الحمد لله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4957 - عددالزوار : 2061497 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4533 - عددالزوار : 1330094 )           »          ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-08-2024, 06:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي الحمد لله

الحمد لله (1)

فضل الحمد ومكانته

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُبْدِئِ الْمُعِيدِ، الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ، ذِي الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِقَابِ الشَّدِيدِ، مَنْ هَدَاهُ فَهُوَ السَّعِيدُ السَّدِيدُ، وَمَنْ أَضَلَّهُ فَهُوَ الطَّرِيدُ الْبَعِيدُ، نَحْمَدُهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ وَالتَّحْمِيدِ، وَنَشْكُرُهُ وَالشُّكْرُ لَدَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمَزِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يَعْلَمُ مَا ظَهَرَ وَمَا بَطَنَ، وَمَا خَفِيَ وَمَا اعْتَلَنَ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنْ حَمْدِهِ وَشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ ذَلِكَ مِنْ عِبَادِهِ، وَيَجْعَلُهُ قُرْبَةً تُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تَوْحِيدِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحْمَدُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 36]، وَيُحْمَدُ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غَافِرٍ: 65]، وَيُحْمَدُ عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ...» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ كُرِّرَ فِي الْقُرْآنِ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا؛ أَمْرًا بِهِ، وَدَعْوَةً إِلَيْهِ، وَذِكْرًا لِصِيغَتِهِ، وَفِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَمِيدِ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، مَقْرُونًا مَعَ جُمْلَةٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى، وَالْحَمِيدُ هُوَ الْمَحْمُودُ، وَالْحَمْدُ: «إِخْبَارٌ عَنْ مَحَاسِنِ الْمَحْمُودِ، مَعَ حُبِّهِ وَإِجْلَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ».

«فَالْحَمْدُ يَتَضَمَّنُ مَدْحَ الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، مَعَ مَحَبَّتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ، وَالْخُضُوعِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ حَامِدًا مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ الْمَحْمُودِ، وَلَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ مَحَبَّتِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ، وَكُلَّمَا كَانَتْ صِفَاتُ كَمَالِ الْمَحْمُودِ أَكْثَرَ كَانَ حَمْدُهُ أَكْمَلَ، وَكُلَّمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ نَقَصَ مِنْ حَمْدِهِ بِحَسْبِهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ الْحَمْدُ كُلُّهُ لِلَّهِ حَمَدًا لَا يُحْصِيهِ سِوَاهُ؛ لِكَمَالِ صِفَاتِهِ وَكَثْرَتِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا لَا يُحْصِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ؛ لِمَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا سِوَاهُ».

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكَانَةِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ افْتُتِحَ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، الَّتِي افْتُتِحَتْ بِالْحَمْدِ أَيْضًا بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 1-2]، وَأَوَّلُ مَا يَحْفَظُهُ الْمُسْلِمُ مِنَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي بِهَا، فَقِرَاءَتُهَا رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُصَلِّيهَا؛ وَلِذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ الْحَمْدِ صَلَاةً؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكَانَةِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُفْتَتَحٌ بِالْحَمْدِ؛ فَالرُّبْعُ الْأَوَّلُ مِنْهُ افْتُتِحَ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، وَالرُّبْعُ الثَّانِي افْتُتِحَ بِسُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَأَوَّلُهَا حَمْدٌ، وَالرُّبْعُ الثَّالِثُ افْتُتِحَ بِسُورَةِ الْكَهْفِ، وَأَوَّلُهَا حَمْدٌ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الْكَهْفِ: 1]، وَرُبْعُ الْقُرْآنِ الرَّابِعُ افْتُتِحَ بِسُورَةِ فَاطِرٍ، وَأَوَّلُهَا حَمْدٌ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فَاطِرٍ: 1]، وَبِالْحَمْدِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بِدَايَةِ الْخَلْقِ وَنِهَايَتِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي بِدَايَتِهِ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 1]، وَقَالَ تَعَالَى فِي نِهَايَتِهِ: ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزُّمَرِ: 75].

وَالْحَمْدُ أَوَّلُ مَا نَطَقَ بِهِ الْبَشَرُ؛ فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ مَا خُلِقَ، وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ؛ كَانَ الْحَمْدُ لِلَّهِ هُوَ أَوَّلُ جُمْلَةٍ نَطَقَهَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا آدَمُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ.

«وَالْحَمْدُ أَوْسَعُ الصِّفَاتِ، وَأَعَمُّ الْمَدَائِحِ، وَالطُّرُقُ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ، وَالسَّبِيلُ إِلَى اعْتِبَارِهِ فِي ذَرَّاتِ الْعَالَمِ وَجُزْئِيَّاتِهِ، وَتَفَاصِيلُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَاسِعَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمْدٌ، وَصِفَاتُهُ حَمْدٌ، وَأَفْعَالُهُ حَمْدٌ، وَأَحْكَامُهُ حَمْدٌ، وَعَدْلُهُ حَمْدٌ، وَانْتِقَامُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ حَمْدٌ، وَفَضْلُهُ فِي إِحْسَانِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِ حَمْدٌ، وَالْخَلْقُ وَالْأَمْرُ إِنَّمَا قَامَ بِحَمْدِهِ، وَوُجِدَ بِحَمْدِهِ، وَظَهَرَ بِحَمْدِهِ، وَكَانَ الْغَايَةُ هِيَ حَمْدَهُ؛ فَحَمْدُهُ سَبَبُ ذَلِكَ وَغَايَتُهُ، وَمَظْهَرُهُ وَحَامِلُهُ، فَحَمْدُهُ رَوْحُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيَامُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَمْدِهِ».

وَاللَّامُ فِي الْحَمْدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيِ: اسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْحَمْدِ وَصُنُوفِهِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي دُعَاءٍ لَهُ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلِهَذَا كَانَ الرَّبُّ مَحْمُودًا حَمْدًا مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ مَا فَعَلَهُ، وَحَمْدًا خَاصًّا عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَى الْحَامِدِ، فَهَذَا حَمْدُ الشُّكْرِ، وَالْأَوَّلُ حَمْدُهُ عَلَى كُلِّ مَا فَعَلَهُ». «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِكَ الْمُسْتَغَاثُ، وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ».

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاحْمَدُوهُ إِذْ هَدَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ؛ ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 198].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ عَظِيمِ شَأْنِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَعْدُودٌ فِي أَفْضَلِ الدُّعَاءِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ ثَنَاءً وَيَكُونُ سُؤَالًا، وَالْحَامِدُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ يَصِحُّ أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِالْحَمْدِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَسْأَلَهُ بِالْحَمْدِ؛ لِاسْتِجْلَابِ الْمَزِيدِ مِنَ النِّعَمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 7]، وَالشُّكْرُ مِنَ الْحَمْدِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَمِنْ عَظِيمِ شَأْنِ الْحَمْدِ: أَنَّهُ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَأَوْصَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تِلْمِيذَهُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ: «إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ لِيَنْفَعَكَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ، اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْحَمَّادُونَ هُمْ: «الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الْحَمْدَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ حَالٍ؛ فَإِنَّ فِيهِ -مَعَ فَضِيلَةِ الْحَمْدِ- الرِّضَا عَنْهُ تَعَالَى فِي كُلِّ حَالٍ».

وَالْمُؤْمِنُ لَنْ يَتْرُكَ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ لَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُحَافِظًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْأَذْكَارِ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي كَثْرَةِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِتْيَانِ بِالْأَوْرَادِ الْمَأْثُورَةِ الْمُؤَقَّتَةِ الَّتِي فِيهَا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى، مَعَ كَثْرَةِ الْحَمْدِ الْمُطْلَقِ؛ لِيَعْتَادَ لِسَانُهُ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ آنٍ وَحَالٍ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-01-2025, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحمد لله

الحمد لله (2)

الأمر بحمد الله تعالى

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْحَمْدِ كُلِّهِ، مُدَبِّرِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، عَالِمِ الْغَيْبِ كُلِّهِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الْمَحْمُودُ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، الْمَعْبُودُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَتْقَى الْعِبَادِ وَأَخْشَاهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ حَمْدًا وَشُكْرًا، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ حُبًّا وَقُرْبًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا حَمْدَهُ وَشُكْرَهُ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَوَجَدَكُمْ مِنَ الْعَدَمِ، وَأَفَاضَ عَلَيْكُمُ النِّعَمَ، وَدَفَعَ عَنْكُمُ النِّقَمَ، فَهُوَ رَبُّكُمْ وَمَوْلَاكُمْ، وَلَا غِنَى لَكُمْ عَنْهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِكُمْ؛ ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 102].

أَيُّهَا النَّاسُ: الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَالْعِبَادُ مَهْمَا حَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَلَنْ يَبْلُغُوا حَمْدَهُ حَقَّ الْحَمْدِ، وَيَفْتَحُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَحَامِدِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا لَمْ يُفْتَحْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا يُفْتَحُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَشَرَ بِكُلِّ مَحَامِدِهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ مَعَهُمْ، وَمُؤْمِنُو الْجِنِّ؛ لَمْ يَبْلُغُوا تِلْكَ الْمَحَامِدَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَبْلُغُوا الْحَمْدَ كُلَّهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي» رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ بَعْدِي». وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِحَمْدِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، فَخَاطَبَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 111]، وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحْمَدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: عَدَمُ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ وَالْوَلِيِّ مِنْ ذُلٍّ؛ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكَمَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ كَانَ بِهَذَا الْكَمَالِ كَانَ مُسْتَحِقًّا الْحَمْدَ كُلَّهُ، وَفِي الْآيَةِ حَمْدٌ وَشُكْرٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اتَّخَذَ وَلَدًا لَحَابَاهُ دُونَ خَلْقِهِ كَمَا يُحَابِي مُلُوكُ الدُّنْيَا أَوْلَادَهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا عُلِمَ أَنَّ مُعَامَلَتَهُ لِعِبَادِهِ عَدْلٌ وَرَحْمَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الظُّلْمِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ لَاحْتَارَ النَّاسُ مَنْ يَعْبُدُونَ وَمَنْ يُطِيعُونَ، فَلَمَّا كَانَ أَحَدًا لَا شَرِيكَ لَهُ تَوَجَّهَتِ الْقُلُوبُ لَهُ وَحْدَهُ، وَهَذَا يَسْتَوْجِبُ حَمْدَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ لَكَانَ ضَعِيفًا فَكَيْفَ يُعِزُّ غَيْرَهُ، وَكَيْفَ يَلْجَأُ النَّاسُ إِلَيْهِ لِطَلَبِ الْعِزَّةِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ عَزِيزًا مُعِزًّا وَلَا تُطْلَبُ الْعِزَّةُ إِلَّا مِنْهُ، وَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَمَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَنْ يَقِفَ عِنْدَهَا لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فِيهَا أَمْرًا بِالْحَمْدِ.

وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ بِحَمْدِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النَّمْلِ: 59]، وَهُوَ أَمْرٌ لِأُمَّتِهِ أَنْ يَحْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْآيَةُ جَاءَتْ بَعْدَ قَصَصِ سُلَيْمَانَ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَكَيْفَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَظْهَرَهُمْ وَأَعَزَّهُمْ وَنَصَرَهُمْ، وَقَطَعَ دَابِرَ أَعْدَائِهِمْ، فَأُمِرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَحَقُّقِ وَعْدِهِ سُبْحَانَهُ بِنَجَاةِ الْمُرْسَلِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَهَلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ.

وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ بِحَمْدِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [النَّمْلِ: 93]؛ فَهُوَ أَمْرٌ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْآيَاتِ الَّتِي يُرِيهَا عِبَادَهُ لِيَعْرِفُوهُ وَيَعْبُدُوهُ وَيُوَحِّدُوهُ، وَلَوْلَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَاهُمْ آيَاتِهِ الدَّالَّةَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ لَمَا عَرَفُوهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ، وَعَدْلِهِ فِيهِمْ؛ فَهُوَ لَمْ يُعَذِّبِ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَّا بَعْدَمَا أَرَاهُمْ آيَاتِهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِمْ حُجَجَهُ، وَقَطَعَ عُذْرَهُمْ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَرَّفَنَا بِهِ، وَهَدَانَا إِلَيْهِ، وَحَبَّبَنَا فِيهِ.

وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا عِبَادَهُ لِيُؤْمِنُوا بِهِ، وَيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا: آيَةُ الْخَلْقِ الدَّالَّةُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، الْمُسْتَلْزِمَةُ لِأُلُوهِيَّتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهِيَ آيَةٌ تَسْتَوْجِبُ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [لُقْمَانَ: 25]، وَالْمُؤْمِنُ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، كَمَا يَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الِاهْتِدَاءِ بِهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ.

وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا عِبَادَهُ لِيُؤْمِنُوا بِهِ، وَيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا: آيَةُ إِنْزَالِ الْغَيْثِ، وَإِنْبَاتِ الزَّرْعِ، وَإِحْيَاءِ الْأَرْضِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 63].

وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نَجَاتِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ مِنَ الْغَرَقِ الَّذِي عَمَّ الْأَرْضَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 28]؛ فَمَنْ نُجِّيَ مِنْ بَلَاءٍ نَزَلَ بِقَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ مَنْ نُجِّيَ مِنْ ظَالِمٍ يَقْصِدُهُ بِالْأَذَى يَجِبُ عَلَيْهِ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَجَّاهُ مِنْ ذَلِكَ.

وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ يَتَأَكَّدُ فِيهَا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ بِحَمْدِهِ فِيهَا، وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْمَدُ عَلَى الدَّوَامِ، وَفِي كُلِّ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ نِعَمَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْعِبَادِ فِي لَحْظَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ، وَيَكْفِي مِنْهَا نِعْمَةُ النَّفَسِ الَّذِي لَوِ انْقَطَعَ عَنِ الْعَبْدِ لَحَظَاتٍ لَهَلَكَ، وَنِعْمَةُ عَمَلِ قَلْبِهِ الَّذِي لَوْ تَوَقَّفَ لَمَاتَ الْعَبْدُ، وَنِعْمَةُ تَلَبُّسِهِ بِالْإِيمَانِ وَالِانْقِيَادِ، وَنِعْمَةُ حِفْظِهِ مِنَ الشُّرُورِ وَالْآفَاتِ، وَغَيْرُهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى؛ فَوَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ اللَّهَجُ بِحَمْدِهِ سُبْحَانَهُ.

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ فَأَلْهِمْنَا الْحَمْدَ، وَوُفِّقْنَا لِلْمَزِيدِ مِنْهُ، وَتَقَبَّلْهُ مِنَّا.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاحْمَدْهُ حَقَّ حَمْدِهِ؛ ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 36-37].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمَا أَنَّ فِي الْقُرْآنِ حَمْدًا لِلَّهِ تَعَالَى كَثِيرًا، وَأَمْرًا بِأَنْ يَحْمَدَهُ الْعِبَادُ؛ لِأَنَّ حَمْدَهُ مِنْ عِبَادَتِهِ، بَلْ كُلُّ الْعِبَادَةِ حَمْدٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فَإِنَّ فِي السُّنَّةِ أَيْضًا حَمْدًا كَثِيرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَمْرًا بِحَمْدِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ؟ قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَطَلَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَوْجُهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَهَبَهُمَا خَادِمًا مِنَ السَّبْيِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَدَثَتْ لَهُ نِعْمَةٌ؛ كَمَنْ رَأَى رُؤْيَا تَسُرُّهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَلْهَجَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ حِينٍ، حَمْدًا مُطْلَقًا؛ عُبُودِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِحَمْدِهِ، وَيَحْمَدَهُ حَمْدَ شُكْرٍ عَلَى نِعَمِهِ مَعَ اسْتِحْضَارِهِ لَهَا، وَيَحْمَدَهُ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ تَحْصُلُ لَهُ؛ لِيَسْتَغْرِقَ أَغْلَبَ وَقْتِهِ فِي حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَعَوَّدَ لِسَانُهُ عَلَى الْحَمْدِ، مَعَ مُوَاطَأَةِ قَلْبِهِ عَلَيْهِ؛ فَيَجِدَ عُقْبَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا مَزِيدًا مِنَ النِّعَمِ وَالْخَيْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ أُجُورًا عَظِيمَةً مُدَّخَرَةً لَهُ بِسَبَبِ الْحَمْدِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.01 كيلو بايت... تم توفير 2.09 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]