|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#41
|
|||
|
|||
![]() إدوارد الخراط: العمل الفنى يملى قانونه الخاص ١ آذار (مارس) ٢٠٠٧، أجرى الحوار: أشرف شهاب وصفاء سعيد إدوارد الخراط روائى وناقد ومفكر من نوع خاص. تجلس فى حضرته فتشعر أنك أمام كائن متفرد من طبيعة خاصة، لديه القدرة على اكتشاف الحقيقة، والتعامل معها بكل أنواع الاحتمالات. وعلى مدار رواياته بداية من "حيطان عالية" مرورا ب "ساعات الكبرياء"، حتى "يا بنات إسكندرية"، و "ترابها زعفران" و "مخلوقات الأشواق الطائرة"، وصولا إلى "أمواج الليالى." تتكشف موهبة المبدع القادر على خلق كائنات حية تتجول داخل النصوص، لتلهمنا تجاربها وتمنحنا المتعة وتستثيرنا لمواجهة الواقع.. فى شقته اللطيفة بحى الزمالك العريق بالقاهرة التقت "ديوان العرب" بإدوارد الخراط ودار معه الحوار التالى: - بعد أن احتفل أديبنا الكبير إدوارد الخراط بعيد ميلاده الثمانين.. كيف تقضى وقتك، وما الذى تغير؟ لا شيء.. لا روتين فى حياتى اليومية التى أقضيها فى القراءة والكتابة بصحبة أوراقى وأقلامى.. والاسترخاء، والاستماع إلى موسيقى موتسارت وباخ بكثافة. - هل هذه طقوسك اليومية؟ وهل تستحضر مناخا أو أجواء معينة عندما تتأهب للكتابة؟ أظن أن هذا الكلام فيه قدر من التشاؤم.. وهو يعبر عن حالة من الحنين للماضى.. إن مسألة الحنين إلى الماضى والتمجيد له ليست واردة باستمرار.. فلا توجد قاعدة.. هناك أغانى قديمة سيئة وهناك أغانى جديدة جيدة.. الزمن يتغير ويستمر فى التغير.. هناك صعود وهبوط مستمران.نعم.. هكذا أقضى أوقاتى.. ولكنها ليست طقوسا.. فهى حياة عادية وليست غريبة. فأنا أحب الهدوء وأعشق الموسيقى الكلاسيكية الخافتة. فالموسيقى شئ رائع جدا بالنسبة لى.. ومكانى المفضل للكتابة هو مكتبى أو أى مكان أتواجد فيه وتتوافر فيه عناصر الهدوء والموسيقى والورقة والقلم. أعتقد أن الموسيقى كبقية أنواع الإبداع الأخرى تعبر عن البيئة التى أنتجتها.. لذلك أستغرب إشارتك للموسيقى الكلاسيكية دون الإشارة لموسيقانا الشرقية.. عشقى للموسيقى الكلاسيكية لا يعنى أننى لست عاشقا للموسيقى المصرية والشعبية. الأمران لا يتعارضان. حبى للموسيقى الكلاسيكية لا يعنى رفضى للموسيقى الشعبية بل على العكس من ذلك. أشعر وأنا أستمع للموسيقى الشرقية نوعا من الحنين للبدايات.. لأيام الشباب. لقد تربيت ونشأت مستمعا لأغانى العمالقة كأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وغيرهم كثير. وبالتالى فأنا اقدر هذه الموسيقى ولكننى لا أستمع إليها وأنا فى حالة الكتابة. يمكننى أن أقول أن الموسيقى تغيرت وأصبحت أقل عمقا عما كانت عليه.. ليس الموسيقى فقط.. بل حتى بقية أشكال الإبداع بما فيها الإبداع الأدبى.. أصبحنا نفتقد الكتابة الجيدة.. ونفتقد الأفكار العميقة.. ولكننا نلاحظ تغيرات فى شكل العمل الأدبى، أو تحولات فى تركيبة النص نفسه.. فى القصة مثلا لم تصبح القصة التقليدية المعروفة هى نفس القصة الحالية.. تحولت الأشكال التقليدية مما يستوجب بالتالى ابتكار أشكال جديدة من الرؤية لها والتعامل معها.. أولا.. لا أؤمن بالفكرة التى تقول أن هناك شيئا يجب فعله أو أشياء لا يجب فعلها..فى الفن المعايير مختلفة.. ويجب ترك المسألة لحرية الفنان أو الأديب أو الكاتب.. حتى يستطيع أن يبدع ما يتفق مع ميوله الشخصية ومع احتياجات المجتمع. فالمطلوب من الفنان والمبدع أن يكون سابقا بخطوة على السائد والمألوف أو الموجود. وإلا فلن تكون لإبداعاته أية قيمة. قيمة الفنان تكمن فى أن يكون فى الطليعة باستمرار.. أن يكون مبشرا بشئ أكثر تطورا. وكما قلت كما قلت المسألة لا ترتبط بما يجب فعله أو ما لا يجب فعله، بل هى الحرية الكاملة. أما فكرة العمق فى التناول فأكرر لك أننى لست من أنصار الحنين للماضى.. فالإبداع متجدد، وجدير بالتقدير والنقد والاحترام أيضا. المسألة لا تقتصر على تمجيد ما كان بل تقدير ماهو كائن واستشراف ما سوف يكون. - هل يعنى ذلك أنه لا توجد بالنسبة لك معايير للكتابة أو معايير لشكل النص الذى تنتجه؟ إذا كانت هناك معايير.. فيجب ألا تكون ثابتة. أعتقد أن الجدل بين الحرية وبين الانضباط، أو بين حرية الإبداع وبين المعيار.. هذا الجدل هو الذى يعطى للعمل الفنى ثراء وقيمة وأهمية. أما الجمود عند شكل معين أو الانفلات من كل ضابط فأمر مرفوض أو غير مرغوب فيه على الأقل. - هل تؤمن بالقصدية أو العفوية فى الفن.. هل تنسج أعمالك قاصدا رسالة معنية؟ لا أعتقد ذلك.. لا يوجد ما يسمى بالقصدية الكاملة أو العفوية الكاملة فى الفن. الأمر يتعلق بمزاج الكاتب ومزاج الفنان. وما بين الجانبين جانب العمد وجانب الانطلاق أو العفوية يتجول الكاتب معبرا عما يريد. فالمعايير المسبقة المحددة تضر بكل تأكيد بالعمل الفنى. كما أن الانفلات بدون ضوابط أمر غير مرغوب فيه. أعتقد أن الأمر يتعلق ببصيرة الفنان التى تهديه إلى الاختيار فى كل حالة على حدة. - ألا ترى أنها مسألة محيرة سواء للمبدع أو المتلقى؟ يمكن أن يكون الأمر محيرا ومرهقا بالنسبة للقارئ الذى تعود على نمط معين من الكتابة. وهكذا يمكن أن تحيره التجارب الجديدة. لكن القارئ المتفتح المستعد لتلقى الإبداعات التى لا تتفق مع معايير مسبقة سيكون متشوقا لهذه التجارب. أما بالنسبة للفنان فهى غير محيرة طبعا. - الأمر يتطلب قارئا من نوع خاص.. ونحن نعرف أنك من الكتاب الذين لا يحبون القارئ الكسول الذى لا يبذل جهدا لفهم النص.. بالطبع.. أنا أطلب من القارئ أن يبذل جهدا لكى يتعامل مع النص. الموضوع لا يتعلق بالقارئ الذى يحب أن يقرأ وهو مسترخ أمام جهاز التليفزيون.. فهناك نوعيات أخرى مختلفة من الكتابة يمكن أن تكون مناسبة قبل النوم أو عند مشاهدة التليفزيون.. أما كتاباتى فهى حهد مشترك أبذل أنا قسما منه عند الكتابة وأتوقع من القارىء أن يبذل نصيبا من الجهد لتكتمل دائرة العمل ويصبح النص عندها مكتملا. أنا أشجع القارىء على التفكير وإعمال العقل دون التمسك بالثوابت.. بل عليه الثورة على الثوابت والتعامل دائما مع المتغيرات فلكل شىء جوانب سلبية وإيجابية والأمر يعتمد على الزاوية التى تنظر أنت منها للعمل. هناك جماليات معينة تحتاج نظرة جديدة وقارئا جديدا. - الأمر يفرض أيضا صعوبات على الناقد لكى يحدد الزاوية التى يتناول من خلالها العمل المتاح أمامه.. وسؤالى ألا يمكن أن تتسبب هذه الرؤية فى حدوث تعارض بين عملية الإبداع وعملية النقد؟ لا.. فبداخل كل مبدع هناك ناقد كامن. وإلا.. فما الذى يدفع المبدع إلى اختيار كلمة معينة أو صيغة معينه أو جملة معينة ولا يختار صيغة أخرى. إنه نوع من العملية النقدية الكامنة والمتخفية داخل كل مبدع. وهذه العمليات فى مجملها تسفر عن نفسها من خلال التزود بالثقافة والقراءة والمعرفة بأنواع الفنون المختلفة، والمناهج النقدية المختلفة. هذا هو الأفضل من وجهة نظرى. بشرط إلا يضر التأمل بالعقل المشرق المتزود بالعفوية والانطلاق التى تميز العمل الفنى. يجب أن يكون هناك نوع من التوازن الدقيق بين جانبي التأمل العقلى والجانب العفوى. وبهذه المعايير التى تتحدث عنها.. هل تشعر أنك أخذت حقك من النقد أم أنك تعرضت لظلم فادح من النقاد؟ الحمد الله.. لا أشعر أننى تعرضت للظلم من جانب النقاد. - ولكن بعض النقاد يعتقدون إن أسلوب إدوارد الخراط متشابه فى كل رواياته؟ هناك عبارة قديمة تقول "الأسلوب هو الرجل و الرجل هو الأسلوب". من الطبيعى جدا أن يظهر بعض التشابه فى كتاباتى لأن الكاتب واحد. ولكن مع قليل من التأمل والوعى سوف تجد الفروق والاختلافات والتنوع واضح بالتأكيد. والتكرار هنا ليس استنساخا بل هو تكرار نابع من وحدة الرؤية، وربما من وحدة الأسلوب. لكن هذه الوحدة لا تعنى نفى التنوع.. بالعكس الوحدة تشمل التغاير والتنوع. وهذا ما يسمى بالمنطق الجدلى. يعتقد بعض النقاد أيضا أن هناك نموذج واحد نمطى للمرأة فى روايتك؟ ليس صحيحا.. وأعتقد أن من يقولون هذا الكلام لم يقرأوا كتاباتى جيدا. أظن أنه يجب على الناقد أن يكون واعيا وملما بالجوانب المختلفة للعمل الفنى. قبل كتابتك للنص.. هل تكون ملامح الشخصيات واضحة فى ذهنك؟ أم أنك تستكشف المزيد عن شخصياتك خلال عملية الكتابة؟ لا أتمسك بقوالب معينة.. فخلال عملية الكتابة أترك النص مفتوحا على كل الاحتمالات.. وبالتالى يمكننى أن أستكشف أعماقا جديدة وأبعادا جديدة أضيفها للشخصيات.. أى أن العملية ليست مخططة تخطيطا كاملا منذ البداية. وإلا أصبحت عملية قصدية. وفى رأيى أن جمال الفن وصدقه يكمنان فى اكتشاف الجديد حتى بالنسبة للكاتب أو الفنان. أن يكتشف خلال عمله ما كان خافيا عليه البداية. ما كان يشعر به ويحسه ولكن لا يعرفه بوضوح. أقول إن العمل الفنى يملى قانونه الخاص وليس عليك ككاتب أن تملى قانونك الخاص على العمل الفنى. برأيك.. كيف يجب أن يرى المبدع الواقع وماهى علاقته به.. هل يمكن أن يتناول الكاتب الواقع بشكل مجرد؟ لا.. لا يوجد أحد يأخذ الواقع بشكل مجرد. أى كاتب أو أى فنان يأخذ الواقع ويراه من منظوره الخاص.. ومن خلال رؤيته المستمدة من ثقافته وقراءاته. ليس هناك واقع نمطى يمكن أن يراه كل الناس بشكل موحد. كل الفنانين لا يمكن أن يروا الواقع بشكل متطابق أو متشابه. بالعكس التنوع هنا هو الضرورة الأساسية التى تكشف عن جوانب مختلفة من الواقع قد لا يراها القارئ العادى أو الناقد العادى. ولكن الفنان يمكنه أن يجد فى هذا الواقع جوانب مختلفة عن الجوانب التى يراها فنان آخر. وهذه هو قيمة الفن. الفن يمكنه أن يستكشف بكارة معينة خفية فى هذا الواقع الذى يبدو نمطيا أو متشابها. وهو طبعا ليس متشابه ولا نمطى بل متنوع ومتعدد الأبعاد والأعماق. وهذا ما يضيف جمالا إلى العمل. نرى فى شقتك تلالا من الكتب والأوراق.. ولكننا لم نلمح فيها جهاز كومبيوتر.. ألا تحاول الاستفادة من الوسائل العصرية فى عملك؟ نعم.. ليس عند جهاز كومبيوتر ولا إنترنت.. ولكن عندى ورقتى البيضاء وقلمى الرصاص. لماذا؟ هل تخشى من التكنولوجيا، وما يشاع من أنها يمكن أن تؤثر على الفنون الكتابية؟ هناك أثر ما دائما.. ولكن هذه القضية مستمرة عبر التاريخ. مثلا.. هل أثرت الإذاعة والتليفزيون سلبا على الطباعة؟ هناك تأثير طبعا.. ولكن لب العملية الفنية يتجاوز الوسائل أو الوسائط بل ويمكن أن يتمثلها ويستوعبها ويحقق ما يهدف إليه من خلالها. هل تميل إلى نوع معين من الأدب العالمى؟ لا.. المسألة مفتوحة بالنسبة لى. فأنا أقرأ فى كل شيء وعن كل شيء، فأنا منفتح ومتقبل لكل الآداب سواء الإنجليزية أو الفرنسية وغيرها. هذا جيد.. فنحن نفتقد ثقافة الانفتاح على الآخر وتقبله.. نحن؟ من نحن؟ هذا تعميم شديد. والتعميم دائما خاطئ. لا يوجد نحن.. يوجد فئات من نحن.. هناك ناس تتقبل الآخر.. وهناك أناس منغلقون، وأسرى لنظرة محددة ضيقة.. وهكذا هناك تنوع بين كل فئة وأخرى وحتى بين كل فرد وآخر داخل الفئة الواحدة وهذه هى الحياة. بعد أعوام طويلة من الإبداع والتجارب هل فكرت فى كتابة مذكراتك؟ لا.. أنا أتركها عفوية.. أترك الأمور تجرى كما تهوى.. ولذا لا أميل إلى التسجيل أو التوثيق وأترك هذه الأمور لتأتى فى غمار العمل الفنى أو النقدى كما تتطلبه المواصفات الفنية للعمل نفسه. وفى النهاية لكل شيخ طريقه. نشكرك أستاذ إدوارد على هذا الحوار.. ونأمل أن نلتقيك دوما على خير. أشكركم وأتمنى التوفيق دائما لمجلة "ديوان العرب"، التى ما زلت أعتز بمنحها درع تقدير لى فى احتفالها بالقاهرة العام الماضى.
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#42
|
|||
|
|||
![]() ادوارد الخراط : أنا مع كتابة الجسد لأنه مقدس وليس مبتذلا لارتباطه بالروح ياسمين مجدي (القاهرة ![]() أخرجه القدر من براءة شبابه الأول ليلقى به فى بحر متلاطم منالحياة الشاقة التى بقدر ما أهلكته، بقدر ما خلقت بداخله قوة مختزنة، جعلته قادراًعلى مواجهة الحياة وترويضها لصالحه، أنه إدوار الخراط الروائى الكبير الذى أعترفخلال حواره بأن أدبه غارق فى المصرية، وأن الاتهامات التى تنهال عليه تسعده وأنهاأقل من أن تتسبب فى إيلامه ، لأنها تثبت له أنه مازال يعمل، ومازال قادر علىالعطاء. فإلى نص الحوار : - دعنا نبدأ بأدوار الخراط الشاب هل تحمله للمسئولية بعد وفاة والدهأنضجه مبكراً ؟ لم يكن من الممكن أن أتحمل مثل تلك التجربة بدون أن يكون بداخلىمخزون من الصلابة الطبيعية والإيمان والقراءة مما يكفل لى القدرة على المقاومةالقوية للمشاكل، وبذلك قد تبلور بداخلى عدة مقومات و استعداد مبكر نظراً لكونىالابن الأكبر لأخوة بنات بالإضافة لقراءاتى المتعددة التى ساعدت على اتساع مداركي،فقد كانت مكتبة المدرسة العباسية الثانوية بالأسكندرية عامرة بكتب التراث والفنالحديث والأدب، كما كان هناك مكتبة البلدية الفنية عامرة هى الأخرى بكتب رائعة، ممادفعنى لأقضى فيها فترة الصيف كله عاكفاً على قراءاتها ويخيل لى أننى قرأتها كلهاتقريباً ، كل هذه المقومات كانت هى الخلفية التى ساعدتنى على اجتياز المحنة ورسببداخلى جزء من نضوجى فالحياة هى التى تنضج الإنسان ، وعلى أثر وفاة والدى عملتمحاسباً فى مخازن البحرية البريطانية بالأسكندرية. - المسئولية كانت كبيرةفكيف استطعت أن تدرس وتعمل وتدخل عدة حركات ثورية؟ كانت المسألة شاقة، وربماكان يمكن أن تكون أشق من ذلك لو لم يقفوا بجوارى فى مخازن البحرية، فقد كنت آخذسيارة المخزن -التى كان يقودها كونسوتابل مالطي- ليوصلنى إلى كلية الحقوق ويعيدنىلأنقل المحاضرات فى العمل، وهذا يدل على أنهم كانوا مقدرين كفاح هذا الشاب الذىيدرس ويعمل ، وكنت برغم ضغط عملى أنجح فى حضور بعض المحاضرات وليس كلها، ويخيل لىأننى لم أكن أنام سوى بضع ساعات قليلة لأننى كنت أستذكر ليلاً وفى الصباح أستيقظمبكراً لأذهب لعملي. - هذا يعنى أنك ترفضوجود حيطان عالية ما بينك وبين العمل الفنى فماذا عن "الحيطان العالية" ومنعها منالنزول للسوق؟ نعم لقد أعترضت الرقابة على ثمان فقرات وهذا بعد أن أعترضتتماماً على إصدار الكتاب لوجود عبارات مخلة بالآداب ، وتكررت المسألة فى " مخلوقاتالأشواق الطائرة" التى لم تصادر وإنما حجبت عن التداول لفترة معينة ولكنها عادتللتداول الآن بعد أن تغيرت الأمور وتطورت الرقابة. - هل ظهور الرواياتالآن يثبت تمردك على حجبها؟ لقد تمردت حقاً على السلطة وأخرجتها للنور، إلاأننى آنذاك كنت مضطراً للقيام بنوع من المصالحة أو الحل الوسط وقمت بالتعبير بفكرةأو جملة أخرى حتى أنتهى كل ذلك وعادت النصوص الأصلية لموقعها سالمة غانمة. - هل كلامك يعنى أنه لم تعد هناك قيود أو رقابة على العمل الفني؟ تختلف الرقابة من فترة إلى أخرى حسب الظروف السياسية وكثير من المتغيرات الأخرىفقد كانت الرقابة مشددة على الإصدارات فى الخمسينيات إلا أنه الآن لا تعترض الرقابةإلا على الجنس والدين والسياسة كما تحولت من رقابة مسبقة على العمل إلى رقابة تأتىبعد ذلك، وقد يؤدى الأمر إلى تدخل الفقهاء للحكم إذا ما حدث. - - فكيف تقيمبصورة شاملة الحياة الإبداعية وواقعها المعاصر؟ بالرغم من القيود فى بعض البلادالعربية إلا أن هناك ازدهار وتطور وهناك مغامرات جديرة بالتقدير ولكن الإعلام -وخاصة التليفزيون- لا يولى للثقافة الاهتمام الجدير بها، مما يؤدى إلى انصرافالجمهور عن بعض الأعمال الجادة، ولكن يلاحظ عبر التاريخ أن الأدب الجيد لا يلقىتقديراً جماهيرياً واسعاً وفنياً وإنما يقبلوا عليه بصورة تراكمية فيما بعد ،وبالرغم مما يوجد من تدهور فى الأحوال سواء على الصعيد السياسى أو الاجتماعى إلاأنه سيظل للكتاب سحره ومكانته التى لن يتزحزح عنها حتى مع وجود النت والتليفزيون. - وماذا عن أحلامك ؟ أننى بدأت كتابة رواية اسمها "رحمة والثعبان" ولنأقول عنها أى شيء قبل صدورها لأن الكلام عن العمل الفنى قبل إصداره يضره ، وبالنسبةللفن التشكيلى سأقيم معرض عن فن الكولا.. وربما فنون أخرى وسيواكب إقامة هذا المعرضإصدار دراسة فى كتاب اسمه "فى نور آخر.. تأملات ودراسات فى الفن التشكيلي".
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#43
|
|||
|
|||
![]() حياة المعتقل وسر الدقائق الخمس إدوارد الخراط: كان واضح وكنت بألتقي بالعمال في القهاوي المعروفة وكان بتُدبر لي كمائن علشان يقبضوا عليا وبأفلت منها بأعجوبة نتيجة لكده طبعا جاءت 15 مايو 1948 أُعلنت الأحكام العرفية بحجة دخول الجيوش العربية، قوس اقفل القوس، إلى فلسطين للقضاء على العصابات الإسرائيلية الصهيونية بحجة هذا العذر اُعتقل في الإسكندرية.. إدوارد الخراط: واسع جدا في أبو قير وفيه ثكنات للسكان للعساكر أو الجنود أو المشتغلين في القاعدة، فده كانت بداية أو أحد مراحل طريق النسر، بالليل بعد الساعة الثانية عشر هتلاقي.. ده التقليد المتبع بعد الساعة الثانية عشر أو واحدة أو اثنين الصبح طلع في بيتنا بيت بسلالم ضيقة صغيرة ما تكاد تكون كتيبة، ضابط واثنين مخبرين وثلاثة عساكر أسلحة وخبطوا على الباب أنا كنت مستعد تقريبا وقالوا لوالدتي بقى الله يرحمها خمس دقائق بس مش عارف إيه، مفهوم المسألة خمس دقائق، روحنا كان فيه عربية جاهزة ودونا لي قسم كرموز، لاقيت هناك اثنين مستنيين.. عمال من شركة فابريكة كرموز دول بقى كانوا زملائي في كل فترة الاعتقال وكانوا أحسن زملاء ممكن الواحد يتصورهم، فاكر صابر الثاني مش فاكره أنا عطيته اسم في الرواية لكن مش فاكر اسمه إيه بالضبط، صابر والثاني ده نسميه محمود مثلا كانوا من أنظف وأطهر وأخلص الناس، عمال ثقافة محدودة لكن استنارة عقلية وإخلاص نسميه إخلاص وطني ثوري لا نهاية له، إحنا بندور على حاجة كانت موجودة هنا من خمسين سنة.زوجة الخراط: كثير طبعا؟ إدوار الخراط: مجموعات. زوجة الخراط: مجموعات كلهم إسكندرانية ما فيش.. ما كانش من مصر؟ إدوارد الخراط: في أبو قير كان كلهم إسكندرانية. زوجة الخراط: كلهم إسكندرانية. إدوارد الخراط: مجموعات من اليساريين مجموعات من اليهود الصهاينة مجموعات من الأخوان المسلمين الغريب جدا أيضا مجموعات من اليوغوسلاف الهربانين من تيتو والروس البيض الهربانين من ثورة أكتوبر أي هربانين من الشيوعية فاتمسكوا بحجة باسم الشيوعية أخذونا.. زوجة الخراط: مجموعة كبيرة قوي. إدوار الخراط: مجموعة كبيرة جدا. زوجة الخراط: كانوا كم؟ فاكر؟ إدوارد الخراط: لا الأعداد الدقيقة ما أعرفهاش فأخذونا إلى المعتقل اللي هو كان عبارة عن عنبر من عنابر الطيارات أو المطارات الإنجليز، عنبر ضخم جدا. زوجة الخراط: في أبو قير؟
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#44
|
|||
|
|||
![]() مقابلة مع ادوارد الخراط
أحـب أن يــأتــي الـتــاريـخعـلـى ذكــري فــي صــفـحـة لا يـشــاركـني فـيـهـا أحــد إدوار الـخــراط: أؤرخ لأشـــواق الـروح وأشـــواك الـمـجــتـمـع تـأثـرتُ بـجـبـران حـتـىالـتـيـه لا بـالمـنـفـلـوطـي والـعـقـاد وطــه حـســيـن هذاالحوار حصيلة لقاء طويل أجراه "الملحق" مع الروائي ادوار الخراط، في مناسبة مجيئهالى بيروت وإلقائه محاضرة "أيار التذكارية" في الجامعة الأميركية في بيروت ــبرنامج أنيس الخوري المقدسي. وفيه يستعيد محطات من حياته وتجاربه ملقياً الضوء علىجوانب كانت خافتة ومقيمة في الظل. وقد ارتأينا تقديمها كشهادة "محرَّرة" منالأسئلة. شارك في الحوار الياس خوري واسعد خير الله وماهر جرار وعقل العويط وحررهمحمد ابي سمرا. قالت لي أمي: انتَ رضعتَ لبن الحزن.(وسام موسى) 1 ولدت في 16 آذار 1926 في حي بجنوب الاسكندرية قريب منمنطقة تسمّى بحيرة مريوط. كان معظم المقيمين في ذلك الحي من الفئات الشعبية القادمةمن الصعيد الى الاسكندرية. العمران ونمط الحياة فيه أقرب الى الريف منهما الىالمدينة: شارع واحد رئيسي مفروش بالاسفلت يسير فيه الترام وينتهي الى قسم البوليس. وشوارع أخرى مفروشة بالحجار والرمل الابيض. البيوت كلها من طبقة واحدة او اثنتين،على سطوحها عرائش من العنب. وقد وصفت ذلك الحي في مقاطع من روايتي "ترابها زغفران". على ناصية الشارع الرئيسي كان منزل الخياطة اللبنانية السيدة روز التي تشتغل عندهافتيات في خياطة الثياب. في الجلسات العائلية على سطح بيتنا تحت عرائشالعنب، كانت جدتي وخالتي ترويان الحكايات عن الجن والعفاريت. ولكثرة ما سمعت هذهالحكايات في طفولتي، كان الطفل الذي كنته يحسب ان جنيات الحكايات وعفاريتها كائناتحية، ومن لحم ودم. كنت في السادسة او السابعة من عمري حين التقيت مرة في الليلامرأة عجوزاً فقيرة في شارع مهجور قريب من بيتنا، فأيقنت انها عفريت من عفاريتالحكايات. لم تتلفظ المرأة - العفريت بكلمة واحدة، لكني لا ادري إن كنت وقفت جامداًقبالتها دقيقة واحدة او 24 ساعة، قبل ان أروح اعدو هارباً بأسرع ما استطعت للوصولالى بيتنا، حاملاً في جوارحي ووعيي ومخيلتي الطفلية التجربة الأولى في الاتصال بقوةعالم الغيب في ما وراء الواقع والمحسوس. من اليمين: محمد أبي سمرا،عقل العويط، ادوار الخراط، أسعد خير الله والياس خوري. 2 "روضةالكرمة القبطية" كانت المدرسة الأولى التي تعلمت فيها، وامشي نحو خمس دقائق منبيتنا للوصول اليها، وكان ناظرها منصور افندي شخصية حاسمة في تكويني الأول: رجلشديد الطيبة والحزم في آن واحد، ينظمنا صفوفاً في الصباح - نحن تلامذة المدرسةالأقباط مع قلة من المسلمين - لنروح ننشد ترنيمة "أبانا الذي في السموات"، قبل انيبدأ برواية قصص شهداء القبط، وفي مقدمهم القديس مرقص، مؤسس الكرازة او الكنيسةالقبطية، الذي تصف الحكاية استشهاده دفاعاً عن العقيدة وصفاً درامياً: قام الرومانبربط ذراعيه وساقيه الى عربة يجرها حصان أخذ يجري سريعاً بعد ضربه بالسياط، فتمزقجسم القديس مرقص أشلاء، وتركت هذه الحكاية أثراً لا يمحى في نفسي وقلبي. اضافة الى "روضة الكرمة القبطية"، هناك مدارس الأحد التي كانت مس كاترينتعلمنا فيها الترانيم الدينية. لا أزال حتى الساعة أذكر مس كاترين الشبيهة صورتهابصورة مريم العذراء، فيما كانت تلقننا الترانيم. وفي واحدة من مدارس الأحد بدأالطفل الذي كنته يقرأ الكتاب المقدس من دون ان يتنصر عبر طقوس العمادة. والىالقراءة والترانيم، كانت توزع علينا نحن التلامذة الأطفال بطاقات مصورة مكتوبةعليها عبارات بالقبطية والعربية. كانت تلك البطاقات تروي بالصور حكايات من التوراةوالانجيل، بدءاً بآدم وحواء وملاك النار الذي يحمل سيفه الناري الاسطوري. لم تكنتلك الصور او اللوحات عادية في عيني ذلك الطفل الذي كنته، اذ خبرت فيها معنىالألوان وتذوق التشكيل الفني المرتبط بالموضوع الديني. لاحقاً قرأت العهدين القديموالجديد، وتعرفت الى قصة صلب السيد المسيح الذي كان مأساة حقيقية حميمة في بيتنا،رغم ان عائلتي لم تكن متدينة الا تديناً تقليدياً، فيؤدي أفرادها فرائض الصوم مندون الصلوات. لكن الكتاب المقدس كان تأثيره كبيراً عليَّ، لأنه كان كتاب الوفياتوالزيجات والولادات العائلية التي كان والدي يحرص على تدوين تواريخها عليه. 3 قدم والدي الى الاسكندرية من أخميم في الصعيد، مخلّفاًوراءه زواجه من امرأتين. تزوج الاولى في أخميم مسقطه، وبعد وفاتها انتقل الىالفيوم، حيث تزوج من امرأة ثانية دفعته وفاتها الى الانتقال الى الاسكندرية، حيثتزوج والدتي التي كانت شديدة الغيرة على زوجها من زوجتيه السابقتين المتوفيتينوأهلهما الذين تشدّدت في قطع علاقة والدي بهم وبماضيه، باعتباره رجلاً مزواجاً. قبل قدومه الى الاسكندرية كان والدي تاجراً في الفيوم يعمل في تصدير البصلوالبيض، وكانت تجارته مزدهرة هناك قبل تعرضه للافلاس في ازمة ،1936 مما اضطره الىالعمل كاتب حسابات عند اصدقائه التُجار في الاسكندرية حتى وفاته. الذكرى الأقدموالأقوى لديّ عن والدتي هي العبارة التي طالما كانت ترددها على مسمعي في طفولتيقائلة: انت رضعت لبن الحزن. ذلك لأني ولدت بعد 19 يوماً من وفاة اخي الذي ولد قبليبسنة او سنتين في الاسكندرية، فنذروني كي يجري تنصيري في أخميم التي كان لعلاقتيبها تأثير كبير في حياتي، قبل ان أعرفها وتطأها قدماي. واذ كنت قد ولدتلأرضع لبن حزن والدتي على وليدها البكر، فإني في العاشرة من عمري، صحوت ذات صباح مننومي في بيتنا على صياح والدي النائح: ولدي... ولدي... ولدي، لحظة وصله خبر مقتلابنه البكر من احدى زوجتيه السابقتين، بعدما دهسه قطار. كان عمري نحو ستسنوات حين أخذني أهلي الى اخميم لايفاء النذر بتنصيري وتعميدي هناك. أذكر ان الرحلةكانت شاقة في القطار، وعن سلّم بيتنا الذي كان بلا سياج في اخميم سقطت فأصبت بجرحبليغ في ركبتي، لم يندمل أثره حتى اليوم. 4 في أثناء الحربالعالمية الثانية، كانت الاسكندرية تُضرب بالقنابل، عندما قرر والدي أن يرسلنا، أميوأنا واخوتي واخواتي، الى مسقطه في أخميم، ويظل وحده منصرفاً الى عمله فيالاسكندرية. كان ذلك في العام 1940 او العام الذي تلاه، فاستغرقت رحلتنا في القطارنحو 17 ساعة للوصول الى اخميم بين المنيا والأقصر في الصعيد. في اخميمانصرفت الى قراءة شكسبير وشيلي ويتس في اللغة الانكليزية. وربما في تلك الفترة بدأتبمحاولات الترجمة الاولى لبعض القصائد من الشعر الانكليزي. وقبل ذلك، فيالاسكندرية، كنت قد قرأت مؤلفات جبران خليل جبران الذي تأثرت به حتى التيه والهيام،على عكس المنفلوطي والعقاد وطه حسين الذين قرأت مؤلفاتهم من دون ان يتركوا فيّأثراً يذكر. طوال أيام الاجازة الصيفية، بدءاً من العام ،1938 انصرفت كلياًالى القراءة والمطالعة اللتين تعبدت لهما منصرفاً عن الذهاب الى البحر ولعب الكرةوغيرها من الألعاب التي كان يمارسها اصدقائي واترابي في المدرسة. أقول قارئاً نهماًواعني اني كنت في الصباحات افتح باب المكتبة البلدية في الاسكندرية مع موظفيها،ومعهم اقفل بابها واغادرها في المساء. وقد جعلتُ لقراءاتي منهجاً صارماً، اذ وضعتقائمة بأسماء الكتّاب نظمتها بحسب التسلسل الأبجدي. كانت القائمة تبدأ باسم ابرهيم،ويليه أحمد، ثم أسعد... الخ. وحين كنت أفرغ من قراءة مؤلفات الاسم الأول، انتقل الىمؤلفات الاسم الثاني فالثالث... حتى نهاية التسلسل الأبجدي. واذا كان جبرانهو كاتبي المفضل بالعربية آنذاك، فإن التأثير الأول عليّ من كتّاب الخواجات (الأجانب) مارسه الشاعر الانكليزي شيلي. واذا قلت أني قرأت روايات جرجي زيدان فيتلك الفترة، فان أثرها فيّ لم يكن يذكر، قياساً الى كتابات جبران الذي تعبّدت فيمحراب أدبه. لم تستمر اقامتنا في أخميم أكثر من أشهر معدودة في نهاياتالحرب الثانية، عدنا بعدها الى الاسكندرية، حيث قررت ألا أزور أخميم قبل أن أكتبرحلتي اليها ومشاهداتي فيها. وهذا ما فعلته لاحقاً في كتابي "صخور السماء". لقدحرصت على ألا ازورها كي لا أشوه تلك الصورة الأولى الغريبة التي رأيتها عليها اثناءلقائي الأول بها. ومن زيارتي الأقدم الى أخميم استعدت في "صخور السماء" اطياف طقوستنصري وتعميدي في كنيستها استعادة دقيقة كاملة. 5 درستالحقوق في جامعة الاسكندرية. ذلك ان والدي، صاحب الميول السياسية الوفدية، كانراغباً في أن يراني رجلاً على صورة مكرم عبيد باشا ومثاله، ما دام عبيد هذا نائبسعد زغلول، زعيم حزب الوفد. لكن السياسة كانت حاضرة ايضاً في عائلتنا من جهة عائلةأخوالي الذين كان أحدهما في جماعة "مصر الفتاة"، وكان الآخر من انصار نبيل عباسحلمي. أما اليسار الماركسي او الشيوعي الذي كان حاضراً بقوة في مصر العشرينات فقدغاب تماماً عن مسرح الحياة السياسية في الاربعينات. في اثناء دراستيالجامعية، وبعد سنتين او ثلاث من تخرجي من الجامعة، كنت عضواً مؤسساً لحلقةتروتسكية ظللت سكرتيرها العام حتى .1948 في تلك المرحلة من حياتي غرقت حتى الثمالةفي الاجتماعات والمناقشات والتظاهرات واصدار البيانات وكتابة المنشورات التروتسكية،فأصدرنا مجلة "الكفاح الثوري" التي كنا ننسخها على الآلة الكاتبة ونوزعها علىالاعضاء والاصدقاء. حين أنظر اليوم الى الوراء مفكراً في دوافع انتمائي الىتلك الحلقة من يسار اليسار، أجد ان شعوري بالظلم وفقدان العدالة كانا في اساسدوافعي العاطفية والوجدانية البعيدة. وكان مصدر احساسي بأن العالم من حولي ليسعادلاً، بل ظالم، أمرين اثنين: فقداني خالتي واخويّ وأختيّ الذين خطفهم الموت علىنحو متواتر او متتابع. فالثلاثينات والأربعينات كانت حقبة سيئة وقاسية، عموماً، علىالصعيد الصحي، اذ كانت الامراض والاوبئة، كالتيفوئيد، تفتك بالناس فتكاً متمادياً،لعدم توافر الأدوية، خصوصاً المضادات الحيوية. الأمر الثاني الذي يلازمالأول ويوازيه في دفعي الى اليسار، كان محنة الظروف المادية وقسوتها. فاليسروالرفاه اللذان عرفهما والدي قبل ازمة 1936 الاقتصادية الخانقة، انقلبا عسراً وضيقاً بعد تلك الأزمة، مما فاقم احساسي بالظلم واللاعدالة. أما العنصرالذهني او الفكري في يساريتي فيعود الى وقوعي في مكتبة الاسكندرية البلدية علىمؤلفات كاتب في حروف السين، هو سلامة موسى الذي سحرتني كتاباته وانكببت على قراءتهاكلها، في نهم شديد، وعرفت منه ماهية الاشتراكية ومعناها. وفي تلك الفترة وبعدهابقليل قرأت برنارد شو ثم ان صديقي جورج خوري أهداني كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لفريديريك نيتشه، في ترجمة خاله فيلكس فارس، فكان تأثري بذلك الكتاب كبيراً. يعود تعرفي الى الأفكار الشيوعية والانكباب على قراءة المؤلفات الماركسيةالى شاب سوداني اسمه خليل الآسي. لكن شيوعيتي التروتسكية جعلتني معادياً للستالينيةوالديكتاتورية كما لم أكن معادياً لأي شيء في العالم. وكانت الشيوعية التروتسكيةجواباً شافياً عن احساسي بالظلم واللاعدالة، في جمعها بين الحرية والعدالة. ثم عرفتان تروتسكي صديق للسورياليين والسوريالية، فيما كنت منكباً على قراءة الأدبالسوريالي في ترجمة رمسيس يونان
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#45
|
|||
|
|||
![]() تابع ...
6 في العاشرة من عمريبدأت كتابة ما كنت أتصور انه الشعر، ومنذ ذلك الحين لم أتوقف عن الكتابة. وحينسألنا احد المدرسين، نحن تلامذة الصف، عما نحب ان نكون ونشتغل في المستقبل، اجابهأترابي: دكتور، طيار، مدرس، مهندس، فيما أجبته أنا بأني سأكون شاعراً، فأثار الأمراستهجان التلامذة. أما انخراطي في النضال والعمل السياسي، فكان يصدر عن واجبوضرورة، لا عن رغبة. لقد ملكت الكتابة رغبتي، وفيما أنا منخرط في العمل السياسيوالنضال، كنت مدركاً اني أؤجل الكتابة حتى تحقيق العدالة والاستقلال عن الانكليزوزوال الاحتلال واقامة الاشتراكية. لكن هذه الأحلام كلها انجلت عن اعتقالي ضمن حملةاعتقالات واسعة مع إعلان الأحكام العرفية في أيار ،1948 وطاولت جميع الفئاتاليسارية والوفديين. وفي المعتقل تلاشت العداوة بيننا نحن التروتسكيين وبينالشيوعيين، فتآخينا وتعاونّا، حيث التقيت مصادفة هنري كورييل في معتقل هاكس تسام فيالقاهرة. رأيته من بعيد من دون أن أكلمه أو يكلمني. كان نحيلاً رقيقاً يلبس الشورتوينتعل صندلاً ويتحرك طوال الليل كالنحلة. أمضيت في المعتقل عشرين شهراً،وخرجت منه في العام ،1950 وكان والدي قد توفي. وفي النوادي رحت ألقي محاضرات عنالسوريالية والوجودية فتعرفت الى أنور كامل ورمسيس يونان. لكن كان عليّ أن أبحث عنعمل ما أكسب منه معيشتي، فأهداني اليه صديق تعرفت اليه في المعتقل، وكان العملموظفاً صغيراً في "شركة التأمين الأهلية". ونبهني صديقي ذاك بألا أقول أني أحملاجازة في الحقوق، لأن العمل المطلوب في الشركة لا يتجاوز الإلمام باللغتين الفرنسيةوالعربية والضرب على الآلة الكاتبة. وبعد مقابلتي المسؤول في الشركة، وقع نظري فيأحد مكاتبها على فتاة جميلة رقيقة من موظفاتها، وكانت تلك النظرة العابرة فاتحةوقوعي في صفقة غرامية برفيقة حياتي التي تزوجتها عام .1958 7 في أثناء عملي في الشركة وإلقائي المحاضرات في نوادي الاسكندرية، كنا نلتقيفي المقاهي، حيث تدور بيننا المناقشات حول ثورة الضباط الأحرار الناصرية. وكانالأبرز في تلك المناقشات رأيان اثنان في ثورة .1952 الأول يعتبرها ثورة ديموقراطية. أما أنا فقد ملت الى الرأي الثاني الذي كان يعتبرها انقلاباً عسكرياً على طريقةالانقلابات في بلدان أميركا اللاتينية. ومنذ الأيام الأولى للثورة حتى تأميم قناةالسويس سنة ،1956 لم يتبدل رأيي في تلك الثورة. وقد يكون الخطأ الكبير الذي ارتكبتههو تصالحي مع الناصرية في أعقاب قرار التأميم. لكن برغم تلك المصالحة، ظل موقفيالشخصي من جمال عبد الناصر ملتبساً. إذ ظللت اعتبر الجانب العسكري في الثورةالناصرية سيئاً، لأن ما أتت به من انجازات ظلت فوقية لعدم صدورها عن الناس وهذا ماأكده انهيار تلك الانجازات مع موت الزعيم المصري. عام 1955 ضربني اليأسوالقنوط من عملي موظفاً صغيراً في شركة التأمين، لأعيل بالراتب الذي أتقاضاه أميوأخواتي الأربع. كنت أشتعل حنيناً الى الكتابة التي منعني عنها الدوامالوظيفيالمرهق، ففكرت في الاستقالة من الشركة، وأقدمت عليه. ومن التعويض المالي الذيتقاضيته رحت أعطي والدتي راتبي الشهري، كما لو أنني لا أزال موظفاً. في تلك الفترةكنت أمضي وقتي مداوماً على المكوث في أتيليه الاسكندرية التي يديرها أحمد مرسي،منصرفاً الى الكتابة والترجمة، فكتبت "حيطان عالية" وترجمت بعضاً من أشعار أيلوارومؤلفات تشيخوف وكامو. وشهراً بعد شهر راح التعويض المالي يتناقص وينفد، فلم يعد فيمستطاعي تقديم راتبي الشهري لوالدتي، فأجبرت على إعلامها بأني تركت وظيفتي فيالشركة. الضيق المادي الذي عشته آنذاك كان شديداً، فرحت أترجم براءاتالاختراع في الميكانيكا والكيمياء لإحدى الشركات، مما أثرى قاموسي اللغوي. وفيالأثناء بدأت أبعث لأصدقائي رسائل استغاثة لمساعدتي في البحث عن عمل، حتى وصلتنيذات يوم رسالة من صديقي ألفرد فرج يطلب مني فيها الحضور فوراً الى القاهرة للعملمترجماً في السفارة الرومانية، فغادرت الاسكندرية متوجهاً الى القاهرة في العام .1956 أثناء عملي مترجماً في السفارة الرومانية بادرت الى انشاء جمعيةالصداقة المصرية - الرومانية التي رعت انشاءها هيئة من أبرز العاملين في الحقلالثقافي في مصر: يوسف السباعي الذي كان رئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب، ومحمدمندور ويحيى حقي وفريد أبو حديد وعلي باكثير. ثم أصدرنا مجلة عن الجمعية التي تركتالعمل فيها عام 1959 لأعمل، بمبادرة يوسف السباعي، في قسم الشؤون الفنية لجمعيةتضامن الشعوب الافريقية - الآسيوية، وكان مدير شؤون هذا القسم رمسيس يونان الذيعملت الى جانبه جامعاً بين فوضوية الفنان وعقلانية الرجل الإداري. 8 في يوم من عام 1968 جاء الى منزلي جمع من الاصدقاء بينهماحمد مرسي وابرهيم منصور، وطلبوا مني العمل في تأسيس "غاليري 68"، على ان ننشىءصالة للعروض الفنية والتشكيلية، ومجلة ثقافية - أدبية يجري تمويلها من عائدات بيعاللوحات التشكيلية في صالة العرض، ومن اشتراكات الاعضاء. وكان الفريق الأساسي الذيعمل في اصدار المجلة، أحمد مرسي وابرهيم منصور وغالب هلسا وسيد حجاب وجميل عطيةابرهيم وأنا. وفي ثلاث سنوات صدر من المجلة ثمانية أعداد من دون انتظام. وقامت "غاليري 68" بنشر نصوص قصصية لمحمد البساطي وجمال الغيطاني وغيرهما من ادباءالستينات الذين كانت المجلة منبراً لكتاباتهم. والغريب ان جيل الستينات منالروائيين والقصاصين والادباء الذين تحلقوا حول "غاليري 68" كانوا أصغر مني سناًوعايشت انطلاقتهم، من دون ان أكون منتمياً الى جيلهم الادبي، ولا الى غيرهم منالأجيال السابقة. كأنني دائماً كنت مضيّعاً انتمائي الى جيل أدبي وثقافي وكتابي فيعينه. ربما لأنني منذ الأربعينات أكتب من دون أن أنشر ما أكتبه، الا اذا طلب منياحد ما مخطوطة للنشر. وربما لأن تصنيف الكتّاب في أجيال وموجات لا ينطبق عليّ. فحتىفي التصنيف الادبي الأكاديمي والجامعي لم أحسب على جيل الستينات او غيره. قد أكون من التيار الروائي والقصصي الذي سُمّي تيار ما بعد المحفوظية وجمعمروحة واسعة من الكتاب المصريين مثل صنع الله ابرهيم وجمال الغيطاني وغالب هلساوبهاء طاهر وعبد الحكيم قاسم، والجامع المشترك بين هؤلاء هو التمرد على القواعدالمحفوظية في الكتابة القصصية والروائية وكسرها. أما العنصر الآخر الجامع في هذهالتجارب الكتابية، فقوامه احساس هؤلاء الكتاب بأن هناك خطأ ما في التجربة السياسية - الاجتماعية للناصرية، خصوصاً بعد الكارثة التي تكشفت عنها هزيمة .1967 ورغم اننقد الناصرية لم يصل الى ادانتها ادانة مباشرة وصريحة، فان الحذر والتوجس منشعاراتها كشفا خواءها في مقابل القمع السياسي والثقافي للسلطة السياسية. وهذا ماانعكس في الأعمال الأدبية للكتاب والروائيين. 9 كروائي،اعتبر نفسي مؤرخاً لأشواق الروح وأشواك المجتمع. لكن التأريخ الاجتماعي وغيرالاجتماعي يحضر في وصفه عنصراً داخلياً في السياق الروائي والمشهد الروائي. وأظن انالتأريخ الحقيقي او الفعلي متضمَّن في الأعمال الروائية. أما السيرة الذاتيةفموجودة على نحو ما في كل رواية وقصة وقصيدة ولوحة تشكيلية، وفي كل عمل فني على وجهالعموم. أما كيفية تجلي حضور السيرة الذاتية في الأعمال الفنية، فمسألة غير قابلةللتقنين في قواعد ثابتة ومحددة. والذي يُخرج السيرة الذاتية، او الشرائح والمقتطفاتالمستخدمة منها، عن كونها سيرة ذاتية، اندماجها بالمتخيل الفني في العمل الروائي. فاستلهام وقائع وحوادث معينة، وكذلك استلهام مقتطفات من السيرة الذاتية، أمر طبيعيوعادي في الفن الروائي، شرط ان يجري استدخال هذه الاستلهامات في المتخيل الروائي. وعلاقة الذاكرة بالخيال معقدة. وربما يلازم التخييل عمليات التذكر كلها. وهنالكخيال منفصل او منقطع عن عمليات التذكر. حين أقول ان السيرة الذاتية تدخل فيالأعمال الروائية لا أقصد ان الرواية سيرة ذاتية مقنّعة، بل ان الفعل الروائييستلزم تحويل مقتطفات من السيرة الذاتية وتحويرها على نحو ملائم للبناء الروائي. أعلم ان هناك كلاماً عن روائيين يخلقون شخصيات روائية تروح تتفلت منهموتستقل عنهم، فلا يتمكنون من السيطرة عليها. لا أظن ان هذا الكلام حقيقي ودقيق. فالروائي خالق شخصياته، والمسؤول عن نموها وتحولاتها ومصائرها. والمخطط الروائيالذي أضعه قبل البدء بكتابة رواياتي، عام غير تفصيلي لا يتجاوز الصفحة او نصفالصفحة فقط ومعظم رواياتي كتبتها مرة واحدة فقط، لأني حين أشرع في الكتابة تكونالرواية مكتوبة في ذهني او في مخيلتي قبل مباشرة كتابتها. اما ما أقوم به من حذفوتقطيع واضافة وتبديل، فأجريه لاحقاً بعد الكتابة الأولى التي لا أعيدها. هناك بعضالقصص والروايات التي كتبتها في البدايات أعدت كتابتها مرات كثيرة. أما لاحقاً فقدتعودت أن أكتب قصصي ورواياتي مرة واحدة فقط. 10 سوف يبدوكلامي متضمناً شيئاً من الصلف حين اقول أني أحب أن يأتي التاريخ على ذكري وحيداً فيإحدى صفحاته، لا على صفحة يشاركني فيها غيري من الأسماء. هذا في حال كنت في عداد منسيأتي التاريخ على ذكر اسمائهم في صفحاته. فأنا أشعر أني وحيد ولا صلة وثيقة تجمعنيبأحد. تصعب عليّ الاجابة عن السؤال إن كنت مؤمناً بالله أم لا. ذلك ان أباالعلاء المعري لو قيّض له ان يكتب "رسالة الغفران" مرة أخرى، لن يسألني عن ايمانيبالله، بل عن الحس الديني لديّ. مثل هذا الحس يشغلني لأنه ينطوي على الاسئلة حولالوجود والمصير والموت، أقول هذا وأميز بين الأيمان والدوغما العقائدية والاسطورة،مع العلم ان الموت عندي هو نهاية الحياة. أما لو سألني أبو العلاء المعريإن كنت يسارياً، فأنني أجيبه بأني يساري في معنى الانحياز الى العدل والحرية. وأعنيالعدل الكوني المستحيل التحقق. واذا اعطيت فرصة ان أعيد كتابة ما كتبته مرة أخرى،فإني أعيد كتابته من دون ان أغيّر فيه شيئاً. أي أتركه على حاله لأن لديّ مشاريعكتابة كثيرة متراكمة عليَّ تنفيذها. وان كانت قد بدأت متأخراً في نشر ما كتبت،ومتأخراً أعلنت نفسي كاتباً، وما زلت أكتب مع تقدمي في السن، فإني على يقين بأن لاعلاقة بين الكتابة والنشر. وانا الذي بدأت الكتابة في سن مبكرة، اعتبر ان لا معنىللنصائح في الفن. أي لا معنى لوصفة نقترحها ناصحين الكتاب بأن يبدأوا الكتابة في سنمبكرة او متأخرة من اعمارهم. أذكر أني كنت أكتب "رامة والتنين" وكان عليّأن أحصل على اجازة من عملي في جمعية تضامن الشعوب الافريقية - الآسيوية التي كنتأعمل فيها لا كموظف، بل كفدائي لا يتوقف عن العمل طوال الساعات الاربع والعشرين مناليوم. لذا كنت أغادر القاهرة الى الاسكندرية، حيث انقطع تماماً عن الدنيا منصرفاًالى الكتابة. واذكر أني بعد انجاز مسوّدة "رامة والتنين" تركتها سنة او سنتين علىحالها، قبل أن أعود الى العمل عليها حين طلب أحدهم مني أن أعطيه كتاباً للنشر. أرويهذه الوقائع لكي أقول ان الأمر نفسه تكرر في مرات أخرى مع قصص وروايات غير "رامةوالتنين". لكني بعدما تقاعدت من الوظيفة في السابعة والخمسين من عمري، رحت أكتببغزارة كبيرة. فرواية"الزمن الآخر"، مثلاً، كتبتها في مدة لا تتجاوز الشهرين. ذلكان كل ما كتبته موجود بالقوة، قبل كتابته، بحسب العبارة البالزاكية. وإنسئلت ما هو الكتاب الذي قرأته من الأدب العربي والعالمي، وأحب أن أعيد قراءته بينمدة وأخرى، فإني لن أعثر على كتاب معين او محدد. قد يـشغفني احياناً أن أعيد قراءةبعض المقاطع من كتاب "الأبله" لدوستويفسكي. أما نيتشه فقد تأخذني رغبة في اعادةقراءة مؤلفاته كلها. اما كتاباتي فإني لا أطيق قطعاً إعادة قراءة أي شيء منها. واذا أعطيت فرصة ان انقذ خمسة كتب من كتبي كلها من طوفان أو حريق، فإني لنأنقذ سوى ثلاثة منها، هي "حيطان عالية" و"رامة والتنين" و"ترابها زعفران". إدوار قـــلـتـــة فــلـتـــس يـــوســــف الـخــــراط هو إدوار قلتة فلتس يوسف الخراط. وُلد في 16 آذار 1926 فيالإسكندرية لأب من أخميم في صعيد مصر، وأمّ من الطرانة غرب دلتا النيل. حصلعلى ليسانس في الحقوق عام 1946 من جامعة الاسكندرية. عمل أثناء الدراسة عقبوفاة والده منذ عام .1943 شارك في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندريةعام .1946 اعتقل في 15 أيار 1948 سنتين في معتقلي أبو قير والطور. تزوج عام 1957 وله ولدان وأربعة أحفاد. في عام 1959 عمل في منظمةتضامن الشعوب الأفريقية - الآسيوية ثم في اتحاد الكتّاب الأفريقيين - الآسيويين حتىالعام ،1983 وأشرف على تحرير مطبوعات سياسية وثقافية لهما. سافر الى معظمبلدان أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا في رحلات عمل. شارك في إصدار مجلة "لوتس" للأدب الأفريقي - الآسيوي وفي تحريرها، وفي مجلة "غاليري 68" الطليعية،ومطبوعات لكل من منظمة التضامن الأفريقي - الآسيوي واتحاد الكتّاب الأفريقيين - الآسيويين.
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#46
|
|||
|
|||
![]() ابرز أحداث حياة إدوار الخراط : - تزوج والده قبل قدومه الى الاسكندريه من امرأتين. تزوج الاولى في أخميم مسقطه، وبعد وفاتها انتقل الىالفيوم، حيث تزوج من امرأة ثانية دفعته وفاتها الى الانتقال الى الاسكندرية، حيثتزوج والدتي التي كانت شديدة الغيرة على زوجها من زوجتيه السابقتين المتوفيتينوأهلهما الذين تشدّدت في قطع علاقة والدي بهم وبماضيه، باعتباره رجلاً مزواجاً. - كاتب مصري ولد بالإسكندرية في 16 مارس عام 1926 في عائلة قبطية أصلها من الصعيد . - حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1946م، - شارك إدوار الخراط في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946 واعتقل في 15 مايو 1948م في معتقلى أبو قير والطور. - أخرجه القدر من براءة شبابه الأول ليلقى به فى بحر متلاطم منالحياة الشاقة التى بقدر ما أهلكته، بقدر ما خلقت بداخله قوة مختزنة، جعلته قادراًعلى مواجهة الحياة وترويضها لصالحه. - كان والده تاجراً في الفيوم يعمل في تصدير البصلوالبيض، وكانت تجارته مزدهرة هناك قبل تعرضه للافلاس في ازمة ،1936 ( وعمر الخراط 10 سنوات ) مما اضطره الىالعمل كاتب حسابات عند اصدقائه التُجار في الاسكندرية حتى وفاته. - الذكرى الأقدموالأقوى لديّ عن والدتي هي العبارة التي طالما كانت ترددها على مسمعي في طفولتيقائلة: انت رضعت لبن الحزن. ذلك لأني ولدت بعد 19 يوماً من وفاة اخي الذي ولد قبليبسنة او سنتين في الاسكندرية، فنذروني كي يجري تنصيري في أخميم التي كان لعلاقتيبها تأثير كبير في حياتي، قبل ان أعرفها وتطأها قدماي. - في العاشرة من عمره، صحا ذات صباح مننومه في بيته على صياح والده النائح: ولدي... ولدي... ولدي، لحظة وصله خبر مقتلابنه البكر من احدى زوجتيه السابقتين، بعدما دهسه قطار. - كان عمري نحو ستسنوات حين أخذني أهلي الى اخميم لايفاء النذر بتنصيري وتعميدي هناك. أذكر ان الرحلةكانت شاقة في القطار، وعن سلّم بيتنا الذي كان بلا سياج في اخميم سقطت فأصبت بجرحبليغ في ركبتي، لم يندمل أثره حتى اليوم. - في أثناء الحربالعالمية الثانية، كانت الاسكندرية تُضرب بالقنابل، عندما قرر والدي أن يرسلنا، أميوأنا واخوتي واخواتي، الى مسقطه في أخميم، ويظل وحده منصرفاً الى عمله فيالاسكندرية. كان ذلك في العام 1940 او العام الذي تلاه، فاستغرقت رحلتنا في القطارنحو 17 ساعة للوصول الى اخميم بين المنيا والأقصر في الصعيد. - انضم الى الحزب الشيوعي وذلك لشعوره بالظلم الاجتماعي وفقدان العدالة حيث كان يشعر بأن العالم من حوله ليسعادلاً، بل ظالم، بسبب أمرين اثنين: - الاول: فقداني خالتي واخويّ وأختيّ الذين خطفهم الموت علىنحو متواتر او متتابع. - الأمر الثاني الذي يلازمالأول ويوازيه في دفعي الى اليسار، كان محنة الظروف المادية وقسوتها. فاليسروالرفاه اللذان عرفهما والدي قبل ازمة 1936 الاقتصادية الخانقة، انقلبا عسراًوضيقاً بعد تلك الأزمة، مما فاقم احساسي بالظلم واللاعدالة. - سجن بسبب نشاطه السياسي والحزبي مع إعلان الأحكام العرفية في أيار ،1948 وطاولت جميع الفئاتاليسارية والوفديين. وامضى في المعتقل 20 شهرا. - عانا من الضيق المادي خلال عمله في شركة التأمين وبعد تخليه عن الوظيفه ليعمل كاتبا. - كان لكارثة هزيمة الـ 1967 اثرها عليه . - ظل يشعر انه وحيد ولا صلة وثيقة تجمعه بأحد. - عمل أثناء الدراسة عقبوفاة والده منذ عام .1943 ( ومان عمره عندها 17 سنة ). - سافر الى معظمبلدان أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا في رحلات عمل. رضع لبن الحزن وعانا الكثير من موت أخوه الأكبر منذ ولادته ثم موت أخاه من أباه وهو في سن العاشرة ، وموت أخته كما يقول وهو صغير وموت خالته، ولكن الأهم هو موت والده وهو في سن السابعة عشره والذي كان قد تعرض للإفلاس بينما كان الخراط في العاشرة ليعيش حياة بؤس وفقر شديد. يتم في سن الـ 17
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#47
|
|||
|
|||
![]() 9- حدث أبو هريرة قال – محمود المسعدي – تونس حدث أبو هريرة قال: هو عمل أدبي للكاتب التونسي محمود المسعدي، بث من خلاله أفكاره الفلسفية الوجودية من خلال البطل أبو هريرة معتمدا على لغة مكثفة وقديمة. اعتبرها الناقد توفيق بكار أهم مغامرة روائية في القرن العشرين واختيرت من أفضل 100 رواية عربية من اتحاد الكتاب العرب. وتحتل حسب هذا الترتيب المرتبة التاسعة. كتابه الأشهر "حدّث أبو هريرة قال"، لا يحيل إلا إلى مرجعة دينية، وعندما كانت رفوف مكتبات الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر ممتلئة به، وقد نشرته بالاشتراك مع "دار الجنوب" التونسية. فاعتقده البعض كتابا في السنة النبوية على غرار "من كنوز السنة"، لكن الذي اشتراه وقرأه ساهم بقسط كبير في زلزال كيانه وحدث له مثل ما حدث لتلك الشخصية التي تحمل اسم ذلك الصحابي الشهير. لقد كتب المسعدي ذلك الكتاب سنة 1939، الذي يمكن أن يصنف كـ"رواية"، وليست أي رواية، فهي تجريبية بامتياز، واستفاد فيها بذكاء نادر من طريقة الرواة في التراث العربي القديم، وفي الوقت نفسه كانت تنبض حد التشبع بالفلسفة الوجودية التي كانت موضة العصر ساعتها والعالم تمزقه الحروب الكونية الكبرى. ولم يكن المسعدي مجرد كاتب يرصف الكلمات، فلم يكتب إلا ثلاث أعمال سردية (السد، وحدّث أبو هريرة قال، ومولد النسيان)، بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ولما استقل بلده تونس، خاض نضالا ثقافيا من نوع آخر، ووصل أصبح على رأس وزارة التربة، ثم وزارة الثقافة، وكانت له بصماته الواضحة في المشهد الثقافي والتربوي التونسي رغم مرور السنين. وعندما توارى خلف المشهد السياسي التونسي طمع الكثير من محبيه في ان يعون إلى الكتابة السردية من جديد، لكنه آثر الصمت إلى أن أخذه الموت في آخر شهر من سنة 2004 وهو في الرابعة والتسعين من عمره
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#48
|
|||
|
|||
![]() الأصالة والمعاصرة في رواية " حدّث لأبو هريرة قال" 1) البناء الخارجي بين الأصالة والمعاصرة: أورد خالد الغريبي في مصنّفه " جدليّة الأصالةوالمعاصرة في أدب المسعدي " ص93 أنّ نصّ "حدّث أبو هريرة قال " ألّف قبلجوان1940، وقد صدر عن الدّار التّونسية للنّشر كاملا(22حديثا) عام 1973 أوّل مرّة وعندار الجنوب للنشر سنة 1979 حلّته مقدّمة الأستاذ توفيق بكّار. ويتنزّل هذا الأثرضمن محور الرّواية العربية. وتستدعي هذه الإشارة أن ننطلق من تحديد مفهوم الرّوايةباعتبارها جنسا أدبيّا.على أنّ ذلك ليس بالأمر الهيّن، إذ التحديدات متنوّعة لكنّأكثرها وضوحا ما سال من قلم"لوكاتش" الذي يرى الرّواية بحثا مختلاّ يخوضه بطل ممسوسيحمل في ذهنه قيما ورغبات وتصوّرات تتنافر مع السّائد. ومن ثمّ ، فالنّصّ الروائيإخبار عن مسيرة بطل لها أطر تستوعب أحداثها، وفواعل أو شخوص تسهم في مساعدة البطل أوعرقلته . وفضلا عن هذا وذاك ، فهي حكاية ذات مغزي إليه يرنو المبدع. ولمّا عدّنصّ"حدّث أبوهريرة قال" رواية فهو مستجيب بالضّرورة للأبعاد المتقدّم ذكرها . إنّتلك إشارات يمكن أن تتّّخذ بيّنات على عمق اتصال الأثر بأشكال التعبير الحديثة وذاكجانب المعاصرة في نصّ المسعدي. لكنّ متصفح" حدّث أبو هريرة قال" يمكنه أن يجدهاسلسلة من الأخبار تناقلها الرّواة بعد أن قضى البطل ، وهي تتضمّن ما صمد من أفعالهوأفلت من دائرة الفناء. ونصّ المسعدي عندئذ له مزية جمع تلك الأخبار ولصاحبه فضلالتدوين.إنّ اتّخاذ الخبر نواة لبناء صرح الرّواية يرتدّ بنا إلى ثقافة ضاربة فيالقدم ،الثقافة العربية عندما كانت قائمة على المشافهة والمعارف تتناقلها الألسن .والخبر بنية سردية تنحدر إلينا من الموروث فهو الشكل الذي وردت عليه أقوال الرّسولصلّى الله عليه وسلّم وسيرته وأيام العرب وهو الوعاء الذي سكب فيه الجاحظ نوادرهوالهمذاني مقاماته، وإجمالا فإنّ بنية نواة الرّواية رباط متين يشدها إلى ذاك الزمنالعبق الغابر. وإن تخطينا المسح الخطّي لكامل الأثر ونظرنا في بنية الخبرالواحد فإنّ ما يسترعي انتباهنا ظاهرة التصدير، إذ كثيرا ما مهّد المبدع للخبربمقولات بعضها مقدّس كالآيات القرآنيّة وبعضها إبداعي فسمعنا أصوات أبي العتاهيّةوالتّوحيدي والغزالي . تجتمع تلك المقولات على اختلافها في الارتداد بالنصّ إلىفضاء تالد وجذور أصيلة ، وليس النص القرآني ومقولات المفكّرين العرب إلاّ الأسس التينهضت عليها الحضارة العربية في عصرها الذهبي. على أنّ الأصوات التي علت فيفاتحة الأحاديث لم تكن لتقتصر على الفضاء الثّقافي الموروث بل تخطته لتنبعث من لحظةراهنة وثقافة معاصرة اتسعت لتشمل مقولات "ابسن".. وما ذاك التصدير إلاّ حجّة علىقطب معاصر ينازع قطب الأصالة.إنّ بناء الأثر أو بناء الخبر الواحد ساحة تدافعالحاضر والماضي والموروث والوافد. 2 - البطل بين الأصالةوالمعاصرة: توفّر شخصية البطل لمستهلك النصّ متعة الارتحال بين زمنيينولذ’ الارتحال بين ثقافتين، فبعض ما في الشخصيّة -اسمها- يحيي أشهر رواة أحاديثالرّسول صلّى الله عليه وسلّم ويستدعي أحد النّحاة ، على أنّ المنصت إلى ما سال علىلسان أبي هريرة من أقوال وما صدر عنه من أفعال يكشف انتماءه إلى لحظة ثقافية راهنةإذ أنّ مسيرته تعكس رؤية للوجود منبعها الفلسفة الوجودية. فبطلنا جذر قدمه الأولىفي الماضي وغرسها في ذاك الموروث الشرقي ووضع قدمه الثّانية في الحاضر لتستوعب ماأنتجه الفكر الإنساني. أبو هريرة بين الدّائرتين متراوح بعضه أصيل منحدر من الماضيوبعضه معاصر انبثق من الحاضر وكان البطل تأليفا بينهما ومستودع أليه انتهى الرافدان . ولم تفلت مسيرته من فلك تلك الثّنائية فكان بعض منها سيرا على منوال الوجوديينفي سعيهم إلى ملء الذات ونحت الكيان ونعني بذلك تجربة الحسّ والجماعة والرّوح ،وكانالبعض الأخر إتباعا لرؤية المتصّوّفة وإنصاتهم إلى الصمت غاية إدراك معنى الوجودالحقّ وسرّ الحياة الأصيل ليطلّق المحدودية وينفتح على الخلود وينتصر على الموتوذاك ما تحتضنه تجربة الحكمة في نهض جوانبها .ولعلّ حديث البعث الآخر يدعّم ماذهبنا إليه فقد حققّ البطل رغبة أفصح عنها في بداية الرّواية:لقد وقف بطلنا علىقمّة جبل سرعان ما طلّقه وطار ، تلك لحظة الحلول بالمطلق و الفناء فيه وهي مطلب كلّمتصوّف. 3 -الأزمنة والأمكنة بين الأصالة والمعاصرة: إنّ زمن الأحداث في رواية المسعدي يبعث في ذهن القارئ عصر النّاقةوالقافلة والإغارة والصّعلكة والسّبي ويمتدّ ليشمل فجر الاسلام، وكانت الأمكنة- مكّة بمساجدها وصحرائها ..-فضاءات تومئ إلى شبه الجزيرة العربية في لحظة تاريخيةغابرة . على أنّ ما انتجته شخصية البطل من خطاب يجعل ملامح الماضي مشربة بالحاضروالأصيل بناكب المعاصر. فيجد القارئ نفسه في حيرة منبعها عجز عن تنزيل أزمنة الحدثالرّوائي وأمكنته في حدود واضحة. ويقرّ الغريبي في دراسته بإفلات أطر الرّواية منقبضة الماضي وسلطان الحاضر.فهي مجال أخر من مجالات من تدافع الأصيلوالمعاصر. 4 - تقنيات السرد بين الأصالةوالمعاصرة: عرض المسعدي أحداث مغامرة بطله على نحو يظهر امتلاكه لتقنياتسرد متنوعة فكان التتابع والتضمين والتقاطع: - التّتابع:وهو السرد الخطي ، قوامهعرض الأحداث وفق منطق التعاقب وكان التتابع منطق نظم وقائع حديث "البعث الآخر" فقدتمّ عرضها متدرّجة نامية وتكشف بعض القرائن التعاقب من ذلك" ولمّا كان منالغد...مضت ساعة...ثمّ" - التّضمين: وهو إسناد قصّة في قصّة بالاستناد إلىالومضة الورائية أو التذكّر لإدراج حدث ماض له ما يشابهه في الحاضر، فأبو هريرة فيحديث الحقّ والباطل ينسلّ من لحظة راهنة ليسترجع ذكرى موت أخته. - التقاطع: وهوضرب من التداخل بين أزمنة النصّ ويتجلّى هذا النوع من القصّ في "حديث القيامة" حيثلعب المبدع بالأزمنة لعبا مغريا. كانت بداية الحديث رغبة أبي هريرة شراء شموع منأبي المدائن لإحياء حفل وتلتقي الجماعة ليلا بضيعة البطل وينطلق الغناء... ثمّ تغيمالسماء وينتشر الفزع فيأخذ أبو هريرة ريحانة خلفه وينطلق بها .. عندها يسرد أبوالمدائن حدثا ماضيا – إحراق البطل منزله وموت زوجته وسرعان ما يتلقّف أبو هريرةالسرد ليغدو منطلقه وأبو المدائن منتهاه. يبدو التتابع و التضمين من تقنياتالسرد الموروثة ونجد لهما حضورا في أشكال السّرد القديمة "الحكاية المثليّة، رسالةالغفران " في حين نرى التّقاطع أو تداخل الأزمنة من أنواع السرد المعاصر .ومن ثمّفتقنيات السّرد تعمّق مبدأ النزاع بين الأصيل والمعاصر . • إنّ العلاقة بينالأصالة والمعاصر في رواية المسعدي لا تقوم على التجاور أو التعاقب بل هي مشيّدةعلى جدل وتدافع. • يمكن أن نجد مبررات لهذه الثنائية ونستطيع أن نحدّد لها غايات، قد يعود حضور الموروث والمعاصر في الرّواية إلى ثقافة المبدع ذات الرّوافدالمتعددة ،فترجمة المسعدي تظهر انتقاله بين مؤسسات تعليمية تقليدية تنحدر من زمنسحيق – الكتّاب – وأخرى حديثة أنشأها الآخر القويّ. أمّا دلالات الحضور فإنّها لنتخرج عن التأصيل والتجذير للرّواية كجنس وافد والانفتاح على التجربة الإنسانية.
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#49
|
|||
|
|||
![]() محمود المسعدي مؤلفات المسعديمحمود المسعدي (1911 - 16 ديسمبر 2005) كاتب ومفكر تونسي. ولد في قرية تازركة بولاية نابل بتونس. وبدأ تعليمه في كتّاب القرية حيث أتم حفظ القرآن قبل أن يبدأ مرحلة التعليم الابتدائي في قربة. ثم أتم الدراسة الثانوية في المعهد الصادقي عام 1933. وفي العام نفسه، التحق بكلية الآداب بجامعة السوربون ليدرس اللغة العربية وآدابها. وتخرج منها عام 1936، وشرع في إعداد رسالته الأولى " مدرسة أبي نواس الشعرية "، ورسالته الثانية حول " الإيقاع في السجع العربي "، إلا أن الحرب العالمية الثانية قد حالت دون إتمامهما. ونشرت الثانية، لاحقاً، بالعربية والفرنسية. وقام المسعدي بالتدريس الجامعي في كل من تونس وفرنسا. وإلى جانب التدريس الجامعي، انخرط المسعدي في السياسة، حيث تولى مسؤولية شؤون التعليم في حركة الاستقلال الوطني التي التحق بها مناضلا ضد الاستعمار الفرنسي، كما لعب دورا قياديا في العمل النقابي للمعلمين. بعد الاستقلال عام 1956، تولى المسعدي وزارة التربية القومية، وحيث أسس الجامعة التونسية. وقبلها، كان قد تمكن من إقرار مجانية التعليم لكل طفل تونسي. وفي 1976، تولى المسعدي وزارة الشؤون الثقافية. قبل أن ينهي حياته السياسية كرئيس مجلس النواب وبالإضافة إلى تلك المسئوليات، كان للكاتب نشاط وافر في منظمتي اليونسكووالأليكسوومجمع اللغة العربية في الأردن. وكذلك أشرف على مجلة " المباحث " عام 1944، ثم على مجلة "الحياة الثقافية" عام 1975. كتب المسعدي أعماله الهامة بين العامين 1939و1947. وتكشف هذه الأعمال عن التأثير القرآن على تكوينه الفكري والعقائدي وعلى أسلوبه. كما تنم أعماله عن إحاطته بأعمال المفكرين المسلمين في مختلف العصور، وبالأدب العربي القديم التي بدأ اهتمامه بها منذ مرحلة دراسته الثانوية، بالإضافة إلى اطلاعه الواسع العميق على الآداب الفرنسية خاصة والغربية عامة.
== محطات في حياة الأديب الكبير محمود المسعدي تونس – من محمودالحرشاني غيب الموت فجر يوم الخميس 15 ديسمبر 2004 أديب تونس الكبيرالكاتب محمود المسعدي، عن سن تناهز الثلاثة والتسعين عاما. ولقد أثر المسعديتأثيرا كبيرا في تكوين الأجيال التونسية، حيث التقت هذه الأجيال لسنوات عديدة معأعماله، ودرسوه وتعمقوا في عوالمه وأجوائه. وترك الكاتب الكبير محمود المسعديمجموعة من الأعمال الخالدة التي ارتقت بمكانته الأدبية، وجعلته بحق أحد المفكرينالكبار في تونس والعالم العربي. وأهم أعمال الكاتب والأديب محمود المسعدي هيكتابه الشهير " السد" وكذلك كتبه الأخرى " حدث أبو هريرة قال..." ومولد النسيان" وتأصيلا لكيان.. ثم كتابه الأخير " من أيام عمران" وبهذه الكتب، وخصوصا بكتبهالأربعة الأولى تدعمت مكانة محمود المسعدي وتوسعت شهرته الأدبية كرائد من روادالقصة والرواية في تونس والعالم العربي. وتأسست ملامح مدرسة أدبية كاملة تستوحيعوالمها وأسسها ومرتكزاتها من عوالم محمود المسعدي الأدبية، رغم أن المسعدي بشهادةكبار النقاد والدارسين عصي عن التقليد... ومن أشهر تلاميذ هده المدرسة والذين سارواعلى نهج مؤسسها يأتي فرج الحوار وصلاح الدين بوجاه في المقدمة أما محمود طرشونةالكاتب والأستاذ الجامعي، فقد بلغ به حبه لمحمود المسعدي والتأثر به، إلى حد أنهاستغل على إخراج آخر أعماله وإعداده للنشر وهو كتابه الأخير " من أيام عمران" الذيكتبه المسعدي في جذاذات وأوراق متفرقة لسنوات الشباب. وقضى طرشونة وقتا طويلا فيجمع هذه الأوراق وتبويب ما جاء فيها وما خطه فيها محمود المسعدي وإخراجها للناس فيكتاب ورغم أن محمود المسعدي كتب كتبه الأربعة الشهيرة في سن الشباب، ولم يكتب بعدهاأي كتاب جديد، فقد علل ذلك في عديد المناسبات أنه كتب كل ما كان يرغب في كتابته. ولكن ذلك لم يقلل من مكانة محمود المسعدي الأدبية ولم ينل من مكانته كرائد من روادالأدب التونسي المعاصر، وأحد أعلام الأدب العربي الكبار. ولقد نهل المسعدي منمعين المدرسة الغربية وتأثر إلى حد كبير بالفلسفة الوجودية التي من أعلامها جون بولسارتر والباركامي ولكنه تشبع قبل ذلك بثقافة إسلامية عميقة، نجد ملامحها في كتابه " حدث أبو هريرة قال" الذي يعد من أشهر كتبه بعد كتابه الأشهر " السدّّ" ولقد حملالمسعدي في فكره ووجدانه: طموح جيل كامل من المثقفين البناة الذين كانوا يناضلون منأجل بناء ثقافة تونسية أصيلة مواكبة لروح العصر ومتحررة من الجمود والتكلس. ويعدكتاب محمود المسعدي " السد" من أشهر الكتب الروائية العربية، وحاز هذا الكتاب شهرةكبيرة في تونس والعالم العربي والتقى به عديد الدارسين الذين وقفوا على ما توفرتلهذا الكتاب من عناصر القوة في البناء والفكرة والموضوع والطرح. وشهد بقيمتهالفنية والأدبية كبار الأدباء والكتاب العرب وفي مقدمتهم عميد الأدب العربي طه حسينوصاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ وغيرها من أعلام الأدب العربي. ومثلما ارتبط اسممحمود المسعدي بتاريخ الثقافة في تونس، باعتباره أحد روادها الكبار وأحد وزراءالثقافة السابقين، كما كان أول وزير للتربية في تونس المستقلة لمدة عشر سنوات.. فقدارتبط اسم محمود المسعدي بدوره البارز في تطوير مناهج الثقافة وفق أسس الحداثةوالتنوير. كما ارتبط اسم محمود المسعدي بتأسيسه للعديد من المجلات الرائدة فيتونس، ومن أهمها مجلة " الحياة الثقافية " التي لا تزال تصدر إلى اليوم عن وزارةالثقافة ومجلة الحياة البرلمانية، لما انتخب رئيسا لمجلس النواب التونسي، ولا تزالهذه المجلة تصدر كذلك إلى اليوم. كما اقترن اسم محمود المسعدي بمجلة المباحثالتي أسسها في الثلاثينات من القرن الماضي الأديب محمد البشروش صديق أبو القاسمالشابي وترأس تحريرها، كما كتب فيها العديد من الأقاصيص والفصول الأدبيةوالفلسفية. ولقد تركت وفاة المسعدي الأديب الكبير لوعة وحسرة لدى كل المثقفينوالأدباء والكتاب في تونس والعالم العربي. ونقلت الصحف التونسية تصريحات لأدباءتونسيين وعرب عبروا فيها عن مشاعر الحسرة والأسف لغياب الأديب الكبير محمودالمسعدي. فقد لاحظ الأديب المصري يوسف القعيد، في تصريح لجريدة الصحافة التونسيةأن الأديب محمود المسعدي يعد واحدا من أعمدة النص الروائي العربي ليس في تونس وحدهاولكن في الأدب العربي عموما، مشيرا في ذات التصريح إلى احتفاء عميد الأدب العربي طهحسين بكتابات محمود المسعدي والكتابة عنها في جريدة الجمهورية منذ سنة 1955، كماأنه أحد الروائيين العرب الكبار الذين استوحوا التراث العربي القديم في كتابةروائية حديثة متقدمة تطرح هموم الانسان. الأديب المصري عبد التواب يوسف وصفمحمود المسعدي بكونه الكاتب الشامخ الذي استطاع من بين جيل الرواد القدامى أن يفرضنفسه على الساحة الأدبية العربية. وقالت الأديبة المصرية هدى جاد أن وفاة المسعديأمر محزن لأنه يذكر بانفراط حبات العقد الفريد. أما الأدباء التونسيون فقد كانحزنهم كبيرا على رحيل عميد الأدب التونسي والمغاربي محمود المسعدي فقد لاحظ الروائيوالكاتب عبد القادر بلحاج نصر أن المسعدي امتاز عما سبقه وعاصره بأسلوب أدبي ارتفعحتى عائق الكمال وصفا حتى أصبح هو الجودة نفسها، نهل من جمالية القرآن وبديعالقدامى، وأخذ من هموم العصر وقضاياه ومن مشاغل المحيط ومسائله فأخرج إبداعاإنسانيا تجاوزت لشهرته الوطن ليشغل الكثير من أهل الفكر والثقافة في العالم العربي. أما الشاعر والأديب محمد الغزي فقال : أنه إذا كان الشابي يمثل حداثة النص الشعريفإن المسعدي يمثل حداثة النص السردي، ونص المسعدي ينتمي إلى جنس الكتابة، الكتابةعلى وجه الحقيقة والإطلاق حيث تتشابك كل أجناس المعرفة. وبين الروائي ابراهيمالدرغوتي أن المسعدي يمثل الاستثناء في الأدب التونسي إذ مكن الأدب التونسي منالخروج من المحلية الضيقة إلى رحاب أوسع في بلاد العرب وعالميا أيضا. وتقديرالمكانة المسعدي الكبيرة، باعتباره أحد رواد الثقافة والفكر وأحد القلائل الذين سماعلى أيديهم الأدب التونسي وخرج من محليته الضيقة باتجاه العالمية، حيث ترجمت أعمالهإلى عديد اللغات. حصل المسعدي في حياته على العديد من الجوائز، وأهمها جائزةالثقافة المغاربية التي أسندها له الرئيس زين العابدين بن علي كما تولت وزارةالثقافة خلال السنة الماضية إصدار أعماله الكاملة في أربع مجلدات ضخمة بما يليقبمكانته الأدبية، ويحفظ آثاره بين الأجيال. ولقد شاء القدر أن يواري جثمان الأديبالكبير محمود المسعدي الثرى في يوم ممطر، وتولى تأبينه وزير الثقافة والمحافظة علىالتراث الأستاذ محمد العزيز بن عاشور الذي وصف المسعدي بكونه كان طوال مسيرتهالنضالية صوتا صادقا بالوطنية والتجذر والعقل ورائدا من أهم رواد الفكر المعاصر. ولقد نعت عديد التنظيمات الرسمية والشعبية في تونس الكاتب الكبير محمود المسعدي،مبرزة دوره وريادته في الفكر والحضارة ولقد كتبت عن المسعدي وأدبه آلاف الدراساتوالبحوث وعشرات الكتب. المقال فصل من كتاب سيصدر خلال سنة 2007 للكاتب محمودالحرشاني
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
#50
|
|||
|
|||
![]() الأعمال الكاملة لمحمود المسعدي في أربعةمجلدات تونس: حياة الرايس صدرت منذ ايام في تونس الاعمال الكاملة للكاتب محمود المسعدي، عن دار الجنوب للنشر. وقد تولى القيام بالجمع والتقديم والببلوغرافيا الدكتور الناقد محمود طرشونة الذي عرف باهتمامه الكبير بأعمال محمود المسعدي. وقد رافقه في مختلف مراحل مسيرته الادبية والفكرية. وتضمن الجزء الاول من هذه الاعمال الآثار المعروفة للمسعدي هي: «كتاب السد» و«حدث أبو هريرة قال...» و«مولد النسيان» وقصتي «المسافر» و«السندباد والطهارة» وكتاب «من ايام عمران» الذي حققه ايضا وجمعه الدكتور طرشونة واظهره للقراء «قبل صدور الاعمال» مع «تأملات» تجاوز عددها المائة وارفقه بملحق «قصة القصّة» وهي حكاية تروي رحلة بحثه وتنقيبه عن هذه الاوراق التي اكتشف البعض منها على شكل خربشات على جذاذات بعض الجرائد القديمة. وقد قدم هذا الكتاب الدكتور الناقد توفيق بكّار. وآخر ما احتوى الجزء الاول نصا بعنوان «بظاهر القيروان» وهي قطعة تمثيلية ذات فصل واحد ومنظر واحد. المجلد الثاني ضم الاعمال الثقافية بدءا بـ «تأصيلا لكيان» وهو مجموعة مقالات ومحاضرات في الادب والفلسفة والثقافة وهي: «صحائف كتبت على وجه الدهر مختلفات، تمحيصا للرأي والتعبير، وحفاظا لعهد الفكر جلاله، والقلم حريته والاباء حرمته، والجهاد آدابه، في فترات توالت وتباعدت في الزمن العديد، وتقاطعت متصلة في امتداد سؤال واحد لا يزال حتى اليوم ينشد جوابه ومن اقدم القدم كان السؤال: «لزوم ما لا يلزم» في كيان الانسان»، كما جاء في تقديم محمود المسعدي نفسه لها. كما ضم هذا الجزء نظرية صاحب هذه الاعمال حول: «الايقاع في السجع العربي» وهي رسالة دكتوراه اعدها في جامعة السربون ولم يتفرغ لمناقشتها بسبب انشغاله بمهام ومسؤوليات وزارة التربية القومية آنذاك (1958 ـ 1968) عندما كان وزيرا لها. وقد ورد هذا البحث كاملا بالفرنسية في المجلد الرابع. المجلد الثالث احتوى على مقالات ومحاضرات ومقدمات وحوارات عديدة كانت مشتتة ومتفرقة بعضها في الصحف والجرائد وفي اشرطة سمعية وبصرية داخل تونس وخارجها وبعضها مدون في رقاع مخطوطة تقتضي التدقيق والتهذيب جمعت الآن في مجلد واحد مما يسهل عملية البحث بالنسبة لأي طالب او باحث او ناقد يريد البحث في فكر الاديب الكبير محمود. == ماذا يتبقّى من محمود المسعدي ؟ إنّ الحديث عن محمود المسعدي وقد أصبح من الخالدين قد لا يختلف عن الحديث عنه وهو حيّ لأنّ أعماله الأدبية وسيرته في الحياة تكرّست في الأذهان من زمن وأصبحت جزءا من الثقافة التونسية. ومن ذا الذي مرّ بقسم الباكلوريا آداب ولم يتفحّص "السدّ" أو "حدثّ أبو هريرة قال" إن لم يدفعه الفضول إلى قراءة "مولد النسيان" و "تأصيلا لكيان" و "من أيام عمران"(في في الفترة الأخيرة). إنّ المسعدي ارتبط بذاكرة عدّة أجيال لا لأنّ موقعه السياسي والإداري يسمح له بأن يتربّع على عرش البرامج المدرسية بل لأنّه جدير بذلك بدليل أنّه حافظ على هذه المكانة وهو خارج مواقع النفوذ ولا ننسى أنّ البرامج الجامعية التي لا تخضع إلاّ لاعتبارات علمية أعطت المسعدي حقّه من الدراسة والبحث. ما الطريف في أدب محمود المسعدي وهو من المقلّين وأغلب أعماله أنجزها في فترة سابقة لتاريخ الاستقلال ؟ إنّ أصالة هذا الأدب ووفاءه لجوهر الإنسان هي التي مكّنته من أن يفتكّ الإعجاب إلى حدّ أنّ المخيال الشعبي نسج حكايات عن " السدّ " وعن العلاقة بين صاحبه وعميد الأدب العربي ونُسبت إلى طه حسين أقوال لم ترد في المراسلات التي نشرت . أ-) لغة المسعدي إنّ ما نخرج به من هذه القصّة يتمثل في أنّ المسعدي حريص على أن لا يكرّر نفسه، وقد كان معروفا بصرامته في العمل مع تلامذته ومع الأساتذه أمّا في الكتابة فقد تمثلت الصرامة في علاقته باللغة فهو يقسو عليها ويشذّبها من كلّ الزوائد فلا يسمح لها بالخروج إلى النّاس إلاّ وقد تهذّبت واستقامت وتجلّت فكانت في خير صورة شاءها صاحبها،. لقد كتب المسعدي نثرا ولكنّه صاغه وهو مدرك لقيمة اللغة وإيقاعاتها، أوَ لم يخصّص بحثه الأكاديمي للنظر في الإيقاع في النثر العربي ؟ إنّه يكتب من ذاكرة مكتضّة تتزاحم فيها نصوص الجاحظ والتوحيدي وأخبار الأصفهاني وإيقاعات المقامات فكانت كتابة منحوتة نحتا من اللغة الصوان. وإن نحن استثنينا فقرات من السدّ، فقد جاء نثر المسعدي كأنه شعر بفعل ما توفّر فيه من جمال الإيقاع وحسن السبك والنظم بعيدا عن حوشي الغريب، يتوفر على جمال الصورة وبلاغة الإيجاز. يغنيك قليله عن كثير من اللغو والثرثرة. وليس غريبا أن يحاول العديد من الأدباء المعاصرين النسج على منواله والانتماء إلى مدرسته في كثير من الفخر والاعتداد ومن أمثلة هؤلاء نذكر صلاح الدين بوجاه ومحمد الدلاّل وفرج الحوار وفرج الغضاب ... ب-) المسعدي الوجودي إنّ قارئ مولفات المسعدي يدرك بوضوح اعتناق الرجل للمذهب الوجودي ولعلّه متأثر في ذلك بثقافته وبإقامته في فرنسا زمن ازدهار هذا المذهب. غير أنّ وجودية الرجل تختلف عمّا ألفناه في كتابات سارتر وكامو، لأنّه - ومثلما صرّح بذلك أكثر من مرّة - لم يكتب شيئا يدل على أنّ الحياة عبث. لا شكّ أنّه يؤمن أنّ الوجود يسبق الماهية وما على الإنسان إلاّ أن ينحت وجوده ويصوغ ذاته ويحقّق ماهيته من خلال ما يعرض له من تجارب. أليست هذه الفلسفة احتفالا بالإرادة في معناها السامي؟ فيها الكثير من النفس الاعتزالي وتؤمن بجدارة الإنسان في أن يتحمّل أمانة هذا الكون، إنّ غيلان هو أبو هريرة وهو أنت وأنا وكلّ إنسان وعى ذاته وعزم على أن يحقق وجوده الفردي والجماعي. هو الإنسان الذي قبِل الأمانة وتحمّل أن يكون خليفة اللّه في الأرض بكلّ ما تعنيه الخلافة من معنى. وهو الإنسان الذي طوّر المعارف والعلوم، وذلّل الطبيعة وقاوم الجوع والمرض وسعى إلى ما فيه خير البلاد والعباد، هو الإنسان الذي بنى الحضارة ونشر قيم الحقّ والعدل والحبّ. وجودية المسعدي لا تقنع بالموجود بل تطمح دوما إلى المنشود حتّى إن كانت تؤمن أنّها قد لا تدرك مطلق المنشود لأنّه صنو الكمال. غير أنّ هذا العمل لا يعني العبثية وغيلان ليس سيزيفا لأنّه يؤمن أن الفعل البشري لا يكتمل ومتى اكتمل الفعل كانت النهاية لأنك كما يقول المسعدي "إن أنت أتممت الفعل قتلته" وطبيعة الإنسان السائر بصفة حتمية وطبيعية إلى العجز والفناء لا حدود لطموحها، وما قد يبدو اليوم معجزة سيبدو يوما آخر عاديا. كان لا بدّ لسدّ غيلان أن لا يكتمل بناؤه، لأنّه ليس سدّا من حجارة بل هو الحلم الإنساني الذي لا حدّ له أكثر ممّا هو حلم شخص محدّد في الزمان والمكان. ولو أنّ المسعدي جعل روايته تنتهي نهاية سعيدة باكتمال بناء السدّ لكانت قصّة عادية وأقل من العادية لا تستحقّ أدنى اهتمام لأنها ستتحول إلى حكاية اجتماعية تنتهي بالزواج السعيد في فرح وسرور ولفقدت جلّ معانيها الإنسانية الخالدة. قد نتّهم المسعدي بالقسوة على أبطاله وحكمه عليهم بالفشل والعبث بهم في نهايات مأسوية. ولكنّ المأساة من طبيعة الوجود البشري. ويكفي أنّ المرء يدرك تمام الإدارك أنّه محكوم عليه بالفناء ليشوب النقصان كلّ عمله . إنّ شخصيات المسعدي وإن كانت كائنات من ورق على حدّ عبارة النقد الحديث فهي كائنات بشرية وليست أسطورية، وكان لا بدّ لأبي هريرة أن ينسحب من مسرح الأحداث لأنّه أتمّ دوره وعاش ما عاش من تجارب متنوعة، ولم يعد له ما يضيف إلاّ أن يكرّر ذاته. وما انسحابه إلاّ إفساح المجال لغيره ليواصل رسالة الحياة ويحيا بدوره نفس التجارب بنفس مختلف نظرا لاختلاف الظروف زمانا ومكانا. ولقائل أن يقول ما دام الأمر على هذا الشكل من النقصان والفشل، ألا يُخفي إيمانا بعبثية الحياة ما دام سيزيف يسكن كلّ جهد وعمل؟ إنّ المسعدي وإن آمن بأنّ الوجود سابق للماهية فإنّه كان ينطلق من واقع إسلامي ويختار شخصياته من هذا الفضاء وينزّلهم في مشاغل هذا الواقع وفي فضائه الثقافي والروحي . إنّه يكتب لمجتمع تونسي وعربي إسلامي قبل أن يكتب للإنسان في المطلق. إنّه يحمّل شخصياته طموحات هذا المجتمع في النهوض من التخلّف وبناء حضارة جديدة. إنّ المسعدي لا يستنسخ نماذج محنّطة بل يثور على الواقع الموروث ويسعى إلى جعله يعي ذاته ووجوده حتّى يصبح قادرا على الفعل وتحديد مصيره والسعي إلى تحقيق هذا المصير. إنّ معنى الحياة عند المسعدي يكمن في الحياة ذاتها. فأن تعيش حياتك وتحقق وجودك الفردي والجماعي ذاك هو معنى الوجود السامي . إنّ وجودية المسعدي ملتزمة بالفعل، وما دامت قد تنزّلت في واقع عربي إسلامي تخلّف أشواطا عن ركب الحضارة فلا مجال للعبثية لأنّ للفعل السياسي والاجتماعي أو الثقافي معاني جليلة تنتفي أمامها أحزان العبثيين وهي تحتاج إلى عمل أجيال وأجيال لنفي أسباب التخلف واستعادة الراية من جديد مع المحافظة عليها وهو مشروع يحتاج إلى سدود عظيمة تنشد الفعل وتحتفل بالإضافة حتّى يكتمل الصرح أو يقارب الاكتمال ولو بعد أجيال. ج-) المسعدي بين الكتابة والالتزام إنّ من شأن النقد الأدبي أن يحاسب الكاتب على ما كتب لا على ما فعل، ولكنّنا ونحن بصدد الحديث عن المسعدي لا نمنع أنفسنا من أن نتساءل إن كان الرجل قد استطاع أن يحقق شيئا ممّا دعا إليه فيما توفّر له من العمر المديد أو سعى إلى تحقيق ما كتب؟ ليس الأمر محاسبة، وإنّما هي الدراسة والرغبة في معرفة مدى التزام الكتّاب العرب بما يدعون إليه من جميل القول وجليل الفعال. إنّ البحث في حياة المسعدي يحتاج إلى متسع من القول وليته أضاف إلى ما كتب شيئا من أدب السيرة الذاتية ليفيد في هذا المجال ويكشف عن صفحات مجهولة. كلّنا نذكر أنّ محمود المسعدي عمل في مجالات ثقافية ونقابية وسياسية. فقد لعب دورا رئيسا في مجلّة "المباحث " التي كانت عنوانا لنهضة ثقافية وأدبية زمن صدورها أيام الاستعمار، من غير أن ننسى أنّه أسس مجلّة الحياة الثقافية التي تصدرها وزارة الثقافة باستمرار إلى اليوم فكان له شرف التأسيس . وكان في الأربعينات من مناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل فكان النضال ضدّ رأس المال وضدّ الاستعمار البغيض، ولا عجب أن يكون إهداء "السدّ" إلى روح فرحات حشّاد شهيد النضال، رغبة من المؤلف في أن تستمرّ روح حشّاد في الإشعاع ومواصلة الرسالة على الدوام من خلال نضال رفاقه بعده ومن بينه محمود المسعدي. وفي المجال السياسي كان المسعدي محضوضا بتقلّد مسؤولية وزارة التربية على امتداد 10 سنوات في فترة دقيقة من تاريخ البلاد فكانت المناسبة سانحة لوضع برامج تعمل على تنشئة أجيال تتسلّح بثقافة حديثة من مقوماتها المعرفة والعلم والإيمان بالإنسان غاية ووسيلة، لذا صار تدريس الفلسفة من ثوابت برامج التعليم وتركّز الأمر على تطوير تدريس العلوم والمعارف. ويمكن للباحثين اليوم أن يقوّموا تجربة الستينات في ميدان التربية والتعليم مع ربطها بظروفها المحلّية والعالمية وما قدّمته من نتائج في العقود الموالية. إنّ تقويم تجربة المسعدي في الثقافة والتعليم، سواء كان الرجل أستاذا أو وزيرا للثقافة أو للتربية تحتاج إلى عمل جماعي وشهادات ودراسات عديدة يمكن على ضوئها أن ندرك مدى نجاح المؤلف في نقل أفكاره ومواقفه إلى أرض الواقع. لا شكّ أنّه ككل عمل بشري سيكون مشوبا بالنّقصان لأنّ جانبا من الأمر يتجاوزه. إنّ المرء حديث بعده، ولعلّ الأيام القادمة تمكّننا من نفض الغبار عن الكثير ممّا كان خافيا في مخطوطات المسعدي وحياته، ومهما يكن من أمر، فإنّ الرجل استطاع أن يقدّم إضافة كبيرة إلى الإبداع الأدبي في تونس جعلته يشعّ بكتابته في الزمان والمكان. ومما تجدر الإشارة إليه هو أنّ محمود المسعدي وإن عرفناه متقدّما في السنّ فإنّ أغلب إنتاجه صاغه في سنّ مبكّرة مسكونا بحميّة الشباب مثله في ذلك مثل أبي القاسم الشابي، فهل قدر الريادة الأدبية أن تكون شبابية ؟ لقد بقي محمود المسعدي وفيّا لروح الشباب وحميّة الزمن الأول فهل يقتدي به أبناء هذا الجيل لينسجوا على منواله، سعيا إلى تقديم أعمال إنسانية خالدة لتكون تونس رائدة على الدوام بأحفاد ابن خلدون والشابي والمسعدي. محمّد البـدوي ـ طبلبة - تونس
__________________
![]() قمة آلحزن ! عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص .. كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ ! عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب [ گبير لہ
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |