|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#41
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ403 الى صــ 412 الحلقة (41) بعضهم عن بعض فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى ما يحزنك أما من قتل منهم فحي عندي يرزقون وأما من بقي فقد قبلت توبته فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه . وقال : ابن إسحاق لما رجع موسى إلى قومه وأحرق العجل وذراه في اليم خرج إلى ربه بمن اختار من قومه فأخذتهم الصاعقة ثم بعثوا فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى نصبر لأمر الله فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده فجلسوا بالأفنية وأصلت عليهم القوم السيوف فجعلوا يقتلونهم فهش موسى فبكى إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم فتاب الله عليهم وعفا عنهم وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما رجع موسى إلى قومه وكانوا سبعين رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه فقال : لهم موسى انطلقوا إلى موعد ربكم فقالوا يا موسى ما من توبة قال بلى : اقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم - الآية فاخترطوا السيوف والجزرة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابة قال فجعلوا يتلامسون بالأيدي ويقتل بعضهم بعضا قال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله وهو لا يدري . قال ويتنادون فيها رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه قال فقتلاهم شهداء وتيب على أحيائهم ثم قرأ "فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم" . وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون (55) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق إذ سألتم رؤيتي جهرة عيانا مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم كما قال ابن جريج قال : ابن عباس في هذه الآية "وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" قال علانية وكذا قال : إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن أبي الحويرث عن ابن عباس أنه قال : في قوله تعالى "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" أي علانية أي حتى نرى الله وقال قتادة والربيع بن أنس "حتى نرى الله جهرة" أي عيانا وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه قال فسمعوا كلاما فقالوا "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" قال فسمعوا صوتا فصعقوا يقول مالوا. وقال : مروان بن الحكم فيما خطب به على منبر مكة الصاعقة صيحة من السماء وقال السدي في قوله "فأخذتكم الصاعقة" نار وقال : عروة بن رويم في قوله "وأنتم تنظرون" قال : صعق بعضهم وبعضهم ينظرون ثم بعث هؤلاء وصعق هؤلاء وقال السدي "فأخذتكم الصاعقة" فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل ثم إن الله أحياهم فقاموا وعاشوا رجل رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون . ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (56) ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وقال الربيع بن أنس كان موتهم عقوبة لهم فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم وكذا قال : قتادة وقال : ابن جرير حدثنا محمد بن حميد حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال : لما رجع موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل وقال لأخيه وللسامري ما قال : وحرق العجل وذراه في اليم اختار موسى منهم سبعين رجلا الخير فالخير وقال انطلقوا إلى الله وتوبوا إلى الله مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم فقال له السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمروا به وخرجوا للقاء الله قالوا : يا موسى اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا فقال أفعل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى فدخل فيه وقال : للقوم ادنوا وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه : افعل ولا تفعل فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لموسى "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" فأخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فماتوا جميعا وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول "رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي" قد سفهوا أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما يفعل السفهاء منا ؟ أي إن هذا لهم هلاك واخترت منهم سبعين رجلا الخير فالخير أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا ؟ "إنا هدنا إليك" فلم يزل موسى يناشد ربه عز وجل ويطلب إليه حتى رد إليهم أرواحهم وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل فقال لا إلا أن يقتلوا أنفسهم - هذا سياق محمد بن إسحاق - وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل وتاب الله عليهم بقتل بعضهم لبعض كما أمرهم الله به أمر الله موسى أن يأتيه في كل أناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موسى فاختار موسى سبعين رجلا على عينه ثم ذهب بهم ليعتذروا وساق البقية وهذا السياق يقتضي أن الخطاب توجه إلى بني إسرائيل في قوله "وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" والمراد السبعون المختارون منهم ولم يحك كثير من المفسرين سواه وقد أغرب الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين أنهم بعد إحيائهم قالوا يا موسى إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك فادعه أن يجعلنا أنبياء فدعا بذلك فأجاب الله دعوته وهذا غريب جدا إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون وقد غلط أهل الكتاب أيضا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل فإن موسى الكليم عليه السلام قد سأل ذلك فمنع منه كيف يناله هؤلاء السبعون . القول الثاني في الآية قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية قال : لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة فوجدهم يعبدون العجل فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا فتاب الله عليهم فقال إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمركم الذي أمركم به ونهيكم الذي نهاكم عنه فقالوا ومن يأخذه بقولك أنت ؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا ويقول هذا كتابي فخذوه فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى وقرأ قول الله "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" قال فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة بعد التوبة فصعقتهم فماتوا أجمعون قال ثم أحياهم الله من بعد موتهم وقرأ قول الله "ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون" فقال لهم موسى خذوا كتاب الله فقالوا لا فقال أي شيء أصابكم ؟ فقالوا أصابنا أنا متنا ثم أحيينا قال خذوا كتاب الله قالوا لا فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم وهذا السياق يدل على أنهم كلفوا بعد ما أحيوا . وقد حكى الماوردي في ذلك قولين أحدهما أنه سقط التكليف عنهم لمعاينته الأمر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق والثاني أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف قال القرطبي وهذا هو الصحيح لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أمورا عظاما من خوارق العادات وهم في ذلك مكلفون وهذا واضح والله أعلم . وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (57) وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضا بما أسبغ عليهم من النعم فقال وظللنا عليكم الغمام وهو جمع غمامة سمي بذلك لأنه يغم السماء أي يواريها ويسترها وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون قال : ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام قال ابن أبي حاتم وروي عن ابن عمر والربيع بن أنس وأبي مجلز والضحاك والسدي نحو قول ابن عباس وقال الحسن وقتادة "وظللنا عليكم الغمام" كان هذا في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس وقال : ابن جرير قال : آخرون وهو غمام أبرد من هذا وأطيب . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد "وظللنا عليكم الغمام" قال ليس بالسحاب هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ولم يكن إلا لهم . وهكذا رواه ابن جرير عن المثنى بن إبراهيم عن أبي حذيفة وكذا رواه الثوري وغيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكأنه يريد والله أعلم أنه ليس من زي هذا السحاب بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا كما قال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال : قال ابن عباس "وظللنا عليكم الغمام" قال غمام أبرد من هذا وأطيب وهو الذي يأتي الله فيه في قوله "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر . قال ابن عباس وكان معهم في التيه : وقوله تعالى "وأنزلنا عليكم المن" اختلفت عبارات المفسرين في المن ما هو ؟ فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا . وقال مجاهد المن صمغة وقال : عكرمة المن شيء أنزله الله عليهم مثل الظل شبه الرب الغليظ وقال : السدي قالوا يا موسى كيف لنا بما هاهنا أين الطعام فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على شجرة الزنجبيل وقال : قتادة كان المن ينزل عليهم في محلهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك فإذا تعدى ذلك فسد ولم يبق حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه لشيء وهذا كله في البرية وقال : الربيع بن أنس المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه . وقال وهب بن منبه وسئل عن المن فقال خبز رقاق مثل الذرة أو مثل النقي وقال أبو جعفر بن جرير حدثني محمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد حدثنا إسرائيل عن جابر عن عامر وهو الشعبي قال : عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه العسل وقع في شعر أمية بن أبي الصلت حيث قال : فرأى الله أنهم بمضيع ... لا بذي مزرع ولا مثمورا فسناها عليهم غاديات ... ويرى مزنهم خلايا وخورا عسلا ناطفا وماء فراتا ... وحليبا ذا بهجة مزمورا فالناطف هو السائل والحليب المزمور الصافي منه والغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن فمنهم من فسره بالطعام ومنهم من فسره بالشراب والظاهر والله أعلم أنه كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كذا فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما وحلاوة وإن مزج مع الماء صار شرابا طيبا وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر ولكن ليس هو المراد من الآية وحده والدليل على ذلك قول البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير بن حريث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : قال النبي "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك وهو ابن عمير به وأخرجه الجماعة في كتبهم إلا أبا داود من طرق عن عبد الملك وهو ابن عمير به وقال الترمذي حسن صحيح ورواه البخاري ومسلم من رواية الحسن العرني عن عمرو بن حريث به وقال : الترمذي حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ومحمود بن غيلان قالا : حدثنا سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" تفرد بإخراجه الترمذي ثم قال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن محمد بن عمرو ولا من حديث سعيد بن عامر عنه وفي الباب عن سعيد بن زيد وأبي سعيد وجابر كذا قال - وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من طريق آخر عن أبي هريرة فقال : حدثنا أحمد بن الحسن بن أحمد البصري حدثنا أسلم بن سهل حدثنا القاسم بن عيسى حدثنا طلحة بن عبد الرحمن عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" وهذا حديث غريب من هذا الوجه وطلحة بن عبد الرحمن هذا السلمي الواسطي يكنى بأبي محمد وقيل أبو سليمان المؤدب قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي : روى عن قتادة أشياء لا يتابع عليها . ثم قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا الكمأة جدري الأرض فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم" وهذا الحديث قد رواه النسائي عن محمد بن بشار به وعنه عن غندر عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة به وعن محمد بن بشار عن عبد الأعلى عن خالد الحذاء عن شهر بن حوشب بقصة الكمأة فقط . وروى النسائي أيضا وابن ماجه من حديث محمد بن بشار عن أبي عبد الصمد بن عبد العزيز بن عبد الصمد عن مطر الوراق عن شهر بقصة العجوة عند النسائي وبالقصتين عند ابن ماجه وهذه الطريق منقطعة بين شهر بن حوشب وأبي هريرة فإنه لم يسمع منه بدليل ما رواه النسائي في الوليمة من سننه عن علي بن الحسين الدرهمي عن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون الكمأة وبعضهم يقول جدري الأرض فقال "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" وروى عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر كما قال الإمام أحمد حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الأعمش عن جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري قالا قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم" وقال النسائي في الوليمة أيضا حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" ثم رواه أيضا ابن ماجه من طرق عن الأعمش عن أبي بشر عن شهر عنهما به وقد رويا - أعني النسائي من حديث جرير وابن ماجه من حديث سعيد بن أبي سلمة - كلاهما عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد رواه النسائي وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" ورواه ابن مردويه عن أحمد بن عثمان عن عباس الدوري عن لاحق بن صواب عن عمار بن رزيق عن الأعمش كابن ماجه وقال : ابن مردويه أيضا حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا عباس الدوري حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأعمش عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي سعيد الخدري قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كمآت ![]()
__________________
|
|
#42
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ413 الى صــ 422 الحلقة (42) فقال "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" وأخرجه النسائي عن عمرو بن منصور عن الحسن بن الربيع به ثم ابن مردويه رواه أيضا عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن سلام عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش به وكذا رواه النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن عبيد الله بن موسى وقد روى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه كما قال ابن مردويه حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم حدثنا حمدون بن أحمد حدثنا جويرة بن أشرس حدثنا حماد عن شعيب بن الحجاب عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تداروا في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار فقال بعضهم نحسبه الكمأة فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم "الكمأة من المن وماؤها شفاء العين والعجوة من الجنة وفيها شفاء من السم" وهذا الحديث محفوظ أصله من رواية حماد بن سلمة وقد روى الترمذي والنسائي من طريقه شيئا من هذا والله أعلم : وروى عن شهر عن ابن عباس كما رواه النسائي أيضا في الوليمة عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد عن عبد الله بن عون الخراز عن أبي عبيدة الحداد عن عبد الجليل بن عطية عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" فقد اختلف كما ترى فيه على شهر بن حوشب ويحتمل عندي أنه حفظه ورواه من هذه الطرق كلها وقد سمعه من بعض الصحابة وبلغه عن بعضهم فإن الأسانيد إليه جيدة وهو لا يتعمد الكذب وأصل الحديث محفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم من رواية سعيد بن زيد رضي الله عنه . وأما السلوى فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السلوى طائر يشبه بالسماني كانوا يأكلون منه . وقال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة السلوى طائر يشبه السماني وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا قرة بن خالد عن جهضم عن ابن عباس قال السلوى هو السماني وكذا قال : مجاهد والشعبي والضحاك والحسن وعكرمة والربيع بن أنس رحمهم الله تعالى وعن عكرمة أما السلوى فطير كطير يكون بالجنة أكبر من العصفور أو نحو ذلك . وقال قتادة : السلوى كان من طير إلى الحمرة تحشرها عليهم الريح الجنوب وكان الرجل يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك فإذا تغذى فسد ولم يبق عنده حتى إذا كان يوم سادسه ليوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشيء ولا يطلبه وقال : وهب بن منبه : السلوى طير سمين مثل الحمامة كان يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت وفي رواية عن وهب وقال : سألت بنو إسرائيل موسى عليه السلام لحما فقال الله لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض فأرسل عليهم ريح فأذرت عند مساكنهم السلوى وهو السماني مثل ميل في ميل قيد رمح في السماء فخبئوا للغد فنتن اللحم وخنز الخبر وقال السدي لما دخل بنو إسرائيل التيه قالوا لموسى عليه السلام كيف لنا بما هاهنا أين الطعام فأنزل الله عليهم المن فكان ينزل على شجر الزنجبيل والسلوى وهو طائر يشبه السماني أكبر منه فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير فإن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله فإذا سمن أتاه فقالوا هذا الطعام فأين الشراب ؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فشرب كل سبط من عين فقالوا هذا الشراب فأين الظل ؟ فظلل عليهم الغمام فقالوا هذا الظل فأين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما يطول الصبيان ولا يتخرق لهم ثوب فذلك قوله تعالى "وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى" وقوله "وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين" وروي عن وهب بن منبه وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ما قاله السدي وقال : سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس خلق لهم في التيه ثياب لا تخرق ولا تدرن قال ابن جريج : فكان الرجل إذا أخذ من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسدا قال : ابن عطية السلوى طير بإجماع المفسرين وقد غلط الهذلي في قوله إنه العسل وأنشد في ذلك مستشهدا : وقاسمها بالله جهدا لأنتم ... ألذ من السلوى إذا ما أشورها قال فظن أن السلوى عسلا قال القرطبي : دعوى الإجماع لا يصح لأن المؤرخ أحد علماء اللغة والتفسير قال إنه العسل واستدل ببيت الهذلي هذا وذكر أنه كذلك في لغة كنانة لأنه يسلى به ومنه عين سلوان وقال الجوهري : السلوى العسل واستشهد ببيت الهذلي أيضا والسلوانة بالضم خرزة كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربها العاشق سلا قال الشاعر : شربت على سلوانة ماء مزنة ... فلا وجديد العيش يا مي ما أسلو واسم ذلك الماء السلوان وقال بعضهم السلوان دواء يشفي الحزين فيسلو والأطباء يسمونه مفرج قالوا والسلوى جمع بلفظ الواحد أيضا كما يقال سماني للمفرد والجمع وويلي كذلك وقال الخليل واحده سلواة وأنشد : وإني لتعروني لذكراك هزة وكما انتفض السلواة من بلل القطر وقال الكسائي : السلوى واحدة وجمعه سلاوي نقله كله القرطبي وقوله تعالى "كلوا من طيبات ما رزقناكم" أمر إباحة وإرشاد وامتنان وقوله تعالى "وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا كما قال "كلوا من رزق ربكم واشكروا له" فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات والمعجزات القاطعات وخوارق العادات ومن هاهنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم مع ما كانوا معه في أسفاره وغزواته منها عام تبوك في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد لم يسألوا خرق عادة ولا إيجاد أمر مع أن ذلك كان سهلا على النبي ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم فجاء قدر مبرك الشاة فدعا الله فيه وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى فجاءتهم سحابة فأمطرتهم فشربوا وسقوا الإبل وملئوا أسقيتهم ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر . فهذا هو الأكمل في اتباع الشيء مع قدر الله مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58) وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين يقول تعالى لائما لهم على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من بر مصر صحبة موسى عليه السلام فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل وقتال من فيها من العماليق الكفرة فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا فرماهم الله في التيه عقوبة لهم كما ذكره تعالى في سورة المائدة ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس كما نص على ذلك السدي والربيع بن أنس وقتادة وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد وقد قال الله تعالى حاكيا عن موسى "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا" الآيات . وقال : آخرون هي أريحا ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد وهذا بعيد لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحا وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنها مصر حكاه الرازي في تفسيره والصحيح الأول أن بيت المقدس وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام وفتحها الله عليهم عشية جمعة وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح ولما فتحوها أقروا أن يدخلوا الباب باب البلد "سجدا" أي شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس إنه كان يقول في قوله تعالى "وادخلوا الباب سجدا" أي ركعا وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "وادخلوا الباب سجدا" قال ركعا من باب صغير رواه الحاكم من حديث سفيان به ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان وهو الثوري به وزاد فدخلوا من قبل استاههم وقال الحسن البصري أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم واستبعده الرازي وحكى عن بعضهم أن المراد هاهنا في السجود الخضوع لتعذر حمله على حقيقته وقال الخصيف : قال عكرمة قال ابن عباس كان الباب قبل القبلة وقال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة والضحاك هو باب الحطة من باب إيلياء ببيت المقدس وحكى الرازي عن بعضهم أنه عنى بالباب جهة من جهات القبلة وقال خصيف قال عكرمة قال : ابن عباس فدخلوا على شق وقال السدي عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود عن عبد الله بن مسعود قيل لهم ادخلوا الباب سجدا فدخلوا مقنعي رءوسهم أي رافعي رءوسهم خلاف ما أمروا وقوله تعالى "وقولوا حطة" قال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "وقولوا حطة" قال مغفرة استغفروا وروى عن عطاء والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه وقال الضحاك عن ابن عباس "وقولوا حطة" قال قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم وقال عكرمة قولوا "لا إله إلا الله" وقال الأوزاعي. كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه فسأله عن قوله تعالى "وقولوا حطة" فكتب إليه أن أقروا بالذنب وقال : الحسن وقتادة أي احطط عنا خطايانا "نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين" وقال هذا جواب الأمر أي إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضعفنا لكم الحسنات وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها والشكر على النعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب عند الله تعالى "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا" فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر وفسره ابن عباس بأنه نعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها وأقره على ذلك عمر رضي الله عنه ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك ونعي إليه روحه الكريمة أيضا ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جدا عند النصر كما روي أنه كان يوم الفتح فتح مكة داخلا إليها من الثنية العليا وإنه لخاضع لربه حتى أن عثنونه ليمس مورك رحله شكرا لله على ذلك ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضحى وقال : بعضهم هذه صلاة الضحى وقال : آخرون بل هي صلاة الفتح فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدا أن يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات والصحيح أنه يفصل بين كل ركعتين بتسليم وقيل يصليها كلها بتسليم واحد والله أعلم . فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (59) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون وقوله تعالى فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم قال : البخاري حدثني محمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة - فدخلوا يزحفون على استاهم فبدلوا وقالوا حبة في شعرة" ورواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن به موقوفا وعن محمد بن عبيد بن محمد عن ابن المبارك ببعضه مسندا في قوله تعالى "حطة" قال فبدلوا وقالوا حبة وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله لبني إسرائيل "ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم" فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على استاههم فقالوا حبة في شعرة "وهذا حديث صحيح رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ومسلم عن محمد بن رافع والترمذي عن عبد الرحمن بن حميد كلهم عن عبد الرزاق به وقال الترمذي حسن صحيح وقال محمد بن إسحاق كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة وعمن لا أتهم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" دخلوا الباب - الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا - يزحفون على استاههم وهم يقولون حنطة في شعيرة "وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح وحدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم" قال الله لبني إسرائيل "ادخلوا الباب سجدا" وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم "ثم قال أبو داود حدثنا أحمد بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بمثله هكذا رواه منفردا به في كتاب الحروف مختصرا وقال : ابن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا أحمد بن محمد بن المنذر القزاز حدثنا محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل أجزنا في ثنية يقال لها ذات الحنظل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل "ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم" وقال : سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء "سيقول السفهاء من الناس" قال : اليهود قيل لهم ادخلوا الباب سجدا قال : ركعا وقولوا حطة أي مغفرة فدخلوا على استاههم وجعلوا يقولون حنطة حمراء فيها شعيرة فذلك قول الله تعالى "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم" وقال الثوري عن السدي عن أبي سعد الأزدي عن أبي الكنود عن ابن مسعود وقولوا حطة فقالوا حنطة حبة حمراء فيها شعيرة فأنزل الله "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم" وقال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود أنه قال إنهم قالوا هطا سمعانا أزبة مزبا فهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء فذلك قوله تعالى "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم" وقال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس في قوله تعالى "ادخلوا الباب سجدا" قال ركعا من باب صغير فدخلوا من قبل استاههم وقالوا حنطة فذلك قوله تعالى "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم" وهكذا روي عن عطاء ومجاهد وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن رافع . وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل فأمروا أن يدخلوا سجدا فدخلوا يزحفون على استاههم من قبل استاههم رافعي رءوسهم وأمروا أن يقولوا حطة أي احطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزءوا فقالوا حنطة في شعيرة وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته. ولهذا قال "فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون" وقال الضحاك عن ابن عباس كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب وهكذا روي عن مجاهد وأبي مالك والسدي والحسن وقتادة أنه العذاب وقال أبو العالية الرجز الغضب وقال الشعبي الرجز إما الطاعون وإما البرد وقال سعيد بن جبير هو الطاعون وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد يعني ابن أبي وقاص عن سعد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم" وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به ![]()
__________________
|
|
#43
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ423 الى صــ 432 الحلقة (43) وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت "إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها" الحديث قال ابن جرير أخبرني يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس عن الزهري قال : أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم" وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين من حديث الزهري ومن حديث مالك عن محمد ابن المنكدر وسالم بن أبي النضر عن عامر بن سعد بنحوه . وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين (60) وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى عليه السلام حين استسقاني لكم وتيسيري لكم الماء وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينا كل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها فكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد واعبدوا الذي سخر لكم ذلك "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها. وقد بسطه المفسرون في كلامهم كما قال : ابن عباس رضي الله عنه وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع وأمر موسى عليه السلام فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلاث عيون وأعلم كل سبط عينهم يشربون منها لا يرتحلون من منقلة إلا وجدوا ذلك معهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول وهذا قطعة من الحديث الذي رواه النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وهو حديث الفتون الطويل . وقال : عطية العوفي وجعل لهم حجرا مثل رأس الثور يحمل على ثور فإذا نزلوا منزلا وضعوه فضربه موسى عليه السلام بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فإذا ساروا حملوه على ثور فاستمسك الماء وقال : عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه كان لبني إسرائيل حجر فكان يضعه هارون ويضربه موسى بالعصا وقال قتادة كان حجرا طوريا من الطور يحملونه معهم حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه وقال : الزمخشري وقيل كان من رخام وكان ذراعا في ذراع وقيل مثل رأس الإنسان وقيل كان من الجنة طوله عشرة أذرع على طول موسى وله شعبتان يتقدان في الظلمة وكان يحمل على حمار قال وقيل أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب فدفعه إليه مع العصا وقيل هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل فقال : له جبريل ارفع هذا الحجر فإن فيه قدرة ولك فيه معجزة فحمله في مخلاته قال الزمخشري محتمل أن تكون اللام للجنس لا للعهد أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر وعن الحسن لم يأمره أن يضرب حجرا بعينه قال وهذا أظهر في المعجزة وأبين في القدرة فكان يضرب الحجر بعصاه فينفجر ثم يضربه فييبس فقالوا إن فقد موسى هذا الحجر عطشنا فأوحى الله إليه أن يكلم الحجارة فتنفجر ولا يمسها بالعصا لعلهم يقرون والله أعلم وقال يحيى بن النضر : قلت لجويبر كيف علم كل أناس مشربهم ؟ قال : كان موسى يضع الحجر ويقوم من كل سبط رجل ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا فينضح من كل عين على رجل فيدعو ذلك الرجل سبطه إلى تلك العين وقال الضحاك : قال ابن عباس لما كان بنو إسرائيل في التيه شق لهم من الحجر أنهارا وقال الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس : قال ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار منه اثنتي عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها وقال مجاهد نحو قول ابن عباس وهذه القصة شبيهة بالقصة التي في سورة الأعراف ولكن تلك مكية ; فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب لأن الله تعالى يقص على رسوله - صلى الله عليه وسلم ما فعل بهم . وأما في هذه السورة وهي البقرة فهي مدنية فلهذا كان الخطاب فيها متوجها إليهم وأخبر هناك بقوله "فانبجست منه اثنتا عشرة عينا" وهو أول الانفجار وأخبر هاهنا بما آل إليه الحال آخرا وهو الانفجار فناسب ذكر الانفجار هاهنا وذاك هناك والله أعلم . وبين السياقين تباين من عشرة أوجه لفظية ومعنوية قد سأل عنها الزمخشري في تفسيره وأجاب عنها بما عنده والأمر في ذلك قريب والله أعلم . وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (61) وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى طعاما طيبا نافعا هنيئا سهلا واذكروا دبركم وضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها مما سألتم قال الحسن البصري فبطروا ذلك فلم يصبروا عليه وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقل وفوم فقالوا "يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها" وإنما قالوا على طعام واحد وهم يأكلون المن والسلوى لأنه لا يتبدل ولا يتغير كل يوم فهو مأكل واحد . فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة وأما الفوم فقد اختلف السلف في معناه فوقع في قراءة ابن مسعود وثومها بالثاء وكذا فسره مجاهد في رواية ليث بن أبي سليم عنه بالثوم . وكذا الربيع بن أنس وسعيد بن جبير وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحاق البصري عن يونس عن الحسن في قوله "وفومها" قال : قال ابن عباس الثوم قال وفي اللغة القديمة فوموا لنا بمعنى اختبزوا قال ابن جرير : فإن كان ذلك صحيحا فإنه من الحروف المبدلة كقولهم : وقعوا في عاثور شر وعافور شر وأثافي وأثاثي ومغافير ومغاثير وأشباه ذلك مما تقلب الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما والله أعلم وقال آخرون الفوم الحنطة وهو البر الذي يعمل منه الخبز قال : ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة أنبأنا ابن وهب قراءة حدثني نافع بن أبي نعيم أن ابن عباس سئل عن قول الله "وفومها" ما فومها ؟ قال الحنطة . قال ابن عباس. أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول : قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ... ورد المدينة عن زراعة فوم وقال ابن جرير حدثنا علي بن الحسن حدثنا مسلم الجهني حدثنا عيسى بن يونس عن رشيد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس في قول الله "وفومها" قال الفوم الحنطة بلسان بني هاشم وكذا قال علي بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس وعكرمة عن ابن عباس أن الفوم الحنطة وقال سفيان الثوري : عن ابن جريج عن مجاهد وعطاء "وفومها" قالا وخبزها. وقال هشيم عن يونس عن الحسن وحصين أبي مالك "وفومها" قال الحنطة وهو قول عكرمة والسدي والحسن البصري وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم فالله أعلم وقال الجوهري : الفوم الحنطة وقال ابن دريد : الفوم السنبلة . وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة أن الفوم كل حب يختبز. قال وقال بعضهم هو الحمص لغة شامية ومنه يقال لبائعه فامي مغير عن فومي قال البخاري . وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم وقوله تعالى "قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير" فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة مع ما هم فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيء الطيب النافع . وقوله تعالى "اهبطوا مصرا" هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية وهو قراءة الجمهور بالصرف . قال ابن جرير : ولا أستجيز القراءة بغير ذلك لإجماع المصاحف على ذلك : وقال ابن عباس "اهبطوا مصرا" من الأمصار رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد البقال سعيد بن المرزبان عن عكرمة عنه قال : وروي عن السدي وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك وقال ابن جرير وقع في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود "اهبطوا مصر" من غير إجراء يعني من غير صرف ثم روى عن أبي العالية والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية والربيع وعن الأعمش أيضا . قال ابن جرير ويحتمل أن يكون المراد مصر فرعون على قراءة الإجراء أيضا . ويكون ذلك من باب الاتباع لكتابة المصحف كما في قوله تعالى "قواريرا قواريرا" ثم توقف في المراد ما هو أمصر فرعون أم مصر من الأمصار وهذا الذي قاله فيه نظر والحق أن المراد مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره والمعنى على ذلك لأن موسى عليه السلام يقول لهم هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز بل هو كثيرا في أي بلد دخلتموها وجدتموه فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه . ولهذا قال "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم" أي ما طلبتم ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا إليه والله أعلم يقول تعالى "وضربت عليهم الذلة والمسكنة" أي وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا أي لا يزالون مستذلين من وجدهم استذلهم وأهانهم وضرب عليهم الصغار وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء مستكينون . وقال الضحاك عن ابن عباس "وضربت عليهم الذلة والمسكنة" قال هم أصحاب القبالات يعني الجزية . وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى "وضربت عليهم الذلة" قال يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وقال الضحاك وضربت عليهم الذلة قال الذل . وقال الحسن أذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي المسكنة الفاقة . وقال عطية العوفي الخراج وقال الضحاك الجزية وقوله تعالى "وباءوا بغضب من الله" قال الضحاك استحقوا لغضب من الله وقال الربيع بن أنس فحدث عليهم غضب من الله وقال سعيد بن جبير "وباءوا بغضب من الله" يقول استوجبوا سخطا وقال ابن جرير : يعني بقوله وباءوا بغضب من الله انصرفوا ورجعوا ولا يقال باء إلا موصولا إما بخير وإما بشر يقال منه باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء ومنه قوله تعالى "إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك" يعني تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني . فمعنى الكلام إذا رجعوا منصرفين متحملين غضب الله قد صار عليهم من الله غضب ووجب عليهم من الله سخط. وقوله تعالى "ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق" يقول تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة بسبب استكبارهم عن اتباع الحق وكفرهم بآيات الله وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم فلا كفر أعظم من هذا أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا إسماعيل عن ابن عون عن عمرو بن سعد عن حميد بن عبد الرحمن قال : قال ابن مسعود كنت لا أحجب عن النجوى ولا عن كذا ولا عن كذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي فأدركته من آخر حديثه وهو يقول يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب أن أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو البغي ؟ فقال "لا ليس ذلك من البغي ولكن البغي من بطر أو قال سفه الحق وغمط الناس" يعني رد الحق وانتقاص الناس والازدراء بهم والتعاظم عليهم ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله وقتلهم أنبياءه أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة جزاء وفاقا قال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا أبان حدثنا عاصم عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين" وقوله تعالى "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون فالعصيان فعل المناهي والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به والله أعلم . إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62) إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون لما بين تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم وما أحل بهم من النكال نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمر بن أبي عمر العدوي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : قال سلمان رضي الله عنه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكرت من صلاتهم وعبادتهم فنزلت "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر" الآية وقال السدي إن "الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا" الآية نزلت في أصحاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال : كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك ستبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم "يا سلمان من أهل النار" فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الآية فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا . قال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا "قلت" هذا لا ينافي ما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر" - قال - فأنزل الله بعد ذلك "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه به فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة فاليهود أتباع موسى عليه السلام والذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة كقول موسى عليه السلام "إنا هدنا إليك" أي تبنا فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض وقيل لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب وقال أبو عمرو بن العلاء لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له فأصحابه وأهل دينه هم النصارى وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم وقد يقال لهم أنصار أيضا كما قال عيسى عليه السلام "من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله" وقيل إنهم سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة قاله قتادة وابن جريج وروي عن ابن عباس أيضا والله أعلم . والنصارى جمع نصران كنشاوى جمع نشوان وسكارى جمع سكران ويقال للمرأة نصرانة قال الشاعر : نصرانة لم تحنف فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق وجب عليهم تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانكفاف عما عنه زجر وهؤلاء هم المؤمنون حقا وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية وأما الصابئين فقد اختلف فيهم فقال سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه . وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحو ذلك وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي وأبو الشعثاء جابر بن زيد والضحاك وإسحاق بن راهويه الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم. وقال هشيم عن مطرف : كنا عند الحكم بن عتبة فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين إنهم كالمجوس فقال الحكم ألم أخبركم بذلك وقال عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن عبد الكريم سمعت الحسن ذكر الصابئين فقال : هم قوم يعبدون الملائكة . ![]()
__________________
|
|
#44
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ433 الى صــ 442 الحلقة (44) وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن قال : أخبر زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس قال : فأراد أن يضع عنهم الجزية قال فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة وقال أبو جعفر الرازي بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرءون الزبور ويصلون للقبلة وكذا قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال : الصابئون قوم مما يلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات وسئل وهب بن منبه عن الصابئين فقال : الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا . وقال عبد الله بن وهب : قال عبد الرحمن بن زيد الصابئون أهل دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله قال ولم يؤمنوا برسول فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هؤلاء الصابئون يشبهونهم بهم يعني في قوله لا إله إلا الله . وقال الخليل : هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن أبي نجيح أنهم قوم تركب دينهم بين اليهود والمجوس ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم قال القرطبي : والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم وأنهم فاعلة ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب بمعنى أن الله جعلها قبلة للعبادة والدعاء أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها قال : وهذا القول هو المنسوب إلى الكشرانيين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام رادا عليهم ومبطلا لقولهم وأظهر الأقوال - والله أعلم - قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه . ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئ أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك وقال بعض العلماء الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي والله أعلم . وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون (63) وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون يقول تعالى مذكرا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له واتباع رسله وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل فوق رءوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه ويأخذوه بقوة وجزم وامتثال كما قال تعالى "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون" فالطور هو الجبل كما فسره به في الأعراف ونص على ذلك ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن والضحاك والربيع بن أنس وغير واحد وهذا ظاهر وفي رواية عن ابن عباس الطور ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور وفي حديث الفتون عن ابن عباس أنهم لما امتنعوا عن الطاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا . وقال السدي : فلما أبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم فنظروا إليه وقد غشيهم فسقطوا سجدوا فسجدوا على شق ونظروا بالشق الآخر فرحمهم الله فكشفه عنهم فقالوا والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك وذلك قول الله تعالى "ورفعنا فوقكم الطور" وقال الحسن في قوله "خذوا ما آتيناكم بقوة" يعني التوراة وقال أبو العالية والربيع بن أنس بقوة أي بطاعة وقال مجاهد : بقوة بعمل بما فيه وقال قتادة "خذوا ما آتيناكم بقوة" قوة الجد وإلا قذفته عليكم . قال : فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة ومعنى قوله وإلا قذفته عليكم أي أسقطه عليكم يعني الجبل . وقال أبو العالية والربيع "واذكروا ما فيه" يقول اقرءوا ما في التوراة واعملوا به . ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين (64) ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين قوله تعالى "ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم" يقول تعالى ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه "فلولا فضل الله عليكم ورحمته" أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم "لكنتم من الخاسرين" بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة . ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين (65) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين يقول تعالى "ولقد علمتم" يا معشر اليهود ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره إذ كان مشروعا لهم فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل فلم تخلص منها يومها ذلك فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر وليس بإنسان حقيقة فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن كان جزاؤهم من جنس عملهم وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون" القصة بكمالها . وقال السدي : أهل هذه القرية هم أهل أيلة وكذا قال قتادة وسنورد أقوال المفسرين هناك مبسوطة إن شاء الله وبه الثقة وقوله تعالى "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة . وإنما هو مثل ضربه الله "كمثل الحمار يحمل أسفارا" ورواه ابن جرير عن المثنى عن أبي حذيفة وعن محمد بن عمر الباهلي وعن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به وهذا سند جيد عن مجاهد وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره قال الله تعالى "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت" الآية وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" فجعل الله منهم القردة والخنازير فزعم أن شباب القوم صاروا قردة وأن الشيخة صاروا خنازير : وقال شيبان النحوي عن قتادة "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" فصار القوم قردة تعاوى لها أذناب بعد ما كانوا رجالا ونساء وقال عطاء الخراساني نودوا يا أهل القرية كونوا قردة خاسئين فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون يا فلان ألم ننهكم فيقولون برءوسهم أي بلى وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن حدثنا عبد الله بن محمد بن ربيعة بالمصيصة حدثنا محمد بن مسلم يعني الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقا ثم هلكوا ما كان للمسخ نسل . وقال الضحاك عن ابن عباس فمسخهم الله قردة بمعصيتهم يقول إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام قال ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة أيام التي ذكرها الله في كتابه فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة وكذلك يفعل بمن يشاء كما يشاء . ويحوله كما يشاء وقال أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله "كونوا قردة خاسئين" قال يعني أذلة صاغرين وروي عن مجاهد وقتادة والربيع وأبي مالك نحوه وقال محمد بن إسحاق عن داود بن أبي الحصين عن عكرمة قال : قال ابن عباس إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم - يوم الجمعة - فخالفوا إلى السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها مدين فحرم الله عليهم في السبت الحيتان صيدها وأكلها وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعا إلى ساحل بحرهم حتى إذا ذهب السبت ذهبن فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا حتى إذا كان يوم السبت أتين شرعا حتى إذا ذهب السبت ذهبن فكانوا كذلك حتى طال عليهم الأمد وقرموا إلى الحيتان عمد رجل منهم فأخذ حوتا سرا يوم السبت فحزمه بخيط ثم أرسله في الماء وأوتد له وتدا في الساحل فأوثقه ثم تركه حتى إذا كان الغد جاء فأخذه أي إني لم آخذه في يوم السبت فانطلق به فأكله حتى إذا كان يوم السبت الآخر عاد لمثل ذلك ووجد الناس ريح الحيتان فقال أهل القرية والله لقد وجدنا ريح الحيتان ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل قال ففعلوا كما فعل وصنعوا سرا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم العقوبة حتى صادوها علانية وباعوها في الأسواق فقالت طائفة منهم من أهل البقية ويحكم اتقوا الله ونهوهم عما كانوا يصنعون فقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ولم تنه القوم عما صنعوا : لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ؟ قالوا معذرة إلى ربكم بسخطنا أعمالهم ولعلهم يتقون قال ابن عباس : فبينا هم على ذلك أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم فقدوا الناس فلم يروهم قال : فقال بعضهم لبعض إن للناس شأنا فانظروا ما هو فذهبوا ينظرون في دورهم فوجدوها مغلقة عليهم قد دخلوها ليلا فغلقوها على أنفسهم كما يغلق الناس على أنفسهم فأصبحوا فيها قردة وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد والمرأة بعينها وإنها لقردة والصبي بعينه وإنه لقرد قال : قال ابن عباس : فلولا ما ذكر الله أنه نجى الذين نهوا عن السوء لقد أهلك الله الجميع منهم قال وهي القرية التي قال جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم "" واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر "الآية ." وروى الضحاك عن ابن عباس نحوا من هذا وقال السدي في قوله تعالى "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" قال هم أهل أيلة وهي القرية التي كانت حاضرة البحر فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت - وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئا - لم يبق في البحر حوت إلا خرج حتى يخرجن خراطيمهن من الماء يوم الأحد لزمن سفل البحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت فذلك قوله تعالى "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم" فاشتهى بعضهم السمك فجعل الرجل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهرا إلى البحر فإذا كان يوم السبت فتح النهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة فيريد الحوت أن يخرج فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر فيمكث فيها فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه فجعل الرجل يشوي السمك فيجد جاره روائحه فيسأله فيخبره فيصنع مثل ما صنع جاره حتى فشا فيهم أكل السمك فقال لهم علماؤهم : ويحكم إنما تصطادون يوم السبت وهو لا يحل لكم فقالوا إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه فقال الفقهاء لا ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل قال وغلبوا أن ينتهوا . فقال بعض الذين نهوهم لبعض "لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا" يقول لم تعظوهم وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم فقال بعضهم "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون" فلما أبوا قال المسلمون والله لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بجدار ففتح المسلمون بابا والمعتدون في السبت بابا ولعنهم داود عليه السلام فجعل المسلمون يخرجون من بابهم والكفار من بابهم فخرج المسلمون ذات يوم ولم يفتح الكفار بابهم فلما أبطئوا عليهم تسور المسلمون عليهم الحائط فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ففتحوا عنهم فذهبوا في الأرض فذلك قول الله تعالى "فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين" وذلك حين يقول "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم" الآية فهم القردة "قلت" والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الأئمة بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهد رحمه الله من أن مسخهم إنما كان معنويا لا صوريا بل الصحيح أنه معنوي صوري والله تعالى أعلم . فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين (66) فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين وقوله تعالى "فجعلناها نكالا" قال بعضهم الضمير في فجعلناها عائد على القردة وقيل على الحيتان وقيل على العقوبة وقيل على القرية حكاها ابن جرير والصحيح أن الضمير عائد على القرية أي فجعل الله هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم "نكالا" أي ما عاقبناهم عقوبة فجعلناها عبرة كما قال الله عن فرعون "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى" وقوله تعالى لما بين يديها وما خلفها أي من القرى قال ابن عباس : يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرة لما حولها من القرى كما قال تعالى "ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون" ومنه قوله تعالى "أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" الآية على أحد الأقوال فالمراد لما بين يديها وما خلفها في المكان كما قال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس : لما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى وكذا قال سعيد بن جبير لما بين يديها وما خلفها قال من بحضرتها من الناس يومئذ . وروي عن إسماعيل بن أبي خالد وقتادة وعطية العوفي "فجعلناها نكالا لما بين يديها" قال ما قبلها من الماضين في شأن السبت وقال أبو العالية والربيع وعطية : وما خلفها لما بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم وكان هؤلاء يقولون المراد لما بين يديها وما خلفها في الزمان. وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس أن تكون أهل تلك القرية عبرة لهم وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام أن تضر الآية به وهو أن يكون عبرة لمن سبقهم ؟ وهذا لعل أحدا من الناس لا يقوله بعد تصوره - فتعين أن المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان وهو ما حولها من القرى كما قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والله أعلم . وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية "فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها" أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم وقال ابن أبي حاتم : وروى عن عكرمة ومجاهد والسدي والفراء وابن عطية : لما بين يديها من ذنوب القوم وما خلفها لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب وحكى الرازي ثلاثة أقوال أحدها أن المراد بما بين يديها وما خلفها من تقدمها من القرى بما عندهم من العلم يخبرها بالكتب المتقدمة ومن بعدها . والثاني المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم . والثالث أنه تعالى جعلها عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده وهو قول الحسن "قلت" وأرجح الأقوال المراد بما بين يديها وما خلفها من بحضرتها من القرى يبلغهم خبرها وما حل بها كما قال تعالى "ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى" الآية وقال تعالى "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" الآية وقال تعالى "أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" فجعلهم عبرة ونكالا لمن في زمانهم وموعظة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم ولهذا قال "وموعظة للمتقين" : وقوله تعالى "وموعظة للمتقين" قال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس "وموعظة للمتقين" الذين من بعدهم إلى يوم القيامة وقال الحسن وقتادة "وموعظة للمتقين" بعدهم فيتقون نقمة الله ويحذرونها وقال السدي وعطية العوفي "وموعظة للمتقين" قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم "قلت" المراد بالموعظة هاهنا الزاجر أي جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في مقابلة ما ارتكبوه من محارم الله وما تحيلوا به من الحيل فليحذر المتقون صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم كما قال الإمام أبو عبد الله بن بطة حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" وهذا إسناد جيد وأحمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح والله أعلم . وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين (67) وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين يقول تعالى : واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة وبيان القاتل من هو بسببها وإحياء الله المقتول ونصه على من قتله منه "ذكر بسط القصة" قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال : كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض . ![]()
__________________
|
|
#45
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ443 الى صــ 452 الحلقة (45) فقال ذوو الرأي منهم والنهي : علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم ؟ فأتوا موسى عليه السلام فذكروا ذلك له فقال "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" قال : فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا من قتلك ؟ فقال : هذا - لابن أخيه - ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا فلم يورث قاتل بعد ورواه ابن جرير من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحو من ذلك والله أعلم . ورواه عبد بن حميد في تفسيره أنبأنا يزيد بن هارون به ورواه آدم بن أبي إياس في تفسيره عن أبي جعفر هو الرازي عن هشام بن حسان به وقال آدم ابن أبي إياس في تفسيره : أنبأنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية في قول الله تعالى "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" قال : كان رجل من بني إسرائيل وكان غنيا ولم يكن له ولد وكان له قريب وكان وارثه فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق وأتى موسى عليه السلام فقال له إن قريبي قتل وإني إلى أمر عظيم وإني لا أجد أحدا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله قال : فنادى موسى في الناس فقال : أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا يبينه لنا فلم يكن عندهم علم فأقبل القاتل على موسى عليه السلام فقال له أنت نبي الله فسل لنا ربك أن يبين لنا فسأل ربه فأوحى الله "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" فعجبوا من ذلك "فقالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض" يعني لا هرمة "ولا بكر" يعني ولا صغيرة "عوان بين ذلك" أي نصف بن البكر والهرمة "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها" أي صاف لونها "تسر الناظرين" أي تعجب الناظرين "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول" أي لم يذللها العمل "تثير الأرض ولا تسقي الحرث" يعني وليست بذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث يعني ولا تعمل في الحرث "مسلمة" يعني مسلمة من العيوب "لا شية فيها" يقول لا بياض فيها قالوا "الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون" قال ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ولولا أن القوم استثنوا فقالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون لما هدوا إليها أبدا فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعت لهم إلا عند عجوز وعندها يتامى وهي القيمة عليهم فلما علمت أنه لا يزكو لهم غيرها أضعفت عليهم الثمن فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة وأنها سألت أضعاف ثمنها فقال موسى إن الله قد خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها . ففعلوا واشتروها فذبحوها فأمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ففعلوا فرجع إليه روحه فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان فأخذ قاتله وهو الذي كان أتى موسى عليه السلام فشكا إليه فقتله الله على أسوأ عمله وقال محمد بن جرير حدثني محمد بن سعيد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس في قوله في شأن البقرة وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى عليه السلام كان مكثرا من المال وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم وكان الشيخ لا ولد له وكان بنو أخيه ورثته فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله . وإنه لما تطاول عليهم أن لا يموت عمهم أتاهم الشيطان فقال لهم هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله وتغرموا أهل المدينة التي لستم بهاديته وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما وكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيتهما كانت أقرب إليه غرمت الدية وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم عمدوا إليه فقتلوه ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا عمنا قتل على باب مدينتكم فوالله لتغرمن لنا دية عمنا . قال أهل المدينة نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا وإنهم عمدوا إلى موسى عليه السلام فلما أتوه قال بنو أخي الشيخ : عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم وقال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا . وأن جبريل جاء بأمر السميع العليم إلى موسى عليه السلام فقال قل لهم "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" فتضربوه ببعضها . وقال السدي "وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" قال : كان رجل من بني إسرائيل مكثرا من المال فكانت له ابنة وكان له ابن أخ محتاج فخطب إليه ابن أخيه ابنته فأبى أن يزوجه فغضب الفتى وقال والله لأقتلن عمي ولآخذن ماله ولأنكحن ابنته ولآكلن ديته فأتاه الفتى وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل فقال يا عم انطلق معي فخذ من تجارة هؤلاء القوم لعلي أن أصيب منها فإنهم إذا رأوك معي أعطوني فخرج العم مع الفتى ليلا فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى ثم رجع إلى أهله فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه كأنه لا يدري أين هو فلم يجده فانطلق نحوه فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه فأخذهم وقال قتلتم عمي فأدوا إلي ديته فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه وينادي واعماه فرفعهم إلى موسى فقضى عليهم بالدية فقال له يا رسول الله ادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه فيؤخذ صاحب القضية فوالله إن ديته علينا لهينة ولكن نستحي أن نعير به فذلك حين يقول تعالى "وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون" فقال لهم موسى "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" قالوا نسألك عن القتيل وعمن قتله وتقول اذبحوا بقرة أتهزأ بنا وقال "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" قال ابن عباس : فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكن شددوا وتعنتوا على موسى فشدد الله عليهم فقالوا "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك" والفارض الهرمة التي لا تلد والبكر التي لم تلد إلا ولدا واحدا والعوان النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها "فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها" قال نقي لونها "تسر الناظرين" قال تعجب الناظرين "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها" من بياض ولا سواد ولا حمرة "قالوا الآن جئت بالحق" فطلبوها فلم يقدروا عليها وكان رجل في بني إسرائيل من أبر الناس بأبيه وإن رجلا مر به معه لؤلؤ يبيعه وكان أبوه نائما تحت رأسه المفتاح فقال له الرجل : تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفا ؟ فقال له الفتى : كما أنت حتى يستيقظ أبي فآخذه منك بثمانين ألفا قال الآخر : أيقظ أباك وهو لك بستين ألفا . فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفا وزاد الآخر على أن ينتظر أباه حتى يستيقظ حتى بلغ مائة ألف فلما أكثر عليه قال والله لا أشتريه منك بشيء أبدا وأبى أن يوقظ أباه فعوضه الله من ذلك اللؤلؤ أن يجعل له تلك البقرة فمرت به بنو إسرائيل يطلبون البقرة وأبصروا البقرة عنده فسألوه أن يبيعهم إياها بقرة ببقرة فأبى فأعطوه ثنتين فأبى فزادوه حتى بلغوا عشرا . فقالوا والله لا نتركك حتى نأخذها منك فانطلقوا به إلى موسى عليه السلام فقالوا يا نبي الله إنا وجدناها عند هذا وأبى أن يعطيناها وقد أعطيناه ثمنا . فقال له موسى : أعطهم بقرتك . فقال : يا رسول الله أنا أحق بمالي. فقال صدقت . وقال للقوم : أرضوا صاحبكم فأعطوه وزنها ذهبا فأبى فأضعفوه له حتى أعطوه وزنها عشر مرات ذهبا فباعهم إياها وأخذ ثمنها فذبحوها قال اضربوه ببعضها فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش فسألوه من قتلك ؟ فقال لهم ابن أخي قال : أقتله فآخذ ماله وأنكح ابنته . فأخذوا الغلام فقتلوه وقال سنيد : حدثنا حجاج هو ابن محمد عن ابن جريج عن مجاهد وحجاج عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - دخل حديث بعضهم في حديث بعض - قالوا إن سبطا من بني إسرائيل لما رأوا 2?ثرة شرور الناس بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه وإذا أصبحوا أقام رئيسهم فنظر وأشرف فإذا له لم ير شيئا فتح المدينة فكانوا مع الناس حتى يمسوا قال : وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ولم يكن له وارث غير أخيه فطال عليه حياته فقتله ليرثه ثم حمله فوضعه على باب المدينة ثم كمن في مكان هو وأصحابه قال فأشرف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر فلم ير شيئا ففتح الباب فلما رأى القتيل رد الباب فناداه أخو المقتول وأصحابه هيهات قتلتموه ثم تردون الباب ؟ وكان موسى لما رأى القتل كثيرا في بني إسرائيل كان إذا رأى القتيل بين ظهراني القوم أخذه فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال حتى لبس الفريقان السلاح ثم كف بعضهم عن بعض فأتوا موسى فذكروا له شأنهم قالوا : يا موسى إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب قال أهل المدينة : يا رسول الله قد عرفت اعتزلنا الشرور وبنينا مدينة كما رأيت نعتزل شرور الناس والله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا . فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة فقال لهم موسى "إن الله أمركم أن تذبحوا بقرة" وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم فيها اختلاف الظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل وهي مما يجوز نقلها ولكن لا تصدق ولا تكذب فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا والله أعلم . قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (68) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم وهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي" أي ما هذه البقرة وأي شيء صفتها قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا هشام بن علي عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها ولكنهم شددوا فشدد عليهم - إسناده صحيح - وقد رواه غير واحد عن ابن عباس وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد وقال ابن جريج : قال لي عطاء لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم قال ابن جريج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وايم الله لو أنهم لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد" قال "إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر" أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها الفحل كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة وقاله ابن عباس أيضا وقال الضحاك عن ابن عباس : عوان بين ذلك يقول نصف بين الكبيرة والصغيرة وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر وأحسن ما تكون وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك وقال السدي العوان النصف الثاني بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها : وقال هشيم عن جويبر عن كثير بن زياد عن الحسن في البقرة كانت بقرة وحشية وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين (69) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قوله تعالى "تسر الناظرين" وكذا قال مجاهد ووهب بن منبه كانت صفراء . وعن ابن عمر كانت صفراء الظلف . وعن سعيد بن جبير كانت صفراء القرن والظلف . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي حدثنا نوح بن قيس أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى "بقرة صفراء فاقع لونها" قال سوداء شديدة السواد وهذا غريب والصحيح الأول ولهذا أكد صفرتها بأنه "فاقع لونها" وقال عطية العوفي "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" وقال صافية اللون . وروى عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه . وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" قال صاف وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس "فاقع لونها" شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض . وقال السدي "تسر الناظرين" أي تعجب الناظرين وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس . وقال وهب بن منبه إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها . وفي التوراة أنها كانت حمراء فلعل هذا خطأ في التعريب أو كما قال الأول أنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد والله أعلم . قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون (70) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قوله تعالى "إن البقر تشابه علينا" أي لكثرتها فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا "وإنا إن شاء الله" إذا بينتها لنا "لمهتدون" إليها وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي ابن أخي منصور بن زاذان عن عباد بن منصور عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا أن بني إسرائيل قالوا" وإنا إن شاء الله لمهتدون "لما أعطوا ولكن استثنوا" "ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن سرور بن المغيرة عن زاذان عن عباد بن منصور عن الحسن عن حديث أبي رافع عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لولا أن بني إسرائيل "قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون" ما أعطوا أبدأ ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوا لأجزأت عنهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم "وهذا حديث غريب من هذا الوجه وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله عن السدي والله أعلم ." قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون (71) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون "قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث" أي إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية بل هي مكرمة حسنة صبيحة مسلمة صحيحة لا عيب بها "لا شية فيها" أي ليس فيها لون غير لونها وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مسلمة يقول لا عيب فيها وكذا قال أبو العالية والربيع وقال مجاهد : مسلمة من الشية. وقال عطاء الخراساني : مسلمة القوائم والخلق لا شية فيها قال مجاهد : لا بياض ولا سواد وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : ليس فيها بياض . وقال عطاء الخراساني : لا شية فيها قال لونها واحد بهيم وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك وقال السدي لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة . وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى "إنها بقرة لا ذلول" ليس بمذللة بالعمل ثم استأنف فقال "تثير الأرض" أي يعمل عليها بالحراثة لكنها لا تسقي الحرث وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث كذا قرره القرطبي وغيره "قالوا الآن جئت بالحق" قال قتادة الآن بينت لنا وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقبل ذلك والله جاءهم الحق "فذبحوها وما كادوا يفعلون" قال الضحاك عن ابن عباس كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد وفي هذا ذم لهم وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت فلهذا ما كادوا يذبحونها . وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها وفي هذا نظر لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي ورواه العوفي عن ابن عباس قال عبيدة ومجاهد ووهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم اشتروها بمال كثير وفيه اختلاف ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة أخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة قال : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير وهذا إسناد جيد عن عكرمة والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضا وقال ابن جرير وقال آخرون لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه ولم يسنده عن أحد ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها وللفضيحة وفي هذا نظر بل الصواب والله أعلم ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه وبالله التوفيق . "مسألة" استدل بهذه الآية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور العلماء سلفا وخلفا بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا" تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها "وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم إبل الدية في قتل الخطأ وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله وحكى مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم ." ![]()
__________________
|
|
#46
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ453 الى صــ 462 الحلقة (46) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (72) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون قال البخاري "فادارأتم فيها" اختلفتم وهكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي حذيفة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى "وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها" اختلفتم وقال عطاء الخراساني والضحاك اختصمتم فيها وقال ابن جريج "وإذ قتلتم نفس فادارأتم فيها" قال : قال بعضهم أنتم قتلتموه وقال آخرون بل أنتم قتلتموه وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "والله مخرج ما كنتم تكتمون" قال مجاهد ما تغيبون وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرة بن أسلم البصري حدثنا محمد بن الطفيل العبدي حدثنا صدقة بن رستم سمعت المسيب بن رافع يقول ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وتصديق ذلك في كلام الله "والله مخرج ما كنتم تكتمون" . فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون (73) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون "فقلنا اضربوه ببعضها" هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به وخرق العادة به كائن وقد كان معينا في نفس الأمر فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا ولكنه أبهمه ولم يجيء من طريق صحيح عن معصوم بيانه فمن نبهمه كما أبهمه الله ولهذا قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عفان بن مسلم حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه قال فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير فذبحوها فضربوه - يعني القتيل - بعضو منها فقام تشخب أوداجه دم فقالوا له من قتلك ؟ قال قتلني فلان وكذا قال الحسن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه ضرب ببعضها وفي رواية ابن عباس أنه ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر قال : قال أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة ضربوا القتيل ببعض لحمها قال معمر : قال قتادة ضربوه بلحم فخذها فعاش فقال قتلني فلان وقال وكيع بن الجراح في تفسيره : حدثنا النضر بن عربي عن عكرمة "فقلنا اضربوه ببعضها" فضرب بفخذها فقام فقال قتلني فلان قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد وقتادة وعكرمة نحو ذلك . وقال السدي فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش فسألوه فقال قتلني ابن أخي وقال أبو العالية أمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظما من عظامها فيضربوا به القتيل ففعلوا فرجع إليه روحه فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : فضربوه ببعض آرابها وقيل بلسانها وقيل بعجب ذنبها وقوله تعالى "كذلك يحيي الله الموتى" أي فضربوه فحي ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل جعل تبارك وتعالى ذلك الصنيع حجة لهم على المعاد وفاصلا ما كان بينهم من الخصومة والعناد والله تعالى قد ذكر في هذه السورة مما خلقه من إحياء الموتى في خمسة مواضع "ثم بعثناكم من بعد موتكم" وهذه القصة وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وقصة إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميما كما قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاء قال سمعت وكيع بن عدس يحدث عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى ؟ قال "أما مررت بواد ممحل ثم مررت به خضرا" قال بلى : قال "كذلك النشور" أو قال "كذلك يحيي الله الموتى" وشاهد هذا قوله تعالى "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون" "مسألة" استدل لمذهب الإمام مالك في كون قول الجريح فلان قتلني لوثا بهذه القصة لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله فقال فلان قتلني فكان ذلك مقبولا منه لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق ولا يتهم والحالة هذه . ورجحوا ذلك لحديث أنس أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها فرضخ رأسها بين حجرين فقيل فعل بك هذا أفلان ؟ أفلان ؟ حتى ذكروا اليهودي فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فلم يزل به حتى اعترف فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرض رأسه بين حجرين وعند مالك إذا كان لوثا حلف أولياء القتيل قسامة وخالف الجمهور في ذلك ولم يجعلوا قول القتيل في ذلك لوثا . ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون (74) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون يقول تعالى توبيخا لبني إسرائيل وتقريعا لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى الله وإحيائه الموتى "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك" كله فهي كالحجارة التي لا تلين أبدا ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم فقال "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون" قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس لما ضرب المقتول ببعض البقرة جلس أحيا ما كان قط فقيل له من قتلك قال بنو أخي قتلوني ثم قبض فقال بنو أخيه حين قبضه الله والله ما قتلناه فكذبوا بالحق بعد أن رأوه فقال الله "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك" يعني أبناء أخي الشيخ فهي كالحجارة أو أشد قسوة فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ما شاهدوه من الآيات والمعجزات فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء وإن لم يبن جاريا ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله وفيه إدراك لذلك بحسبه كما قال "تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا" وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول كل حجر يتفجر منه الماء أو يتشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل لمن خشية الله نزل بذلك القرآن وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله" أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق "وما الله بغافل عما تعملون" وقال أبو علي الجياني في تفسيره "وإن منها لما يهبط من خشية الله" هو سقوط البرد من السحاب قال القاضي الباقلاني وهذا تأويل بعيد وتبعه في استبعاده الرازي وهو كما قال فإن هذا خروج عن اللفظ بلا دليل والله أعلم وقال : ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا الحكم بن هشام الثقفي حدثني يحيى ابن أبي طالب يعني ويحيى بن يعقوب في قوله تعالى "وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار" قال كثرة البكاء "وإن منها لما" يشقق فيخرج منه الماء " قال قليل البكاء "وإن منها لما يهبط من خشية الله" قال بكاء القلب غير دموع العين وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة مثل ما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله " يريد أن ينقض "قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة ولا حاجة إلى هذا فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى" إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها "وقال" تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن "الآية وقال" والنجم والشجر يسجدان "" أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله "الآية" قالتا أتينا طائعين "" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل "الآية" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله "الآية وفي الصحيح" هذا جبل يحبنا ونحبه "وكحنين الجذع المتواتر خبره وفي صحيح مسلم" إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن "وفي صفة الحجر" الأسود أنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة وغير ذلك مما في معناه وحكى القرطبي قولا إنها للتخيير أي مثلا لهذا وهذا وهذا مثل : جالس الحسن أو ابن سيرين . وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولا آخر أنها للإبهام بالنسبة إلى المخاطب كقول القائل أكلت خبزا أو تمرا وهو يعلم أيهما أكل وقال آخر إنها بمعنى قول القائل كل حلوا أو حامضا أي لا يخرج عن واحد منهما . أي وقلوبكم صارت كالحجارة أو أشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين والله أعلم . "تنبيه" اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى "فهي كالحجارة أو أشد قسوة" بعد الإجماع على استحالة كونها للشك فقال بعضهم أو هاهنا بمعنى الواو تقديره : فهي كالحجارة وأشد قسوة كقوله تعالى "ولا تطع منهم آثما أو كفورا" "عذرا أو نذرا" وكما قال النابغة الذبياني : قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد تريد ونصفه قاله ابن جرير : وقال جرير بن عطية : نال الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر قال ابن جرير يعني نال الخلافة وكانت له قدرا وقال آخرون أو هاهنا بمعنى بل فتقديره : فهي كالحجارة بل أشد قسوة وكقوله "إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية" وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون "" فكان قاب قوسين أو أدنى " وقال آخرون معنى ذلك "فهي كالحجارة أو أشد قسوة" عندكم حكاه ابن جرير : وقال آخرون المراد بذلك الإبهام على المخاطب كما قال أبو الأسود :" أحب محمدا حبا شديدا ... وعباسا وحمزة والوصيا فإن يك حبهم رشدا أصبه ... وليس بمخطئ إن كان غيا قال ابن جرير قالوا ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى رشد ولكنه أبهم على من خاطبه قال وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات قيل له شككت فقال كلا والله ثم انتزع يقول الله تعالى "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" فقال أوكان شاكا من أخبر بهذا من الهادي منهم ومن الضال ؟ وقال بعضهم معنى ذلك فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة وإما أن تكون أشد منها في القسوة . قال : ابن جرير ومعنى ذلك على هذا التأويل فبعضها كالحجارة قسوة وبعضها أشد قسوة من الحجارة وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره "قلت" وهذا القول الأخير يبقى شبيها بقوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" مع قوله "أو كصيب من السماء" وكقوله "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة" مع قوله "أو كظلمات في بحر لجي" الآية أي إن منهم من هو هكذا ومنهم من هو كهذا والله أعلم . وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أيوب حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج حدثنا علي بن حفص حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي" . رواه الترمذي في كتابه الزهد من جامعه عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج صاحب الإمام أحمد به ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب به وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم . وروى البزار عن أنس مرفوعا "أربع من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا" . أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (75) أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون يقول تعالى "أفتطمعون" أيها المؤمنون "أن يؤمنوا لكم" أي ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود الذين شاهد آباؤهم من الآيات البينات ما شاهدوه ثم قست قلوبهم من بعد ذلك "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" أي يتأولونه على غير تأويله "من بعد ما عقلوه" أي فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة "وهم يعلمون" أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله وهذا المقام شبيه بقوله تعالى "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه" قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال ثم قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله" وليس قوله ليسمعون التوراة كلهم قد سمعها ولكن هم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها . وقال محمد بن إسحاق فيما حدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى يا موسى قد حيل بيننا وبين رؤية ربنا تعالى فأسمعنا كلامه حين يكلمك فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى فقال نعم مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا ثم خرج بهم حتى أتوا الطور فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى أن يسجدوا فوقعوا سجودا وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا منه ما سمعوا ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل فلما جاءهم حرف فريق منهم ما أمرهم به وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل إن الله قد أمركم بكذا وكذا قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله عز وجل لهم فهم الذين عنى الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم وقال السدي "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" قال هي التوراة حرفوها وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام وقد قال الله تعالى "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" أي مبلغا إليه ولهذا قال قتادة في قوله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون "قال هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه وقال مجاهد الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم وقال : أبو العالية عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - فحرفوه عن مواضعه وقال السدي" وهم يعلمون "أي أنهم أذنبوا وقال ابن وهب قال : ابن زيد في قوله" يسمعون كلام الله ثم يحرفونه "قال : التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا وإذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله وإذا جاءهم المبطل" برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق وإذا جاءهم أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق فقال الله لهم "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون" . وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون (76) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون وقوله تعالى "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض" الآية قال محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" أي إن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم فأنزل الله "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا اجحدوه ولا تقروا به يقول الله تعالى "أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون" وقال : الضحاك عن ابن عباس : يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا آمنا وقال السدي هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا . وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال "لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن" فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق اذهبوا فقولوا آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهما بعد العصر . وقرأ قوله الله تعالى "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره . فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر فلما أخبر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون بلى . فإذا رجعوا إلى قومهم يعني الرؤساء فقالوا "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" الآية . وقال أبو العالية "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" يعني بما أنزل الله في كتابكم من نعت محمد - صلى الله عليه وسلم . ![]()
__________________
|
|
#47
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ463 الى صــ 472 الحلقة (47) وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" قال كانوا يقولون سيكون نبي فخلا بعضهم ببعض "فقالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" - قول آخر في المراد بالفتح قال : ابن جريج : حدثني القاسم بن أبي برزة عن مجاهد في قوله تعالى "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" قال قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة تحت حصونهم فقال "يا إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغوت" فقالوا من أخبر بهذا الأمر محمدا ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" بما حكم الله للفتح يكون لهم حجة عليكم . قال ابن جريج عن مجاهد هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا - صلى الله عليه وسلم وقال السدي "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" من العذاب "ليحاجوكم به عند ربكم" هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقال بعضهم لبعض "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" من العذاب ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم وقال عطاء الخراساني "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" يعني بما قضى لكم وعليكم وقال الحسن البصري : هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم . أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون (77) أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون قوله تعالى "أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون" قال أبو العالية : يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم وكذا قال قتادة وقال الحسن "إن الله يعلم ما يسرون" قال كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد وخلا بعضهم إلى بعض تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بما فتح الله عليهم مما في كتابهم خشية أن يحاجهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بما في كتابهم عند ربهم "وما يعلنون" يعني حين قالوا لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - آمنا وكذا قال أبو العالية والربيع وقتادة . ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون (78) ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون يقول تعالى "ومنهم أميون" أي ومن أهل الكتاب قاله مجاهد : والأميون جمع أمي وهو الرجل الذي لا يحسن الكتابة . قاله أبو العالية والربيع وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى "لا يعلمون الكتاب" أي لا يدرون ما فيه . ولهذا في صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة كما قال تعالى "وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون" وقال عليه الصلاة والسلام "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا" الحديث أي لا نفتقر في عبادتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب وقال تبارك وتعالى "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم" وقال ابن جرير : نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه . قال وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قول خلاف هذا وهو ما حدثنا به أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى "ومنهم أميون" قال الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله وقال قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب . قلت ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد نظر والله أعلم . وقوله تعالى "إلا أماني" قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس إلا أماني الأحاديث وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى "إلا أماني" يقول إلا قولا يقولون بأفواههم كذبا وقال مجاهد إلا كذبا : وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني" قال أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب أماني يتمنونها وعن الحسن البصري نحوه وقال أبو العالية والربيع وقتادة إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إلا أماني قال تمنوا فقالوا نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم قال ابن جرير والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس وقال مجاهد إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئا ولكنهم يتخرصون الكذب . يتخرصون الأباطيل كذبا وزورا والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ما تغنيت ولا تمنيت يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب . وقيل المراد بقوله "إلا أماني" بالتشديد والتخفيف أيضا أي إلا تلاوة فعلى هذا يكون استثناء منقطعا واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى "إلا إذا تمنى" أي تلا "ألقى الشيطان في أمنيته" الآية وقال كعب بن مالك الشاعر : تمنى كتاب الله أول ليلة ... وآخره لاقى حمام المقادر وقال آخر : تمنى كتاب الله آخر ليلة ... تمني داود الكتاب على رسل وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" أي ولا يدرون ما فيه وهم يجحدون نبوتك بالظن وقال مجاهد "وإن هم إلا يظنون" يكذبون وقال قتادة وأبو العالية والربيع : يظنون بالله الظنون بغير الحق . فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (79) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون وقوله تعالى "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا" الآية . هؤلاء صنف آخر من اليهود وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله وأكل أموال الناس بالباطل والويل والهلاك والدمار وهي كلمة مشهورة في اللغة : وقال سفيان الثوري عن زياد بن فياض سمع أبا عياض يقول : ويل صديد في أصل جهنم. وقال عطاء بن يسار : الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت . وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره" ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن حميد عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دراج به وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة "قلت" لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى ولكن الآفة ممن بعده وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوع منكر والله أعلم . قال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا إبراهيم بن عبد السلام حدثنا صالح القشيري حدثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" قال "الويل جبل في النار" وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم حرفوا التوراة زادوا فيها ما أحبوا ومحوا منها ما يكرهون ومحوا اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - من التوراة ولذلك غضب الله عليهم فرفع بعض التوراة فقال تعالى "فويل" لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "وهذا غريب أيضا جدا وعن ابن عباس الويل المشقة من العذاب وقال : الخليل بن أحمد الويل شدة الشر وقال سيبويه ويل لمن وقع في الهلكة وويح لمن أشرف عليها وقال الأصمعي الويل تفجع والويل ترحم وقال غيره : الويل الحزن وقال الخليل وفي معنى ويل ويح وويش وويه وويك وويب ومنهم من فرق بينها وقال بعض النحاة إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة لأن فيها معنى الدعاء ومنهم من جوز نصبها بمعنى ألزمهم ويلا" قلت "لكن لم يقرأ بذلك أحد وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم "قال هم أحبار اليهود وكذا قال سعيد عن قتادة هم اليهود وقال سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة سألت ابن عباس - رضي الله عنه - عن قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم قال : نزلت في المشركين وأهل الكتاب وقال : السدي كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذوا به ثمنا قليلا وقال الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال : يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرءونه غضا لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل عليكم رواه البخاري من طرق عن الزهري وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها ." وقوله تعالى "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" أي فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان والافتراء وويل لهم مما أكلوا به من السحت كما قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما فويل لهم يقول فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب وويل لهم مما يكسبون يقول مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم . وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون (80) وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون يقول تعالى إخبارا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم من أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ثم ينجون منها فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى "قل أتخذتم عند الله عهدا" أي بذلك فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده ولكن هذا ما جرى ولا كان ولهذا أتى بأم التي بمعنى بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه . قال محمد بن إسحاق بن سيف عن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار وإنما هي سبعة أيام معدودة فأنزل الله تعالى "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" إلى قوله "خالدون" ثم رواه عن محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس بنحوه وقال العوفي عن ابن عباس "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" اليهود قالوا لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة زاد غيره وهي مدة عبادتهم العجل وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة وقال الضحاك قال ابن عباس زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم التي هي ثابتة في أصل الجحيم وقال أعداء الله إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك . فذلك قوله تعالى "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" وقال : عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" يعني الأيام التي عبدنا فيها العجل وقال عكرمة خاصمت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا فيها قوم آخرون يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده على رءوسهم "بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم فيها أحد" فأنزل الله عز وجل "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" الآية . وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه الله حدثنا عبد الرحمن بن جعفر حدثنا محمد بن محمد بن صخر حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ حدثنا ليث بن سعد حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اجمعوا إلي من كان من اليهود هاهنا" فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أبوكم ؟" قالوا فلان قال "كذبتم بل أبوكم فلان" فقالوا صدقت وبررت ثم قال لهم "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟" قالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في ²?بينا فقال : لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أهل النار ؟" فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال : لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبدا" ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟" قالوا : نعم يا أبا القاسم قال : "هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟" فقالوا نعم قال "فما حملكم على ذلك" فقالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك ورواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي من حديث الليث بن سعد بنحوه . بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (81) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يقول تعالى ليس الأمر كما تمنيتم ولا كما تشتهون بل الأمر أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته وهو من وافى يوم القيامة وليست له حسنة بل جميع أعماله سيئات فهذا من أهل النار "والذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من العمل الموافق للشريعة فهم من أهل الجنة وهذا المقام شبيه بقوله تعالى ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا "قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس" بلى من كسب سيئة "أي عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط به كفره فما له من حسنة وفي رواية عن ابن عباس قال الشرك قال ابن أبي حاتم ." وروي عن وائل وأبي العالية ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه وقال : الحسن أيضا والسدي السيئة الكبيرة من الكبائر . وقال ابن جريج عن مجاهد "وأحاطت به خطيئته" قال بقلبه وقال : أبو هريرة وأبو وائل وعطاء والحسن "وأحاطت به خطيئته" قالوا أحاط به شركه . وقال : الأعمش عن أبي رزين عن الربيع بن خثيم "وأحاطت به خطيئته" قال الذي يموت على خطاياه من قبل أن يتوب وعن السدي وأبي رزين نحوه وقال أبو العالية ومجاهد والحسن في رواية عنهما وقتادة والربيع بن أنس "وأحاطت به خطيئته" الموجبة الكبيرة وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى والله أعلم . ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا سليمان بن داود حدثنا عمرو بن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهم مثلا كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا فأنضجوا ما قذفوا فيها وقال ابن إسحاق حدثني محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" أي من آمن بما كفرتم وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له . ![]()
__________________
|
|
#48
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ473 الى صــ 482 الحلقة (48) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (82) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" أي من آمن بما كفرتم وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له . وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون (83) وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون يذكر تبارك وتعالى بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر وأخذه ميثاقهم على ذلك وأنهم تولوا عن ذلك كله وأعرضوا قصدا وعمدا وهم يعرفونه ويذكرونه فأمرهم تعالى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وبهذا أمر جميع خلقه ولذلك خلقهم كما قال تعالى "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها وهو حق الله تبارك وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له ثم بعده حق المخلوقين وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين ولهذا يقرن تبارك وتعالى بين حقه وحق الوالدين كما قال تعالى "أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير" وقال تبارك وتعالى "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" إلى أن قال "وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل" وفي الصحيحين عن ابن مسعود قلت يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال "الصلاة على وقتها" قلت ثم أي ؟ قال "بر الوالدين" قلت ثم أي ؟ قال "الجهاد في سبيل الله" ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رجلا قال يا رسول الله من أبر ؟ قال "أمك" قال ثم من ؟ قال "أمك" قال ثم من ؟ قال "أباك ؟ ثم أدناك ثم أدناك" وقوله تعالى "لا تعبدون إلا الله" قال الزمخشري خبر بمعنى الطلب وهو آكد وقيل كان أصله "أن لا تعبدوا إلا الله" كما قرأها من قرأها من السلف فحذفت أن فارتفع وحكي عن أبي وابن مسعود أنهما قرآها "لا تعبدوا إلا الله" ونقل هذا التوجيه القرطبي في تفسيره عن سيبويه . قال واختاره الكسائي والفراء قال "واليتامى" وهم الصغار الذين لا كاسب لهم من الآباء والمساكين الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم وسيأتي الكلام على هذه الأصناف عند آية النساء التي أمرنا الله تعالى بها صريحا في قوله "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا" الآية . وقوله تعالى "وقولوا للناس حسنا" أي كلموهم طيبا ولينوا لهم جانبا ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف كما قال الحسن البصري في قوله تعالى "وقولوا للناس حسنا" فالحسن من القول يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحلم ويعفو ويصفح ويقول للناس حسنا كما قال الله وهو كل خلق حسن رضيه الله . وقال الإمام أحمد : حدثنا روح حدثنا أبو عامر الخراز عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "لا" تحقرن من المعروف شيئا وإن لم تجد فالق أخاك بوجه منطلق "وأخرجه مسلم في صحيحه والترمذي وصححه من حديث أبي عامر الخراز واسمه صالح بن رستم به وناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للناس حسنا بعد ما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل فجمع بين طرفي الإحسان الفعلي والقولي ثم أكد الأمر بعبادته والإحسان إلى الناس بالمتعين من ذلك وهو الصلاة والزكاة فقال :" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "وأخبر أنهم تولوا عن ذلك كله أي تركوه وراء ظهورهم وأعرضوا عنه على عمد بعد العلم به إلا القليل منهم ." وقد أمر الله هذه الأمة بنظير ذلك في سورة النساء بقوله "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" فقامت هذه الأمة من ذلك بما لم تقم به أمة من الأمم قبلها ولله الحمد والمنة . ومن النقول الغريبة هاهنا ما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا محمد بن خلف العسقلاني حدثنا عبد الله بن يوسف يعني التنيسي حدثنا خالد بن صبيح عن حميد بن عقبة عن أسد بن وداعة أنه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديا ولا نصرانيا إلا سلم عليه فقيل له : ما شأنك تسلم على اليهودي والنصراني ؟ فقال : إن الله تعالى "يقول وقولوا للناس حسنا" وهو السلام قال : وروي عن عطاء الخراساني نحوه "قلت" وقد ثبت في السنة أنهم لا يبدءون بالسلام والله أعلم . وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون (84) وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون يقول الله تبارك وتعالى منكرا على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج وذلك أن الأوس والخزرج وهم الأنصار كانوا في الجاهلية عباد أصنام وكانت بينهم حروب كثيرة وكانت يهود المدينة ثلاث قبائل بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج وبنو قريظة حلفاء الأوس فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه فيقتل اليهودي أعداءه وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم ويخرجونهم من بيوتهم وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكوا الأسارى من الفريق المغلوب عملا بحكم التوراة ولهذا قال تعالى "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" ولهذا قال تعالى "وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم" أي لا يقتل بعضكم بعضا ولا يخرجه من منزله ولا يظاهر عليه كما قال تعالى "فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم" وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة كما قال عليه الصلاة والسلام "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" وقوله تعالى "ثم أقررتم وأنتم تشهدون" أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به . ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون (85) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" الآية قال محمد بن إسحاق بن يسار حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" الآية . قال : أنبأهم الله بذلك من فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم فكانوا فريقين طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج والنضير وقريظة وهم حلفاء الأوس فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ولا يعرفون جنة ولا نارا ولا بعثا ولا قيامة ولا كتابا ولا حلالا ولا حراما فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة وأخذا به يفتدي بعضهم من بعض يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم يقول الله تعالى ذكره حيث أنبأهم بذلك "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" أي تفادونهم بحكم التوراة وتقتلونهم وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من داره ولا يظاهر عليه إلا من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا ؟ ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة . وقال أسباط عن السدي : كانت قريظة حلفاء الأوس وكانت النضير حلفاء الخزرج فكانوا يقتتلون في حرب بينهم فتقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءهم وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ويغلبونهم فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها فإذا أسر رجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه فتعيرهم العرب بذلك ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم قالوا : فلم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنا نستحي أن تستذل حلفاؤنا فذلك حين عيرهم الله تبارك وتعالى فقال تعالى "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" الآية . وقال أسباط عن السدي عن الشعبي : نزلت هذه الآية في قيس بن الحطيم "ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" الآية . وقال أسباط عن السدي عن عبد خير قال : غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهلي بلنجر فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا واشترى عبد الله بن سلام يهودية بسبعمائة فلما مر برأس الجالوت نزل به فقال له عبد الله : يا رأس الجالوت هل لك في عجوز هاهنا من أهل دينك تشتريها مني قال : نعم قال : أخذتها بسبعمائة درهم قال : فإني أربحك سبعمائة أخرى قال : فإني قد حلفت أن لا أنقصها من أربعة آلاف قال : لا حاجة فيها قال : والله لتشترينها مني أو لتكفرن بدينك الذي أنت عليه قال : ادن مني فدنا منه فقرأ في أذنه مما في التوراة : إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا اشتريته فأعتقته "وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم" قال : أنت عبد الله بن سلام ؟ قال : نعم قال : فجاء بأربعة آلاف فأخذ عبد الله ألفين ورد عليه ألفين . وقال آدم بن إياس في تفسيره : حدثنا أبو جعفر يعني الرازي حدثنا الربيع بن أنس أخبرنا أبو العالية أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ولا يفادي من وقع عليه العرب فقال عبد الله : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن والذي أرشدت إليه الآية الكريمة وهذا السياق ذم اليهود في قيامهم بأمر التوراة التي يعتقدون صحتها ومخالفة شرعها مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصحة فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها ولا يصدقون فيما كتموه من صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونعته ومبعثه ومخرجه ومهاجره وغير ذلك من شؤونه التي أخبرت بها الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام واليهود عليهم لعائن الله يتكاتمونه بينهم ولهذا قال تعالى "فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا" أي بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره "ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب" جزاء على مخالفتهم كتاب الله الذي بأيديهم وما الله بغافل عما تعملون "." أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون (86) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة" واختاروها "فلا يخفف عنهم العذاب" أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة ولا هم ينصرون أي وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم منه . ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87) ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ينعت تبارك وتعالى بني إسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة والاستكبار على الأنبياء وأنهم إنما يتبعون أهواءهم فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب وهو التوراة فحرفوها وبدلوها وخالفوا أوامرها وأولوها وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته كما قال تعالى "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء" الآية ولهذا قال تعالى "وقفينا من بعده بالرسل" قال السدي عن أبي مالك : أتبعنا وقال غيره : أردفنا . والكل قريب كما قال تعالى "ثم أرسلنا رسلنا تترى" حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام ولهذا أعطاه الله من البينات وهي المعجزات . قال ابن عباس : من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام وإخباره بالغيوب وتأييده بروح القدس وهو جبريل عليه السلام - ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به فاشتد تكذيب بني إسرائيل له وحسدهم وعنادهم لمخالفة التوراة البعض كما قال تعالى إخبارا عن عيسى "ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم" الآية . فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء أسوأ المعاملة ففريقا يكذبونه وفريقا يقتلونه وما ذاك إلا لأنهم يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم وبالإلزام بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها فلهذا كان ذلك يشق عليهم فكذبوهم وربما قتلوا بعضهم ولهذا قال تعالى "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون" . والدليل على أن روح القدس هو جبريل كما نص عليه ابن مسعود في تفسير هذه الآية وتابعه على ذلك ابن عباس ومحمد بن كعب وإسماعيل بن خالد والسدي والربيع بن أنس وعطية العوفي وقتادة مع قوله تعالى "نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين" ما قال البخاري وقال ابن أبي الزناد عن أبيه عن أبي هريرة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد فكان ينافح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : رسول الله الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيك "فهذا من البخاري تعليقا وقد رواه أبو داود في سننه عن ابن سيرين والترمذي عن علي بن حجر وإسماعيل بن موسى الفزاري ثلاثتهم عن أبي عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه وهشام بن عروة كلاهما عن عائشة به قال الترمذي حسن صحيح وهو حديث أبي الزناد" وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال : قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك الله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "أجب عني اللهم أيده بروح القدس" فقال اللهم نعم وفي بعض الروايات أن رسول الله قال لحسان "اهجهم - أو هاجهم - وجبريل معك" وفي شعر حسان قوله : وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس به خفاء وقال محمد بن إسحاق حدثني عبد الرحمن بن أبي حسين المكي عن شهر بن حوشب الأشعري أن نفرا من اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا أخبرنا عن الروح فقال "أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبرائيل وهو الذي يأتيني ؟" قالوا نعم : وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" . أقوال أخر : قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا بشر بن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس "وأيدناه بروح القدس" قال : هو الاسم الأعظم الذي كان عيسى يحيي به الموتى . وقال ابن جرير حدثت عن المنجاب فذكره وقال ابن أبي حاتم وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك ونقله القرطبي عن عبيد بن عمير أيضا قال : وهو الاسم الأعظم . وقال ابن أبي نجيح : الروح هو حفظة على الملائكة وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس : القدس هو الرب تبارك وتعالى. وهو قول كعب وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن البصري أنهما قالا : القدس هو الله تعالى وروحه جبريل . فعلى هذا يكون القول الأول وقال السدي : القدس البركة . وقال العوفي عن ابن عباس القدس الطهر وقال ابن جرير حدثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله تعالى "وأيدناه بروح القدس" قال : أيد الله عيسى بالإنجيل روحا كما جعل القرآن روحا كلاهما روح الله كما قال تعالى "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" ثم قال ابن جرير وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال الروح في هذا الموضع جبرائيل فإن الله تعالى أخبر أنه أيد عيسى به كما أخبر في قوله تعالى "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" الآية . فذكر أنه أيده به فلو كان الروح الذي أيده به هو الإنجيل لكان قوله "وإذ أيدتك بروح القدس" "وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" تكرير قول لا معنى له والله سبحانه وتعالى أعز وأجل أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به "قلت" ومن الدليل على أنه جبرائيل ما تقدم من أول السياق ولله الحمد وقال الزمخشري "بروح القدس" بالروح المقدسة كما تقول حاتم الجود ورجل صدق ووصفها بالقدس كما قال "وروح منه" فوصفه بالاختصاص والتقريب تكرمة وميل لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث وقيل بجبريل وقيل بالإنجيل كما قال في القرآن "روحا من أمرنا" وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره فتضمن كلامه قولا آخر وهو أن المراد روح عيسى نفسه المقدسة المطهرة وقال الزمخشري في قوله تعالى "فريقا كذبتم وفريقا تقتلون" إنما لم يقل وفريقا قتلتم لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضا لأنهم حاولوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسم والسحر وقد قال عليه السلام في مرض موته "ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري" "قلت" وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره . ![]()
__________________
|
|
#49
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ483 الى صــ 492 الحلقة (49) وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (88) وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس "وقالوا قلوبنا غلف" أي في أكنة : وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وقالوا قلوبنا غلف" أي لا تفقه وقال العوفي عن ابن عباس "وقالوا قلوبنا غلف" هي القلوب المطبوع عليها وقال مجاهد وقالوا قلوبنا غلف عليها غشاوة وقال عكرمة : عليها طابع وقال أبو العالية : أي لا تفقه وقال السدي يقولون عليها غلاف وهو الغطاء : وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : فلا تعي ولا تفقه قاله مجاهد وقتادة : وقرأ ابن عباس غلف بضم اللام وهو جمع غلاف أي قلوبنا أوعية لكل علم فلا تحتاج إلى علمك قاله ابن عباس وعطاء "بل لعنهم الله بكفرهم" أي طردهم الله وأبعدهم من كل خير "فقليلا ما يؤمنون" قال قتادة معناه لا يؤمن منهم إلا القليل "وقالوا قلوبنا غلف" هو كقوله "وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه" وقال عبد الرحمن بن أسلم في قوله غلف قال : تقول قلبي في غلاف فلا يخلص إليه مما تقول شيء وقرأ "وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه" وهذا الذي رجحه ابن جرير واستشهد بما روي من حديث عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري عن حذيفة قال "القلوب أربعة - فذكر منها - وقلب أغلف" مغضوب عليه وذاك قلب الكافر "وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الرحمن العرزمي أنبأنا أبي عن جدي عن قتادة عن الحسن في قوله :" قلوبنا غلف "قال : لم تختن وهذا القول يرجع معناه إلى ما تقدم من عدم طهارة قلوبهم وأنها بعيدة من الخير ." قول آخر : قال الضحاك عن ابن عباس "وقالوا قلوبنا غلف" قال يقولون قلوبنا غلف مملوءة لا تحتاج إلى علم محمد ولا غيره وقال عطية العوفي عن ابن عباس "وقالوا قلوبنا غلف" أي أوعية للعلم وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار فيها حكاه ابن جرير وقالوا قلوبنا غلف بضم اللام نقلها الزمخشري أي جمع غلاف أي أوعية بمعنى أنهم ادعوا أن قلوبهم مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر كما كانوا يفتون بعلم التوراة ولهذا قال تعالى "بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون" أي ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها كما قال في سورة النساء "وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا" وقد اختلفوا في معنى قوله "فقليلا ما يؤمنون" وقوله "فلا يؤمنون إلا قليلا" فقال بعضهم فقليل من يؤمن منهم وقيل فقليل إيمانهم بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب ولكنه إيمان لا ينفعهم لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم إنما كانوا غير مؤمنين بشيء وإنما قال : فقليلا ما يؤمنون وهم بالجميع كافرون كما تقول العرب قلما رأيت مثل هذا قط. تريد ما رأيت مثل هذا قط وقال الكسائي : تقول العرب من زنى بأرض قلما تنبت أي لا تنبت شيئا حكاه ابن جرير رحمه الله والله أعلم . ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (89) ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين يقول تعالى "ولما جاءهم" يعني اليهود "كتاب من عند الله" وهو القرآن الذي أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - "مصدق لما معهم" يعني من التوراة وقوله "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" أي وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم يقولون إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم كما قال محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمرو عن قتادة الأنصاري عن أشياخ منهم قال : فينا والله وفيهم يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم نزلت هذه القصة يعني "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" قالوا كنا قد علوناهم قهرا دهرا في الجاهلية ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب وهم يقولون إن نبيا سيبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث الله رسوله من قريش واتبعناه كفروا به يقول الله تعالى "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين" وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" وقال يستنصرون يقولون نحن نعين محمدا عليهم وليسوا كذلك بل يكذبون وقال محمد بن إسحاق أخبرني محمد بن أبي محمد أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يهودا كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم . فأنزل الله في ذلك من قولهم "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم" الآية . وقال العوفي عن ابن عباس "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" يقول يستنصرون بخروج محمد - صلى الله عليه وسلم - على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب فلما بعث محمد ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه . وقال أبو العالية : كانت اليهود تستنصر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على مشركي العرب يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم . فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين" وقال قتادة "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" قال وكانوا يقولون إنه سيأتي نبي "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" وقال مجاهد "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين" قال هم اليهود . بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين (90) بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين قال مجاهد "بئسما اشتروا به أنفسهم" يهود شروا الحق بالباطل وكتمان ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن يبينوه وقال السدي "بئسما اشتروا به أنفسهم" يقول باعوا به أنفسهم يقول بئسما اعتاضوا لأنفسهم فرضوا به وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - عن تصديقه وموازرته ونصرته وإنما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية "أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده" ولا حسد أعظم من هذا قال ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده" أي إن الله جعله من غيرهم "فباءوا بغضب على غضب" قال ابن عباس في الغضب على الغضب فغضب عليهم في ما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم وغضب عليهم بكفرهم بهذا النبي الذي بعث الله إليهم "قلت" ومعنى "باءوا" استوجبوا واستحقوا واستقروا بغضب على غضب وقال أبو العالية : غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى ثم غضب الله عليهم بكفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن وعن عكرمة وقتادة مثله قال السدي : أما الغضب الأول فهو حين غضب عليهم في العجل وأما الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعن ابن عباس مثله . وقوله تعالى "وللكافرين عذاب مهين" ولما كان كفرهم سببه البغي والحسد ومنشأ ذلك التكبر قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة كما قال تعالى "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" أي صاغرين حقيرين ذليلين راغمين وقد قال الإمام أحمد حدثنا يحيى حدثنا ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار" . وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين (91) وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين يقول تعالى "وإذا قيل لهم" أي لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب "آمنوا بما أنزل الله" على محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدقوه واتبعوه "قالوا نؤمن بما أنزل علينا" أي يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك "ويكفرون بما وراءه" يعنى بما يعدوه "وهو الحق مصدق لما معهم" أي وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - "الحق مصدقا لما معهم" منصوبا على الحال أي في حال تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل فالحجة قائمة عليهم بذلك كما قال تعالى "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ثم قال تعالى" فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين "أي إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم فلم قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها وأنتم تعلمون صدقهم ؟ قتلتموهم بغيا وعنادا واستكبارا على رسل الله فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء والآراء والتشهي كما قال تعالى" أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون "وقال السدي في هذه الآية يعيرهم الله تبارك وتعالى" قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين "وقال أبو جعفر بن جرير : قل يا محمد ليهود بني إسرائيل إذا قلت لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا : لم تقتلون - إن كنتم مؤمنين بما أنزل الله - أنبياء الله يا معشر اليهود وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم بل أمركم باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم نؤمن بما أنزل علينا وتعيير لهم ." ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون "ولقد جاءكم موسى بالبينات" أي بالآيات الواضحات والدلائل القاطعات على أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا إله إلا الله والآيات البينات هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد وفرق البحر وتظليلهم بالغمام والمن والسلوى والحجر وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها ثم اتخذتم العجل أي معبودا من دون الله في زمان موسى وأيامه وقوله من بعده أي من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة الله عز وجل كما قال تعالى "واتخذ قوم موسى من حليهم عجلا جسدا له خوار" "وأنتم ظالمون" أي وأنتم ظالمون في هذا الصنيع الذي صنعتموه من بعده عبادتكم العجل وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله كما قال تعالى "ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين" . وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (93) وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين يعدد سبحانه وتعالى عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق وعتوهم وإعراضهم عنه حتى رفع الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه ولهذا قالوا "سمعنا وعصينا" وقد تقدم تفسير ذلك "وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم" قال عبد الرزاق عن قتادة "وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم" قال أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقال الإمام أحمد حدثنا عصام بن خالد حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن خالد بن محمد الثقفي عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال "حبك الشيء يعمي ويصم" ورواه أبو داود عن حيوة بن شريح عن بقية بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به وقال السدي أخذ موسى عليه السلام العجل فذبحه بالمبرد ثم ذراه في البحر ثم لم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء ثم قال لهم موسى : اشربوا منه فشربوا فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب فذلك حين يقول الله تعالى "وأشربوا في قلوبهم العجل" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمارة بن عمير وأبي عبد الرحمن السلمي عن علي - رضي الله عنه - قال : عمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد فبرده بها وهو على شاطئ نهر فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب وقال سعيد بن جبير "وأشربوا في قلوبهم العجل" قال لما أحرق العجل برد ثم نسف فحسوا الماء حتى عادت وجوههم كالزعفران وحكى القرطبي عن كتاب القشيري أنه ما شرب أحد منه ممن عبد العجل إلا جن ثم قال القرطبي : وهذا شيء غير ما هاهنا لأن المقصود من هذا السياق أنه ظهر على شفاههم ووجوههم والمذكور هاهنا أنهم أشربوا في قلوبهم العجل يعني في حال عبادتهم له ثم أنشد قول النابغة في زوجته عثمة : تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور أكاد إذا ذكرت العهد منها ... أطير لو أن إنسانا يطير وقوله "قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين" أي بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه من كفركم بآيات الله ومخالفتكم الأنبياء ثم اعتمادكم في كفركم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا أكبر ذنوبكم وأشد الأمور عليكم إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى الناس أجمعين فكيف تدعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة من نقضكم المواثيق وكفركم بآيات الله وعبادتكم العجل من دون الله . ![]()
__________________
|
|
#50
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الاول سورة البقرة من صــ493 الى صــ 502 الحلقة (50) قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (94) قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنه - يقول الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - "قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (95) ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين "ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين" أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات . وقال الضحاك عن ابن عباس فتمنوا الموت : فسلوا الموت وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قوله : "فتمنوا"الموت إن كنتم صادقين "." قال : قال ابن عباس لو تمنى يهود الموت لماتوا . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا عثام سمعت الأعمش قال لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس وقال ابن جرير في تفسيره وبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا" حدثنا بذلك أبو كريب حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن يزيد الرقي حدثنا فرات عن عبد الكريم به . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار حدثنا سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن قال قول الله : ما كانوا ليتمنوه بما قدمت أيديهم . قلت أرأيتك لو أنهم أحبوا الموت حين قيل لهم تمنوا الموت أتراهم كانوا ميتين ؟ قال : لا والله ما كانوا ليموتوا ولو تمنوا الموت وما كانوا ليتمنوه . وقد قال الله ما سمعت "ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين" وهذا غريب عن الحسن ثم هذا الذي فسر به ابن عباس الآية هو المتعين وهو الدعاء على أي الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة ونقله ابن جرير عن قتادة وأبي العالية والربيع بن أنس رحمهم الله تعالى ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة "قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" فهم عليهم لعائن الله تعالى لما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى دعوا إلى المباهلة والدعاء على أكذب الطائفتين منهم أو من المسلمين فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد أنهم ظالمون لأنهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك فلما تأخروا علم كذبهم وهذا كما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة وعتوهم وعنادهم إلى المباهلة فقال الله تعالى "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين" فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض : والله لئن باهلتم هذا النبي لا يبقى منكم عين تطرف فعند ذلك جنحوا للسلم وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون فضربها عليهم وبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح أمينا ومثل هذا المعنى أو قريب منه قول الله تعالى لنبيه أن يقول للمشركين "قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا" أي من كان في الضلالة منا ومنكم فزاده الله مما هو فيه ومد له واستدرجه كما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى . وأما من فسر الآية على معنى "إن كنتم صادقين" أي في دعواكم فتمنوا الآن الموت ولم يتعرض هؤلاء للمباهلة كما قرره طائفة من المتكلمين وغيرهم ومال إليه ابن جرير بعد ما قارب القول الأول : فإنه قال القول في تأويل قوله تعالى "قل إن" كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس "الآية فهذه الآية مما احتج الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره وفضح بها أحبارهم وعلماءهم وذلك أن الله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوهم إلى قضية عادلة فيما كان بينه وبينهم من الخلاف كما أمره أن يدعو الفريق الآخر من النصارى إذا خالفوه في عيسى ابن مريم عليه السلام وجادلوه فيه إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة فقال لفريق اليهود إن كنتم محقين فتمنوا الموت فإن ذلك غير ضاركم إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله لكم لكي يعطيكم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها والفوز بجوار الله في جناته إن كان الأمر كما تزعمون من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا وانكشف أمرنا وأمركم لهم فامتنع اليهود من الإجابة إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها كما امتنع فريق النصارى الذين جادلوا النبي في عيسى إذا دعوا للمباهلة من المباهلة." فهذا الكلام منه أوله حسن وآخره فيه نظر وذلك أنه لا تظهر الحجة عليهم على هذا التأويل إذ يقال إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنون الموت فإنه لا علاقة بين وجود الصلاح وتمني الموت وكم من صالح لا يتمنى الموت بل يود أن يعمر ليزداد خيرا ويرتفع درجته في الجنة كما جاء في الحديث "خيركم من طال عمره وحسن عمله" ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا فهل أنتم تعتقدون أيها المسلمون أنكم أصحاب الجنة وأنتم لا تتمنون في حال الصحة الموت فكيف تلزموننا بما لا يلزمكم ؟ وهذا كله إنما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى فأما على تفسير ابن عباس فلا يلزم عليه شيء من ذلك بل قيل لهم كلام نصف إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس وأنكم أبناء الله وأحباؤه وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم من أهل النار فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم اعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة فلما تيقنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يعلمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحق من صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونعته وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحققونه فعلم كل أحد باطلهم وخزيهم وضلالهم وعنادهم عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة . وسميت هذه المباهلة تمنيا لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له في بيان حقه وظهوره وكانت المباهلة بالموت لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت ولهذا قال تعالى "ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين" . ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون (96) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" أي على طول العمر لما يعلمون مآلهم السيئ وعاقبتهم عند الله الخاسرة لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فهم يودون لو تأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم وما يحاذرون منه واقع بهم لا محالة حتى وهم أحرص من المشركين الذين لا كتاب لهم وهذا من باب عطف الخاص على العام قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "ومن الذين أشركوا" قال الأعاجم وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث الثوري وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. قال وقد اتفقا على سند تفسير الصحابي وقال الحسن البصري "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" قال المنافق أحرص الناس وأحرص من المشرك على حياة "يود أحدهم" أي يود أحد اليهود كما يدل عليه نظم السياق وقال أبو العالية يود أحدهم أي أحد المجوس وهو يرجع إلى الأول لو يعمر ألف سنة . قال الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" قال هو كقول الفارسي "ده هزارسال" يقول عشرة آلاف سنة . وكذا روي عن سعيد بن جبير نفسه أيضا وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق سمعت أبي عليا يقول حدثنا أبو حمزة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في قوله "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" قال هو الأعاجم هزارسال نوروزر مهرجان وقال مجاهد "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" قال : حببت إليهم الخطيئة طول العمر وقال مجاهد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس "وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" أي وما هو بمنجيه من العذاب وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة وأن اليهودي لو عرف ما له في الآخرة من الخزي ما ضيع ما عنده من العلم . وقال العوفي عن ابن عباس "وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" قال هذا الذين عادوا جبرائيل قال أبو العالية وابن عمر فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه منه . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية يهود أحرص على الحياة من هؤلاء وقد ود هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة وليس ذلك بمزحزحه من العذاب لو عمر كما عمر إبليس لم ينفعه إذ كان كافرا "والله بصير بما يعملون" أي خبير بما يعمل عباده من خير وشر وسيجازي كل عامل بعمله . قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (97) قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله جمع أهل العلم بالتأويل جميعا أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدو لهم وأن ميكائيل ولي لهم ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك فقال بعضهم إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر نبوته : "ذكر من قال ذلك" حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قال : حضرت عصابة من اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "سلوا عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم عن شيء فعرفتموه لتتابعنني على الإسلام" فقالوا ذلك لك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "سلوا عما شئتم" قالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في التوراة ومن وليه من الملائكة ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني ؟" فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق فقال "نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه فنذر لله نذرا لئن عافاه الله من مرضه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها" فقالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اللهم اشهد عليهم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض وأن ماء المرأة رقيق أصفر فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله عز وجل وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله عز وجل" قالوا : اللهم نعم . قال "اللهم اشهد وأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه" قالوا اللهم نعم . قال "اللهم اشهد" قالوا : أنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك. قال "فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه" قالوا : فعندها نفارقك ولو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال : فما يمنعكم أن تصدقوه ؟ قالوا : إنه عدونا فأنزل الله عز وجل "قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه" - إلى قوله - "لو كانوا يعلمون" فعندها باءوا بغضب على غضب وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي النضر هاشم بن القاسم وعبد الرحمن بن حميد في تفسيره عن أحمد بن يونس كلاهما عن عبد الحميد بن بهرام به ورواه أحمد أيضا عن الحسين بن محمد المروزي عن عبد الحميد بنحوه وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب فذكر مرسلا وزاد فيه قالوا فأخبرنا عن الروح قال "فأنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني" قالوا : اللهم نعم ولكنه عدو لنا وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء فلولا ذلك اتبعناك . فأنزل الله تعالى فيهم "قل من كان عدوا لجبريل" - إلى قوله - "لا يعلمون" وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أقبلت يهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا أبا القاسم أخبرنا عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك. فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال والله على ما نقول وكيل قال "هاتوا" قالوا فأخبرنا عن علامة النبي ؟ قال "تنام عيناه ولا ينام قلبه" قالوا أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر . قال "يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت" قالوا : أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه قال "كان يشتكي عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا" قال أحمد : قال بعضهم يعني الإبل فحرم لحومها قالوا صدقت قالوا أخبرنا ما هذا الرعد . قال "ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيديه أو في يديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى" قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال "صوته" قالوا صدقت قالوا إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها إنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك ؟ قال "جبريل عليه السلام" قالوا جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان . فأنزل الله تعالى "قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله" إلى آخر الآية ورواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد وقال الترمذي : حسن غريب . وقال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني القاسم بن أبي بزة أن يهود سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي قال "جبرائيل" . قالوا فإنه عدو لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال. فنزلت "قل من كان عدوا لجبريل" الآية قال ابن جرير : قال مجاهد قالت يهود يا محمد ما نزل جبريل إلا بشدة وحرب وقتال فإنه لنا عدو فنزل "قل من كان عدوا لجبريل" الآية قال البخاري قوله تعالى "من كان عدوا لجبريل" قال عكرمة جبر وميك وإسراف : عبد . إيل : الله . حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكر حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في أرض يخترف فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال "أخبرني بهذه جبرائيل آنفا" قال جبريل : قال "نعم" قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية "من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك" "وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ." وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت "قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني فجاءت اليهود فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ "قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا ." قال "أرأيتم إن أسلم" قالوا أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا : هو شرنا وابن شرنا وانتقصوه. فقال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |