|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#111
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: ليس من البر الصيام في السفر عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلًا قد ظلل عليه، فقال: "ما هذا؟" قالوا: صائم، قال: "ليس من البر الصيام في السفر". وفي لفظ لمسلم: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم". ♦ قال البخاري: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصوم في السفر[1]. وذكر الحديث. ♦ قال الحافظ: (أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر ما ذكر من المشقة وأن من روى الحديث مجرداً فقد اختصر القصة وبما أشار إليه من اعتبار شدة المشقة يجمع بين حديث الباب والذي قبله، فالحاصل أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم وإن من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر)[2] انتهى. وأخرج مسلم عن أي سعيد قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم". فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر فقال: "إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا". وكانت عزمة فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر. ♦ قال الحافظ: (وهذا الحديث شاهد لما قلناه من أن الفطر أفضل لمن شق عليه الصوم ويتأكد ذلك إذا كان يحتاج إلى الفطر للتقوى به على لقاء العدو، وروي الطبري في تهذيبه من طريق خيثمة سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر فقال: لقد أمرت غلامي أن يصوم، قال: فقلت له فأين هذه الآية فعدة من أيام أخر، فقال: إنها نزلت ونحن نرتحل جياعاً وننزل على غير شبع وأما اليوم فنرتحل شباعاً وننزل على شبع، فأشار أنس إلى الصفة التي يكون فيها الفطر أفضل من الصوم. ♦ قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) في رواية أنها غزوة الفتح. ♦ قوله: (فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه) وفي رواية ابن خزيمة فشق على رجل الصوم فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجرة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأمره أن يفطر الحديث. ♦ قوله: (ليس من البر الصيام في السفر). ♦ قال الحافظ: قال الطبري بعد أن ساق نحو حديث الباب من رواية كعب بن عاصم الأشعري ولفظه سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في حر شديد فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظل شجرة وهو مضطجع كضجعة الوجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لصاحبكم أي وجع به فقالوا ليس به وجع ولكنه صائم وقد أشتد عليه الحر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حينئذ ليس البر أن تصوموا في السفر عليكم برخصة الله التي رخص لكم فكان قوله صلى الله عليه وسلم ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال وقال ابن دقيق العيد أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب فينزل قوله ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة. ♦ قال الحافظ: وفي الحديث استحباب التمسك بالرخصة عند الحاجة إليها وكراهة تركها على ترك التشديد والتنطع)[3] انتهى والله الموفق. [1] صحيح البخاري: (3 /44). [2] فتح الباري: (4/ 183). [3] فتح الباري: (4 /184).
__________________
|
|
#112
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك ذهب المفطرون اليوم بالأجر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، وأكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء، فمنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوامون وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر". قال البخاري: باب فضل الخدمة في الغزو. وذكر الحديث ولفظه: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، أكثرنا ظلاًّ الذي يستظل بكسائه، وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئًا، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر". قال الحافظ: (قوله: باب فضل الخدمة في الغزو، أي سواء كانت من صغير لكبير أو عكسه أو مع المساواة. • قوله: (فسقط الصوامون): كذا في نسخ العمدة والذي في مسلم: فسقط الصوام أي عجزوا عن العمل، وفي رواية: فتحزم المفطرون وعملوا وضعف الصوام عن بعض العمل. • قوله: (ذهب المفطرون بالأجر): قال الحافظ: أي الوافر، وليس المراد نقص أجر الصوام بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام فلذلك قال بالأجر كله لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الأجر منهم. قال ابن أبي صفرة: فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام. • قال الحافظ: وليس ذلك على العموم، وفيه الحض على المعاونة في الجهاد وعلى أن الفطر في السفر أولى من الصيام، وأن الصيام في السفر جائز، خلافاً لمن قال لا ينعقد وليس في الحديث بيان كونه إذ ذاك كان صوم فرض أو تطوع)[1] انتهى والله أعلم... • قال في الاختيارات: (والمريض إذا خاف الضرر استحب له الفطر والمسافر الأفضل له الفطر فإن أضعفه عن الجهاد كره له بل يجب منعه عن واجب، وأفتى أبو العباس لما نزل العدو دمشق في رمضان بالفطر في رمضان للتقوي على جهاد العدو وفعله وقال: هو أولى من الفطر للسفر، ويصح صوم الجنب باتفاق الأئمة وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام فله الفطر، وإذا نوى صيام التطوع بعد الزوال ففي ثوابه روايتان عن أحمد، والأظهر الثواب وإن لم ينو الصوم ولكن إذا اشتهى الأكل واستمر به الجوع فهذا يكون جوعه من باب المصائب التي تكفر بها خطاياه ويثاب على صبره عليها ولا يكون من باب الصوم الذي هو عبادة يثاب عليها ثواب الصوم)[2] والله أعلم. انتهى. [1] فتح الباري: (4/ 184). [2] الاختيارات الفقهية: (1/ 459).
__________________
|
|
#113
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان. • قال البخاري: باب متى يُقضى قضاءُ رمضانَ، وقال ابن عباس: لا بأس أن يُفرَّق لقول الله تعالى: ï´؟ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ï´¾ [البقرة: 184]، وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر: لا يصلُح حتى يبدأ برمضان، وقال إبراهيم: إذا فرَّط حتى جاء رمضانُ آخرُ، يصومهما ولم يرَ عليه طعامًا، ويُذكَر عن أبي هريرة مرسلًا وابن عباس أنه يُطعِم، ولم يذكر الله الإطعامَ، إنما قال: ï´؟ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ï´¾، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا يحيى، عن أبي سلمة، قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، قال يحيى: الشُّغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم[1]. • قال الحافظ: (قوله: باب متى يُقضى قضاءُ رمضان؛ أي: متى تُصام الأيام التي تُقضى عن فَوات رمضان، ومراد الاستفهام هل يتعيَّن قضاؤه متتابعًا، أو يجوز متفرقًا، وهل يتعيَّن على الفور أو يجوز على التراخي؟ قال الزين بن المنير: جعل المصنفُ الترجمةَ استفهامًا لتعارُض الأدلة؛ لأن ظاهر قوله تعالى: ï´؟ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ï´¾ يقتضي التفريقَ لصِدق أيام أُخَر؛ سواء كانت متتابعة أو متفرِّقة، والقياس يقتضي التتابعَ؛ إلحاقًا لصفة القضاء بصفة الأداء، وظاهرُ صنيع عائشة يَقتضي إيثارَ المبادرة إلى القضاء، لولا ما منَعها من الشُّغل، فيُشعُر بأن مَن كان بغير عُذرٍ لا ينبغي له التأخيرُ، قلت: ظاهرُ صنيع البخاري يقتضي جوازَ التراخي والتفريقِ، لِما أودَعه في الترجمة من الآثار كعادته، وهو قول الجمهور، قال: ولا يختلف المجيزون للتفريق أن التتابع أَولى. قوله: ويذكر عن أبي هريرة مرسلًا وابن عباس أنه يُطعم. • قال الحافظ: وهو قول الجمهور، قال: وفي الحديث دلالةٌ على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقًا؛ سواء كان لعذرٍ، أو لغير عذرٍ؛ لأن الزيادة كما بيَّناه مُدرجة، فلو لم تكن مرفوعة، لكان الجواز مقيدًا بالضرورة؛ لأن للحديث حُكمَ الرفع؛ لأن الظاهر اطِّلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، مع توفُّر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع، فلولا أن ذلك كان جائزًا، لم تواظب عائشة عليه، ويؤخَذ مِن حرصها على ذلك في شعبان - أنه لا يجوز تأخيرُ القضاء حتى يدخل رمضانُ آخرُ، وأما الإطعام فليس فيه ما يُثبته ولا يَنفيه[2]؛ انتهي. • قال في الاختيارات[3]: وإذا شرَعت المرأة في قضاء رمضان، وجَب عليها إتمامُه، ولم يكن لزوجها تفطيرُها، وإن أمَرَها أن تؤخِّر القضاء قبل الشروع فيه، كان حسًنا لحديث عائشة؛ انتهى. عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لَمَّا نزلتْ: ï´؟ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ï´¾ [البقرة: 184]، كان من أراد أن يُفطر ويَفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها رواه الجماعة إلا أحمد. وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل بنحو حديث سلمة وفيه: ثم أنزل الله: ï´؟ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185]، فأثبَت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخَّص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام؛ مختصر لأحمد وأبي داود. عن أنس بن مالك الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وضَع عن المسافر الصومَ وشطرَ الصلاة، وعن الحُبلى والمُرضع الصومَ))؛ رواه الخمسة؛ قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم. وقال بعض أهل العلم: الحامل والمرضع يُفطران ويَقضيان، ويُطعمان، وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد، وقال بعضهم: يُفطران ويُطعمان، ولا قضاءَ عليهما؛ فإن شاءَتا قضَتَا، ولا إطعامَ عليهما، وبه يقول إسحاق؛ انتهى. • قال الحجاوي في "مختصر المقنع": وإن أفطَرتْ حاملٌ أو مرضعٌ خوفًا على أنفسهما، قضتاه وأطعمَتا لكلِّ يومٍ مسكينًا. [1] صحيح البخاري: (3/ 45). [2] فتح الباري: (4/ 189). [3] (1/ 460)
__________________
|
|
#114
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتتْ وعليها صوم شهر، أَفأَقضيه؟ قال: "لو كان على أُمِّك دَينٌ كنتَ قاضيةً عنها؟"، قال: نعم، قال: "فدَين الله أحقُّ أن يُقضى"، وفي رواية: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذرٍ، أفأصوم عنها؟ قال: "أفرأيتِ لو كان على أُمِّك دَينٌ، فقضيتِه، أكان يؤدِّي ذلك عنها؟"، قالت: نعم، قال: "فصومي عن أُمك". • قال البخاري: باب مَن مات وعليه صوم، وقال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز[1]، ثم ذكر حديث عائشة وحديث ابن عباس. • قال الحافظ: (قوله: باب من مات وعليه صوم؛ أي: هل يُشرَع قضاؤه عنه أم لا؟ وإذا شُرِع، هل يختص بصيامٍ دون صيامٍ، أو يُطعم عن كل صيام؟ وهل يتعيَّن الصوم أو يُجزئ الإطعام؟ وهل يختص الولي بذلك، أو يصح منه ومن غيره؟ والخلاف في ذلك مشهور للعلماء. • قوله: (من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه). • قال الحافظ: قوله: من مات عام في المكلفين لقرينة وعليه صيام، وقوله: صام عنه وليُّه، خبر بمعنى الأمر، تقديره: فليَصُمْ عنه وليُّه، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور. وقد اختلف السلف في هذه المسألة، فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث، وعلَّق الشافعي في القديم القولَ به على صحة الحديث، كما نقله البيهقي في المعرفة، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية، وقال البيهقي في الخلافيات: هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في صحتها، فوجَب العملُ بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي، قال: كل ما قلتُ وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافَه، فخذوا بالحديث، ولا تقلِّدوني، وقال الشافعي في الجديد، ومالك وأبو حنيفة: لا يُصام عن الميت، وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يصوم عنه إلا النذر؛ حملًا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس، وليس بينهما تعارَض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها مَن وقعتْ له، وأما حديث عائشة، فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم؛ حيث قيل في آخره: فدينُ الله أحقُّ أن يقضى، وأما رمضان فيُطعم عنه، إلى أن قال: واختلف المجيزون في المراد بقوله: (وليُّه)، فقيل: كلُّ قريب، وقيل: الوارث خاصة، وقيل: عصبته، والأول أرجحُ، والثاني قريبٌ، ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أُمها، واختلفوا أيضًا: هل يختص ذلك بالولي؛ لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية، ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك في الموت، إلا ما ورد فيه الدليل، فيقتصر على ما ورد فيه، ويبقى الباقي على الأصل، وهذا هو الراجح، وقيل: يختص بالولي، فلو أمر أجنبيًّا بأن يصوم عنه، أجزأَ كما في الحج، وقيل: يصح استقلال الأجنبي بذلك، وذكر الولي لكونه الغالب، وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير، وبه جزم أبو الطيب الطبري، وقوَّاه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم، ذلك بالدين، والدين لا يختص بالقريب[2]؛ انتهى. • قال في الاختيارات الفقهية[3]: (وإن تبرَّع إنسانٌ بالصوم عمَّن لا يُطيقه لكِبَره ونحوه، أو عن ميت - وهما مُعسران - توجَّه جوازه؛ لأنه أقربُ إلى المماثلة من المال، وحكى القاضي في صوم النذر في حياة الناذر نحو ذلك ومَن مات وعليه صوم نذرٍ، أجزأ الصوم عنه بلا كفارةٍ). • قال النووي: (اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجبٌ من رمضان، أو قضاء أو نذرٌ أو غيره، هل يُقضى عنه؟ وللشافعي في المسألة قولان مشهوران: أشهرهما: لا يُصام عنه، ولا يصح عن ميت صوم أصلًا، والثاني: يُستحب لوليِّه أن يصوم عنه، ويصح صومُه عنه، ويبرأ به الميت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صحَّحه محقِّقو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة[4]؛ انتهى. • قوله: (إن أمي ماتتْ وعليها صوم شهرٍ). • قال الحافظ: (هكذا في أكثر الروايات، وفي رواية أبي حريز خمسة عشر يومًا، وفي رواية أبي خالد شهرين متتابعين، وروايته تقتضي ألا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره، فإنها محتملة إلا رواية زيد بن أبي أنيسة، فقال: إن عليها صوم نذرٍ، وهذا واضحٌ في أنه غير رمضان، وبيَّن أبو بشر في روايته سبب النذر، فروى أحمد من طريق شعبة عن أبي بشر أن امرأة ركِبت البحر، فنذرتْ أن تصوم شهرًا، فماتت قبل أن تصوم، فأتتْ أختها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث)[5]. • وقال البخاري أيضًا: باب الحج والنذور عن الميت، والرجل يحج عن المرأة[6]. وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحجَّ، فلم تحجَّ حتى ماتت، أَفَأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أُمك دَينٌ، أكنتِ قاضيةً، اقْضُوا الله فالله أحقُّ بالوفاء)). وروي مسلم عن بريدة رضي الله عنه، قال: بينا أنا جالسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتتْه امرأة، فقالت: إني تصدَّقتُ على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: فقال: ((وجب أجرُك، وردَّها عليك الميراث))، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهرٍ، أفأصوم عنها قال: ((صومي عنها))، قالت: إنها لم تحج قطُّ، أفأحج عنها؟ قال: ((حجي عنها)). • قال الحافظ: (قوله: ورأيت إلخ فيه مشروعية القياس وضرب المثل؛ ليكون أوضحَ وأوقع في نفس السامع، وأقربَ إلى سرعة فَهمه، وفيه تشبيهُ ما اختُلِف فيه، وأشكَل بما اتُّفِق عليه، وفيه أنه يُستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتَّبت على ذلك مصلحةٌ، وهو أطيبُ لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه، وفيه أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلومًا عندهم مقرَّرًا، ولهذا حَسُنَ الإلحاقُ به، وقال أيضًا: وفيه أن من مات وعليه حج وجَب على وليِّه أن يُجهِّز مَن يَحج عنه مِن رأس ماله، كما أن عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال، فكذلك ما شُبِّه به في القضاء، ويَلتحق بالحج كلُّ حقٍّ ثبَت في ذِمته من كفارة أو نذرٍ أو زكاة، أو غير ذلك)[7]؛ انتهى. • قال النووي: (وفي هذه الأحاديث جوازُ صوم الولي عن الميت كما ذكَرنا، وجواز سماع كلام المرأة الأجنبية في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة، إلى أن قال: وفيه دلالةٌ ظاهرة لمذهب الشافعي والجمهور أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الْمَأْيُوس مِن بُرْئه)[8]؛ انتهى. وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأةٌ مِن خَثْعَم، فجعل الفضل ينظُر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يصرف وجهَ الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركتُ أبي شيخًا كبيرًا لا يَثبُت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: ((نعم))، وذلك في حَجة الوداع؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري، وبالله التوفيق. [1] صحيح البخاري: (3 /45). [2] فتح الباري: (4/ 193). [3] (1 /460). [4] شرح النووي على مسلم (4 /144). [5] فتح الباري: (4/ 195). [6] صحيح البخاري: (3 /22). [7] فتح الباري: (4/ 66). [8] شرح النووي على مسلم: (4 /144).
__________________
|
|
#115
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر، وأخروا السحور) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر، وأخروا السحور)). ♦ قال البخاري: باب تعجيل الإفطار[1]. وذكر حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر. وحديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فصام حتى أمسى قال لرجل: انزل فاجدح لي، قال: لو انتظرت حتى تمسي، قال: انزل فاجدح لي إذا رأيت الليل قد أقبل من ها هنا، فقد أفطر الصائم. ♦ قال الحافظ: (قال ابن عبدالبر: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور، صحاح متواترة، وعند عبدالرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارًا وأعطاهم سحورًا. ♦ قوله: (لا يزال الناس بخير)، وفي حديث أبي هريرة: لا يزال الدين ظاهرًا. ♦ قال الحافظ: وظهور الدين مستلزم لدوام الخير، قوله: ما عجَّلوا الفطر، زاد أبو ذر في حديثه: وأخَّروا السحور؛ أخرجه أحمد، "وما" ظرفية؛ أي: مدة فِعلهم ذلك امتثالًا للسنة، واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يُغير قواعدها، زاد أبو هريرة في حديثه؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون؛ أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما، وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم، وقد روى ابن حبان والحاكم من حديث سهل أيضًا بلفظ: "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم"، وفيه بيان العلة في ذلك، قال المهلب: والحكمة في ذلك ألا يزاد في النهار من الليل، ولأنه أرفق بالصائم، وأقوى له على العبادة، واتَّفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بأخبار عدلين، وكذا عدل واحد في الأرجح؛ انتهى. ♦ قال ابن دقيق العيد: في هذا الحديث ردٌّ على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم، ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر؛ لأن الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة، وقال: قال الشافعي في الأم: تعجيل الفطر مستحب، ولا يكره تأخيره إلا لمن تعمَّده، ورأى الفضل فيه. ♦ قال الحافظ: من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على أن يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحادُ الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت - زعموا - فأخروا الفطر وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثُر فيهم الشر، والله المستعان)[2]؛ انتهى. [1] صحيح البخاري: (3 /47). [2] فتح الباري: (4/ 199).
__________________
|
|
#116
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، فقد أفطر الصائم) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، فقد أفطر الصائم)). ♦ قال البخاري: باب متى يحل فطر الصائم، وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس[1]. ثم ذكر حديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم". وذكر حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدح لنا؟ فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهارًا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "إذا رأيتم الليل قد أقبَل من ها هنا، فقد أفطر الصائم"، والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود، ويقال له المجدح مجنح الرأس. ♦ قال الحافظ: (غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار أم لا، وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح الثاني لذكره لأثر أبي سعيد في الترجمة، لكن محله إذا ما حصل تحقق غروب الشمس. ♦ قوله: (إذا أقبل الليل من ها هنا)؛ أي: من جهة المشرق والمراد به وجود الظلمة حسًّا. ♦ قوله: (فقد أفطر الصائم)؛ أي: دخل في وقت الفطر وهو لفظ خبر، ومعناه الأمر؛ أي: فليفطر الصائم، وفي رواية: فقد حل الإفطار. * قال ابن دقيق العيد: الإقبال والإدبار متلازمان؛ أعني: إقبال الليل وإدبار النهار، وقد يكون أحدهما أظهر للعين في بعض المواضع، فيستدل بالظاهر على الخفي، كما لو كان في جهة المغرب ما يستر البصر عن إدراك الغروب، وكان المشرق ظاهرًا بارزًا، فيستدل بطلوع الليل على غروب الشمس)[2]؛ انتهى. ♦ قال الحافظ: (وفي حديثي الباب من الفوائد: بيان وقت الصوم، وأن الغروب متى تحقق كفى، وفيه إبماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب، فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب، وفيه أن الأمر الشرعي أبلغُ من الحسي، وأن العقل لا يقضي على الشرع، وفيه البيان بذكر اللازم والملزوم جميعًا لزيادة الإيضاح)[3]؛ انتهى، وبالله التوفيق. [1] صحيح البخاري: (3 /46). [2] فتح الباري: (4 /196). [3] فتح الباري: (4/ 198).
__________________
|
|
#117
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل، قال: ((إني لستُ مثلكم، إني أُطعم وأُسقى))؛ رواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك رضي الله عنهم. ولمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "فأيُّكم أراد أن يواصلَ، فليواصل إلى السحر". • قال البخاري: باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام؛ لقوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ï´¾ [البقرة: 187]، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه رحمةً لهم وإبقاءً عليهم، وما يكره من التعمق، ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تواصلوا))، قالوا: إنك تواصل، قال: ((لستُ كأحدٍ منكم إني أُطعم وأُسقى))، وحديث ابن عمر، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تواصلوا، فأيُّكم إذا أراد أن يواصل، فليواصل حتى السحر))، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: ((إني لستُ كهيئتكم، إني أبيت لي مُطعمٌ يُطعمني وساق يَسقين)). وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: ((إني لستُ كهيئتكم، إني يُطعمني ربي ويسقين)). • قال الحافظ: (قوله: باب الوصال، هو الترك في ليالي الصيام لما يُفطر بالنهار بالقصد، فيخرج من أمسك اتفاقًا، ويدخل من أمسك جميع الليل أو بعضه، ولم يجزم المصنف بحُكمه لشُهرة الاختلاف فيه)[1]. • قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال)، وفي حديث أنس: "لا تواصلوا"، وفي رواية ابن خزيمة: "إياكم والوصال". • قوله: (إنك تواصل قال: إني لستُ مثلكم)، وفي حديث أبي هريرة: (وأيكم مثلي). • قال الحافظ: (وهذا الاستفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد، وقوله: مثلي؛ أي: على صفتي ومنزلتي من ربي. • قوله: "إني أُطعم وأُسقى)، في حديث أنس: "إني أظل يُطعمني ربي ويسقين". وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم: "لو مد بي الشهر لواصلتُ وصالًا يدع المتعمقون تعمُّقَهم". • قال الحافظ: (واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وعلى أن غيره ممنوع منه، إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر، ثم اختلف في المنع المذكور، فقيل: على سبيل التحريم، وقيل: على سبيل الكراهة، وقيل: يحرم على من شق عليه، ويباح لمن لم يشق عليه - إلى أن قال - وذهب أحمد وإسحاق، وابن المنذر وابن خزيمة، وجماعة من المالكية - إلى جواز الوصال إلى السحر؛ لحديث أبي سعيد المذكور، وهذا الوصال لا يترتب عليه شيءٌ مما يترتب على غيره، إلا أنه في الحقيقة بمنزلة عشائه، إلا أنه يؤخره؛ لأن الصائم له في اليوم والليلة أكلة، فإذا أكلها السحر، كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره، وكان أخف لجسمه في قيام الليل، ولا يخفى أن محل ذلك ما لم يشق على الصائم، وإلا فلا يكون قربة، وقال: وفي حديث الباب من الفوائد استواء المكلفين في الأحكام، وأن كل حُكم ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت في حق أُمته إلا ما استُثني بدليل، وفيه جواز معارضة المفتي فيما أفتى به إذا كان بخلاف حاله، ولم يعلم المستفتي بسر المخالفة، وفيه الاستكشاف عن حكمة النهي، وفيه ثبوت خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأن عموم قوله تعالى: ï´؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ï´¾ [الأحزاب: 21] مخصوص، وفيه أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته، ويبادرون إلى الائتساء به إلا فيما نهاهم عنه، وفيه بيان قدرة الله تعالى على إيجاد المسببات العاديات من غير سبب ظاهر)[2]؛ انتهى، والله أعلم. • وقال البخاري أيضًا: باب التنكيل لمن أكثر الوصال، رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم[3]. ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: ((وأيُّكم مثلي، إني أبيت يُطعمني ربي ويسقين))، فلمَّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتُكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا. ثم ذكره من طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والوصال مرتين))، قيل: إنك تواصل، قال: ((إني أبيت يُطعمني ربي ويسقين، فاكلفوا من العمل ما تُطيقون)). • قال الحافظ: (قوله: باب التنكيل لمن أكثر الوصال، التقييد بأكثر قد يُفهم منه أن مَن قلَّل منه لا نكال عليه؛ لأن التقليل منه مظنة لعدم المشقة، لكن لا يلزم من عدم التنكيل ثبوت الجواز. قوله: لو تأخر الهلال؛ أي: الشهر لزدتُكم. • قال الحافظ: (استدل به على جواز قول لو، وحمل النهي الوارد في ذلك على ما لا يتعلق بالأمور الشرعية. والمراد بقوله: "لو تأخر لزدتكم"؛ أي: في الوصال إلى أن تعجِزوا عنه، فتسألوا التخفيف عنكم بتركه، وهذا كما أشار عليهم أن يرجعوا من حصار الطائف، فلم يُعجبهم، فأمرهم بمباكرة القتال من الغد، فأصابتهم جراح وشدة، وأحبوا الرجوع، فأصبح راجعًا بهم، فأعجبهم ذلك)[4]. قوله: كالتنكيل لهم، وفي رواية كالمنكل لهم، والتنكيل المعاقبة. • قال الحافظ: (واختلف في قوله: يُطعمني ويسقيني، فقيل هو على حقيقته، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامةً له في ليالي صيامه، وتعقَّبه ابن بطال ومَن تبِعه بأنه لو كان كذلك، لم يكن مواصلًا، إلى أن قال: وقال الزين بن المنير هو محمول على أن أكلَه وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشِّبع والري بالأكل والشرب، ويستمر له ذلك حتى يستيقظ، ولا يَبطل بذلك صومُه، ولا ينقطع وصاله، ولا ينقص أجره، وحاصله أنه يحمل ذلك على حالة استغراقه صلى الله عليه وسلم في أحواله الشريفة؛ حتى لا يؤثر فيه حينئذ شيء من الأحوال البشرية، وقال الجمهور: قوله: يُطعمني ويسقيني مجاز عن لازم الطعام والشراب، وهو القوة، فكأنه قال: يُعطيني قوة الآكل والشارب، ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب، ويَقوى على أنواع الطاعة من غير ضَعف في القوة، ولا كلالٍ في الإحساس، أو المعنى أن الله يخلق فيه من الشِّبع والري ما يُغنيه عن الطعام والشراب، فلا يحس بجوعٍ ولا عطش، والفرق بينه وبين الأول أنه على الأول يُعطي القوة مع الشِّبع والري، ورجَّح الأول بأن الثاني ينافي حال الصائم، ويُفوِّت المقصود من الصيام والوصال؛ لأن الجوع هو رُوح هذه العبادة بخصوصها، قال القرطبي: ويبعده أيضًا النظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع، ويربط على بطنه الحجارة من الجوع. • قال الحافظ: (ويحتمل أن يكون المراد بقوله: يُطعمني ويسقيني؛ أي: يشغلني بالتفكر في عظمته، والتحلي بمشاهدته، والتغذي بمعارفه، وقرة العين بمحبته، والاستغراق في مناجاته، والإقبال عليه عن الطعام والشراب، وإلى هذا جنح ابن القاسم، وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد، ومَن له أدنى ذوق وتجربة يعلَم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني، ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبة الذي قرت عينه بمحبوبة؛ انتهى. والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)[5]. [1] فتح الباري: (4/ 202). [2] فتح الباري، (4/ 203، 204). [3] صحيح البخاري، (3/48). [4] فتح الباري، (4/ 206). [5] فتح الباري، (4/ 207).
__________________
|
|
#118
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث صوم الدهر عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأَصومنَّ النهار، ولأَقومنَّ الليل ما عشتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنت الذي قلت ذلك؟))، فقلت له: قد قلتُه، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك، فصُم وأفطِر، ونَمْ وقُمْ، وصُمْ من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر))، قلت: إني لأُطيقُ أفضل من ذلك، قال: ((فصُم يومًا وأفطِر يومين))، قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصم يومًا وأفطِر يومًا، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام))، قلت: إن لأطيق أفضل من ذلك، فقال: ((لا أفضل من ذلك)). وفي رواية: قال: ((لا صوم فوق صوم داود عليه السلام شطر الدهر، صم يومًا وأفطر يومًا)). • قوله: (أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت الذي قلت ذلك" إلى آخره، وفي رواية: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عبدالله، ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل"، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل، صم وأفطر، وقُم ونَم، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله"، فشددتُ فشُدِّد عليَّ، قلت: يا رسول الله إني أجد قوةً، قال: "فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه"، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: "نصف الدهر"، فكان عبدالله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبِلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية قال: فصم صيام داود عليه السلام، قال: وكيف؟ قال: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى"، قال من لي بهذه يا نبي الله وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد مرتين "، وفي رواية: "صم من الشهر ثلاثة أيام"، قال: أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال: "صم يومًا وأفطر يومًا،" فقال: اقرأ القرآن في شهر، قال: إني أطيق أكثر، فما زال حتى قال: "في ثلاث"، وفي رواية: إنك لتصوم الدهر، وتقوم الليل، فقلت: نعم قال: "إنك إذا فعلت ذلك، هجَمت له العين، ونفهَت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله"، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي، فدخل علي، فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف، فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال: "أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام"، قال: قلت يا رسول الله قال: خمسًا، قلت: يا رسول الله، قال: سبعًا، قلت: يا رسول الله، قال: تسعًا، قلت: يا رسول الله قال: إحدى عشرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صوم فوق صوم داود عليه السلام، شطر الدهر، صُم يومًا وأفطر يومًا"، وفي رواية: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنَّته، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشًا ولم يفتش لنا كنفًا مذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه، ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألْقِني به، فلقيتُه بعدُ، وللنسائي: فوقع على أبي، فقال: زوجتك امرأة فعضلتَها، وفعلت، وفعلت، وفعلت، قال: فلم ألتفت إلى ذلك لما كانت لي من القوة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألْقِني به، فأتيته معه، ولابن خزيمة: إن لكل عامل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد هلك، وللنسائي: صم الاثنين والخميس من كل جمعة. • قوله: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله)؛ أي: أفديك بأبي وأمي. • قال الحافظ: (قوله: وصم من الشهر ثلاثة أيام بعد قوله: فصم وأفطر - بيان لما أجمل من ذلك. • قوله: (فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر)؛ لقول الله تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]، وذلك مثل صيام الدهر. • قوله: "فصم يومًا وأفطر يومًا، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام"، قلت: إن لأُطيق أفضل من ذلك، فقال: "لا أفضل من ذلك". • قال ابن التين: استدل على كراهته من هذه القصة من أوجه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة، وأمره بأن يصوم ويفطر، وقوله: لا أفضل من ذلك، ودعاؤه على من صام الأبد، قال ابن العربي: قوله: لا صام من صام الأبد، إن كان معناه الدعاء فيا ويح مَن أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه الخبر، فيا ويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم[1]. • قوله: (لا صوم فوق صوم داود عليه السلام شطر الدهر، صم يومًا وأفطر يومًا)، فيه أن ذلك أفضل من صيام الدهر. • قال الحافظ: (ويترجح من حيث المعنى أيضًا بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق - أن مَن اعتاده، فإنه لا يكاد يشق عليه، بل تضعُف شهوته عن الأكل، وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارًا، ويألف تناوله في الليل؛ بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يومًا ويفطر يومًا، فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر، وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصيام ويأمن مع ذلك غالبًا من تفويت الحقوق؛ انتهى. وعن ابن مسعود أنه قيل له: إنك لتقل الصيام، فقال: إني أخاف أن يُضعفني عن القراءة والقراءة أحب إلي من الصيام؛ رواه سعيد بن منصور)[2]. • قال الخطابي: محصل قصة عبدالله بن عمرو أن الله تعالى لم يتعبد عبده بالصوم خاصة، بل تعبده بأنواع من العبادات، فلو استفرغ جهده لقصر في غيره، فالأولى الاقتصاد فيه؛ ليستبقي بعض القوة لغيره[3]. • قال الحافظ: (وفي قصة عبدالله بن عمرو من الفوائد غير ما تقدم: بيان رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم، وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم، وحثه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه، ونهيهم عن التعمق في العبادة، لما يخشى من إفضائه إلى الملل أو ترك البعض، وقد ذم الله تعالى قومًا لازموا العبادة، ثم فرَّطوا فيها، وفيه الندب على الدوام على ما وظَّفه الإنسان على نفسه من العبادة، وفيه جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة، والأوراد ومحاسن الأعمال، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الرياء، وفيه جواز القسم على التزام العبادة، وفائدة الاستعانة باليمين على النشاط لها، وأن ذلك لا يخل بصحة النية والإخلاص فيها، وأن اليمين على ذلك لا يلحقها بالنذر الذي يجب الوفاء به، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وأن النفل المطلق لا ينبغي تحديده، بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص، والأوقات والأحوال، وفيه جواز التفدية بالأب والأم، وفيه الإشارة إلى الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنواع العبادات، وفيه أن طاعة الوالد لا تجب في ترك العبادة، ولهذا احتاج عمرو إلى شكوى ولده عبدالله، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ترك طاعته لأبيه، وفيه زيارة الفاضل للمفضول في بيته، وإكرام الضيف بإلقاء الفرش ونحوها تحته، وتواضع الزائر بجلوسه دون ما يفرش له، وألا حرج عليه في ذلك إذا كان على سبيل التواضع والإكرام للمزور، وقال أيضًا: وفي الحديث جواز تحدث المرء بما عزم عليه من فعل الخير، وتفقُّد الإمام لأمور رعيته كلياتها وجزئياتها، وتعليمهم ما يصلحهم، وفيه تعليل الحكم لمن فيه أهليَّة ذلك، وأن الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات، وأن مَن تكلَّف الزيادة على ما طُبِع عليه، يقع له الخلل في الغالب، وفيه الحض على ملازمة العبادة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مع كراهته له التشديدَ على نفسه، حضَّه على الاقتصاد، كأنه قال له: ولا يمنعك اشتغالك بحقوق مَن ذُكِرَ أن تُضيِّعَ حقَّ العبادة، وتترك المندوب جملةً، ولكن أجمع بينهما[4]؛ انتهى، وبالله التوفيق. [1] فتح الباري، (4/ 220). [2] فتح الباري، (4/ 223). [3] فتح الباري، (4/ 221). [4] فتح الباري، (4/ 225).
__________________
|
|
#119
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: إن أحب الصيام إلى الله صيام داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثُلثه وينام سدسه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا)). ♦ قال البخاري: باب من نام عند السحر[1]. وذكر الحديث، ثم ذكر حديث عائشة حين سألها مسروق: أي العمل كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم، قلتُ: متى كان يقوم؟ قالت: يقوم إذا سمع الصارخ، والحديث الآخر: ما ألفاه السحر عندي إلا نائمًا، تعني النبي صلى الله عليه وسلم. ♦ قال الحافظ: قوله: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، قال المهلب: كان داود عليه السلام يجم نفسه بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه: هل من سائل فأُعطيه سؤله، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصَب القيام في بقية الليل، وهذا هو النوم عند السحر، كما ترجم به المصنف، وإنما صارت هذه الطريقة أحبَّ، من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منها السآمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يمل حتى تملوا، والله يحب أن يديم فضله ويوالي إحسانه، وإنما كان ذلك أرفقَ؛ لأن النوم بعد القيام يريح البدن، ويُذهب ضرر السهر وذبول الجسم بخلاف السهر إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبالٍ، وأنه أقربُ إلى عدم الرياء؛ لأن من نام السدس الأخير، أصبح ظاهر اللون سليم القوى، فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على مَن يراه. أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد[2]. [1] صحيح البخاري: (2 /63). [2] فتح الباري: (3/ 16).
__________________
|
|
#120
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. ♦ قوله: (أوصاني خليلي). قال الحافظ: (الخليل الصديق الخالص، الذي تخللتْ محبته القلب، فصارت في خلاله؛ أي: في باطنه، واختلف هل الخلة أرفع من المحبة أو بالعكس؟ وقول أبي هريرة هذا لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا"؛ لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلًا لا العكس، ولا يقال: إن المخاللة لا تتم حتى تكون من الجانبين؛ لأنا نقول: إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك، أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبة[1]. قال: وفي قوله: خليلي، إشارة إلى موافقته له في إيثار الاشتغال بالعبادة على الاشتغال بالدنيا؛ لأن أبا هريرة صبر على الجوع في ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم. قال: ويؤخذ منه الافتخار بصحبة الأكابر إذا كان ذلك على معنى التحدث بالنعمة والشكر لله، لا على وجه المباهاة[2]، والله أعلم. قال البخاري: باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة[3]، وذكر الحديث. قيل: المراد بالبيض الليالي، وهي التي يكون فيها القمر من أول الليل إلى آخره. قال الحافظ: (جرى البخاري على عادته في الإيماء إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وهو ما رواه أحمد والنسائي، وصحَّحه ابن حبان من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها، فأمرهم أن يأكلوا وأمسك الأعرابي، فقال: "ما منعك أن تأكل؟"، فقال: إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال: إن كنت صائمًا فصم الغرَّ؛ أي: البيض، وهذا الحديث اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافًا كثيرًا بينه الدارقطني، وفي بعض طرقه عند النسائي: إن كنت صائمًا فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وجاء تقييدها أيضًا في حديث قتادة بن ملحان، ويقال: ابن منهال عند أصحاب السنن بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقال: هي كهيئة الدهر، وللنسائي من حديث جرير مرفوعًا: صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة؛ الحديث، وإسناده صحيح، وكان البخاري أشار بالترجمة إلى أن وصية أبي هريرة بذلك لا تختص به)[4]؛ انتهى. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام؛ رواه مسلم. ♦ قال الروياني: صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب، فإن اتفقت أيام البيض كان أحب. ♦ قوله: (وركعتي الضحى). ♦ قال البخاري أيضًا: باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم[5]. ثم ذكر حديث الباب ولفظه: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر. ♦ قال الحافظ: قوله: وصلاة الضحى، زاد أحمد في روايته: كل يوم، وفي طريق أخرى وركعتي الضحى، قال ابن دقيق العيد: لعله ذكر الأقل الذي يوجد التأكيد بفعله، وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها؛ لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، مرجح على ما لم يواظب عليه. ♦ قوله: (وأن أوتر قبل أن أنام)، وفي الطريق الأخرى: ونوم على وتر. ♦ قال الحافظ: (وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم، وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ ويتناول من يصلي بين النومين، وهذه الوصية لأبي هريرة، ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم، ولأبي ذر فيما رواه النسائي، والحكمة في الوصية على المحافظة على ذلك، تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام؛ ليدخل في الواجب منهما بانشراح، ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص، ومن فوائد ركعتي الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي ثلاثمائة وستون مفصلًا؛ كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر، وقال فيه: ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى)[6]. ♦ قال في الاختيارات الفقهية[7]: وتستحب المداومة على صلاة الضحى إن لم يقم في ليلة، وهو مذهب بعض من يستحب المداومة عليها مطلقًا. قلت: لكن أبا العباس له قاعدة معروفة، وهي ما ليس من السنن الراتبة لا يداوم عليه حتى يلحق بالراتب؛ كما نص الإمام أحمد على عدم المواظبة على سورة "السجدة"، وهل أتى" يوم الجمعة؛ انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: (3/ 57). [2] فتح الباري: (4/ 227). [3] صحيح البخاري: (3/ 53). [4] فتح الباري: (4/ 226). [5] صحيح البخاري: (2/ 73). [6] فتح الباري: (3/ 57). [7] الاختيارات الفقهية: (1/ 428).
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |