|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ رضا أحمد الخليفي الحمد لله الذي جعل شهرَ رمضانَ شهرَ الصفح والغفران، وصيامه حصنًا من عذاب النيران، وغنيمةً لأهل الإنابة والإحسان. نحمَده سبحانه وتعالى على نِعمه التي تجِلُّ عن العدِّ والحُسبان، ونشكره جل وعلا على حسن عطاياه؛ فهو عظيم الامتنان. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خَلَقَ الإنس والجان والحيوان، وملَكَ مقاليدَ السماوات والأرض وجميع ما في الأكوان، شهادةً نأمُل بها الفوز بفسيح الجِنان. ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا ومولانا محمدًا عبده ورسوله، وخليله وصفيه، مطهَّر الجَنان، والهادي إلى طريق الخير، والمنقذ من سبيل الخسران. فاللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله أهل الرضا والرضوان، وصحابته أهلِ الحُجَّة والبرهان، وعلماء أمته وأوليائها حُماة السُّنة والقرآن، ومن تبِعهم بإحسانٍ من أهل الفضل والإيمان؛ أما بعد أمةَ رسول الله: فإن الله سبحانه وتعالى قد فرض علينا الصيام كما فرضه على مَن قبلنا من الأمم السابقة؛ فهو عبادة قديمة تعبَّدنا بها سبحانه وتعالى، كما تعبَّد بها من قبلنا من الأمم السالفة؛ كاليهود والنصارى وغيرهم، وإن اختلفت كيفيته ومدته من أُمة إلى أخرى؛ مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183، 184]. فالصوم شريعة من الشرائع الإلهية القديمة في تاريخ الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ حيث ثبت أن سيدنا نوحًا صلى الله عليه وسلم كان يصوم؛ كما جاء في حديث المسند المرفوع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن يوم عاشوراء يومٌ استوت فيه السفينة على الجوديِّ، فصامه نوح شكرًا لله تعالى، ثم صامه بعد قرونٍ موسى؛ شكرًا على نجاتهم من فرعون وبطشه". وأن سيدنا داودَ صلى الله عليه وسلم كان يصوم؛ كما في حديث الصحيحين، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أفضل الصيام صيام داود؛ كان يصوم يومًا ويُفطر يومًا)). وإن الله سبحانه وتعالى أمر سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم بصيام الأربعين؛ تأهبًا لمناجاته جل وعلا ومخاطبته؛ مصداقًا لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ [الأعراف: 142]. وزعم النصارى - كما في بعض مراجعهم - أن سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم صام أربعين يومًا قبل بعثته. فالصوم عبادة قديمة في الأنبياء وفي أُممهم وأتباعهم؛ حيث إن الله سبحانه وتعالى فرضه على الأمم التي كانت قبلنا من اليهود والنصارى، إلا أنهم غيَّروا وبدَّلوا في هذه الفريضة بسبب المناخ؛ فقد كان يتفق الصيام في الحَرِّ الشديد أو البرد الشديد، فيحولونه إلى الربيع، ويزيدون في عدده، حتى جعلوه خمسين يومًا كفَّارةً على ذاك التبديل. ولأهميته جعل الصيام الركنَ الرابع من أركان الإسلام؛ كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمسٍ؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))، وانعقد إجماع علماء الأمة على وجوبه، فمن أنكر فرضيته، فهو كافر وإن صامه، ومن امتنع عن صيامه، فيُجبر على ذلك، إلا إن ادَّعى أن به علةً تمنعه من الصيام؛ فيُوكل إلى نيته. فهو - لغةً - مطلق الإمساك، فيُقال للصمت: صومًا؛ لأنه إمساك عن الكلام؛ كما في قوله سبحانه وتعالى حكايةً عن سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26]، وهو شرعًا: الإمساك المقرون بالنية عن جميع المُفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183، 184]، فالله سبحانه وتعالى قد شرع الصيام لـمعانٍ سامية وحِكم بالغة، ومن أهمها وأجَلِّها تحقيق التقوى، فالتقوى من أهم الصفات التي يحرص الإسلام على تحلِّي المسلم بها؛ لِما لها من أثر عظيم في حياته في الدنيا، وحسن مآله في الأخرى؛ فهي المقصد الأعظم لكل التشريعات التي جاء بها ديننا الحنيف؛ ومنها صيام شهر رمضان. فما كتب الله علينا صيام رمضان إلا لأن نحقق من خلاله التقوى، ونتحلى بها، فالصوم الشرعي هو الذي يُورِث الصائم التقوى؛لِما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى، وتهوينه للذات الدنيا ورياستها؛ حيث يقضي على الغريزة الحيوانية ودواعيها لدى الصائم، فتقل عنده دوافع الإقدام على الذنوب والمعاصي، فيصير ممتثلًا للأوامر، مجتنبًا للنواهي، مستحضرًا مراقبته جل وعلا له في سره وعلانيته. وأهونُ الصيام صومُ العبد عن المُفطرات، كما يقول سلفنا رحمهم الله تعالى؛ لأن الناس في صيامهم درجات متفاوتة كما فصَّله أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء؛ حين قال: "والصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص؛ فصوم العموم إمساك عن الأكل والشراب والشهوة، ولكن صاحبه لا يمتنع عن المحرمات والمنهيات، بمعنى أنه يأتي المحرمات، ولا يكُفُّ عنها، فيكذب ويغتاب، ويرتشي، إلى غير ذلك. وصوم الخصوص؛ وهو كفُّ السمع والبصر، واللسان واليد، وسائر الجوارح عن الآثام والمحرَّمات، فيصونها عن كل ما نهى الله عنه. وصوم خصوص الخصوص؛ فصوم القلب عن الهِمَمِ الدنِيَّة والأفكار الدنيوية، وكفُّه عما سوى الله بالكلية، بحيث لا يتفكرون حال صيامهم بشيء سواه سبحانه وتعالى". وبِناءً عليه، فليس الغايةَ من الصيام الامتناعُ عن الأكل والشرب والجماع، وإنما أن يتخذ المسلم منه وقايةً تحول بينه وبين الميولات الخبيثة، والمنكرات القبيحة، فيقيه في نفسه من أن يكون حيوانيًّا لا يهمه من أمره في هذه الحياة، إلا الأكل والشرب والنكاح، ويقي المجتمع ككل بأن يُهيِّئ الفرد الصالح على الخير، فيكون إنسانًا مع إنسانٍ، لا حيوانًا ضاريًا مع إنسان يردعه عن الشرور والفواحش، وهذا الذي أكَّده النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يَدَعْ قولَ الزُّور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة أن يَدَعَ طعامه وشرابه))؛ حيث بيَّن صلى الله عليه وسلم أن من لم يَدَعْ قولَ الباطل والكذب، والتلفُّظ بما لا يعنيه، والعمل المحرَّم بشتى صوره وألوانه، ويَدَع التعدي على حرمات الله، وحرمات المسلمين؛ فليس لله حاجةٌ في مثل هذا الصيام، لأن فعلَه هذا ينافي حكم الصوم، ومقاصده العظمى، التي هي تحقيق التقوى، فإذا لم يُثمِر هذا العمل تقوى الله تعالى في نفس الصائم، وفي معاملاته، فإن الله سبحانه وتعالى غير محتاج لأن يعذِّب العبد نفسه بالجوع والعطش، وليس معنى هذا أن يؤمَر بترك الصوم فلا يصوم، وإنما المعنى: التحذير من قول الزور وما ذُكر معه، فمن صام رمضان، ولم يحترز عن الباطل بكل أنواعه وأشكاله، وقِسْ عليه كل المنهيَّات والمحرَّمات؛ فإن صومه - وإن قال الفقهاء بصحته لاستفائه شروطَ الصحة - عند الله غير مُثاب عليه ولا مقبول؛ كما قال ابن العربي: "ومقتضى هذا الحديث أن مَن فعل ما ذُكر لا يُثاب على صيامه". فليس الصيام هو الامتناع عن الأكل والشرب وغير ذلك، وإنما هو كما في حديث ابن خزيمة وغيره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحدٌ، أو جهِل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم)). فالصيام الحقيقيُّ الذي أراده الله سبحانه وتعالى هو الصيام عن الأكل والشرب، وعن الفحش من الكلام والفِعال وجميع القبائح، وأرشدنا صلى الله عليه وسلم أن الصائم إذا اعترضه أحد بالسب أو الشتم، ووجَّه إليه ما لا يرضى من القول والفعل، فليقل بلسانه وقلبه؛ زجرًا لنفسه عن التعرض بما يُعطِّل أجر صومه: إني صائم، إني صائم. وهذا ما كان من وصايا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ورد عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: "إذا صُمْتَ فلْيَصُمْ سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودَعْ أذى الجار، وليكن عليك سَكينة ووقارٌ يومَ صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواءً".
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |