التربية والتعليم مسؤولية من؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 269 - عددالزوار : 54249 )           »          طريقة عمل صينية بطاطس مهروسة بالكفتة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          7 علامات تدل على أنك تنمو داخليًا.. تتحمل المسؤولية ولا تهرب من المواجهات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          4 خطوات لحفظ الحبوب والبقوليات بطريقة صحيحة وحمايتها من التلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          طريقة عمل طاسة سجق بالجبنة.. لذيذة ومش بتاخد وقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          وصفات طبيعية لتطويل الشعر بخطوات بسيطة.. مش هتاخد وقت كتير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          طريقة عمل رقائق الجبنة بخطوات بسيطة.. مقرمشة وطعمها لذيذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          5 عادات يومية تتسبب فى ظهور البثور وخطوط التجاعيد.. أبرزها الهاتف المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          رجعتى من المصيف ولونك اتغير.. 4 خطوات لتفتيح البشرة وتوحيد لونها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          كيف تجعل ابنك المراهق يثق بك ويتحدث إليك بحرية؟.. كُن قدوة في الصراحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-12-2020, 09:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,180
الدولة : Egypt
افتراضي التربية والتعليم مسؤولية من؟

التربية والتعليم مسؤولية من؟
الشيخ عبدالله بن محمد البصري




أَمَّا بَعدُ، فَـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَيسَ بَعدَ الفَرَائِضِ نَافِلَةٌ هِيَ أَفضَلَ مِنَ العِلمِ طَلَبًا وَبَذلاً، إِذ إِلَيهِ يُحتَاجُ في تَصحِيحِ العِبَادَاتِ، وَنَفعُهُ يَشمَلُ صَاحِبَهُ وَغَيرَهُ، وَأَثرُهُ يَبقَى بَعدَ مَوتِ صَاحِبِهِ، وَفي بَقَائِهِ إِحيَاءٌ لِلشَّرِيعَةِ وَحِفظٌ لِمَعَالِمِ المِلَّةِ، وَالعُلَمَاءُ هُم وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ، وَهُم أَهلُ الخَوفِ وَالخَشيَةِ. قَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ قُلْ هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثَةٍ: إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. أَمَّا المُعَلِّمُونَ فَهُم بُنَاةُ المُستَقبَلِ وَسُقَاةُ الغَرسِ، وُمَرَبُّو الأَجيَالِ وَصَانِعُو الرِّجَالِ، حَقُّهُم مِنَ اللهِ الثَّوَابُ وَالأَجرُ، وَمِنَ النَّاسِ الثَّنَاءُ عَلَيهِم وَالدُّعَاءُ لَهُم وَالشُّكرُ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ حَتَّى النَّملَةُ في جُحرِهَا وَحَتَّى الحَوتُ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ لِغَيرِهِ. وَأَمَّا تَلامِيذُ المَدَارِسِ وَطُلاَّبُ الجَامِعَاتِ، فَهُمُ النَّاشِئُونَ في العِلمِ وَشُدَاةُ الأَدَبِ، وَرِجَالُ المُستَقبَلِ وَمَعقِدُ الآمَالِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلتَمِسُ فِيهِ عِلمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلى الجَنَّةِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَإِذَا كَانَ مَا وَرَدَ في فَضلِ طَلَبِ العِلمِ وَتَعلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ، يَتَّجِهُ أَوَّلَ مَا يَتَّجِهُ إِلى طَلَبِ العِلمِ الشَّرعِيِّ، المَبنِيِّ عَلَى الدَّلِيلِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالَّذِي يُعرَفُ بِهِ الحَلالُ وَالحَرَامُ، وَيُمَيَّزُ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ وَالهُدَى وَالضَّلالِ، إِلاَّ أَنَّ العُلُومَ الأُخرَى لها حَظُّهَا مِنَ الأَهمِيَّةِ، وَالَّتِي قَد تَصِلُ بِبَعضِهَا إِلى أَن يَكُونَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى المُسلِمِينَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، عَلَى أَسَاسِ التَّعلِيمِ يُبنَى مُستَقبَلُ المُجتَمَعَاتِ، وَبِهِ تَتَشَكَّلُ شَخصِيَّةُ الجِيلِ، فَإِن كَانَ التَّعلِيمُ صَالِحًا كَانَ الجِيلُ صَالِحًا، وَقَامَ بِأَمرِ أُمَّتِهِ وَنَفسِهِ، وَإِن كَانَ التَّعلِيمُ مُختَلاًّ نَاقِصًا، بُنِيَت حَيَاةُ الجِيلِ كُلِّهِ عَلَى فَسَادٍ، وَسَاءَت آثَارُهُ في الأُمَّةِ، وَكَانَتِ بَعضُ الأُمِّيَّةِ أَصلَحَ لَهَا وَأَسلَمَ عَاقِبَةً. وَأَمَّا البُيُوتُ وَمَن فِيهَا مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، فَهِيَ خَيرُ بِيئَاتِ الصَّلاحِ إِن سَارَت مَعَ مَحَاضِنِ العِلمِ وَرَعَت حُقُوقَ أَهلِهِ، وَإِلاَّ فَهِيَ المَاحِيَةُ لِنُورِ العِلمِ وَالهَادِمَةُ لِصُرُوحِهِ إِن هِيَ جَابَهَتِ المَسِيرَةَ أَوِ استَصغَرَتِ العِلمَ وَلم تُقَدِّرْ أَهلَهُ. وَالجَمِيعُ عَامِلُونَ فَمَسؤُولُونَ وَمَجزِيُّونَ، وَالتَّارِيخُ لا يَكذِبُ وَالأَجيَالُ تَرُدُّ الكَيلَ بِكَيلٍ وَالوَزنَ بِوَزنٍ؛ فَمَن أَحسَنَ أُحسِنَ إِلَيهِ، وَمَن صَبَرَ أُثنِيَ عَلَيهِ، وَمَن فَعَلَ خَيرًا دُعِيَ لَهُ وَتُرُحِّمَ عَلَيهِ، وَمَن قَصَّرَ وَأَسَاءَ فَعَلَى نَفسِهِ جَنَى، وَلِوِزرِ أُمَّتِهِ تَحَمَّلَ، وَسَيَجِدُ ثَمرَةَ تَقصِيرِهِ نَدَامَةً وَمَرَارَةً في دُنيَاهُ وَأُخرَاهُ، وَقَد نَهَى دِينُنَا الحَنِيفُ عَنِ التَّقصِيرِ في الوَاجِبَاتِ، وَذَمَّ التَّفرِيطَ في الحُقُوقِ، وَحَضَّ عَلَى الأَعمَالِ في مَوَاقِيتِهَا، وَقَبَّحَ الكَسَلَ وَالتَّوَاكُلَ وَالإِضَاعَةَ، فَشَرَعَ لَنَا كُلَّ شَرَائِعِ الحَزمِ وَالقُوَّةِ، وَضَبطِ الوَقتِ وَالنَّفسِ، بما لم يَشرَعْهُ قَانُونٌ وَلم تَأتِ بِهِ أَنظِمَةٌ بَشَرِيَّةٌ. قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72] وَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعيَةً يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَإِنَّهُ لَيسَ لأَبٍ أَو مُعَلِّمٍ أَن يُقَصِّرَ في أَدَاءِ أَمَانَتِهِ، أَو أَن يَتَنَصَّلَ مِن مَسؤُولِيَّتِهِ، ثم يُلقِيَ بِالتَّبِعَةِ وَاللَّومِ عَلَى غَيرِهِ، بَل إِنَّ مِن قِلَّةِ التَّوفِيقِ وَضَعفِ العَقلِ وَفَسَادِ التَّفكِيرِ، وَتَضيِيعِ الأَجيَالِ وَالإِسَاءَةِ في حَقِّهَا، أَن يُلقِيَ البَيتُ بِكَامِلِ مَسؤُولِيَّتِهِ عَلَى المَدرَسَةِ، أَو يَنسِبَ المُعَلِّمُونَ تَقصِيرَهُم إِلى قِلَّةِ اهتِمَامِ البُيُوتِ، فَتِلكَ جَدَلِيَّاتٌ تُضِيعُ الوَقتَ، وَخُصُومَاتٌ تَجلِبُ المَقتَ، وَقَوَاطِعُ تَحُولُ بَينَ الطُّلاَّبِ وَبَينَ الفُرَصِ، وَالوَاجِبُ الَّذِي لا مَنَاصَ مِنهُ وَالفَرضُ المُحَتَّمُ عَلَى الجَمِيعِ، هُوَ أَن يَقُومَ كُلٌّ بِمَا عَلَيهِ، وَيُؤَدِّيَ الأَمَانَةَ المَنُوطَةَ بِهِ، مَعَ الاجتِهَادِ في إِكمَالِ البِنَاءِ عَلَى أَحسَنِ وَجهٍ وَأَتَّمِّهِ، وَإِذَا كَانَتِ البُيُوتُ قَد سَلَّمَتِ المُعَلِّمِينَ أَبنَاءَهَا أَطفَالاً لِيَرُدُّوهُم إِلَيهَا رِجَالاً، وَقَدَّمَتهُم إِلَيهِم هَيَاكِلَ لِيَنفُخُوا فِيهَا الرُّوحَ، وَأَوعِيَةً لِيَملَؤُوهَا بِالفَضِيلَةِ وَالمَعرِفَةِ، فَإِنَّهُ لَيسَ مِن حَقِّ البُيُوتِ أَن يَبنِيَ المُعَلِّمُونَ فَتَهدِمَ، وَيَفتِلُوا فَتَنقُضَ، وَيُحسِنُوا وَتُسِيءَ، وَيُصلِحُوا وَتُفسِدَ، وَيَحزِمُوا وَتَتَهَاوَنَ، وَيَجِدُّوا وَتُقَصِّرَ. بَل دَعُونَا - أَيُّهَا الآبَاءُ وَالمُعَلِّمُونَ - مِن تَبَادُلِ التُّهَمِ فِيمَا بَينَنَا، وَإِلقَاءِ اللَّومِ مِن كُلٍّ مِنَّا عَلَى الآخَرِ، وَلْنَعلَمْ أَنَّنَا جَمِيعًا نَنقُشُ في نُفُوسِ الأَجيَالِ نُقُوشًا ثَابِتَةً، وَنَبنِي في قُلُوبِهِم قِيَمًا رَاسِخَةً، وَنُشرِبُ عُقُولَهُم عَادَاتٍ لَيسَ مِنَ السَّهلِ تَغيِيرُهَا، وَمَا لم يَكُنِ الإِصلاحُ هُوَ هَمَّ الجَمِيعِ، وَالتَّعَاوُنَ عَلَيهِ هُوَ مَبدَأَهُم، مَعَ الاتِّفَاقِ وَالتَّطَاوُعِ، وَعَدَمِ الاختِلافِ وَالتَّنَافُرِ، فَلا أَثَرَ لِجُهدِ جَهَةٍ وَلَو عَظُمَ، وَلا فَائِدَةَ مِنِ اجتِهَادِ مُخلِصٍ وَلَو كَبُرَ.
مَتَى يَبلُغُ البُنيَانُ يَومًا تَمَامَهُ *** إِذَا كُنتَ تَبنِيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ؟


وَإِنَّ خَيرَ مَنَاهِجِ التَّربِيَةِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - سَوَاءٌ في البُيُوتِ أَوِ المَدَارِسِ، هِيَ جَعلُ الأَخلاقِ الصَّالِحَةِ أَسَاسَهَا، وَإِنَّ رَأسَ مَالِ التِّلمِيذِ وَالطَّالِبِ في ذَلِكَ، هُوَ مَا يَأخُذُهُ عَن وَالِدَيهِ وَمُعَلِّمِيهِ بِالقُدوَةِ وَمِن خِلالِ التَّعَامُلِ، وَأَمَّا مَا يَأخُذُهُ بِالتَّلقِينِ وَالوَعظِ النَّظَرِيِّ، فَلَيسَ بِشَيءٍ مَا لَم يَكُنْ لَهُ في الوَاقِعِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَيهِ وَشَوَاهِدُ تُؤَيِّدُهُ. وَمَا المُقَرَّرَاتُ وَلا الكُتُبُ، وَلا الوَسَائِلُ وَلا الطُّرُقُ، إِلاَّ ضَوَابِطُ وَأَعلامٌ، تُرشِدُ إِلى الغَايَةِ، وَتُعِينُ عَلَى الوُصُولِ إِلى الهَدَفِ، وَلَكِنَّهَا لا تَبنِي عَالِمًا، وَلا تُخَرِّجُ نَاجِحًا، وَلا تُكَوِّنُ قَلبًا نَابِضًا، وَلا تُجَدِّدُ الحَيَاةَ في أُمَّةٍ خَامِلَةٍ، وَلَكِنَّ الرِّجَالَ مِنَ الآبَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ، هُم مَن يَنفُخُ الرُّوحَ في أَجسَادِ الأَجيَالِ، وَيُجرِي الدِّمَاءَ في عُرُوقِهَا، وَيَمنَحُهَا وَقُودَهَا. أَجَل - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ العُمدَةَ في الوُصُولِ إِلى الغَايَةِ مِنَ التَّربِيَةِ، إِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا تَفِيضُ بِهِ نُفُوسُ الآبَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ عَلَى نُفُوسِ النَّاشِئَةِ مِن أَخلاقٍ طَاهِرَةٍ وَعَادَاتٍ قَوِيمَةٍ وَشِيَمٍ مَحمُودَةٍ وَجِدٍّ وَصِدقٍ وَحُسنِ نَوَايَا، يَحتَذُونَ حَذوَهُم فِيهَا، وَيَقتَبِسُونَهَا مِنهُم، وَيَقتَدُونَ فِيهَا بِهِم. فَاللهَ اللهَ وَلْنَكُنْ جَمِيعًا قُدُوَاتٍ صَالِحَةً في سَائِرِ الأَحوَالِ، فَلا يَرَوا مِنَّا إِلاَّ الصَّالِحَ مِنَ الأَعمَالِ، وَلا يَسمَعُوا مِنَّا إِلاَّ صَادِقَ الأَقوَالِ، وَلْنَحذَرِ الكَذِبَ في التَّعَامُلِ، وَاختِلافَ البَوَاطِنِ عَنِ الظَّوَاهِرِ، فَمَا شَيءٌ أَضَرَّ عَلَى الأُمَّةِ وَالمُجتَمَعِ وَأَفسَدَ لِلأَجيَالِ، مِن الكَذِبِ في الأَحوَالِ، وَاختِلافِ الأَعمَالِ عَنِ الأَقوَالِ. وَمَا أَجمَلَ مَا سَطَّرَهُ الحَكِيمُ العَرَبيُّ إِذْ قَالَ:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعلِّمُ غَيرَهُ
هَلاَّ لِنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعلِيمُ؟

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السَّقَامِ وَذِي الضَّنَى
كَيمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ

وَنَرَاكَ تُصلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا
أَبَدًا وَأَنتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ

فَابدَأْ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا
فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ يُقبَلُ مَا تَقُولُ وَيُهتَدَى
بِالقَولِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ

لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثلَهُ
عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ




نَعَم - أَيُّهَا المُرَبُّونَ - مَا أَقبَحَ أَن يَتَعَلَّمَ النَّشءُ في الصَّبَاحِ مَبدَأً، أَو يُعَلَّمُونَ خُلُقًا، ثم يَرَوا آبَاءَهُم آخِرَ النَّهَارِ أَوَّلَ المُخَالِفِينَ، وَمُعَلِّمِيهِم في قَائِمَةِ الحَائِدِينَ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3] اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ عِلمًا نَافِعًا مُبَارَكًا، اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنفَعُنَا، وَانفَعْنَا بِمَا عَلَّمتَنَا وَزِدْنَا عِلمًا. وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ.
♦ ♦ ♦

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لِلعِلمِ فَضلُهُ وَأَهمِيَّتُهُ، وَلأَهلِهِ مِنَ المُعَلِّمِينَ وَالطُّلاَّبِ قَدرُهُم وَمَكَانَتُهُم، وَلِمَحَاضِنِهِ وَأَمَاكِنِهِ شَأنُهَا وَحُرمَتُهَا، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن وَاجِبِ الجَمِيعِ مَسؤُولِينَ وَتَربَوِيِّينَ، وَآبَاءً وَمُعَلِّمِينَ، وَحَمَلَةَ أَقلامٍ وَرِجَالَ إِعلامٍ، أَن يَتَعَاوَنُوا عَلَى مَا يُحَقِّقُ حِفظَ مَكَانَةِ العِلمِ وَتَقدِيرَ أَهلِهِ، وَتَرغِيبَ الأَجيَالِ في طَلَبِهِ، وَلْيَحذَرُوا مِنَ الخَوضِ فِيمَا لم يَتَبَيَّنْ لَهُم أَمرُهُ، أَوِ الانسِيَاقِ خَلفَ الكِتَابَاتِ المُحَرِّضَةِ وَالشَّائِعَاتِ المُغرِضَةِ، أَو تَردِيدِ الإِثَارَاتِ المُتَعَمَّدَةِ وَالخَوضِ في الجَدَلِيَّاتِ الطَّوِيلَةِ، الَّتي تُزَهِّدُ في العِلمِ وَتُحَقِّرُ مَحَاضِنَهُ، أَو تَنتَقِصُ رِجَالَهُ وَأَهلَهُ، أَو تَرفَعُ شِعَارَاتِ التَّلاوُمِ وَتَبَادُلِ التُّهَمِ، وَلْنَستَشعِرْ جَمِيعًا أَنَّنَا في سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى حِفظِهَا وَالوُصُولِ بها إِلى بَرِّ الأَمَانِ. اللَّهُمَّ أَصلِحْنَا وَأَصلِحْ بِنَا وَلَنَا. اللَّهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ صَالِحِينَ مُصلِحِينَ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.19 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]