|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الخباز البلدي.. قراءة في قصائد الشاعر الأمي د. شاذلي عبد الغني إسماعيل الخباز البلدي.. قراءة في قصائد الشاعر الأمي يعرِّفنا الثعالبي بالخباز البلدي قائلًا: هو "أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان، المعروف بالخباز البلدي، هو من بلدة يقال لها: "بلد" من بلاد الجزيرة التي فيها الموصل، وأبو بكر من حسناتها، ومن عجيب شأنه أنه كان أميًّا، وشعره كله ملح وتحف، وغرر وطرف، ولا تخلو مقطوعة له من معنى حسن أو مثل سائر"[1]. وقد تحدَّث عنه القفطي في كتابه "المحمَّدون من الشعراء"، ولم يزد عما قاله الثعالبي شيئًا. كذلك فعل صلاح الدين الصفدي في "الوافي بالوفيَات"، إلا أنه ذكَر نقله عن الثعالبي. وقد استشهد بشعره الكثير من الكتاب؛ منهم: أبو هلال العسكري في "ديوان المعاني". والتوحيدي في "البصائر والذخائر". والراغب الأصفهاني في "محاضرات الأدباء، ومحاورات الشعراء والبلغاء". والزمخشري في "ربيع الأبرار، ونصوص الأخيار". وعلي بن ظافر الأزدي في "غرائب التنبيهات، على عجائب التشبيهات". وضياء الدين بن الأثير في "المثل السائر، في أدب الكاتب والشاعر". وأبو العباس التيفاشي في "سرور النفس، بمدارك الحواس الخمس". وشهاب الدين النويري في "نهاية الأرب، في فنون الأدب". وأبو الفتح العباسي في "معاهد التنصيص، على شواهد التلخيص". وبهاء الدين الهمذاني في "الكشكول". وصفي الدين الحلبي في "أنس المسجون، وراحة المحزون". ومحمد بن أيدمر المستعصمي في "الدر الفريد، وبيت القصيد"، وغير هؤلاء. وقد نقل له الثعالبي العديدَ من النماذج في كتابه "يتيمة الدهر"، ورغم أمِّية الشاعر التي أثارت تعجُّبَ الثعالبي، فإننا يمكن أن نلمح من خلالِ شعره آثارًا بارزة لثقافة سماعية، من الواضح أنه تمتَّع معها بذاكرة واعية، وذكاء حادٍّ، وفكر جامع؛ بحيث هضمت العديد من النصوص، وأنتجت تلك القدرةَ الكبيرة على الإبداع الشعري المميز. وقد كانت هذه الأمية محلَّ فخرٍ من الشاعر نفسه، فلا شك أن مثل هذا الإبداع عندما يصدر عن أميٍّ لا يجيد القراءة والكتابة، فإنه يكون مثيرًا للإعجاب بقدر إثارته للتعجب، يقول يخاطب شخصًا ذمَّه: بالغتَ في شتمي وفي ذمِّي ![]() وما خشيتَ الشاعرَ الأُمِّي ![]() جرَّبتَ في نفسِك سمًّا فما ![]() أحمدتَ تجريبك للسمِّ ![]() وشعرُ الخباز البلدي يتميز بالسلاسة والتدفق، ويتسم أكثرَ بالتكثيف الذي يجعل البيتين والثلاثة نصًّا إبداعيًّا مدهشًا يحمل المعنى كاملًا، وغنيًّا وطريفًا، كما يتَّسِم بالقدرة على صياغة الصورة الرائعة التي تفاجئ المتلقيَ وتبهجه، وهو لا يستعين بفنون البديع لتكون عبارة عن حلى لفظيةٍ ثقيلة ومفتعلة؛ وإنما لتزيد ألوانها من إشراقة الصورة التي تسعى إلى إدهاش القارئ عبر وسائل أسلوبية عدة؛ مثل المفارقة التصويرية، أو من خلال الإبداع في صياغة التشكيل الدقيق للمعاني الطريفة، أو عن طريق اقتباسه من القرآن الكريم اقتباسًا منسجمًا مع الصياغة، يتواءم مع المعنى ويقوِّيه ويجعله أكثر إشراقًا وطرافة، أو من خلال الصور التي تتوالى في انسيابيةٍ مخاطبةً الحواسَّ ومكثفة من الإحساس بجماليات اللحظة الشِّعرية التي يحيا في ظلالها الشاعر، وربما نراه يمزج كلَّ هذه الوسائل التعبيرية لنكون أمام شعرٍ "كله ملح وتحف، وغرر وطرف"؛ على حد تعبير الثعالبي. اقتباسه من القرآن الكريم: إن مسألة كثرة اقتباس الخباز البلدي من القرآن الكريم - لفتت انتباهَ الثعالبي، فقال: "وكان حافظًا للقرآن، مقتبسًا منه في شعره"[2]. كما جذبت أيضًا انتباهَ باحث معاصر، فقال: "والحق أن الخباز لم يقصر جهده على تجويد الصياغة، وتمهير الأدوات، بل كان يسعى سعيًا حثيثًا لتجويد المعاني، وذلك بالاتِّكاء على معاني القرآن الكريم؛ إذ شُغف باقتباس عبارات كثيرة من آيه، وهنا تتمثل الطرافة؛ إذ تجد كثيرًا من شواهد شعره استحال فيها الاقتباس القرآني غايةً لا وسيلة"[3]. ومن اقتباسه من القرآن الكريم قوله: سار الحبيبُ وخلَّف القلبا ![]() يُبدي العزاءَ ويُضمِر الكربَا ![]() قد قلتُ إذ سار السفينُ بهم ![]() والشوق ينهبُ مهجتي نهبَا ![]() لو أن لي عزًّا أصولُ به ![]() لأخذتُ كلَّ سفينةٍ غصبَا ![]() لقد صنعت نهايةُ الأبيات الثلاثة صدى عميقًا يتردد في نفس المتلقي قارئًا أو سامعًا؛ وذلك بسبب اقتباسه البارع الذي يجعلنا نستحضر القصة بأكملها، ثم نرى الشاعر في صورة الملِك الذي يأخذ كل سفينة غصبًا، فقط من أجل محبوبته التي أبعدتها عنه إحدى السفن، وفي هذا من الطرافة التي تكشف عن البراعة والذكاء والوعي باقتناص التعبير الذي يثير دهشةَ المتلقي - ما لا يخفى. ومثال اقتباسه الذي يتشكل عبر صورة تشبيهية تقرب لنا المعنى الذي يبدو غريبًا، وتطرحه في شكل ملموس، وصورة مشهورة - قولُه: أترى الجيرةَ الذين تداعوا ![]() بكرةً للرحيل قبل الزوالِ ![]() علِموا أنني مقيمٌ وقلبي ![]() راحلٌ فيهم أمامَ الجمالِ ![]() مثل صاعِ العزيزِ في أرحلِ القو ![]() مِ ولا يعلمون ما في الرِّحالِ ![]() إنه مقيم لكن قلبه سيرحل مع القوم دون أن يعلموا؛ لأنه لا يُطيق بعدًا عن المحبوبة التي تجسَّد الجمال في صورتها، فقلبُه في رحالهم أشبه بصاع العزيز الذي كان في رحال إخوة يوسف دون أن يعلموا، ولعل هذا الاقتباس قد استدعاه ذكر الجمال الذي ارتبط بصورة يوسف عليه السلام. ومن اقتباساته التي تعكس حدة الفكر، والتي تجيء منسجمةً تمام الانسجام مع المعنى الشِّعري، ومترابطة في سلاسة مع الصياغة - قوله: ألا إنَّ إخواني الذين عهدتُهم ![]() أفاعي رمالٍ لا تُقصِّرُ في اللسعِ ![]() ظننتُ بهم خيرًا فلما بلوتُهم ![]() نزلتُ بوادٍ منهمُ غيرِ ذي زرعِ ![]() فالاقتباس هنا يجسد لنا بصورة بصرية عمقَ الصدمة التي تلقاها من خيانات الإخوان، لقد فاجأنا أسلوبيًّا عبر الاقتباس بطريقة نقلت إلى القارئ المشاعرَ المفاجئة الصادمة التي تلقاها هو من إخوانه، وبصورة أخرى يمكن أن نقول: إن الاقتباس فعلٌ أسلوبي صنع دهشة للمتلقي، توازي دهشة الشاعر من فعل إخوانه به. وقد ذكَّرَنا هنا بقول ابن الرومي: لئن أخطأتُ في مدحِ ![]() ك ما أخطأتَ في منعي ![]() لقد أنزلتُ حاجاتي ![]() بوادٍ غيرِ ذي زرعِ[4] ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |