تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله - الصفحة 23 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ربنا أفرغ علينا صبرا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حقوق الانسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الطلبة المسلمون: التأثير والتأثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          منهج التنافس والتدافع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          محرمات استهان بها الناس كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الهوية الإمبريالية للحرب الصليبية في الشرق الأوسط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          «ابن الجنرال» ونهاية الحُلم الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          التغيير في العلاقات الأمريكية الروسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          هل اقتربت نهاية المشروع الإيراني؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الشيخ عثمان دي فودي: رائد حركات الإصلاح الديني في إفريقيا الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-12-2021, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (206)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الاية97 إلى الاية 102




( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ( 109 ) .

( أفمن أسس بنيانه ) قرأ نافع وابن عامر " أسس " بضم الهمزة وكسر السين ، " بنيانه " برفع النون فيهما جميعا على غير تسمية الفاعل . وقرأ الآخرون " أسس " فتح الهمزة والسين ، " بنيانه " : بنصب النون ، [ ص: 97 ] على تسمية الفاعل . ( على تقوى من الله ورضوان خير ) أي : على طلب التقوى ورضا الله تعالى خير ( أم من أسس بنيانه على شفا ) على شفير ، ( جرف ) قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر " جرف " ساكنة الراء ، وقرأ الباقون بضم الراء وهما لغتان ، وهي البئر التي لم تطو . قال أبو عبيدة : هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية فينجرف بالماء فيبقى واهيا ، ( هار ) أي : هائر وهو الساقط يقال : هار يهور فهو هائر ، ثم يقلب فيقال : هار مثل شاك وشائك وعاق وعائق . وقيل : هو من يهار : إذا انهدم ، ومعناه : الساقط الذي يتداعى بعضه في إثر بعض ، كما ينهار الرمل والشيء الرخو . ( فانهار به ) أي : سقط بالباني ( في نار جهنم ) يريد بناء هذا المسجد الضرار كالبناء على شفير جهنم فيهور بأهلها فيها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد صيرهم النفاق إلى النار .

( والله لا يهدي القوم الظالمين ) قال قتادة : والله ما تناهى أن وقع في النار ، وذكر لنا أنه حفرت بقعة فيه ، فرئي الدخان يخرج منها . وقال جابر بن عبد الله : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار .
( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ( 110 ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ( 111 ) .

( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة ) أي : شكا ونفاقا ، ( في قلوبهم ) يحسبون أنهم كانوا في بنيانه محسنين كما حبب العجل إلى قوم موسى . قاله ابن عباس رضي الله عنهما . وقال الكلبي : حسرة وندامة لأنهم ندموا على بنائه . وقال السدي : لا يزال هدم بنائهم ريبة وحزازة وغيظا في قلوبهم .

( إلا أن تقطع قلوبهم ) أي : تتصدع قلوبهم فيموتوا . قرأ ابن عامر ، وأبو جعفر ، وحمزة ، وحفص : " تقطع " بفتح التاء أي : تتقطع . والآخرون بضمها . وقرأ يعقوب وحده : " إلى أن " خفيف ، على الغاية ، " تقطع " بضم التاء ، خفيف ، من القطع يدل عليه تفسير الضحاك وقتادة : لا يزالون في شك منه إلى أن [ ص: 98 ] يموتوا فيستيقنوا . ( والله عليم حكيم ) .

قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) الآية . قال محمد بن كعب القرظي : لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسا ، قال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت .

فقال : أشترط لربي عز وجل : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي ، أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم .

قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟

قال : الجنة ، قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) .

وقرأ الأعمش : " بالجنة " .

( يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) قرأ حمزة والكسائي : " فيقتلون " بتقديم المفعول على الفاعل بمعنى يقتل بعضهم بعضا ، ويقتل الباقون . وقرأ الآخرون بتقديم الفاعل . ( وعدا عليه حقا ) أي : ثواب الجنة لهم وعد وحق ( في التوراة والإنجيل والقرآن ) يعني أن الله عز وجل وعدهم هذا الوعد ، وبينه في هذه الكتب . وقيل : فيه دليل على أن أهل الملل كلهم أمروا بالجهاد على ثواب الجنة ، ثم هنأهم فقال : ( ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ) فافرحوا ( ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) قال عمر رضي الله عنه : إن الله عز وجل بايعك وجعل الصفقتين لك .

وقال قتادة : ثامنهم الله عز وجل فأغلى لهم .

وقال الحسن : اسمعوا إلى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن . وعنه أنه قال : إن الله أعطاك الدنيا فاشتر الجنة ببعضها .

ثم وصفهم فقال : ( التائبون ) قال الفراء : استؤنفت بالرفع لتمام الآية وانقطاع الكلام . وقال [ ص: 99 ] الزجاج : التائبون رفع للابتداء ، وخبره مضمر . المعنى : التائبون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا . أي : من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد ، لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد ، فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا ، وهذا أحسن ، فكأنه وعد الجنة لجميع المؤمنين ، كما قال : " وكلا وعد الله الحسنى ( النساء - 95 ) ، فمن جعله تابعا للأول كان الوعد بالجنة خاصا للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفة .
( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ( 112 ) .

قوله تعالى : ( التائبون ) أي : الذين تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق ، ( العابدون ) المطيعون الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل ( الحامدون ) الذين يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء .

وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء " . ( السائحون ) قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما : هم الصائمون .

وقال سفيان بن عيينة : إنما سمي الصائم سائحا لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح .

وقال عطاء : السائحون الغزاة المجاهدون في سبيل الله . روي عن عثمان بن مظعون ، رضي الله عنه ، أنه قال : يا رسول الله ائذن لي في السياحة ، فقال : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .

وقال عكرمة : السائحون هم طلبة العلم .

( الراكعون الساجدون ) يعني : المصلين ، ( الآمرون بالمعروف ) بالإيمان ، ( والناهون عن المنكر ) عن الشرك . وقيل : المعروف : السنة ، والمنكر : البدعة . ( والحافظون لحدود الله ) القائمون بأوامر الله . وقال الحسن : أهل الوفاء ببيعة الله . ( وبشر المؤمنين )
[ ص: 100 ] ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ( 113 ) .

( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) اختلفوا في سبب نزول هذه الآية .

قال قوم : سبب نزولها : ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه . قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده أبا جهل ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة : فقال : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدان بتلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فأنزل الله تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وأنزل في أبي طالب : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني محمد بن حاتم بن ميمون ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا يزيد بن كيسان ، حدثني أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله لعمه : " قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " فقال : لولا أن تعيرني قريش ، فيقولون : إنما حمله على ذلك الجزع ، لأقررت بها عينك . فأنزل الله عز وجل : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن يوسف حدثني الليث حدثني يزيد بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر عنده عمه فقال : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه " . [ ص: 101 ] وقال أبو هريرة وبريدة : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى قبر أمه آمنة فوقف عليه حتى حميت الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) الآية .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، حدثنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنبأنا محمد بن عبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال : " استأذنت ربي عز وجل في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور ، فإنها تذكر الموت " .
( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ( 114 ) .

قال قتادة قال النبي صلى الله عليه وسلم : " : " لأستغفرن لأبي . كما استغفر إبراهيم لأبيه " فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لما أنزل الله عز وجل خبرا عن إبراهيم عليه السلام ، قال لأبيه : " سلام عليك سأستغفر لك ربي " سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان ، فقلت له : تستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال : أولم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأنزل الله عز وجل : " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ، إلى قوله : " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك " ( الممتحنة - 4 ) .

قوله تعالى : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) قال بعضهم : الهاء في إياه عائدة إلى إبراهيم عليه السلام . والوعد كان من أبيه ، وذلك أن أباه كان وعده أن يسلم ، فقال له إبراهيم : سأستغفر لك ربي يعني إذا أسلمت .

وقال بعضهم : الهاء راجعة إلى الأب ، وذلك أن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له رجاء إسلامه . وهو قوله : " سأستغفر لك ربي " . يدل عليه قراءة الحسن : " وعدها أباه " بالباء الموحدة . [ ص: 102 ] والدليل على أن الوعد من إبراهيم ، وكان الاستغفار في حال شرك الأب ، قوله تعالى : " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم " ، إلى أن قال : " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك " ( الممتحنة - 4 ) فصرح أن إبراهيم ليس بقدوة في هذا الاستغفار ، وإنما استغفر له وهو مشرك لمكان الوعد رجاء أن يسلم .

( فلما تبين له أنه عدو لله ) لموته على الكفر ، ( تبرأ منه ) وقيل : فلما تبين له في الآخرة أنه عدو لله تبرأ منه أي : يتبرأ منه وذلك ما :

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني أخي عبد الحميد عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني؟! فيقول له أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم عليه السلام : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين . ثم يقال يا إبراهيم : ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح ملتطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " وفي رواية : يتبرأ منه يومئذ .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-01-2022, 06:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (211)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع

سُورَةِ يُونُسَ
الاية127 إلى الاية 131


( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ( 17 ) ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ( 18 ) وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ( 19 ) .

قوله تعالى : ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) فزعم أن له شريكا أو ولدا ( أو كذب بآياته ) بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، ( إنه لا يفلح المجرمون ) لا ينجو المشركون .

( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ) إن عصوه وتركوا عبادته ، ( ولا ينفعهم ) إن عبدوه ، يعني : الأصنام ، ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله ) أتخبرون الله ، ( بما لا يعلم ) الله صحته . ومعنى الآية : أتخبرون الله أن له شريكا ، أو عنده شفيعا بغير إذنه ، ولا يعلم الله لنفسه شريكا؟! ( في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ) قرأ حمزة والكسائي " تشركون " بالتاء ، هاهنا وفي سورة النحل موضعين ، وفي سورة الروم ، وقرأ الآخرون كلها بالياء .

قوله تعالى : ( وما كان الناس إلا أمة واحدة ) أي : على الإسلام . وقد ذكرنا الاختلاف فيه في سورة البقرة ( فاختلفوا ) وتفرقوا إلى مؤمن وكافر ، ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) بأن جعل [ ص: 127 ] لكل أمة أجلا . وقال الكلبي : هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا ، ( لقضي بينهم ) بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذبين ، وكان ذلك فصلا بينهم ، ( فيما فيه يختلفون ) وقال الحسن : ولولا كلمة سبقت من ربك مضت في حكمه أنه : لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة ، لقضي بينهم في الدنيا فأدخل المؤمن الجنة والكافر النار ، ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة .
( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ( 20 ( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ( 21 ) هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( 22 ) .

( ويقولون ) يعني : أهل مكة ، ( لولا أنزل عليه ) أي : على محمد صلى الله عليه وسلم ( آية من ربه ) على ما نقترحه ، ( فقل إنما الغيب لله ) يعني : قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله ، لا يعلم أحد لم لم يفعل ذلك ولا يعلمه إلا هو . وقيل : الغيب نزول الآية لا يعلم متى ينزل أحد غيره ، ( فانتظروا ) نزولها ( إني معكم من المنتظرين ) وقيل : فانتظروا قضاء الله بيننا بالحق بإظهار المحق على المبطل .

قوله عز وجل : ( وإذا أذقنا الناس ) يعني : الكفار ، ( رحمة من بعد ضراء ) أي : راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء . وقيل : القطر بعد القحط ، ( مستهم ) أي : أصابتهم ، ( إذا لهم مكر في آياتنا ) قال مجاهد : تكذيب واستهزاء . وقال مقاتل بن حيان : لا يقولون : هذا من رزق الله ، إنما يقولون : سقينا بنوء كذا ، وهو قوله : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " ( الواقعة - 82 ) .

( قل الله أسرع مكرا ) أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء ، يريد : عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق ، ( إن رسلنا ) حفظتنا ، ( يكتبون ما تمكرون ) وقرأ يعقوب : " يمكرون " بالياء .

قوله تعالى : ( هو الذي يسيركم ) يجريكم ويحملكم ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر : " ينشركم " بالنون والشين من النشر وهو البسط والبث ، " في البر " ، على ظهور الدواب ، وفي ( البحر ) على [ ص: 128 ] الفلك ، ( حتى إذا كنتم في الفلك ) أي : في السفن ، تكون واحدا وجمعا ( وجرين بهم ) يعني : جرت السفن بالناس ، رجع من الخطاب إلى الخبر ، ( بريح طيبة ) لينة ، ( وفرحوا بها ) أي : بالريح ، ( جاءتها ريح ) أي : جاءت الفلك ريح ، ( عاصف ) شديدة الهبوب ، ولم يقل ريح عاصفة ، لاختصاص الريح بالعصوف . وقيل : الريح تذكر وتؤنث . ( وجاءهم ) يعني : ركبان السفينة ، ( الموج ) وهو حركة الماء واختلاطه ، ( من كل مكان وظنوا ) أيقنوا ( أنهم أحيط بهم ) دنوا من الهلكة ، أي : أحاط بهم الهلاك ، ( دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : أخلصوا في الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى الله . وقالوا ( لئن أنجيتنا ) يا ربنا ، ( من هذه ) الريح العاصف ، ( لنكونن من الشاكرين ) لك بالإيمان والطاعة .
( فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ( 23 ) إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ( 24 ) .

( فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض ) يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عز وجل في الأرض ، ( بغير الحق ) أي : بالفساد . ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ) لأن وباله راجع عليها ، ثم ابتدأ فقال : ( متاع الحياة الدنيا ) أي : هذا متاع الحياة الدنيا ، خبر ابتداء مضمر ، كقوله : " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ " ( الأحقاف - 35 ) ، أي : هذا بلاغ . وقيل : هو كلام متصل ، والبغي : ابتداء ، ومتاع : خبره .

ومعناه : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا ، لا يصلح زادا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله .

وقرأ حفص : " متاع " بالنصب ، أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا ، ( ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) .

قوله عز وجل : ( إنما مثل الحياة الدنيا ) في فنائها وزوالها ، ( كماء أنزلناه من السماء فاختلط به ) [ ص: 129 ] أي : بالمطر ، ( نبات الأرض ) قال ابن عباس : نبت بالماء من كل لون ، ( مما يأكل الناس ) من الحبوب والثمار ، ( والأنعام ) من الحشيش ، ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ) حسنها وبهجتها ، وظهر الزهر أخضر وأحمر وأصفر وأبيض ( وازينت ) أي : تزينت ، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود : " تزينت " . ( وظن أهلها أنهم قادرون عليها ) على جذاذها وقطافها وحصادها ، رد الكناية إلى الأرض . والمراد : النبات إذ كان مفهوما ، وقيل : ردها إلى الغلة . وقيل : إلى الزينة . ( أتاها أمرنا ) قضاؤنا ، بإهلاكها ، ( ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا ) أي : محصودة مقطوعة ، ( كأن لم تغن بالأمس ) كأن لم تكن بالأمس ، وأصله من غني بالمكان إذا أقام به . وقال قتادة : معناه أن المتشبث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون . ( كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) .
( والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 25 ) .

قوله تعالى : ( والله يدعو إلى دار السلام ) قال قتادة : السلام هو الله ، وداره : الجنة . وقيل : السلام بمعنى السلامة ، سميت الجنة دار السلام لأن من دخلها سلم من الآفات . وقيل : المراد بالسلام التحية سميت الجنة دار السلام ، لأن أهلها يحيي بعضهم بعضا بالسلام والملائكة تسلم عليهم . قال الله تعالى : " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم " ( الرعد - 23 ) .

وروينا عن جابر قال : جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا . قال : فاضربوا له مثلا . فقال بعضهم : مثله كمثل رجل بنى دارا ، وجعل فيها مأدبة ، وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي : دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي : لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فقالوا أولوها له يفقهها ، قال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ، ومن عصى محمدا فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس " .

( ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) فالصراط المستقيم هو الإسلام ، عم بالدعوة لإظهار الحجة ، وخص بالهداية استغناء عن الخلق .
[ ص: 130 ] ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( 26 ) .

قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) أي : للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى ، وهي الجنة ، وزيادة : وهي النظر إلى وجه الله الكريم ، هذا قول جماعة من الصحابة ، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وحذيفة ، وأبو موسى ، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم ، وهو قول الحسن ، وعكرمة وعطاء ، ومقاتل ، والضحاك ، والسدي .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب إملاء ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصنعاني ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت - يعني البناني - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، قالوا : ما هذا الموعود؟ ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويجرنا من النار؟ قال : فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل . قال : فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه " .

وروي عن ابن عباس : أن الحسنى هي أن الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . وقال مجاهد : الحسنى : حسنة مثل حسنة ، والزيادة المغفرة والرضوان .

( ولا يرهق ) لا يغشى ( وجوههم قتر ) غبار ، جمع قترة . قال ابن عباس وقتادة : سواد الوجه ، ( ولا ذلة ) هوان . قال قتادة : كآبة . قال ابن أبي ليلى : هذا بعد نظرهم إلى ربهم . ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) .
[ ص: 131 ] ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 27 ) ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ( 28 ) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( 29 ) هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ( 30 ) .

( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ) أي : لهم مثلها ، كما قال : " ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها " ( الأنعام - 160 ) . ( وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم ) و " من " صلة ، أي : مالهم من الله عاصم ، ( كأنما أغشيت ) ألبست ، ( وجوههم قطعا ) جمع قطعة ، ( من الليل مظلما ) نصبت على الحال دون النعت ، ولذلك لم يقل : مظلمة ، تقديره : قطعا من الليل في حال ظلمته ، أو قطعا من الليل المظلم . وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب : " قطعا " ساكنة الطاء ، أي بعضا ، كقوله : " بقطع من الليل " ( هود - 81 ) . ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .

قوله تعالى : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) أي : الزموا مكانكم ( أنتم وشركاؤكم ) يعني : الأوثان ، معناه : ثم نقول للذين أشركوا : الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم ، ولا تبرحوا . ( فزيلنا ) ميزنا وفرقنا ( بينهم ) أي : بين المشركين وشركائهم ، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده ، ( وقال شركاؤهم ) يعني : الأصنام ، ( ما كنتم إيانا تعبدون ) بطلبتنا فيقولون : بلى ، كنا نعبدكم ، فتقول الأصنام :

( فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) أي : ما كنا عن عبادتكم إيانا إلا غافلين ، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-12-2021, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (207)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الاية103 إلى الاية 108




قوله تعالى : ( إن إبراهيم لأواه حليم ) اختلفوا في معنى الأواه جاء في الحديث : " إن الأواه الخاشع المتضرع " .

وقال عبد الله بن مسعود : الأواه الدعاء .

وعن ابن عباس قال : هو المؤمن التواب .

وقال الحسن وقتادة : الأواه الرحيم بعباد الله .

وقال مجاهد : الأواه الموقن .

وقال عكرمة : هو المستيقن بلغة الحبشة .

وقال كعب الأحبار : هو الذي يكثر التأوه ، وكان إبراهيم عليه السلام يكثر أن يقول : آه من النار ، قبل أن لا ينفع آه .

وقيل : هو الذي يتأوه من الذنوب .

[ ص: 103 ] وقال عقبة بن عامر : الأواه الكثير الذكر لله تعالى .

وعن سعيد بن جبير قال : الأواه المسبح . وروي عنه : الأواه : المعلم للخير .

وقال النخعي : هو الفقيه .

وقال عطاء : هو الراجع عن كل ما يكره الله . وقال أيضا : هو الخائف من النار .

وقال أبو عبيدة : هو المتأوه شفقا وفرقا المتضرع يقينا . يريد أن يكون تضرعه يقينا ولزوما للطاعة .

قال الزجاج : قد انتظم في قول أبي عبيدة أكثر ما قيل في الأواه .

وأصله : من التأوه وهو أن يسمع للصدر صوت من تنفس الصعداء ، والفعل منه أوه وتأوه ، والحليم الصفوح عمن سبه أو ناله بالمكروه ، كما قال لأبيه ، عند وعيده ، وقوله : " لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي " [ مريم - 46 ] .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : الحليم السيد
( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم ( .

قوله تعالى : " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم " الآية . معناه : ما كان الله ليحكم ( حتى يبين لهم ما يتقون ) عليكم بالضلالة بترك الأوامر باستغفاركم للمشركين ، يريد حتى يتقدم إليكم بالنهي ، فإذا تبين ولم تأخذوا به فعند ذلك تستحقون الضلال .

قال مجاهد : بيان الله للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة ، وبيانه لهم في معصيته وطاعته عامة ، فافعلوا أو ذروا .

وقال الضحاك : ما كان الله ليعذب قوما حتى يبين لهم ما يأتون وما يذرون .

وقال مقاتل والكلبي : هذا في المنسوخ وذلك أن قوما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، ولم تكن الخمر حراما ، ولا القبلة مصروفة إلى الكعبة ، فرجعوا إلى قومهم وهم على ذلك ثم حرمت الخمر وصرفت القبلة ، ولا علم لهم بذلك ، ثم قدموا بعد ذلك المدينة فوجدوا الخمر قد حرمت والقبلة قد صرفت ، فقالوا : يا رسول الله قد كنت على دين ونحن على غيره فنحن ضلال؟ فأنزل الله تعالى : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم ) يعني : ما كان الله ليبطل عمل قوم قد علموا بالمنسوخ حتى يتبين لهم الناسخ . ( إن الله بكل شيء عليم ) .
( إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 116 ) لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ( 117 ) .

ثم عظم نفسه فقال : [ ص: 104 ] ( إن الله له ملك السماوات والأرض ) يحكم بما يشاء ، ( يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) .

قوله عز وجل : ( لقد تاب الله على النبي ) الآية ، تاب الله أي : تجاوز وصفح . ومعنى توبته على النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه للمنافقين بالتخلف عنه . وقيل : افتتح الكلام به لأنه كان سبب توبتهم ، فذكره معهم ، كقوله تعالى : " فأن لله خمسه وللرسول " ( الأنفال - 41 ) ، ونحوه . ( والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) أي : في وقت العسرة ، ولم يرد ساعة بعينها ، وكانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة ، والجيش يسمى جيش العسرة . والعسرة الشدة ، وكانت عليهم غزوة عسرة في الظهر والزاد والماء .

قال الحسن : كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه ، يركب الرجل ساعة ، ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك ، وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير ، وكان النفر منهم يخرجون ، ما معهم إلا التمرات بينهم ، فإذا بلغ الجوع من أحدهما أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ، ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم ، ولا يبقى من التمرة إلا النواة ، فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك على صدقهم ويقينهم .

وقال عمر بن الخطاب : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، وحتى إن كان الرجل ليذهب فيلتمس الماء فلا يرجع حتى نظن أن رقبته ستنقطع ، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا . قال : " أتحب ذلك؟ " قال : نعم ، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت ، فملئوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر . ( من بعد ما كاد يزيغ ) قرأ حمزة وحفص : " يزيغ " بالياء لقوله : " كاد " [ ص: 105 ] ولم يقل : كادت . وقرأ الآخرون بالتاء . والزيغ : الميل ، أي : من بعد ما كاد تميل ، ( قلوب فريق منهم ) أي : قلوب بعضهم ، ولم يرد الميل عن الدين ، بل أراد الميل إلى التخلف والانصراف للشدة التي عليهم . قال الكلبي : هم ناس بالتخلف ثم لحقوه .

( ثم تاب عليهم ) فإن قيل : كيف أعاد ذكر التوبة وقد قال في أول الآية : ( لقد تاب الله على النبي ) ؟

قيل : ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب ، وهو محض الفضل من الله عز وجل ، فلما ذكر الذنب أعاد ذكر التوبة ، والمراد منه قبولها .

( إنه بهم رءوف رحيم ) قال ابن عباس : من تاب الله عليه لم يعذبه أبدا .

قوله عز وجل : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) أي خلفوا عن غزوة تبوك . وقيل : خلفوا أي : أرجئ أمرهم ، عن توبة أبي لبابة وأصحابه ، وهؤلاء الثلاثة هم : كعب بن مالك الشاعر ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، كلهم من الأنصار .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك ، قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر ، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها ، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ، وكان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط ، حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة ، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا ، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم ، فأخبرهم بوجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ، ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - قال كعب : فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال ، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون . [ ص: 106 ] معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض شيئا ، وأقول في نفسي : أنا قادر عليه إذا أردت ، فلم يزل يتمادى بي الأمر حتى اشتد بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا . فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا ، وتفارط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك : " ما فعل كعب؟ " فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه ، فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال كعب بن مالك : فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي ، فطفقت أتذكر الكذب وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل ، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب ، فأجمعت صدقه ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم ، وبايعهم ، واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ، ثم قال : تعال ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : " ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ " فقلت : بلى يا رسول الله ، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله ، لا والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت أقوى قط ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك .

فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون ، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع وأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا : نعم ، رجلان قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قيل لك ، فقلت : من هما قالوا : مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما لي .

قال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا [ ص: 107 ] الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض ، فما هي بالأرض التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام ، فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت ، فعدت له فنشدته فسكت ، فعدت فنشدته فقال : الله ورسوله أعلم . ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار .

قال : فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ، فطفق الناس يشيرون له نحوي ، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فقرأته فإذا فيه : أما بعد : فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ، فقلت لما قرأته : وهذا أيضا من البلاء ، فتيممت به التنور فسجرته .

حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ، فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل؟ فقال : لا بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ، فقلت لامرأتي الحقي بأهلك وكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر .

قال كعب : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال : " لا ولكن لا يقربك " ، قالت : إنه والله ما به حركة إلى شيء ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا .

قال كعب : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه . فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ، فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ، فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع ، يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر . فخررت لله ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم ، فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما [ ص: 108 ] ببشراه ، ووالله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ويقولون : ليهنك توبة الله عليك . قال كعب : حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ، ولا أنساها لطلحة .

قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور : " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " ! قال قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : لا بل من عند الله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ، قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر .

فقلت : يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت ، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت . وأنزل الله على رسوله : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ) إلى قوله : ( وكونوا مع الصادقين )
.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-12-2021, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (208)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الاية109 إلى الاية 114




وروى إسحاق بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد عن كعب ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي ، فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر ، وما من شيء أهم إلي من أن أموت ولا يصلي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة ، فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي! وأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني ، معينة في أمري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أم سلمة تيب على كعب " قالت : أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال : إذا يحطمكم الناس ، فيمنعونكم النوم سائر الليلة ، حتى إذا صلى صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا .
[ ص: 109 ] ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ( 118 ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( 119 ) ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ( 120 ) .

قوله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ) اتسعت ، ( وضاقت عليهم أنفسهم ) غما وهما ، ( وظنوا ) أي : تيقنوا ، ( أن لا ملجأ من الله ) لا مفزع من الله ، ( إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ) أي : ليستقيموا على التوبة فإن توبتهم قد سبقت . ( إن الله هو التواب الرحيم ) .

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال نافع : مع محمد وأصحابه . وقال سعيد بن جبير : مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . وقال ابن جريج : مع المهاجرين ، لقوله تعالى : " للفقراء المهاجرين " إلى قوله " أولئك هم الصادقون " ( الحشر - 8 ) . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك بإخلاص نية . وقيل : مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة .

وكان ابن مسعود يقرأ : ( وكونوا مع الصادقين ) وقال ابن مسعود : إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجز له ، اقرءوا إن شئتم وقرأ هذه الآية .

قوله تعالى : ( ما كان لأهل المدينة ) ظاهره خبر ، ومعناه نهي ، كقوله تعالى : " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله " ( الأحزاب - 53 ( ومن حولهم من الأعراب ) سكان البوادي : مزينة ، وجهينة ، وأشجع ، وأسلم ، وغفار . ( أن يتخلفوا عن رسول الله ) إذا غزا . ( ولا يرغبوا ) أي : ولا أن يرغبوا ، ( بأنفسهم عن نفسه ) في مصاحبته ومعاونته والجهاد معه . قال الحسن : لا يرغبوا بأنفسهم أن يصيبهم [ ص: 110 ] من الشدائد فيختاروا الخفض والدعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشقة السفر ومقاساة التعب . ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ) في سفرهم ، ( ظمأ ) عطش ، ( ولا نصب ) تعب ، ( ولا مخمصة ) مجاعة ، ( في سبيل الله ولا يطئون موطئا ) أرضا ، ( يغيظ الكفار ) وطؤهم إياه ( ولا ينالون من عدو نيلا ) أي : لا يصيبون من عدوهم قتلا أو أسرا أو غنيمة أو هزيمة ، ( إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا يزيد بن أبي مريم ، حدثنا عباية بن رفاعة قال : أدركني أبو عبس وأنا ذاهب إلى الجمعة فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار " .

واختلفوا في حكم هذه الآية ، قال قتادة : هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا غزا بنفسه لم يكن لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر ، فأما غيره من الأئمة والولاة فيجوز لمن شاء من المسلمين أن يتخلف عنه إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة .

وقال الوليد بن مسلم : سمعت الأوزاعي ، وابن المبارك ، وابن جابر ، وعمر بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية : إنها لأول هذه الأمة وآخرها .

وقال ابن زيد : هذا حين كان أهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله تعالى وأباح التخلف لمن يشاء ، فقال : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) .
( ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ( 121 ) .

قوله تعالى : ( ولا ينفقون نفقة ) أي : في سبيل الله ، ( صغيرة ولا كبيرة ) ولو علاقة سوط ، ( ولا يقطعون واديا ) لا يجاوزون واديا في مسيرهم مقبلين أو مدبرين . ( إلا كتب لهم ) يعني : آثارهم وخطاهم ، ( ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) روي عن خريم بن فاتك قال : قال رسول [ ص: 111 ] الله صلى الله عليه وسلم : " من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف " .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا جرير عن الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا الحسين حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة ، حدثني بسر بن سعيد ، حدثني زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا " .
( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( 122 ) .

قوله عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) الآية . قال ابن عباس في رواية الكلبي : لما أنزل الله عز وجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا إلى الغزو ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهذا نفي بمعنى النهي .

قوله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) أي : فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة ( ليتفقهوا في الدين ) يعني الفرقة القاعدين ، يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام ، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أنزل بعدهم ، فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم ، وتبعث سرايا أخر ، فذلك قوله : ( ولينذروا قومهم ) وليعلموهم بالقرآن ويخوفوهم به ، ( إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) لا يعملون بخلافه .

وقال الحسن : هذا التفقه والإنذار راجع إلى الفرقة النافرة ، ومعناه : هلا نفر فرقة ليتفقهوا ، أي : ليتبصروا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ونصرة الدين ، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم [ ص: 112 ] من الجهاد فيخبروهم بنصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لعلهم يحذرون أن يعادوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار .

وقال الكلبي : لها وجه آخر وهو أن أحياء من بني أسد من خزيمة أصابتهم سنة شديدة فأقبلوا بالذراري حتى نزلوا المدينة فأفسدوا طرقها بالعذرات وأغلوا أسعارها فنزل قوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) أي : لم يكن لهم أن ينفروا كافة ولكن من كل قبيلة طائفة ليتفقهوا في الدين .

وقال مجاهد : نزلت في ناس خرجوا في البوادي ابتغاء الخير من أهلها فأصابوا منهم معروفا ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا ، فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا ، وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية ، أي : هلا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ويستمعوا ما أنزل بعدهم ولينذروا قومهم ، يعني : الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ويدعوهم إلى الله ، لعلهم يحذرون بأس الله ونقمته ، وقعدت طائفة يبتغون الخير .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن الطيسفوني ، حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أبي سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أنبأنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " .

والفقه : هو معرفة أحكام الدين ، وهو ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ، ففرض العين مثل : علم الطهارة والصلاة ، والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل [ ص: 113 ] مسلم " . وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد ، يجب عليه معرفة علمها ، مثل : علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه .

وأما فرض الكفاية فهو : أن يتعلم حتى يبلغ درجة الاجتهاد ورتبة الفتيا ، فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا ، وإذا قام من كل بلد واحد فتعلمه سقط الفرض عن الآخرين ، وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث ، روى أبو أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد " .

قال الشافعي : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .
( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) . ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار )

قوله عز وجل : الآية ، أمروا بقتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : مثل بني قريظة والنضير وخيبر ونحوها . [ ص: 114 ] وقيل : أراد بهم الروم لأنهم كانوا سكان الشام وكان الشام أقرب إلى المدينة من العراق ، ( وليجدوا فيكم غلظة ) شدة وحمية . قال الحسن : صبرا على جهادهم ، ( واعلموا أن الله مع المتقين ) بالعون والنصرة .
( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ( 124 ) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ( 125 ) أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ( 126 ) .

قوله تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ) يقينا . كان المنافقون يقولون هذا استهزاء ، قال الله تعالى : ( فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ) يقينا وتصديقا ، ( وهم يستبشرون ) يفرحون بنزول القرآن .

( وأما الذين في قلوبهم مرض ) شك ونفاق ، ( فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) أي : كفرا إلى كفرهم ، فعند نزول كل سورة ينكرونها يزداد كفرهم بها .

قال مجاهد : هذه الآية إشارة إلى الإيمان : يزيد وينقص .

وكان عمر يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول : تعالوا حتى نزداد إيمانا .

وقال علي بن أبي طالب : إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب ، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كله ، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد حتى يسود القلب كله ، وايم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-12-2021, 09:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (209)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع

سُورَةِ يُونُسَ
الاية115 إلى الاية 120





قوله : ( وماتوا وهم كافرون ) .

قوله : ( أولا يرون ) قرأ حمزة ويعقوب : " ترون " بالتاء على خطاب النبي المؤمنين ، وقرأ الآخرون بالياء ، خبر عن المنافقين المذكورين . ( أنهم يفتنون ) يبتلون ( في كل عام مرة أو مرتين ) بالأمراض [ ص: 115 ] والشدائد . وقال مجاهد : بالقحط والشدة . وقال قتادة : بالغزو والجهاد . وقال مقاتل بن حيان : يفضحون بإظهار نفاقهم . وقال عكرمة : ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون . وقال يمان : ينقضون عهدهم في السنة مرة أو مرتين . ( ثم لا يتوبون ) من نقض العهد ولا يرجعون إلى الله من النفاق ، ( ولا هم يذكرون ) أي : لا يتعظون بما يرون من تصديق وعد الله بالنصر والظفر للمسلمين .
( وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ( 127 ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ( 128 ) فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ( 129 ) .

( وإذا ما أنزلت سورة فيها عيب المنافقين وتوبيخهم ، ( نظر بعضهم إلى بعض ) يريدون الهرب يقول بعضهم لبعض إشارة ، ( هل يراكم من أحد ) أي : أحد من المؤمنين ، إن قمتم ، فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد ، وإن علموا أن أحدا يراهم أقاموا وثبتوا ، ( ثم انصرفوا ) عن الإيمان بها . وقيل : انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها ، ( صرف الله قلوبهم ) عن الإيمان . قال أبو إسحاق الزجاج : أضلهم الله مجازاة على فعلهم ذلك ، ( بأنهم قوم لا يفقهون ) عن الله دينه . قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لا تقولوا إذا صليتم انصرفنا من الصلاة فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم ، ولكن قولوا قد قضينا الصلاة " .

قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) تعرفون نسبه وحسبه ، قال السدي : من العرب ، من بني إسماعيل . قال ابن عباس : ليس من العرب قبيل إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم ، وله فيهم نسب .

وقال جعفر بن محمد الصادق : لم يصبه شيء من ولاد الجاهلية من زمان آدم عليه السلام .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد ، حدثنا حامد بن محمد ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن أبي نعيم ، حدثنا هشيم ، حدثني المدني - يعني : أبا معشر - عن أبي الحويرث ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام " .

وقرأ ابن عباس والزهري وابن محيصن " من أنفسكم " بفتح الفاء ، أي : من أشرفكم وأفضلكم . ( عزيز عليه ) شديد عليه ، ( ما عنتم ) قيل " ما " صلة أي : عنتكم ، وهو دخول المشقة والمضرة [ ص: 116 ] عليكم . وقال القتيبي : ما أعنتكم وضركم . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما ضللتم .

وقال الضحاك والكلبي : ما أتممتم .

( حريص عليكم ) أي : على إيمانكم وصلاحكم . وقال قتادة : حريص عليكم أي : على ضالكم أن يهديه الله ، ( بالمؤمنين رءوف رحيم ) قيل : رءوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين .

( فإن تولوا ) إن أعرضوا عن الإيمان وناصبوك الحرب ( فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (

روي عن أبي بن كعب قال : آخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى آخر السورة . وقال : هما أحدث الآيات بالله عهدا .

[ سُورَةِ يُونُسَ ]

سورة يونس عليه الصلاة والسلام مكية إلا ثلاث آيات من قوله : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ) إلى آخرها .



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( الر تلك آيات الكتاب الحكيم ( 1 ) .

( الر ) و " المر " قرأ أهل الحجاز والشام وحفص : بفتح الراء فيهما . وقرأ الآخرون : بالإمالة . قال ابن عباس والضحاك : " الر " أنا الله أرى ، و " المر " أنا الله أعلم وأرى .

وقال سعيد بن جبير " الر " و " حم " و " ن " حروف اسم الرحمن ، وقد سبق الكلام في حروف التهجي .

( تلك آيات الكتاب الحكيم ) أي : هذه ، وأراد بالكتاب الحكيم القرآن . وقيل : أراد بها الآيات التي أنزلها من قبل ذلك ، ولذلك قال : " تلك " ، وتلك إشارة إلى غائب مؤنث ، والحكيم : المحكم بالحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، فعيل بمعنى مفعل ، بدليل قوله : " كتاب أحكمت آياته " ( هود - 1 ) .

وقيل : هو بمعنى الحاكم ، فعيل بمعنى فاعل ، دليله قوله عز وجل : " وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس " ( البقرة - 213 ) .

وقيل : هو بمعنى المحكوم ، فعيل بمعنى المفعول . قال الحسن : حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وبالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه .
[ ص: 120 ] ( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ( 2 ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ( 3 ) .

قوله تعالى : ( أكان للناس عجبا ) العجب : حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة .

وسبب نزول الآية : أن الله عز وجل لما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا قال المشركون : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا . فقال تعالى : ( أكان للناس ) يعني : أهل مكة ، الألف فيه للتوبيخ ، ( عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، ( أن أنذر الناس ) أي : أعلمهم مع التخويف ، ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) واختلفوا فيه : قال ابن عباس : أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم . قال الضحاك : ثواب صدق . وقال الحسن : عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : هو السعادة في الذكر الأول . وقال زيد بن أسلم : هو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقال عطاء : مقام صدق لا زوال له ، ولا بؤس فيه . وقيل : منزلة رفيعة .

وأضيف القدم إلى الصدق وهو نعته ، كقولهم : مسجد الجامع ، وحب الحصيد ، وقال أبو عبيدة : كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم ، يقال : لفلان قدم في الإسلام ، وله عندي قدم صدق وقدم سوء ، وهو يؤنث فيقال : قدم حسنة ، وقدم صالحة . ( قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ) قرأ نافع وأهل البصرة والشام : " لسحر " بغير ألف يعنون القرآن ، وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة : " لساحر " بالألف يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20-12-2021, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (210)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع

سُورَةِ يُونُسَ
الاية121 إلى الاية 126



قوله عز وجل : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ) يقضيه وحده ، ( ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) معناه : أن الشفعاء لا يشفعون [ ص: 121 ] إلا بإذنه ، وهذا رد على النضر بن الحارث فإنه كان يقول : إذا كان يوم القيامة تشفعني اللات والعزى .

قوله تعالى : ( ذلكم الله ربكم ) يعني : الذي فعل هذه الأشياء ربكم لا رب لكم غيره ، ( فاعبدوه أفلا تذكرون ) تتعظون .
( إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( 4 ) هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ( 5 ) .

( إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا ) صدقا لا خلف فيه . نصب على المصدر ، أي : وعدكم وعدا حقا ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) أي : يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم ، قراءة العامة : ( إنه ) بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ أبو جعفر " أنه " بالفتح على معنى بأنه ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) بالعدل ، ( والذين كفروا لهم شراب من حميم ) ماء حار انتهى حره ، ( وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) .

( هو الذي جعل الشمس ضياء ) بالنهار ، ( والقمر نورا ) بالليل . وقيل : جعل الشمس ذات ضياء ، والقمر ذا نور ، ( وقدره منازل ) أي : قدر له ، يعني : هيأ له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها ، ولم يقل : قدرهما .

قيل : تقدير المنازل ينصرف إليهما غير أنه اكتفى بذكر أحدهما ، كما قال : " والله ورسوله أحق أن يرضوه " ( التوبة - 62 ) .

وقيل : هو ينصرف إلى القمر خاصة لأن القمر يعرف به انقضاء الشهور والسنين ، لا بالشمس .

ومنازل القمر ثمانية وعشرون منزلا وأسماؤها : الشرطين ، والبطين ، والثرياء ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنسر ، والطوف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك ، والغفر ، والزباني ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعايم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وفرع الدلو المقدم ، وفرع الدلو المؤخر ، وبطن الحوت .

وهذه المنازل مقسومة على البروج ، وهي اثنا عشر برجا : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت . [ ص: 122 ] ولكل برج منزلان وثلث منزل ، فينزل القمر كل ليلة منزلا منها ، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين ، وإن كان تسعا وعشرين فليلة واحدة ، فيكون تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر يوما ، فيكون انقضاء السنة مع انقضائها .

قوله تعالى : ( لتعلموا عدد السنين ) أي : قدر المنازل " لتعلموا عدد السنين " دخولها وانقضاءها ، ( والحساب ) يعني : حساب الشهور والأيام والساعات . ( ما خلق الله ذلك ) رده إلى الخلق والتقدير ، ولو رده إلى الأعيان المذكورة لقال : تلك . ( إلا بالحق ) أي : لم يخلقه باطلا بل إظهارا لصنعه ودلالة على قدرته . ( يفصل الآيات لقوم يعلمون ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ويعقوب : " يفصل " بالياء ، لقوله : " ما خلق " وقرأ الباقون : " نفصل " بالنون على التعظيم .
( إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ( 6 ) . ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون ( 7 ) أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ( 8 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ( 9 ) .

( إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ) يؤمنون .

( إن الذين لا يرجون لقاءنا ) أي : لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا . والرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع ، ( ورضوا بالحياة الدنيا ) فاختاروها وعملوا لها ، ( واطمأنوا بها ) سكنوا إليها . ( والذين هم عن آياتنا غافلون ) أي : عن أدلتنا غافلون لا يعتبرون . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : عن آياتنا عن محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن غافلون معرضون .

( أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) من الكفر والتكذيب .

قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) فيه إضمار ، أي : يرشدهم ربهم بإيمانهم إلى جنة ، ( تجري من تحتهم الأنهار ) قال مجاهد : يهديهم على الصراط إلى الجنة ، يجعل لهم نورا يمشون به .

وقيل : " يهديهم " معناه يثيبهم ويجزيهم .

وقيل : معناه بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه ، أي : بتصديقهم هداهم " تجري من تحتهم الأنهار " أي : بين [ ص: 123 ] أيديهم ، كقوله عز وجل : " قد جعل ربك تحتك سريا " ( مريم - 24 ) لم يرد به أنه تحتها وهي قاعدة عليه ، بل أراد بين يديها .

وقيل : تجري من تحتهم أي : بأمرهم ، ( في جنات النعيم ) .
( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ( 10 ) ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ( 11 ) .

( دعواهم ) أي : قولهم وكلامهم . وقيل : دعاؤهم . ( فيها سبحانك اللهم ) وهي كلمة تنزيه ، تنزه الله من كل سوء . وروينا : " أن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح ، كما يلهمون النفس " .

قال أهل التفسير : هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام ، فإذا أرادوا الطعام قالوا : سبحانك اللهم ، فأتوهم في الوقت بما يشتهون على الموائد ، كل مائدة ميل في ميل ، على كل مائدة سبعون ألف صحفة ، وفي كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا ، فإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله ، فذلك قوله تعالى : (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )

قوله تعالى : ( وتحيتهم فيها سلام ) أي : يحيي بعضهم بعضا بالسلام . وقيل : تحية الملائكة لهم بالسلام .

وقيل : تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام .

( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) يريد : يفتتحون كلامهم بالتسبيح ، ويختمونه بالتحميد .

قوله عز وجل : ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) قال ابن عباس : هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده : لعنكم الله ، ولا بارك فيكم . قال قتادة : هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب . معناه : لو يعجل الله الناس إجابة دعائهم في الشر والمكروه استعجالهم [ ص: 124 ] بالخير ، أي : كما يحبون استعجالهم بالخير ، ( لقضي إليهم أجلهم ) قرأ ابن عامر ويعقوب : " لقضى " بفتح القاف والضاد ، ( أجلهم ) نصب ، أي : لأهلك من دعا عليه وأماته . وقال الآخرون : " لقضي " بضم القاف وكسر الضاد " أجلهم " رفع ، أي : لفرغ من هلاكهم وماتوا جميعا .

وقيل : إنها نزلت في النضر بن الحارث حين قال : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " الآية ( الأنفال - 32 ) يدل عليه قوله عز وجل : ( فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ) لا يخافون البعث والحساب ، ( في طغيانهم يعمهون ) .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصلاحي ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، أنبأنا أحمد بن منصور الزيادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ، فإنما أنا بشر فيصدر مني ما يصدر من البشر ، فأي المؤمنين آذيته ، أو شتمته ، أو جلدته ، أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة ، تقربه بها إليك يوم القيامة " .
( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ( 12 ) ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ( 13 ) .

قوله تعالى : ( وإذا مس الإنسان الضر ) الجهد والشدة ، ( دعانا لجنبه ) أي : على جنبه مضطجعا ، ( أو قاعدا أو قائما ) يريد في جميع حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات . ( فلما كشفنا ) دفعنا ( عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ) أي استمر على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر ، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء ، كأنه لم يدعنا إلى ضر مسه أي : لم يطلب منا كشف ضر مسه . ( كذلك زين للمسرفين ) المجاوزين الحد في الكفر والمعصية ، ( ما كانوا يعملون ) من العصيان . قال ابن جريج : كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون من الدعاء عند البلاء وترك الشكر عند الرخاء . وقيل : معناه كما زين لكم أعمالكم زين للمسرفين الذين كانوا من قبلكم أعمالهم .

قوله عز وجل : ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ) أشركوا ، ( وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك ) [ ص: 125 ] أي : كما أهلكناهم بكفرهم ، ( نجزي ) نعاقب ونهلك ، ( القوم المجرمين ) الكافرين بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، يخوف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية المكذبة .
ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ( 14 ) . وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( 15 ) قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ( 16 ) .

( ثم جعلناكم خلائف ) أي : خلفاء ، ( في الأرض من بعدهم ) أي : من بعد القرون التي أهلكناهم ، ( لننظر كيف تعملون ) وهو أعلم بهم . وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا إن هذه الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون " .

قوله عز وجل : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ) قال قتادة : يعني مشركي مكة . وقال مقاتل هم خمسة نفر : عبد الله بن أمية المخزومي ، والوليد بن المغيرة ، ومكرز بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري ، والعاص بن عامر بن هاشم . ( قال الذين لا يرجون لقاءنا ) هم السابق ذكرهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت تريد أن نؤمن بك ( ائت بقرآن غير هذا ) ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة ، وليس فيه عيبها ، وإن لم ينزلها الله فقل أنت من عند نفسك ، ( أو بدله ) فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، أو مكان حرام حلالا أو مكان حلال حراما ، ( قل ) لهم يا محمد ، ( ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) من قبل نفسي ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي : ما أتبع إلا ما يوحى إلي فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) .

( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ) يعني : لو شاء الله ما أنزل القرآن علي . ( ولا أدراكم به ) أي : ولا أعلمكم الله . قرأ البزي عن ابن كثير : " ولأدراكم به " بالقصر به على الإيجاب ، يريد : ولا علمكم [ ص: 126 ] به من غير قراءتي عليكم . وقرأ ابن عباس : " ولا أنذرتكم به " من الإنذار . ( فقد لبثت فيكم عمرا ) حينا وهو أربعون سنة ، ( من قبله ) من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء . ( أفلا تعقلون ) أنه ليس من قبلي ، ولبث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم قبل الوحي أربعين سنة ثم أوحى الله إليه فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة .

وروى أنس : أنه أقام بمكة بعد الوحي عشر سنين وبالمدينة عشر سنين ، وتوفي وهو ابن ستين سنة . والأول أشهر وأظهر .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16-01-2022, 06:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (212)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع

سُورَةِ يُونُسَ
الاية132 إلى الاية 136


قال الله تعالى : ( هنالك تبلو ) أي : تختبر . وقيل : معناه : تعلم وتقف عليه ، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : " تتلو " بتاءين ، أي : تقرأ ، ( كل نفس ) صحيفتها . وقيل : معناه تتبع كل نفس ( ما أسلفت ) [ ص: 132 ] ما قدمت من خير أو شر . وقيل : معناه تعاين ، ( وردوا إلى الله ) إلى حكمه فيتفرد فيهم بالحكم ، ( مولاهم الحق ) الذي يتولى ويملك أمورهم : فإن قيل : أليس قد قال : " وأن الكافرين لا مولى لهم ( محمد - 11 ) ؟ قيل : المولى هناك بمعنى الناصر ، وهاهنا بمعنى : المالك ، ( وضل عنهم ) زال عنهم وبطل ، ( ما كانوا يفترون ) في الدنيا من التكذيب .
( قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ( 31 ) فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ( 32 ) كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ( 33 ) . ( قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ( 34 ) .

قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض ) أي : من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات ، ( أمن يملك السمع والأبصار ) أي : من إعطائكم السمع والأبصار ، ( ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي ، ( ومن يدبر الأمر ) أي : يقضي الأمر ، ( فسيقولون الله ) هو الذي يفعل هذه الأشياء ، ( فقل أفلا تتقون ) أفلا تخافون عقابه في شرككم؟ وقيل : أفلا تتقون الشرك مع هذا الإقرار؟

( فذلكم الله ربكم ) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم ، ( الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) أي : فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به؟

( كذلك ) قال الكلبي : هكذا ، ( حقت ) وجبت ، ( كلمة ربك ) حكمه السابق ، ( على الذين فسقوا ) كفروا ، ( أنهم لا يؤمنون ) قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر " كلمات ربك " بالجمع هاهنا موضعين ، وفي المؤمن ، والآخرون على التوحيد .

قوله : ( قل هل من شركائكم ) أوثانكم ( من يبدأ الخلق ) ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال ، ( ثم يعيده ) ثم يحييه من بعد الموت كهيئته ، فإن أجابوك وإلا ف ( قل ) أنت : ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ) أي : تصرفون عن قصد السبيل . [ ص: 133 ]
( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون وما ( 35 ) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون ( 36 ) .

( قل هل من شركائكم من يهدي ) يرشد ، ( إلى الحق ) فإذا قالوا : لا - ولا بد لهم من ذلك - ( قل الله يهدي للحق ) أي إلى الحق .

( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي ) قرأ حمزة والكسائي : ساكنة الهاء ، خفيفة الدال ، وقرأ الآخرون : بتشديد الدال ، ثم قرأ أبو جعفر ، وقالون : بسكون الهاء ، وأبو عمرو بروم الهاء بين الفتح والسكون ، وقرأ حفص : بفتح الياء وكسر الهاء ، وأبو بكر بكسرهما ، والباقون بفتحهما ، ومعناه : يهتدي - في جميعها - فمن خفف الدال ، قال : يقال : هديته فهدي ، أي : اهتدى ، ومن شدد الدال أدغم التاء في الدال ، ثم أبو عمرو يروم على مذهبه في إيثار التخفيف ، ومن سكن الهاء تركها على حالتها كما فعل في " تعدوا " و " يخصمون " ومن فتح الهاء نقل فتحة التاء المدغمة إلى الهاء ، ومن كسر الهاء فلالتقاء الساكنين ، وقال الجزم يحرك إلى الكسر ، ومن كسر الياء مع الهاء أتبع الكسرة الكسرة .

قوله تعالى : ( إلا أن يهدى ) معنى الآية : الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى؟

فإن قيل : كيف قال : " إلا أن يهدى " ، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يهدى ؟

قيل : معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال ، أي : أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل ، يتبين به عجز الأصنام .

وجواب آخر وهو : أن ذكر الهداية على وجه المجاز ، وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر عمن يعلم ويعقل ، ووصفت بصفة من يعقل .

( فما لكم كيف تحكمون ) كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكا؟

قوله تعالى : ( ( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا ) منهم ، يقولون : إن الأصنام آلهة ، وإنها تشفع لهم في الآخرة ظنا منهم ، لم يرد به كتاب ولا رسول ، وأراد بالأكثر : جميع من يقول ذلك ، ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) أي : لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا . وقيل : لا يقوم مقام العلم ، ( إن الله عليم بما يفعلون )

[ ص: 134 ] ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( 37 ) أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ( 38 ) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( 39 ) ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين ( 40 ) وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ( 41 ) .

قوله تعالى : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ) قال الفراء : معناه : وما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله ، كقوله تعالى : " وما كان لنبي أن يغل " ( آل عمران - 161 ) .

وقيل : " أن " بمعنى اللام ، أي : وما كان هذا القرآن ليفترى من دون الله .

قوله : ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) أي : بين يدي القرآن من التوراة والإنجيل .

وقيل : تصديق الذي بين يدي القرآن من القيامة والبعث ، ( وتفصيل الكتاب ) تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ، ( لا ريب فيه من رب العالمين ) .

( أم يقولون ) قال أبو عبيدة : " أم " بمعنى الواو ، أي : ويقولون ، ( افتراه ) اختلق محمد القرآن من قبل نفسه ، ( قل فأتوا بسورة مثله ) شبه القرآن ( وادعوا من استطعتم ) ممن تعبدون ، ( من دون الله ) ليعينوكم على ذلك ، ( إن كنتم صادقين ) أن محمدا افتراه ثم قال :

( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) يعني : القرآن ، كذبوا به ولم يحيطوا بعلمه ، ( ولما يأتهم تأويله ) أي : عاقبة ما وعد الله في القرآن ، أنه يئول إليه أمرهم من العقوبة ، يريد : أنهم لم يعلموا ما يئول إليه عاقبة أمرهم . ( كذلك كذب الذين من قبلهم ) أي : كما كذب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية ، ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) آخر أمر المشركين بالهلاك .

( ومنهم من يؤمن به ) أي : من قومك من يؤمن بالقرآن ، ( ومنهم من لا يؤمن به ) لعلم الله السابق فيهم ، ( وربك أعلم بالمفسدين ) الذين لا يؤمنون .

( وإن كذبوك ) يا محمد ، ( فقل لي عملي ) وجزاؤه ، ( ولكم عملكم ) وجزاؤه ، ( أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) هذا كقوله تعالى : " لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " ( القصص - 55 ) ، [ ص: 135 ] " لكم دينكم ولي دين " ( الكافرون - 6 ) .

قال الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية الجهاد .

ثم أخبر أن التوفيق للإيمان به لا بغيره :

( ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ( 42 ) . ( ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ( 43 ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ( 44 ) ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ( 45 ) .

فقال : ( ومنهم من يستمعون إليك ) بأسماعهم الظاهرة فلا ينفعهم ، ( أفأنت تسمع الصم ) يريد : سمع القلب ، ( ولو كانوا لا يعقلون ) .

( ومنهم من ينظر إليك ) بأبصارهم الظاهرة ، ( أفأنت تهدي العمي ) يريد عمى القلب ، ( ولو كانوا لا يبصرون ) وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول : إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ، ولا أن تهدي من سلبته البصر ، ولا أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن .

( إن الله لا يظلم الناس شيئا ) لأنه في جميع أفعاله متفضل عادل ، ( ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) بالكفر والمعصية .

قوله تعالى : ( ويوم يحشرهم ) قرأ حفص بالياء ، والآخرون بالنون ، ( كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ) قال الضحاك : كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار . وقال ابن عباس : كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار ، ( يتعارفون بينهم ) يعرف بعضهم بعضا حين بعثوا من القبور كمعرفتهم في الدنيا ، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة . وفي بعض الآثار : أن الإنسان يعرف يوم القيامة من بجنبه ولا يكلمه هيبة وخشية .

( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) والمراد من الخسران : خسران النفس ، ولا شيء أعظم منه .
[ ص: 136 ] ( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ( 46 ) ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ( 47 ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( 48 ) قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( 49 ) قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون ( 50 ) .

قوله تعالى : ( وإما نرينك ) يا محمد ، ( بعض الذي نعدهم ) في حياتك من العذاب ، ( أو نتوفينك ) قبل تعذيبهم ، ( فإلينا مرجعهم ) في الآخرة ، ( ثم الله شهيد على ما يفعلون ) فيجزيهم به ، " ثم " بمعنى الواو ، تقديره : والله شهيد . قال مجاهد : فكان البعض الذي أراه قتلهم ببدر ، وسائر أنواع العذاب بعد موتهم .

قوله عز وجل : ( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم ) وكذبوه ، ( قضي بينهم بالقسط ) أي عذبوا في الدنيا وأهلكوا بالعذاب ، يعني : قبل مجيء الرسول ، لا ثواب ولا عقاب . وقال مجاهد ومقاتل : فإذا جاء رسولهم الذي أرسل إليهم يوم القيامة قضي بينه وبينهم بالقسط ، ( وهم لا يظلمون ) لا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم .

( ويقولون ) أي : ويقول المشركون : ( متى هذا الوعد ) الذي تعدنا يا محمد من العذاب . وقيل : قيام الساعة ، ( إن كنتم صادقين ) أنت يا محمد وأتباعك .

( قل لا أملك لنفسي ) لا أقدر لها على شيء ، ( ضرا ولا نفعا ) أي : دفع ضر ولا جلب نفع ، ( إلا ما شاء الله ) أن أملكه ، ( لكل أمة أجل ) مدة مضروبة ، ( إذا جاء أجلهم ) وقت فناء أعمارهم ، ( فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) أي : لا يتأخرون ولا يتقدمون .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16-01-2022, 06:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (213)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع

سُورَةِ يُونُسَ
الاية137 إلى الاية 141





قوله تعالى : ( قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا ) ليلا ( أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون ) أي : ماذا يستعجل من الله المشركون . وقيل : ماذا يستعجل من العذاب المجرمون ، وقد وقعوا فيه؟ وحقيقة المعنى : أنهم كانوا يستعجلون العذاب ، فيقولون : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " ( الأنفال - 32 ) . فيقول الله تعالى : ( ماذا يستعجل ) يعني : أيش يعلم [ ص: 137 ] المجرمون ماذا يستعجلون ويطلبون ، كالرجل يقول لغيره وقد فعل قبيحا ماذا جنيت على نفسك .
( أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون ( 51 ) ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ( 52 ) ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ( 53 ) . ( ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ( 54 ) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون ( 55 ) هو يحيي ويميت وإليه ترجعون ( 56 ) .

( أثم إذا ما وقع ) قيل : معناه أهنالك؟ وحينئذ ، وليس بحرف عطف ، " إذا ما وقع " نزل العذاب ، ( آمنتم به ) أي بالله في وقت اليأس . وقيل : آمنتم به أي صدقتم بالعذاب وقت نزوله ، ( آلآن ) فيه إضمار ، أي : يقال لكم : آلآن تؤمنون حين وقع العذاب؟ ( وقد كنتم به تستعجلون ) تكذيبا واستهزاء .

( ثم قيل للذين ظلموا ) أشركوا ، ( ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ) في الدنيا .

( ويستنبئونك ) أي : يستخبرونك يا محمد ، ( أحق هو ) أي : ما تعدنا من العذاب وقيام الساعة ، ( قل إي وربي ) أي : نعم وربي ، ( إنه لحق ) لا شك فيه ، ( وما أنتم بمعجزين ) أي : بفائتين من العذاب ، لأن من عجز عن شيء فقد فاته .

( ولو أن لكل نفس ظلمت ) أي : أشركت ، ( ما في الأرض لافتدت به ) يوم القيامة ، والافتداء هاهنا : بذل ما ينجو به من العذاب . ( وأسروا الندامة ) قال أبو عبيدة : معناه : أظهروا الندامة ، لأنه ليس ذلك اليوم يوم تصبر وتصنع . وقيل : معناه أخفوا أي : أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء ، خوفا من ملامتهم وتعييرهم ، ( لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط ) فرغ من عذابهم ، ( وهم لا يظلمون ) [ ص: 138 ] ( ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون هو يحيي ويميت وإليه ترجعون ) .
( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ( 57 ) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ( 58 ) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ( 59 ) .

قوله تعالى : ( ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة ) تذكرة ، ( من ربكم وشفاء لما في الصدور ) أي : دواء للجهل ، لما في الصدور . أي : شفاء لعمى القلوب ، والصدر : موضع القلب ، وهو أعز موضع في الإنسان لجوار القلب ، ( وهدى ) من الضلالة ، ( ورحمة للمؤمنين ) والرحمة هي النعمة على المحتاج ، فإنه لو أهدى ملك إلى ملك شيئا لا يقال قد رحمه ، وإن كان ذلك نعمة لأنه لم يضعها في محتاج .

قوله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته ) قال مجاهد وقتادة : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن . وقال أبو سعيد الخدري : فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله .

وقال ابن عمر : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : تزيينه في القلب .

وقال خالد بن معدان : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : السنن .

وقيل : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : الجنة .

( فبذلك فليفرحوا ) أي : ليفرح المؤمنون أن جعلهم الله من أهله ، ( هو خير مما يجمعون ) أي : مما يجمعه الكفار من الأموال . وقيل : كلاهما خبر عن الكفار .

وقرأ أبو جعفر وابن عامر : " فليفرحوا " بالياء ، و " تجمعون " بالتاء ، وقرأ يعقوب كليهما بالتاء ، مختلف عنه خطابا للمؤمنين .

( قل ) يا محمد لكفار مكة ، ( أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ) عبر عن الخلق بالإنزال ، لأن ما في الأرض من خير ، فمما أنزل الله من رزق ، من زرع وضرع ، ( فجعلتم منه حراما وحلالا ) هو ما حرموا من الحرث ومن الأنعام كالبحيرة ، والسائبة ، والوصيلة والحام . قال الضحاك : هو قوله تعالى : " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ( الأنعام - 136 ) . ( قل آلله أذن لكم ) في هذا التحريم والتحليل ، ( أم ) بل ، ( على الله تفترون ) وهو قولهم : " والله أمرنا بها " .
[ ص: 139 ] ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ( 60 ) وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( 61 ) . ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ( 62 ) .

( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه ، ( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ) .

قوله عز وجل : ( وما تكون ) يا محمد ، ( في شأن ) عمل من الأعمال ، وجمعه شئون ، ( وما تتلو منه ) من الله ، ( من قرآن ) نازل ، وقيل : " منه " أي من الشأن من قرآن ، نزل فيه ، ثم خاطبه وأمته فقال : ( ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ) أي : تدخلون وتخوضون فيه ، الهاء عائدة إلى العمل ، والإفاضة : الدخول في العمل . وقال ابن الأنباري : تندفعون فيه . وقيل : تكثرون فيه . والإفاضة : الدفع بكثرة .

( وما يعزب عن ربك ) يغيب عن ربك ، وقرأ الكسائي " يعزب " بكسر الزاي ، وقرأ الآخرون بضمها ، وهما لغتان . ( من مثقال ذرة ) أي : مثقال ذرة ، و " من " صلة ، والذرة هي : النملة الحميراء الصغيرة . ( في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ) أي : من الذرة ، ( ولا أكبر ) قرأ حمزة ويعقوب : برفع الراء فيهما ، عطفا على موضع المثقال قبل دخول " من " ، وقرأ الآخرون : بنصبهما ، إرادة للكسرة ، عطفا على الذرة في الكسر . ( إلا في كتاب مبين ) وهو اللوح المحفوظ .

قوله تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) واختلفوا فيمن يستحق هذا الاسم . قال بعضهم : هم الذين ذكرهم الله تعالى فقال :

( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) وقال قوم : هم المتحابون في الله عز وجل .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي حسين [ ص: 140 ] عن شهر بن حوشب ، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة " ، قال : وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال : فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم البشر ، فقال : " هم عباد من عباد الله من بلدان شتى وقبائل لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، ولا دنيا يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوههم نورا ، ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن ، يفزع الناس ولا يفزعون ، ويخاف الناس ولا يخافون " .

ورواه عبد الله بن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام قال : حدثنا شهر بن حوشب ، حدثني عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : من أولياء الله؟ فقال : الذين إذا رءوا ذكر الله " .

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : " إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم " .

( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ( 64 ) .

( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) اختلفوا في هذه البشرى : روي عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : " لهم البشرى في الحياة الدنيا " ، قال : " هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له " . [ ص: 141 ] أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات " ، قالوا : وما المبشرات؟ قال : " الرؤيا الصالحة " .

وقيل : البشرى في الدنيا هي : الثناء الحسن ، وفي الآخرة : الجنة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا عبد الرزاق بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال : سمعت عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر : يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبه الناس؟ قال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " . وأخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن يحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن أبي عمران ، وقال : " ويحمده الناس عليه " . .

وقال الزهري وقتادة : هي نزول الملائكة بالبشارة من الله تعالى عند الموت ، قال الله تعالى : " تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " ( فصلت - 30 )

وقال عطاء عن ابن عباس : البشرى في الدنيا ، يريد : عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة ، وفي الآخرة عند خروج نفس المؤمن ، يعرج بها إلى الله ، ويبشر برضوان الله .

وقال الحسن : هي ما بشر الله المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ، كقوله : " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ( البقرة - 25 ) ، " وبشر المؤمنين " ( الأحزاب - 47 ) " وأبشروا بالجنة " ( فصلت - 30 ) .

وقيل : بشرهم في الدنيا بالكتاب والرسول أنهم أولياء الله ، ويبشرهم في القبور وفي كتب أعمالهم بالجنة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16-01-2022, 06:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (214)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع

سُورَةِ يُونُسَ
الاية142 إلى الاية 146




( لا تبديل لكلمات الله ) لا تغيير لقوله ، ولا خلف لوعده . ( ذلك هو الفوز العظيم )
[ ص: 142 ] ( ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم ( 65 ) ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ( 66 ) هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( 67 ) قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون ( 68 ) قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( 69 ) .

( ولا يحزنك قولهم ) يعني : قول المشركين ، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ ، فقال : ( إن العزة لله ) يعني الغلبة والقدرة لله ( جميعا ) هو ناصرك ، وناصر دينك ، والمنتقم منهم .

قال سعيد بن المسيب : إن العزة لله جميعا يعني : أن الله يعز من يشاء ، كما قال في آية أخرى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " ( المنافقون - 8 ) ، وعزة الرسول والمؤمنين بالله فهي كلها لله .

( هو السميع العليم ) .

( ( ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ) هو استفهام معناه : وأي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء؟

وقيل : وما يتبعون حقيقة ، لأنهم يعبدونها على ظن أنهم شركاء فيشفعون لنا ، وليس على ما يظنون . ( إن يتبعون إلا الظن ) يظنون أنها تقربهم إلى الله تعالى ، ( وإن هم إلا يخرصون ) يكذبون .

( هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ) مضيئا يبصر فيه ، كقولهم : ليل نائم وعيشة راضية . قال قطرب : تقول العرب : أظلم الليل وأضاء النهار وأبصر ، أي : صار ذا ظلمة وضياء وبصر ، ( إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) سمع الاعتبار أنه مما لا يقدر عليه إلا عالم قادر .

( قالوا ) يعني : المشركين ، ( اتخذ الله ولدا ) وهو قولهم الملائكة بنات الله ، ( سبحانه هو الغني ) عن خلقه ، ( له ما في السماوات وما في الأرض ) عبيدا وملكا ، ( إن عندكم ) ما عندكم ، ( من سلطان ) حجة وبرهان ، و " من " صلة .

( قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) لا ينجون ، وقيل : لا يبقون في الدنيا ولكن :
[ ص: 143 ] ( متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ( 70 ) . ( واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ( 71 ) فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ( 72 ) .

( متاع ) قليل يتمتعون به وبلاغ ينتفعون به إلى انقضاء آجالهم : و " متاع " رفع بإضمار ، أي : هو متاع ، ( في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ) .

قوله تعالى : ( واتل عليهم نبأ نوح ) أي : اقرأ يا محمد على أهل مكة خبر نوح ( إذ قال لقومه ) وهم ولد قابيل ، ( يا قوم إن كان كبر عليكم ) عظم وثقل عليكم ، ( مقامي ) طول مكثي فيكم ( وتذكيري ) ووعظي إياكم ( بآيات الله ) بحججه وبيناته ، فعزمتم على قتلي وطردي ( فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم ) أي : أحكموا أمركم واعزموا عليه ، ( وشركاءكم ) أي : وادعوا شركاءكم ، أي : آلهتكم ، فاستعينوا بها لتجتمع معكم .

وقال الزجاج : معناه : فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، فلما ترك " مع " انتصب . وقرأ يعقوب : " وشركاؤكم " رفع ، أي : فأجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم .

( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) أي : خفيا مبهما ، من قولهم : غم الهلال على الناس ، أي : أشكل عليهم ، ( ثم اقضوا إلي ) أي : أمضوا ما في أنفسكم وافرغوا منه ، يقال : قضى فلان إذا مات ومضى وقضى دينه إذا فرغ منه .

وقيل : معناه : توجهوا إلي بالقتل والمكروه .

وقيل فاقضوا ما أنتم قاضون ، وهذا مثل قول السحرة لفرعون : " فاقض ما أنت قاض " ( طه - 72 ) ، أي : اعمل ما أنت عامل .

( ولا تنظرون ) ولا تؤخرون وهذا على طريق التعجيز ، أخبر الله عن نوح أنه كان واثقا بنصر الله تعالى غير خائف من كيد قومه ، علما منه بأنهم وآلهتهم ليس إليهم نفع ولا ضر إلا أن يشاء الله .

( فإن توليتم ) أعرضتم عن قولي وقبول نصحي ، ( فما سألتكم ) على تبليغ الرسالة والدعوة ، ( من أجر ) جعل وعوض ، ( إن أجري ) ما أجري وثوابي ، ( إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ) أي : من المؤمنين . وقيل : من المستسلمين لأمر الله .
[ ص: 144 ] ( فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( 73 ) ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين ( 74 ) ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ( 75 ) فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ( 76 ) قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون ( 77 ) قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين ( 78 ) .

( فكذبوه ) يعني نوحا ( فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف ) أي : جعلنا الذين معه في الفلك سكان الأرض خلفاء عن الهالكين . ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) أي : آخر أمر الذين أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا .

( ثم بعثنا من بعده رسلا ) أي : من بعد نوح رسلا . ( إلى قومهم فجاءوهم بالبينات ) بالدلالات الواضحات ، ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) أي : بما كذب به قوم نوح من قبل ، ( كذلك نطبع ) أي : نختم ، ( على قلوب المعتدين ) .

( ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه ) يعني : أشراف قومه ، ( بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) .

( فلما جاءهم ) يعني : جاء فرعون وقومه ، ( الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ) .

( قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ) تقدير الكلام : أتقولون للحق لما جاءكم سحر ، أسحر هذا ، فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه . ( ولا يفلح الساحرون ) .

( قالوا ) يعني : فرعون وقومه لموسى ، ( أجئتنا لتلفتنا ) لتصرفنا . وقال قتادة : لتلوينا ، ( عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء ) الملك والسلطان ، ( في الأرض ) أرض مصر . وقرأ أبو بكر : " ويكون " بالياء ، ( وما نحن لكما بمؤمنين ) بمصدقين .
[ ص: 145 ] ( وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ( 79 ) فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ( 80 ) فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( 81 ) ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ( 82 ) فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين ( 83 ) .

( وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم )

( فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ) (

فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر ) قرأ أبو عمرو وأبو جعفر : " آلسحر " بالمد على الاستفهام ، وقرأ الآخرون بلا مد ، يدل عليه قراءة ابن مسعود " ما جئتم به سحر " بغير الألف واللام . ( إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) .

( ويحق الله الحق بكلماته ) بآياته ، ( ولو كره المجرمون ) .

( فما آمن لموسى ) لم يصدق موسى مع ما آتاهم به من الآيات ، ( إلا ذرية من قومه ) اختلفوا في الهاء التي في " قومه " ، قيل : هي راجعة إلى موسى ، وأراد بهم مؤمني بني إسرائيل الذين كانوا بمصر وخرجوا معه . قال مجاهد : كانوا أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل ، هلك الآباء وبقي الأبناء .

وقال الآخرون : الهاء راجعة إلى فرعون . روى عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هم ناس يسير من قوم فرعون آمنوا ، منهم امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وخازن فرعون ، وامرأة خازنه ، وماشطته ، وعن ابن عباس رواية أخرى : أنهم كانوا سبعين ألف بيت من القبط من آل فرعون ، وأمهاتهم من بني إسرائيل فجعل الرجل يتبع أمه وأخواله .

وقيل : هم قوم نجوا من قتل فرعون ، وذلك أن فرعون لما أمر بقتل أبناء بني إسرائيل كانت المرأة من بني إسرائيل إذا ولدت ابنا وهبته لقبطية خوفا من القتل ، فنشئوا عند القبط ، وأسلموا في اليوم الذي غلبت السحرة .

قال الفراء : سموا ذرية ؛ لأن آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل ، كما يقال لأولاد أهل فارس الذين سقطوا إلى اليمن : الأبناء ، لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم . [ ص: 146 ] ( على خوف من فرعون وملئهم ) قيل : أراد بفرعون آل فرعون ، أي : على خوف من آل فرعون وملئهم ، كما قال : " واسأل القرية " ( يوسف - 82 ) أي : أهل القرية . وقيل : إنما قال : " وملئهم " وفرعون واحد ؛ لأن الملك إذا ذكر يفهم منه هو وأصحابه ، كما يقال : قدم الخليفة ؛ يراد هو ومن معه . وقيل : أراد ملأ الذرية ، فإن ملأهم كانوا من قوم فرعون . ( أن يفتنهم ) أي : يصرفهم عن دينهم ولم يقل يفتنوهم لأنه أخبر عن فرعون وكان قومه على مثل ما كان عليه فرعون ، ( وإن فرعون لعال ) لمتكبر ، ( في الأرض وإنه لمن المسرفين ) المجاوزين الحد ، لأنه كان عبدا فادعى الربوبية .
( وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ( 84 ) فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ( 85 ) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ( 86 ) وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ( 87 ) .

( وقال موسى ) لمؤمني قومه ، ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) .

( فقالوا على الله توكلنا ) اعتمدنا ، ثم دعوا فقالوا ، ( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) أي : لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بأيديهم ، فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا . وقال مجاهد : لا تعذبنا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على الحق لما عذبوا ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا .

( ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ) .

قوله تعالى : ( وأوحينا إلى موسى وأخيه ) هارون ، ( أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا ) يقال : تبوأ فلان لنفسه بيتا ومضجعا إذا اتخذه ، وبوأته أنا إذا اتخذته له ، ( واجعلوا بيوتكم قبلة ) قال أكثر المفسرين : كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم ، وكانت ظاهرة ، فلما أرسل موسى أمر فرعون بتخريبها ومنعهم من الصلاة فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفا من فرعون ، هذا قول إبراهيم وعكرمة عن ابن عباس .

وقال مجاهد : خاف موسى ومن معه من فرعون أن يصلوا في الكنائس الجامعة ، فأمروا بأن يجعلوا في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة ، يصلون فيها سرا . معناه : واجعلوا بيوتكم إلى القبلة .

وروى ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16-01-2022, 06:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (215)
- تفسير البغوى
الجزء الرابع

سُورَةِ يُونُسَ
الاية147 إلى الاية 151





( وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ) يا محمد .
[ ص: 147 ] ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( 88 ) . ( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ( 89 ) .

قوله تعالى : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة ) من متاع الدنيا ، ( وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ) اختلفوا في هذه اللام ، قيل : هي لام كي ، معناه : آتيتهم كي تفتنهم فيضلوا ويضلوا ، كقوله : " لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه " ( الجن - 16 ) .

وقيل : هي لام العاقبة يعني : فيضلوا وتكون عاقبة أمرهم الضلال ، كقوله : " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " ( القصص - 8 ) .

قوله : ( ربنا اطمس على أموالهم ) قال مجاهد : أهلكها ، والطمس : المحق . وقال أكثر أهل التفسير : امسخها وغيرها عن هيئتها .

وقال قتادة : صارت أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم حجارة .

وقال محمد بن كعب : جعل سكرهم حجارة ، وكان الرجل مع أهله في فراشه فصارا حجرين ، والمرأة قائمة تخبز فصارت حجرا .

قال ابن عباس رضي الله عنه : بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا .

ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة والجوزة مشقوقة وإنها لحجر .

قال السدي : مسخ الله أموالهم حجارة ، والنخيل والثمار والدقيق والأطعمة ، فكانت إحدى الآيات التسع .

( واشدد على قلوبهم ) أي : أقسها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان ، ( فلا يؤمنوا ) قيل : هو نصب بجواب الدعاء بالفاء . وقيل : هو عطف على قوله " ليضلوا " أي : ليضلوا فلا يؤمنوا . وقال الفراء : هو دعاء محله جزم ، فكأنه قال : اللهم فلا يؤمنوا ، ( حتى يروا العذاب الأليم ) وهو الغرق . قال السدي : معناه أمتهم على الكفر .

( قال ) " الله تعالى لموسى وهارون ، ( قد أجيبت دعوتكما ) إنما نسب إليهما والدعاء كان من موسى لأنه روي أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن ، والتأمين دعاء . وفي بعض القصص : كان بين دعاء [ ص: 148 ] موسى وإجابته أربعون سنة . ( فاستقيما ) على الرسالة والدعوة ، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب ( ولا تتبعان ) نهي بالنون الثقيلة ، ومحله جزم ، يقال في الواحد : لا تتبعن بفتح النون ؛ لالتقاء الساكنين ، وبكسر النون في التثنية لهذه العلة . وقرأ ابن عامر بتخفيف النون لأن نون التأكيد تثقل وتخفف ، ( سبيل الذين لا يعلمون ) يعني : ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فإن وعدي لا خلف فيه ، ووعيدي نازل بفرعون وقومه .
( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ( 90 ) آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ( 91 ) .

( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ) عبرنا بهم ( فأتبعهم ) لحقهم وأدركهم ، ( فرعون وجنوده ) يقال : " أتبعه وتبعه " إذا أدركه ولحقه ، و " اتبعه " بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به . وقيل : هما واحد . ( بغيا وعدوا ) أي : ظلما واعتداء . وقيل : بغيا في القول وعدوا في الفعل . وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه ، فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر هابوا دخوله فتقدمهم جبريل على فرس وديق وخاض البحر ، فاقتحمت الخيول خلفه ، فلما دخل آخرهم وهم أولهم أن يخرج انطبق عليهم الماء . وقوله تعالى : ( حتى إذا أدركه الغرق ) أي : غمره الماء وقرب هلاكه ، ( قال آمنت أنه ) قرأ حمزة والكسائي " إنه " بكسر الألف أي : آمنت وقلت إنه . وقرأ الآخرون " أنه " بالفتح على وقوع آمنت عليها ( لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) فدس جبريل عليه السلام في فيه من حمأة البحر .

وقال : ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما أغرق الله فرعون قال : آمنت أنه لا إله إلا الذين آمنت به بنو إسرائيل ، فقال جبريل عليه السلام : يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " . فلما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قالت بنو إسرائيل ما مات فرعون فأمر الله البحر [ ص: 149 ] فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا فذلك قوله : ( فاليوم ننجيك ) .
( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ( 92 ) ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 93 ) .

( فاليوم ننجيك ) أي نلقيك على نجوة من الأرض ، وهي : المكان المرتفع . وقرأ يعقوب " ننجيك " بالتخفيف ، ( ببدنك ) بجسدك لا روح فيه . وقيل : ببدنك : بدرعك ، وكان له درع مشهور مرصع بالجواهر ، فرأوه في درعه فصدقوا . ( لتكون لمن خلفك آية ) عبرة وعظة ، ( وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ) .

( ولقد بوأنا بني إسرائيل ) أنزلنا بني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، ( مبوأ صدق ) منزل صدق ، يعني : مصر . وقيل الأردن وفلسطين ، وهي الأرض المقدسة التي كتب الله ميراثا لإبراهيم وذريته . قال الضحاك : هي مصر والشام ، ( ورزقناهم من الطيبات ) الحلالات ، ( فما اختلفوا ) يعني [ ص: 150 ] اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تصديقه وأنه نبي ، ( حتى جاءهم العلم ) يعني : القرآن والبيان بأنه رسول لله صدق ، ودينه حق .

وقيل : حتى جاءهم معلومهم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا يعلمونه قبل خروجه ، فالعلم بمعنى المعلوم كما يقال للمخلوق : خلق ، قال الله تعالى : " هذا خلق الله " ( لقمان - 11 ) ، ويقال : هذا الدرهم ضرب الأمير ، أي : مضروبه .

( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من الدين .
( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( 94 ) ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين ( 95 ) .

قوله تعالى : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ) يعني : القرآن ( فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) فيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة .

قيل : هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره على عادة العرب ، فإنهم يخاطبون الرجل ويريدون به غيره ، كقوله تعالى : " يا أيها النبي اتق الله " ( الأحزاب - 1 ) ، خاطب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به المؤمنون ، بدليل أنه قال : " إن الله كان بما تعملون خبيرا " ولم يقل : " بما تعمل " وقال : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " ( الطلاق - 1 ) .

وقيل : كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين مصدق ومكذب وشاك ، فهذا الخطاب مع أهل الشك ، معناه : إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان رسولنا محمد ، فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك .

قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني من آمن من أهل الكتاب ؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه ، فيشهدون على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ويخبرونك بنبوته .

قال الفراء : علم الله سبحانه وتعالى أن رسوله غير شاك ، لكنه ذكره على عادة العرب ، يقول الواحد منهم لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، ويقول لولده : افعل كذا وكذا إن كنت ابني ، ولا يكون بذلك على وجه الشك .

( لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) من الشاكين .

( ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين ) وهذا كله خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه غيره .
[ ص: 151 ] ( ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ( 96 ) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ( 97 ) . ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ( 98 ) .

قوله تعالى : ( إن الذين حقت عليهم ) وجبت عليهم ، ( كلمة ربك ) قيل : لعنته . وقال قتادة : سخط الله . وقيل : " الكلمة " هي قوله : هؤلاء في النار ولا أبالي . ( لا يؤمنون ) .

( ولو جاءتهم كل آية ) دلالة ، ( حتى يروا العذاب الأليم ) قال الأخفش : أنث فعل " كل " لأنه مضاف إلى المؤنث وهي قوله : " آية " ولفظ " كل " للمذكر والمؤنث سواء .

قوله تعالى : ( فلولا كانت ) أي : فهلا كانت ، ( قرية ) ومعناه : فلم تكن قرية لأن في الاستفهام ضربا من الجحد ، أي : أهل قرية ، ( آمنت ) عند معاينة العذاب ، ( فنفعها إيمانها ) في حالة البأس ( إلا قوم يونس ) فإنه نفعهم إيمانهم في ذلك الوقت . و " قوم " نصب على الاستثناء المنقطع ، تقديره : ولكن قوم يونس ، ( لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) وهو وقت انقضاء آجالهم .

واختلفوا في أنهم هل رأوا العذاب عيانا أم لا؟ فقال بعضهم : رأوا دليل العذاب؟ والأكثرون على أنهم رأوا العذاب عيانا بدليل قوله : " كشفنا عنهم عذاب الخزي " والكشف يكون بعد الوقوع أو إذا قرب .

وقصة الآية - على ما ذكره عبد الله بن مسعود ، وسعيد بن جبير ، ووهب وغيرهم - أن قوم يونس كانوا بنينوى ، من أرض الموصل ، فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإيمان فدعاهم فأبوا ، فقيل له : أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ، فأخبرهم بذلك ، فقالوا : إنا لم نجرب عليه كذبا فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم ، فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس من بين أظهرهم ، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رءوسهم قدر ميل .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 387.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 381.60 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]