عمود الإسلام (22) قسمت الصلاة بيني وبين عبدي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تعملها إزاي؟.. كيف تجهز iPhone الخاص بك لنظام التشغيل iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ما الذي يساهم فى إطالة عمر الكمبيوتر المحمول؟.. تقرير يجيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          هكذا يمكنك الوصول إلى قائمة "البلوك" على حسابك بفيس بوك.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          كيفية توفير مساحة تخزين الهاتف الذكي دون حذف الصور؟.. تفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          كيفية قفل الخلايا فى Excel.. وما معناها فى خطوات؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحويل ملاحظاتك النصية إلى بودكاست: وإليك الطريقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تعرف على طرق استعادة جهات الاتصال المحذوفة على جهاز آيفون الخاص بك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيفية العثور على التكرارات فى Excel وإزالتها فى خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيفية إعادة ضبط وحدة جهاز ps5 فى 6 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          بضغطة واحدة.. Chrome يتيح الآن للمستخدمين "إلغاء الاشتراك" من تنبيهات المواقع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-08-2025, 02:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي عمود الإسلام (22) قسمت الصلاة بيني وبين عبدي

عمود الإسلام (22)

«قسمت الصلاة بيني وبين عبدي»

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَغَوْثُ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَقَابِلُ التَّائِبِينَ، وَمُجِيبُ الدَّاعِينَ، لَا نَجَاةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا بِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا مَفَرَّ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَلَّمَهُ رَبُّهُ دِينَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَحْيَهُ، وَأَرْسَلَهُ بِرِسَالَتِهِ، وَجَعَلَ الصَّلَاةَ رَاحَتَهُ وَأُنْسَهُ وَقُرَّةَ عَيْنِهِ؛ فَكَانَتْ مَفْزَعَهُ وَمَلْجَأَهُ وَمَهْرَبَهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَحْسِنُوا لَهُ صَلَاتَكُمْ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِعِبَادَتِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَعَلَى أَعْمَالِكُمْ مُحَاسَبُونَ «وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَيَا فَلَاحَ مَنْ حَافَظَ عَلَى صَلَاتِهِ وَدَاوَمَ عَلَيْهَا، وَأَحْسَنَ إِقَامَتَهَا، وَيَا خَسَارَةَ مَنْ تَرَكَهَا أَوْ فَرَّطَ فِيهَا أَوْ أَسَاءَ إِقَامَتَهَا ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يُونُسَ: 87].

أَيُّهَا النَّاسُ: لَوْ أَنَّ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ الدُّنْيَا دَعَا فَقِيرًا مُعْدَمًا؛ لِيُكْرِمَهُ بِمُجَالَسَتِهِ، وَيُقْعِدَهُ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَيُكْرِمَهُ بِجَائِزَتِهِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِحَالِ ذَلِكَ الْفَقِيرِ فِي ذَلِكُمُ الْمَجْلِسِ، وَكَيْفَ سَيُنْصِتُ إِلَى حَدِيثِ مَنْ أَكْرَمَهُ؟ وَكَيْفَ سَيَتَأَدَّبُ مَعَهُ فِي حَرَكَاتِهِ وَنَظَرَاتِهِ؟ وَكَيْفَ يَتَهَذَّبُ فِي حَدِيثِهِ لَهُ، وَيَخْتَارُ بِحَضْرَتِهِ أَبْلَغَ مَا يُحْسِنُ مِنَ الْكَلَامِ. فَمَا ظَنُّنَا -يَا عِبَادَ اللَّهِ- وَنَحْنُ نُكَبِّرُ لِلصَّلَاةِ لِنَلْتَقِيَ بِالْخَالِقِ وَنَحْنُ مَخْلُوقُونَ، وَبِالرَّبِّ وَنَحْنُ مَرْبُوبُونَ، وَبِالْإِلَهِ الْقَادِرِ الْقَاهِرِ وَنَحْنُ الْعَبِيدُ الْعَاجِزُونَ؟ مَا ظَنُّنَا وَنَحْنُ نَقِفُ قُبَالَتَهُ، وَنُنَاجِيهِ بِكُلِّ كَلِمَةٍ نَقُولُهَا فِي صَلَاتِنَا؟ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ؛ وَمِنْهَا: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ»، «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ»، «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ»، «لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ».

وَأَعْظَمُ مَا يُنَاجِي الْعَبْدُ بِهِ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فِي صَلَاتِهِ كَلَامُهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ وَأَنْزَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ؛ وَلِذَا كَانَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولَ الْقُنُوتِ، أَيِ: الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُنَاجَاةً لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ، وَأَفْضَلُهُ فِي الصَّلَاةِ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ فَاخْتَارَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِصَلَاةِ عِبَادِهِ. بَلْ أَكْرَمَهُمْ بِأَنْ قَسَمَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ؛ فَأَيُّ شَرَفٍ يَحْظَى بِهِ الْمُصَلِّي أَنْ يُقَاسِمَهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ. فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي -وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي- فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ الْمُصَلِّي حَيْثُ كَانَ مُنَاجِيًا لَهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ جَوَابَ مَا يُنَاجِيهِ بِهِ كَلِمَةً كَلِمَةً، فَأَوَّلُ الْفَاتِحَةِ حَمْدٌ، ثُمَّ ثَنَاءٌ، وَهُوَ تَثْنِيَةُ الْحَمْدِ وَتَكْرِيرُهُ، ثُمَّ تَمْجِيدٌ، وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِأَوْصَافِ الْمَجْدِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ الْعَبْدُ مِنَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّمْجِيدِ إِلَى خِطَابِ الْحُضُورِ، كَأَنَّهُ صَلُحَ حِينَئِذٍ لِلتَّقْرِيبِ مِنَ الْحَضْرَةِ، فَخَاطَبَ خِطَابَ الْحَاضِرِينَ، فَقَالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَجْمَعُ سِرَّ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ إِنَّمَا خُلِقُوا لِيُؤْمَرُوا بِالْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 56]، وَإِنَّمَا أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ لِذَلِكَ، فَالْعِبَادَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا قُدْرَةَ لِلْعِبَادِ عَلَيْهَا بِدُونِ إِعَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ، وَالْإِعَانَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عَبْدِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ: الدُّعَاءُ بِهِدَايَةِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ صِرَاطِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. فَمَنِ اسْتَقَامَ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ حَصَلَ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاسْتَقَامَ سَيْرُهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ إِمَّا مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ طَرِيقَ الْهُدَى وَلَا يَتْبَعُهُ كَالْيَهُودِ، أَوْ ضَالٌّ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى كَالنَّصَارَى وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَإِذَا خَتَمَ الْقَارِئُ فِي الصَّلَاةِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، أَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ فَقَالَ: «هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ». وَحِينَئِذٍ تُؤَمِّنُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى دُعَاءِ الْمُصَلِّي، فَيُشْرَعُ لِلْمُصَلِّينَ مُوَافَقَتُهُمْ فِي التَّأْمِينِ مَعَهُمْ، فَالتَّأْمِينُ مِمَّا يُسْتَجَابُ بِهِ الدُّعَاءُ».

وَهَذَا الْمَقَامُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَقِفُهُ الْمُصَلِّي بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى لِيُنَاجِيَهُ بِأَفْضَلِ سُورَةٍ فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ، يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَحْضِرَهُ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ أَبَدًا؛ لِتَكُونَ صَلَاتُهُ حَيَّةً بِحَيَاةِ قَلْبِهِ، وَكَامِلَةً بِمُرَاقَبَةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ. وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاسْتِعْدَادِ التَّامِّ لِلصَّلَاةِ؛ وَذَلِكَ بِإِحْسَانِ طَهُورِهَا، وَالتَّبْكِيرِ لَهَا، وَفِعْلِ النَّوَافِلِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَتَهْيِئَةِ الْقَلْبِ لِلْمُنَاجَاةِ الْكُبْرَى قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ شَرَفٍ لِأَهْلِ الصَّلَاةِ وَهُمْ يَنَاجُونَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُصَلُّونَهَا. وَمَا أَفْدَحَهَا مِنْ خَسَارَةٍ لِمَنْ تَرَكُوا الصَّلَاةَ، أَوْ فَرَّطُوا فِيهَا، أَوْ قَدَّمُوا غَيْرَهَا عَلَيْهَا. أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا تِلْكَ الْمُنَاجَاةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي يَنَاجُونَ فِيهَا خَالِقَهُمْ وَمَالِكَهُمْ وَرَازِقَهُمْ وَمُدَبِّرَهُمْ. وَكَمْ تَكُونُ الصَّلَاةُ نَاقِصَةً وَثَقِيلَةً عَلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤَدُّونَهَا قِيَامًا وَرُكُوعًا وَسُجُودًا؛ وَلَكِنْ لَمْ تَقْنُتْ قُلُوبُهُمْ مَعَ قِيَامِهِمْ، وَلَمْ تَرْكَعْ قُلُوبُهُمْ مَعَ رُكُوعِهِمْ، وَلَمْ تَسْجُدْ قُلُوبُهُمْ مَعَ سُجُودِهِمْ. بَلْ كَانَتْ تَسِيحُ فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا وَمَشَاغِلِهَا وَمَلَذَّاتِهَا؛ حَتَّى إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَنَبَّهُوا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَلَاةٍ. إِنَّهُمْ لَمْ يَذُوقُوا حَلَاوَةَ الصَّلَاةِ وَلَذَّتَهَا، وَنَعِيمَ خِطَابِهِمْ لِرَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ فِيهَا؛ وَلِذَا ثَقُلَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ، فَيَخْرُجُونَ إِلَيْهَا مُتَثَاقِلِينَ، وَرُبَّمَا يُجَرُّونَ إِلَيْهَا جَرًّا. وَأَشَدُّ مِنْهُمْ مَنْ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ يَنْقُرُونَهَا نَقْرًا بِلَا سَكِينَةٍ وَلَا طُمَأْنِينَةٍ. كُلُّ أُولَئِكَ غَفَلُوا عَنْ مُتَابَعَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، فَكَانَ هَذَا حَالَهُمْ؛ ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 45-47].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ شَرَفِ الْمُصَلِّي فِي مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ، وَيُشَرِّفُهُ بِعُبُودِيَّتِهِ فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»، وَيَقُولُ: «حَمِدَنِي عَبْدِي»، وَيَقُولُ: «أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي»، وَيَقُولُ: «مَجَّدَنِي عَبْدِي»، وَيَقُولُ: «هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي». وَهَذَا أَعْظَمُ الشَّرَفِ، وَهُوَ شَرَفُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةُ مِنْ أَظْهَرِ أَعْمَالِ الْعُبُودِيَّةِ؛ حَيْثُ الْقُنُوتُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ.

«وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» أَيْ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ عَبْدَهُ إِذَا سَأَلَهُ شَيْئًا أَنْ يُعْطِيَهُ، وَيَمْنَحَهُ إِيَّاهُ، وَيُجِيبَ دُعَاءَهُ... وَأَعْلَمَ سُبْحَانَهُ عَبْدَهُ: أَنَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَحَمْدَهُ، وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ، وَتَمْجِيدَهُ إِيَّاهُ، وَدُعَاءَهُ وَرَغْبَتَهُ؛ سَمَاعًا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ... وَهُوَ الرَّحْمَنُ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ، وَغَزِيرُهَا الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ... وَهُوَ الْمَالِكُ لِيَوْمِ الدِّينِ، لَهُ السُّلْطَانُ الْمُطْلَقُ، وَالسِّيَادَةُ الَّتِي لَا نِزَاعَ فِيهَا... وَالْعَالَمُ كُلُّهُ يَكُونُ فِيهِ خَاضِعًا لِعَظَمَتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، يَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخَافُ عَذَابَهُ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْجَزَاءِ، يَوْمُ الْعَرْضِ عَلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ، يَوْمٌ تَظْهَرُ فِيهِ الْأَعْمَالُ، وَيَقُولُ كُلُّ شَخْصٍ: نَفْسِي نَفْسِي!... وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يُعْبَدُ وَبِهِ يُسْتَعَانُ؛ أَيْ: لَا يُعْبُدُ غَيْرُهُ، وَلَا يُسْتَعَانُ اسْتِعَانَةً حَقِيقَةً إِلَّا بِهِ، وَالْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَاتِ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ...». وَفِيهِ سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى الْهِدَايَةَ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْبُعْدَ عَنْ صِرَاطِ أَهْلِ الْجَحِيمِ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ لِلْعَبْدِ دُعَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَسَمَ الصَّلَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، وَوَعَدَهُ بِأَنْ يُعْطَى سُؤْلَهُ «وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»، فَمَنِ اسْتَشْعَرَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْعَظِيمَةَ فِي صَلَاتِهِ كَانَتْ لَذَّةً لَهُ، وَسَعَادَةً فِي قَلْبِهِ لَا تُفَارِقُهُ، وَازْدَادَ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَعُبُودِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى؛ حَيْثُ مَنَحَهُ هَذَا الشَّرَفَ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُنَاجَاةِ. وَلَوْ أَنَّ الْمُقَصِّرِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلِمُوا مَا فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ لَوَاظَبُوا عَلَيْهَا، وَبَكَّرُوا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَتَهَيَّئُوا لِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَتَدَبَّرُوا كُلَّ تَكْبِيرَةٍ يُكَبِّرُونَهَا، وَكُلَّ آيَةٍ يَقْرَؤُونَهَا، وَكُلَّ تَسْبِيحَةٍ يُسَبِّحُونَهَا، وَكُلَّ دَعْوَةٍ يَدْعُونَهَا؛ وَلَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ سَعَادَتَهُمْ وَنَجَاتَهُمْ كَمَا كَانَتْ كَذَلِكَ لِلْخَاشِعِينَ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 1-2].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.39 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]