خطبة عن أبي عبيدة بن الجراح - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         نباتات منزلية تمتص رطوبة الصيف من البيت.. الصبار أبرزها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          طريقة عمل برجر الفول الصويا.. وجبة سريعة وصحية للنباتيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          4 وسائل علمية لتكون أكثر لطفًا فى حياتك اليومية.. ابدأ بتحسين طاقتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          وصفة طبيعية بالقهوة والزبادى لبشرة صافية ومشرقة قبل المناسبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          3 عادات يومية تزيد من تساقط الشعر مع ارتفاع درجات الحرارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          6 خطوات فى روتين الإنقاذ السريع للبشرة قبل الخروج من المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          تريندات ألوان الطلاء فى صيف 2025.. الأحمر مع الأصفر موضة ساخنة جدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          طريقة عمل كرات اللحم بالبطاطس والمشروم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          وصفات طبيعية لتقشير اليدين بانتظام.. من السكر لزيت جوز الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أبرز 5 تريندات ديكور منزلى في صيف 2025.. لو بتفكر تجدد بيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-01-2021, 04:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عن أبي عبيدة بن الجراح

خطبة عن أبي عبيدة بن الجراح
د. سعود بن غندور الميموني


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يوم الدين.. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]...

أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلاَمُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ بُعِثَ رَسُولُكُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَحْمَةً وَهِدَايَةً لِلْأُمَّةِ جَمْعَاءَ، وَقَدْ قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يَحْمِلُ هَمَّ هَذَا الدِّينِ وَيَقُومُ بِعِبْءِ الْبَلاغِ وَالتَّبْيِينِ، سَواءٌ مِنْهُمْ الْكَبِيرُ أَوْ الصَّغِيرُ، وَنَحْنُ الْيَوْمَ مَعَ صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ وبَطَلٍ مِنْ أَبطَالِ الإِسْلامِ عَظِيمٍ؛ إنَّهُ الصَحَابيُّ الأَمِينُ، أَمِينُ هذِه الأُمَّةِ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، عَامِرُ بنُ عَبْدِاللهِ، الفِهْرِيُّ المَكِّيُّ. يَجْتَمِعُ فِي النَّسَبِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي فِهْرٍ...كَانَ رَجُلاً نَحِيْفاً، مَعْرُوْقَ الوَجْهِ، خَفِيْفَ اللِّحْيَةِ، طَوِيلاً، أَحْنَى، مَكْسُورَ الثَّنِيَّتَيْنِ.

مَنَاقِبُهُ شَهِيْرَةٌ جَمَّةٌ؛ فَهُوَ أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، ومِنَ الَّذينَ شَهِدَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالجَنَّةِ، وَسَمَّاهُ: أَمِيْنَ الأُمَّةِ.. رَوَى أَحَادِيْثَ مَعْدُوْدَةً، وَغَزَا غَزَوَاتٍ مَشْهُوْدَةً، بَلْ كَانَ رَأْسَ الإِسْلاَمِ يَوْمَ وَقْعَةِ اليَرْمُوْكِ الَّتِي اسْتَأْصَلَ اللهُ فِيْهَا جُيُوْشَ الرُّوْمِ، وَقُتِلَ مِنْهُم خَلْقٌ عَظِيْمٌ.. كما كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْدُوْداً فِيْمَنْ جَمَعَ القُرْآنَ العَظِيْمَ.

ولِكَمَالِ أَهْلِيَّتِهِ وعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ ورَجَاحَةِ عَقلِهِ فَقَدْ عَزَمَ الصِّدِّيْقُ رَضِيَ اللهُ عَنه عَلَى تَوْلِيَتِهِ الخِلاَفَةَ بَعْدَهُ، وَأَشَارَ بِهِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ فَقَالَ: "قَدْ رَضِيْتُ لَكُم أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ". وكَذَلكَ فَعَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضيَ اللهُ عَنهُ فإنَّه لَمَّا حُدِّثَ أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيْداً، قَالَ: "إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي، وَأَبُو عُبَيْدَةَ حَيٌّ، اسْتَخْلَفْتُهُ".

شَهِدَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَدْراً، وأَبْلَى يَوْمَ أُحُدٍ بَلاَءً حَسَناً، وَنَزَعَ يَوْمَئِذٍ الحَلْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ دَخَلَتَا مِنَ المِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ضَرْبَةٍ أَصَابَتْهُ، فَانْقَلَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَحَسُنَ ثَغْرُهُ بِذَهَابِهِمَا، حَتَّى قِيْلَ: مَا رُئِيَ هَتْمٌ قَطُّ أَحْسَنُ مِنْ هَتْمِ أَبِي عُبَيْدَةَ.

ويَكفِيهِ شَرفًا مَا شَهِدَ لَه بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيثُ قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ" متفقٌ عليهِ.

لَم يَكُنْ قَلْبُ أَبِي عُبيدَةَ مَائِلاً لِحُبِّ الْمَنصِبِ أوِ الإِمَارَةِ، ولَمْ يَكُن قَلبُهُ قَلْبَ رَجُلٍ حَاقِدٍ أو حَاسِدٍ أَو مُتَعالٍ علَى أَصحَابِهِ؛ بَلْ كَانَ في التَّواضُعِ قِمَّةً وفي الْمَحَبَّةِ أُسْوَةً، كانَ حَسَنَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الشِّيْمَةِ، مُحِبًّا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً تَفُوقُ كُلَّ شَيءٍ وتَتَجَاوَزُ كُلَّ حُدُودٍ، فقَدْ ذُكِرَ في سِيرَتِهِ أنَّه لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَرُمِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ حَتَّى دَخَلَتْ فِيه حَلْقَتَانِ مِنَ الْمِغْفَرِ، يَقُولُ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنه: فَأَقْبَلْتُ أَسْعَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْسَانٌ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَطِيرُ طَيَرَانًا، حَتَّى تَوَافَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ قَدْ بَدَرَنِي فَقَالَ: "أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا تَرَكْتَنِي فَأَنْزِعَهُ مِنْ وَجْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَتَرَكْتُهُ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِثَنِيَّتهِ إِحْدَى حَلْقَتَيِ الْمِغْفَرِ فَنَزَعَهَا وَسَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ وَسَقَطَتْ ثَنِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ أَخَذَ الْحَلْقَةَ الْأُخْرَى بِثَنِيَّتهِ الْأُخْرَى فَسَقَطَتْ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي النَّاسِ أَثْرَمَ (يَعنِي مَكسُورَ الأَسنَانِ).

ولِهَذَا التَّأَسِّي والاتِّبَاعِ والْمَحَبَّةِ كانَ أَبو عُبيدَةَ مِن أَحَبِّ النَّاسِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ"، وعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَيُّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: "أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ" أَخرَجَهُما التَّرمذيُّ.

لَقَدْ كَانَ أَبو عُبيدةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أَغلَى في النُّفوسِ مِنَ الذَّهبِ والفِضَّةِ؛ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنه لِجُلَسَائِهِ يَومًا: "تَمَنُّوْا" فَتَمَنَّى كُلُّ إِنسَانٍ مَا يُحِبُّ مِنَ الذَّهبِ والفِضَّةِ لِيُنْفِقَهُ في سبيلِ اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ: (لَكِنِّي أَتَمَنَّى بَيْتاً مُمْتَلِئاً رِجَالاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وحُذيفَةَ بنِ الْيَمَانِ، فأَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَةِ اللهِ).

كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنه صَاحِبَ عَقْلٍ وحِكْمَةٍ، لَم يَركَنْ إلى الدُّنيَا ولَم تُلْهِهِ زِينَتُهَا، بَلْ عَاشَ مُجَاهِدًا فِي سَبيلِ اللهِ حتَّى تَوفَّاهُ اللهُ، رَوَى ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ حُوصِرَ بِالشَّامِ، وَنَالَ مِنْهُ العَدُوُّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ شِدَّةٌ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَهَا فَرَجاً، وَإِنَّهُ لاَ يَغْلِبُ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ﴾ [آل عمران: 200]، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾ [الحديد: 20] قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ بِكِتَابِهِ، فَقَرَأَهُ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ! إِنَّمَا يُعَرِّضُ بِكُم أَبُو عُبَيْدَةَ أَوْ بِي، ارْغَبُوا فِي الجِهَادِ.

نَعَمْ: لَمْ تُغَيِّرْهُ الدُّنيَا، فلَقدْ كَانَ أَمِيرًا ولَيسَ فِي بَيتِهِ إلاَّ كُسَيْرَاتُ خُبزٍ؛ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهما، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه حِيْنَ قَدِمَ الشَّامَ، قَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه: اذْهَبْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ. قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ عِنْدِي؟ مَا تُرِيْدُ إِلاَّ أَنْ تَعْصِرَ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ (يَعنِي تَبكِي علَى حَالِي)، فلمَّا دَخَلَ لَمْ يَرَ شَيْئاً، قَالَ: أَيْنَ مَتَاعُكَ وَأَنْتَ الأَمِيْرُ، أَعِنْدَكَ طَعَامٌ؟! فَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ فجَاءَ بكُسَيْرَاتٍ مِن خُبزٍ، فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّكَ سَتَعْصِرُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يَكْفِيْكَ مَا يُبَلِّغُكَ المَقِيْلَ. قَالَ عُمَرُ: غَيَّرَتْنَا الدُّنْيَا كُلَّنَا، غَيْرَكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ. قالَ الذَّهبِيُّ مُعَلَّقًا: "وَهَذَا وَاللهِ هُوَ الزُّهْدُ الخَالِصُ، لاَ زُهْدُ مَنْ كَانَ فَقِيْراً مُعْدِماً".

مَاتَ أَبو عُبيدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه بِطَاعُونِ عَمَوَاسَ، وقَدْ اسْتَدْعَاهُ عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنه خَوفًا عَليهِ لَكِنَّهُ أَبَى أَنْ يَترُكَ أَصحَابَهُ؛ فعَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الطَّاعُوْنِ: إِنَّهُ قَدْ عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ، وَلاَ غِنَى بِي عَنْكَ فِيْهَا، فَعَجِّلْ إِلَيَّ. فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، قَالَ: عَرَفْتُ حَاجَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ. فَكَتَبَ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ حَاجَتَكَ، فَحَلِّلْنِي مِنْ عَزِيْمَتك، فَإِنِّي فِي جُنْدٍ مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ، لاَ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْهُم، فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الكِتَابَ، بَكَى، فَقِيْلَ لَهُ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟ قَالَ: لاَ، وَكَأَنْ قَدْ (يعنِي أَوشَكَ أَنْ يَمُوتَ) قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَانْكَشَفَ الطَّاعُوْنُ.

انْطَلَقَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنَ الجَابِيَةِ إِلَى بَيْتَ المَقْدِسِ لِلصَّلاَةِ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ فَتُوُفِّيَ قُرْبَ بَيْسَانَ، فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ للهِجرَةِ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً. فرَضِيَ اللهُ عَنه وأَرضَاهُ.

ونَسأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا للسَّيرِ علَى نَهْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ إنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ، وبالإجابةِ جَدِيرٌ وهُو حَسبُنَا ونِعمَ الوَكيلُ.

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّناءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا... أمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْكِرَامُ: هذَا أَبُو عُبيدةَ وهذَا حَبُّهُ للهِ ورَسُولِهِ، وذَاكَ صِدقُهُ، وتِلكَ هي جُهُودُه فِي الإِسْلامِ وبَينَ يَدَيْكُمْ عَمَلُهُ، ومَا نَالَ كُلَّ هَذَا بِكَثِيرِ صِيَامٍ ولا صَلاةٍ، وإنْ كانَ الصَّحَابَةُ أَتْقَى الأُمَّةِ بعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم، وأَكْثَرَهُم عَمَلاً للطَّاعَاتِ وأفْعَالِ الْبِرِّ، وإنَّما سبَقَوا بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ إخْلاصٍ وصِدْقٍ ويَقِينٍ وحُبٍّ يَزِنُ الْجِبَالَ.

لَقَدْ كَانَ أبو عُبيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنه مِثَالَ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ مَعَ نَفْسِهِ، الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ، الخَائِفِ مِنْ ربِّهِ، الْمُخْلِصِ في إِرَادَةِ اللهِ والدَّارِ الآخِرَةِ، كانَ مِثَالَ الرَّجُلِ الشُّجَاعِ الذي بَاعَ نفسَهُ للهِ، وضَحَّى بِمَكَانِهِ وجَاهِهِ في قَوْمِهِ في سبيلِ اللهِ، وَوَهَبَ حَيَاتَهُ ومَالَهُ لِلدَّعْوَةِ إلَى اللهِ، مِثَالَ المؤمنِ الصَّادِقِ في حُبِّهِ لِلرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، حُبٌّ لَه جُذُورٌ في القَلبِ وصِدْقٌ في الجَوَارِحِ، وواللهِ إنَّ حُبَّهُ وحُبَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمِنَ التَّوْفِيقِ والإِيمَانِ، وبُغْضَهُمْ لَمِنَ النِّفَاقِ والْخُذْلانِ.

فاللهُمَّ اغفرْ لأبي عُبيدةَ بنِ الجَرَّاحِ ولسَائِرِ الصَّحبِ الكِرَامِ، اللهمَّ لا تحرِمْنَا أجرَهُم، ولا تفتِنَّا بَعدَهُم، وأَلْحِقْنَا بهم في دارِ السَّلامِ، في صُحْبَةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأَوْرِدْنا حَوْضَه، واسْقِنَا مِنْهُ شَرْبَةً لا نظمأُ بَعْدَها أبدًا، اللهمَّ توفَّنَا على ما كانَ علَيْهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُه، مُتَّبِعِينَ غيرَ مُبْتَدِعِينَ ولا مُبَدِّلِينَ.

اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ صِدقًا لا يُخَالِطُهُ كَذِبٌ، ويَقِينًا لا يُخالِطُهُ شَكٌّ ولا رَيبٌ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُم.

اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ.
اللهمَّ وَفِّقْ ولي أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بناصيته لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، واجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ.
اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى والنَّبِيِّ الْمُجْتَبَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ الوَرَى... وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.85 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]