خطبة شهر الصبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         جوجل تطرح تحديثات أمان جديدة لحمايتك خلال تصفح الإنترنت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          محرك جوجل يعرض الآن نتائج من "أرشيف الإنترنت" فى البحث.. تفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          جوجل تضيف ميزات جديدة لمتصفح "كروم" لتنظيم علامات التبويب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ثغرة فى واتساب تسمح لأى شخص بتجاوز ميزة "المشاهدة مرة واحدة" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          AirPods 4 كل ما تريد معرفته عن سماعة أبل الجديدة وميزة مكافحة الضوضاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          3 مشكلات تجعل حذف الصفحة فى Word أمرًا صعبًا.. تعرف عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تطبيق Pixel Thermometer يحصل على ميزة جديدة لمعرفة درجة حرارة الجسم .. تفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          يعنى إيه؟.. Telegram يسمح بالإبلاغ عن المحتوى غير القانونى فى الدردشات الخاصة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          واتساب قد يتيح فى الدردشة إجراء مكالمات وإرسال رسائل إلى تطبيقات آخرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لو خايف عليها تضيع: كيفية عمل "باك آب" لكل البيانات على موبايلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-05-2021, 12:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,230
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة شهر الصبر

خطبة شهر الصبر
الشيخ عبدالله بن محمد البصري




أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، رَمَضَانُ شَهرُ الصَّبرِ، تَجتَمِعُ فِيهِ أَنوَاعُ الصَّبرِ الثَّلاثَةُ: الصَّبرُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَالصَّبرُ عَن مَعَاصِيهِ، وَالصَّبرُ عَلَى أَقدَارِهِ المُؤلِمَةِ، فَفِي رَمَضَانَ صِيَامٌ وَقِيَامٌ، وَصَلاةٌ وَتِلاوَةُ قُرآنٍ، وَفِيهِ بِرٌّ وَجُودٌ وَإِحسَانٌ، وَإِطعَامٌ طَعَامٍ وَتَفطِيرُ صُوَّامٍ، وَفِيهِ ذِكرٌ وَدُعَاءٌ وَتَوبَةٌ وَاستِغفَارٌ، وَفِيهِ كَفٌّ لِلِّسَانِ عَنِ الكَذِبِ وَالزُّورِ وَاللَّغوِ، وَزَمٌّ لَهُ عَنِ السَّبِّ وَالشَّتمِ وَالصَّخَبِ، وَمَنعٌ لَهُ عَنِ الجِدَالِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَفِيهِ غَضٌّ لِلبَصَرِ عَنِ النَّظَرِ إِلى مَا لا يَحِلُّ، وَإِغلاقٌ لِلأُذُنِ عَن سَمَاعِ مَا لا يَجُوزُ، وَحِفظٌ لِبَقِيَّةِ الجَوَارِحِ مِنِ اقتِرَافِ المَعَاصِي وَاجتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ وَالآثَامِ.

وَفي نِهَارِ رَمَضَانَ يَترُكُ الصَّائِمُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهوَتَهُ، فَيُحِسُّ بِأَلَمِ الجُوعِ وَحَرَارَةِ العَطَشِ، وَتُصَارِعُهُ نَفسُهُ تَوقًا إِلى مَا تَشتَهِيهِ فَيَمنَعُهَا وَيَحجُزُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ يَحتَاجُ إِلى صَبرٍ وَمُصَابَرَةٍ، وَقُوَّةِ عَزِيمَةٍ وَمُجَاهَدَةٍ. وَإِنَّهُ لا يَصُومُ عَبدٌ رَمَضَانَ صِيَامًا حَقِيقِيًّا تَامًّا، مُخلِصًا فِيهِ للهِ، مُتَحَرِّيًا سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ، مُؤَدِّيًا لِلفَرَائِضِ كَمَا أُمِرَ، مُستَكثِرًا مِنَ النَّوَافِلِ كَمَا نُدِبَ إِلى ذَلِكَ، كَافًّا جَوَارِحَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ، إِلاَّ وَخَرَجَ مِن شَهرِهِ وَقَدِ اكتَسَبَ صِفَّةَ الصَّبرِ، إِذْ إِنَّ صَبرَ شَهرٍ كَامِلٍ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ خَمسَ مَرَّاتٍ مَعَ الجَمَاعَةِ في المَسَاجِدِ، مَعَ الحِرصِ عَلَى إِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ، وَحُضُورِ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ كَامِلَةً وَإِتمَامِ القِيَامِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَبلَ الصَّلاةِ وَبَعدَهَا، وَحِفظِ الجَوَارِحِ عَنِ الحَرَامِ تَنَاوُلاً وَنَظَرًا وَاستِمَاعًا، وَالصَّبرِ عَنِ الأَكلِ وَالشُّربِ وَالجِمَاعِ.

إِنَّ كُلَّ هَذَا لا بُدَّ أَن يُغَيِّرَ النَّفسَ لِلأَحسَنِ وَالأَجمَلِ، وَيُلزِمَهَا الأَفضَلَ وَالأَكمَلَ، وَأَمَّا مَن لم يَصبِرْ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ، أَو أَخَذَ مِنهَا وَتَرَكَ، وَكَانَ صَومُهُ مَخرُومًا بِالتَّهَاوُنِ في فَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ، وَالنَّومِ عَنِ الجَمَاعَاتِ، وَالتَّكَاسُلِ عَنِ النَّوَافِلِ وَالتَّفرِيطِ فِيهَا وَفي صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَالقِيَامِ، وَأَطلَقَ بَصَرَهُ وَأَرخَى سَمعَهُ وَأَفلَتَ لِسَانَهُ، وَعَكَفَ عَلَى مُشَاهَدَةِ المُسَلسَلاتِ وَعَصَفَت بِهِ مَشَاهِدُهَا المُحَرَّمَةُ، وَاكتَفَى مِنَ الصَّومِ بِتَركِ الطَّعَامِ وَالحِرمَانِ مِنَ الشَّرَابِ، فَذَاكَ حَظُّهُ مِن صَومِهِ الجُوعُ وَالعَطَشُ فَحَسبُ، وَهُوَ إِذْ لم يَصبِرْ في رَمَضَانَ وَالشَّيَاطِينُ مَحبُوسَةٌ، فَهُوَ في غَيرِ رَمَضَانَ أَقَلُّ صَبرًا وَأَقرَبُ جَزَعًا، وَأَكثَرُ تَفَلُّتًا وَأَدنَى لاتِّبَاعِ شَهَوَاتِ نَفسِهِ الضَّعِيفَةِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، الَّتِي صَرَعَتهُ في رَمَضَانَ وَالشَّيَاطِينُ مَغلُولَةٌ مُصَفَّدَةٌ، فَكَيفَ إِذَا اجتَمَعَت عَلَيهِ مَعَهُم في غَيرِ رَمَضَانَ؟!

أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - مَن لم يَطهُرْ قَلبُهُ في رَمَضَانَ وَتَزكُ فِيهِ نَفسُهُ، وَلم تَقوَ إِرَادَتُهُ وَيَصدُقْ عَزمُهُ، وَلم يَنتَصِرْ عَلَى نَفسِهِ وَيَغلِبْ شَهوَتَهُ، وَلم يَتَرَفَّعْ عَنِ الأَحقَادِ وَالضَّغَائِنِ وَلم يَتَخَلَّصْ مِنَ الجَدَلِ وَالعِنَادِ، فَمَتى عَسَاهُ أَن يُحَصِّلَ هَذِهِ الفَضَائِلَ؟!

نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - مَن لم يُهَذِّبْهُ رَمَضَانُ وَيُؤَدِّبْهُ شَهرُ الصَّبرِ، فَمَا أَضعَفَ نَفسَهُ وَأَدنَى هِمَّتَهُ، وَمَا أَسوَأَ حَظَّهُ وَأَقَلَّ كَسبَهُ!! وَإِلاَّ فَقَد جَاءَ في السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ تَسمِيَةُ رَمَضَانَ شَهرَ الصَّبرِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: " صَومُ شَهرِ الصَّبرِ وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ صَومُ الدَّهرِ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: " صَومُ شَهرِ الصَّبرِ وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ يُذهِبنَ وَحَرَ الصَّدرِ " رَوَاهُ البَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

أَجَل - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ الصَّومَ لا يَخلُو مِن أَلَمٍ يُصِيبُ الأَجسَادَ، وَإِضعَافٍ لَهَا وَإِنهَاكٍ، وَالعَبدُ في رَمَضَانَ يَترُكُ شَهَوَاتِهِ للهِ وَنَفسُهُ تُنَازِعُهُ إِلَيهَا، وَيَترُكُ رَاحتَهُ وَيَنصَبُ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَيَحفَظُ وَقتَهُ مِنَ أَن يَضِيعَ فِيمَا لا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يَجِدُ جَزَاءَ ذَلِكَ عِندَ رَبِّهِ مُضَاعَفًا أَضعَافًا كَثِيرَةً، لا يَعلَمُ قَدرَهَا لِعِظَمِهَا إِلاَّ هُوَ - سُبحَانَهُ - وَفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ: " كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشرُ أَمثَالِهَا إِلى سَبعِ مِئَةِ ضِعفٍ. قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلاَّ الصَّومَ فَإِنَّهُ لي وَأَنَا أَجزِي بِهِ، يَدَعُ شَهوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي " رَوَاهُ مُسلِمٌ.

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَصبِرْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَمَا يُرضِيهِ عَنَّا، وَلْنَصبِرْ عَن مَعصِيَتِهِ وَمَا يَجلِبُ سَخَطَهُ عَلَينَا، لْنَغلِبْ أَهوَاءَنَا وَلْنَنتَصِرْ عَلَى أَنفُسِنَا، وَلْنُعَوِّدْهَا الخَيرَ وَلْنُرَوِّضْهَا عَلَى الطَّاعَةِ، وَلْنُدَرِّبْهَا عَلَى الإِحسَانِ، وَلْنَأخُذْهَا بِالجِدِّ وَالاجتِهَادِ، وَلْنَحذَرِ الكَسَلَ وَحُبَّ الرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ، فَإِنَّ مَن أَرَادَ أَن يَنعَمَ بِالرَّاحَةِ الأَبَدِيَّةِ وَالنَّعِيمِ الخَالِدِ في الآخِرَةِ، لم يَشغَلْهُ حُطَامُ الدُّنيَا الزَّائِلُ؛ إِذِ النَّعِيمُ لا يُدرَكُ بِالنَّعِيمِ، وَلا رَاحَةَ لِمَن لا تَعَبَ لَهُ، وَلا فَرحَةَ لِمَن لا هَمَّ لَهُ، وَلا لَذَّةَ لِمَن لا صَبرَ لَهُ، وَلا نَعِيمَ لِمَن لا شَقَاءَ لَهُ، وَكُلَّمَا كَانَتِ النُّفُوسُ أَشرَفَ وَالهِمَّةُ أَعلَى، كَانَ تَعَبُ البَدَنِ أَوفَرَ وَحَظُّهُ مِنَ الرَّاحَةِ أَقَلَّ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].
♦ ♦ ♦


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، رَمَضَانُ شَهرُ الصَّبرِ، وَالصَّبرُ المَحمُودُ هُوَ حَبسُ النَّفسِ فِيمَا يَقتَضِيهِ الشَّرعُ وَيُحَبِّهُ اللهُ، وَحَبسُهَا عَمَّا لا يَقتَضِيهِ الشَّرعُ مِمَّا لا يُحِبُّهُ اللهُ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَستَثقِلُ حَبسَ نَفسِهِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَيَتَفَلَّتُ مِن أَوَامِرِ الشَّرعِ وَنَوَاهِيهِ، وَيَتَخَفَّفُ مِنَ العِبَادَاتِ وَلا يَستَكثِرُ مِنهَا، ظَانًّا أَنَّهُ بِذَلِكَ يَعِيشُ في حُرِّيَّةٍ مُطلَقَةٍ في دُنيَاهُ، فَقَد أَخطَأَ وَلم يُصِبْ، إِذْ إِنَّ الإِنسَانَ في الحَقِيقَةِ لم يَزَلْ في حَبسٍ مُنذُ أَن كَانَ في صُلبِ أَبِيهِ ثم في بَطنِ أُمَّهِ، ثم في مَهدِهِ ثم في سَنَوَاتِ دِرَاسَتِهِ، ثم هُوَ في حَبسٍ في عَمَلِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَكَدِّهِ عَلَى أَهلِهِ وَعِيَالِهِ، ثم هُوَ بِمَوتِهِ يَقَعُ في حَبسٍ في قَبرِهِ، ثم إِنْ وَقَعَ في الثَّامِنِ وَهُوَ أَشَدُّهَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ، أَنسَاهُ ذَلِكَ مَرَارَةَ كُلِّ حَبسٍ قَبلَهُ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ لا بُدَّ مِن حَبسٍ، فَالمُؤمِنُ العَاقِلُ يُدخِلُ نَفسَهُ حَبسَ التَّقوَى وَالطَّاعَةِ بِاختِيَارِهِ أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ أَو سَاعَاتٍ قَلِيلاتٍ؛ لِيَحصُلَ لَهُ بَعدَ ذَلِكَ الإِطلاقُ بِدُخُولِهِ الجَنَّاتِ، وَيَحذَرُ مِن إِطلاقِ نَفسِهِ فِيمَا تُحِبُّ وَتَشتَهِي؛ لِعِلمِهِ أَنَّهُ يَؤُولُ إِلى حَبسِ الأَبَدِ في النَّارِ.

قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " يُؤتَى بِأَنعَمِ أَهلِ الدُّنيَا مِن أَهلِ النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ؟! هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟! فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ، فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ؟! هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟! فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ.

أَلا فَاتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُ - وَاحذَرْ مِن حَبسِ عَقلِكَ في مُستَنقَعَاتِ هَوَاكَ وَأَوحَالِ شَهَوَاتِكَ ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28] إِيَّاكَ أَن تَخرُجَ مِن رَمَضَانَ كَمَا دَخَلتَهُ بِسَبَبِ انفِلاتِكَ وَعَدمِ صَبرِكَ؛ فَـ "... رَغِمَ أَنفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيهِ رَمَضَانَ، ثم انسَلَخَ قَبلَ أَن يُغفَرَ لَهُ..." هَكَذَا قَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في الحَدِيثِ الَّذِي أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَمَعنَى (رَغِمَ أَنفُهُ) أَيْ لَصِقَ أَنفُهُ بِالتُّرَابِ، وَهَذِهِ كِنَايَةٌ عَن حُصُولِ الذُّلِّ لَهُ، فَيَا للهِ مِمَّن يُرِيدُ حُرِّيَّةَ نَفسِهِ بِإِعطَائِهَا شَهَوَاتِهَا، فَيَحصُلُ لَهُ الذُّلُّ مِن حَيثُ أَرَادَ العِزَّ، وَلَو أَنَّهُ أَقَامَهَا عَلَى الحَقِّ وَالطَّاعَةِ وَصَبَرَهَا عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ، لَنَالَ بِذَلِكَ العِزَّ وَالفَخرَ، وَلَحَصَلَت لَهُ الرِّفعَةُ وَالشَّرَفُ وَالحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96، 97].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 55.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.36 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]