|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() (11) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي حكم هجر القرآن. تعال معنا - أخي الحبيب - لنتعرف على عاقبة من هجر القرآن، وأعرض عنه في الدنيا والآخرة: 1 - إن صاحب الهجر والإعراض من أعظم الناس ظلماً. 2 - يجعل الله على قلبه الأكنة - أغطية وغشاوة - حتى لا تفقه الحق، وعلى الآذان الوقر - الصمم المعنوي عن الرشاد -. 3 - صاحب الهجر من الضالين، وأخبر الله عن عدم اهتدائه أبداً إلى الحق. الدليل على هؤلاء قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (57) سورة الكهف 4 - انتقام الله من المعرضين عن القرآن، ووصفهم بالإجرام. قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22) سورة السجدة 5 - كون المعرض كالحمار ![]() قال تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} (49 - 51) سورة المدثر 6 - ينذر الله من هجر القرآن ويتوعده بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (13) سورة فصلت 7 - المعيشة الضنك في الدنيا. قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (124) سورة طه. إن مَنْ هجر القرآن يعيش معيشة ضنكاً، وهذه الكلمة صعبة في النطق كأنها تشير إلى صعوبة تلك الحياة. ![]() قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في بيان حال من هجر القرآن: (في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد فهذا من ضنك المعيشة .. وجاء أيضاً في تفسير الضنك بأنه الكسب الحرام، والعمل السيئ، والرزق الخبيث، وأنه عذاب القبر وضمته). (1) قال الإمام الشنقيطي - رحمه الله -: (وهذه الأقوال متقاربة لا يكذب بعضها بعضاً، والأولى شمول الآية لجميع الأقوال المذكورة). (2) 8 - يحشر يوم القيامة أعمى. قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (124 - 126) سورة طه سبحان الله! يحشر من أعرض عن القرآن يوم القيامة أعمى، بعد أن كان بصيراً في الدنيا، لكنه ما نظر بعينه إلى القرآن فتلاه، وعمل بمقتضاه، لكنه أعرض عنه، وهجره، وتناساه؛ فصار كالأعمى الذي حرم نعمة البصر؛ لأن الجزاء من جنس العمل. قال مجاهد، وأبو صالح، والسدي: {أَعْمَى}: لا حجة له. وقال عكرمة: عُمِّيَ عليه كُلُّ شيء إلا جهنم. وقال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث، أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً، كما قال تعالى {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} (97) سورة الإسراء) (1). 9 - يسلكه الله عذاباً صعداً. ![]() قال تعالى: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} (17) سورة الجن. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (أي عذاباً مشقاً، شديداً، موجعاً، مؤلماً. قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وابن زيد: {عَذَابًا صَعَدًا} أي مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر فيها) (2). لا إله إلا الله! مَنْ منا يقوى على هذا العذاب؟ فهل من توبة إلى الله؟. 10 - يقيض الله له قريناً من الشيطان. قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (36) سورة الزخرف (يقول تعالى: {وَمَن يَعْشُ} أي: يتعامى، ويتغافل، ويعرض {عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} والعشا في العين: ضعف بصرها، والمراد هنا: عشا البصيرة {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} ![]() قال تعالى: {وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا} (38) سورة النساء. أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم، فإذا وافى الله - عز وجل - يوم القيامة يتبرأ من الشيطان الذي وُكِّلَ به: {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} (38) سورة الزخرف) (1). 11 - الحسرة والندامة يوم القيامة. قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} (27 - 29) سورة الفرقان. 12 - وقوعه تحت شكوى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان قال الإمام الشنقيطي - رحمه الله -: (وهذه شكوى عظيمة، وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن العظيم، فلم يعمل بما فيه من الحلال والحرام والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد، ويعتبر بما فيه من الزواجر والقصص والأمثال) (2). ![]() فكيف يكون حال من هجر القرآن مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة؟ وإذا به يتجه مع المسلمين - وكله شوق وحنين - لرؤية النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - ليشرب من يده شربة هنيئة، لا يظمأ بعدها أبداً، فإذا به يفاجأ بالملائكة تطرده عن الحوض، وتبعده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمتي أمتي» فتقول الملائكة: إنك لا تدري ماذا أحدثوا من بعدك، فيدعو عليهم رسول الله بالهلاك والدمار فيقول: «سُحْقاً سُحْقاً». 13 - حرمان شفاعة القرآن يوم القيامة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» (1). وقال أيضاً: «القرآن حجة لك أو عليك» (2). بالله عليك كيف يشفع القرآن في رجل هجره، وأعرض عنه، وأقبل على غيره من كلام البشر يقرأه، أو يسمعه؟ فإن المحروم حقيقةً من حرم شفاعة القرآن يوم القيامة. ![]() 14 - يختم لمن هجر القرآن بسوء الخاتمة. إن نصيب الإنسان من الدنيا عمره، فإن أحسن الاستفادة منه فيما ينفعه في دار القرار فقد ربحت تجارته، وإن استغله في المعاصي والسيئات حتى لقي الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين، والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله، وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سبباً في هلاكه. والإنسان يعيش على ما نشأ عليه، ويموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من وفقه الله إلى عمل صالح ثم يقبضه عليه، والشقي من حرم ذلك، ومنهم من هجر القرآن يا مَنْ هجرت القرآن، تب إلى الله، والحق قافلة العائدين إلى الله، التي تزداد يوماً بعد يوم، ورافق أهل القرآن حتى تكون منهم، تفز بالسعادة في الدارين. ![]() (1) تفسير ابن كثير (3/ 173) بتصرف، طبعة المكتبة القيمة. (2) أضواء البيان للشنقيطي (4/ 595 - 596) طبعة مكتبة ابن تيمية. 1) تفسير ابن كثير (3/ 174) طبعة المكتبة القيمة. (2) تفسير ابن كثير (4/ 431). (1) المرجع السابق (4/ 128) بتصرف. (2) أضواء البيان (6/ 48) طبعة دار الفكر. (1) رواه مسلم عن أبي أمامة - رضي الله عنه -. (2) رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -. انظر صحيح الترغيب رقم (184). (31) فتح الرحمن فى بيان هجر القران ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() (17) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي هجر استماع القرآن استماع القرآن الكريم وفيه أربعة: أولاً: معنى السماع. ثانياً: فضائل استماع القرآن. ثالثاً: آداب استماع القرآن الكريم. رابعاً: سبب هجر استماع القرآن. أولاً: معنى السماع السماع لغةً: ![]() قال ابن منظور - رحمه الله -: سمع: السَّمْعُ حسُّ الأذن، وفي التنزيل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق؛ وقال ثعلبُ: معناه: خلا له فلم يشتغل بغيره، وقد سمعه سَمْعاً وسِمْعاً وسَمَاعاً وسَمَاعة وسَمَاعية ... السماع اصطلاحاً: قال الإمام ابن القيم: (وحقيقة السماع تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه عنها طلباً أو هرباً، وحباً أو بغضاً) (2). ثانياً: فضائل استماع القرآن إن فضائل استماع القرآن الكريم كثيرة، كما أن لتلاوة القرآن الأجر العظيم، فكن - أخي الحبيب - من المحافظين على تلاوته واستماعه، حتى تفوز بالأجر العظيم في الدنيا والآخرة، وتكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. ومن هذه الفضائل: ![]() 1 - استماع القرآن سبب لرحمة الله - سبحانه وتعالى -: قال الله - عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف. قال - صلى الله عليه وسلم -: " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " (2). 2 - استماع القرآن سبب لتحصيل الأجر العظيم وكما عرفنا أن مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، فإن الأجر لا يتوقف على التلاوة فحسب، بل إن استماع القرآن الكريم - إذا أخلص الإنسان نيته لله - من الأسباب المعينة على تكثير الحسنات، ومضاعفة الطاعات، ومن أفضل القربات. قال أبوهريرة - رضي الله عنه -: (مَنْ استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كُتب له حسنة مضاعفة، ومَنْ تلاها كانت له نوراً يوم القيامة) (1). 3 - استماع القرآن سبب لهداية الإنسان لقد أوضح الله سبحانه وتعالى أن القرآن مصدر الهداية في الدنيا والاخرة، ومن تمسك به تلاوة واستماعاً وعملاً وتدبراً فلن يضل أو يشقى، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء. وإن استماع القرآن من الأعمال الصالحة التي بشر القرآن أصحابها بالهداية، ووصفهم بأنهم أصحاب العقول السليمة الراشدة فقال عز وجل: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (17 - 18) سورة الزمر. ![]() 4 - استماع القرآن سبب لتحصيل النور عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كانت له نوراً) (1). إن الاستماع إلى القرآن الكريم يكسب صاحبه نوراً في الدنيا: ينير له الطريق، ويبدد به الظلمات، ويكسب به الشبهات، ويقمع به الشهوات، ويقضي به على الضلالات، وكذلك يكسب صاحبه نوراً في الآخرة: يمشي به على الصراط، وينجو به من المهلكات حتى يفوز بجنة الله خالق الأرض والسموات، فمن دعاء المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم. ![]() فوائد الاستماع: قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (فهذا السماع حادٍ يحدو القلوب، إلى جوار علام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح، وحرك يثير ساكن العزمات، إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات، ومنادٍ ينادي للإيمان، ودليل يسير بالركب في طريق الجنان، وداع يدعو القلوب بالمساء والصباح من قبل فالق الإصباح (حي على الفلاح، حي على الفلاح) .. فلم يعدم من اختار هذا السماع إرشاداً لحجة، وتبصرة لعبرة، وتذكرة لمعرفة، وفكرة في آية، ودلالة على رشد، ورداً على ضلالة، وإرشاداً من غيّ، وبصيرة من عمى، وأمراً بمصلحة، ونهياً عن مضرة ومفسدة، وهداية إلى نور، وإخراجاً من ظلمة، وزجراً عن هوى، وحثاً على تقى، وجلاء لبصيرة، وحياة لقلب، وغذاء ودواء وشفاء، وعصمة ونجاة، وكشف شبهة، وإيضاح برهان، وتحقيق حق، وإبطال باطل ...) (1). ثالثاً: آداب استماع القرآن الكريم ![]() قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2) سورة الأنفال. يذكر الله - تعالى - حال المؤمنين عند استماع آيات القرآن الكريم أنهم يُلقون إليها الأسماع في إصغاء وخشوع، وأدب وخضوع، وصمت وادِّكار، وتفكر واعتبار؛ مؤمنين بأن ما يسمعونه هو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على سيد المرسلين, فوعاه قلبه، ونطق به لسانه، وبلغّه إلى أمته أداء للأمانة، وإبلاغاً للرسالة، فرقاناً بين الحق والباطل، هادياً إلى سبيل الرشاد، مبشراً بالوعد الصادق مَنْ أذعن له وأطاع، منذراً بالوعيد العدل مَنْ تمرد عليه وعصى، مذكراً بأيام الله وما خلا من قرون، ومضى من شئون، ذاكراً ما أعدَّ الله للمتقين من جنات وعيون، ونعيم مقيم، وما أعد للكافرين من نار موقدة، وعذاب دائم أليم. ![]() فترى المؤمنين عند تلاوته وسماعه قد خشعت أصواتهم لرهبته، ووجلت قلوبهم لخشيته، وذرفت عيونهم من مخافته، وأقبلوا على ربهم تائبين، ومن ذنوبهم مستغفرين، وفي رضاه طامعين، ومن غضبه وجلين. رابعاً: سبب هجر استماع القرآن من الأسباب الرئيسة لهجر استماع القرآن الكريم، استماع الغناء واللهو والمزمار، الذي أصبح سمة غالبة لكثير من المسلمين - إلا مَنْ رحم الله -. ولقد صرح بذلك العلامة ابن القيم - رحمه الله - فقال: (ومن مكايد عدو الله ومصائده، التي كاد بها مَنْ قَلَّ نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء، والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان. فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى )(1) ![]() (2) (مدارج السالكين (1/ 517) انظر نضرة النعيم (6/ 2301)). (2) رواه مسلم (6726) وأبوداود والترمذي مختصراً عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً. (1) (ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً) رواه أحمد مرفوعاً (3/ 341) وضعفه المنذري في الترغيب (2/ 345)، وقال الحافظ العراقي في تخريج الاحياء (1/ 320): (وفيه ضعف وانقطاع) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5408)، وقال محقق التبيان ص (73): وفيه الحسن البصري مدلس ولم يصرح بالسماع وقد اختلف في سماعه من أبي هريرة، وعباد بن ميسرة ضعيف، فالحديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً) طبعة مكتبة ابن عباس المنصورة. (1) (صحيح الإسناد) رواه الدارمي في سننه برقم (3367) (وفيه رزين بن عبد الله بن حميد لم أقف على من ترجم له، وأما عنعنة ابن جريج فلا تضر عن عطاء لأنه قال: إذا قلت: قال عطاء، فهو سماع وإن لم أقل: سمعت، وقد تابع رزيناً عبد الرزاق (6012) فصح الإسناد). نقلاً عن تخريج التبيان ص (73) مكتبة ابن عباس المنصورة. (1) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 535) طبعة دار الجيل. (1) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم الجوزية (1/ 229 ) طبعة دار الحديث. ![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() (19) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي نماذج من استماع القرآن الكريم استماع النبي - صلى الله عليه وسلم -. لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب استماع القرآن الكريم ويطلب من غيره أن يسمعه القرآن، ويقف أحياناً فترات طويلة ينصت ويستمع لقراءة أحد أصحابه من ذوي الأصوات الحسنة الجميلة. ![]() استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من ابن مسعود - رضي الله عنه - فقد صح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"اقرأ عليَّ القرآن" فقلت: يارسول الله! اقرأ عليك وعليك أُنْزِل؟ قال:" إني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} (41) سورة النساء. قال: " حسبك الآن" فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان (3). قال ابن بطال: (يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة، ويحتمل أن يكون ليتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها، وهذا بخلاف قراءته هو - صلى الله عليه وسلم - على أُبَيّ بن كعب لما تقدم في المناقب وغيرها (1) فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك (2). ![]() وعن ابن مسعود قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وهو بين أبي بكر وعمر وإذا ابن مسعود يصلي وإذا هو يقرأ النساء فانتهى إلي رأس المائة فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اسأل تعطه، اسأل تعطه، ثم قال: مَنْ سَرَّه أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنْزِل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد "، فلما أصبح غدا إليه أبو بكر - رضي الله عنه - ليبشره، وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لاينفد، ومرافقة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في أعلى جنة الخلد. ثم جاء عمر - رضي الله عنه - فقيل له: إن أبا بكر قد سبقك، قال: يرحم الله أبا بكر ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه (3). استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من سالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنه - وعن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أبطأتُ على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليلة بعد العشاء ثم جئت فقال: " أين كنت؟ " قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد. قالت: فقام وقمت معه حتى استمع له ثم التفت إليَّ فقال: " هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا" (1). ![]() استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من أبي موسى - رضي الله عنه - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا أباموسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود " (2). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: قوله: " يا أبا موسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود " كذا وقع عنده مختصراً من طريق بُرَيد، وأخرجه مسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة بلفظ «لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة ... " الحديث. وأخرجه أبويعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه (أن النبي - ![]() صلى الله عليه وسلم - وعائشة مَرَّا بأبي موسى وهو يقرأ في بيته، فقاما يستمعان لقراءته، ثم إنهما مضياً. فلما أصبح لقي أبوموسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يا أباموسى، مررت بك" فذكر الحديث فقال: " أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيراً". ولابن سعد من حديث أنس بإسناد على شرط مسلم (أن أبا موسى قام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته - وكان حلو الصوت - فقمن يستمعن، فلما أصبح قيل له، فقال: " لو علمت لحبرته لهن تحبيراً " ... قال الخطابي: قوله: " آل داود " يريد داود نفسه، لأنه لم ينقل أن أحداً من أولاد داود، ولا من أقاربه، كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي) (1). ![]() استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من الأشعريين - رضي الله عنه - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن. حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم، بالقرآن بالليل. وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار. ومنهم حكيم إذا لقى الخيل أو لقى العدو قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم ". (2) ![]() استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من جبريل عليه السلام عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأنه جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة) (3). قال الحافظ ابن حجر: (أول نزول جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان، وأن جبريل كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في شهر رمضان وفي ذلك حكمتان: إحداهما: تعاهده. ![]() (3) رواه البخاري (14582) ومسلم وأبو داود وا لترمذي وأحمد وغيرهم. (1) عن أنس بن مالك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأُبَيِّ:" إن الله أمرني أن اقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} قال: وسماني؟ قال: " نعم " فبكى. رواه البخاري (4959). (2) فتح الباري (8/ 718). (3) (حديث صحيح لغيره) رواه أحمد وأخرجه أبويعلي في مسنده والطبراني في الكبير وابن ماجة مختصراً، انظر الصحيح المسند من فضائل الصحابة لمصطفى بن العدوي ص (234)، وقال الألباني: إسناد حسن راجع السلسلة الصحيحة (2301). ![]() (1) (إسناده صحيح ورجاله ثقات) رواه ابن ماجة وأخرجه أبونعيم في الحلية (1/ 371) والحاكم في المستدرك (3/ 225 - 226) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (1100). (2) رواه البخاري (5048) ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم. (1) فتح الباري (8/ 711). (2) متفق عليه. (3) رواه البخاري مع الفتح (1/ 40) طبعة الريان رواه مسلم (2307). ![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() (21) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي ثانياً: أسباب هجر تدبر القرآن. قل مَنْ يقرأ القرآن، وقل مِنْ هؤلاء القارئين مَنْ يتدبر القرآن، ويقف مع وعده ووعيده؛ حتى تتحقق له الدعوة إلى الطاعة، والزجر عن المعصية، فإذ بالقرآن - الذي لو أنزله الله على الجبال الرواسي الشامخات لتصدعت من خشية الله - إذا به يقرأ، وآيات الوعد والوعيد تسمع، ولكن قلوب قاسية، وأبدان جامدة، وأعين متحجرة، فلا قلب يخشع، ولا بدن يخضع، ولا عين تدمع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (مَنْ لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومَنْ قرأ القرآن ولم يتدبره فقد هجره، ومَنْ تدبر القرآن ولم يعمل به فقد هجره) (1). وترجع (ظاهرة) هجر تدبر القرآن إلى أسباب كثيرة منها: ![]() 1 - الذنوب والمعاصي. 2 - ترك الدعاء 3 - الجهل باللغة العربية. 4 - التخلي عن موانع الفهم. 5 - هجر كتب التفسير. وإليك بيان هذه الأسباب بشيء من التفصيل: ![]() أولاً: الذنوب والمعاصي من عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين. قال العلماء: هو الذنب بعد الذنب حتى يطبع على قلب صاحبها فيكون من الغافلين، ويحرم من العلم؛ ولذلك قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. فينبغي لمن أراد أن يتدبر القرآن أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي (وبخاصة التي تتعلق بأدوات ووسائل التدبر: القلب والسمع واللسان والبصر. فاستخدام هذه الأدوات في الحرام يعرضها لعدم الانتفاع بها في الحق قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (25) سورة الأنعام. وقال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} (5) سورة فصلت. فذكر الله غطاء القلب وهو الأكنة، وغطاء الأذن وهو الوقر، وغطاء العين وهو الحجاب، فالحجاب يمنع من رؤية الحق، والأكنة تمنعه من فهمه، والوقر يمنعه من سماعه) (1). ![]() لما جلس الإمام الشافعي - رحمه الله - بين يدي الإمام مالك - رحمه الله -، وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه؛ فقال له: (إن الله - تعالى - قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية). ومما ورد عن الشافعي - رحمه الله - قوله: شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يؤتاه عاص ومما سبق يتضح أن الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب التي تحول بين العبد وتدبر القرآن الكريم (1). ![]() ثانياً: ترك الدعاء إن الدعاء سلاح المؤمن في جميع أموره، ولذلك فإن سير الأنبياء والصالحين مليئة بالأدعية الصالحة المستجابة، وكان السلف الصالح إذا استعصى عليهم فهم آية من كتاب الله وتدبرها، لجأوا إلى الله بالتضرع والدعاء مع تخير الأوقات المناسبة للإجابة، وسنذكر بعضاً من سيرهم في ذلك: يذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في سياق هجرة عمر بن الخطاب مع عياش بن ربيعة وهشام بن العاص - رضي الله عنهم - (ولقد حبس الكفار هشاماً عن الهجرة، واستطاع أبوجهل أن يرد عياشاً إلى مكة بعد حيلة ماكرة وخطة غادرة ... وقد كان شائعاً بين المسلمين أن الله لا يقبل ممن افتتن توبة، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وأنزل الله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * ![]() وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (53 - 55) سورة الزمر. قال عمر: وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن العاص. قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها وأصوب، ولا أفهمها؛ حتى قلت: اللهم فهمنيها؛ فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة) (1). وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول في دعائه دائماً: (اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني) فيجد الفتح في ذلك (2). فالزم - أخي الحبيب - الدعاء دائماً، وسل الله من فضله أن يرزقك فهم كتابه، وتدبر معانيه، وقل: (اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي) (3). ![]() ثالثاً: الجهل باللغة العربية إن الله - تعالى - أنزل القرآن الكريم بلغة العرب قال تعالى: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (103) سورة النحل، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (192 - 195) سورة الشعراء. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات،وأبينها، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات) (1). ![]() _________ (1) كتاب ففروا إلى الله للشيخ أبي ذر القلموني ص (187) طبعة دار المنار. (1) شفاء العليل ص (93)، والتفسير القيم ص (347). (1) انظر لمزيد من الفائدة كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم - رحمه الله. (1) البداية والنهاية للحافظ ابن كثير (3/ 136 - 137) بتصرف، طبعة دار الكتب العلمية. (2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/ 38). (3) (حديث صحيح) أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً، انظر السلسلة الصحيحة (199). (1) تفسير ابن كثير (2/ 467) طبعة دار الفكر. ![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ![]() (23) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي كيف نتدبر القرآن الكريم؟ ثانياً: الطريق العملي: وذلك باتباع الخطوات الآتية: 1 - الالتزام بآداب التلاوة وبخاصة الإخلاص والطهارة والسواك والاستعاذة واختيار المكان المناسب ... وقد سبق ذكرها بشيء من التفصيل في هجر التلاوة. 2 - تفريغ القلب من الشواغل، والتخلي عن موانع الفهم وبخاصة الذنوب والمعاصي، والغفلة والكبر .. ، والعمل على صلاح القلوب وطهارتها عن طريق الذكر والتسبيح والاستغفار، والإنابة والتوبة، والتخلص من فضول الطعام والمنام والنظر والمخالطة. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ![]() (فإذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته، وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن تمام التأثير، لما كان موقوفاً على مُؤَثِّرٍ مُقْتَضٍ، ومَحْلٍ قَابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه: تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه، وأدله على المراد. فقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق. وهذا هو المؤثر. وقوله: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحل القابل، والمراد به: القلب الحي الذي يعقل عن الله، كما قال - تعالى -: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} (69 - 70) سورة يس. أي: حَيّ القلب. وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: وَجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يُقَال، وهذا هو شرط التأثير بالكلام. وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: شاهد القلب حاضر غير غائب. ![]() قال ابن قتيبة: استمع لكتاب الله وأنت شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساه. وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير وهو: سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله. فإذا حصل المؤثر: وهو القرآن. والمحل القابل: وهو القلب الحي. ووجد الشرط: وهو الإصغاء. وانتفى المانع: وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه إلى شيء آخر , حصل الأثر: وهو الانتفاع بالقرآن والتذكر) (1). ![]() 3 - ترتيل القرآن، قال تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (4) سورة المزمل. إن ترتيل القرآن يساعد على تدبر الآيات، وفهم معانيها. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إليَّ من أن أقرأ القرآن كله). وعن مجاهد أنه سُئلَ عن رجلَين: قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر قرأ البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما سواء، قال: الذي قرأ البقرة وحدها أفضل) (1). وأكثر العلماء يستحبون الترتيل في القراءة ليتدبره القارئ ويفهم معانيه. عن حفصة - رضي الله عنها -: (كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول منها) (2). ![]() 4 - ترديد الآية حتى يتحصل على التدبر عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة (3). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية يرددها حتى أصبح، الآية {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة (4). وقام قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - الليل لا يقرأ إلا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها لا يزيد عليها. (5) وعن تميم الداري - رضي الله عنه - أنه كرر هذه الآية حتى أصبح {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (21) سورة الجاثية. (1) 5 - التفاعل مع الآيات، وإظهار الحزن والتأثر، أثناء القراءة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله " (2). ![]() ولقد ورد في سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف (3) " اقرءوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا " فإن لم يتأثر الإنسان بالقراءة، وتبكي عينه، وتقشعر جوارحه، فعليه أن يتظاهر بالحزن والبكاء على الحرمان من ذلك، فإنه من أعظم المصائب. عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح (البقرة) فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح (النساء) فقرأها، ثم افتتح (آل عمران) فقرأها، يقرأ مسترسلاً، وإذا مَرَّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مَرَّ بآية سؤال سأل، وإذا مَرَّ بتعوذ تعوذ) (4). قال الإمام النووي - رحمه الله -: (يستحب هذا السؤال والاستعانة، والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارج منها ...) (5). ![]() _________ (1) الفوائد للإمام ابن القيم ص (3 - 5) طبعة دار الكتب العلمية. (1) التبيان للإمام النووي ص (64 - 65) طبعة مكتبة ابن عباس. (2) رواه مسلم والترمذي. (3) (حديث صحيح) رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (370). (4) (حديث صحيح) رواه أحمد (4/ 149) وذكره الألباني في صفة الصلاة. (5) رواه البخاري (الفتح 9/ 59). (1) (إسناده صحيح) رواه ابن أبي شيبة، هامش التبيان ص (62). (2) أخرجه ابن ماجه والدارمي. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2202)، وضعفه البوصيري والعراقي، والحويني انظرتفسير ابن كثير (1/ 270). تحقيق الحويني. (3) راجع ضعيف ابن ماجه (281)، وضعيف الجامع (2025). (4) رواه مسلم وأبوداود والترمذي. (5) التبيان للإمام النووي ص (66). ![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() ![]() (24) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي المقامات العليا في التدبر وفيه ثلاثة مباحث: أولاً: التدبر في القرآن الكريم. ثانيًا: تدبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ثالثًا: تدبر القرآن في سير السلف الصالح. أولاً: التدبر في القرآن الكريم لقد أمر الله - سبحانه وتعالى - بتدبر القرآن الكريم في آيات كثيرة نستعرضها بشيء من التفسير والتوضيح. ![]() الحث على التدبر قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء. قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: (أفلا يتدبرون يا محمد كتاب الله، فيعلموا حجة الله عليهم في طاعتك، واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم من التنزيل من عند ربهم لاتساق معانيه، ![]() وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضاً للتصديق، وشهادة بعضه لبعضه بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله، لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض) (1). قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: (قوله تعالى: {لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه التناقض، قاله ابن عباس، وابن زيد، والجمهور. الثاني: الكذب، قاله مقاتل، والزجاج. الثالث: أنه اختلاف تفاوت من جهة بليغ من الكلام، ومرذول، إذ لابد للكلام إذا طال من مرذول، وليس في القرآن إلا بليغ، ذكره الماوردي في جماعة) (1). ![]() القلب وتدبر القرآن قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: {أَمْ} بمعنى: بل، وذكر الأقفال استعارة، والمراد أن القلب يكون كالبيت المقفل لا يصل إليه الهدى، قال مجاهد: الران أيسر إلى الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد ذلك كله) (2). عن هشام بن عروة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها. فما زال الشاب في نفس عمر - رضي الله عنه - حتى ولي فاستعان به) (3). ![]() وتنكير القلوب: يتضمن إرادة قلوب هؤلاء وقلوب مَنْ هم بهذه الصفة، ولو قال: أم على القلوب أقفالها، لم تدخل قلوب غيرهم في الجملة. تهويل حال القلوب وتفظيع شأنها بإبهام أمرها في القساوة والجهالة، كأنه قيل: على قلوب منكرة لا يعرف حالها، ولا يقدر قدرها في القساوة. أو: لأن المراد بها قلوب بعض منهم، وهم المنافقون، فلم يحتج إلى تعريف القلوب، لأنه معلوم أنها قلوب من ذكر) (4). بركة القرآن الكريم قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة، والمآخذ العقلية الصريحة؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص. أي: ذو العقول وهي الألباب جمع (لُب) وهو العقل، قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله ما يُرَى له القرآن في خُلُقٍ ولا عَمَلٍ. رواه ابن أبي حاتم) (1) ![]() عظمة القرآن الكريم قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الحشر قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (يقول تعالى معظماً لأمر القرآن، ومبيناً علو قدره، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب، وتتصدع عند سماعه؛ لما فيه من الوعد الحق، والوعيد الأكيد: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}. أي: فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه؛ لخشع وتصدع من خشية الله - عز وجل -، فكيف يليق بكم أيها البشر أن لا تلين قلوبكم؟! وتخشع وتتصدع من خشية الله؟! وقد فهمتم عن الله أمره، وتدبرتم كتابه؛ ولهذا قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقد قال تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (74) سورة البقرة) (1). ![]() _________ (1) تفسير الطبري (8/ 567). (1) تفسير زاد المسير لابن الجوزي (2/ 145) طبعة المكتب الإسلامي. (2) زاد المسير لابن الجوزي (7/ 408). (3) ذكره ابن كثير في تفسيره (4/ 180) طبعة المكتبة القيمة. (4) كيف نتدبر القرآن لفواز زمرلي ص (29 - 30) طبعة دار البشائر. (1) تفسير ابن كثير (4/ 33). (1) تفسير ابن كثير (4/ 342 - 343) بتصرف. ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ![]() (29) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي العمل بالقرآن بين الترغيب والترهيب ثالثاً: الترغيب في العمل بالقرآن الكريم 2 - العمل بالقرآن سبب للفلاح في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {... فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: وقوله: {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ} أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي في الدنيا والآخرة. روى الدارمي بسنده عن أبي موسى - رضي الله عنه -: (إن هذا القرآن كائن عليكم وزرا، اتبعوا هذا القرآن، ولا يتبعنكم القرآن، فإن من تبع القرآن يهبط به في رياض الجنة) (1). ![]() 3 - العمل بالقرآن سبب للرحمة في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (155) سورة الأنعام. قال الإمام الطبري - رحمه الله -: (يعني جل ثناؤه بقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد - {فَاتَّبِعُوهُ} يقول: فاجعلوه إماماً تتبعونه وتعملون بما فيه أيها الناس قال تعالى: {وَاتَّقُواْ} يقول: واحذروا الله في أنفسكم أن تضيعوا العمل بما فيه وتتعدوا حدوده وتستحلوا محارمه ... وقوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يقول: لترحموا فتنجوا من عذاب الله وأليم عقابه). (2) قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره، والعمل به، والدعوة إليه، ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة لأنه حبل الله المتين). (1) قلنا: لا يخفى أن (لعل) محققة الوقوع لأنها من الله، فالرحمة في الدنيا والآخرة لمن اتبع القرآن وعمل به. ![]() 4 - العمل بالقرآن سبب للشفاعة في الآخرة: عن النواس بن سمعان الكلبي قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران " وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: " كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق. أو كأنهما حزقان (2) من طير صواف تحاجان عن صاحبهما " (3). فهذا الحديث يبين أن العاملين بالقرآن في الدنيا يشفع لهم القرآن يوم القيامة. ![]() 5 - العمل بالقرآن سبب لتكفير الذنوب وإصلاح البال: قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (2) سورة محمد. قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} لم يخالفوه في شيء، قال سفيان الثوري: {وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} يريد أن إيمانهم هو الحق من ربهم، وقيل: أي أن القرآن هو الحق من ربهم، نسخ به ما قبله. {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي: ما مضى من سيئاتهم قبل الإيمان. {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي: شأنهم، عن مجاهد وغيره. وقال قتادة: حالهم. وابن عباس: أمورهم. والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم. وحكى النقاش أن المعنى أصلح نياتهم ... وهو على هذا التأويل محمول على صلاح دينهم). (1) قال الإمام الشنقيطي - رحمه الله -: (أي غفر لهم ذنوبهم، وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي: أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحاً لا فساد معه) (2) قال الإمام الطبري - رحمه الله -: {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}: وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه، وفي الآخرة أن أورثهم نعيم الأبد والخلود الدائم في جنانه. (3) ![]() هذه هي الثمرات الزكية والفضائل المرضية، وحسن الجزاء في الدنيا والآخرة للعاملين بالقرآن الكريم، المتمسكين بأوامره، فهل من مشمر عن ساعد الجد لنيل تلك الدرجات، والفوز برضا رب البريات. _________ (1) سنن الدارمي ج2 ص 526 ح3328. (2) تفسير الطبري (8/ 92) طبعة دار الفكر. (1) تفسير ابن كثير (2/ 280). (2) حزقان: جماعتان، الحزق والحزيقة الجماعة من كل شيء. ابن الأثير في النهاية (1/ 364) دار الكتب العلمية. (3) رواه مسلم كتاب الصلاة باب فضل سورة البقرة ح 1843 (1338)، الترمذي في فضائل القرآن (2883) باب ما جاء في سورة آل عمران ج8 ص 161، مسند أحمد (16979). (1) تفسير القرطبي (16/ 191). (2) أضواء البيان (7/ 245). (3) تفسير الطبري (26/ 39) طبعة دار الفكر. ![]()
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ![]() هجر القرآن (12) حكم هجر القرآن سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم هجر القرآن؟ وهل هو حرام أم مكروه؟. فأجابت: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد: أنزل الله القرآن للإيمان به وتعلمه وتلاوته وتدبره والعمل به وتحكيمه والتحاكم إليه والاستشفاء به من أمراض القلوب وأدرانها إلى غير ذلك من الحكم التي أرادها الله من إنزاله. والإنسان قد يهجر القرآن فلا يؤمن به ولا يسمعه ولا يصغي إليه، وقد يؤمن به ولكن لا يتعلمه، وقد يتعلمه ولا يتلوه، وقد يتلوه ولكن لا يتدبره، وقد يحصل التدبر ولكن لا يعمل به، فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه ولا يحكمه ولا يتحاكم إليه ولا يستشفي به مما فيه من أمراض في قلبه وبدنه، فيحصل الهجر للقرآن من ![]() الشخص بقدر ما يحصل منه من الإعراض كما سبق (1). فعلى العبد أن يتقي الله في نفسه وأن يحرص على الانتفاع بالقرآن في شتى وجوه الانتفاع، ويفوته من الخير بقدر ما يتصف به من الهجر). وإلى نفس المعنى وهو أن الهجر لا يأخذ حكماً واحداً، ولكن يختلف باختلاف الأشخاص، وعلى حسب ما فيه من الهجر، أشار الإمام ابن القيم - رحمه الله -فقال بعد ما ذكر أنواع هجر القرآن: (وإن كان بعض الهجر أهون من بعض). (1) وسيأتي مزيد بيان لحكم هجر القرآن عند ذكر أنواعه. أنواع هجر القرآن قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - موضحاً أنواع هجر القرآن في تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان. يقول تعالى مخبراً عن رسوله ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي ...} الآية. وذلك أن المشركين ![]() كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت. فكانوا إذا يتلى عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، وأن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه، آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب). (2) وبَيَّن الإمام ابن القيم - رحمه الله - أنواع هجر القرآن فقال: هجر القرآن أنواع: ![]() أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم. والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه. والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به. وكل هذا داخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان. وإن كان بعض الهجر أهون من بعض). (1) ومما سبق يتضح أن أنواع هجر القرآن والتي ستكون موضوع كتابنا - إن شاء الله - ستة أنواع: ![]() الأول: هجر التلاوة. الثاني: هجر الاستماع. الثالث: هجر التدبر. الرابع: هجر العمل. الخامس: هجر التحاكم. السادس: هجر التداوي والاستشفاء. (اعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره، ثم لم يحكم أمره؛ ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز إلى بعض فصوله؛ فإن الصناعة طويلة والعمر قصير، وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير) (1). ![]() هجر التلاوة وفيه خمسة انواع: أسباب هجر التلاوة. صور من هجر التلاوة. أحوال الناس مع القرآن الكريم. فضل تلاوة القرآن الكريم. آداب وأحكام تلاوة القرآن الكريم. _________ (1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (4/ 68، 69) من الفتوى رقم (8844) طبعة دار أولي النهى. الطبعة الأولى. . (1) الفوائد ص (112) طبعة الريان. (2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 327) طبعة المكتبة القيمة. (1) الفوائد لابن القيم (112) طبعة الريان. (1) البرهان في علوم القرآن للإمام الزركشي (1/ 32). دار الفكر، الطبعة الأولى. ![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ![]() (13) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي أسباب هجر التلاوة معنى التلاوة لغة واصطلاحًا التلاوة لغة: مصدر تلا الشيء يتلوه, وهذا المصدر مأخوذ من مادة (ت ل و) التي تدل بحسب وضع اللغة على معنى واحد هو الإتباع, يقال: تلوته إذا تبعته, ومنه تلاوة القرآن لأن القارئ يتبع آية بعد آية, ويختلف مصدر الفعل (تلا) باختلاف الشيء المتلو. يقول الراغب: تلا الشيء أي تبعهم متابعة ليس بينها ما ليس منها, وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء في الحكم, والمصدر حينئذ هو التُّلُوُّ والتِّلْوُ, وتارة بالقراءة وتدبر المعنى, والمصدر في هذه الحالة هو (التلاوة). (1) وقال ابن منظور: تلوته أتلوه وتلوت عنه تلواً, كلاهما: خذلته وتركته, وتلوته تلواً: تبعته. يقال: ما زلت أتلوه حتى أتليته أي تقدمته وصار خلفي. وأتليته: أي سبقته، وتلوت القرآن: تلاوة: قرأته, وعمَّ به بعضهم كل كلام. ![]() وقوله عز وجل: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} قيل: هم الملائكة, وجائز أن يكون الملائكة وغيرهم ممن يتلون ذكر الله تعالى. وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} (121) سورة البقرة. معناه يتبعونه حق اتباعه ويعملون به حق عمله. وقوله عز وجل: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} (102) سورة البقرة. قال عطاء: على ما تُحَدِّث وتَقُصُّ, وقيل: ما تتكلم به كقولك فلان يتلو كتاب الله أي يقرأه ويتكلم به (2). ![]() التلاوة اصطلاحاً: ويراد بترتيل القرآن: تلاوته تلاوة تبين حروفها ويتأنى في أدائها ليكون أدنى إلى فهم المعاني. والتلاوة عند القراء: قراءة القرآن الكريم متتابعاً كالأوراد والأسباع (3) ". أسباب هجر التلاوة إن أسباب هجر القرآن كثيرة ومتعددة تختلف من شخص لآخر وكذلك تختلف حسب نوع هجر القرآن وسيأتي بيان أسباب هجر كل نوع من أنواع هجر القرآن في مكانه ولكننا نذكر أهم الأسباب العامة التي تؤدي إلى هجر التلاوة وهي: أولاً: الجهل بفضل تلاوة القرآن الكريم. ثانياً: الانشغال بالدنيا. ثالثاً: الفتور وضعف الهمة. رابعاً: تقديم طلب العلوم الأخرى على القرآن. خامساً: الغزو الفكري والحرب المعلنة ضد القرآن. وسوف نتناول هذه الأسباب بشيء من التفصيل وذلك بعون الله وتوفيقه. ![]() أولاً: الجهل بفضل تلاوة القرآن الكريم: إن جهل الكثير من أبناء المسلمين بفضل تلاوة القرآن الكريم، والثواب المترتب عليه، من أكبر الدواعي لهجر تلاوة القرآن، وعدم الاعتناء بتحصيله، والمداومة على تلاوته. ولو يعلم المرء ما في هذا القرآن الكريم من الفضل العظيم، والثواب الجزيل، ومنزلة قارئه في الدنيا والآخرة؛ لجعله أنيسه آناء الليل وأطراف النهار، وما غفل عنه طرفة عين، ويكفي أن تعلم - أخي الحبيب - حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (1) وحديث: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (2). قال خباب بن الأرت - رضي الله عنه -: (تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه). وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (من أحب أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر, فإن كان يحب القرآن, فهو يحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -) (3). وقال بعض السلف لأحد طلابه: أتحفظ القرآن؟ قال: لا. قال: واغوثاه لمؤمن لا يحفظ القرآن فَبِمَ يترنم؟ فَبِمَ يتنعم؟ فَبِمَ يناجي ربه؟ **. وسيأتي مزيد بيان لفضائل تلاوة القرآن وسوره في الفصل الرابع من هذا الباب. ثانياً: الانشغال بالدنيا: ![]() إن الواقع الذي يعيشه بعض هذه الأمة من البعد عن الله، والجرأة على ما حرم الله، والتعامل بالربا، وغير ذلك من المعاصي والآثام؛ أوقعهم في المعيشة الضنك التي توعد الله بها أمثالهم قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (124 - 126) سورة طه ثالثاً: الفتور وضعف الهمة: إن الفتور وضعف الهمة من الأمراض التي تكاد تعصف بالكثير منا، فلا تكاد تجد من يحافظ على شيء، أو يهتم به _ إلا من رحم الله _، فما أن يمسك المرء المصحف يوماً حتى يتركه أياماً. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في شأن ضعيف الهمة: (لا شيء أقبح بالإنسان أن يكون غافلاً عن الفضائل الدينية، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، فمن كان كذلك فهو من الهمج الرعاع، الذين يكدرون الماء، ويغلون الأسعار، إن عاش عاش غير حميد، وإن مات مات غير فقيد، فقدهم راحة للبلاد والعباد، ولا تبكي عليهم السماء، ولا تستوحش لهم الغبراء) وقال أيضاً: (وهذا الصنف شر البرية، رؤيتهم قذى العيون، وحمى الأرواح، وسقم القلوب، يضيقون الدار، ويغلون الأسعار، لا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار، وعند أنفسهم أنهم يعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، ويعلمون ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم، وينطقون ولكن عن الهوى ينطقون، ويتكلمون ولكن بالجهل يتكلمون ..) (1). ![]() (1) نضرة النعيم (4/ 1176) (2) لسان العرب (14/ 102 - 104) , ومقاييس اللغة (1/ 351) والمفردات للراغب ص75. (3) فتح الباري (8/ 707) , وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 224). (1) (حديث صحيح) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم، والدارمي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (660)، وصحيح الجامع الصغير (6469). (2) (حديث صحيح) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح. ورواه أبوداود، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1317)، وصحيح الجامع (8122). (3) (سنده صحيح) أخرجه الطبراني في الكبير (ج9 / رقم 8657). قال الهيثمي في (المجمع) (7/ 165): رجاله ثقات. وقال أبو إسحاق الحويني: سنده صحيح. انظر تفسير ابن كثير - تحقيق الحويني (1/ 152). (1) مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (1/ 134) نقلاً عن كتاب علو الهمة للشيخ الفاضل محمد بن أحمد بن إسماعيل - حفظه الله - وننصح بقراءته فإنه كتاب نافع ومفيد. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |