خطبة عيد الأضحى المبارك: لزوم الإيمان في الشدائد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         هل تظهر عليك علامات سوء التغذية؟ اكتشف الأعراض بسرعة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أعراض تليف الكبد: لا تتجاهل هذه العلامات! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أخطر أنواع السرطان حول العالم، ولماذا يصعب علاجها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 95 )           »          ماذا كان يفعل النبيﷺ فى العشر الأواخر من رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          شـــــــرح دُّعَاءُ يقال عِنْدَ إغْمَاضِ الـمَيِّتِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح حديث"اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، أَذْهِب الْبَأسَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 69 - عددالزوار : 14599 )           »          دفع الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-06-2025, 11:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,651
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عيد الأضحى المبارك: لزوم الإيمان في الشدائد

خطبة عيد الأضحى المبارك

لزوم الإيمان في الشدائد

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ؛ اخْتَصَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ بِفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ؛ لِيُكَفِّرَ بِهَا سَيِّئَاتِ الْعِبَادِ، وَيَرْفَعَ دَرَجَاتِهِمْ، وَيُبَارِكَ حَسَنَاتِهِمْ، وَيُعْتِقَهُمْ مِنَ النَّارِ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَمَرَ الْعِبَادَ بِتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، وَالْإِخْلَاصِ فِي عِبَادَتِهِ، وَالذَّبْحِ لَهُ، وَالْحَجِّ لِبَيْتِهِ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ وَحُرُمَاتِهِ؛ فَهُوَ الرَّبُّ الْمَعْبُودُ، وَمَا سِوَاهُ عَبْدٌ مَرْبُوبٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَمُلَتْ بِهِ الْمِلَّةُ، وَتَمَّتْ بِهِ النِّعْمَةُ، وَعَزَّتْ بِدِينِهِ الْأُمَّةُ؛ فَلَا عِزَّ لَهَا إِلَّا بِالْإِسْلَامِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

اللَّهُ أَكْبَرُ مَا أَهَلَّ الْحُجَّاجُ بِالْمَنَاسِكِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا عَظَّمُوا الشَّعَائِرَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَنَقَّلُوا بَيْنَ الْمَشَاعِرِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا اجْتَهَدَ الْمُسْلِمُونَ بِالْأَمْسِ فِي الدُّعَاءِ، وَمَا يُرِيقُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنَ الدِّمَاءِ.

اللَّهُ أَكْبَرُ مَا عَزَّ الْإِسْلَامُ وَارْتَفَعَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا ذَلَّ الْكُفْرُ وَانْخَفَضَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مَا زَهِقَ الْبَاطِلُ وَظَهَرَ الْحَقُّ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاحْمَدُوهُ عَلَى مَا حَبَاكُمْ، وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ تَتَقَرَّبُونَ بِأَضَاحِيكُمْ، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ، ثُمَّ تَعُودُ إِلَيْكُمْ، وَيُكْتَبُ فِيهَا أَجْرُكُمْ؛ ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْحَجِّ: 36-37].

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا النَّاسُ: صَبَّحَكُمُ الْيَوْمَ عِيدُكُمُ الْكَبِيرُ، تَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِذَبْحِ أَضَاحِيكُمْ، وَإِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ يَسِيرُونَ فِي جُمُوعٍ غَفِيرَةٍ إِلَى الْجَمَرَاتِ، مُلَبِّينَ وَمُكَبِّرِينَ؛ لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَيَتَقَرَّبُوا لِلَّهِ تَعَالَى بِهَدْيِهِمْ، ثُمَّ حَلْقِ رُؤُوسِهِمْ، ثُمَّ حِلِّهِمْ مِنْ إِحْرَامِهِمْ، ثُمَّ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ، طَوَافَ الزِّيَارَةِ، يَزُورُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، بَعْدَ أَنْ وَقَفُوا بِالْأَمْسِ فِي عَرَفَاتٍ، وَتَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ، يَسْمَعُ دُعَاءَهُمْ وَابْتِهَالَهُمْ وَهُمْ إِلَيْهِ يَجْأَرُونَ، وَيَرَى خُشُوعَهُمْ وَهُمْ يَضْرَعُونَ وَيَبْكُونَ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ، وَيُعْطِيهِمْ مَا يَسْأَلُونَ، فَسُبْحَانَ مَنْ وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ مَنْ دَعَاهُ بِالْأَمْسِ فِي عَرَفَاتٍ وَفِي كُلِّ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَعَلِمَ مَكْنُونَ صُدُورِهِمْ، وَأَحْصَى مَسَائِلَهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ، وَاخْتِلَافِ لُغَاتِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، رَبُّنَا الْعَظِيمُ الْقَدِيرُ، الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ، الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا اقْبِلْ مِنَّا وَمِنَ الْحُجَّاجِ، وَأَعْتِقْنَا جَمِيعًا مِنَ النَّارِ، وَأَوْجِبْ لَنَا الْجِنَانَ؛ فَإِنَّ إِجَابَتَكَ لِدُعَائِنَا تَنْفَعُنَا وَلَا تَضُرُّكَ، وَإِنَّ رَدَّكَ لِدُعَائِنَا يَضُرُّنَا وَلَا يَنْفَعُكَ، وَأَنْتَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ، الَّذِي لَا يَتَعَاظَمُ شَيْئًا أَعْطَاهُ، اللَّهُمَّ فَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَزِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

عِبَادَ اللَّهِ: الْإِيمَانُ مَلَاذُ الْمُؤْمِنِ فِي الشَّدَائِدِ، وَالصَّلَاةُ مَفْزَعُهُ فِي الْعَظَائِمِ، وَالتَّوَكُّلُ سِلَاحُهُ فِيمَا يَخَافُ مِنْهُ، وَالْغَيْبُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمُؤْمِنُ يَسْتَنِيرُ بِنُورِ الْوَحْيِ، وَيَضَعُ سُنَنَ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَيَعْتَبِرُ بِمَا حَلَّ بِالسَّابِقِينَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ.

وَالْبَشَرِيَّةُ -فِي زَمَنِنَا هَذَا- قَدْ بَلَغَتِ الْغَايَةَ فِي الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَالتَّعَدِّي؛ وَذَلِكَ بِالتَّعَدِّي عَلَى مَقَامِ الرُّبُوبِيَّةِ بِاسْمِ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ، وَرَدِّ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ بِحُجَّةِ كِفَايَةِ الْقُرْآنِ عَنْهَا، وَالطَّعْنِ فِي ثَوَابِتِ الدِّينِ، وَالتَّهْوِينِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَحْلِيلِهَا، وَالتَّزْهِيدِ فِي الْوَاجِبَاتِ وَإِسْقَاطِهَا، وَتَسَلُّطِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ. نَاهِيكُمْ عَنِ الِانْغِمَاسِ فِي الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا، وَتَمَكُّنِ الْمَادِّيَّةِ الْفَرْدِيَّةِ فِي عَالَمٍ مُتَوَحِّشٍ يَأْكُلُ قَوِيُّهُ ضَعِيفَهُ، وَيَنْهَبُ قَادِرُهُ عَاجِزَهُ. كُلُّ ذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِالْعُقُوبَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ الَّتِي مِنْهَا تَسْلِيطُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 65]، وَنَرَى بَوَادِرَ ذَلِكَ فِي كَسَادٍ اقْتِصَادِيٍّ يُطِلُّ بِرَأْسِهِ عَلَى الدُّوَلِ الْكُبْرَى، وَلَا يَعْلَمُ مَدَى ارْتِدَادِهِ وَأَثَرِهِ عَلَى النَّاسِ فِي أَرْزَاقِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَحَرْبٍ غَيْرِ مُعْلَنَةٍ بَيْنَ أَقْطَابِ الْعَالَمِ قَدْ تَقُودُ إِلَى دَمَارٍ هَائِلٍ، وَاسْتِهَانَةٍ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالضُّعَفَاءِ فِي حُرُوبٍ عَبَثِيَّةٍ يُسَعِّرُهَا الْمُتَعَطِّشُونَ لِلدِّمَاءِ لِبَسْطِ نُفُوذِهِمْ وَسَيْطَرَتِهِمْ، كُلُّ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ، يُنْذِرُ بِتَحَوُّلَاتٍ كُبْرَى، يَنْتُجُ عَنْهَا أَحْدَاثٌ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَتَهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَيْرًا لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. وَإِزَاءَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَنِيرُ بِنُورِ الْوَحْيِ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ أَحْدَاثٍ:
فَلَا بُدَّ أَنْ يُوقِنَ: أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْقَدَرَ قَدَرُهُ، وَأَنَّ الْخَلْقَ تَحْتَ مَشِيئَتِهِ، وَأَنَّ مَا شَاءَهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْهُ لَمْ يَكُنْ؛ ﴿ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 154]، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الرُّومِ: 25]، ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 38]، فَيُعَلِّقُ قَلْبَهُ بِاللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْخَلْقِ، وَيَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْكَوْنِ دُونَ الْخَلْقِ.

وَأَنْ يَكُونَ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى غَايَتَهُ، وَالْجَنَّةُ مُبْتَغَاهُ، وَأَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُ عَلَى وَفْقِ هَذِهِ الْغَايَةِ، وَلَا يَأْسَى عَلَى مَا فَاتَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَيُقَابِلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ مَصَائِبَ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ؛ فَفِي ذَلِكَ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَرَاحَةُ الْبَالِ، وَعَظِيمُ الْأَجْرِ؛ ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التَّغَابُنِ: 11]، «إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ ‌لَمْ ‌يَكُنْ ‌لِيُصِيبَكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَأَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِدِينِهِ وَلِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 55-56].

وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ فِي حَالِ الشَّدَائِدِ وَالْفِتَنِ وَالْمِحَنِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌الْعِبَادَةُ ‌فِي ‌الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»، وَالْهَرْجُ هُوَ تَفَاقُمُ الْفِتَنِ وَاخْتِلَاطُ الْأَمْرِ، فَتُسْتَحَبُّ حِينَهَا الْعُزْلَةُ، وَالْخَلْوَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى تَعَبُّدًا وَذِكْرًا؛ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْفِتْنَةِ، وَغَفْلَتِهِمْ عَنِ الْعِبَادَةِ.

أَنَارَ اللَّهُ تَعَالَى بَصَائِرَنَا بِالْإِيمَانِ، وَجَنَّبَنَا حَبَائِلَ الشَّيْطَانِ، وَكَفَانَا وَالْمُسْلِمِينَ كَيْدَ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ، وَثَبَّتَنَا عَلَى الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِدِينِنَا، وَشَرَعَ لَنَا مَنَاسِكَنَا، وَرَزَقَنَا أَضَاحِيَنَا، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ؛ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الْحَجِّ: 32].

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: قُوَّةُ الْإِيمَانِ وَالتَّعَلُّقُ بِاللَّهِ تَعَالَى، إِنْ كَانَ ضَرُورَةً فِطْرِيَّةً فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَهُوَ فِي أَوْقَاتِ الْخَوْفِ أَكْثَرُ ضَرُورَةً وَإِلْحَاحًا، وَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الرَّخَاءِ عَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشِّدَّةِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنَ الدُّعَاءِ فِي الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ اسْتُجِيبَ لَهُ فِي الشَّدَائِدِ وَالضَّرَّاءِ، وَلَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَلْتَزِمَ بِإِيمَانِهَا، وَتَتَمَسَّكَ بِشَرِيعَةِ رَبِّهَا، وَلَا تَتَخَلَّى عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا مَهْمَا كَانَتِ الْمُغْرِيَاتُ الصَّارِفَةُ عَنْهَا، فَلَا قِيمَةَ لِلْبَشَرِ بِلَا إِيمَانٍ. وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُرَبِّيَ أَوْلَادَهَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الثَّبَاتَ فِي الشَّدَائِدِ وَالِابْتِلَاءَاتِ وَالْمَصَائِبِ مُرْتَهَنٌ بِالْتِزَامِ الدِّينِ فِي حَالِ الرَّخَاءِ وَالْعَافِيَةِ، وَمَا أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَى رَبِّهِمْ، وَمَا أَغْنَاهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [فَاطِرٍ: 15-17].

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْيَوْمُ يَوْمُ عِيدِكُمْ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَضَاحِيكُمْ، وَيَحْرُمُ صِيَامُهُ وَصِيَامُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُ ذَبْحِ الْأَضَاحِيِّ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ وَيُهْدِيَ وَيَتَصَدَّقَ. وَالصَّدَقَةُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ وَاجِبٌ عِنْدَ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الْحَجِّ: 28].

وَفِي الْعِيدِ طَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ مِنَ الضَّغَائِنِ وَالْإِحَنِ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ الْمَقْطُوعَةَ، وَابْدَؤُوا بِالسَّلَامِ نُفُوسًا هَاجِرَةً غَاضِبَةً، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، وَأَفْرِحُوا فِي الْعِيدِ أَهْلَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ، وَبَرُّوا فِيهِ وَالِدِيكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

وَقَدْ وَافَقَ عِيدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ حَضَرَ الْعِيدَ فَلَهُ رُخْصَةٌ أَنْ يَتْرُكَ الْجُمُعَةَ، وَلَكِنْ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا، وَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَهُوَ أَفْضَلُ.

أَعَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 56].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.47 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]