|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من أسباب الخذلان إبراهيم بن محمد الحقيل (1) تعلق القلوب بغير الله تعالى إن الأمة المسلمة في هذا الزمن ما تسلط عليها أعداؤها، إلا لأن الخذلان قد أحاط بالمسلمين، وأصيبوا بوهن قلوبهم، وانحطاط عزائمهم، وضعف هممهم، وسبب ذلك تعلق قلوبهم بغير الله تعالى.
أيها الناس: من طبيعة البشر أن قلوبهم تتعلق بأهل العز والقوة، والقهر والغلبة، والمال والجاه، وتنجذب النفوس نحوهم، ويركن الناس إليهم، ويذلون لهم، ويخضعون لقوتهم وغلبتهم؛ لأنهم يبتغون منهم نفعا، أو يخافون منهم ضرا، وهذا التعلق بهم يبقيهم في دركات الذل والمهانة، وأسر الانبهار والتبعية، واستلاب العزة الكرامة، ونزع القوة والمهابة، فتؤكل حقوقهم، وتسلب إرادتهم، ويستباح حماهم، ويبلغ بهم الذل والهوان إلى حدِّ أنهم يقدسون من يفعلون ذلك بهم، كما يقع ذلك في عصرنا، ويقع في كل زمان ومكان. ولذا نجد أن دين الله تعالى يربي المؤمنين على تعلق قلوبهم بالله تعالى، وتوكلهم عليه دون سواه، وتجريد العبودية له لا لغيره، ويغرس فيهم معاني العزة والأنفة والقوة، ويعدهم التوفيق والظفر إن هم أعزوا أنفسهم أمام غيرهم، ويحذرهم الفشل والخذلان إن هم ذلوا لغيره سبحانه. إن العزة والقدرة والقهر والقوة هي من صفات الله تعالى التي يُقِّرُ بها أهل الإيمان، وتمر بهم كثيرا في كتاب الله تعالى؛ فربنا جل جلاله على كل شيء قدير، وهو بكل شيء محيط، وهو العليم الحكيم، وهو القوي العزيز؛ لم تقف قوة أمام قَدَره، ولم تصمد أمةٌ أمام عذابه، قال قوم عاد {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصِّلت: 15] فأهلكهم {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقَّة: 6] {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] فأخذه الله تعالى وجنده فأغرقهم أجمعين. وقال قارون {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] فخسف الله تعالى به وبداره الأرض، وأغرق سبحانه قوم نوح عليه السلام، وأخذ ثمود بالصيحة، وقوم شعيب عليه السلام بعذاب يوم الظلة، وقَلَبَ على قوم لوط عليه السلام ديارهم، وأتبعهم بحجارة من سجيل، ونجَّى يوسف عليه السلام من الهلاك في الجب، ومن بلاء السجن، ورفع مكانه، وأعز مقامه، فجعله على خزائن الأرض، يأمر وينهى، ويقسم للناس أرزاقهم، ويعطيهم أقواتهم. كان ربنا سبحانه ولا يزال يعز ويذل، ويرفع ويضع، ويغني ويفقر، ولا يُسأل عما يفعل {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]. وإذا كانت مقادير كل شيء بيده سبحانه، ومصير العباد إليه، وآجالهم وأرزاقهم عنده، بل سعادتهم وشقاؤهم في الدنيا والآخرة لا يملكها أحد سواه عز وجل وجب أن تتعلق القلوب به وحده، وأن لا تذل إلا له، ولا تعتز إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تركن إلا إليه {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]. فالنفع والضر بيده سبحانه، ولا يملكهما غيره، ولا يقعان إلا بقدره {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17] وفي آية أخرى {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} [الفتح: 11]. والعزة له سبحانه وتعالى كما في القرآن {إِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا} [يونس: 65]وفي السنة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الذي لَا إِلَهَ إلا أنت الذي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» (رواه الشيخان)، وتُبتغى العزة منه سبحانه، ولا يقدر عليها غيره {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصَّفات: 180]. لا يملكها الكفار لأتباعهم وحلفائهم مهما كانت قوتهم، وكَثُر جمعهم، وبلغت حضارتهم {مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]. ولا يبتغي العزة من الكفار إلا المنافقون كما قال تعالى فيهم {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا} [النساء: 139]. ولما قال رأس المنافقين {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} قال الله تعالى {وَلله العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]. والقوة والغلبة لله تعالى يمنحها من يشاء ولو كانوا قلة مستضعفين، أذلة مستضامين {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله} [البقرة: 249] وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي: «الله أَكْبَرُ ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» ونَصَرَ الله تعالى أهل بدر وهم الأقل والأضعف، وكان عدوهم أكثر وأقوى {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]. وإذا شاء الله سبحانه سلب القوة من الأقوياء فنكأ فيهم الضعفاء، وقد وقع ذلك كثيرا، ولا يزال يقع إلى يومنا هذا {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ} [الذاريات: 58] {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]. والذين لجئوا إلى غير الله تعالى يبتغون القوة والغلبة منهم ما نفعوهم من الله تعالى شيئا {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لله جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ} [البقرة: 165]. وتَعَلُقُ القلب بالله وحده، واللجوءُ إليه سبحانه هو سبيل الرسل الكرام عليهم السلام، وبه نُصروا على أعدائهم، وأظهرهم الله تعالى في الأرض، وكتب لهم العزة والغلبة، وجعل العاقبة لهم، ولما ابتُلي موسى عليه السلام بأقوى سلطة، وأعتى طاغية، وخشي المؤمنون من أتباعه الهلكة كان موسى عليه السلام قد علق قلبه بالله تعالى في تلك الساعة الحرجة {فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61-62] فنجاه الله تعالى والمؤمنين معه، وأهلك فرعون وجنده. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لما اجتمع عليهم كَلَب الكافرين، وتخذيل المنافقين، وكيد اليهود قابلوا ذلك بالتوكل على الله تعالى، وعدم التنازل عن شيء من دينهم، وعلقوا قلوبهم بربهم عز وجل، فكفاهم الله تعالى شر أعدائهم، وكتب العز والغلبة لهم، وقد جاء ذكر ذلك في قرآن يتلى إلى يوم القيامة {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174]. نسأل الله تعالى أن يمن علينا بما من به عليهم من صدق الإيمان به، والتوكل عليه، واللجوء إليه، وإسلام القلب له وحده لا شريك له، ونعوذ بالله تعالى من الخذلان، ولا عز ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]. أيها المسلمون: الموفق من وفقه الله تعالى، والمخذول من خذله الله تعالى، ومن تعلق قلبه بغير الله تعالى وكله الله تعالى إليه فخاب وخسر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إليه» (رواه أحمد). وقد أجمع أهل العلم واليقين على أن التوفيق بأن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، ولا إلى أحد غيره سبحانه، وأن الخذلان أنيكلك الله تعالى إلى نفسك، أو إلى أحد سواه عز وجل. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن من مفسدات القلب: تعلقه بغير الله تبارك وتعالى، ثم قال: ((وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله تعالى حصل، ولا إلى ما أمَّله ممن تعلق به وصل)). إن مصيبة المتعلقين بغير الله تعالى أنهم يتعلقون بفانٍ زائل، وينتصرون بمهزوم، ويستقوون بضعيف، ويعتزون بذليل، ويرجون من لا يُرجى، ويسألون من لا ينفع، ويخافون من لا يضر، وينسون القوي العزيز الذي بيده ملكوت كل شيء. ولما تصاف المسلمون والتتر للقتال جعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يشجع السلطان ويثبته، ويبث الحمية والغيرة في قلوب الجند، فلما رأى السلطان كثرة التتار، قال: ((يا لخالد بن الوليد!)) فقال له ابن تيمية: ((لا تقل هذا، بل قل: يا الله! واستغث بالله ربك، ووحِّده وحدَه تُنصر، وقل: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين!)) وما زال يُطل تارة على الخليفة المستكفي بالله، وتارة على الملك الناصر بن قلاوون، ويهدئهما، ويربط جأشهما، ويزيل خوفهما، ويعلقهما بالله تعالى حتى جاء نصر الله والفتح. إن الأمة المسلمة في هذا الزمن ما تسلط عليها أعداؤها، فاستباحوا حماها، وكسروا هيبتها، واحتلوا أراضيها، وطمعوا في ثرواتها، وصادروا حقوقها في العيش الكريم إلا لأن الخذلان قد أحاط بالمسلمين، وأصيبوا بوهن قلوبهم، وانحطاط عزائمهم، وضعف هممهم، وسبب ذلك تعلق قلوبهم بغير الله تعالى. وفي قضايا الأمة الكبرى، وقراراتها المصيرية يستبقون إلى أعدائهم زرافات ووحدانا، وسرا وجهرا؛ للحفاظ على مصالح خاصة ولو سحقت الأمة كلها في سبيل ذلك. لقد امتلأت القلوب بالتعلق بالأعداء، ورُميت كرامة الأمة تحت أقدامهم، واعتقد كثير من المخذولين أن عز الأمة يأتيها من خارجها، وعلى أيدي أعدائها، وأن ما يحصل من تغيرات رئاسية أو حزبية عند الآخرين هو الحل والمنتهى، وهو المخرج للأمة مما هي فيه. إنه ليس سوى التعلق بغير الله تعالى الذي كان سببا في خذلان الأمة وضياعها، ولن يزول هذا الخذلان إلا بإعادة القلوب إلى التعلق بالله تعالى وحده دون سواه. إن الله تعالى قد علَّق تغيير حالنا من الضعف إلى القوة، ومن الذل إلى العز، ومن الهزيمة إلى النصر، علَّق ذلك بتغييرنا نحن لأنفسنا لا بتغيير الآخرين لما عندهم، {إِنَّ الله لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] وكل تغيير لا يطال قلوبنا، ولا ينبع من نفوسنا فلن يجدي شيئا، بل سيكون تعلقا ببيت العنكبوت {وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41]. وصلوا وسلموا على نبيكم...
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() من أسباب الخذلان إبراهيم بن محمد الحقيل (2) الركون إلى الظالمين الحمد لله العزيز الحكيم؛ رفع أهل الإيمان والتقوى فهم أعزَّة، ووضع أهل الكفر والمعصية فهم أذلَّة، نحمده حمدًا كثيرًا، ونشكره شكرًا مزيدًا، فهو مبتدئ النِّعم ومتمِّمها، وهو دافع الضرَّاء وكاشفها: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كتب العزَّ والنَّصر للرُّسل وأتباعهم، فلا يُردُّ أمره، ولا يغلب جُنْدُه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ} [الصَّفات: 171-173]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ توكَّل على الله تعالى فكفاه، ورَكَن إليه فآواه، واعتزَّ به فأعزَّه، واستَنْصَرَه فنَصَرَهُ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ تركوا الدنيا طلبًا للآخرة، ففازوا بالدارَيْن، ونالوا الحُسْنَيَيْن، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه، واعتزُّوا به يُعِزُّكم، واستنصروه ينصركم، وتوكَّلوا عليه يَكْفِكُم، ولا تركنوا لغيره فتخذلوا وتفشلوا {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]. أيها الناس: للظلم وقع شديد على النفس البشرية تحسُّ معه بالهَضْم والضَّعْف، فينحصِر تفكير المظلوم في الانتصار والانتقام من شدَّة ما يجد في قلبه على من ظلمه. والظلم سببٌ لخراب العمران، وزوال الدُّوَل، وفناء الأمم؛ يقول العلامة الماوردي - رحمه الله تعالى -: "إن مما تصلح به حالُ الدنيا: قاعدة العدل الشامل الذي يدعو إلى الأُلفة، ويبعث على الطاعة، وتَعْمُر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النَّسْل، ويأمن به السلطان، وليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجَوْر؛ لأنه ليس يقف على حدٍّ، ولا ينتهي إلى غاية". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خَلاق، ومتى لم تَقُمْ بعدلٍ لم تَقُمْ، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخِرة". والظلم قد يكون شركًا، وهو أعظمه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقد يكون معصيةً دون الشِّرك: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32]؛ أي: ظالمٌ لها بالمعصية، وقد يكون الظلم تعدِّيًا على الناس وبخسًا لحقوقهم. وهلاك الأمم السابقة إنما كان سببه الظلم بأنواعه المذكورة؛ فإن الله تعالى قد حرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرَّمًا بين عباده؛ ولذا نجد كثيرًا في القرآن الكريم تعليلَ هلاك السابقين بظلمهم، ووصف المعذَّبين بالظالمين؛ ففي سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [يونس: 13]، وفي الكهف: {وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف: 59] وفي الأنبياء {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11]. والظَّلَمَة من البشر لهم أعوانٌ يعينونهم على ظلمهم، ويفرضون الاستبداد باسمهم، ويمارسون الظلم على الناس بقوَّتهم، وما من ظالمٍ في الأرض - قديمًا أو حديثًا - إلا وله جندٌ يحتمي خلفهم، وأعوانٌ يضرب الناس بهم، كما كان هامان وجنده لفرعون، ويُسمون في القرآن بالملأ، وهم الرافضون لدعوات الرسل عليهم السلام؛ لأنها دعوات تَحُولُ بينهم وبين ظلم الناس، وتمنعهم من استعبادهم واستنزافهم. وقد تكرَّر في القرآن في قصص المعذَّبين ذِكْر الملأ: {قَالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأعراف: 66]، وفي آية أخرى: {قَالَ المَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [الأعراف: 75]، وفي آية ثالثة: {وَقَالَ المَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ} [المؤمنون: 33]، وفرعون لما ادَّعى الرُّبوبية خاطب الملأ؛ لأنهم ظلمةٌ أعوانُ ظالم، سيوافقونه على دعواه مهما كانت: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، وكفار مكة لما خوطبوا بالتوحيد، وكذَّبوا وصدُّوا عن دين الله تعالى - أخبر الله تعالى عنهم بقوله سبحانه: {وَانْطَلَقَ المَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ} [ص: 6]. إن أهمَّ سببٍ لتفشِّي الظلم في الأرض، وانتفاش الظالمين وقوَّتهم، وبقائهم مدَّةً أطول: هو ركون المظلومين إليهم، واحتماؤهم بهم، وخضوعهم لجورهم؛ فإن ذلك مما يجرِّئ الظَّلَمَة ويجعلهم أكثر نفوذًا واستبدادًا؛ حتى يكون المظلومون أدواتٍ في أيدي الظالمين، يحرِّكونهم لتوسيع نفوذهم، وفرض سُطوتهم، وضرب الناس بهم، ويبلغ العجز والهوان بالمظلومين حدًّا يَسْتَبِقونَ فيه إلى الظَّلَمَة لإرضائهم، والانضواء تحت لوائهم، والتشرُّف بخدمتهم في جَوْرهم؛ ولذلك نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن الرُّكون إلى الظالمين، وتوعَّد على ذلك بثلاث عقوباتٍ؛ هي: النار، وفَقْدُ ولاية الله تعالى، وتخلُّف نصره عز وجل: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]، وحقيقة الركون إلى الشيء: هي الاستناد إليه، والاعتماد عليه، والسُّكون له، والرِّضا به. ومن تأمَّل حال لمسلمين في هذا العصر؛ وجد أنهم قد ركنوا إلى الظَّلَمَة المستكبِرين من أهل الكتاب، ووثقوا بهم أكثر من ثقتهم بربِّهم عزَّ وجلَّ، ومالوا إليهم كل المَيْل، وتسابقوا على إرضائهم ولو بسحق إخوانهم، وهذا من أعظم أسباب الذُّلِّ والخِذلان، وتخلُّف نصر الله تعالى عن المسلمين، وتسلُّط أعدائهم عليهم؛ فإن من عادة الظَّلَمَة المستكبِرين أن يزدادوا عُلُوًّا وجورًا كلما وجدوا من المظلومين استجابةً لذلك. لقد أراد كفار مكة أن يصرفوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن بعض الأوامر والنواهي القرآنية، فحذَّر الله تعالى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - من الافتتان بهم، والتنازل عن شيءٍ من الدين إرضاءً لهم؛ لأن ذلك من الرُّكون إليهم، وتوعَّده بتخلُّف النَّصر مع عذاب الدنيا والآخِرة. والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ من الوقوع في ذلك، ولكن خطاب الله تعالى له بذلك هو خطاب لأمَّته؛ لئلا يتركوا شيئًا من دينهم إرضاءً لأحد؛ فيكون ذلك ركونًا إلى غير الله تعالى، يتخلَّف به نصره عزَّ وجلَّ، ويقع الخِذلان عليهم بسببه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 73-75]. ومَنْ نظر إلى واقع المسلمين في العصور المتأخِّرة؛ يجد أنهم ركنوا إلى الذين ظَلموا شيئًا كثيرًا، وتنازلوا عن كثيرٍ من دينهم لأجلهم، ووافقوهم في ظُلمهم، واحتموا بهم من دون الله تعالى، واستكانوا لهم، ورَجَوْا نفعهم، وخافوا ضُرَّهم، وهذا هو الخِذلان؛ إذ وَكَلَهم الله تعالى إلى مَنْ ركنوا إليهم، فأذلُّوهم وقهروهم، وظلموهم واستباحوهم. بل إن كثيرًا من المسلمين اتخذوا أولياءَ الكافرين وأذنابهم وعيونهم من الزنادقة والمرتدين والمنافقين بطانةً لهم من دون المؤمنين في كثيرٍ من الدِّيار، فما زادوهم إلا خَبالاً وخِذلانًا وتخويفًا بالكافرين، وصَدَقَ الله العظيم حين حذَّر منهم بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]. وكلُّ قضايا المسلمين التي تنازلوا عنها الشيء بعد الشيء شاهدٌ على أنَّ الرُّكون للظالمين نتيجته الخِذلان والانكسار والذُّل والهَوَان، والبلاد التي احتلَّها الظَّلَمَة المستكبِرون دليلٌ على أن بطانة السوء من المرتزِقة والمنافقين تبيع الأمَّة بثمنٍ بَخْسٍ في الأوقات الحرجة. إنَّ الرُّكون للأعداء كان سببًا في خِذلان الأمَّة وهوانها وذُلِّها، وتخلُّف نصر الله تعالى عنها، وهذا الذلُّ قد أنسى المسلمين قدرهم في كونهم من خير أمةٍ أُخرجت للناس، كما أنساهم وظيفتهم التي هي إخراج الناس من العبودية لغير الله تعالى، إلى عبادة لله تعالى وحده لا شريك له؛ ولذلك كان غاية ما يريد أن يصل إليه كثيرٌ من المسلمين هو اللِّحاق بالحضارة المادية الغربية، والاحتذاء بها في خيرها وشرِّها، وحلوها ومرِّها، وما يحمد منها وما يُعاب، والتغييرات المتلاحِقة لدِين الله تعالى، والتَّنازل عن أصوله، ومحاولات مسخ شريعته - دليلٌ على ذلك، لا تخطئه العين. نعوذ بالله تعالى من الخِذلان والذُّلِّ والهوان، ونسأله سبحانه أن يعيد لهذه الأمَّة هيبتها وكرامتها، ويحقِّق لها عُلُوَّها ومجد أيها المسلمون: الشعوب المقهورة المظلومة تكتم غيظها، ولا تُظهر غضبها؛ خوفًا من سُطوة الظَّلَمَة وقهرهم، فيظنُّ الظَّلَمَة أنَّ المظلومين يستمتعون بظلمهم لهم كما يستمتع به الظالمون! وينسون أن في صدور المظلومين من ركام الأحقاد والانتقام ما لو انفجر لدمَّر مَنْ حوله، وفيها من الأنين والآهات ما لو خرج لمزَّق سكون الفضاء وهدوئه. والصهاينة الإنجيليون بغوا وظلموا، فوطئوا أرض بابل؛ لأنها تستحق الدَّمار - فيما يعتقدونه من عقائد، وما يصدرون عنه من نصوص - وأفسدوا فيها بإعانةٍ وتأييدٍ ممَّن ركنوا إلى الظالمين، ثم سلموها للفرس الباطنيين، وجاء كبير الظَّلَمَة الإنجيليين ليودِّع جنده بعد سنواتٍ عجافٍ، سَفكوا فيها الدِّماء، ورمَّلوا النِّساء، ويتَّموا الأطفال، وعذَّبوا السُّجناء، وأهلكوا الحَرْثَ والنَّسْلَ، ودمَّروا مدينةَ السلام، وحاضرةَ العلم والإسلام، بلادَ المنصور والرشيد وأبي حنيفة وابن حنبل، فبرز صحفيٌّ مقهورٌ، لم يستطع كتم غيظه؛ ليرشق الظالم المُتَصَهْيِن بحذائه أمام العالم كلِّه؛ ليصبح هذا الحدث أهم حدثٍ في تلك الأيام، ومن المرجَّح أن يكون أهم حدثٍ في العام كلِّه. إن منظر رجلٍ يرمي آخَرَ بحذاءٍ ليس حَدَثًا كبيرًا، ولكن أهمية الحدث جاءت في كون المرجوم ظالمًا غَشومًا، وكَوْن الرَّاجِم مظلومًا مقهورًا، فجادت قرائح الشعراء بعشرات القصائد في مدح الرَّاجم وهجاء المرجوم؛ بل تعدَّى ذلك إلى مدح الحذاء الذي رُمي به! وكتبت مئات المقالات، واستحوذت تلك الصورة المعبِّرة عن ألم المظلومين على نشرات الأخبار وملحقاتها، وصفحات الجرائد والمجلات، ومواقع الشبكة العنكبوتية، وصُمِّم على الفور ألعاب الكترونية للأطفال مأخوذة من الحَدَث وشخصيَّاته، وحظيَ هذا الحَدَث البسيط الذي لم يتجاوز ثوانٍ معدوداتٍ باهتمامٍ عالميٍّ وشعبيٍّ غير مسبوق، فلماذا كان كذلك؟! الجواب: لأنه تعبيرٌ عن رفض الظُّلم، وإعلان للتمرُّد على الظَّلَمَة. إنَّ الظَّالم يجد لذَّةً في ظلم الناس، فلا يُحس بهم؛ ولذلك عجب المستكبِر المرجوم من فعلِ راجِمِه، وأظهر أنه لا يدري لمَ فعل ذلك!! وإن المظلوم لَيجدُ ألمًا عميقًا في صدره، لا يشفيه إلا الانتصار ممَّن ظلمه، ولو بما لا يؤذي، كحذاءٍ لا يصيبه، ولكنه تعبيرٌ عن ألمه وقهره، وإعلانٌ لتمرُّده ورفضه للظلم، ولو كلَّفه ذلك حياته، وهذا يحتِّم علينا أن نَحْذَرَ الظُّلمَ ونُباعِد عنه، وننتصر للمظلوم بما نستطيع. إن على مَنْ ولاه الله تعالى ولايةً كبيرة كانت أم صغيرة، ولو انحصرت في بيته وأسرته - أن يحذر من الظُّلم؛ فإن انتقام المظلوم سيكون أليمًا، فإن عجز عنه في الدنيا اقتصَّ منه في الآخِرة، وذلك أشدُّ وأنْكى، ولو قدر المظلومون في الأرض على رمي الظَّلَمَة بأحذيتهم لدفنوهم بها من كثرة ظلمهم وبغيهم على الناس، فويلٌ لهم من يومٍ لا ينفع فيه جاهٌ ولا مالٌ ولا بنون. إن تضامن العالم كلِّه مع الرَّاجم المظلوم - عدا المارينز العرب - لَيدلُّ على أن الظُّلم تأباه النفوس السَّوِيَّة، ولا تخضع له تمام الخضوع إلا القلوب المريضة، التي يتشرَّف أصحابها بلطم الأعداء وجوههم، وتمريغ أنوفهم تحت أقدامهم، وهم يقدِّمون لهم الولاء في معابدهم (الليبرالية)، وهؤلاء قد استُعبدت قلوبهم لغير الله تعالى، وسَلَبَ الأعداءُ إرادتَهم، فلا يعيشون إلا على إذلالِ الأعداء لهم. إنَّ العزَّ كلُّ العزِّ، والشَّرفَ كلُّ الشَّرف - أن يكون المرء عبدًا لله تعالى وحده، لا يخضع لسواه، ولا يذلُّ إلا له، ولا يرجو ولا يخاف غيرَه. فليبشر مَنْ كان كذلك بالعزِّ في الدنيا والآخِرة، ولتبشر أمَّة يكون أفرادها كذلك بولاية الله تعالى ونصره وتأييده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغَالِبُونَ} [المائدة: 56]. وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم....
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() من أسباب الخذلان إبراهيم بن محمد الحقيل (3) التفرق والاختلاف التفرق والاختلاف الذي أحسن الأعداء استغلاله، ولعبوا على تناقضاته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأحسن الله عزاء الأمة في مصابها الجلل، وفي دماء المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا نصير لهم من البشر، وأحسن الله تعالى عزاء أمة العرب في خسارتها مرة بعد مرة.
إن الإيمان قد جمع كلمة المسلمين على الحق كما لم تجمعهم رابطة النسب أو التراب أو القبيلة أو اللسان؛ إذ كان العرب في جاهليتهم قبائل متناحرة، وعشائر متقاتلة، قد تنافرت قلوبهم، وتباعدت آراؤهم، وكانوا بسبب ذلك أذلة مستضامين، تابعين للأمتين الرومانية والفارسية. لكن الله تعالى جمع قلوبهم بالإسلام، وألف بينها بالإيمان وتلك نعمة عظيمة امتن الله تعالى بها على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63]، وامتن بها عز وجل على عباده المؤمنين: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103]. وجاءت شرائع الله تعالى في العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك لتكرس وحدة المسلمين، وتؤلف بين قلوبهم، وتجمع شملهم، وتزيل كل ما يكون سببا في الشقاق والاختلاف؛ انطلاقا من قول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92]؛ فنجد في التشريع أن قبلة المسلمين واحدة، وصلاتهم واحدة، يصطفون فيها لرب واحد، ويسوون صفوفهم إعلاما باستقامة قلوب بعضهم على بعض: «والله لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين قُلُوبِكُم»؛ (رواه أبو داود). يصومون جميعا، ويفطرون جميعا، لا يسبق بعضهم وبعضا..أعيادهم واحدة، ومناسكهم في الحج واحدة، وأما الزكاة والصدقة فمن أغنيائهم إلى فقرائهم؛ لتتوثق أخوتهم، ولكيلا يفرق المال بينهم. وفي المعاملات ندبهم الإسلام إلى الصدق والأمانة، والسماحة في البيع والشراء، وإنظار المعسر، ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف؛ لأن ذلك مما يقوي الروابط، ويزيد الأخوة. ونهاهم عن الغش والنجش والربا والاحتكار والمطل وأن يبيع الرجل على بيع أخيه، وأن يخطب على خطبته؛ لأن ذلك مما يوغر الصدور، ويقطع الروابط، ويسبب العداوة والبغضاء. وفي جوانب الأخلاق والسلوك أمرهم بالسلام ورده، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، ونهاهم عما يسبب العداوة والبغضاء والتفرق والاختلاف كالعقوق والقطيعة والأذى، والغيبة والنميمة والهمز واللمز وغيرها من الأخلاق الرديئة. بل جاء في القرآن صراحة ما يدل على حصر الإخوة في الإيمان، مما يدل أنها الرابطة الأعلى، والصلة الأوثق، وأن كل رابطة سواها فهي تحتها وخاضعة لها، وتُحاكم إليها {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وأمرنا ربنا جل جلاله بالاجتماع، ونهانا عن التفرق: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وفي آية أخرى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105]. وجاءت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترسخ هذه الأخوة، وتدعو إلى ما يعززها ويقويها، وتنهى عما يضعفها ويصدعها. قال عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إن اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ»؛ (رواه مسلم)، وفي حديثٍ آخَر: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ من أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَهْلِ الإِيمَانِ كما يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا في الرَّأْسِ»؛ (رواه أحمد). وفي جانب النصرة وعدم الخذلان قال - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ»؛ (رواه الشيخان)، وفي حديث آخر: «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُه»؛ (رواه مسلم)، وفي حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا»؛ (رواه الشيخان). وإذا سُفك دم امرئ مسلم بغير حق فكأنما سفكت دماء المسلمين أجمعين، وإذا نهب ماله، أو هدم عمرانه، أو أصابته مصيبة وجب أن يحس به إخوانه، وأن يقفوا معه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عليهم أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ على من سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ على مُضْعِفِهِمْ ومتسرعهم على قَاعِدِهِمْ»؛ (رواه أبو داود) ؛ وفي حديث آخَر: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ من وَرَائِهِ»؛ (رواه أبو داود). قال العلماء: أي يمنع تلفه وخسرانه. وعلى هذا الأساس المتين من الأخوة والمحبة ذابت مختلف الأعراق والأجناس في بوتقة الإسلام، وتلاشت العنصريات والعصبيات، ولم يبق إلا رابطة الدين، وعصبية الإيمان؛ عزت بها الأمة، واجتمعت تحت رايتها، حتى جاء الاستعمار البغيض على أنقاض دولة بني عثمان ففرق الأمة إلى دول شتى، وأحيى فيها الجاهلية الأولى، فاعتز كل ناس بعرقهم، وفاخروا بلسانهم، واحتقروا غيرهم، فكان في الأمة عرب وبربر وفرس وترك وأكراد وأعراق شتى، ثم فُرق هذا المفرق إلى دول وطنية مجزأة ملتهبة الحدود يشتد الصراع بينها متى ما أراد الأعداء ذلك، ثم فرقت كثير من الدول على أساس عرقي قبلي، أو طائفي ديني؛ يشعل الأعداء نار الفتنة بينهم متى شاءوا؛ وذلك بتقوية الضعيف وإضعاف القوي، وبث العملاء، وترغيب الطامع، وترهيب الممتنع. وفي قضية فلسطين أطول قضية في هذا العصر استطاع الأعداء أن يحولوها من الأولية الإسلامية العالمية - كون الأقصى مهم عند كل مسلم - إلى قضية عربية خالصة لا شأن لغير العرب بها ولو كانوا مسلمين، ثم حولوها إلى شأن إقليمي شرق أوسطي، ثم ضيقوه إلى شأن لا علاقة لغير دول الطوق به، ثم مسخوه إلى شأن وطني داخلي لا دخل لغير أهل الأرض المحتلة به، ثم حاول اليهود وحلفاؤهم وعلى مدى سنوات طويلة زرع الفرقة بين أهل الدائرة الضيقة للقضية؛ ليقسموهم إلى صقور وحمائم، أو إلى مخلصين وعملاء، أو سموهم ما شئتم؛ ليرتمي أحد الفريقين في أحضان الصهاينة ويعينهم على قتل إخوانه، ويستغيث الفريق الآخر ولا مغيث من أمة العرب التي زعمت أن القضية قضيتها، ليهتبل الفرس الباطنيون فرصة العمر، ويمدوا أيديهم إليهم رافعين شعارات الأقصى وحماية المدافعين عنه؛ لتسويق مذهبهم، والدعاية لمنهجهم الذي ينتشر في عوام المسلمين انتشار النار في الهشيم، بينما عقائدهم الباطنية، وكتبهم المنقولة لا تقيم للأقصى وأهله أي وزن، إن هي إلا الشعارات والمكاسب. لقد أضحت القضية الأولى للمسلمين كالكرة بين أرجل الصهاينة والباطنيين، وأصبحت دماء العزل المساكين تُراق على الأرض المحتلة بلا جرم اقترفوه؛ ليجني ثمرة ذلك صهيوني حاقد، أو فارسي طامع، والعرب في حيص بيص، ولا يزيدون في كل كارثة على قول القائل: أوسعوني ضربا فأسمعتهم شتما. إنهم لم يحقنوا دما لإخوانهم يراق، ولا ردوا عنهم عدوان الأعداء، ولا أطعموهم إذ جاعوا، ولا أمنوهم حين خافوا، وهم الخاسر الأول من القضية، ودول الجوار هي التي أحكمت حصارها على المساكين فأهلكتهم؛ لتسنح الفرصة للمتاجرين بالقضية سياسيا ومذهبيا ليلعبوا لعبتهم، ويزيدوا مكاسبهم، وأمة العرب بين فاجر وجاهل وعاجز. وسبب ذلك التفرق والاختلاف الذي أحسن الأعداء استغلاله، ولعبوا على تناقضاته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأحسن الله عزاء الأمة في مصابها الجلل، وفي دماء المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا نصير لهم من البشر، وأحسن الله تعالى عزاء أمة العرب في خسارتها مرة بعد مرة. أيها المسلمون: التفرق والاختلاف من أكبر الأسباب التي أدت إلى خذلان الأمة وإخفاقها في التعامل مع قضاياها، والحفاظ على حقوقها؛ فمفهوم الأمة الواحدة الذي نعتنا الله تعالى به في قوله سبحانه: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، وأمرنا بتحقيقه في كثير من النصوص يكاد ينعدم على المستوى السياسي الرسمي، وهو ضعيف جدا على المستوى الشعبي الجماهيري؛ ولذلك يستفرد الأعداء بمن شاءوا من المسلمين فيطئون أرضهم، ويسفكون دماءهم، ويدمرون بلادهم، وينهبون ثرواتهم، ويفعلون بهم الأفاعيل، وتكرر ذلك كثيرا في فلسطين وأفغانستان والعراق والشيشان والبوسنة وكوسوفا والصومال وغيرها من بلاد المسلمين، وبقية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بين متآمر ممالئ وبين متفرج عاجز إلا من رحم الله تعالى وقليل ما هم، وذلك هو الهوان والخذلان العظيم، وسببه التفرق والاختلاف بقول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وقد ذهبت ريح المسلمين بسبب التفرق، وقُذفت المهانة في قلوبهم، وزالت مهابتُهم من قلوب أعدائهم، وأصابهم الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت. إن كل الأمم المعاصرة تدعم أتباعها وتعينهم في البأساء والضراء خلا أهل الحق الذين خُذلوا أعظم الخذلان بسبب تفرقهم واختلافهم حتى في قضاياهم المصيرية. لقد كان النصارى في أوربة قبل سنوات يجمعون التبرعات لصربيا وهي تذبح المسلمين وتنكل بهم تحت شعار: ادفع دولارا أقتل لك به مسلما، وكان المسلمون وقتها لا يزيدون على إغاثة من سيُقتلون ويُبادون. والشعوب النصرانية المؤيدة لليهود في هذه الأيام قد دعت إلى التبرع في بلاد الغرب تحت شعار: ساهم لإنقاذ إسرائيل، وأكبر شركة للتبغ أعلنت أنها تتبرع باثني عشر في المائة من أرباحها لدولة اليهود، وهي تربح من مدخني العالم الإسلامي فقط ما يقارب مئة مليون دولار كل يوم ليذهب اثني عشر مليون منها لليهود، فهلا أقلع المدخنون عن الدخان نصرة لإخوانهم. وفي الوقت الذي يحس فيه أهل الباطل بواجبهم فيدعمون اليهود في حربهم الجائرة تُحكم دول الجوار حصارها على أهل غزة لتقتلهم صبرا، وتمنع عنهم مساعدات الدول الأخرى، ما أعظمه من خذلان! وما أشده من حصار! لا مسوغ له إلا اختلاف السياسات، وتحصيل مصالح خاصة، ولو سفكت فيها دماء الضعفاء، وقتلت قضايا الأمة ومصالحها الكبرى. إن هذا الخذلان العظيم الذي أصاب المسلمين بسبب تفرقهم واختلافهم لا رافع له إلا الله عز وجل، ونصر الله تعالى وتأييده ومدده يستجلب بطاعته، والانتهاء عن معصيته وإلا فإلى مزيد من الذل والهوان والخذلان. لقد شاهد الناس عبر الشاشات جثث إخوانهم وقد مزقتها الطائرات، وتأثروا واسترجعوا وحوقلوا، وبكى منهم من بكى، ولكنَّ تعامل الناس مع ربهم لم يتغير، فرواد المساجد هم رواد المساجد لم يزدادوا، وزبائن الفضائيات المنحرفة ومشاهدوها لم ينقصوا، ولا رأينا أهل المعاصي خجلوا من أنفسهم فأقلعوا عن ذنوبهم، أو امتنعوا عن المجاهرة بها؛ طاعة لله تعالى، ونصرة لإخوانهم. لقد خُذل خير جيش مرَّ على الدنيا بمعصية واحدة يوم أحد حين خالف الرماة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانقلب نصرهم إلى هزيمة مؤلمة، وقتل جملة من خيار هذه الأمة بسبب ذلك، وجاء بيان سبب ذلك في قول الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]. إنه قانون رباني لا يتغير ولا يتبدل {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30]، {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]. ولن يتبدل حال الأمة حتى يتوب أفرادها صغارا وكبارا من معصية الله تعالى، فيتوب أهل السياسة والسيادة من انتهاج المناهج البرجماتية والميكافيلية، ومن الأنانية الفردية إلى تغليب مصالح الأمة على مصالحهم الخاصة، وحتى يتوب أهل المال والاقتصاد من الربا الذي هو حرب على الله ورسوله، ومن جميع المعاملات المحرمة، وحتى يتوب أهل الإعلام من إفسادهم للناس، نشر الفواحش والرذائل، والكذب على الله تعالى، وتزوير شريعته، وحتى يتوب جمهور الناس من ذنوبهم، ويحيوا شعيرة الحسبة على أهل المنكرات؛ فإنهم إن فعلوا ذلك تغير حالهم، وانقلبوا من ذل إلى عز، ومن ضعف إلى قوة، ومن تفرق إلى اجتماع وألفة، فإن دعوا الله تعالى كانوا أجدر بالإجابة: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11].
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() (4) طاعة الكفار والمنافقين إبراهيم بن محمد الحقيل لا شيء أضر على الأفراد والأمم من طاعتهم لأعدائهم، وتعلقهم بهم، وركونهم إليهم، وثقتهم فيهم، وانسياقهم خلفهم، يظنون نصحهم، ويستجدونهم حقوقهم، ويرجون نفعهم، ويخافون ضرهم، ويصبرون على ظلمهم، ويتجرعون الذل منهم، والحقوق لا يهبها الأعداء لأعدائهم، بل تؤخذ منهم قسرًا بلا رضاهم. ولذا كان القرآن واضحًا كل الوضوح في تحذير المؤمنين من الثقة في الكافرين والمنافقين وطاعتهم، ولا أحد أنصح لنا من ربنا جل جلاله، ولا أحد أعلم منه عز وجل بحقيقة أعدائنا ولا بما يصلحنا وينفعنا، وقد بين لنا في كتابه العزيز شدة عداوة الكفار والمنافقين لنا. إن طاعة الكفار والمنافقين لا يجني منها العبد إلا الوبال والخسران في الدنيا والآخرة، وإن تقديم أقوالهم على أقوال الله ورسوله لمن أعظم الضلال والانحراف، وهو من أسباب الخذلان للأفراد والأمم.. كان أبو طالب يحوط النبي - صلى الله عليه وسلم - وينصره، ويدافع عنه ويؤيده، فلما حضرته الوفاة دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كلمة الحق ليحاج له بها عند ربه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «يا عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إلا الله كَلِمَةً أَشْهَدُ لك بها عِنْدَ الله»، فقال أبو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بن أبي أُمَيَّةَ: يا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبد الْمُطَّلِبِ فلم يَزَلْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عليه وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حتى قال أبو طَالِبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهُمْ: هو على مِلَّةِ عبد الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إلا الله (رواه الشيخان). فأوردت طاعةُ الكفار أبا طالب نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا وهو عم أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام. وهرقل عظيم الروم علم صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأيقن بأن ما جاء به هو الحق، وكاد أن يعلن إسلامه، لولا أن قومه ثاروا عليه، فأطاعهم، فكانت طاعته إياهم سبب خسرانه الأبدي في الآخرة، وقد فارق ما أطاعهم لأجهله في الدنيا وهو الملك. وفي مقابل ذلك؛ فإن طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - سبب للهدى والرشاد والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69]، وفي آية أخرى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور: 52]. ومَرِضَ غلامٌ يهوديٌ لو مات على يهوديته لكان من أهل النار خالدًا فيها مخلدًا، فزاره النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فقال له: «أَسْلِمْ»؛ فَنَظَرَ إلى أبيه وهو عِنْدَهُ فقال له: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: «الْحَمْدُ لله الذي أَنْقَذَهُ من النَّارِ»؛ (رواه البخاري). فكانت طاعته للنبي - صلى الله عليه وسلم - سبب فوزه وفلاحه. وكما كانت طاعة الكفار والمنافقين وبالاً على الأفراد؛ فإنها وبال كذلك على الدول والأمم، وما انتُقصت أمة الإسلام نقصًا عظيمًا، وخذلت خذلانًا كبيرًا، واستبيحت كما لم تستبح من قبل، إلا بسبب طاعة ساستها وكبرائها للكفار والمنافقين، فأردوهم في دينهم، ولم يصلحوا لهم دنياهم التي أطاعوهم من أجلها، وقد خاطب الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام، ينهاه عن طاعة الكفار والمنافقين، ويحذره من ذلك أشد التحذير، وأكثر ما جاء النهي عن ذلك في سورة الأحزاب، التي سميت بهذا الاسم لتحزب الأحزاب من قريش وحلفائها ضد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أرجف المنافقون وخذلوا، ونقض اليهود عهدهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيتوا غدره، وكان موقفا يشبهه تكالب أمم أهل الكتاب والنفاق على المسلمين اليوم. لقد كان موقفا يستدعي اللين والتنازل، ويستوجب المناورة والمهادنة، ولا سيما أن الأبصار قد زاغت من الخوف، وبلغت القلوب الحناجر، ولكن مقادير الله سبحانه غير حسابات البشر، ودينه سبحانه هو دينه في السراء وفي الضراء، فتفتتح هذه السورة العظيمة المخبرة عن هذه الغزوة الكبيرة بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طاعة الكفار والمنافقين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بِالله وَكِيلًا} [الأحزاب: 1-3]. ثم يتكرر هذا النهي الجازم وسط السور في قول الله تعالى: {وَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بِالله وَكِيلًا} [الأحزاب: 48]. فلا طاعة للكفار والمنافقين حتى في الأوقات الحرجة، والساعات العسرة، والنوازل العظيمة، والأزمات الكبيرة؛ ذلك أن طاعتهم سبب للخذلان والانتكاس، وهم لن ينصحوا للمؤمنين ولن ينصفوهم، ولن يحفظوا لهم عهدًا، أو يعيدوا لهم حقًّا؛ فالكفار: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ} [التوبة: 10]، والمنافقون: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118]. يا لها من حقائق ربانية قد عمي عنها كثير من المسلمين أو تعاموا عنها، فكانت النتيجة خذلانًا بعد خذلان، وهزيمةً في إثر هزيمة، وإخوانهم يقتلون ولا يملكون حيلة. إنها طاعة الكفار والمنافقين، التي أوردت الأمة موارد الضعف والخذلان، وسقتها كأس الهزيمة والخسران، وجرعتها علقم الذل والهوان، وأقعدتها عن نصرة الإخوان: {فَلَا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 8-9]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله} [الأنعام: 116]، ومن سبيل الله تعالى العزة والغلبة والنصر، فحُجب ذلك بطاعة الكفار والمنافقين. بل حتى لو كانت الأمة في حال ضعف ودعة وهوان؛ فلا يَحِلُ لها طاعة الكفار والمنافقين فيما فيه نقص الدين، وخذلان المسلمين، وإنما الواجب الثبات على الحق، والتواصي بالصبر إلى أن يأتي الله تعالى بالفرج: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]، وفي آية أخرى {فَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، أي: جاهدهم بالقرآن، ومِنْ جِهادهم بالقرآن العمل به وتحكيمه، وموالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين وعدم طاعتهم في التخلي عن الدين، أو في خذلان المسلمين. بل جعل الله تعالى طاعة الكفار والمنافقين واتباع أهوائهم ظلما توعد عليه بالعقوبة: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145]، وفي آية أخرى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرعد: 37]. إن الله سبحانه وتعالى نهى عن اتباع أهواء الكفار والمنافقين؛ لما في أهوائهم من الظلم والفساد والبغي والانحراف، ومن اتبعهم في أهوائهم فهو شريك لهم في بغيهم، معين لهم على ظلمهم، وتلك حيدة عن دين الله تعالى وشريعته: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ} [المائدة: 48] وفي آية أخرى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]، وإن من أعظم الفتنة في هذا العصر عما أنزل الله تعالى صرف المسلمين عن الدعوة إلى دينهم، ونصرة إخوانهم، وتكبيلهم عن جهاد أعدائهم بمعاهدات جائرة، واتفاقيات آثمة، ألزمتهم بها المجالس العالمية الطاغوتية. إن ربنا جل جلاله قد أمرنا باتباع شريعته، ونهانا عن الانسياق خلف الكفار والمنافقين؛ لأنهم لن ينفعونا شيئا، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ} [الجاثية: 18-19]. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ولا تطيعوا أهل الكفار والنفاق فإنهم أهل الانحراف والفساد، لا يُبقون على دين من اتبعهم، ولا يُصلحون له دنياه {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142]. أيها المسلمون: إن حقيقة ما يجري للمسلمين في هذا العصر على أيدي عباد الصليب وعباد العجل لا يخرج عن قول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120]، وقد اتبع كثير من ساسة المسلمين وقادتهم أهواء اليهود والنصارى، ففقدوا ولاية الله تعالى وتأييده ونصره، فلم يسلم لهم دينهم، ولا كسبوا قضاياهم. لقد أطاع الساسة العرب أئمة الكفر من اليهود والنصارى في قضيتهم الأولى - قضية فلسطين - واتبعوا فيها أهواءهم، فآل الأمر إلى ما ترون من الذل والهوان، وذبح الإخوان، ولا أحد ينصرهم، بل أعانوا على خنقهم وقتلهم. لقد استفرد اليهود والنصارى بأكبر دول الطوق في (كامب ديفيد) الأولى فحيدوها عن النزاع، وكبلوها بمعاهدات لم تنفع شعوبهم بل أضرتها وأضرت بفلسطين، وهي السبب الأهم في خنق أهل غزة وقتلهم، ولا أحد يتحرك. ثم كانت اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة وشرم الشيخ التي أطاع العرب فيها أعداءهم، واتبعوا أهواءهم، وهاهم أولاءِ إخوانهم في غزة يُذبحون وهم مكبلون عن نصرتهم ونجدتهم، وعن الوقوف معهم، ورد العدوان عنهم، لا يملكون سوى استجداء الأعداء القتلة وأعوانهم الظلمة في أن يقنعوا الصائل الغاشم في وقف عدوانه أو تخفيفه، ولولا غضبة الشعوب وتأثرها لما حفلوا بالأمر أبدًا. إنها فضيحة وعار وخزي لحق المسلمين في هذا العصر، لا يمحوه الزمان وإن نسيته الذاكرة.. عار يسجله التاريخ بمداد الذل والهوان، حين يُقتل أطفال ونساء ومستضعفون لا حول لهم ولا قوة أمام بصر إخوانهم في الشاشات ولا يستطيعون نصرتهم، في الوقت الذي تُحرك فيه الأشلاء الممزقة قلب داعرة نصرانية تمثل أدوار الإثارة والإغراء في هوليود، فتشن هجومها على دولة اليهود وتحملها مسئولية ما يجري في غزة، وتخسر أكبر المنتجين للأفلام السينمائية؛ لأنه يهودي دعم دولة اليهود في عدوانها على غزة ماديًّا ومعنويًّا. يا لزمنٍ بلغ فيه خذلان المسلمين وهوانهم وغفلتهم مبلغا تتحرك فيه قلوب الداعرات لأطفال غزة بالرحمة والشفقة، وتموت فيه قلوب كثير من المسلمين، فهم يلعبون ويرقصون ويفرحون بالدورات الرياضية، ويحيون الحفلات الغنائية الليلية، في الوقت الذي يقدم فيه إخوانهم قرابين لعقائد اليهود ومشاريعهم على المذابح الصهيونية التوراتية في غزة، فنسأل الله تعالى أن يعفو عنا، وأن لا يكل إخواننا إلينا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. ورغم شدة هذه النازلة وفداحتها، وتعدد أطراف الجريمة فيها؛ فإن الأمل معقود -بعد الله تعالى- على الغزِّيين في صبرهم وثباتهم أمام قصف الأعداء الذين طاشوا وتخبطوا، وصاروا يضربون بلا وعي، وإنما النصر صبر ساعة، وقد بدت بوادر هذا الفشل، وعبر عنه عدد من المفكرين والمحللين اليهود، يقول جدعون ليفي: لقد خرجت إسرائيل إلى حرب فاشلة، كما ارتكبت جريمةَ حربٍ بشعة، تجاوزتْ كل منطق وكل حدود إنسانية، بشكلٍ يُدَلِّلُ على غباء سياسي مستفحل لدى قيادتها. وإننا إن شاء الله تعالى لنرجو أن يحظى إخواننا المرابطون في الأرض المباركة وفي غزة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ من أمتي على الدِّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ إلا ما أَصَابَهُمْ من لأْوَاءَ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ، قالوا: يا رَسُولَ الله، وَأَيْنَ هُمْ؟ قال: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»؛ (رواه أحمد). وصلوا وسلموا...
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() (5) اتخاذ المنافقين بطانة إبراهيم بن محمد الحقيل الحمد لله اللطيف الخبير، كاشف الضراء، ورافع البلاء، نحمده فهو أهل الحمد، ونشكره فهو أحق بالشكر، لا يقضي لعباده قضاء إلا كان خيرًا لهم، فمَن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هداه الله - تعالى - وهدى به، وابتلاه وابتلى به، فأرسله للناس مبشرًا بدينه ورضوانه وجنته، ومحذرًا مما يكون سببًا في غضبه ونقمته؛ ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجَحِيمِ ﴾ [البقرة: 119]، فبشَّر وأنذر، ونصح الأمة وأعذر، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - تعالى - والزموا طاعته، واحذروا معصيته؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [الحشر: 18 - 19]. أيها الناس: في المحن والأزمات يظهر الرجال من أشباههم، وحين يتكالب الأعداء على أهل الإسلام، يَبِين المؤمنون من المنافقين، ويتميز الثابتون على دينهم، من الناكصين على أعقابهم. إن المحن والابتلاءات تفضح الأنانيين، الذين يقدمون ذواتهم على أمتهم، ويضحون بقضاياهم في سبيل مصالحهم، ويمالئون أعداء الأمة على إخوانهم، في صفاقة متناهية، ورقاعة غير مبالية، وعداء سافر، ونفاق ظاهر. إن من أعظم أسباب الخذلان والخسران، والذل والهوان، التي أودت بالأمة المسلمة عبر تاريخها الطويل - ثقةَ كبرائها في المنافقين، واطمئنانَهم إليهم، وإدناءَهم لاستشارتهم، وتقريبَهم وتوليتَهم، واتخاذَهم بطانة من دون المؤمنين، وتسليمَهم قضايا الأمة ومصالحها؛ ليعملوا عملهم في خيانتها وهدمها، وتمكين أعدائها منها. وما خُذلت الأمة في القديم والحديث، حتى ضاع مجدها، وأفل نجمها، واضمحلتْ سيادتها، وامتُهنت كرامتها، وفَقدتْ كثيرًا من أراضيها وثرواتها، إلا على أيدي المنافقين، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويُبدُون النُّصح وهم يخونون، بهم ضاعتْ ممالك الأندلس، وعلى أيديهم سقطت خلافة بني العباس في أيدي التتر، حتى جيء بآخر الخلفاء العباسيين، فألقي تحت أقدام هولاكو وجنده، يرفسونه ويدوسونه حتى مات، وبالمنافقين العُبيديين، سقط بيتُ المقدس في براثن الصليبيين، وبالمنافقين سقطت دولة بني عثمان، ومُزِّقت دولة الإسلام العظيمة إلى دول مجزَّأة، ترزح تحت الاستعمار النصراني، فيما عرف باتفاقية (سايكس - بيكو). بالمنافقين امتطى الأعداء دولَ الإسلام دولة دولة، ومزقوها شر ممزق، وحاولوا تحريف دينها، وأفسدوا مناهجها، وقضوا على أوقافها، وحرَّشوا بينها. بالمنافقين انتُهكت سيادة الأمة واستقلاليتها، وأضحتْ عالة على غيرها، لقد أضعفوها بعد القوة، وأذلوها بعد العزة، وأفقروها بعد الجدة، وأكثر الفقر والعوز في الأرض مرتكز في دول أهل الإسلام، برغم امتلاكهم أكثرَ الثروات. وكل احتلال لأراضي المسلمين في عصرنا هذا - بدءًا من فِلَسْطين، فكشمير، فأفغانستان، فالشيشان، فالصومال، وانتهاء بالعراق - كانت كتائب المنافقين في مقدمة جيوش المستعمرين، تدل على العورات، وتُرَوِّج للاحتلال، وتُخَذِّل في الناس. إن مَن نظر إلى سيرة المنافقين مع هذه الأمة، واستقرأ أفعالهم فيها، علم لماذا جاءت آيات القرآن تحذر المؤمنين من المنافقين، أشدَّ من تحذيرها من المشركين؟ وفي مطلع سورة البقرة آيتان فقط عن الكافرين، وثلاث عشرة آية عن المنافقين، وصفهم الله - تعالى - فيها بأنهم مرضى القلوب، مخادعون، مستهزئون، يدَّعون الإصلاح وهم مفسدون، ولا يعدو حالهم في زمننا هذا الوصف الدقيق الذي أُنزل من عند الله - تبارك وتعالى - قبل أربعة عشر قرنًا وزيادة. وأكثر الآيات القرآنية التي حذَّرتْ من المنافقين، وبيَّنت أوصافهم القبيحة، وذَكرت خياناتِهم المتكررةَ للأمة - جاءت في سياق الحروب والأزمات والغزوات، فهي وقت عمل المنافقين وإرجافهم، وفي أُحد دُعوا للقتال، فقالوا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: 167]، ثم لما ابتلى الله - تعالى - المؤمنين بالقتل، كانت مواساة المنافقين للمؤمنين لا تخرج عن الشماتة والتشفِّي، فقالوا: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: 156]. وفي غزوة الخندق دُعوا للدفاع عن المدينة، فقال فريق منهم: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13]، وقال آخرون: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13]، ففضحهم الله - تعالى - فقال - سبحانه -: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]، وكانوا يقولون: {مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]. وفي سورة براءة فضحهم الله - تعالى - وبيَّن خيانتهم للمؤمنين في غزوة تبوك، وقال في القاعدين منهم: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47]. ولذلك حذَّر الله - تعالى - المؤمنين من المنافقين، أكثرَ مما حذرهم من الكافرين، ونهاهم عن اتخاذهم بطانة، وكان هذا النهي في إثر أول خيانة للمنافقين في غزوة أُحد، بعد أقل من عام واحد على ظهور النفاق في هذه الأمة؛ مما يدل على عظيم خطر المنافقين، وفداحة جرمهم؛ يقول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118 - 120]. فذَكَر الله - تعالى - في هذه الآيات الكريمة عشرة أوصاف لهم، تزجر مَن يعي القرآن ويعمل به أن يتخذَ المنافقين بطانة له، ومن هذه الأوصاف: أنهم جادون في أذية المؤمنين والنيل منهم {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}، حريصون على عنتهم وضررهم {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}، قد فاضت قلوبهم بالحقد والضغينة على المؤمنين، حتى فلتت ببعضه ألسنتهم {قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}، وبلغ من غيظهم أنهم عضوا بسببه أناملهم مما يجدون في قلوبهم {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ}، وهذه البغضاء التي بدت منهم هي أقل مما في قلوبهم السوداء {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}، وهم يقابلون وفاء المؤمنين لهم بالخيانة، ومحبتهم لهم بالبغضاء والكراهية {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}، والكذبُ والمخادعة صفتهم الملازمة لهم؛ إذ عليها بُني نفاقهم {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا}، يحسدون المؤمنين على أي خير أو نصر يتحقق لهم، فينفونه أو يقللون من شأنه {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}، وفي مقابل ذلك يفرحون بأية مصيبة تنزل بالمؤمنين، فيلومونهم ويشمتون بهم، ويتبرؤون منهم {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}، وهم أهل مكر كبير، وكيد عظيم بأهل الإسلام {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]. وكل هذه الأوصاف العشرة، التي ذَكَرَهَا الله - تعالى - عن منافقي غزوة أُحد - ملازمةٌ للمنافقين في كل زمان ومكان؛ ولذلك قال الله - تعالى - محذرًا عبادَه المؤمنين في هذه الآيات العظيمة الكاشفة للمنافقين: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}، فالثقة في المنافقين، والاطمئنان إليهم، واتخاذهم بطانة - ليس من العقل في شيء، كما دلَّ على ذلك القرآن الكريم، فمَن وثق بهم، واتَّخَذَهُم له بطانة، كان مخذولاً مهزومًا؛ إذ إنهم من أهم أسباب الخذلان، وما أُصيبتْ أمةُ الإسلام بشيء كما أصيبتْ بهم، وقد رأينا هذه الأوصاف التي ذكرها الله - تعالى - للمنافقين في منافقي زمننا هذا، وتجلى ذلك أكثر في الأزمات والحروب التي سعرها اليهود والنصارى في العقدين الأخيرين ضد المسلمين، وبدا ذلك واضحًا كلَّ الوضوح قبل أيام، في معركة غزة من بدايتها إلى نهايتها؛ إذ وقفوا مع الصهاينة بأقوالهم، وأقلامهم، وأفعالهم في بداية عدوانهم على المستضعفين، يعتذرون لهم، ويسوغون جرائمهم، ويجلدون ضحاياهم، ولم يزعجهم قتلُ النساء والأطفال، وتمزيقُ الأشلاء، وهدْمُ المساجد والدور، فلما خُذل الصهاينة وانهزموا، ورجعوا مقهورين مذلولين، تحركتْ عواطف صهاينة العرب المنافقين على الأطفال والنساء، فذرفوا دموع التماسيح، وصوروا للناس أنَّ المجاهدين الدافعين للصائل المعتدي هم السبب في قتْل هؤلاء المستضعفين، وكأنهم القتلة، وليس إخوانهم صهاينة أهل الكتاب، فأعادوا علينا ما قال إخوانهم في أُحد: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168]، حسبهم الله بما قالوا، وما كتبوا، وما فعلوا، وأخزاهم بما كسبوا، وأراح المسلمين من شرهم وكيدهم، إنه سميع قريب. أيها المسلمون: مَن تأمَّل كتاب الله - تعالى - في المنافقين وأوصافهم، ونظر إلى أفعالِهم بالمسلمين عبر التاريخ، ثم التفت إلى مواقفهم مع قضايا المسلمين في هذا العصر، عَلِم لِمَ أبدى الله - تعالى - فيهم في القرآن وأعاد، وكرر القول فيهم، وذكر أوصافهم، وأكثر التحذير منهم؟ يقول الله - تعالى - عن موقف المنافقين في غزوة بني النضير: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} [الحشر: 11]. ونرى هذا الموقف عينه من منافقي عصرنا مع صهاينة أهل الكتاب، حتى فاقوهم في الإخلاص لهم، والدفاع عنهم، وتسويغ أفعالهم، فكانوا صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم، وهذا ما عَجِب منه صهاينة أهل الكتاب، حتى إن وزيرة خارجية دولة اليهود أمرتْ بأن تُنشر مقالات صهاينة العرب الموافقة للصهاينة في مذابحهم على الموقع الرسمي لوزارتها، في سابقة لم تُعهد من قبل، وعللت ذلك بقولها: "إن هؤلاء سفراء إسرائيل لدى العالم العربي، وأفضل مَن يوصل وجهة النظر الإسرائيلية إلى الشارع العربي"، وتُرجم مقالٌ لأحد صهاينة العرب إلى العبرية، فقرئ على رئيس وزراء اليهود، فقام اليهودي عن كرسيه مبتهجًا، ورفع يديه منتشيًا، يقترح ترشيح هذا الكاتب العربي لأعلى وسام في إسرائيل، ووصفه بأنه أكثر صهيونية من هرتزل. والمقال كان تأييدًا للصهاينة في سحق أهل غزة، وإبادتهم عن بكرة أبيهم، وكثير من كُتَّاب اليهود يقصرون عن الوصول إلى هذا المستوى الدموي المتوحش، الذي وصل إليه الصهاينة العرب؛ ولذلك كان وتر صهاينة العرب بهزيمة الجيش اليهودي أعظمَ مِن وتر اليهود أنفسهم، ففقدوا بها صوابهم، وأعلنوا للمسلمين عداءهم، وتخبطوا تخبطًا كبيرًا؛ {قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]. لقد كان اليهود - وما يزالون - يقولون: إن حروبهم دينية، دعتْهم إليها التوراةُ، وكان المنافقون - وما يزالون - يقولون: إنها حروب دنيوية، لا علاقة للدين بها؛ خوفًا من إحياء الشعور الديني لدى المسلمين، فيهزمون بحقهم باطل غيرهم. ولما خسر اليهود حربهم الأخيرة، اعترف عدد مِن قادتهم بهزيمتهم، وعدَّها المفكرون منهم هزيمة إستراتيجية، لن ينتصر اليهود بعدها أبدًا، وستجترئ بعدها الشعوبُ المقهورة المغلوبة على دولة الصهاينة، لكن المنافقين مِن بين كلِّ البشر جعلوه نصرًا مؤزرًا لليهود. فمتى يعي الناس حقيقة هؤلاء الصهاينة العرب، الذين فُرضوا على الأمة بالقهر والقوة في إرهاب فكري أُحادي؟ ومتى يعلم الناس أن مِن أعظم أسباب خذلان المسلمين في هذا العصر، هو إمساك جوقة المنافقين في دول أهل الإسلام منابرَ الإعلام؛ لينفثوا سمومهم على الناس، ويبثوا فيهم روح الانهزام والتبعية التي تشربوها من أسيادهم، حتى ثملوا منها؟ وإلى متى يُتخذ هؤلاء المفلسون، المفسدون، المنحرفون بطانةً يُستشارون؟ وهم الذين أضاعوا الأمة من قبلُ بالشعارات الجاهلية القوميَّة، قبل أن يَتَحَوَّلوا إلى عملاء للصِّهيونيَّة والإمبريالية، حتى صاروا صهاينة أكثر من أربابها، ينافحون عنهم، ويجادلون غيرهم فيهم، ويخونون الأمة لأجلهم، {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: 56، 57].
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() (6) حب الدنيا وكراهية الموت إبراهيم بن محمد الحقيل مِن سُنَّة الله - تعالى - في عباده: أنَّه سبحانه يبوِّئ أهلَ الإيمان إمامةَ البشر، ويرفعهم إلى مراقي الكرامة والعزَّة، ويظهرهم على غيرهم، وينصرهم على أعدائهم، ولو كانوا أقلَّ من غيرهم؛ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]، وتاريخ المعارِك يُثبِت غلبةَ أهل الإيمان، ولو كانوا أقلَّ عددًا، وأضعفَ عُدَّة. ولكنَّ هذا القانونَ الربانيَّ القدري له أسباب شرعيَّة، لا يتحقَّق إلاَّ بها، وهذه الأسباب تتمثَّل في إقامة دِين الله - تعالى - وأخْذه كاملاً دون تجزئة ولا انتقاء، وغالب ما يحصل مِن ترْك الدِّين أو بعضه سببُه الهوى، والهوى يكون في الناس بسبب الافتتان بالدُّنيا وزينتها، وتعظيمِ حظوظ النفس وشهواتها؛ ولذا كان تقديمُ الآخرة على الدنيا أهمَّ سبب للتوفيق والنصر والعِزَّة، كما كان التعلُّقُ بالدنيا أهمَّ سبب للخذلان والذُّلِّ والهزيمة، والوحيُ والتاريخ والواقع المعاصر - كلُّها تشهد بهذه الحقيقة، التي ينبغي ألاَّ يجادِلَ فيها مجادِل. أما الوحي: فيقول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، فجعل - سبحانه - نَصْرَه لعباده وتأييده لهم مشروطًا بنصْر دِينه وإقامته في الأرض، وجعله حَكمًا على الناس. وأما التاريخ: فما عزَّ الصحابة - رضي الله عنهم - ولا انتصروا هم ومَن بعدهم مِن قادة المسلمين وجندِهم على أعتَى أُمم الأرْض بعُدَّة ولا عتاد، وإنَّما بإيمانٍ ملأ قلوبَهم، فأزاح منها الدنيا وزينتَها وملذاتِها، فما وقفتْ أمامهم قوَّة. ولَمَّا حاصر المسلمون بلادَ فارس، وكان الفُرْس أقوى أمَّة آنذاك، جرتْ لقاءات ومفاوضات بين قادة المسلمين وقادة فارس، أراد رستم أن يُظهِرَ قوَّة الفُرْس وغِناهم أمامَ ضَعْف العرب وفقرِهم، فأمر بفرش البُسط والنمارق، ووُضِع له سَريرٌ من ذهب، وأحاط به حاشيته، وهم في كمال زينتهم وأبهتهم وسلاحهم، فتعاقب ثلاثةٌ من المفاوضين المسلمين على رستم يفاوضونه، فما غرتْهم دنيا الفُرْس، ولا نظروا إليها إلاَّ نظرةَ ازدراءٍ واحتقار، فكان أولَ الداخلين رِبعيُّ بن عامر، دخل بفَرَسِه يطأ بها بسطَهم ووسائدَهم، حتى ربط فرسَه ببعضها، ونزل يتكئ بسيفٍ لم يجد له غِمدًا فلفَّه بخرقة، حتى بلغ سريرَ رستم، وجلس على الأرض، ولم يجلس على زينتهم عزَّةً وإباءً، وبلَّغه بما جاء به، وفي اليوم الثاني جاء للمفاوضة سعدُ بنُ حذيفةَ بنِ محصن، ورفض النزولَ عن فرسه، حتى بلغَ بها سرير رستم، فكلَّمه برسالته وهو على فَرَسه، وفي اليوم الثالث جاءهم المغيرة بن شُعْبة، فجلس مع رستم على سريره غير آبهٍ به، فهرع إليه جندُه حتى أنزلوه، فعرض رستم على المغيرة شيئًا من الدنيا له وللمسلمين؛ ليرجعوا عن غزوِ فارس، ولكن المغيرة عَرَض عليه الإسلامَ، أو الجِزية، أو السيف، بكلِّ عزَّة وإباء، فما غرَّت جندَ الإسلام بهرجةُ فارس ودنياها، وقوَّتُها وغِناها؛ لأنَّ الدنيا ما كانتْ في قلوبهم، فسقطتْ بلاد الفرس في أيديهم، ونُقِل ذهبُها إلى المدينة. وأما الواقع: فإنَّ الأعداء ما تمكَّنوا من المسلمين في العصور المتأخِّرة، ولا ضاعتِ الحقوق، واحتُلَّتِ البلدان، ونُهبتِ الثروات، وامتهنت الكرامة إلاَّ بعد أن عظمتِ الدنيا عندَ كثير من المسلمين، وتمكَّنت مِن قلوبهم، فتنافسوها واختلفوا عليها، واقتتلوا مِن أجْلها، ووجد الأعداءُ مداخلَ عليهم مِن قِبلها، حتى كان في المسلمين مَن خان دِينَه وأُمَّتَه، ووطنه وأهلَه لمصلحة أعدائه مِن أجْل شيءٍ من الدنيا. ووقَع ما خافَه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أمَّتِه حين أقسم فقال: «فَواللهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عليكُم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسطَ عليكم الدُّنيا كما بُسطتْ على مَن كان قَبلَكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلِككم كما أهلكتْهم»؛ (رواه الشيخان)، وفي حديث آخرَ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون»؛ (رواه مسلم). إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - جعل الذُّل والهوان في الكافرين؛ {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ} [الأنفال: 18]، ونهى المؤمنين عن الهوان؛ لأنَّهم الأعلَوْن؛ {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ونُهوا عن الهوان؛ لأنَّ الله - تعالى – معهم؛ {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35]. ولأنَّهم يَرْجُون ثوابَ الله - تعالى - وغايتهم الآخرة، وليست الدنيا؛ {وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ القَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: 104]، ولأنَّهم يعلمون أنَّ الله - تعالى - يحبُّ الثابتين على دِينه، الصابرين في مواجهة أعدائه؛ {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]. إنَّ مَن تعلَّق قلبُه بالدنيا أخلدَ إلى الأرض، ورضي بالذُّل، وأصابَه الهوان والخذلان، ولو كان مؤمنًا، وقد عاتب الله - تعالى - مَن أقعدهم حبُّ الدنيا عن الهِجرة إليه، والجِهاد في سبيله، والتضحية لدِينه، وتوعَّدهم على ذلك؛ {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]، ولا يعوق عن النفير في سبيل الله - تعالى - وابتغاء مرضاته إلاَّ حبُّ الدنيا؛ كما في قول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]، وهو واقع المسلمين اليوم. والهزيمةُ التي حاقتْ بالفئة المؤمنة في أُحُد، إنَّما كان سببها حبَّ الدنيا المتمثِّل في الغنائم، ونجد في الآيات التي عَرَضتْ للهزيمة في أُحد قول الله - تعالى -: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ} [آل عمران: 152]. وجاء في السُّنَّة النبويَّة ما يدلُّ على أنَّ حُبَّ الدنيا يقود إلى أكْل الحرام، والرِّضا بالملذات، وهجْر مواطن العزَّة والإباء، فتُضرب الذِّلة والهوان على الأمَّة بسبب ذلك؛ كما في حديث ابن عُمَر قال: سمعتُ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «إذا تبايعتُم بالعِينة، وأخذْتُم أذنابَ البقر، ورضيتم بالزَّرْع، وتركتم الجهاد - سلَّط الله عليكم ذُلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دِينكم»؛ (رواه أبو داود). ومهما بلغتْ كثرةُ المسلمين وعدَّتُهم، فلن تنفعَهم شيئًا إذا امتلأتْ قلوبهم بحبِّ الدنيا، والإخلاد إليها؛ كما في حديث ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «يوشك الأُممُ أن تَداعَى عليكم، كما تَداعى الأكلةُ إلى قصعتِها، فقال قائل: ومِن قِلَّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنَّكم غُثاءٌ كغثاء الَّسْيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حبُّ الدنيا، وكراهية الموت»؛ (رواه أبو داود). فبان بذلك أنَّ مِن أعظم أسباب الذلِّ والهوان والخذلان: حبَّ الدنيا، وتعلُّقَ القلوب بها، والإخلاد إلى زخرفها وزينتها، وقد قال الله - تعالى - عن الكفَّار: {وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد: 26]، وقال العبد الصالح يحذِّر قومَه: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآَخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ} [غافر: 39]. أما بعد: فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]. أيها المسلمون: هوان الدنيا وحقارتها عندَ أسلافنا، وعدم اغترارهم بها هو السببُ الأهمُّ - بعد إيمانهم - لعِزَّتِهم وأنفتهم وقوَّتهم، فذلَّت لهم الدنيا، وخضع أهلُها تحت حكمهم. إنَّ استرخاص الدنيا وملذَّاتها هو الذي جعل أبا بكر - رضي الله عنه - يُقدِّم مالَه كلَّه، وعمر - رضي الله عنه - قدَّم نصفَه، وعثمان - رضي الله عنه - جهَّز جيشَ العسرة، ومُصْعب بن عمير - رضي الله عنه - تَرَك النعيم بمكة؛ ليلحقَ بدار الهجرة، فيعيش فقيرًا، ويُقتل في أُحد فقيرًا، فلا يجدون له كَفنًا كاملاً، وبهذه النفوس الكبيرة عزَّ المسلمون، وانتشر الإسلام في الأرض. وإنَّ استعظام أمر الدنيا، والغرق في ملذَّاتها، والغرور بزينتها هو الذي أضاع الأندلسَ يوم ضاعتْ، وهو السبب في تسلُّط الصليبيِّين في القرن الخامس، فاحتلُّوا بيتَ المقدِس تسعين سَنَة، وهو الذي بسببه سُلِّط التتر على المسلمين، حتى استباحوا دارَ الخلافة الإسلامية، وبسبب حبِّ الدنيا ضُرب الاستعمار على جُلِّ بلاد المسلمين، وسقطتْ حواضرُ الإسلام في أيدي الأعداء، وبسبب حبِّ الدنيا وما فيها مِن جاه ومال، نشأتِ العصبياتُ العِرقيَّة في المسلمين، وكان الولاء لها أعظمَ من الولاء للدِّين، ففاخر كلُّ جِنْس بجنسه، وعلى إثْر ذلك مُزِّقت دولةُ الإسلام العظيمة، وفُرِّقت إلى دول صغيرة، يحرِّش الأعداءُ بينها. إنَّ حبَّ الدنيا أدَّى إلى خذلان الإخوان، وممالأةِ الأعداء، وبيْع الأوطان، واليهود ما كان لهم أن ينجحوا في احتلال فلسطين والبقاء فيها إلى الآن، لولا خيانةُ العرب بعضهم بعضًا في الحرْب وفي السِّلْم، وكل ذلك بسبب حبِّ الدنيا، وكلُّ بلاد المسلمين التي احتُلَّت في القديم والحديث ما كان للأعداء أن يستولوا عليها لولا الخيانات، والخونةُ دائمًا مع مَن يدفع لهم أكثر، فكان حبُّ الدنيا هو حجرَ الأساس في ذلك كلِّه. وحوصرتْ غزَّة حصارًا طويلاً شديدًا، ثم دُكَّت بالقنابل والصواريخ وأُحْرِقت، وتوصَّلت لجان دولية إلى إدانة اليهود في تلك الجريمة، وشَهِد بعضُ العرب على ذلك، وطالبوا بالتحقيق والعقاب، لولا أنَّ اليهود لوَّحوا بكشف أوراقهم التي تثبت تورطَ بعض العرب بتأييد هذه الجريمة، ومعونة اليهود فيها على إخوانهم، فانقلب بعضُ العرب يدافعون عن اليهود، ويجعلون الضحايا مُدانين. ومع هذا الخذلان العظيم، فإنَّه لا يُستبعدُ أبدًا أن يبيع بعضُ العرب القدسَ وأهلَها، ومسجدها المبارك لليهود بعَرَض من الدنيا؛ ليقيموا على أرضها المباركة أحلامَهم التوراتية! ويتمادَى حبُّ الدنيا بصاحبِه، حتى لا يُبقيَ له دِينًا ولا دُنيا، وإنَّ أهمَّ سبب لخذلان المسلمين في عصرنا هذا وضعفهم وهوانِهم وذِلَّتهم على مستوى الأفراد والدول هو حبُّ الدنيا، وتعلُّق القلوب بزينتها، وصَدَق الحسنُ البصريُّ - رحمه الله تعالى - حين قال: "حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة". ولو أيقن المسلمون بحقيقة الدُّنيا، وعَمِلوا بمقتضى يقينهم فيها، لَمَا جعلوها أكبرَ همِّهم، ولا غايةَ قصدِهم، فإنَّها إلى زوال، وإنَّ الآخرة هي دارُ القرار؛ {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 205 - 207]. وصلُّوا وسلِّموا...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |