منهج السنة النبوية في محاربة الفساد الإداري - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4462 - عددالزوار : 887162 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3996 - عددالزوار : 425238 )           »          فوائد الحج في الدنيا والآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          النهضة العلمية الإسلامية في إفريقيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 225 - عددالزوار : 23060 )           »          شرح طريقة فهرسة المسائل العلمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 78 )           »          أصول في دراسة مسائل التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 151 )           »          إقامة الصلا ة للمنفرد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          بيان سنن الفطرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          موضع سجود السهو من السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-07-2023, 06:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,814
الدولة : Egypt
افتراضي منهج السنة النبوية في محاربة الفساد الإداري

منهج السنة النبوية في محاربة الفساد الإداري
د. مراد باخريصة

الخطبة الأولى
تعددت أنواع الفساد، وكثُرت أساليبه ووسائله في واقعنا المعاصر، ونريد في هذه الخطبة أن نتحدث عن نوع من أنواع الفساد التي عمَّت وطمَّت في زماننا هذا، وكيف حارب الإسلام هذا النوع من أنواع الفساد؟ وما هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في محاربته والقضاء عليه؟ إنه الفساد الإداري.

إن الفساد الإداري هو التصرفات الخاطئة، والسلوكيات الشنيعة التي تتم ممارستها داخل الإدارة أو الْمِرْفَق من قِبل بعض الموظفين المنتمين لهذه الإدارة أو المرفق، التي تؤدي في النهاية إلى انحراف هذا المرفق عن أهدافه الرسمية الصحيحة إلى أهداف خاطئة أو شخصية، تصب في مصلحة هؤلاء الفاسدين، وتُنعش الفساد الإداري داخل هذه الإدارة.

عباد الله:
إن الإسلام يسعى أن تكون الإدارات والمرافق تمشي بطريقة سوِيَّة نقية، بعيدة كل البعد عن الفساد بجميع أشكاله وألوانه؛ ولهذا فقد حارب الفساد الإداري، ونهى عنه، حتى تمشي أمور الناس بطرق سليمة سلسة، ويعيش الناس في أمان واطمئنان على معاملاتهم وشؤونهم داخل هذه الإدارات.

لأنه إذا انتشر الفساد الإداري داخل الإدارات والمرافق، فإنها تتحول إلى كهوف موحشة لممارسة الظلم، واستغلال البشر، والتلاعب بالحقوق، وممارسة الظلم، وغياب العدل، وانتشار الفساد والمحسوبية.

لذا لا بد على كل موظف في كل إدارة، سواء كانت خاصة أو عامة - أن يتقي الله في نفسه، ويعلم قدره، ويفهم أنه وُضع في هذا المرفق للصلاح لا للفساد، ولخدمة الناس لا لاستغلالهم، ولقضاء حاجاتهم لا لعرقلتها.

لا بد أن تفهم حدودك في عملك، وتغرس في قلبك خوفَ الله وخشيته، وتعلم علم اليقين أنك مسؤول عن هذا العمل الذي تعمل فيه، وهذه الوظيفة التي تقلدتَها، فإن أحسنت، فقد أحسنت لنفسك، وسيُحسن الله إليك، ويمدك بتوفيقه، وإن أسأت، فقد أسأت على نفسك، وستتحمل تبعات إساءتك في الدنيا قبل الآخرة، وستُسأل عنها أمام الله جل وعلا: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

لا بد أن تفهم كموظف مسلم أنك منهيٌّ عن استغلال وظيفتك بأي نوع من الاستغلال والفساد الإداري، وأن تعلم أن الإسلام إنما جاء للنهي عن الفساد في الأرض، ومحاربة كل صورة من صور الاستغلال للنفوذ والوظائف.

يقول الله تبارك وتعالى محذرًا لنا من الفساد والإفساد: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205]، ويقول سبحانه: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

يقول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: "كنَّا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّدَه، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصيام"؛ [مسند أحمد (3/ 266)].

فانظروا - يا عباد الله - إلى أخلاقيات الإسلام وسلوكه في هذا التعامل الوظيفي الذي مثَّله هذا الصحابي الجليل الذي تحدث نيابة عن قومه، فكان فاهمًا لدينه، محسنًا في عمله، شارحًا لغيره جمال الإسلام، وحقائقه الناصعة التي لا مجال فيها للاستغلال الوظيفي، أو النفوذ الشخصي، أو الهيمنة الإدارية، فأخبر أن الإسلام يأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، والكف عن المحارم.

فالموظف الذي يجعل دينه نُصْبَ عينيه في جميع معاملاته الوظيفية، لا يمكن أبدًا أن يسلك مسلكًا من مسالك الفساد الإداري، والاستغلال الوظيفي؛ لأنه يعلم أنه دينه ينهاه عن ذلك.

لذا كان لزامًا على المسؤول أو المدير أن يبتعد عن توظيف كل شخص يرى فيه عدم تحمل الأمانة، والقيام بمهام الوظيفة؛ حتى لا يفسد في وظيفته، ويستغل منصبه ووظيفته في الفساد الإداري المشين؛ فإن الله يقول: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].

يقول أبو ذر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على مَنْكِبي، ثم قال: يا أبا ذرٍّ، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها))؛ [صحيح مسلم (3/ 1457)].

فمن علم أن وظيفته تكليف وليست تشريفًا، وأمانة ومَغْرَم وليست بمغنم، فإنه لن يخون، ولن يغُشَّ، ولن يستغل وظيفته بأي شكل من أشكال الاستغلال السيئ.

يقول صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُقعَد، فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَتْ حسناته قبل أن يُقتَص ما عليه من الخطايا، أُخذ من خطاياهم، فطُرح عليه، ثم طُرح في النار))؛ [سنن الترمذي (4/ 613)].

ومن ثبت عليه استغلال وظيفته بأي صورة من صور الفساد الإداري، فيجب على المدير أو الإدارة العليا معاقبته، وكفُّه عن فساده؛ كما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي، قال: ((استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأسد، يُقال له: ابن اللُّتْبِيَّة على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا لي، أُهدي لي، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمِد الله، وأثنى عليه، وقال: ما بالُ عامل أبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه، حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه؛ بعير له رُغاء، أو بقرة لها خُوَار، أو شاة تَيْعَرُ، ثم رفع يديه حتى رأينا عُفْرَتِي إبطيه، ثم قال: اللهم، هل بلغت؟ مرتين))؛ [صحيح البخاري (3/ 159)، صحيح مسلم (3/ 1463)].

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه كان غفارًا.

الخطبة الثانية
عباد الله:
يجب على الموظف الصالح حتى لا يقع في شباك الفساد الإداري والمفسدين في إداراته - أن يتجنب مصاحبة المفسدين، ويبتعد عنهم؛ حتى لا يقع في حبائلهم وشباكهم، فإن الصاحب ساحب و((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالِل)).

وكم رأينا من موظف كان في بدايته صالحًا مؤديًا لمهامه الوظيفية على أتم وجه، ثم انحدر واستغل وظيفته، وسلك أبواب الفساد الإداري؛ بسبب مصاحبته لهؤلاء المفسدين الإداريين؛ لأن الإنسان يتأثر حتمًا بمن حوله، شاء ذلك أم أبى!

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي عثمان النهدي، عن حنظلة الأسيدي، وكان من كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لقِيَني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعَاتِ، فنَسِينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك، تُذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأيَ عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعاتِ، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً؛ ثلاث مرات))؛ [صحيح مسلم (4/ 2106)].

فالموظف الصالح عندما يخالط الموظفين غير الصالحين، فإنه سيقتدي بهم، ويأخذ من سلوكياتهم، ويتسلل الفساد الإداري إليه مثلهم، ويضعُف الدين والإيمان في قلبه؛ بسبب مصاحبته ومُعافسته لهم.

عباد الله: إن صور الفساد الإداري كثيرة؛ ومنها: قبول بعض الموظفين للرشاوى، أو القيام بشيء من الاختلاسات لبعض الأغراض الموجودة في الإدارة أو المرفق، والتنصل من مواعيد الدوام وإهمالها، والإخلال بنظام العمل، وإفشاء أسراره، أو هدر المال العام واستغلاله لتحقيق مكاسب شخصية، وتبديد أموال الإدارة في نثريات وحفلات وتفاهات لا داعيَ لها، وتوظيف المقربين ولو كانوا غير أكْفَاء، وتزوير الحقائق وتزييفها لتحقيق غرض معين، والتهرب من المسؤوليات المنوطة بالموظف وإهمالها، ومحاولة جلب الموظفين وشراء ذممهم لتشجيع فساد المفسدين داخل الإدارة، والتغطية على ألاعيبهم وفسادهم.

فيجب على كل موظف الابتعاد عن هذه المظاهر السيئة، والحذر منها؛ حتى لا يكون غاشًّا لنفسه ومجتمعه وأمَّتِه، وحتى يسلَم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ويبتعد عن الحرام وأكله، والفساد وصوره.

ومن رأى أن الفساد قد استشرى في عمله، ولا مناص له من الوقوع فيه، ولا سبيل له إلى إنكاره، وإيقاف عبث العابثين والمفسدين، فليتركه لله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، ومن ترك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه.

هذا، وصلوا وسلموا...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.21 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]