|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك صيام يوم الجمعة عن محمد بن عباد قال: سألت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم. وزاد مسلم: ورب الكعبة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده". • قال البخاري: باب صوم يوم الجمعة، فإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة، فعليه أن يفطر[1]. وذكر حديث جابر وقال في آخره: زاد غير أبي عاصم أن ينفرد بصوم، ثم ذكر حديث أبي هريرة وحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: "أصمتِ أمس"، قالت: لا، قال: "تريدين أن تصومي غدًا"، قالت: لا، قال: "فأفطري". • قال الحافظ: (في الباب ثلاثة أحاديث، أولها حديث جابر وهو مطلق والتقييد فيه تفسير من أحد رواته، وثانيها حديث أبي هريرة وهو ظاهر في التقييد، وثالثها حديث جويرية وهو أظهرها في ذلك. • قوله: (سألت جابر بن عبدالله أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم). وفي رواية عند مسلم وأحمد وغيرهما: سألت جابر بن عبدالله وهو يطوف بالبيت، وزادوا أيضًا في آخره قال: نعم ورب هذا البيت، وفي رواية النسائي: (ورب الكعبة). • قال الحافظ: (فيه جواز الحلف من غير استحلال لتأكيد الأمر، وإضافة الربوبية إلى المخلوقات المعظمة تنويها بتعظيمها، وفيه الاكتفاء في الجواب بنعم من غير ذكر الأمر المفسر بها. • قوله: "لا يصومنَّ أحدُكم يوم الجمعة" وفي رواية: "لا يصوم أحدكم". • قال الحافظ: كذا للأكثر وهو بلفظ النفي، والمراد به النهي[2]. • قوله: (إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده)، وفي رواية لمسلم: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم، ولأحمد: أن رجلًا قال لأبي هريرة: أنت الذي تنهى الناس عن صوم يوم الجمعة، قال: ها ورب الكعبة ثلاثًا، لقد سمعت محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة وحده إلا في أيام معه". • قال الحافظ: (وهذه الأحاديث تقيِّد النهي المطلق في حديث جابر، وتؤيِّد الزيادة التي تقدَّمت من تقييد الإطلاق بالإفراد، ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده، أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة، فوافق يوم الجمعة، ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلًا، أو يوم شفاء فلان)[3]. واستدل بأحاديث الباب على منع إفراد يوم الجمعة بالصيام ونقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده"؛ رواه الحاكم وغيره، وروى ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه: من كان متطوعًا من الشهر، فليصم يوم الخميس، ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام وشراب وذكر، والله أعلم. [1] صحيح البخاري: (3 /54). [2] فتح الباري: (4 /233). [3] فتح الباري: (4/ 234).
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده. وفي لفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه. الاعتكاف: هو المقام في المسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة، وهو قربة وطاعة، قال الله تعالى: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [الحج: 26]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون ﴾ [البقرة: 187]. وهو في اللغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه، برًّا كان أو غيره، ومنه قوله تعالى: ﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 52]. والاعتكاف سنة إلا أن يكون نذرًا، فيلزم الوفاء به، ويصح الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، ويجب على المعتكف الخروج إلى الجمعة، ولا يبطل اعتكافه بذلك، ويستحب له أن يعتكف في المسجد الذي تقام فيه الجمعة، ويجوز للمعتكف الخروج إلى ما لا بد منه؛ كحاجة الإنسان والنفير، ولخوف الفتنة. • قولها: (كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده). • قال ابن دقيق العيد: وحديث عائشة فيه استحباب مطلق الاعتكاف، واستحبابه في رمضان بخصوصه، وفي العشر الأواخر بخصوصها، وفيه تأكيد هذا الاستحباب بما أشعر به اللفظ من المداومة، وبما صرَّح به في الرواية الأخرى من قولها: "في كل رمضان"، وبما دل عليه من عمل أزواجه من بعده، وفيه دليلٌ على استواء الرجل والمرأة في هذا الحكم؛ انتهى. • قوله: (وفي لفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة، جاء مكانه الذي اعتكف فيه). • قال ابن دقيق العيد: (إذا أراد اعتكاف العشر دخل معتكفه قبل غروب الشمس، والدخول في أول ليلة منه، وهذا الحديث قد يقتضي الدخول في أول النهار وغيره، أقوى منه في هذه الدلالة، ولكنه أُوِّل على أن الاعتكاف كان موجودًا، وأن دخوله في هذا الوقت لمعتكفه للانفراد عن الناس بعد الاجتماع بهم في الصلاة، إلا أنه كان ابتداءَ دخول المعتكف، ويكون المراد بالمعتكف ها هنا الموضع الذي خصَّه بهذا أو أعدَّه له؛ كما جاء: "أنه اعتكف في قبة"، وكما جاء: أن أزوجه ضربن أخبيةً، ويشعر بذلك ما في هذه الرواية: "دخل مكانه الذي اعتكف فيه" بلفظ الماضي)[1]. • وقال البخاري: باب اعتكاف النساء، وذكر حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباءً، فيصلي الصبح، ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباءً، فأذنت لها فضرَبت خباءً، فلما رأته زينب ابنة جحش، ضربت خباءً آخرَ، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية، فقال: "ما هذا" فأخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البر ترون بهن"، فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرًا من شوال[2]. • قال الحافظ: (قوله: فيصلي الصبح ثم يدخله، وفي رواية: كان يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة دخل، واستدل بهذا على أن مبدأ الاعتكاف من أول النهار)[3]؛ انتهى. • قال ابن قدامة: (وإن أحب اعتكاف العشر الأواخر تطوعًا، ففيه روايتان (إحداهما) يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، لما روِي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواسط من رمضان، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: "من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر"؛ متفق عليه، ولأن العشر بغير هاء عدد الليالي، فإنها عدد المؤنث؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]، وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين، (والرواية الثانية)، يدخل بعد صلاة الصبح، قال حنبل: قال أحمد: أحب إلي أن يدخل قبل الليل، ولكن حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر، ثم يدخل معتكفه، وبهذا قال الأوزاعي وإسحاق، ووجهه ما روت عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه، متفق عليه، وإن نذر اعتكاف العشر، ففي وقت دخوله الروايتان)[4]؛ انتهى. • وقال الموفق في "المغني": (وللمرأة أن تعتكفَ في كل مسجدٍ، ولا يُشترَطُ إقامةُ الجماعة فيه؛ لأنها غيرُ واجبةٍ عليها، وبهذا قال الشافعي، وليس لها الاعتكاف في بيتها، وقال أبو حنيفة والثوري: لها الاعتكاف في مسجد بيتها، وهو المكان الذي جعلته للصلاة منه)[5]؛ انتهى، والله أعلم. [1] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: (1/ 293). [2] صحيح البخاري: (3 /63). [3] فتح الباري: (4 /275). [4] الشرح الكبير لابن قدامة: (3 /129). [5] المغني: (6 /217).
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك النهي عن اشتمال الصماء عن أبي عبيدة مولى بن أزهر واسمه سعد بن عبيد، قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر الذي تأكلون من نُسككم. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: النحر، والفطر، وعن اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر؛ أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري: الصوم فقط. • قوله: (هذان يومان) قيل: وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما، وهو الفصل من الصوم، وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده، والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى، فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك؛ لأنه يستلزم النحر، ويزيد فائدة التنبيه على التعليل، والمراد بالنسك هنا الذبيحة المتقرب بها. • قال الحافظ: (وفي الحديث تحريم صوم يومي العيد سواء النذر والكفارة، والتطوع والقضاء والتمتع، وهو بالإجماع)[1]. • قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: النحر، والفطر، وعن اشتمال الصماء)، وفي رواية: (الصماء) أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه. • قال الحافظ: قال أهل اللغة: هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا، ولا يبقي ما يخرج منه يده. • قال ابن قتيبة: سُميت صماء؛ لأنه يسد المنافذ كلها، فتصير كالصخرة الصفاء التي ليس فيها خرق. • وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثوب، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبيه، فيصير فرجه باديًا. • قال النووي: فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروهًا؛ لئلا يعرض له حاجة، فيتعسر عليه إخراج يده، فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم، لانكشاف العورة؛ انتهى. • قوله: (وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد)، وفي رواية: "ليس على فرجه منه شيء". • قال الحافظ: (الاحتباء: أن يقعد على إليتيه، وينصب ساقيه، ويلف عليه ثوبًا، ويقال له: الحبوة، وكانت من شأن العرب. • قوله: (وعن الصلاة بعد الصبح والعصر)؛ أي: بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس. • قوله: (أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط)؛ لفظ رواية البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر، وعن الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد، وعن صلاة بعد الصبح والعصر، والله أعلم. [1] فتح الباري: (4 /239).
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: فليتحرَّها في السبعِ الأواخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان منكم متحرِّيها، فليتحرَّها في السبع الأواخر). قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5] • قال ابن كثير: يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر، وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]، وهي ليلة القدر، وهي من شهر رمضان؛ كما قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]. قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله[1]. • وقال البغوي: سُميت ليلة القدر؛ لأنها ليلة تقدير الأمور والأحكام، يقدِّر الله فيها أمر السَّنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة؛ كقوله تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدَّر الله المقادير قبلَ أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: بلى، قيل: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر، وقال الأزهري: "ليلة القدر"؛ أي: ليلة العظمة والشرف من قول الناس: لفلان عند الأمير قدرٌ؛ أي: جاه ومنزلة، ويقال: قدرت فلانًا؛ أي: عظَّمته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام: 91] [الزمر: 67]؛ أي: ما عظَّموه حقَّ تعظيمه. وقيل: لأن العمل الصالح ليلة يكون فيها ذا قدر عند الله لكونه مقبولًا[2]. قوله: وما أدراك ما ليلة القدر؛ أي: ما أعلَمك. قال البخاري: قال ابن عيينة: ما كان في القرآن ﴿ ما أدراك ﴾ فقد أعلمه، وما قال: ﴿ وما يدريك ﴾ فإنه لم يعلمه[3]. • قال الخازن: قوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾؛ أي: شيء يبلغ درايتك قدرها ومبلغ فضلها، وهذا على سبيل التعظيم لها، والتشويق إلى خيرها، ثم ذكر فضلها من ثلاثة أوجه: فقال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾، قال ابن عباس: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وتمنَّى ذلك لأمته، فقال: يا رب جعلتَ أمتي أقصر الأمم أعمارًا، وأقلها أعمالًا، فأعطاه الله تبارك وتعالى ليلة القدر، فقال: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة -إلى أن قال- الوجه الثاني: قوله عز وجل: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ ﴾: يعني إلى الأرض والروح يعني جبريل عليه الصلاة والسلام، قاله أكثر المفسرين، وفي حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كانت ليلة القدر نزَل جبريل في كوكبة من الملائكة يصلون، ويُسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل)؛ ذكره ابن الجوزي. قوله: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾؛ أي: بكل أمرٍ من الخير والبركة، وقيل: بكل ما أمرٍ به وقضاه من كل أمر. الوجه الثالث: من فضلها قوله تعالى: ﴿ سَلَامٌ ﴾؛ أي: سلام على أولياء الله وأهل طاعته، قال الشعبي: هو تسليم الملائكة في ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، وقيل: الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمنًا أو مؤمنة، يُسلمون عليه من ربه عز وجل، وقيل: تَمَّ الكلام عند قوله: ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾، ثم ابتدأ فقال تعالى: ﴿ سَلَامٌ هِيَ ﴾ يعني ليلة القدر سلامة وخير، ليس فيها شرٌّ، وقيل: لا يقدر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة، وقيل: إن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمَل فيها سوء، أو يُحدث فيها أذًى حتى مطلع الفجر؛ أي: إن ذلك السلام أو السلامة تدوم إلى مطلع الفجر، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده؛ انتهى ملخصًا[4]. • قوله: (أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر). • قال البخاري: باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر[5]، وذكر الحديث، وذكر حديث أبي سعيد: اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، الحديث وفيه فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر. • وقوله: (أروا) بضم أوله؛ أي: قيل لهم في المنام: إنها في السبع الأواخر، والظاهر أن المراد به أواخر الشهر، وفي رواية: أن ناسًا أُروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن ناسًا أروا أنها في العشر الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في السبع الأواخر). • قال الحافظ: (وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين فأمر به. • قوله: "أرى" بفتح الهمزة؛ أي: أعلم. • وقوله: (تواطأت)؛ أي: توافقت وزنًا ومعنًى. • قال الحافظ: وفي هذا الحديث دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية، بشرط ألا يخالف القواعد الشرعية)[6]؛ انتهى والله أعلم. [1] تفسير ابن كثير: (8/ 441) [2] تفسير البغوي: (8 /482). [3] صحيح البخاري: (3 /59). [4] تفسير الخازن: (4 /452). [5] صحيح البخاري: (3 /59). [6] فتح الباري: (4 /257).
__________________
|
|
#5
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: "من اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليلة ثم أُنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر"، فمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين. • قال البخاري: باب تحرِّي ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، فيه عن عبادة[1]. ثم ذكر حديث عائشة وحديث أبي سعيد ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم ما شاء الله، ثم قال: "كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أُجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي، فليثبت في معتكفه، وقد أُريت هذه الليلة، ثم أُنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وترٍ، وقد رأيتُني أسجد في ماء وطين"، فاستهلت السماء في تلك الليلة، فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه، انصرف من الصُّبح ووجهه ممتلئ طينًا وماءً، وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي في العشر هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين" يعني ليلة القدر. • قال الحافظ: (قوله: باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها)[2]. قوله: فيه عن عبادة؛ أي: حديث عبادة: (التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة). • قوله: (عن أبي سعيد)، وفي رواية عن أبي سلمة: سألت أبا سعيد: هل سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، فذكر الحديث، وفي رواية: انطلقت إلى أبي سعيد فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل، فنتحدث، فخرج، فقلت: حدثني ما سمعتُ من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر. • قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأوسط من رمضان). • قال الحافظ: (هكذا وقع في أكثر الروايات، والمراد بالعشر الليالي، وكان من حقها أن توصَف بلفظ التأنيث، لكن وصفت بالمذكر على إرادة الوقت أو الزمان، أو التقدير الثلث، كأنه قال: الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر؛ انتهى. ولمسلم: اعتكف العشر الأوسط من رمضان، يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلما انقضينَ أمر بالبناء فقوض، ثم أُبينت له أنها في العشر الأواخر، وفي رواية: أنه اعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم اعتكف العشر الأواخر، وفي رواية: أن جبريل أتاه في المرتين، فقال: إن الذي تطلب أمامك)[3]. • قوله: (فاعتكف عامًا حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه)، في رواية: فخرج صبيحة عشرين فخطبنا. قوله: فإذا كان يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه. • وقوله: (وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها)؛ أي: من الصبح الذي قبلها، فالخطبة كانت في صبح العشرين، ووقوع المطر كان في ليلة إحدى وعشرين. • قال ابن بطال: هو مثل قوله تعالى: ï´؟ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ï´¾ [النازعات: 46]، فأضاف الضحى إلى العشية وهو قبلها، وكل شيء متصل بشيء، فهو مضاف إليه، سواء كان قبله أو بعده. • قال الحافظ: (وقد وجَّه شيخنا الإمام البلقيني رواية الباب بأن معنى قوله: حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين؛ أي: حتى إذا كان المستقبل من الليالي ليلة إحدى وعشرين. وقوله: وهي الليلة التي يخرج الضمير يعود على الليلة الماضية، ويؤيِّد هذا قوله: من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر؛ لأنه لا يتم ذلك إلا بإدخال الليلة الأولى)[4]. • قوله: (فقد أريت هذه الليلة ثم أُنسيتها): سبب النسيان ما روى عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"؛ رواه البخاري. ولمسلم من حديث أبي سعيد: "فجاء رجلان يَحتقَّان معهما الشيطان، فنسيتُها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة". • قوله: (وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد)؛ أي: قطر من سقفه وكان مظللًا بالجريد. • قوله: (فأبصرتُ عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وجهه أثرُ الماء والطين من صبح إحدى وعشرين)، وفي رواية: حتى رأيتُ أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصديقَ رؤياه. • قال ابن دقيق العيد: في الحديث دليلٌ لمن يرجِّح ليلة إحدى وعشرين في طلب ليلة القدر، ومن ذهب إلى أن ليلة القدر تنتقل في الليالي، فله أن يقول: كانت في تلك السنة ليلة إحدى وعشرين، ولا يلزم من ذلك أن تترجح هذه الليلة مطلقًا، والقول بتنقُّلها حسنٌ؛ لأن فيه جمعًا بين الأحاديث، وحثًّا على إحياء جميع تلك الليالي؛ انتهى. • قال الحافظ: (وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافًا كثيرًا، وتحصَّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثرُ من أربعين قولًا، ثم سردها إلى أن قال: وأرجحُها كلها أنها في وترٍ من العشر الأخير، وأنها تنتقل كما يُفهَم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين، قال العلماء: الحكمة في إخفاء ليلة القدر؛ ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عيِّنت لها ليلةٌ لاقْتُصِر عليها. • قال الطبري: لا يشترط لحصولها رؤيةُ شيءٍ ولا سماعه. • قال ابن المنير: لا نعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق، بل فضل الله واسع وربَّ قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خارق، وآخر رأى الخارق من غير عبادة، والذي حصل على العبادة أفضلُ، والعبرة إنما هي بالاستقامة، فإنها تستحيل أن تكون إلا كرامة، بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة، والله أعلم)[5]. وروى الخمسة عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عني". وعن ابن عباس: دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر، قال ابن عباس: فقلت لعمر: إني لأعلم أو أظن أي ليلة هي، قال عمر: أي ليلة هي، فقلت: سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر، فقال: من أين علمت ذلك؟ قلت: خلَق الله سبع سماوات وسبع أرَضين، وسبعة أيام، والدهر يدور في سبع، والإنسان خُلِق من سبعٍ، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع. والطواف والجمار وأشياء ذكرها، فقال عمر: لَقَدْ فَطِنْتَ لِأَمْرٍ مَا فَطِنَّا لَهُ، ورواه محمد بن نصر وزاد فيه: وأن الله جعل النسب في سبع والصهر في سبع، ثم تلا: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ï´¾ [النساء: 23]، وفي رواية الحاكم: إني لأرى القول كما قلت. • قال الحافظ: (وفي حديث أبي سعيد من الفوائد ترك مسح جبهة المصلي والسجود على الحائل، قال: وفيه جواز السجود في الطين، وقد تقدم أكثر ذلك في أبواب الصلاة، وفيه الأمر بطلب الأولى والإرشاد إلى تحصيل الأفضل، وأن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نقص عليه في ذلك، لا سيما فيما لم يؤذَن له في تبليغه، وقد يكون في ذلك مصلحة تتعلق بالتشريع؛ كما في السهو في الصلاة، أو بالاجتهاد في العبادة كما في هذه القصة؛ لأن ليلة القدر لو عُيِّنت في ليلة بعينها، حصل الاقتصار عليها، ففاتت العبادة في غيرها، وكان هذا هو المراد بقوله: (عسى أن يكون خيرًا لكم)، كما سيأتي في حديث عبادة، وفيه استعمال رمضان بدون شهر، واستحباب الاعتكاف فيه، وترجيح اعتكاف العشر الأخير، وأن من الرؤيا ما يقع تعبيره مطابقًا، وترتب الأحكام على رؤيا الأنبياء، وفي أول قصة أبي سلمة مع أبي سعيد المشي في طلب العلم، وإيثار المواضع الخالية للسؤال، وإجابة السائل لذلك، واجتناب المشقة في الاستفادة، وابتداء الطالب بالسؤال، وتقديم الخطبة على التعليم، وتقريب البعيد في الطاعة، وتسهيل المشقة فيها بحُسن التلطُّف والتدريج إليها، قيل: ويستنبط منه جواز تغيير مادة البناء من الأوقاف بما هو أقوى منها وأنفع)[6]؛ انتهى، والله أعلم. تتمة: • قال في الاختيارات في مسائل التفضيل: (وليلة القدر من أفضل الليالي، وهي في الوتر في العشر الأخير من رمضان، والوتر قد يكون باعتبار الماضي، فيطلب إحدى وعشرين وليال ثلاث إلى آخره، وقد يكون باعتبار الباقي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "التاسعة تبقى"؛ الحديث، فإذا كان الشهر ثلاثين، فتكون تلك من ليالي الإشفاع وليلة الثانية والعشرين تاسعة تبقى، وليلة أربع سابعة تبقى، كما فسَّره أبو سعيد الخدري، وإن كان تسعًا وعشرين، كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع إجماعًا، ويوم النحر أفضل أيام العام، وليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، وخديجة إيثارها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين، لم تَشْرَكْها عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة، وإدراكها من العلم لم تشركها فيه خديجة، ولا غيرها، مما تميَّزت به عن غيرها، ومريم ابنة عمران وآسيا امرأة فرعون من أفضل النساء، والفواضل من نساء الأمة كخديجة وعائشة وفاطمة أفضل منهما، والصواب الذي عليه عامة المسلمين وحُكي الإجماع عليه - أنهما ليستا بنبيتين، وأما أزواجهما في الآخرة، فقد رُوِي في مريم أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو العباس: ولا أعلم صحةَ ذلك، ولا أعلمُ ما يقطع به، والغني الشاكر والفقير الصابر أفضلهما أتقاهما لله تعالى، فإن استوَيا في الدرجة، فصالحوا البشر أفضل باعتبار كمال النهاية، وصالحوا الملك أفضل باعتبار البداية، وعشر ذي الحجة أفضل من غيره لياليه وأيامه، وقد يقال: ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل، وأيام تلك أفضل؛ قال أبو العباس: والأول أظهر ورمضان أفضل الشهور، ويكفر من فضل رجبًا عليه، ومكة أفضل بقاع الله، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، ونص الروايتين عن أحمد، قال أبو العباس: ولا أعلم أحدٌ فضَّل تربة النبي صلى الله عليه وسلم على الكعبة إلا القاضي عياض، ولم يسبقه إليه أحدٌ، ولا وافقه أحد، والصلاة وغيرها من القرب بمكة أفضل، والمجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان، وتضاعف السيئة والحسنة بمكان أو زمان فاضل، وذكره القاضي وأبو الجوزي)[7]؛ انتهى. [1] صحيح البخاري: (3/ 60). [2] فتح الباري: (4/ 260). [3] فتح الباري: (4/ 257). [4] فتح الباري: (4/ 258). [5] فتح الباري: (4/ 262). [6] فتح الباري: (4/ 259). [7] الاختيارات الفقهية: (1/ 462).
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: فأَوفِ بنَذرك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت نذرتُ في الجاهلية أن أعتكفَ ليلةً - وفي رواية: يومًا - في المسجد الحرام، قال: "فأوفِ بنذرك". ولم يذكر بعض الرواة يومًا ولا ليلة. ♦ قال البخاري: باب الاعتكاف ليلًا. وذكر الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنتُ نذرتُ في الجاهلية أن أعتكفَ ليلة في المسجد الحرام، قال: فأوفِ بنذرك[1]. ♦ قال الحافظ: قوله: باب الاعتكاف ليلًا؛ أي: بغير نهار. ♦ قوله: (قلت: يا رسول الله)، وفي رواية: أن عمر سأل. قال الحافظ: لم يذكر مكان السؤال، وسيأتي في النذر من وجه آخرَ أن ذلك كان بالجعرانة لَمَّا رجعوا من حُنين، ويستفاد منه الردُّ على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع من الصيام في الليل؛ لأن غزوة حنين متأخرة عن ذلك. ♦ قوله: (كنتُ نذرتُ في الجاهلية)، وفي رواية عند مسلم: فلمَّا أسلمتُ سألتُ. قال الحافظ: وفيه ردٌّ على مَن زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح مكة، وأنه إنما نذَر في الإسلام، وأصرَح من ذلك ما أخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن بشير عن عبيدالله بلفظ: نذَر عمر أن يعتكفَ في الشِّرك. ♦ قوله: (أن أعتكف). قال الحافظ: "ليلة" استدل به على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن الليل ليس ظرفًا للصوم، فلو كان شرطًا لأمره النبي صلى الله عليه وسلم به، وتعقب بأن في رواية شعبة عن عبيدالله عند مسلم: يومًا بدل ليلة، فجمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يومًا أراد بليلته، وقال: ورواية من روى يومًا شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال: فاعتكف ليلة، فدل على أنه لم يزِد على نذره شيئًا، وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يُشترط له حدٌّ معين. ♦ قوله: (في المسجد الحرام). قال الحافظ: زاد عمرو بن دينار في روايته عند الكعبة، وقد ترجم البخاري لهذا الحديث من لم يرَ عليه إذا اعتكف صومًا، وترجمة هذا الباب مستلزمة للثانية؛ لأن الاعتكاف إذا ساغ ليلًا بغير نهار، استلزم صحته بغير صيام من غير عكسٍ؛ انتهى. وستأتي بقية فوائد هذا الحديث في باب النذر إن شاء الله)[2]. [1] صحيح البخاري ترقيم فتح الباري: (3/ 63). [2] فتح الباري (4 /274).
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي عن صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدَّثته، ثم قمتُ لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأَيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَعا في المشي، فقال: "على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال: شيئًا". وفي رواية: أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحاثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغ باب المسجد عند باب أم سلمة، ثم ذكره بمعناه. ♦ قال البخاري: باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلا باب المسجد. وذكر الحديث ولفظه: أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تَزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغَ الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئًا"[1]. ♦ قولها: (فأتيته أزوره ليلًا)، وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه، فَرُحْنَ، وقال لصفية: لا تعجلي حتى أنصرف معك. ♦ قولها: (ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني): بفتح أوله؛ أي: يردها إلى منزلها. ♦ قوله: (وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد). ♦ قال الحافظ: (أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد؛ لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة، بحيث تسكن فيها صفية، وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد، والمراد بهذا بيان المكان الذي لقِيه الرجلان فيه لإتيان مكان بيت صفية. ♦ قولها: (فمر رجلان من الأنصار، فلمَّا رَأَيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسرَعا في المشي، فقال: "على رِسلكما")؛ أي: على هينتكما في المشي، فليس هنا شيء تكرهانه. ♦ قولها: (فقالا: سبحان الله يا رسول الله)، وفي رواية: وكبر عليهما ما قال، وفي رواية: يا رسول الله، هل نظن بك إلا خيرًا؟! ♦ قوله: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، وفي رواية عبدالرحمن بن إسحاق: ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنان شرًّا، ولكن قد علمت أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم[2]. ♦ قوله: (وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال شيئًا)، وفي رواية: إني خفت أن يدخل عليكما شيئًا. ♦ قال الحافظ: (والمحصل من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنسبهما إلى أنهما يظنان به سوءًا لِما تقرَّر عنده من صدق إبمانِهما، ولكن خشِي عليهما أن يُوسوس لهما الشيطان؛ ذلك لأنهما غير معصومين، فقد يُفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر إلى أعلامهما حسمًا للمادة، وتعليمًا لمن بعدهما إذا وقع له مثلُ ذلك؛ كما قاله الشافعي رحمه الله تعالى، فقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة، فسأله عن هذا الحديث، فقال: إنما قال لهما ذلك؛ لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنَّا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما نصيحةً لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يَهلكان به. قال: وفي الحديث من الفوائد: جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة؛ من تشييع زائره والقيام معه، والحديث مع غيره، وإباحة خَلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة للمعتكف، وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أُمته، وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم، وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن، والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار؛ قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء، ومَن يُقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوءَ الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومِن ثَمَّ قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يُبين للمحكوم عليه وجهَ الحكم إذا كان خافيًا؛ نفيًا للتهمة، ومِن هنا يظهر خطأ مَن يتظاهر بمظاهر السوء، ويعتذر بأنه يُجرب بذلك على نفسه، وقد عظُم البلاء بهذا الصِّنف، والله أعلم، وفيه إضافة بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليهنَّ، وفيه جوازُ خروج المرأة ليلًا، وفيه قول سبحان الله عند التعجب، وقد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله، وللحياء من ذكره كما في حديث أم سليم)[3]؛ انتهى. تتمة: يستحب لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يَبيت ليلة العيد في معتكفه؛ نصَّ عليه أحمد، وروى الأثرم بإسناده عن أيوب عن أبي قلابة أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر، ثم يغدو كما هو إلى المصلى، وكان في اعتكافه لا يُلقى له حصيرٌ، ولا مصلى يجلس عليه، كان يجلس كأنه بعض القوم، قال: فأتيتُه يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة ما ظننتُها إلا بعض بناته، فإذا هي أمة له فأعتقها، وغدا كما هو إلى العيد، وقال إبراهيم: كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد، والله أعلم. ♦ قال في الاختيارات: ومن نذَر الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة، تعيَّن ما امتاز على غيره بمزية شرعية كقدم وكثرة جمعٍ؛ اختاره أبو العباس في موضع آخر من وجهين في مذهبنا، ولا يجوز سفر الرجل إلى المشاهد والقبور والمساجد غير المساجد الثلاثة، وهو قول مالك وبعض أصحابه، وقال ابن عقيل من أصحابنا: وإن قرأ القرآن عند الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه فحسَنٌ؛ كقوله لمن دعاه إلى ذنبٍ وتابَ منه: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، وقوله عندما أهمَّه أمر: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، والتحقيق في الصمت أنه إذا طال حتى يتضمَّن ترك الكلام الواجب، صار حرامًا؛ كما قال الصِّدِّيق، وكذا إن بَعُدَ بالصمت عن الكلام المستحب والكلام الحرام، يجب الصمت عنه، وفضول الكلام ينبغي الصمت عنه، ولم ير أبو العباس لمن قصد المسجد للصلاة وغيرها أن ينويَ الاعتكاف مدةَ لُبثِه)[4]؛ انتهى والله المستعان. [1] صحيح البخاري: (3/ 64). [2] فتح الباري: (4/ 279). [3] فتح الباري: (4/ 279). [4] الاختيارات الفقهية: (1/ 463).
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن". قال عبدالله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم". الحج: أحد أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها الإسلام والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ï´؟ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ï´¾ [آل عمران: 97]، وروى الترمذي وحسنه عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما يوجب الحج؟ قال: "الزاد والراحلة"، وقال تعالى: ï´؟ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ï´¾ [الحج: 27]... الآية، و(السبيل): الزاد والراحلة، وقال تعالى: ï´؟ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ï´¾ [البقرة: 196]. • قال ابن تيمية: (ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضرَّه، وجب، وإلا فلا، وإنما لم يُقيده أبو عبدالله لسقوط الفرائض بالضرر، وتحرم في المعصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فحينئذ ليس للأبوين منع ولدهما من الحج الواجب، لكن يستطيب أنفسهما، فإن أذنا وإلا حج، والحج واجب على الفور، والقول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جدًّا مخالف للسنة الثابتة، ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد أن أهل مكة لا عمرة عليهم رواية واحدة، وفي غيرهم روايتان، وهي طريقة أبي محمد وطريقة أبي البركات في العمرة ثلاث روايات، ثالثها تجب على غير أهل مكة، ومَن وجَب عليه الحج، فتوفِّي قبله وخلَّف مالًا، حج عنه منه في أظهر قولي العلماء، وإذا وجب الحج على المحجور عليه، لم يكن لوليه منعه منه على الوجه الشرعي، والتجارة ليست محرمة، لكن ليس للإنسان أن يفعل ما يشغله عن الحج، ومن أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك، وجب عليه الكف عن سلوكها، فإن لم يكف، فيكون أعان على نفسه، فلا يكون شهيدًا، ويجوز الخفارة عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر، ولا يجوز مع عدمها كما يأخذه السلطان من الرعايا، قال: ويجوز للرجل الحج عن المرأة باتفاق العلماء، وكذا العكس على قول الأئمة الأربعة، وخالف فيه بعض الفقهاء، والحج على الوجه المشروع أفضل من الصدقة التي ليست واجبة، وأما إن كان له أقارب محاويج، فالصدقة عليهم أفضل، وكذلك إن كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته، فأما إذا كان كلاهما تطوعًا، فالحج أفضل؛ لأنه عبادة بدنية مالية، وكذلك الأضحية والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمة ذلك، لكن هذا بشرط أن يقيم الواجب في الطريق ويترك المحرمات، ويُصلي الصلوات الخمس، ويَصْدُقُ الحديثَ، ويؤدي الأمانة، ولا يتعدى على أحد)[1]؛ انتهى. • قوله: (باب المواقيت). • قال البخاري: باب فرض مواقيت الحج والعمرة، حدَّثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا زهير، قال: حدثني زيد بن جبير أنه أتى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في منزله، وله فسطاط وسرادق، فسألتُه: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا ولأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة[2]. • قال الحافظ: (المواقيت: جمع ميقات، ومعنى قرض: قدَّر أو، أوجب، وهو ظاهر نص المصنف، وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة مِن قبل الميقات)[3]. • قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة) إلى آخره. • وقال البخاري: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة. وذكر حديث ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهن ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة[4]. • قال الحافظ: (قوله: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، المهل بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام، موضع الإهلال، وأصله رفع الصوت؛ لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا)[5]. • قوله: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة)؛ أي: حدَّد. • قال الحافظ: (وأصل التوقيت: أن يُجعل للشيء وقتٌ يختص به، ثم اتسع فيه، فأُطلق على المكان. • قوله: (ذو الحليفة)، هو مكان معروف، قال الحافظ: بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين، قاله ابن حزم، وقال غيره: بينهما عشر مراحل، وقال النووي: بينها وبين المدينة ستة أميال. • قوله: (ولأهل الشام الجحفة). • قال الحافظ: وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة، قال: وسُمِّيت الجحفة؛ لأن السيل أجحف بها، قال الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين بني عبيل وهم إخوة عاد حرب، فأخرجوهم من يثرب، فنزلوا مهيعة، فجاء سيل فاجتحفهم؛ أي: استأصلهم، فسُميت الجحفة، ووقع في حديث عائشة عند النسائي: ولأهل الشام ومصر الجحفة، والمكان الذي يحرم منه المصريون الآن رابغ قريب من الجحفة، واختصت الجحفة بالحمى، فلا ينزلها أحد إلا حم. • قوله: (ولأهل نجد قرن المنازل). • قال الحافظ: أما نجد فهو كل مكان مرتفع، وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق، قال: والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان، قال: ووقع في عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث ابن عباس هذا، ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن، وهذا لا يوجد في شيء من طرق حديث ابن عباس، وإنما يوجد ذلك من مرسل عطاء، وهو المعتمد، فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين؛ إحداهما طريق أهل الجبال، وهم يصلون إلى قرن أو يحاذونه، فهو ميقاتهم، كما هو ميقات أهل المشرق، والأخرى طريق أهل تهامة، فيمرون بيلملم أو يحاذونه، وهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم. • قوله: (ولأهل اليمن يلملم). • قال الحافظ: مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلًا، ويقال لها: ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها. • قوله: (هن لهن)؛ أي: المواقيت للجماعات المذكورة، وفي رواية: "هن لهن"؛ أي: المواقيت المذكورة لأهل البلاد المذكورة، وفي رواية "هن لأهلهن". • قال الحافظ: أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، ويدخل في ذلك من دخل بلدًا ذات ميقات، ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين، والذي يدخل فيه خلاف؛ كالشامي إذا أراد الحج، فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها، ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخر أساء ولزِمه دمُ عند الجمهور، قال ابن دقيق العيد: قوله ولأهل الشام الجحفة يشمل من مَرَّ مِن أهل الشام بذي الحليفة، ومن لم يمر، وقوله: "ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ"، يشمل الشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره، فهنا عمومان قد تعارضا)؛ انتهى ملخصًا. • قال الحافظ: (ويحصل الانفكاك عنه بأن قوله: هنَّ لهنَّ مفسر لقوله مثلًا: وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها، ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم، ويؤيده عراقي خرج من المدينة، فليس له مجاوزة ميقات المدينة غير محرم، ويترجح بهذا قول الجمهور، وينتفي التعارض)[6]؛ انتهى. • قال في الاختيارات الفقهية: (ومن ميقاته الجحفة كأهل مصر والشام إذا مرُّوا على المدينة، فلهم تأخير الإحرام إلى الجحفة، ولا يجب عليهم الإحرام من ذي الحليفة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك)[7]. • قوله: (ممن أراد الحج والعمرة). • قال الحافظ: (فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام. • قوله: (ومن كان دون ذلك)؛ أي: بين الميقات ومكة. • قوله: (فمن حيث أنشأ). • قال الحافظ: أي: فميقاته من حيث أنشأ الإحرام؛ إذ السفر من مكانه إلى مكة، قال: ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصدٍ للنسك، فجاوز الميقات، ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدَّد له القصد، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله: فمن حيث أنشأ. • قوله: (حتى أهل مكة من مكة). • قال الحافظ: أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه، بل يحرمون من مكة كالآفاقيِّ الذي بين الميقات ومكة، فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، وهذا خاص بالحاج، وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل، قال المحب الطبري: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة، فتَعيَّن حمله على القارن. • قال الحافظ: واختلف فيمن جاوز الميقات مريدًا للنسك، فلم يحرم، فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم، فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب، وقالوا: لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك، سقط عنه الدم. • قال الحافظ: الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة، فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز)[8]؛ انتهى. • وقال البخاري أيضًا: باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة. وذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، قال عبدالله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن مِن يلملم[9]. • قال الحافظ: (استنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة الأمر تعيَّن ذلك، وأيضًا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعيَّن الميقات، لبادروا إليه؛ لأنه يكون أشقَّ، فيكون أكثر أجرًا. وفي رواية: أن رجلًا قام في المسجد، فقال: يا رسول الله، من أين تأمرنا أن نهل الحديث. • قال الحافظ: حكى الأثرم عن أحمد أنه سُئل في أي سنة وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت، فقال عام حج)[10]؛ انتهى. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لَما فتح هذان المصران أتوا عمرَ، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عرق). • قال الحافظ: (سُمي بذلك؛ لأن فيه عرقًا، وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء بينها وبين مكة مرحلتان، والمسافة اثنان وأربعون ميلًا، وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة، والمصران الكوفة والبصرة، وهما سرتا العراق، والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما، وإلا فهما من تمصير المسلمين)[11]؛ انتهى. وقال الشافعي في "الأم": لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق وإنما أجمع عليه الناس. قال ابن عبدالبر: أجمع أهل العلم على أن إحرام أهل العراق من ذات عرق إحرام من الميقات. عن ابن عباس قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق. • قال الحافظ: (العقيق المذكور هنا وادٍ يتدفق ماؤه في غوري تهامة، وهو غير العقيق المذكور؛ يعني: في قوله صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك الذي يقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال)[12]. • قال الموفق: ومَن لم يكن طريقه على ميقات، فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرَم؛ انتهى، والله أعلم. [1] الاختيارات الفقهية: (1/ 463). [2] صحيح البخاري: (2/ 164). [3] فتح الباري: (3/ 383). [4] صحيح البخاري: (2/ 165). [5] فتح الباري: (3/ 384). [6] فتح الباري: (3/ 385، 386). [7] (1/ 466). [8] فتح الباري: (3/ 386). [9] صحيح البخاري: (2/ 165). [10] فتح الباري: (3/ 387). [11] فتح الباري: (3/ 389). [12] فتح الباري: (3/ 391).
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". قال: وكان عبدالله بن عمر يزيد فيها: لبيك وسعديك والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. • قال البخاري: باب التلبية، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يُلبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك[1]؛ انتهى. معنى التلبية: الإجابة. • قوله: (لبيك): معناه إجابة بعد إجابة، أو إجابة لازمة، وقيل: معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك، وقيل: معناه محبتي لك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت، قيل له: أذِّن في الناس بالحج، قال: رب، وما يبلغ صوتي؟ قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، قال: فنادى إبراهيم: يا أيها الناس، كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمِعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيؤون من أقصى الأرض يُلبون؛ رواه ابن أبي حاتم. وفي رواية: فأجابوا بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة، إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ. • فقال ابن المنير: وفي مشروعية التلبية تَنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى. • قوله: (إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). • قال ابن المنير في الحاشية: قرن الحمد والنعمة وأفرَد الملك؛ لأن الحمد متعلق النعمة، ولهذا يقال: الحمد لله على نِعَمه، فجمع بينهما كأنه قال: لا حمد إلا لك؛ لأنه لا نعمة إلا لك، وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه، ذُكر لتحقيق أن النعمة كلها لله؛ لأنه صاحب الملك. • قال الحافظ: ووقع عند مسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع وغيره عن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلتُه عند مسجد ذي الحليفة، أهلَّ، فقال: (لبيك)؛ الحديث، وللمصنف من طريق الزهري عن سالم عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيًا يقول: (لبيك اللهم لبيك)؛ الحديث، وقال في آخره: لا يزيد على هذه الكلمات، زاد مسلم من هذا الوجه، قال ابن عمر: كان عمر يُهل بهذا، ويزيد: (لبيك اللهم لبيك، وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل)، وهذا القدر في رواية مالك أيضًا عنده عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزيد فيها، فذكر نحوه، فعرف أن ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة، قال: كانت تلبية عمر، فذكر مثل المرفوع، وزاد: لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك، ذا النعماء والفضل الحسن، واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، إلى أن قال، وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج: حتى استوت به ناقته على البيداء، أهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك... إلخ، قال: وأهل الناس بهذا الذي يُهلون به، فلم يرد عليهم شيئًا منه، ولزم تلبيته، وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه منه مسلم، قال: والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع، فلا يقول لهم شيئًا، وفي رواية البيهقي: "ذا المعارج وذا الفواضل"، وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها، وأنه لا بأس بالزيادة، لكونه لم يردَّها عليهم وأقرَّهم عليها، وهو قول الجمهور؛ انتهى. • قال الشافعي: ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره: تعظيم الله ودعاؤه، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روِي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. • قال الحافظ: وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد، فإنه قال فيه، ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء؛ أي: بعد أن يفرغ من المرفوع. عن أبي هريرة قال: كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم: لبيك إله الحق؛ أخرجه النسائي، وابن ماجه. • قوله: (لبيك وسعديك)؛ أي: إجابةً بعد إجابة، وإسعادًا بعد إسعاد[2]. تتمة: • قال ابن تيمية: وينعقد الإحرام بنية النسك مع التلبية، أو سوق الهدي، وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وقاله جماعة من المالكية، وحُكِي قولًا للشافعية، ويحرُم عقب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه، ويُستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفًا، وإلا فلا جمعَ بين الأدلة والقِران أفضل من التمتع إن ساق هديًا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وإن اعتمر وحجَّ في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج، فالإفراد أفضل باتفاق الأئمة الأربعة، ومن أفرد العمرة بسفرة، ثم قدِم في أشهر الحج، فإنه يتمتع، والنبي صلى الله عليه وسلم حجَّ قارنًا. • قال الإمام أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، والتمتع أحب إليَّ، قال أبو العباس: وعلى هذا متقدمو أصحابنا، ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة، لم يجز الصحيح، ويجوز العكس بالاتفاق[3]؛ انتهى، والله أعلم. [1] صحيح البخاري: (2 /170). [2] فتح الباري: (3 /409، 410). [3] الاختيارات الفقهية: (1/ 465).
__________________
|
|
#10
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى عن عبدالله بن مغفل قال: جلست إلى كعب بن عجرة، فسألته عن الفدية، فقال: نزلت فيَّ خاصة وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: "ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أو ما كنت أرى الجهد بلغ منك ما أرى، أتجد شاةً؟"، فقلت: لا، قال: "فصُم ثلاثة أيام، أو أطعِم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع". وفي رواية: أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقًا بين ستة مساكين، أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام. • قال البخاري: باب قول الله تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ï´¾ [البقرة: 196]، وهو مخيرٌ، فأما الصوم فثلاثة أيام[1]. وذكر حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعلك أذاك هوامك، قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلق رأسك وصُم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة؛ قال البغوي: قوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ï´¾ [البقرة: 196]، معناه: لا تحلقوا رؤوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوام أو صداع؛ انتهى. قوله: مخير من كلام المصنف استفاده من (أو) المكررة، وقد أشار إلى ذلك في أول باب كفارات الإيمان، فقال: وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبًا في الفدية، ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ما كان في القرآن، أو فصاحبه بالخيار. • قال الحافظ: (وأقرب ما وقفت عليه طرق حديث الباب إلى التصريح ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصُم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعِم"؛ الحديث. والصيام المطلق في الآية مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث، قال ابن التين وغيره: جعل الشارع هنا صوم يوم معادلًا بصاع، وفي الفطر من رمضان عدل مد، وكذا في الظهار والجماع في رمضان، وفي كفارة اليمين بثلاثة إمداد وثُلث، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات)[2]. • قوله: (جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية، فقال: نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة)، وفي رواية عبدالرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه، وأنه يسقط على وجهه، فقال: "أيؤذيك هوامُّك"، قال: نعم، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يتبيَّن لهم أنهم يحلون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُطعم فرقًا بين ستة، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام. • قوله: (حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقمل يتناثر على وجهي)، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون، وقد حصرنا المشركون، قال: وكانت لي وفرة، فجعلت الهوام تساقط على وجهي، فمرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيؤذيك هوام رأسِك"، قلت: نعم، قال: وأنزلت هذه الآية. • قوله: (فقال: "ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أو ما كنت أرى الجهد بلغ منك ما أرى")، شك من الراوي: هل قال: الوجع أو الجَهد، والجهد بالفتح المشقة، وأرى الأولى بضم الهمزة؛ أي: أظن وأرى الثانية بفتح الهمزة من الرؤية، وفي رواية: "لعلك آذاك هوامك"، قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احلق رأسك". • قال القرطبي: هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم فلمَّا أخبره بالمشقة التي نالته خفَّف عنه. • وقال ابن قدامه: لا نعلم خلافًا في إلحاق الإزالة بالحلق؛ سواء كان بموس، أو مقص، أو نورة، أو غير ذلك. • قوله: (أتجد شاة؟ فقلت: لا). • قال ابن عبدالبر: قدم الشاة، إشارة إلى ترجيح الترتيب، لا إلى إيجابه. • قال النووي: ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي، بل المراد أنه استخبره هل معه هدي أو لا، فإن كان واجده أعلَمه أنه مخيَّر بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلَمه أنه مخيَّرٌ بينهما[3]. • قوله: (فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين). • قال البخاري: باب قول الله تعالى: ï´؟ أَوْ صَدَقَةٍ ï´¾ [البقرة: 196]، وهي إطعام ستة مساكين[4]. وذكر الحديث وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صم ثلاثة أيام، أو تصدق بفرق بين ستة، أو انسك بما تيسر". • قال الحافظ: يشير بهذا إلى أن الصدقة في الآية مبهمة، فسرتها السُّنة، وبهذا جمهور العلماء. • قوله: (وفي رواية: أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقًا بين ستة مساكين)، والفرق بفتح الفاء والراء وقد تسكن. • قال الحافظ: مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلًا، ووقع في رواية ابن عيينة عند أحمد وغيره: والفرق ثلاثة آصُع، ولمسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى: أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين[5]. • قال البخاري أيضًا: باب الإطعام في الفدية نصف صاع[6]، وذكر الحديث. • قال الحافظ: أي لكل مسكين من كل شيء، يشير بذلك إلى الرد على من فرَّق ذلك بين القمح وغيره؛ قال ابن عبدالبر: قال أبو حنيفة والكوفيون نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره، وعن أحمد رواية تضاهي قولهم، قال عياض: وهذا الحديث يرد عليهم. • وقال البخاري أيضًا: باب النسك شاة وذكر الحديث. • قال الحافظ: أي النسك المذكور في الآية؛ حيث قال: أو نسك، وروى الطبري من طريق مغيرة عن مجاهد في آخر هذا الحديث، فأنزل الله: ï´؟ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ï´¾ [البقرة: 196]، والنُّسك: شاة. قوله: فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يتبيَّن لهم أنهم يحلون هذه الزيادة؛ ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان استباحة محظور بسبب الأذى، لا لقصد التحلل بالحصر، وهو واضح، قال ابن المنذر: يؤخذ منه أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت - أنَّ عليه أن يقيم حتى ييئس من الوصول، فيحل، واتفقوا على أن مَن يَئسَ من الوصول، وجاز له أن يحل، فتمادى على إحرامه، ثم أمكنه أن يصل - أن عليه أن يمضي إلى البيت ليتم نسكه. • قال الحافظ: وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد: أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن، وتقييدها بالسنة، وتحريم حلق الرأس على المحرم، والرخصة له في حلقه إذا آذاه القمَّل أو غيره من الأوجاع، وفيه تلطفُ الكبير بأصحابه، وعنايته بأحوالهم وتفقُّده لهم، وإذا رأى ببعض أتباعه ضررًا، سأل عنه وأرشده إلى المخرج منه، قال: واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين، وقال مجاهد: النسك بمكة ومنى، والإطعام بمكة، والصيام حيث شاء[7]. • قال الموفق: وكل هدي أو إطعام، فهو لمساكين الحرم إذا قدر على إيصاله إليهم، إلا فدية الأذى واللبس ونحوهما، إذا وجد سببها في الحل، فيُفرقها حيث وجد سببها، ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر، وأما الصيام فيُجزيه بكل مكان. قال ابن تيمية: ويُجزئ في فدية الأذى رطل خبز عراقية، وينبغي أن يكون بأدم ومما يأكله أفضل من بر أو شعير، والمحرم إن احتاج وقطع شعره لحجامة أو غسل، لم يضره[8]. تتمة: قال مجاهد وغيره: الإحصار من عدو أو مرض أو كسر. وروى أحمد عن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كسر أو عرج، فقد حل، وعليه الحج من قابل"، قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك، فقالا: صدق. • قال الموفق: ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقته، لم يكن له التحلل، فإن فاته الحج تحلل بعمرة، ويحتمل أنه يجوز له التحلل كمن حصره العدو[9]؛ انتهى. • قال في الاختيارات: والمحصر بمرض أو ذَهاب نفقة؛ كالمحصر بعدو، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومثله حائض تعذَّر مقامُها، وحرُم طوافُها، ورجعت لم تطُف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذَهاب الرُّفقة، والمحصر يلزمه دمٌ في أصح الروايتين، ولا يلزمه قضاء حجِّه إن كان تطوعًا، وهو إحدى الروايتين[10]؛ انتهى، والله أعلم. [1] صحيح البخاري: (3/ 12). [2] فتح الباري: (3/ 12). [3] فتح الباري: (4/ 14، 15). [4] صحيح البخاري: (3/ 13). [5] فتح الباري: (4/ 16). [6] صحيح البخاري: (3/ 13). [7] فتح الباري: (4/ 19). [8] الاختيارات الفقهية: (1/ 466). [9] الشرح الكبير لابن قدامة: (3/ 527). [10] الاختيارات الفقهية: (1/ 468).
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |