هل يُرجى خير من إنسانة خانتْ ربَّها وبعدتْ عنه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4016 - عددالزوار : 507458 )           »          ماذا يأكل المسلمون حول العالم؟ استكشف سفرة عيد الأضحى من مصر إلى كينيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 135 )           »          طريقة عمل الفتة بخطوات سريعة.. الطبق الرسمى على سفرة عيد الأضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 105 )           »          مقاصد الحج (ليشهدوا منافع لهم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 117 )           »          آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 103 )           »          أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 115 )           »          أحكام الأضحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 116 )           »          يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 130 )           »          الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 115 )           »          خطبة الأضحى 1445 هـ: الكلمة مغنم أو مغرم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 101 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-01-2021, 02:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,519
الدولة : Egypt
افتراضي هل يُرجى خير من إنسانة خانتْ ربَّها وبعدتْ عنه

هل يُرجى خير من إنسانة خانتْ ربَّها وبعدتْ عنه


أ. شريفة السديري


السؤال
أتمنَّى أن أفهم حالتي الَّتي قد تكون معقَّدة بعض الشَّيء.

أنا فتاة في الحادية والعِشْرين من عُمري، نشأْتُ منذ صِغَري في أُسرةٍ ملتزِمة بأوامر الله، ولله الحمْد.

وكانت المعلِّمات والطَّالبات يُحببْنني لتفوُّقي وهدوئي، ويريْن فيَّ صفات الطَّالبة المثاليَّة.

وفي آخِر سنة من سنوات الثَّانويَّة مررتُ بأزمة نفسيَّة، كانت نتيجة لكلام سلْبي لنفْسي مرَّت بي تقريبًا لمدَّة ثلاثة أشهُر، وأثَّرت على علاقاتي بصديقاتي وعلى استِمتاعي بدراستي وعلاقتي بإخوتي، ولكنِّي لَم أشكُ حالي لأحد، فقد صبرت إلى أن انتهت مرحلة الثَّانوية.

وبعدها قرَّرت أن أغيِّر حياتي، وبالفعل وفَّقني الله - عزَّ وجلَّ - لأغيِّر كلَّ حياتي، وكان أكثر ما غيَّر حياتي تعرُّفي على أسماء الله الحُسْنى وعيْشي بها، فعِشْت مع الله أجملَ أيَّام، فعندما عرفت الله عِشْت معه وتقرَّبتُ منْه وأحببتُه جدًّا، وبفضلِه استطعتُ أن أغيِّر حياتي.

فأصبحتُ أعيش بالإسلام وللإسلام، وكل مَن حولي لاحظ تغيُّري وكان سعيدًا به، وكنتُ أسعى لأغيِّر حياة الآخرين للأفْضل وأرْقى بهم في علاقتهم بالله؛ لأنها أساس سعادة الإنسان، فالتحقت بتحْفيظ وتحسَّنت علاقاتي بأهْلي وإخوتي وأصدقائي وكلّ مَن حولي، وتعلَّمت مهارات بناء العلاقات مع الآخَرين، وكنت اجتماعيَّة وحريصة على أن أتخلَّق بأخلاق الإسلام، وكان كل همِّي أن أَنْهض بأُمَّتي وأؤدِّي دَوْري في الحياة بنجاح، ووضعت لنفسي أهدافًا وطموحات لنهضة الأمَّة، وكان طموحي أن أدرس في تخصُّص علْمي أنهض من خِلاله بأمَّتي، ولكن ظروف أهلي المادّيَّة لم تسمح بذلك، فوكلت أمري لله، فيسَّر الله لي أحدَ أهلِ الخير ليكْفُلني لدِراسة العلوم الشَّرعيَّة وفرحت وسعدت بها، واعتبرْتها شيئًا رائعًا أن أدرس العلم الَّذي يجعلني أَعيش حياتي على أساس رضا الله، وتفوَّقْتُ - بفضْل الله – في دراستي وكنت جدَّ مستمتعةٍ بها، وكان أهْلي يؤمِّلون بي خيرًا ويفْخرون بي.

كلُّ هذا حالي في السَّابق، كنتُ أشْعُر أحيانًا أنِّي أسعَد النَّاس لأنِّي لم أكُن أسْعى لرضا أحدٍ سِوى الله، وربطتُ كلَّ حياتي بالله، ولكن في الفصْل الدِّراسي الثَّاني بدأتْ علاقتي بالله تتدهْور، بدأتُ أشْعر بالبعْد عن الله، ولَم أعُد أشعُر بلذَّة الطَّاعة والعبادة، وقد كانت طاعتِي وعبادتي هي زادي في هذه الحياة، فلما لم أعُد أصبح بنفحات الله وبِرحمة الله، بدأتُ أشعر أني ابتعدت عن الله، وأتتْني وساوس وأوْهام كثيرة أنَّ الله غضب علي، وأنَّني لا أريد الله، ولا أريد حبَّ الله، ولا أُريد طاعتَه والذُّلَّ له، وأنِّي أُريد أن أبعد عنْه بإرادتي، وكنتُ في بادئ الأمْر أُحاول جاهدة لأعود كما كنت، وأطرد كلَّ ما يبعدني عن الله.

وكنت أصل أحيانًا، وأعود لما كنت أشعر به، ولكن لا يطول بي الأمر، فأعود أشعر بقسوة القلب، وبالبعد عن الله.

أثَّر ذلك على علاقاتي بكلِّ شيء؛ لأني كنت قد ربطتُ حياتي كلَّها بالله، فكنت أرى التوفيق في كلِّ شيء، أمَّا بعد ما بعدت وتركت العديد ممَّا كنت مواظبةً عليْه من الطَّاعات، أحسستُ أنِّي فقدت إيماني وتقْواي وحبِّي لله، استمرَّ حالي لمدَّة 7 أشهر.

حالتي الإيمانيَّة: لَم أعُد أشعُر بأيِّ إيمان في قلْبي، بل حتَّى أشعر أنه لا يوجد إرادة الإيمان، ويُمكن أن أفعل أيَّ معصية صغيرة أو كبيرة، فلا أشعُر أني أمة لله، وأخاف منْه وأرْجوه، بل كأنِّي ارتدَدتُ عن ديني ولا أُريد العودة.

ذهبتُ لمكَّة مرَّتين ولم أشعُر بأي شيء، تركتُ القُرآن فلم يعد يسلِّيني ويفرِّج عني كما كان في السابق، فقد كنت اعتبرته منهجًا لي؛ ولكن الآن لا أشعُر بأي شيء تجاه كلام الله، ولا يؤثر فيَّ أبدًا لا آيات الوعْد ولا الوعيد، وأصلِّي ولكن لا أشعر أنَّ صلاتي تغيِّر من حالي شيئًا، ولا أرى أني أفعلها امتثالاً لأمر الله؛ بل قد تكون معصيةً؛ لأنِّي لا أرجو بها ثوابًا ولا أخاف عقابًا.

حالتي الدِّراسيَّة: الحمد لله أنَّ مستواي الدراسي لم يتغيَّر، ولكن ما فائدة ذلك العلم الَّذي أتعلَّمه إن لم ينفعني في ديني ودُنياي، ولم أنفع به نفسي والنَّاس، ولم أكن أحبُّه وأرغبه وأحرص على تعلُّمه، بل كله حجَّة عليَّ، وفقدت كل أحلامي وطموحاتي الَّتي رسمتُها لنفسي في السابق.

حالتي الاجتماعيَّة: لم أصبح أتواصَل مع صديقاتي، ولا حتَّى أحرص على علاقتي معهن، فقد فقدتُ كلَّ اهتماماتي ومشاعري، فلم أعد أهتم بأيِّ أمرٍ، لا دين ولا دنيا، حتَّى وإن تواصلت مع أحد، فكيف لهم أن يتواصلوا مع إنسانة لا تحمِل مشاعر ولا اهتِمامًا؟! فهم مخدوعون فيَّ، وإن اهتممتُ بهم فأنا كاذبة في اهتِمامي؛ لأنِّي لم أعد الفتاة الَّتي أحبُّوها لمرحِها وتواضُعِها وطيبتها، وحرصها على الجميع، وحبِّها للخير، وسعْيها إليْه، وكل مَن يُعاشرني يعرف أني إنسانة غير طبيعيَّة، وأهلي لاحظوا تغيُّري ولا يعرفون السبب، ويقولون لي: عيشي مثل كل الفتيات، ولكني لا أملك أيَّ شيء أحرص عليه وأعيش من أجله، فقد فقدتُ مشاعري وحبِّي لكل شيء، ولَم أعُد أحرص أو أهتمُّ بأيِّ أمر، ومع كلِّ ما حصل لي – للأسف - لم أغيِّر حالي ولم أطوِّر ذاتي، ولم أعُد لربِّي ولذلِّي وانقيادي له؛ لأنَّ قلبي قد مات، وإن متُّ فلا أتوقَّع أن يبكي عليَّ أحد، بل سيفرحون لأني لم أضِف للحياة شيئًا.

أمي، لم أعُد أستمِع لأوامرِها ولم تعد تطيقُني، ودائمًا غاضبة عليَّ ولا يُرضيها حالي؛ لأنَّها تطلب منِّي يوميًّا قراءة سورة البقرة وأنا لا أقرؤها يوميًّا؛ لأنِّي أرى أنَّ القرآن لا يغيِّر أيَّ شيء من حالي، ولا توجد لديَّ أيُّ نيَّة صالحة طيِّبة عند قراءته، وكنتُ في السَّابق أَحَب إخواني إليْها.

وإخوتي لم أعد أهتم بهم، فأنا أختُهم الكبرى ووجودي بيْنهم قد يُضيف لحياتِهم شيئًا من الكآبة؛ لأنِّي لست كباقي الفتيات، ولا أتوقَّع أن أتزوَّج، فمَن هذا الَّذي سيتزوَّجني؟! ولأيِّ شيء فيَّ؟! فلا دين ولا دنيا، ولا أخلاق ولا صفات حسنه تُرغِّب فيَّ.

المهمُّ أنا أعتبر نفسي أني وصلتُ لحالة البهائم الَّتي همُّها الأكل والشرب والنوم، لدرجة لا أهتم بصحَّتي، وأنام أحيانًا 13 ساعة في اليوم دون أن أشعر حتَّى بتأنيب الضَّمير للوقت الضائع.

فأنا أسير متخبطة ولا أعلم أين أذهب، تركت منهج الله وبعدتُ عنه بإرادتي، وكلّ المشكلة أنَّ النَّاس ينظرون لي بمنظار الخير، ولا يعرفون عن سوئي مع الله، فهل يُرجى خيرٌ من إنسانة خانتْ ربَّها وبعدتْ عنْه، ولم يعُد في قلبِها أي ذرة خوف أو حياء منه؟!

أهلي يقولون: إنَّ كلَّ النَّاس لا تشعر بالخشوع ولا باللذَّة، ولكن على الأقل أرى أنَّهم يهتمُّون بدينهم ويحبُّون الله ورسوله، ويعتبِرون أنفسهم مسلمين، ويستغلُّون الأوقات الشَّريفة - كرمضان - ويتقرَّبون لله، أمَّا أنا فأشعر أنِّي مطْرودة من رحمة الله، وأشعُر أنِّي لا أريدها.

وأحيانًا أشعُر أنَّني ممكن أنْجح وأتميَّز، ولكن دون إسلام وطاعة لله، لا أعلم لماذا أصبحت بهذا السوء مع الله؟! مع أنَّ الله رحيم وكريم، وأرحم بي من أمِّي، ولكن حالي كمن يُعْرض ولا يُريد تلك الرحمة من ربه، ويبعد ويأْبى إلاَّ أن يدخل النَّار ويغضب الله.

كل أعْمالي أرى أنَّها مردودة عليَّ؛ لأنّي لا أفعلها قربة لله، وليس لديَّ أي حبٍّ أو خوف من الله.

ذهبتُ عند دكتورة نفسيَّة، وقالت لي: إنَّ هذا وسواس قهري في الأفكار، ولكنِّي لم أَقتنع؛ لأنِّي أرى أنَّ هذا كله حقيقة، شكوت حالي كثيرًا، ونصحني العديد ولكن لم يتغيَّر حالي، فكلُّ شيء يهون إلاَّ أن يفقِد الإنسان إيمانه وحبَّه لله، فهو أساس انطلاقته في الحياة.

أعتـذر لك على الإطالة وعلى الكلام الَّذي قد يكون ضايقك، ولكنِّي كتبتُه آملةً أن يكون لديْك الحل لِمَن هو في مثْل حالي.

وكيف يمكن أن أصحِّح علاقتي بالله وبالنَّاس؟ وهل يمكن أن تعود إليَّ المشاعر الطيِّبة؟ وكيف أصحِّح قصدي وإرادتي وجه الله بأعمالي؟ وكيف أحبُّ الله؟

الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عزيزتي، رسالتك كانت مليئة بكمٍّ كبير من المشاعر المتضاربة المتناقضة، واضح أنَّك عانيت في حياتك من مصاعب كثيرة، وكنتِ تكْتُمين في نفسك ولا تُخْرجينه، حتَّى تجمَّعت وتراكمتْ كلُّها بداخلك، وصار لابدَّ أن تخرج وتريح عقلَك وقلبك، ولم يكن أمام ذلك الكم الهائل من المشاعر والذِّكريات إلاَّ طريقان:

إمَّا على صورة اكتِئاب وقلق ووساوس، أو على صورة مرض جسدي، كالأمراض الجلديَّة، وأمراض القولون والجهاز الهضْمي أو الجهاز التنفسي، أو الصُّداع، أو غيرها.

فهل عانيتِ من مرض جسدي لم تعرفي له سببًا؟

لأنَّ الاكتِئاب واضح في كلامك جدًّا، ولابدَّ أنَّك تتساءلين: لماذا؟

لأنَّك إن أعدت قراءة رسالتِك بعين أخرى غير العين التي كتبتِها بها، فستلاحظين بكَمْ صفةٍ سلبيَّة وسيِّئة وصفت نفسَك، بالإضافة إلى التشاؤم الطَّاغي على كلماتك، وهذان هما أكبر دليلٍ على أنَّك تعانين من اكتئاب Depression، والذي من أعراضه التشاؤُم والنَّظرة السوداويَّة للأمور.

بالإضافة إلى اللامبالاة بما يحصل حولك، شعورُك أنَّك بلا قيمة وأنك لا تستحقِّين محبَّة النَّاس لك أو نعم الله عليْك، وأنَّك عالة عليهم؛ وهذا واضح في كلمتك:

"وإخوتيلم أعد أهتم بهم،فأنا أختُهم الكبرى ووجودي بيْنهم قد يُضيف لحياتِهم شيئًامن الكآبة"، وقولك أنَّك: وصلت لحالة البهائم، وأنك: مطرودة من رحمة الله، وهذا يدل على شعورِك بالدُّونية وعدم الجدوى والنفع.

كل ذلك مؤشِّر واضح على إصابتك باكتئاب، وسأسرد لكِ الأعراض حتَّى تتأكَّدي بنفسك إن كنت تُعانين منها أم لا، وهي:

الشُّعور الدائم بالحزن.

فقدان الاستِمْتاع بالأنشطة السارَّة، وهي ما تسمى بـ Anhedonia.

اليأس.

مطاردة الشعور بالذنب.

الشعور بعدم الكفاءة أو الرداءة.

الاعتماديَّة الشَّديدة.

فقد الاهتمام بالأمور المعتادة.

انخِفاض في تقدير ومفهوم الذات.

المبالغة في النَّظَر إلى المشكلات اليسيرة.

لوْم الذَّات.

تصيُّد أخطاء الذَّات وتضْخيمها.

صعوبة اتِّخاذ القرار.

ولكن بقي أن نعرِف نوعَ الاكتِئاب وشدَّته؛ لأنَّ هناك أنواعًا وصورًا عدَّة للاكتئاب، فهناك:
الاكتئاب الخفيف Mild Depression، وهو أخف أنواع الاكتئاب.

الاكتئاب الحاد Acute Depression، وهو أشد صور الاكتئاب.

الاكتئاب المزمن Chronic Depression، وهو دائم وليس في مناسبة معينة.

الاكتئاب التفاعلي Reactive Depression، وهو رد فعل لحلول الكوارث أو المصائب، وهو قصير المدى.

الاكتئاب الشرطي: وهو اكتئاب يرجع مصدره إلى خبرة جارحة.

وهذا الأمر لن تعرفيه بشكلٍ قاطع إلاَّ مع أخصائيَّة نفسيَّة، لتحدِّد هي بناء على الاختِبارات والمقابلات التي ستُجْريها لك نوعَ الاكتِئاب الَّذي تُعانينَه، بالإضافة إلى معرفة السَّبب الرَّئيس للاكتِئاب.

وأنا أرجِّح السَّبب في حالتك إلى الظُّروف الصَّعبة التي تعيشينها، وهذا ما لمستُه من رسالتك، فأنت الأخت الكبرى وتقع على عاتقِك مسؤوليَّة إخوتك كما يبدو، كما أنَّك لم تذكُري لنا شيئًا عن والدك، وهو ما جعلني أشعر أنَّه غائب عنكم - أو حاضر غائب كما يقولون - وهذا الأمر يسبِّب ألمًا ثقيلاً على النَّفس والرُّوح.

وأيضًا الشَّيء الذي شعرت بأنَّه ساهم في ظهور حالة الاكتِئاب لديك هو سقف التوقُّعات والتكليفات التي وضعْتِها لنفسك، فأنت - كما يتَّضح من رسالتك - وضعت لنفسك مستوى معينًا من العبادة والإيمان القلبي بالله والتعلُّق به، ومستوى معينًا من أسلوب التَّعامل مع الناس، وطريقة التفكير والأهداف وغيرها مما كتبتِ، إن لم تصِلي إليه، فأنت شيء لا قيمةَ له ولا يستحقُّ الحياة أو السعادة!

عزيزتي، هذه الطَّريقة القاسية في التَّعامُل مع نفسك، وهذا الأسلوب المتشدِّد في الحياة الذي لا يرى سوى اللَّونين الأبيض والأسود، ويغمض الطَّرف عن الدَّرجات الكثيرة المتعدِّدة للرمادي - هو أسلوب خاطئ تمامًا، وأوَّل سببٍ لكوْنه خاطئًا هو أنَّ الإسلام لم يحثَّنا عليه، بل ولم يقرَّه أصلاً، وهذا واضح في أقوال كثيرة للرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - خرج منها أهل السنَّة والجماعة بقاعِدة مفادها: أنَّ "الإيمان يزيد وينقص".

وأيضًا حين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرَّحْمَن، كقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ))؛ رواه مسلم.

بل وفي حديث آخَرفي الصَّحيحين: أنَّ نفرًا من أصحاب النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال أحدهم: أمَّا أنا فأصوم لا أُفطر، وقال الآخر: أمَّا أنا فأقوم لا أنام، وقال الآخر: أمَّا أنا فلا أتزوَّج النِّساء، وقال الآخر: أمَّا أنا فلا آكل اللحم، فقام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطيبًا فقال: ((ما بال رجالٍ يقول أحدُهم كذا وكذا؟! لكنِّي أصوم وأفطِر، وأقوم وأنام، وأتزوَّج النِّساء، وآكل اللحم، فمَن رغِب عن سنَّتي فليس منِّي))؛ رواه البخاري ومسلم.

فالله - سبحانه - خلق البشر وهو الأعلم بطبيعتِهم وبقلوبهم، ويعلم - سبحانه - أنَّهم متقلِّبون، يومًا يكونون في أعلى درجات الإيمان، وفي اليوم التَّالي يكون إيمانُهم ضعيفًا ويَحتاج إلى تقْوية وتدعيم، هذا أمر طبيعي للغاية، وهكذا الإنسان في جميع مشاعرِه، وليس إيمانه بربِّه فقط، بالتَّأكيد مرَّت عليك أيَّام كنت تشعُرين فيها بحبٍّ قوي وعظيم لإحدى صديقاتك، وبعدها بفترة شعرت أنَّك لا تكنِّين لها مشاعر مميَّزة؛ بل وأحيانًا تشعُرين أنَّك لا تحبِّينها أصلاً، كذلك في الأكْل: بعض الأيَّام نشتهي أكلةً معيَّنة ونكون مستعدِّين أن لا نأكُل سواها لأيَّام، وبعد فترة إن رأيتِها أمامك تشعرين بأنَّك لا يمكن أن تضَعي منها لقمة واحدة في فمك!

هذا طبع الإنسان وحاله، المهمّ ألا يقسو على نفسِه، وأن يفهمَها ويفهم طبيعتَها، ويعرف ويتأكَّد أنَّ هذا جزء من تكوينِه البشري، الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو أعظم مخلوق خلقه الله - سبحانه - كان يدْعو دائمًا: ((اللهُمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنْه في قلوبِنا))، مع أنَّه هو رسول الأمَّة؛ فلا يمكن أن يكره الإيمان أو يتركه يومًا، لكن ذلك كان ليعلِّمَنا أنَّ طبع البشر متغيِّر ومتقلِّب، ولا يستقرُّ على حالٍ واحدة.

ومن المسلَّم به أنَّ كلَّ إنسان في الدنيا يظهر الجيِّد فيه ويخفي القبيح، فحين نرى الإنسان يصلِّي ويصوم ويعبد الله، هذا لا يَعني أنَّه مخلوق صالح بالكامل ولا يعصي الله أبدًا، كذلك العكس؛ إن رأيْنا مَن يعصي الله، فهذا لا يعْني أنَّه لا يأتي عليْه وقت يُطيع الله ويتقرَّب إليه، كلُّ مخلوق في الدنيا فيه الخير وفيه الشَّرُّ، وفيه الصَّلاح وفيه الفجور، والرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أقرَّ هذا الأمر في الحديث الَّذي يرويه النوَّاس بن سمعان - رضي الله عنْه - قال: سألتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن البرِّ والإثم، فقال: ((البرُّ حسن الخلق، والإثْمُ ما حاك في صدْرِك وكرهت أن يطَّلع عليه النَّاس))؛ أخرجه مسلم.

وأيضًا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يخلو جسدٌ من حسد، ولكن المؤمن يُخفيه، والمنافق يبديه".

إذًا؛ فالإسلام أقرَّ أن يشعُر الشخص بهذه المشاعر السيِّئة والسلبيَّة؛ لأنَّ هذه طبيعة الإنسان الذي خُلق من طين ونفخة من روح علويَّة، فاختلطت به صفات الأرض وصفات السَّماء الطاهرة، لكن الشرط أن يُخفيها بداخله ولا يبديها، ولا يتصرَّف على أساسها، بل يتَّقي الله ويُجاهد نفسَه لإخفائِها ما استطاع.

عزيزتي، توقَّفي عن القسوة على نفسِك بهذا الشكل، فأنت أفضل ممَّا تتخيَّلين أو تظنِّين، وهناك الكثير المخبَّأ بداخلك ينتظرُك أن تكتشفي وجودَه، لكنَّه لن يخرج إلاَّ إذا أحببتِ نفسَك وتقبَّلتِها بعيوبِها قبل حسناتها، وعملْتِ بجدٍّ لجعْل عيوبك مفاتيح للتغير إلى الأفضل، وكما ورد عن أنس - رضي الله عنْه - عن النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه.

أعرف أنَّك ربَّما تقولين الآن في نفسك: لكنَّني لم أتب، أو كما قلت: "أشعر أني مطرودة من رحمة الله، وأشعر أني لا أريدها، وأحيانًا أشعر أنَّني ممكن أنجح وأتميَّز ولكن دون إسلام وطاعة لله".

وهذا ربَّما يكون بدايات لوسواس قهْري كما قالت لك الأخصائيَّة النفسية؛ لذلك أوَّل خطوة في علاج الوساوس هي عدَم أخْذِها على محملِ الجدِّ والتَّفكير فيها، بل تَجاهليها حتَّى لو رنَّت في عقلِك مئات المرَّات، تَجاهليها وردِّدي شيئًا ما حتَّى تطْرُديها من تفكيرِك، كآيةٍ من القرآن أو حديثٍ، أو استِغْفار أو تسبيح أو غيره.

أنت قلت في البداية: أنَّ أزمتَك النفسيَّة التي مررتِ بها في الثَّانوية كانت بسبب كلامٍ سلْبي قلتِه لنفسِك، وها أنتِ تكرِّرين الأمر!

إذًا؛ أنتِ تعرفين السَّبب، والحل هو توقُّفك فورًا عن هذا الأمر، وتذْكير نفسك المستمر بالأمور الطيِّبة والرَّائعة الموجودة والمخبَّأة بداخلك.

وأخيرًا: كوني واقعيَّة في أحلامك وطموحاتك وتعامُلاتك مع الناس، فنحن بشر ولسْنا ملائكة، والخطأ وراد منَّا لا محالة، وما وُجِد الخطأ إلاَّ لنتعلَّم، والفترات التي تمرُّ عليْنا بدون كثرة صلاة أو قُرآن إنَّما لتجعلَنا نشعر بقيمة الأوقات التي نقْضيها معهُما، وحلاوة الدَّقائق والثَّواني بصحبتِهما، لنتمسَّك بهما ونحرص عليهِما أكثر، وكل إنسانٍ له وقت يكون فيه بأفضل حالاته، وأحيانًا تسوء حاله ووضعه ويتدهْور، لا بأس فهذه سنَّة الحياة، وعليْنا أن نتقبَّلها ونتعايش معها، ونتعلَّم منها، ففي حالات الفتور نشعُر بقيمة النَّجاح والإنجاز، وفي حالات النَّجاح نشعُر بنعمته ونشكر الله عليْها.

عزيزتي، مشاعرك الطيِّبة ستعود إليْك حين تقرِّرين إرجاعها وتُحدِّثين نفسك بها، وتذكِّرينها بها وبروعتك في ذلك الوقت حين كنتِ تفيضين بها على عائلتِك وأصدقائك.

وعلاقتك بالله، ابدئي بإعادتها من اليوم، عُودي إلى صلاتك وقراءَتِك للقُرآن، حتَّى وإن لم تشعُري بلذَّتهما، فالبعد يورث الجفوة في القلْب، ولا بدَّ من بعض الوقت حتَّى يعود قلبك لقديم عهده، وادْعي دائمًا بالدعاء الَّذي ورد عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح الجامع": ((اللهُمَّ إني أعوذ بك أن أُشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغْفِرك لما لا أعلم))، وادْعي الله دائمًا أن يرزُقَك الإخلاص، وحسن الإرادة والمقْصد، والقبول لأعمالك كلِّها.

وفَّقك الله، وأيَّدك بتأييده، ورزقك الإيمان واليقين والاطمئنان.

ولا تنسَي أن تتابعينا بأخبارِك لنطمئنَّ عليك.

ودمت في رعاية الله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.53 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]