إلى النجاح - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما أفضل حمية للمصابات بسكر الحمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          دليلك الشامل لأنواع السرطان! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ما لا تعرفه عن أسباب العقم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          العصبية وصحة القلب: هل الغضب يدمّر صحتك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أعراض مرض الزهري: كل ما تحتاج معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أطعمة غنية بسكر الفركتوز: هل هي ضارة أم مفيدة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          7 نصائح ذكية حول كيفية الوقاية من داء القطط للحامل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أسباب وعوامل خطر الإصابة بسوء التغذية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أطعمة تحتوي على الكربوهيدرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          إنقاص الوزن بعد الولادة: طرق آمنة وفعالة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-02-2020, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي إلى النجاح

إلى النجاح
عبد الله بن محمد البصري



الخطبة الأولى
أَمَّا بَعدُ، فَـ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: في أَوَّلِ هَذَا الأُسبُوعِ، غَدَت جُمُوعٌ مِنَ الطُّلاَّبِ وَالمُعِلِّمِينَ إِلى مَدَارِسِهِم وَجَامِعَاتِهِم، مُستَعِدِّينَ لِبَدءِ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ، وَكَم مِن أَموَالٍ أُنفِقَت وَجُهُودٍ بُذِلَت، وَعُقُولٍ فَكَّرَت وَخَطَّطَت، وَقُلُوبٍ يَعتَصِرُهَا الهَمُّ عَلَى مَا تَستَقبِلُ، وَإِنَّمَا غَايَةُ الجَمِيعِ وَهَدَفُهُم وَأَسمَى أَمَانِيِّهِم، أَن يَحصُلَ لَهُمُ النَّجَاحُ وَيُحَقِّقُوهُ وَيَستَطعِمُوهُ، نَعَم، إِنَّ النَّجَاحَ في نِهَايَةِ كُلِّ عَامٍ هُوَ الهَدَفُ وَالغَايَةُ، بَل إِنَّ النَّجَاحَ في الحَيَاةِ بِعَامَّةٍ، هُوَ الغَايَةُ العُظمَى وَالمَطلَبُ الأَسمَى، الَّذِي تَفرَحُ النُّفُوسُ بِنَيلِهِ وَتُسَرُّ لِتَحصِيلِهِ، وَتَأسَى إِنْ هِيَ لم تَصِلْ إِلَيهِ أَو أَخفَقَت دُونَ بُلُوغِهِ، غَيرَ أَنَّ هَذَا النَّجَاحَ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ مَا يُطلَبُ وَغَايَةُ مَا يُبتَغَى، عَادَ مَحفُوفًا بِشَيءٍ مِن سُوءِ الفَهمِ لَدَى بَعضِ النَّاسِ اليَومَ، فَضَاعَت مَعَالِمُهُ مِنَ بَصَائِرِهِم، وَامَّحَت رُسُومُهُ مِن أَذهَانِ فِئَامٍ مِنهُم، بَلِ اختَلَفَت مَعَايِيرُهُ لَدَى كِبَارِهِم قَبلَ صِغَارِهِم، وَهَزُلَت مَقَايِيسُهُ حَتى قُصِرَ عَلَى شُهرَةٍ وَاسِعَةٍ تُحَصَّلُ، أَو دَرَجَةٍ عِلمِيَّةٍ تُنَالُ، أَو شَهَادَةٍ عَالِيَةٍ تُكتَسَبُ، أَو وَظِيفَةٍ مَرمُوقَةٍ يُتَرَبَّعُ عَلَى كُرسِيِّهَا، لِيُجمَعَ بِكُلِّ ذَلِكَ أَو بَعضِهِ أَكبَرُ مِقدَارٍ مِنَ المَالِ، أَو يُكتَسَبَ بِهِ أَعرَضُ جَاهٍ وَأَوفَرُ مَدحٍ، ثُم لا يُستَمَرُّ بَعدَ ذَلِكَ في التَّزَوُّدِ مِن عِلمٍ وَلا يُسعَى في إِتقَانِ عَمَلٍ، وَمِن ثَمَّ فَقَد عَادَ مِن غَيرِ المُستَنكَرِ أَن يَكُونَ خِرِّيجُو المَدَارِسِ وَالمَعَاهِدِ وَالجَامَعَاتِ في ازدِيَادٍ، وَتَأثِيرُهُم في الوَاقِعِ في نَقصٍ وَضَعفٍ وَانحِدَارٍ، بَل قَد لا يُرَى لِلآلافِ مِنهُم أَيُّ أَثَرٍ حَسَنٍ في تَغيِيرِ الوَاقِعِ.
أَجَل ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ قَصرَ نَجَاحِ المَرءِ عَلَى ظَوَاهِرَ يُتَمَدَّحُ بها أَمَامَ النَّاسِ، مِن شَهَادَةٍ أَو وَظِيفَةٍ أَو مَنصِبٍ أَو جَاهٍ، إِنَّهُ لَظُلمٌ لِهَذَا المَعنَى الجَمِيلِ وَخُرُوجٌ بِهِ عَن حَقِيقَتِهِ، وَانحِرَافٌ بِهَذَا المَقصَدِ المُحَبَّبِ لِلنُّفُوسِ عَن سَبِيلِهِ، وَمَن ظَنَّ أَنَّ نَجَاحَهُ في حُضُورِهِ بِجِسمِهِ عَلَى مَقعَدِ دِرَاسَتِهِ، مُكتَفِيًا مِمَّا يُطرَحُ في فَصلِهِ أَو قَاعَةِ دَرسِهِ، بِكُلَيمَاتٍ يَسِيرَةٍ يَحفَظُهَا، أَو وُرَيقَاتٍ يُقَدِّمُهَا بِطُرُقٍ مُلتَوِيَةٍ، حَيثُ تَكتُبُهَا لَهُ يَدٌ غَيرُ يَدِهِ، وَيُفَكِّرُ بها عَقلٌ غَيرُ عَقلِهِ، وَيَجتَهِدُ فِيهَا فِكرٌ غَيرُ فِكرِهِ، فَقَد عَزَبَ عَنهُ مَعنَى النَّجَاحِ، وَبَعُدَ عَنهُ بُعدَ السَّمَاءِ عَنِ الأَرضِ. إِنَّ النَّجَاحَ الحَقِيقِيَّ لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ لِمَن جَاهَدَ وَجَدَّ وَاجتَهَدَ، وَوَاصَلَ سَهرَ اللَّيلِ بِتَعَبِ النَّهَارِ، وَأَضنَى العَقلَ بِدَوَامِ التَّفكِيرِ وَالتَّأَمُّلِ، وَأَكَلَّ القَلَمَ بِطُولِ البَحثِ وَالكِتَابَةِ، وَنَاقَشَ وَنُوقِشَ وَذَاكَرَ وَاستَذكَرَ، وَحَفِظَ وَرَاجَعَ وَاختُبِرَ وَاستَظهَرَ، لا يُوصَلُ إِلى النَّجَاحِ وَتُدرَكُ قِمَّتُهُ، إِلاَّ بِسُلُوكِ طَرِيقٍ فِيهِ شَيءٌ مِنَ المَشَقَّةِ وَقَدرٌ مِنَ العَنَتِ، وَلا يُستَطعَمُ طَعمُهُ وَتُذَاقُ حَلاوَتُهُ، إِلاَّ بِتَجَرُّعِ مَرَارَةِ التَّعَلُّمِ وَاحتِمَالِ شِدَّتِهِ، وَمَن لم يَسقِ الغَرسَ وَيَتَعَاهَدِ الزَّرعَ، نَدِمَ يَومَ الحَصَادِ وَلم يَذُقْ حُلوَ الثَّمَرِ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ العُقَلاءَ يَتَأَمَّلُونَ في العَوَاقِبِ الحَمِيدَةِ وَالمَآلاتِ الرَّشِيدَةِ، فَيَصبِرُونَ وَيُصَابِرُونَ حَتى يَبلُغُوا النِّهَايَاتِ السَّعِيدَةَ، وَأَمَّا الجُهَّالُ وَالمُغَفَّلُونَ فَلا يَرَونَ إِلاَّ الحَالَ الحَاضِرَةَ، وَلا يَستَطعِمُونَ إِلاَّ اللَّذَّةَ العَاجِلَةَ، وَبِهَذَا تَمُرُّ بِأَحَدِهِمُ السَّنَوَاتُ تِلوَ السَّنَوَاتِ، وَتَرَاهُ يَغدُو وَيَرُوحُ لِيَتَعَلَّمَ، فَتَشغَلُهُ بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ عَن هَدفِهِ وَتَصرِفُهُ عَن غَايَتِهِ، فَلا يَشعُرُ إِلاَّ وَقَد مَضَت عَلَيهِ السُّنُونَ وَفَاتَتهُ الفُرَصُ، وَإِذَا بِهِ يَخرُجُ مِن رِحلَتِهِ العِلمِيَّةِ الطَّوِيلَةِ، بِنَتَائِجَ ضَئِيلَةٍ وَمَعلُومَاتٍ قَلِيلَةٍ.
إِنَّ النَّجَاحَ الَّذِي يَصبُو إِلَيهِ العُقَلاءُ، هُوَ أَن يَكُونَ أَحَدُهُم مِن صُنَّاعِ الحَيَاةِ المُؤَثِّرِينَ في دَفعِ مَسِيرَتِهَا، المُغَيِّرِينَ لِوَجهِهَا لِلأَحسَنِ وَالأَكمَلِ وَالأَجمَلِ، لا أَن يَظَلَّ في صَفِّ المُستَمتِعِينَ بِرَخِيصِ الشَّهَوَاتِ، المُنغَمِسِينَ في عَاجِلِ اللَّذَّاتِ، وَالمَرءُ النَّاجِحُ هُوَ مَن يَصِلُ إِلى مَا يُرِيدُهُ اللهُ لا إِلى مَا تُرِيدُهُ نَفسُهُ، وَيَسعَى فِيمَا يُرضِي خَالِقَهُ وَمَولاهُ، قَبلَ أَن يَهتَمَّ لِرِضَا النَّاسِ أَو سُخطِهِم، النَّاجِحُ مَن يَكُونُ قُدوَةً صَالِحَةً في مُجتَمَعِهِ، أُسوَةً حَسَنَةً لِمَن حَولَهُ، أَمِينًا في أَخذِهِ وَعَطَائِهِ، مُوَفَّقًا في ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، مُسَدَّدًا في تَعَامُلِهِ وَتَوَاصُلِهِ، رَفِيعًا خُلُقُهُ غَزِيرًا أَدَبُهُ، هَمُّهُ أَن يَحصُلَ الخَيرُ عَلَى يَدِهِ، وَقَصدُهُ أَن يَنتَشِرَ بِسَبَبِهِ، وإنَّ المَرءَ مَا لم يُضِفْ إِلى الحَيَاةِ جَدِيدًا مُفِيدًا، فَإِنَّمَا هُوَ عِبءٌ عَلَيهَا وَمَشَقَّةٌ، وَالَّذِينَ لا يَحمِلُونَ أُمَّتَهُم وَلا يُسعِدُونَ مُجتَمَعَاتِهِم، وَلا يَرتَقُونَ بِأَوطَانِهِم وَلا يَرفَعُونَ شَأنَ بُلدَانِهِم، فَإِنَّمَا هُم حِملٌ عَلَى أَكتَافِ أُمَّتِهِم، وَثِقَلٌ عَلَى أَوطَانِهِم، وَكُلفَةٌ عَلَى أَهلِيهِم وَعَنَاءٌ، وَعَنَتٌ لِمُجتَمَعِهِم وَشَقَاءٌ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ مَا يَنَالُهُ الطُّلاَّبُ مِن عُلُومٍ نَظَرِيَّةٍ، وَمَا يَجمَعُونَهُ مِن مَعلُومَاتٍ قَيِّمَةٍ، أَو يَطَّلِعُونَ عَلَيهِ وَيَعُونَهُ مِن أَفكَارٍ بَدِيعَةٍ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لا يُعَدُّ مِنَ النَّجَاحِ الحَقِيقِيِّ في شَيءٍ، مَا لم يَتَحَوَّلْ إِلى خَطَوَاتٍ عَمَلِيَّةٍ تُلمَسُ في حَيَاتِهِم، وَحَقَائِقَ وَاقِعِيَّةٍ يَنفَعُونَ بها مَن حَولَهُم، ذَلِكُم أَنَّ الأَفكَارَ مَهمَا كَانَت جَمِيلَةً، وَالمَعلُومَاتِ مَهمَا كَانت جَلِيلَةً، فَإِنَّهَا تَظَلُّ مَيِّتَةً لا حِرَاكَ فِيهَا، حَتَّى تَنتَقِلَ مِن حَيِّزِ الفِكرِ المُجَرَّدِ بِضِيقِهِ، إِلى فَضَاءِ الوَاقِعِ المَلمُوسِ بِسَعَتِهِ وَرَحَابَتِهِ، نَعَم، إِنَّ الأَفكَارَ لا تُرَادُ لِنَفسِهَا، وَالمَعلُومَاتِ لا تُجمَعُ لِذَاتِهَا، وَالمَعَارِفَ لا تُحفَظُ لِتُلقَى وَيُتَبَاهَى بِحِفظِهَا، بَلِ المَقصُودُ الأَعظَمُ هُوَ الثِّمَارُ العَمَلِيَّةُ النَّاضِجَةُ، وَالتَّأثِيرُ الوَاقِعِيُّ الصَّادِقُ، وَنَفعُ الخَلقِ وَنَصرُ الحَقِّ.
عِبَادَ اللهِ، كَثِيرُونَ مِن طُلاَّبِنَا مَن يَغدُونِ إِلى مَدَارسِهِم وَيَرُوحُونَ مِنهَا، وَهُم لا يَعلَمُونَ مَاذَا يُرِيدُونَ، وَلا يَهتَدُونَ إِلى المُرَادِ مِنهُم، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى مَن وَلاَّهُ اللهُ أَمرَ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ، مِن آبَاءٍ وَمُعَلِّمِينَ وَمُرَبِّينَ، أَن يُبَيِّنُوا لِلنَّشْءِ مَن هُم؟ وَمَاذَا يُرَادُ مِنهُم؟ وَمَا الغَايَةُ مِن خَلقِهِم وَمَا سِرُّ إِيجَادِهِم؟ ثم لِيَسْعَ الجَمِيعُ بَعدَ ذَلِكَ مُتَعَاوِنِينَ، في التَّخطِيطِ السَّلِيمِ لِتَعلِيمِ هَؤُلاءِ الأَبنَاءِ، وَتَنظِيمِ أَوقَاتِهِم وَاستِثمَارِ سَاعَاتِ حَيَاتِهِم، وَالحِرصِ عَلَى أَلاَّ تَضِيعَ في غَيرِ نَفعٍ وَجِدٍّ وَانضِبَاطٍ، وَلْيَتَذَكَّرِ الجَمِيعُ أَنَّ النَّجَاحَ لا يُمكِنُ أَن يَتَحَقَّقَ في ظِلِّ مَا مُنِيَت بِهِ الأُمَّةُ اليَومَ مِن فَوضَوِيَّةٍ وَهَزْلٍ لَدَى الكِبَارِ قَبلَ الصِّغَارِ، وَمَا شَاعَ في مَدَارِسِهَا مِن تَفَلُّتٍ مِنَ المَسؤُولِيَّةِ وَقِلَّةِ صَبرٍ لَدَى المُعَلِّمِ قَبلَ الطَّالِبِ، فَلا بُدَّ مِن الجِدِّ وَالحَزمِ في كُلِّ الأُمُورِ، وَأَخذِ النُّفُوسِ بِالقُوَّةِ وَلَو في الأَعَمِّ الأَغلَبِ، وَعَدَمِ تَعوِيدِهَا عَلَى التَّرَاخِي وَالكَسَلِ وَتَركِ العَمَلِ، فَالجِدُّ هُوَ الرُّوحُ الَّتِي تَسرِي في الأَعمَالِ فَتَبعَثُ فِيهَا الحَيَاةَ، وَمَن قَرَأَ في سِيَرِ العُظَمَاءِ وَالنَّاجِحِينَ، فَلَن يَجِدَ فِيهَا سِمَةً هِيَ أَعظَمَ مِنَ الجِدِّ وَالكَدِّ، وَلا خُلُقًا هُوَ أَحسَنَ مِنَ العَزمِ وَالحَزمِ وَالصَّبرِ، وَمَن تَأَمَّلَ حَيَاةَ الفَاشِلِينَ المُخفِقِينَ، وَجَدَهَا مَلِيئَةً بِالفَوضَوِيَّةً وَعَدَمَ التَّخطِيطِ، مُفعَمَةً بِإِضَاعَةِ الأَوقَاتِ وَالتَّسوِيفِ وَالتَّأجِيلِ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحرِصُوا عَلَى إِتبَاعِ الأَقوَالِ بِالأَفعَالِ، وَاحذَرُوا مِنَ القَولِ بِلا فِعلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِن أَشَدِّ المَقتِ وَالخَسَارَةِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفعَلُونَ * كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا ما لا تَفعَلُون).
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ
فَاتَّقُوا اللهَ - تعالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وَاعلَمُوا أَنَّ النَّجَاحَ لَيسَ في كَثَرَةِ الحَرَكَةِ وَالخُرُوجِ وَالوُلُوجِ بِلا هَدَفٍ وَلا غَايَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ في اختِيَارِ العَمَلِ الأَفضَلِ وَالأَزكَى في كُلِّ وَقتٍ بِحَسَبِهِ، إِذِ الحَرَكَةُ المُجَرَّدَةُ تَكُونُ في اتِّجَاهَاتٍ مُختَلِفَةٍ أَو مُتَضَادَّةٍ، وَقَد تَكُونُ تَرَاجُعًا أَو دَوَرَانًا في المَكَانِ نَفسِهِ، وَأَمَّا الحَرَكَةُ المُرَكَّزَةُ، فَإِنَّهَا تَقَدُّمٌ لِلأَحسَنِ وَالأَكمَلِ، وَسَيرٌ إِلى الأَمَامِ بِخُطُوَاتٍ مَدرُوسَةٍ، وَاتِّجَاهٌ نَحوَ الهَدَفِ بِلا التِفَاتٍ وَلا تَقَاعُسٍ.
اليَومَ شَيءٌ وَغَدًا مِثلُهُ *** مِن نُخَبِ العِلمِ الَّتي تُلتَقَطْ
يُحصِّلُ المَرءُ بِهَا حِكْمةً *** وَإِنَّمَا السَّيلُ اجتِمَاعُ النُّقَطْ
فَإِيهًا ـ بَنِي الإِسلامِ ـ وَالهِمَّةَ الهِمَّةَ، فَإنَّهَا الطَّرِيقُ إِلى القِمَّةِ...
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا *** تَعِبَتْ في مُرَادِهَا الأَجسَامُ
وَالصَّبرَ الصَّبرَ تَبلُغُوا...
أَخْلِقْ بِذِي الصَّبرِ أَن يَحظَى بَحَاجَتِهِ *** وَمُدمِنِ القَرعِ لِلأَبوَابِ أَن يَلِجَا
إِنَّهُ لَيسَ بَينَ النَّجَاحِ وَالإِخفَاقِ إِلاَّ صَبرُ سَاعَةٍ، وَلْيَستَشعِرِ المَرءُ أَجرَ مَا يُقَدِّمُهُ بِعِلمِهِ لِلنَّاسِ مِن خَيرٍ، وَثَوَابَ مَا يُهدِي إِلَيهِم مِن فَائِدَةٍ وَنَفعٍ، وَلْيَعلَمْ أَنَّهُ مَا مِن نَجَاحٍ إِلاَّ وَفِيهِ نَوعُ مَشَقَّةٍ، وَلَولا تِلكَ المَشَقَّةُ لَنَالَ كُلُّ النَّاسِ المَجدَ وَحَصَّلُوهُ.
لَولا المَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ *** الجُودُ يُفقِرُ وَالإِقدَامُ قَتَّالُ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: قَد يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ المُعَلِّمِينَ وَالطُّلاَّبِ أَنَّ النَّجَاحَ قَد تَمَّ لِمَن قَبلَهُم، وَأَنَّ الأَوَّلَ لم يَترُكْ لِلآخِرِ شَيئًا، وَأَنَّهُ لَيسَ في الإِمكَانِ أَحسَنُ مِمَّا كَانَ، وَإِنَّهُ حِينَ اجتَمَعَ هَذَا الشُّعُورُ البَائِسُ وَالظَّنُّ الهَزِيلُ مَعَ الكَسَلِ وَالخُمُولِ وَحُبِّ الرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ، فَقَد جَعَلَ مِن مُعَلِّمِي هَذَا الزَّمَانِ وَطُلاَّبِهِ عَالَةً عَلَى الآخَرِينَ، يَعتَدُونَ عَلَى جُهُودِهِم وَيَسرِقُونَهَا، وَلا يُفسِحُونَ لِعُقُولِهِم المَجَالَ لِتُفَكِّرَ فَتُنتِجَ وَتُبدِعَ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَاستَعِينُوا بِهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ، فَإِنَّهَ وَحدَهُ المُعِينُ عَلَى بُلُوغِ كُلِّ مَقصِدٍ، وَهُوَ المُوَفِّقُ وَالمُسَدِّدُ، وَالمُستَعَانُ وَعَلَيهِ التُّكلانُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ، وَمَتى استَعَانَ العَبدُ بِاللهِ وَاستَهدَاهُ، مَنَحَهُ - تعالى - القُوَّةَ وَهَدَاهُ، وَمَتى تَوَكَّلَ عَلَيهِ يَسَّرَ لَهُ السُّبُلَ وَكَفَاهُ ( وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ * وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.28 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]