذه النعم من الآيات الدالة على وحدانيته، واستحقاقه للعبادة من عباده، ومن جملة هذه الآيات التي أنعم الله بها على عباده نعمة الزواج التي امتن الله بها على العباد؛ فقال جل وعلا: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

وقال جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 189]، وقال: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، وقال: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ [البقرة: 223].

أيها المسلمون، لقد جعل الله الأزواج سكنًا ولباسًا لبعضهم، فمن أجل ذلك فقد حثنا الله، ورغبنا في كتابه بهذه النعمة العظيمة، فقال: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].

وحضنا حبيبنا عليه الصلاة والسلام على ذلك بقوله: فيما رواه البيهقي رحمه الله «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي»[1].

وقال فيما رواه الشيخان: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»[2]، وقال: فيما رواه مسلمٌ رحمه الله «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة»[3].

وتكفل الله بالمعونة لمن أراد أن يحصن فرجه بالزواج، فقال: فيما رواه أهل السنن: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله»[4].

فكم لله من حكمٍ وأسرار في هذه السنة الإلهية! الزواج وما أدراكم ما الزواج؟! الذي هو حصن حصينٌ، ومسكنٌ أمين، الزواج الذي من خلاله يكثر النسل، وتعظم الأمة، ويحصل الفخر والتباهي لنبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام الزواج الذي بسببه يحصل الستر والعفاف للبنين والبنات، الزواج الذي به استقامت أنفس معوجة، وصلحت أعين زائغة.

ولقد أصبح الزواج في هذا الزمان من الأمور الشاقة، ومن القضايا المستعصية، وذلك من قبل أصحاب النفوس الجشعة، الذين حولوا الزواج إلى سلعٍ تجاريّة، من خلالها يقدِّمون ويؤخرون، ويقبلون ويرفضون، جديرٌ بنا أن نقف مع هذا الصنف من الناس الذين حرَّموا بناتهم من تزويجهن، وذلك برفع مهورهنَّ، والمتاجرة بهنَّ؛ مما أدى ذلك إلى أمورٍ لا تحمد عقباها!

فلقد كثرت العوانس في البيوت، وانتشرت العلاقات المحرمة، وكثرت الاتهامات للعفيفات الطاهرات، كل ذلك بسبب أولئك الذين لا أشبع الله بطونهم.

أيها المسلمون والمسلمات، لقد جاء الإسلام مرغبًا في الزواج، ومحذرًا من كل ما يمنع ذلك، بما في ذلك غلاء المهور؛ فقد جاء رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما روى مسلمٌ في صحيحه، فقال: إني تزوجت امرأةً من الأنصار. قال «هل نظرت إليها؛ فإن في عيون الأنصار شيئًا؟»، قال قد نظرت إليها. قال: «على كم تزوجتها؟»، قال: على أربع أواق، فقال: «على أربع أواق؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض جبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعثٍ فتصيب منه»[5].

قال النووي: رحمه الله ومعنى هذا الكلام: «هو كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج، وإلا فلا حد لأكثره».

وروى الإمام أحمد في مسنده، وحسنه الألباني رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها»[6]، قال عروة: «وأنا أقول: وإن من أول شؤمها هو إكثار صداقها».

وروى الإمام أبو داود وصححه الألباني رحمه الله عن أبي العجفاء قال: خطبنا عمر يومًا فقال: «ألا لا تغالوا في صدقات النساء؛ فإنها لو كانت مكرمةً في الدنيا، أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله امرأةً من نسائه أكثر من ثنتي عشرة أوقية!»[7].

وروى أبو داود وغيره عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما تزوج عليٌّ بفاطمة رضي الله عنها وأراد أن يدخل بها، قال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: «أعطها شيئًا. قال ما عندي شيء! قال: أين درعك الحُطَمِية؟ فأعطاها درعه، وتزوجها» [8].

رضي الله عنهم وأرضاهم، ما أحلى حياتهم، وما أسهل وأجمل عيشهم!

وروى البخاري ومسلم عن سهل ابن سعدٍ الساعدي، قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أن لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجلٌ من أصحابه؛ فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: «هل عندك من شيء؟»، قال: لا والله يا رسول الله، ما عندي شيء! قال «اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟»، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئًا! فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «انظر ولو خاتمًا من حديد»، ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري، قال سهلٌ: ما له رداء، فلي نصفه ولها نصفه، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «وما تفعل بإزارك؟» إن لبسته، لم يكن عليها منه شيء، فجلس الرجل حتى طال مجلسه، فقاموا فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليًا، فأمر به، فدُعي، فلما أقبل: قال: «ماذا معك من القرآن؟»، قال: معي سورة: كذا، وكذا، عدَّدَهن، قال: «تقرأهن عن ظهر قلب؟»، قال: نعم. قال: «اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن»[9].

انظروا يا عباد الله، انظروا يا أولياء الأمور، تأمَّلوا أيها الآباء إلى ذلك الجيل السعيد، وإلى تلك الحياة السهلة التي كانوا يعيشونها، حتى كانت السعادة ترفرف في وجوههم، وفي بيوتهم؛ لأنهم كانوا بذلك يريدون مجتمعًا صالحًا مبنيًّا على الخير والصلاح، وذلك من خلال تيسير مهور الزواج.

بل والله قد بلغ بهم الحال أنهم يعرضون بناتهم على الصالحين، ويبحثون لهن عمن يخافون الله فيهن، ألم نقرأ في القرآن: ﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾ [القصص: 27].


وهذا فاروق الأمة الأواب - عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، يعرض ابنته حفصة على عثمان بعد أن مات زوجها، فقال عثمان: سأنظر في أمري، ثم قال: يا عمر، قد بدا لي ألا أتزوج، ثم عرضها على أبي بكرٍ، ولم يرد له في ذلك خبرا، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: فلقيني أبو بكرٍ فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة؛ فلم أرجع إليك شيئا؟ قلت: نعم. قال: ما منعني من الرد إلا أني كنت علمت رسول الله عليه الصلاة والسلام قد ذكرها؛ فلم أكن لأفشي سره عليه الصلاة والسلام ولو تركها لقبلتها.

هكذا كانوا يتعاملون مع الزواج، يعرض ابنته من واحدٍ لآخر، يأتون الصالحين قبل أن يأتي الصالحون إليهم، ما كان عندهم هذه الأعراف المنكرة، ما كانوا يقولون: كل معروضٍ بائر! كما يقال في هذا الزمان، بل كان هَم أحدهم هو حفظ الأمانة التي استأمنه الله عليها، كان هم أحدهم هو أن يضع ابنته بيد الأمناء الذين يخافون الله فيهن، هم أحدهم هو الخوف من الله أن يضيع شباب ابنته، وتعنس في بيته، وتكون خصمًا له بين يدي ربه، سبحانه وتعالى.

وهذه عجيبةٌ من عجائب الزمان، سطرتها لنا كتب التأريخ، عن سعيد بن المسيب أن عبد الله بن أبي وداعة - وكان من طلاب سعيد - قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، فتفقدني أيامًا، فلما أتيته قال: أين كنت يا بن أبي وداعة؟ قال توفيت أهلي فانشغلت بها، قال: هلا أخبرتني فشهدناها؟

قال: فلما أردت أن أقوم قال لي: هل ستحدث امرأةً؟ فقلت: يرحمك الله! ومن يزوِّجني وما أملك إلا درهمين؟! قال: أنا، فقلت: وتفعل! فحمد الله تعالى، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين، أو قال ثلاثة، قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، فعدت إلى منزلي، وجعلت أفكر ممن آخذ، وممن أستدين، فصليت المغرب، وانصرفت إلى منزلي، وكنت صائمًا، فقدمت عشائي لأفطر، وكان خبزًا وزيتًا، وإذا ببابي يقرع، فقلت من هذا؟ قال: سعيد، قال: ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، وذلك لأنه لم يمر أربعين سنة إلا بين داره والمسجد، فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب، قال: فظننت أنه بدا له، - أي: رجع عن رأيه - فقلت: يا أبا محمد لو أرسلت إليّ لأتيتك، فقال: أنت أحق أن تؤتى! فقلت: ماذا تأمرني؟

قال: إنك كنت رجلًا عازبًا، فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، قال: وإذا هي قائمةٌ خلفه في طوله، فدفعها في الباب ثم رده، قال: ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل النساء، وأحفظ النساء لكتاب الله، وأعلمهن بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: ثم أردت أن أذهب إلى مجلس سعيد، فقالت إلى أين؟ قال: لأطلب العلم عند سعيد، قالت: تعال اقعد فعندي علم سعيد، تعال أعلمك علم سعيد.

والأعجب من هذا أن بنت سعيد بن المسيب كان قد خطبها الخليفة عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه على ولاية العهد، فأبى أن يزوجه، نعم، أبى أن يزوجه، وإن كان ولي العهد، وإن كان ابن الخليفة، وإن كان من كان؛ لأنها أمانة، وسيسأل عنها بين يدي الله عز وجل.

أراد أن يزوجها إنسانًا صالحًا حتى يزيدها صلاحًا فوق صلاحها، حتى يصلح بصلاحه أولادها؛ حتى تكون أسرة عامرةً بالخير، والبركة، والسعادة، زوجها إنسانا صالحًا ليعاشرها بالمعروف، أو يسرحها بإحسان.

أسأل الله أن يصلح الآباء، وأولياء أمور النساء! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


(الخطبة الثانية)
الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أيها المسلمون عباد الله، وبعد أن سمعتم ما سمعتم، أقول لكم: أيها الناس، بالله عليكم، كم هم أولئك الآباء الذين أصبحوا حجرَ عثرة أمام الزواج، حتى امتلأت البيوت بالشباب، والفتيات، بسبب جشعهم وطمعهم، كم من رجلٍ معه –ربما - في بيته عدة بنات، كلما جاءه رجلٌ رفضه، كلما تقدم إليه أحد الصالحين اعتذر إليه بمعاذير كاذبة، فتارةً يرفضه لفقره، أو لعدم وجاهته، وهكذا كم من امرأةٍ ضاع شبابها، وذهب عمرها، والسبب في ذلك هو جشع أبيها، أو ولي أمرها، ربما ابنته قد رغبت فيمن تقدم إليها، وقبلته بلسان حالها، أو مقالها، لصلاحه، ولخلقه، ولكن أباها، أو من له سلطة عليها يمنعها، ويهددها، ويريد أن ينفِّرَها منه بما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

هذه امرأةٌ تقدم إليها الخطاب، والراغبون من الشباب، وكلما تقدم إليها خاطب، وراغب، اعتذر أبوها، ورفض خطَّابها، ثم تقدَّم سنُّها، وذهب عليها معظم شبابها، ومرضت يومًا ثم اشتد مرضها، ثم استدعت أباها، وقالت: أبتاه قل: آمين، قال: آمين، قالت: قل آمين، قال: آمين، قالت: أسأل الله أن يحرمك الجنة كما حرمتني الزواج! أسأل الله أن يحرمك الجنة كما حرمتني الزواج!

خذها صريحةً من هذه المقهورة المظلومة أيها الأب الظالم، وما عند الله أعظم وأطم.

ماذا تريد؟ ماذا تريد أيها الأب؟ ماذا تريد أيها الولي الجاهل الجائر؟ تريد المال؟! تريد الجاه؟! تريد السيارة، والعمارة؟! بئس ما أردت إذًا، اظفر بذات الدين تربت يداك.

ألم تعلموا أن كثيرًا من أولياء الأمور لا يبالي لا بدين الخاطب، ولا بخلقه، أهم شيءٍ أنه زاد مهرها، أهم شيءٍ أنه فرض لها مثل جارتها، أو بنت عمها، أهم شيءٍ أن من تقدم لها معه السيارة، والعمارة هذا هو المطلوب، وهذا هو شرط ابنته المرغوب، أما أن يكون حافظًا لكتاب الله، ومن الصالحين، والدعاة إلى الله، فهذا عمله، وعبادته، لنفسه، وما سيطعم ابنتي صلاةً، وعلمًا كما يقول بعضهم.

والله لقد اتصل بعضهم بأحد الدعاة إلى الله وسأله عن أحد الشباب، وقال: هل تعرف شيئًا عن فلان بن فلان؟ فظن أنه سيسأله عن صلاحه، ودينه، وصلاته، فقال له: لا أدري هل يصلي أو لا، فقال - وبئس ما قال - دعك من صلاته، صلاته بينه وبين ربه، صلاته بينه وبين ربه، ثم قال له: كيف هو بيتهم؟ وما عملهم؟ وماذا معهم؟

هكذا - للأسف الشديد - أصبح حال كثيرٍ من أصحاب الدناءة والحماقة، هكذا أصبح بعض أشباه الرجال، هكذا أصبحت نظراتهم لمن يتقدم إلى بناتهم، ومن وُلُّوا عليهنَّ، يقول هذا الداعية: وأحلف بالله إن هذا الرجل - إن صح أن نسميه رجلًا - قد طُلقت ابنته ثلاث طلقات في أشهر معدودات، بعدما كانت تأتيه مرة مضروبة، ومرة مطرودة، وتارة معيرة، وتارة مكسرة!

فلو كنت أيها الأب، وأيها الولي تحب ابنتك، وتريد مصلحتها، لاخترت لها ذلك الرجل الذي يعرف حقوقها، ويحفظ كرامتها.

كم هم أولئك الآباء الذين ذاقوا وبال خيانتهم لهذه الأمانة، فأصبحت بناتهم يتردَّدنَ عليهم بين الحين والآخر، تارةً تأتيه ودموعها على خدودها، ومرة تأتيه مريضةً من كثرة الأعمال التي تعملها، والتي هي فوق طاقتها، وأحيانًا تأتي بيت أبيها وقد ملأها زوجها قهرًا، بتعييره لها بإخوتها، وأهلها.... وأنت السبب يا من رميتها لمن لا يعرف الله، ولا يعرف حقها؛ لأنك بعتها ما زوجتها، لأنك قدمت مهرها على كرامتها، وماء وجهها، ولو عرف هذا الزوج حق الله لعرف حقها، بل لعرف حقك أنت يا من زوجتها، لكن ربما لا يعيرك أي اهتمام، وربما يهينك، ولا يعطيك أي احترام، ولعله يسخر منك، بل ويحتقرك أمام الآخرين، ولماذا كل هذا؟! لأنه جاءك من بطنك لا من دينك؛ لأنه كان يتذكر تعنتك وكثرة مطالبك حينما تقدم لخطبة ابنتك، ولعل ما يفعله بابنتك هو انتقامٌ منك، جزاء طمعك وجشعك!

بل سلي نفسك أيتها المرأة، سلي نفسك أيتها المرأة العاقلة، من أسعد الناس بهذه الحياة؟ هل هن اللاتي مع الصالحين، أم مع الأغنياء الطالحين؟ سلي نفسك من أكثر النساء شكايةً وطلاقًا في حياتهن مع أزواجهن؟! هل هن اللاتي مع أصحاب الأموال والأثرياء، أم هن اللآتي مع الصالحين الأتقياء؟!

سلي نفسك هذه الأسئلة حتى تعلمي أين هي السعادة؟ ومع من هي الكرامة؟ فلقد بلغ الحال ببعض النساء أن تتباهى بمهرها، وتسخر بأختها التي مهرها أقل منها، وهي قد تكون أتعس، وأبأس منها في حياتها، ومع زوجها؛ لأنها جاءته بثِقَلٍ وعناء؛ لأنها جاءته وقد استدان مهرها من هنا وهنا!

يضطر بعدها إلى أن يتودَّد لها بأن تعطيه ذهبها؛ ليقضي دينه، أو يبني بيته، ولا تسأل حينها عن المشاكل التي تحصل بعدها، والله المستعان.

فإن أردت أيها الأب، وإن أردتم أيها الآباء، وإن أردتم أيها الناس أن تَسعدوا، وتُسعدوا بناتكم مع أزواجهن؛ فخذوا واقبلوا ما تيسر من مهورهن؛ فإن من يمن المرأة تيسير صداقها كما قال صلى الله عليه وسلم.

يقول أحد الإخوة: تزوجت امرأةً ودفعت لها مهرًا كبيرًا؛ فما طاب – والله - عيشي معها، وكنت أكرهها، وما أطيقها، فاضطررت بعدها إلى أن أطلقها، ثم تزوجت غيرها، وكان المهر كذلك كبيرًا، وقريبًا من مهرها، فكرهتها، ثم طلقتها، ثم تزوجت امرأةً بمهرٍ يسير، لكني أحببتها، وطابت نفسي بها، وارتاح قلبي لها، وبقيت هي الزوجة التي قضيت حياتي معها، وأصبحت أمًّا لأولادي!

فيا ليت قومي يعلمون! ويا ليت أولياء الأمور يعقلون ويدركون! كثيرٌ من الآباء يعلمون هذا، ويعلمون أنه لا يجوز المغالاة في المهور، وأن تيسير الزواج هو قربةٌ إلى الله تعالى وتطبيقٌ لشريعته، لكن التقليد الأعمى، والطريقة الغاشمة الظالمة الظلماء التي تسود في بعض الأماكن في غلاء المهور وتحديدها، والمباهاة بها، هي التي تجعله يفعل ما يخالف دين الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فكن قدوةً أيها الأب الكريم، كن قدوة، كن لبنةً صالحة، كن مفتاح خيرٍ؛ حتى يقتدي بك أهل بلدك، وقبيلتك، وسل نفسك أيضًا ما المصلحة التي ترجوها؟ وما الفائدة التي تريدها عندما تبالغ وتشترط كذا وكذا من الأموال في مهر ابنتك، وأنت تعلم أنه سيعود إليها، وحليها ولباسها سيكون خاصًّا بها - إن لم تتحايل عليها - وستمكث طوال عمرها في بيت زوجها، فلماذا ترفع مهرها، وتمنع زواجها؟! هل من أجل أن يقال عنك: زوج ابنته بكذا وكذا؟! فهذه والله منقصةٌ، ومذمةٌ فيك عند الرجال العقلاء الكرماء!

كم هن النساء اللاتي لو رجع إليهن آباؤهن، لقالت الواحدة منهن بلسان حالها، ومقالها: أريد رجلًا يحفظني، ويكرمني، وأعيش معه شبابي، ويكون زوجا لي في دنياي، وآخرتي!

بل والله وصل الحال ببعضهنَّ إلى أنها تصرح بذلك، وتقول فيمن ارتضت دينه، وخلقه: لا أريد منه شيئًا، وسأكفي نفسي بنفسي، لكن ليتقدم إليَّ، ويطلبني من أهلي، وإخواني!

فارحموا أيها الآباء البنات، والأبناء واتقوا الله في النساء، فما للنساء إلا الرجال، وما للرجال إلا النساء.

اتقوا الله في هذه السنة الإلهية، واعلموا أن من رفض زواج ابنته لغير عذر شرعي، فإن ولايته تسقط على ابنته، وعادت إلى رجل رشيد من إخوانها، وأقاربها كما يقول العلماء، فواجبٌ واجب على الآباء، وجميع أولياء أمور النساء، أن يتقوا الله بوصية رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض، وفسادٌ كبير!»[10].

واجبٌ عليك واجب، وحرامٌ عليك حرام، أن ترجمها للمفسدين - الذين لا يعرفون دينًا، ولا صلاة، ولا حلالًا، ولا حرامًا، حرامٌ عليك أن تزوجها على تارك الصلاة؛ مهما كان ماله، وحسبه، وجوده، وكرمه، بل وخلقه، وأي خلق معه وقد ساء خلقه مع ربه؟! فمن ترك الصلاة فقد كفر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

أيضا ليس عيبًا عليك أن تعرض ابنتك للصالحين، فقد فعل ذلك من هو خيرٌ منك كما سمعت، ليس عيبًا عليكِ أيتها المرأة أن تبحثي عن الصالحين، فقد فعلت ذلك من هي خيرٌ منك - خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها - ولو لم تفعل ما سعدت بسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.

فلنترك العادة السيئة، والنعرات، والأعراف المخالفة، ولنقتد بهؤلاء الكرماء، النبلاء، إن التشبه بالكرام فلاح.

أسأل الله العظيم أن ينفعنا بما سمعنا....


[1] رواه البيهقي في الشعب (5486).

[2] رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400).

[3] رواه مسلم (1467).

[4] رواه الترمذي (1655)، والنسائي (3120).

[5] رواه مسلم (1424).

[6] رواه أحمد (24478).

[7] رواه أبو داود (2106).

[8] رواه أبو داود (2125).

[9] رواه البخاري (5030)، ومسلم (1425).

[10] رواه الترمذي (1084).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.71 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]