تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 40 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خاطرة قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كلمات منهي عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 16166 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4025 )           »          أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 176 )           »          الشباب أداة بناء وتأثير وتغيير وإن لم نحسن تربيتهم تحولوا إلى أداة تدمير ومعاول هدم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          سبيل التأسي بدراسة حديث اللهم إني ظلمت نفسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 108 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 135 - عددالزوار : 77730 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 31 - عددالزوار : 11755 )           »          المهيمن العزيز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-12-2022, 05:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْحَجِّ
الحلقة (394)
صــ 404 إلى صــ 411






وَالثَّانِي : أَنَّهَا تَكُونُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْقِيَامَةِ ، وَهِيَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، قَالَهُ عَلْقَمَةُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ . وَرَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ الْقِيَامَةِ ، بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ ، فَفَزِعَ الْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ ، وَالْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ ، وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ ، فَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ، فَقَالَتِ الْجِنُّ لِلْإِنْسِ : نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ ، فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبُحُورِ ، فَإِذَا هِيَ نَارٌ تَأَجَّجُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ ، إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وَالسَّمَاءُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ ، إِذْ جَاءَتْهُمْ [ ص: 404 ] الرِّيحُ فَمَاتُوا . وَقَالَ مُقَاتِلٌ : هَذِهِ الزَّلْزَلَةُ قَبْلَ النَّفْخَةِ الْأُولَى ، وَذَلِكَ أَنْ مُنَادِيًا يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ، فَيَفْزَعُونَ فَزَعًا شَدِيدًا ، فَيَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " شَيْءٌ عَظِيمٌ " ; أَيْ : لَا يُوصَفُ لِعِظَمِهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " يَوْمَ تَرَوْنَهَا " يَعْنِي : الزَّلْزَلَةَ ، " تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ " فِيهِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : تَسْلُو عَنْ وَلَدِهَا وَتَتْرُكُهُ ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ .

وَالثَّانِي : تُشْغَلُ عَنْهُ ، قَالَهُ قُطْرُبٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ رَوَاحَةَ :

وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

وَقَرَأَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : ( تُذْهِلُ ) بِرَفْعِ التَّاءِ وَكَسْرِ الهَاءِ ، ( كُلَّ ) بِنَصْبِ اللَّامِ . قَالَ الْأَخْفَشُ : وَإِنَّمَا قَالَ : " مُرْضِعَةٍ " ; لِأَنَّهُ أَرَادَ - وَاللَّه أَعْلَمُ - الْفِعْلَ ، وَلَوْ أَرَادَ الصِّفَةَ فِيمَا نَرَى لَقَالَ : مُرْضِعٍ . قَالَ الْحَسَنُ : تَذْهَلُ الْمُرْضِعَةُ عَنْ وَلَدِهَا لِغَيْرِ فِطَامٍ ، وَتَضَعُ الْحَامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا لِغَيْرِ تَمَامٍ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّلْزَلَةَ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ بَعْدَ الْبَعْثِ لَا تَكُونُ حُبْلَى .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى " وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَابْنُ يَعْمُرَ : ( وَتُرَى ) بِضَمِّ التَّاءِ ، وَمَعْنَى " سُكَارَى " : مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ . " وَمَا هُمْ بِسُكَارَى " مِنَ الشَّرَابِ ، وَالْمَعْنَى : تَرَى النَّاسَ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى مِنْ ذُهُولِ عُقُولِهِمْ ; لِشِدَّةِ مَا يَمُرُّ بِهِمْ ، يَضْطَرِبُونَ اضْطِرَابَ السَّكْرَانِ مِنَ الشَّرَابِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ : ( سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى ) وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ . قَالَ الْفَرَّاءُ : [ ص: 405 ] وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَلْكَى وَالْجَرْحَى . وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَابْنُ السَّمَيْفَعِ : ( سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَإِثْبَاتِ الْأَلَفِ . " وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُكْرَهُمْ مِنْ خَوْفِ عَذَابِهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ " قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ ، وَفِيمَا جَادَلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا نَزَلَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَذَّبَ بِهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي : أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَالَ : لَا يَقْدِرُ اللَّهُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " بِغَيْرِ عِلْمٍ " ; أَيْ : إِنَّمَا يَقُولُهُ بِإِغْوَاءِ الشَّيْطَانِ لَا بِعِلْمٍ . " وَيَتَّبِعُ " مَا يُسَوِّلُ لَهُ ، " كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ " وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى " الْمَرِيدِ " فِي سُورَةِ ( النِّسَاءِ : 117 ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ " : " كُتِبَ " بِمَعْنَى : قُضِيَ ، وَالْهَاءُ فِي " عَلَيْهِ " وَفِي " تَوَلاهُ " كِنَايَةٌ عَنِ الشَّيْطَانِ ، وَمَعْنَى الْآيَةِ : قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ أَنَّهُ يَضِلُّ مَنِ اتَّبَعَهُ . وَقَرَأَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ : ( كَتَبَ ) بِفَتْحِ الْكَافِ ، ( أَنَّهُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، [ ( فَإِنَّهُ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ] . وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَزٍ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالضَّحَّاكُ ، وَابْنُ يَعْمُرَ : ( إِنَّهُ ) ، ( فَإِنَّهُ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى " السَّعِيرِ " فِي سُورَةِ ( النِّسَاءِ : 10 ) .
يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة [ ص: 406 ] وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنـزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور .

قوله تعالى : " يا أيها الناس " يعني : أهل مكة ، " إن كنتم في ريب من البعث " ; أي : في شك من القيامة ، " فإنا خلقناكم من تراب " يعني : خلق آدم ، " ثم من نطفة " يعني : خلق ولده ، والمعنى : إن شككتم في بعثكم فتدبروا أمر خلقكم وابتدائكم ، فإنكم لا تجدون في القدرة فرقا بين الابتداء والإعادة . فأما النطفة : فهي المني . والعلقة : دم عبيط جامد ، وقيل : سميت علقة ; لرطوبتها وتعلقها بما تمر به ، فإذا جفت فليست علقة . والمضغة : لحمة صغيرة . قال ابن قتيبة : وسميت بذلك ; لأنها بقدر ما يمضغ ، كما قيل : غرفة لقدر ما يغرف .

قوله تعالى : " مخلقة وغير مخلقة " فيه خمسة أقوال :

أحدها : أن المخلقة : ما خلق سويا ، وغير المخلقة : ما ألقته الأرحام من النطف وهو دم قبل أن يكون خلقا ، قاله ابن مسعود .

والثاني : أن المخلقة : ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه ، وهو الذي يولد [ ص: 407 ] حيا لتمام ، وغير المخلقة : ما سقط غير حي لم يكمل خلقه بنفخ الروح فيه ، هذا معنى قول ابن عباس .

والثالث : أن المخلقة : المصورة ، وغير المخلقة : غير مصورة ، قاله الحسن .

والرابع : أن المخلقة وغير المخلقة : السقط ، تارة يسقط نطفة وعلقة ، وتارة قد صور بعضه ، وتارة قد صور كله ، قاله السدي .

والخامس : أن المخلقة : التامة ، وغير المخلقة : السقط ، قاله الفراء وابن قتيبة .

قوله تعالى : " لنبين لكم " فيه أربعة أقوال :

أحدها : خلقناكم لنبين لكم ما تأتون وما تذرون .

والثاني : لنبين لكم في القرآن بدو خلقكم وتنقل أحوالكم .

والثالث : لنبين لكم كمال حكمتنا وقدرتنا في تقليب أحوال خلقكم .

والرابع : لنبين لكم أن البعث حق .

وقرأ أبو عمران الجوني وابن أبي عبلة : ( ليبين لكم ) بالياء .

قوله تعالى : " ونقر في الأرحام " وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء : ( ويقر ) بياء مرفوعة وفتح القاف ورفع الراء . وقرأ أبو الجوزاء وأبو إسحاق السبيعي : ( ويقر ) بياء مرفوعة وبكسر القاف ونصب الراء . والذي يقر في الأرحام هو الذي لا يكون سقطا . " إلى أجل مسمى " وهو أجل الولادة ، " ثم نخرجكم طفلا " [ ص: 408 ] قال أبو عبيدة : هو في موضع أطفال ، والعرب قد تضع لفظ الواحد في معنى الجميع ، قال الله تعالى : والملائكة بعد ذلك ظهير [ التحريم : 4 ] ; أي : ظهراء ، وأنشد :


فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور


وأنشد أيضا :


في حلقكم عظم وقد شجينا


وقال غيره : إنما قال : " طفلا " فوحد ; لأن الميم في قوله تعالى : " نخرجكم " قد دلت على الجميع ، فلم يحتج إلى أن يقول : أطفالا .

قوله تعالى : " ثم لتبلغوا " فيه إضمار ، تقديره : ثم نعمركم لتبلغوا أشدكم ، وقد سبق معنى " الأشد " ( الأنعام : 153 ) . " ومنكم من يتوفى " من قبل بلوغ الأشد ، " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " وقد شرحناه في ( النحل : 70 ) . ثم إن الله تعالى دلهم على إحيائه الموتى بإحيائه الأرض ، فقال تعالى : " وترى الأرض هامدة " قال ابن قتيبة ; أي : ميتة يابسة ، ومثله : همدت النار : إذا طفئت فذهبت .

قوله تعالى : " فإذا أنزلنا عليها الماء " يعني : المطر ، " اهتزت " ; أي : تحركت للنبات ، وذلك أنها ترتفع عن النبات إذا ظهر ، فهو معنى قوله تعالى : " وربت " ; أي : ارتفعت وزادت . وقال المبرد : أراد : اهتز نباتها وربا ، فحذف المضاف . قال الفراء : وقرأ أبو جعفر المدني : ( وربأت ) بهمزة مفتوحة بعد الباء . فإن كان ذهب إلى الربيئة الذي يحرس القوم ; أي : إنه يرتفع ، وإلا فهو غلط . [ ص: 409 ]

قوله تعالى : " وأنبتت من كل زوج بهيج " قال ابن قتيبة : من كل جنس حسن يبهج ; أي : يسر ، وهو فعيل في معنى فاعل .

قوله تعالى : " ذلك " قال الزجاج : المعنى : الأمر ذلك كما وصف لكم ، والأجود أن يكون موضع " ذلك " رفعا ، ويجوز أن يكون نصبا على معنى : فعل الله ذلك بأنه هو الحق .

قوله تعالى : " وأن الساعة " ; أي : ولتعلموا أن الساعة آتية .
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد .

قوله تعالى : " ومن الناس من يجادل " قد سبق بيانه . وهذا مما نزل في النضر أيضا . والهدى : البيان والبرهان .

قوله تعالى : " ثاني عطفه " العطف : الجانب ، وعطفا الرجل : جانباه عن يمين وشمال ، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان ويلويه عند إعراضه عن المشي . قال الزجاج : " ثاني " منصوب على الحال ، ومعناه التنوين ، معناه : ثانيا عطفه . وجاء في التفسير : أن معناه : لاويا عنقه ، وهذا يوصف به المتكبر ، والمعنى : ومن الناس من يجادل بغير علم متكبرا .

قوله تعالى : " ليضل " ; أي : ليصير أمره إلى الضلال ، فكأنه وإن لم يقدر أنه يضل ، فإن أمره يصير إلى ذلك . " له في الدنيا خزي " وهو ما أصابه يوم بدر ، وذلك أنه قتل . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [ يونس : 70 ] إلى قوله تعالى : " ومن الناس من يعبد الله على حرف " وفي سبب نزول هذه الآية قولان :

[ ص: 410 ] أحدهما : أن ناسا من العرب كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : نحن على دينك ، فإن أصابوا معيشة ، ونتجت خيلهم ، وولدت نساؤهم الغلمان ، اطمأنوا وقالوا : هذا دين حق ، وإن لم يجر الأمر على ذلك قالوا : هذا دين سوء ، فينقلبون عن دينهم ، فنزلت هذه الآية ، هذا معنى قول ابن عباس ، وبه قال الأكثرون .

والثاني : أن رجلا من اليهود أسلم ، فذهب بصره وماله وولده ، فتشاءم بالإسلام ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أقلني ، فقال : " إن الإسلام لا يقال " . فقال : إن لم أصب في ديني هذا خيرا ، أذهب بصري ومالي وولدي . فقال : " يا يهودي ; إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب " ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطية عن أبي سعيد الخدري .
ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد . [ ص: 411 ]

قوله تعالى : " على حرف " قال مجاهد وقتادة : على شك . قال أبو عبيدة : كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم . وبيان هذا أن القائم على حرف الشيء غير متمكن منه ، فشبه به الشاك ; لأنه قلق في دينه على غير ثبات ، ويوضحه قوله تعالى: " فإن أصابه خير " ; أي : رخاء وعافية ، " اطمأن به " على عبادة الله ، " وإن أصابته فتنة " اختبار بجدب وقلة مال ، " انقلب على وجهه " ; أي : رجع عن دينه إلى الكفر ، والمعنى : انصرف إلى وجهه الذي توجه منه ، وهو الكفر . " خسر الدنيا " حيث لم يظفر بما أراد منها ، وخسر " الآخرة " بارتداده عن الدين . وقرأ أبو رزين العقيلي ، وأبو مجلز ، ومجاهد ، وطلحة بن مصرف ، وابن أبي عبلة ، وزيد عن يعقوب : ( خاسر الدنيا ) بألف قبل السين ، وبنصب الراء ، ( والآخرة ) بخفض التاء . " يدعو " هذا المرتد ; أي : يعبد ، " ما لا يضره " إن لم يعبده ، " وما لا ينفعه " إن أطاعه ، " ذلك " الذي فعل ، " هو الضلال البعيد " عن الحق ، " يدعو لمن ضره " قال بعضهم : اللام صلة ، والمعنى : يدعو من ضره . وحكى الزجاج عن البصريين والكوفيين أن اللام معناها التأخير ، والمعنى : يدعو من لضره ، " أقرب من نفعه " ، قال : وشرح هذا : أن اللام لليمين والتوكيد ، فحقها أن تكون أول الكلام ، فقدمت لتجعل في حقها . قال السدي : ضره في الآخرة بعبادته إياه أقرب من نفعه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-12-2022, 05:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْحَجِّ
الحلقة (395)
صــ 412 إلى صــ 419






فإن قيل : فهل للنفع من عبادة الصنم وجه ؟ [ ص: 412 ]

فالجواب : أنه لا نفع من قبله أصلا ، غير أنه جاء على لغة العرب ، وهم يقولون في الشيء الذي لا يكون : هذا بعيد .

قوله تعالى : " لبئس المولى ولبئس العشير " قال ابن قتيبة : المولى : الولي ، والعشير : الصاحب والخليل .
من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنـزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد .

قوله تعالى : " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة " قال مقاتل : نزلت في نفر من أسد وغطفان ، قالوا : إنا نخاف أن لا ينصر محمد ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود ، وإلى نحو هذا ذهب أبو حمزة الثمالي والسدي . وحكى أبو سليمان الدمشقي : أن الإشارة بهذه الآية إلى الذين انصرفوا عن الإسلام لأن أرزاقهم ما اتسعت ، وقد شرحنا القصة في قوله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف .

وفي هاء " ينصره " قولان :

أحدهما : أنها ترجع على " من " ، والنصر بمعنى : الرزق ، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء ، وبه قال مجاهد . قال أبو عبيدة : وقف علينا سائل [ ص: 413 ] من بني بكر ، فقال : من ينصرني نصره الله ; أي : من يعطيني أعطاه الله ، ويقال : نصر المطر أرض كذا ; أي : جادها وأحياها ، قال الراعي :


[ إذا أدبر الشهر الحرام فودعي بلاد تميم ] وانصري أرض عامر


والثاني : أنها ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا ، رواه التميمي عن ابن عباس ، وبه قال عطاء وقتادة . قال ابن قتيبة : وهذه كناية عن غير مذكور ، وكان قوم من المسلمين لشدة حنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر ، وآخرون من [ ص: 414 ] المشركين يريدون اتباعه ، ويخشون أن لا يتم أمره ، فقال هذه الآية للفريقين . ثم في معنى [ هذا ] النصر قولان :

أحدهما : أنه الغلبة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، والجمهور .

والثاني : أنه الرزق ، حكاه أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " فليمدد بسبب إلى السماء " في المراد بالسماء قولان :

أحدهما : سقف بيته ، والمعنى : فليشدد حبلا في سقف بيته ، فليختنق به ، " ثم ليقطع " الحبل ليموت مختنقا ، هذا قول الأكثرين . ومعنى الآية : ليصور هذا الأمر في نفسه لا أنه يفعله ; لأنه إذا اختنق لا يمكنه النظر والعلم .

والثاني : أنها السماء المعروفة ، والمعنى : فليقطع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قدر ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى : " ثم ليقطع " قرأ أبو عمرو وابن عامر : ( ثم ليقطع ) ، ( ثم ليقضوا ) [ الحج : 29 ] بكسر اللام . زاد ابن عامر : ( وليوفوا ) [ الحج : 29 ] ، ( وليطوفوا ) [ الحج : 29 ] بكسر اللام أيضا . وكسر ابن كثير لام ( ثم ليقضوا ) فحسب . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي بسكون هذه اللامات ، وكذلك في كل القرآن إذا كان قبلها واو ، أو فاء ، [ أو ] ثم . قال الفراء : من سكن فقد خفف ، وكل لام أمر وصلت بواو أو فاء ، فأكثر كلام العرب تسكينها ، وقد كسرها بعضهم . قال أبو علي : الأصل الكسر ; لأنك إذا ابتدأت قلت : ليقم زيد .

قوله تعالى : " هل يذهبن كيده " قال ابن قتيبة : المعنى : هل تذهبن حيلته غيظه ، والمعنى : ليجهد جهده .

قوله تعالى : " وكذلك " ; أي : ومثل ذلك الذي تقدم من آيات القرآن ، [ ص: 415 ] " أنزلناه " يعني : القرآن . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى : " إن الله يفصل بينهم " ; أي : يقضي " يوم القيامة " بينهم بإدخال المؤمنين الجنة والآخرين النار ، " إن الله على كل شيء " من أعمالهم " شهيد " .
ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء .

قوله تعالى : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ; أي : ألم تعلم . وقد بينا في سورة ( النحل : 49 ) معنى السجود في حق من يعقل ومن لا يعقل .

قوله تعالى : " وكثير من الناس " يعني : الموحدين الذين يسجدون لله .

وفي قوله تعالى : " وكثير حق عليه العذاب " قولان :

أحدهما : أنهم الكفار ، وهم يسجدون ، وسجودهم سجود ظلهم ، قاله مقاتل .

والثاني : أنهم لا يسجدون ، والمعنى : وكثير من الناس أبى السجود ، فحق عليه العذاب لتركه السجود ، هذا قول الفراء .

قوله تعالى : " ومن يهن الله " ; أي : من يشقه الله فما له من مسعد ، " إن الله يفعل ما يشاء " في خلقه من الكرامة والإهانة . [ ص: 416 ]
هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق .

قوله تعالى : " هذان خصمان " اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال :

أحدها : أنها نزلت في النفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر ، حمزة ، وعلي ، وعبيد بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، هذا قول أبي ذر .

والثاني : أنها نزلت في أهل الكتاب ، قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله ، وأقدم منكم كتابا ، ونبينا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله ، آمنا بمحمد ، وآمنا بنبيكم ، وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون نبينا ، ثم كفرتم به حسدا ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس وقتادة .

والثالث : أنها في جميع المؤمنين والكفار ، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن ، وعطاء ، ومجاهد . [ ص: 417 ]

والرابع : أنها نزلت في اختصام الجنة والنار ، فقالت النار : خلقني الله لعقوبته ، وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته ، قاله عكرمة .

فأما قوله تعالى: " هذان " وقرأ ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وابن كثير : ( هاذان ) بتشديد النون ( خصمان ) ، فمعناه : جمعان ، وليسا برجلين ، ولهذا قال تعالى : " اختصموا " ، ولم يقل : اختصما ، على أنه قرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : ( اختصما ) .

وفي خصومتهم ثلاثة أقوال :

أحدها : في دين ربهم ، وهذا على القولين الأولين . والثاني : في البعث ، قاله مجاهد . والثالث : أنه خصام مفاخرة ، على قول عكرمة .

قوله تعالى : " قطعت لهم ثياب " ; أي : سويت وجعلت لباسا . قال ابن عباس : قمص من نار . وقال سعيد بن جبير : المراد بالنار هاهنا : النحاس . فأما " الحميم " فهو الماء الحار " يصهر به " ، قال الفراء : يذاب به ، يقال : صهرت الشحم بالنار . قال المفسرون : يذاب بالماء الحار ما في بطونهم من شحم أو معى حتى يخرج من أدبارهم ، وتنضج الجلود فتتساقط من حره . " ولهم مقامع " قال الضحاك : هي المطارق . وقال الحسن : إن النار ترميهم بلهبها ، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع ، فهووا فيها سبعين خريفا ، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها ، فلا يستقرون ساعة . قال مقاتل : إذا جاشت جهنم ألقتهم في أعلاها ، فيريدون الخروج ، فتتلقاهم خزنة جهنم بالمقامع فيضربونهم ، [ ص: 418 ] فيهوي أحدهم من تلك الضربة إلى قعرها . وقال غيره : إذا دفعتهم النار ظنوا أنها ستقذفهم خارجا منها ، فتعيدهم الزبانية بمقامع الحديد .
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد .

قوله تعالى : " ولؤلؤا " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : ( ولؤلو ) بالخفض . وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم : ( ولؤلؤا ) بالنصب . قال أبو علي : من خفض فالمعنى : يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤ ، ومن نصب قال : ويحلون لؤلؤا .

قوله تعالى : " وهدوا " ; أي : أرشدوا في الدنيا ، " إلى الطيب من القول " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه " لا إله إلا الله والحمد لله " ، قاله ابن عباس ، وزاد ابن زيد : " والله أكبر " .

والثاني : القرآن ، قاله السدي .

والثالث : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حكاه الماوردي .

فأما " صراط الحميد " فقال ابن عباس : هو طريق الإسلام .
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد [ ص: 419 ] الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .

قوله تعالى : " ويصدون عن سبيل الله " ; أي : يمنعون الناس من الدخول في الإسلام . قال الزجاج : ولفظ " يصدون " لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي ; لأن معنى " الذين كفروا " : الذين هم كافرون ، فكأنه قال : إن الكافرين والصادين ، فأما خبر " إن " فمحذوف ، فيكون المعنى : إن الذين هذه صفتهم هلكوا .

وفي " المسجد الحرام " قولان :

أحدهما : جميع الحرم . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : كانوا يرون الحرم كله مسجدا .

والثاني : نفس المسجد ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى : " الذي جعلناه للناس " هذا وقف التمام .

وفي معناه قولان :

أحدهما : جعلناه للناس كلهم ، لم نخص به بعضهم دون بعض ، هذا على أنه جميع الحرم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-12-2022, 05:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد


تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْحَجِّ
الحلقة (396)
صــ 420 إلى صــ 427





والثاني : جعلناه قبلة لصلاتهم ومنسكا لحجتهم ، وهذا على أنه نفس المسجد . وقرأ إبراهيم النخعي ، وابن أبي عبلة ، وحفص عن عاصم : ( سواء ) بالنصب ، فيتوجه الوقف على ( سواء )، وقد وقف بعض القراء كذلك . قال أبو علي الفارسي : أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم ، فصار المعنى : الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء . فأما العاكف : فهو المقيم ، والبادي : الذي يأتيه من غير أهله ، وهذا من قولهم : بدا القوم : إذا خرجوا [ ص: 420 ] من الحضر إلى الصحراء . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( البادي ) بالياء ، غير أن ابن كثير وقف بياء ، وأبو عمرو بغير ياء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، والمسيبي عن نافع بغير ياء في الحالتين .

ثم في معنى الكلام قولان :

أحدهما : أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها ، فليس أحدهما أحق بالمنزل من الآخر ، غير أنه لا يخرج أحد من بيته ، هذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وإلى نحو هذا ذهب أبو حنيفة وأحمد ، ومذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام ، هذا على أن المسجد : الحرم كله .

والثاني : أنهما يستويان في تفضيله وحرمته ، وإقامة المناسك به ، هذا قول الحسن ومجاهد . [ ومنهم ] من أجاز بيع دور مكة ، وإليه يذهب الشافعي . وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد : الحرم ، ويجوز أن يراد نفس المسجد .

قوله تعالى : " ومن يرد فيه بإلحاد " الإلحاد في اللغة : العدول عن القصد ، والباء زائدة ، كقوله تعالى : تنبت بالدهن [ المؤمنون : 20 ] ، وأنشدوا :


بواد يمان ينبت الشث صدره وأسفله بالمرخ والشبهان


المعنى : وأسفله ينبت المرخ ، وقال آخر :


هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور
[ ص: 421 ]

وقال آخر :


نحن بنو جعدة أرباب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج


هذا قول جمهور اللغويين . قال ابن قتيبة : والباء قد تزاد في الكلام كهذه الآية ، وكقوله تعالى : اقرأ باسم ربك [ العلق : 1 ] ، وهزي إليك بجذع النخلة [ مريم : 24 ] ، بأييكم المفتون [ القلم : 6 ] ، تلقون إليهم بالمودة [ الممتحنة : 1 ] ، عينا يشرب بها [ الإنسان : 6 ] ; أي : يشربها ، وقد تزاد ( من ) كقوله تعالى : ما أريد منهم من رزق [ الذاريات : 57 ] ، وتزاد اللام كقوله تعالى : للذين هم لربهم يرهبون [ الأعراف : 154 ] ، والكاف كقوله تعالى : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] ، و( عن ) كقوله تعالى : يخالفون عن أمره [ النور : 63 ] ، و( إن ) كقوله تعالى : فإنه ملاقيكم [ الجمعة : 8 ] ، و( إن ) الخفيفة كقوله تعالى : فيما إن مكناكم فيه [ الأحقاف : 26 ] ، و( ما ) كقوله تعالى : عما قليل ليصبحن نادمين [ المؤمنون : 40 ] ، والواو كقوله تعالى : وتله للجبين وناديناه [ الصافات : 103 ، 104 ] .

وفي المراد بهذا الإلحاد خمسة أقوال :

أحدها : أنه الظلم ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال مجاهد : هو عمل سيئة ، فعلى هذا تدخل فيه جميع المعاصي ، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : لا تحتكروا الطعام بمكة ، فإن احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم . [ ص: 422 ]

والثاني : أنه الشرك ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن وقتادة .

والثالث : الشرك والقتل ، قاله عطاء .

والرابع : أنه استحلال محظورات الإحرام ، وهذا المعنى محكي عن عطاء أيضا .

والخامس : استحلال الحرام تعمدا ، قاله ابن جريج .

فإن قيل : هل يؤاخذ الإنسان إن أراد الظلم بمكة ولم يفعله ؟

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أنه إذا هم بذلك في الحرم خاصة ، عوقب ، هذا مذهب ابن مسعود ، فإنه قال : لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها ، ولو أن رجلا هم بقتل مؤمن عند البيت وهو بـ " عدن أبين " ، أذاقه الله في الدنيا من عذاب أليم . وقال الضحاك : إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى ، فتكتب عليه ولم يعملها . وقال مجاهد : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات . وسئل الإمام أحمد : هل تكتب السيئة أكثر من واحدة ؟ فقال : لا ، إلا بمكة ; لتعظيم البلد . وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها ، وقد جاور جابر بن عبد الله ، وكان ابن عمر يقيم بها .

والثاني : أن معنى " ومن يرد " : من يعمل . قال أبو سليمان الدمشقي : هذا قول سائر من حفظنا عنه .
وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام [ ص: 423 ] معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق .

قوله تعالى : " وإذ بوأنا لإبراهيم " قال ابن عباس : جعلنا . وقال مقاتل : دللناه عليه . وقال ثعلب : وإنما أدخل اللام على أن " بوأنا " في معنى : جعلنا ، فيكون بمعنى ردف لكم [ النمل : 72 ] ; أي : ردفكم . وقد شرحنا كيفية بناء البيت في ( البقرة : 129 ) .

قوله تعالى : " أن لا تشرك بي شيئا " المعنى : وأوحينا إليه ذلك ، " وطهر بيتي " حرك هذه الياء نافع وحفص عن عاصم . وقد شرحنا الآية في ( البقرة : 125 ) .

وفي المراد بـ " القائمين " قولان : أحدهما : القائمون في الصلاة ، قاله عطاء والجمهور . والثاني : المقيمون بمكة ، حكي عن قتادة .

قوله تعالى : " وأذن في الناس بالحج " قال المفسرون : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ، أمره الله تعالى أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال إبراهيم : يا رب ; وما يبلغ صوتي ؟ وقال : أذن وعلي البلاغ ; فعلا على جبل أبي قبيس وقال : يا أيها الناس ; إن ربكم قد بنى بيتا فحجوه ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله أن يحج ، فأجابوه : لبيك اللهم لبيك . والأذان بمعنى النداء والإعلام ، والمأمور بهذا الأذان إبراهيم في قول الجمهور ، [ ص: 424 ] إلا ما روي عن الحسن أنه قال : المأمور به محمد صلى الله عليه وسلم . والناس هاهنا : اسم يعم جميع بني آدم عند الجمهور ، إلا ما روى العوفي عن ابن عباس أنه قال : عنى بالناس : أهل القبلة .

واعلم أن من أتى البيت الذي دعا إليه إبراهيم ، فكأنه قد أتى إبراهيم ; لأنه أجاب نداءه . وواحد الرجال هاهنا : راجل ، مثل : صاحب وصحاب ، والمعنى : يأتوك مشاة . وقد روي أن إبراهيم وإسماعيل حجا ماشيين ، وحج الحسن بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا من المدينة إلى مكة ، والنجائب تقاد معه . وحج الإمام أحمد ماشيا مرتين أو ثلاثا .

قوله تعالى : " وعلى كل ضامر " ; أي : ركبانا على ضمر من طول السفر . قال الفراء : و " يأتين " فعل للنوق . وقال الزجاج : " يأتين " على معنى الإبل . وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : ( يأتون ) بالواو .

قوله تعالى : " من كل فج عميق " ; أي : طريق بعيد . وقد ذكرنا تفسير الفج عند قوله تعالى : وجعلنا فيها فجاجا [ الأنبياء : 31 ] .

قوله تعالى : " ليشهدوا " ; أي : ليحضروا ، " منافع لهم " ، وفيها ثلاثة أقوال :

أحدها : التجارة ، قاله ابن عباس والسدي .

والثاني : منافع الآخرة ، قاله سعيد بن المسيب ، والزجاج في آخرين . [ ص: 425 ]

والثالث : منافع الدارين جميعا ، قاله مجاهد . وهو أصح ; لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة ، وإنما الأصل قصد الحج ، والتجارة تبع .

وفي الأيام المعلومات ستة أقوال :

أحدها : أنها أيام العشر ، رواه مجاهد عن ابن عمر ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والشافعي .

والثاني : تسعة أيام من العشر ، قاله أبو موسى الأشعري .

والثالث : يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده ، رواه نافع عن ابن عمر ، ومقسم عن ابن عباس .

والرابع : أنها أيام التشريق ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال عطاء الخراساني ، والنخعي ، والضحاك .

والخامس : أنها خمسة أيام أولها يوم التروية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والسادس : ثلاثة أيام أولها يوم عرفة ، قاله مالك بن أنس . وقيل : إنما قال : " معلومات " ; ليحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها . قال الزجاج : والذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر ; لقوله تعالى : " على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " . قال القاضي أبو يعلى : ويحتمل أن يكون الذكر المذكور هاهنا هو الذكر على الهدايا الواجبة ، كالدم الواجب لأجل التمتع والقران ، ويحتمل أن يكون الذكر المفعول عند رمي الجمار وتكبير التشريق ; لأن الآية عامة في ذلك . [ ص: 426 ]

قوله تعالى : " فكلوا منها " يعني : الأنعام التي تنحر ، وهذا أمر إباحة . وكان أهل الجاهلية لا يستحلون أكل ذبائحهم ، فأعلم الله عز وجل أن ذلك جائز ، غير أن هذا إنما يكون في الهدي المتطوع به ، فأما دم التمتع والقران ، فعندنا أنه يجوز أن يأكل منه ، وقال الشافعي : لا يجوز . وقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قال : من كل الهدي يؤكل ، إلا ما كان من فداء ، أو جزاء ، أو نذر . فأما " البائس " فهو ذو البؤس ، وهو شدة الفقر .

قوله تعالى : " ثم ليقضوا تفثهم " فيه أربعة أقوال :

أحدها : حلق الرأس ، وأخذ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والوقوف بعرفة ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني : مناسك الحج ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وهو قول ابن عمر .

والثالث : حلق الرأس ، قاله مجاهد . [ ص: 427 ]

والرابع : الشعر والظفر ، قاله عكرمة .

والقول الأول أصح ; لأن التفث : الوسخ ، والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث . وقضاؤه : نقضه وإذهابه . والحاج مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد ، فإذا قضى نسكه وخرج من إحرامه بالحلق ، والقلم ، وقص الأظفار ، ولبس الثياب ، ونحو ذلك ; فهذا قضاء تفثه . قال الزجاج : وأهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير ، وكأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال .

قوله تعالى : " وليوفوا نذورهم " وروى أبو بكر عن عاصم : ( وليوفوا ) بتسكين اللام وتشديد الفاء . قال ابن عباس : هو نحر ما نذروا من البدن . وقال غيره : ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج ، فإن الإنسان ربما نذر أن يتصدق إن رزقه الله رؤية الكعبة ، وقد يكون عليه نذور مطلقة ، فالأفضل أن يؤديها بمكة .

قوله تعالى : " وليطوفوا بالبيت العتيق " هذا هو الطواف الواجب ; لأنه أمر به بعد الذبح ، والذبح إنما يكون في يوم النحر ، فدل على أنه الطواف المفروض .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30-12-2022, 05:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْحَجِّ
الحلقة (397)
صــ 428 إلى صــ 435



وفي تسمية البيت عتيقا أربعة أقوال :

أحدها : لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة . روى عبد الله بن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إنما سمى الله البيت : العتيق ; لأن الله أعتقه من الجبابرة ، فلم يظهر عليه جبار قط " ، وهذا قول مجاهد وقتادة . [ ص: 428 ]

والثاني : أن معنى العتيق : القديم ، قاله الحسن وابن زيد .

والثالث : لأنه لم يملك قط ، قاله مجاهد في رواية ، وسفيان بن عيينة .

والرابع : لأنه أعتق من الغرق زمان الطوفان ، قاله ابن السائب . وقد تكلمنا في هذه السورة في "ليقضوا " ، و " ليوفوا " ، و " ليطوفوا " .
ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق .

قوله تعالى : " ذلك " ; أي : الأمر ذلك ، يعني : ما ذكر من أعمال الحج . " ومن يعظم حرمات الله " فيجتنب ما حرم الله عليه في الإحرام تعظيما لأمر الله . قال الليث : الحرمة : ما لا يحل انتهاكه . وقال الزجاج : الحرمة : ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه .

قوله تعالى : " فهو " يعني : التعظيم ، " خير له عند ربه " في الآخرة ، " وأحلت لكم الأنعام " وقد سبق بيانها [ المائدة : 1 ] . " إلا ما يتلى عليكم " تحريمه ، يعني [ به ] : ما ذكر في ( المائدة : 3 ) من المنخنقة وغيرها . وقيل : وأحلت لكم الأنعام في حال إحرامكم ، إلا ما يتلى عليكم في الصيد ، فإنه حرام .

قوله تعالى : " فاجتنبوا الرجس " ; أي : دعوه جانبا . قال الزجاج : و " من " هاهنا لتخليص جنس من أجناس ، المعنى : فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن . وقد شرحنا معنى الرجس في ( المائدة : 90 ) . [ ص: 429 ]

وفي المراد بقول الزور أربعة أقوال :

أحدها : شهادة الزور ، قاله ابن مسعود . والثاني : الكذب ، قاله مجاهد . والثالث : الشرك ، قاله أبو مالك . والرابع : أنه قول المشركين في الأنعام : هذا حلال وهذا حرام ، قاله الزجاج . قال : وقوله تعالى : " حنفاء لله " منصوب على الحال ، وتأويله : مسلمين لا ينسبون إلى دين غير الإسلام . ثم ضرب الله مثلا للمشرك ، فقال : " ومن يشرك بالله " إلى قوله : " سحيق " ، والسحيق : البعيد .

واختلفوا في قراءة " فتخطفه " ، فقرأ الجمهور : ( فتخطفه ) بسكون الخاء من غير تشديد الطاء . وقرأ نافع بتشديد الطاء . وقرأ أبو المتوكل ومعاذ القارئ بفتح التاء والخاء وتشديد الطاء ونصب الفاء . وقرأ أبو رزين ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران الجوني بكسر التاء والخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء . وقرأ الحسن والأعمش بفتح التاء وكسر الخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء ، وكلهم فتح الطاء .

وفي المراد بهذا المثل قولان :

أحدهما : أنه شبه المشرك بالله في بعده عن الهدى وهلاكه ، بالذي يخر من السماء ، قاله قتادة .

والثاني : أنه شبه حال المشرك في أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا دفع ضر يوم القيامة ، بحال الهاوي من السماء ، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى : " ذلك " ; أي : الأمر ذلك الذي ذكرناه ، " ومن يعظم شعائر الله " قد شرحنا معنى الشعائر في ( البقرة : 158 ) .

وفي المراد بها هاهنا قولان :

أحدهما : أنها البدن . وتعظيمها : استحسانها واستسمانها ، " لكم فيها منافع " [ ص: 430 ] قبل أن يسميها صاحبها هديا ، أو يشعرها ويوجبها ، فإذا فعل ذلك ، لم يكن له من منافعها شيء ، روى هذا المعنى مقسم عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك . وقال عطاء بن أبي رباح : لكم في هذه الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هدايا ، إذا احتجتم إلى شيء من ذلك ، أو اضطررتم إلى شرب ألبانها ، " إلى أجل مسمى " وهو أن تنحر .

والثاني : أن الشعائر : المناسك ومشاهد مكة ، والمعنى : لكم فيها منافع بالتجارة إلى أجل مسمى ، وهو الخروج من مكة ، رواه أبو رزين عن ابن عباس . وقيل : لكم فيها منافع من الأجر والثواب في قضاء المناسك إلى أجل مسمى ، وهو انقضاء أيام الحج .

قوله تعالى : " فإنها " يعني : الأفعال المذكورة ، من اجتناب الرجس ، وقول الزور ، وتعظيم الشعائر . وقال الفراء : " فإنها " يعني : الفعلة " من تقوى القلوب " ، وإنما أضاف التقوى إلى القلوب ; لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب .

قوله تعالى : " ثم محلها " ; أي : حيث يحل نحرها ، " إلى البيت " يعني : عند البيت ، والمراد به : الحرم كله ; لأنا نعلم أنها لا تذبح عند البيت ، ولا في المسجد ، هذا على القول الأول ، وعلى الثاني يكون المعنى : ثم محل الناس من إحرامهم إلى البيت ، وهو أن يطوفوا به بعد قضاء المناسك .
ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون .

قوله تعالى : " ولكل أمة جعلنا منسكا " قرأ حمزة ، والكسائي ، وبعض [ ص: 431 ] أصحاب أبي عمرو بكسر السين . وقرأ الباقون بفتحها . فمن فتح أراد المصدر من نسك ينسك ، ومن كسر أراد مكان النسك كالمجلس والمطلع . ومعنى الآية : لكل جماعة مؤمنة من الأمم السالفة جعلنا ذبح القرابين ; " ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " ، وإنما خص بهيمة الأنعام ; لأنها المشروعة في القرب . والمراد من الآية : أن الذبائح ليست من خصائص هذه الأمة ، وأن التسمية عليها كانت مشروعة قبل هذه الأمة .

قوله تعالى : " فإلهكم إله واحد " ; أي : لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم سواه ، " فله أسلموا " ; أي : انقادوا واخضعوا ، وقد ذكرنا معنى الإخبات في ( هود : 23 ) ، وكذلك ألفاظ الآية التي تلي هذه .
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين .

قوله تعالى : " والبدن " وقرأ الحسن وابن يعمر برفع الدال . قال الفراء : يقال : بدن وبدن ، والتخفيف أجود وأكثر ; لأن كل جمع كان واحده على ( فعلة ) ، ثم ضم أول جمعه خفف ، مثل : أكمة وأكم ، وأجمة وأجم ، وخشبة وخشب . وقال الزجاج : " البدن " منصوبة بفعل مضمر يفسره الذي ظهر ، والمعنى وجعلنا البدن . وإن شئت رفعتها على الاستئناف ، والنصب أحسن ، ويقال : بدن وبدن وبدنة ، مثل قولك : ثمر وثمر وثمرة ، وإنما سميت بدنة لأنها تبدن ; أي : تسمن . [ ص: 432 ]

وللمفسرين في البدن قولان :

أحدهما : أنها الإبل والبقر ، قاله عطاء .

والثاني : الإبل خاصة ، حكاه الزجاج . وقال : الأول قول أكثر فقهاء الأمصار . قال القاضي أبو يعلى : البدنة : اسم يختص الإبل في اللغة ، والبقرة تقوم مقامها في الحكم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة .

قوله تعالى : " جعلناها لكم من شعائر الله " ; أي : جعلنا لكم فيها عبادة لله ، من سوقها إلى البيت ، وتقليدها ، وإشعارها ، ونحرها ، والإطعام منها . " لكم فيها خير " وهو النفع في الدنيا والأجر في الآخرة ، " فاذكروا اسم الله عليها " ; أي : على نحرها ، " صواف " وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة : ( صوافن ) بالنون . وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو العالية ، والضحاك ، وابن يعمر : ( صوافي ) بالياء . قال الزجاج : " صواف " منصوبة على الحال ، ولكنها لا تنون لأنها لا تنصرف ; أي : قد صفت قوائمها ، والمعنى : اذكروا اسم الله عليها في حال نحرها ، والبعير ينحر قائما ، وهذه الآية تدل على ذلك . ومن قرأ : ( صوافن ) فالصافن : التي تقوم على ثلاث ، والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه ، فهو الصافن ، والجميع صوافن . هذا ومن قرأ : ( صوافي ) بالياء وبالفتح بغير تنوين ، فتفسيره : خوالص ; أي : خالصة لله لا تشركوا به في التسمية على نحرها أحدا . " فإذا وجبت جنوبها " ; أي : إذا سقطت إلى الأرض ، يقال : وجب الحائط وجبة : [ ص: 433 ] إذا سقط ، ووجب القلب وجيبا : إذا تحرك من فزع . واعلم أن نحرها قياما سنة ، والمراد بوقوعها على جنوبها : موتها ، والأمر بالأكل منها أمر إباحة ، وهذا في الأضاحي .

قوله تعالى : " وأطعموا القانع والمعتر " وقرأ الحسن : ( والمعتر ) بكسر الراء خفيفة . وفيهما ستة أقوال :

أحدها : أن القانع : الذي يسأل ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل ، رواه بكر بن عبد الله عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، واختاره الفراء .

والثاني : أن القانع : المتعفف ، والمعتز : السائل ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والنخعي ، وعن الحسن كالقولين .

والثالث : أن القانع : المستغني بما أعطيته وهو في بيته ، والمعتر : الذي يتعرض لك ويلم بك ولا يسأل ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال مجاهد : القانع : جارك الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل ، وهذا مذهب القرظي . فعلى هذا يكون معنى القانع : أن يقنع بما أعطي . ومن قال : هو المتعفف ، قال : هو القانع بما عنده .

والرابع : القانع : أهل مكة ، والمعتر : الذي يعتر بهم من غير أهل مكة ، رواه خصيف عن مجاهد .

والخامس : القانع : الجار وإن كان غنيا ، والمعتر : الذي يعتر بك ، رواه ليث عن مجاهد .

والسادس : القانع : المسكين السائل ، والمعتر : الصديق الزائر ، قاله زيد بن أسلم . قال ابن قتيبة : يقال : قنع يقنع قنوعا : إذا سأل ، وقنع يقنع [ ص: 434 ] قناعة : إذا رضي ، ويقال في المعتر : اعترني واعتراني وعراني . وقال الزجاج : مذهب أهل اللغة : أن القانع : السائل ، يقال : قنع يقنع قنوعا : إذا سأل ، فهو قانع ، قال الشماخ :


لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع


أي : من السؤال ، ويقال : قنع قناعة : إذا رضي ، فهو قنع ، والمعتر والمعتري واحد .

قوله تعالى : " كذلك " ; أي : مثل ما وصفنا من نحرها قائمة ، " سخرناها لكم " نعمة منا عليكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون ، " لعلكم تشكرون " ; أي : لكي تشكروا .

قوله تعالى : " لن ينال الله لحومها " وقرأ عاصم الجحدري ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة ، ويعقوب : ( لن تنال الله لحومها ) بالتاء ، ( ولكن تناله التقوى ) بالتاء أيضا .

سبب نزولها أن المشركين كانوا إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء ينضحون بها نحو الكعبة ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال المفسرون : ومعنى الآية : لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها ، وإنما يرفع إليه التقوى ، وهو ما أريد به وجهه منكم . فمن قرأ : ( تناله التقوى ) بالتاء ، فإنه أنث للفظ التقوى . ومن قرأ : ( يناله ) بالياء ; فلأن التقوى والتقى واحد . والإشارة بهذه الآية إلى أنه لا يقبل اللحوم والدماء ، إذا لم تكن صادرة عن تقوى الله ، وإنما يتقبل ما يتقونه به ، وهذا تنبيه على امتناع قبول الأعمال إذا عريت عن نية صحيحة . [ ص: 435 ]

قوله تعالى : " كذلك سخرها " قد سبق تفسيره [ الحج : 37 ] . " لتكبروا الله على ما هداكم " ; أي : على ما بين لكم وأرشدكم إلى معالم دينه ومناسك حجه ، وذلك أن يقول : الله أكبر على ما هدانا ، " وبشر المحسنين " قال ابن عباس : يعني : الموحدين .
إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور .

قوله تعالى : " إن الله يدافع عن الذين آمنوا " قرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( يدفع ) ، ( ولولا دفع الله ) بغير ألف ، وهذا على مصدر ( دفع ) . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( إن الله يدافع ) بألف ، ( ولولا دفع ) بغير ألف ، وهذا على مصدر ( دافع ) ، والمعنى : يدفع عن الذين آمنوا غائلة المشركين بمنعهم منهم ونصرهم عليهم . قال الزجاج : والمعنى : إذا فعلتم هذا وخالفتم الجاهلية فيما يفعلونه من نحرهم وإشراكهم ، فإن الله يدفع عن حزبه . والـ " خوان " فعال من الخيانة ، والمعنى : أن من ذكر غير اسم الله ، وتقرب إلى الأصنام بذبيحته ، فهو خوان .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30-12-2022, 05:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْحَجِّ
الحلقة (398)
صــ 436 إلى صــ 443





قوله تعالى : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، [ ص: 436 ] وحمزة ، والكسائي : ( أذن ) بفتح الألف . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر ، وحفص عن عاصم : ( أذن ) بضمها .

قوله تعالى : " للذين يقاتلون " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم بكسر التاء . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم بفتحها . قال ابن عباس : كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول لهم : " اصبروا ، فإني لم أومر بالقتال " ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية ، وهي أول آية أنزلت في القتال . وقال مجاهد : هم ناس خرجوا من مكة مهاجرين ، فأدركهم كفار قريش ، فأذن لهم في قتالهم . قال الزجاج : معنى الآية : أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا . " بأنهم ظلموا " ; أي : بسبب ما ظلموا . ثم وعدهم النصر بقوله : " وإن الله على نصرهم لقدير " ولا يجوز أن تقرأ بفتح " إن " هذه من غير خلاف بين أهل اللغة ; لأن " إن " إذا كانت معها اللام لم تفتح أبدا . وقوله : " إلا أن يقولوا ربنا الله " معناه : أخرجوا لتوحيدهم .

قوله تعالى : " ولولا دفع الله الناس " قد فسرناه في ( البقرة : 251 ) .

قوله تعالى : " لهدمت " قرأ ابن كثير ونافع : ( لهدمت ) خفيفة ، والباقون بتشديد الدال .

فأما الصوامع ففيها قولان :

أحدهما : أنها صوامع الرهبان ، قاله ابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، وابن زيد .

والثاني : أنها صوامع الصابئين ، قاله قتادة وابن قتيبة .

فأما البيع فهي جمع بيعة ، وهي بيع النصارى . [ ص: 437 ]

وفي المراد بالصلوات قولان :

أحدهما : مواضع الصلوات . ثم فيها قولان : أحدهما : أنها كنائس اليهود ، قاله قتادة والضحاك ، وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال : قوله : " وصلوات " : هي كنائس اليهود ، وهي بالعبرانية : ( صلوثا ) . والثاني : أنها مساجد الصابئين ، قاله أبو العالية .

والقول الثاني : أنها الصلوات حقيقة ، والمعنى : لولا دفع الله عن المسلمين بالمجاهدين ، لانقطعت الصلوات في المساجد ، قاله ابن زيد .

فأما المساجد ، فقال ابن عباس : هي مساجد المسلمين . وقال الزجاج : معنى الآية : لولا دفع بعض الناس ببعض لهدمت في زمن موسى الكنائس ، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع ، وفي زمن محمد المساجد .

وفي قوله : " يذكر فيها اسم الله " قولان :

أحدهما : أن الكناية ترجع إلى جميع الأماكن المذكورات ، قاله الضحاك .

والثاني : إلى المساجد خاصة ; لأن جميع المواضع المذكورة الغالب فيها الشرك ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " ولينصرن الله من ينصره " ; أي : من ينصر دينه وشرعه .

قوله تعالى : " الذين إن مكناهم في الأرض " قال الزجاج : هذه صفة ناصريه . قال المفسرون : التمكين في الأرض : نصرتهم على عدوهم ، والمعروف : لا إله إلا الله ، والمنكر : الشرك . قال الأكثرون : وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال القرظي : هم الولاة .

قوله تعالى : " ولله عاقبة الأمور " ; أي : إليه مرجعها ; لأن كل ملك يبطل سوى ملكه . [ ص: 438 ]
وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد .

قوله تعالى : " ثم أخذتهم " ; أي : بالعذاب ، " فكيف كان نكير " أثبت الياء في " نكير " يعقوب [ في الحالين ] ، ووافقه ورش في إثباتها في الوصل ، والمعنى : كيف [ أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالإهلاك والمعنى : إني ] أنكرت عليهم أبلغ إنكار ، وهذا استفهام معناه التقرير .

قوله تعالى : " أهلكناها " قرأ أبو عمرو : ( أهلكتها ) بالتاء ، والباقون : ( أهلكناها ) بالنون .

قوله تعالى : " وبئر معطلة " قرأ ابن كثير ، [ وعاصم ] ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( وبئر ) مهموز . وروى ورش عن نافع بغير همز ، والمعنى : وكم بئر معطلة ; أي : متروكة . " وقصر مشيد " فيه قولان :

أحدهما : مجصص ، قاله ابن عباس وعكرمة . قال الزجاج : أصل الشيد : الجص والنورة ، وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مشيد .

والثاني : طويل ، قاله الضحاك ومقاتل . وفي الكلام إضمار ، تقديره : وقصر مشيد معطل أيضا ليس فيه ساكن .
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ويستعجلونك بالعذاب ولن [ ص: 439 ] يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير .

قوله تعالى : " أفلم يسيروا " قال المفسرون : أفلم يسر قومك في أرض اليمن والشام ، " فتكون لهم قلوب يعقلون بها " إذا نظروا آثار من هلك ، " أو آذان يسمعون بها " أخبار الأمم المكذبة ، " فإنها لا تعمى الأبصار " قال الفراء : الهاء في قوله : " فإنها " عماد ، والمعنى : أن أبصارهم لم تعم ، وإنما عميت قلوبهم . وأما قوله : " التي في الصدور " فهو توكيد ; لأن القلب لا يكون إلا في الصدر ، ومثله : تلك عشرة كاملة [ البقرة : 196 ] ، يطير بجناحيه [ الأنعام : 38 ] ، يقولون بأفواههم [ آل عمران : 167 ] .

قوله تعالى : " ويستعجلونك بالعذاب " قال مقاتل : نزلت في النضر بن الحارث القرشي . وقال غيره : هو قولهم له : متى هذا الوعد [ الملك : 25 ] ، ونحوه من استعجالهم . " ولن يخلف الله وعده " في إنزال العذاب بهم في الدنيا ، فأنزله بهم يوم بدر ، " وإن يوما عند ربك " ; أي : من أيام الآخرة ، " كألف سنة مما تعدون " من أيام الدنيا . قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : ( تعدون ) بالتاء . وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي : ( يعدون ) بالياء .

فإن قيل : كيف انصرف الكلام من ذكر العذاب إلى قوله : " وإن يوما عند ربك " ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا ، فقيل لهم : لن يخلف الله وعده في إنزال العذاب بكم في الدنيا ، وإن يوما من أيام عذابكم في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا ، فكيف تستعجلون بالعذاب ؟ فقد تضمنت الآية وعدهم بعذاب الدنيا والآخرة ، هذا قول الفراء . [ ص: 440 ]

والثاني : وإن يوما عند الله وألف سنة سواء في قدرته على عذابهم ، فلا فرق بين وقوع ما يستعجلونه وبين تأخيره في القدرة ، إلا أن الله تفضل عليهم بالإمهال ، هذا قول الزجاج .
قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم .

قوله تعالى : " ورزق كريم " يعني به : [ الرزق ] الحسن في الجنة .

قوله تعالى : " والذين سعوا في آياتنا " ; أي : عملوا في إبطالها ، " معاجزين " قرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( معجزين ) بغير ألف . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( معاجزين ) بألف . قال الزجاج : ( معاجزين ) ; أي : ظانين أنهم يعجزوننا ; لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون ، وأنه لا جنة ولا نار . قال : وقيل في التفسير : معاجزين : معاندين ، وليس هو بخارج عن القول الأول . و " معجزين " تأويلها : أنهم كانوا يعجزون من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويثبطونهم عنه .
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم . [ ص: 441 ]

قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول " الآية ، قال المفسرون : سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سورة ( النجم ) قرأها حتى بلغ قوله : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى [ النجم : 19 ، 20 ] ، فألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترتجى ، فلما سمعت قريش بذلك فرحوا ، فأتاه جبريل فقال : ماذا صنعت ؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا ، فنزلت هذه الآية تطييبا لقلبه ، وإعلاما له أن الأنبياء قد جرى لهم مثل هذا . قال العلماء المحققون : وهذا لا يصح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم عن مثل هذا ، ولو صح كان المعنى : أن بعض شياطين الإنس قال تلك الكلمات ، فإنهم كانوا إذا تلا لغطوا ، كما قال الله عز وجل : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه [ فصلت : 26 ] . قال : وفي معنى " تمنى " قولان :

أحدهما : تلا ، قاله الأكثرون ، وأنشدوا : [ ص: 442 ]


تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر


وقال آخر :


تمنى كتاب الله آخر ليله تمني داود الزبور على رسل
[ ص: 443 ]

والثاني : أنه من الأمنية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمنى يوما أن لا يأتيه من الله شيء ينفر عنه به قومه ، فألقى الشيطان على لسانه لما كان قد تمناه ، قاله محمد بن كعب القرظي .

قوله تعالى : " فينسخ الله ما يلقي الشيطان " ; أي : يبطله ويذهبه . " ثم يحكم الله آياته " قال مقاتل : يحكمها من الباطل .

قوله تعالى : " ليجعل " اللام متعلقة بقوله : " ألقى الشيطان " ، والفتنة هاهنا بمعنى : البلية والمحنة . والمرض : الشك والنفاق . " والقاسية قلوبهم " يعني : الجافية عن الإيمان . ثم أعلمه أنهم ظالمون وأنهم في شقاق دائم ، والشقاق : غاية العداوة .

قوله تعالى : " وليعلم الذين أوتوا العلم " وهو التوحيد والقرآن ، وهم المؤمنون . وقال السدي : التصديق بنسخ الله .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30-12-2022, 05:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْحَجِّ
الحلقة (399)
صــ 444 إلى صــ 451





قوله تعالى : " أنه الحق " إشارة إلى نسخ ما يلقي الشيطان ، فالمعنى : ليعلموا أن نسخ ذلك وإبطاله حق من الله ، " فيؤمنوا " بالنسخ ، " فتخبت له قلوبهم " ; أي : تخضع وتذل . ثم بين بباقي الآية أن هذا الإيمان والإخبات إنما هو بلطف الله وهدايته . [ ص: 444 ]

قوله تعالى : " في مرية منه " ; أي : في شك .

وفي هاء " منه " أربعة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى قوله : تلك الغرانيق العلا . والثاني : أنها ترجع إلى سجوده في سورة ( النجم ) . والقولان عن سعيد بن جبير ، فيكون المعنى : إنهم يقولون : ما باله ذكر آلهتنا ثم رجع عن ذكرها . والثالث : أنها ترجع إلى القرآن ، قاله ابن جريج . والرابع : أنها ترجع إلى الدين ، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى : " حتى تأتيهم الساعة " وفيها قولان :

أحدهما : القيامة تأتي من تقوم عليه من المشركين ، قاله الحسن .

والثاني : ساعة موتهم ، ذكره الواحدي .

قوله تعالى : " أو يأتيهم عذاب يوم عقيم " فيه قولان :

أحدهما أنه يوم بدر ، روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي .

والثاني : أنه يوم القيامة ، قاله عكرمة والضحاك . وأصل العقم في الولادة ، يقال : امرأة عقيم : لا تلد ، ورجل عقيم : لا يولد له ، وأنشدوا :


عقم النساء فلا يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم
[ ص: 445 ]

وسميت الريح العقيم بهذا الاسم ; لأنها لا تأتي بالسحاب الممطر ، فقيل لهذا اليوم : عقيم ; لأنه لم يأت بخير .

فعلى قول من قال : هو يوم بدر ، في تسميته بالعقيم ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه لم يكن فيه للكفار بركة ولا خير ، قاله الضحاك .

والثاني : لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل ، بل قتلوا قبل المساء ، قاله ابن جريج .

والثالث : لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه ، قاله يحيى بن سلام .

وعلى قول من قال : هو يوم القيامة ، في تسميته بذلك قولان :

أحدهما : لأنه لا ليلة له ، قاله عكرمة .

والثاني : لأنه لا يأتي المشركين بخير ولا فرج ، ذكره بعض المفسرين .
الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم .

قوله تعالى : " الملك يومئذ " ; أي : يوم القيامة ، " لله " من غير منازع ولا مدع ، " يحكم بينهم " ; أي : بين المسلمين والمشركين ، وحكمه بينهم بما ذكره في تمام الآية وما بعدها . ثم ذكر فضل المهاجرين ، فقال : " والذين هاجروا في سبيل الله " ; أي : من مكة إلى المدينة .

وفي الرزق الحسن قولان : [ ص: 446 ]

أحدهما : أنه الحلال ، قاله ابن عباس . والثاني : رزق الجنة ، قاله السدي .

قوله تعالى : " ثم قتلوا أو ماتوا " وقرأ ابن عامر : ( قتلوا ) بالتشديد .

قوله تعالى : " ليدخلنهم مدخلا " [ وقرأ نافع بفتح الميم ] . " يرضونه " يعني : الجنة . والمدخل يجوز أن يكون مصدرا ، فيكون المعنى : ليدخلنهم إدخالا يكرمون به فيرضونه ، ويجوز أن يكون بمعنى المكان . و " مدخلا " بفتح الميم على تقدير : فيدخلون مدخلا . " وإن الله لعليم " بنياتهم ، " حليم " عنهم .
ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير .

قوله تعالى : " ذلك " قال الزجاج : المعنى : الأمر ذلك ; أي : الأمر ما قصصنا عليكم . " ومن عاقب بمثل ما عوقب به " والعقوبة : الجزاء ، والأول ليس بعقوبة ، ولكنه سمي عقوبة لاستواء الفعلين في جنس المكروه ، كقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى : 40 ] ، لما كانت المجازاة إساءة بالمفعول به سميت سيئة ، ومثله : الله يستهزئ بهم [ البقرة : 15 ] ، قاله الحسن . ومعنى الآية : من قاتل المشركين كما قاتلوه . " ثم بغي عليه " ; أي : ظلم بإخراجه عن منزله . وزعم مقاتل أن سبب نزول هذه الآية أن مشركي مكة لقوا المسلمين لليلة بقيت من المحرم فقاتلوهم ، فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبوا إلا القتال ، فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ، [ ص: 447 ] ووقع في نفوس المسلمين من القتال في الشهر الحرام ، فنزلت هذه الآية ، وقال : " إن الله لعفو " عنهم " غفور " لقتالهم في الشهر الحرام .

قوله تعالى : " ذلك " ; أي : ذلك النصر ، " بأن الله " القادر على ما يشاء . فمن قدرته أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، وأن الله سميع لدعاء المؤمنين بصير بهم ، حيث جعل فيهم الإيمان والتقوى ، " ذلك " الذي فعل من نصر المؤمنين " بأن الله هو الحق " ; أي : هو الإله الحق . " وأن ما يدعون " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( يدعون ) بالياء . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم بالتاء ، والمعنى : وأن ما يعبدون " من دونه هو الباطل " .
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد .

قوله تعالى : " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء " يعني : المطر ، " فتصبح الأرض مخضرة " بالنبات . وحكى الزجاج عن الخليل أنه قال : معنى الكلام : التنبيه ، كأنه قال : أتسمع ، أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا . وقال ثعلب : معنى الآية عند الفراء خبر ، كأنه قال : اعلم أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح ، ولو كان استفهاما والفاء شرطا لنصبه .

قوله تعالى : " إن الله لطيف " ; أي : باستخراج النبات من الأرض رزقا لعباده ، " خبير " بما في قلوبهم عند تأخير المطر . وقد سبق معنى الغني الحميد في ( البقرة : 267 ) . [ ص: 448 ]
ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور .

قوله تعالى : " ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض " يريد : البهائم التي تركب ، " ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه " قال الزجاج : كراهة أن تقع . وقال غيره : لئلا تقع . " إن الله بالناس لرءوف رحيم " فيما سخر لهم وفيما حبس عنهم من وقوع السماء عليهم . " وهو الذي أحياكم " بعد أن كنتم نطفا ميتة ، " ثم يميتكم " عند آجالكم ، " ثم يحييكم " للبعث والحساب ، " إن الإنسان " يعني : المشرك ، " لكفور " لنعم الله إذ لم يوحده .
لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير .

قوله تعالى : " لكل أمة جعلنا منسكا " قد سبق بيانه في هذه السورة [ الحج : 34 ] ، " فلا ينازعنك في الأمر " ; أي : في الذبائح ، وذلك أن [ ص: 449 ] كفار قريش وخزاعة خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الذبيحة ، فقالوا : كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله ؟ يعنون : الميتة .

فإن قيل : إذا كانوا هم المنازعين له ، فكيف قيل : " فلا ينازعنك في الأمر " ؟ .

فقد أجاب عنه الزجاج ، فقال : المراد : النهي له عن منازعتهم ، فالمعنى : لا تنازعنهم ، كما تقول للرجل : لا يخاصمنك فلان في هذا أبدا ، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا من اثنين ; لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين ، فإذا قلت : لا يجادلنك فلان ، فهو بمنزلة : لا تجادلنه ، ولا يجوز هذا في قولك : لا يضربنك فلان ، وأنت تريد : لا تضربنه ، [ ولكن ] لو قلت : لا يضاربنك فلان ، لكان كقولك : لا تضاربن ، ويدل على هذا الجواب قوله : " وإن جادلوك " .

قوله تعالى : " وادع إلى ربك " ; أي : إلى دينه والإيمان به . و " جادلوك " بمعنى : خاصموك في أمر الذبائح ، " فقل الله أعلم بما تعملون " من التكذيب ، فهو يجازيكم به . " الله يحكم بينكم يوم القيامة " ; أي : يقضي بينكم ، " فيما كنتم [ ص: 450 ] فيه تختلفون " من الدين ; أي : تذهبون إلى خلاف ما ذهب إليه المؤمنون ، وهذا أدب حسن علمه الله عباده ، ليردوا به من جادل على سبيل التعنت ، ولا يجيبوه ولا يناظروه .

فصل

قال أكثر المفسرين : هذا نزل قبل الأمر بالقتال ، ثم نسخ بآية السيف . وقال بعضهم : هذا نزل في حق المنافقين ، كانت تظهر من أقوالهم وأفعالهم فلتات تدل على شركهم ، ثم يجادلون على ذلك ، فوكل أمرهم إلى الله تعالى ، فالآية على هذا محكمة .

قوله تعالى : " ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض " هذا استفهام يراد به التقرير ، والمعنى : قد علمت ذلك . " إن ذلك " يعني : ما يجري في السماوات والأرض . " في كتاب " يعني : اللوح المحفوظ ، " إن ذلك " ; أي : علم الله بجميع ذلك ، " على الله يسير " سهل لا يتعذر عليه العلم به .
ويعبدون من دون الله ما لم ينـزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير [ ص: 451 ]

قوله تعالى : " ويعبدون " يعني : كفار مكة ، " ما لم ينزل به سلطانا " ; أي : حجة . " وما ليس لهم به علم " أنه إله ، " وما للظالمين " يعني : المشركين ، " من نصير " ; أي : مانع من العذاب . " وإذا تتلى عليهم آياتنا " يعني : القرآن ، والمنكر هاهنا بمعنى الإنكار ، فالمعنى : أثر الإنكار من الكراهة وتعبيس الوجوه معروف عندهم . " يكادون يسطون " ; أي : يبطشون ويوقعون بمن يتلو عليهم القرآن من شدة الغيظ ، يقال : سطا عليه ، وسطا به : إذا تناوله بالعنف والشدة . " قل " لهم يا محمد : " أفأنبئكم بشر من ذلكم " ; أي : بأشد عليكم وأكره إليكم من سماع القرآن ، ثم ذكر ذلك فقال : " النار " ; أي : هو النار .
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز .

قوله تعالى : " يا أيها الناس ضرب مثل " قال الأخفش : إن قيل : أين المثل ؟




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30-12-2022, 05:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (400)
صــ 452 إلى صــ 459






فالجواب : أنه ليس هاهنا مثل ، وإنما المعنى : يا أيها الناس ضرب لي مثل ; أي : شبهت بي الأوثان ، " فاستمعوا " لهذا المثل . وتأويل الآية : جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي ، فاستمعوا حالها ، ثم بين ذلك بقوله : " إن الذين تدعون " ; أي : تعبدون ، " من دون الله " وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وابن أبي عبلة : ( يدعون ) بالياء المفتوحة . وقرأ ابن السميفع ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري : ( يدعون ) بضم الياء وفتح العين ، يعني : الأصنام . " لن يخلقوا ذبابا " والذباب واحد ، والجمع القليل : أذبة ، والكثير : الذبان ، مثل : [ ص: 452 ] غراب وأغربة وغربان . وقيل : إنما خص الذباب لمهانته واستقذاره وكثرته . " ولو اجتمعوا " يعني : الأصنام ، " له " ; أي : لخلقه ، " وإن يسلبهم " يعني : الأصنام . قال ابن عباس : كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجف ، فيأتي الذباب فيختلسه . وقال ابن جريج : كانوا إذا طيبوا أصنامهم عجنوا طيبهم بشيء من الحلواء ، كالعسل ونحوه ، فيقع عليه الذباب فيسلبها إياه ، فلا تستطيع الآلهة ولا من عبدها أن يمنعه ذلك . وقال السدي : كانوا يجعلون للآلهة طعاما ، فيقع الذباب عليه فيأكل منه . قال ثعلب : وإنما قال : " لا يستنقذوه منه " فجعل أفعال الآلهة كأفعال الآدميين ; إذ كانوا يعظمونها ويذبحون لها وتخاطب ، كقوله : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم [ النمل : 18 ] ، لما خاطبهم جعلهم كالآدميين ، ومثله : رأيتهم لي ساجدين [ يوسف : 40 ] ، وقد بينا هذا المعنى في ( الأعراف : 191 ) عند قوله تعالى : وهم يخلقون .

قوله تعالى : " ضعف الطالب والمطلوب " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الطالب : الصنم ، والمطلوب : الذباب ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني : الطالب : الذباب يطلب ما يسلبه من الطيب الذي على الصنم ، والمطلوب : الصنم يطلب الذباب منه سلب ما عليه ، روي عن ابن عباس أيضا .

والثالث : الطالب : عابد الصنم يطلب التقرب بعبادته ، والمطلوب : الصنم ، هذا معنى قول الضحاك والسدي . [ ص: 453 ]

قوله تعالى : " ما قدروا الله حق قدره " ; أي : ما عظموه حق عظمته ; إذ جعلوا هذه الأصنام شركاء له ، " إن الله لقوي " لا يقهر ، " عزيز " لا يرام .
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور .
قوله تعالى : " الله يصطفي من الملائكة رسلا " كجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت . " ومن الناس " الأنبياء المرسلين ، " إن الله سميع " لمقالة العباد ، " بصير " بمن يتخذه رسولا . وزعم مقاتل أن هذه الآية نزلت حين قالوا : أأنزل عليه الذكر من بيننا [ ص : 8 ] .
قوله تعالى : " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " الإشارة إلى الذين اصطفاهم ، وقد بينا معنى ذلك في آية الكرسي [ البقرة : 255 ] .
يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير [ ص: 454 ]

قوله تعالى : " اركعوا واسجدوا " قال المفسرون : المراد : صلوا ; لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود . " واعبدوا ربكم " ; أي : وحدوه ، " وافعلوا الخير " يريد : أبواب المعروف ، " لعلكم تفلحون " ; أي : لكي تسعدوا وتبقوا في الجنة .

فصل

لم يختلف أهل العلم في السجدة الأولى من ( الحج ) ، واختلفوا في هذه السجدة الأخيرة ، فروي عن عمر ، وابن عمر ، وعمار ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى ، وابن عباس ، أنهم قالوا : في ( الحج ) سجدتان ، وقالوا : فضلت هذه السورة على غيرها بسجدتين ، وبهذا قال أصحابنا ، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه . وروي عن ابن عباس أنه قال : في ( الحج ) سجدة ، وبهذا قال الحسن ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم ، وجابر بن زيد ، وأبو حنيفة وأصحابه ، ومالك ; ويدل على الأول ما روى عقبة بن عامر ، قال : قلت : يا رسول الله أفي ( الحج ) سجدتان ؟ قال : " نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " . [ ص: 455 ]

فصل

واختلف العلماء في عدد سجود القرآن ، فروي عن أحمد روايتان : إحداهما : أنها أربع عشرة سجدة ، وبه قال الشافعي . والثانية : أنها خمس عشرة ، فزاد سجدة ( ص : 24 ) . وقال أبو حنيفة : هي أربع عشرة ، فأخرج التي في آخر ( الحج ) ، وأبدل منها سجدة ( ص : 24 ) .

فصل

وسجود التلاوة سنة ، وقال أبو حنيفة : واجب . ولا يصح سجود التلاوة إلا بتكبيرة الإحرام والسلام ، خلافا لأصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي . ولا يجزئ الركوع عن سجود التلاوة ، وقال أبو حنيفة : يجزئ . ولا يسجد المستمع إذا لم يسجد التالي ، نص عليه أحمد رضي الله عنه . وتكره قراءة السجدة في صلاة الإخفات ، خلافا للشافعي .

قوله تعالى : " وجاهدوا في الله " في هذا الجهاد ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه فعل جميع الطاعات ، هذا قول الأكثرين . والثاني : أنه جهاد الكفار ، قاله الضحاك . والثالث : أنه جهاد النفس والهوى ، قاله عبد الله بن المبارك .

فأما حق الجهاد ، ففيه ثلاثة أقوال : [ ص: 456 ]

أحدها : أنه الجد في المجاهدة واستيفاء الإمكان فيها . والثاني : أنه إخلاص النية لله عز وجل . والثالث : أنه فعل ما فيه وفاء لحق الله عز وجل .

فصل

وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة ، واختلفوا في ناسخها على قولين :

أحدهما : قوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] .

والثاني : قوله : فاتقوا الله ما استطعتم [ التغابن : 16 ] . وقال آخرون : بل هي محكمة ، ويؤكده القولان الأولان في تفسير حق الجهاد ، وهو الأصح ; لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها .

قوله تعالى : " هو اجتباكم " ; أي : اختاركم واصطفاكم لدينه . والحرج : الضيق ، فما من شيء وقع الإنسان فيه إلا وجد له في الشرع مخرجا بتوبة ، أو كفارة ، أو انتقال إلى رخصة ، ونحو ذلك . وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرج : ما كان على بني إسرائيل من الإصر والشدائد ، وضعه الله عن هذه الأمة .

قوله تعالى : " ملة أبيكم " قال الفراء : المعنى : وسع عليكم كملة أبيكم ، فإذا ألقيت الكاف نصبت ، ويجوز النصب على معنى الأمر بها ; لأن أول الكلام أمر ، وهو قوله : " اركعوا واسجدوا " ، والزموا ملة أبيكم .

فإن قيل : هذا الخطاب للمسلمين وليس إبراهيم أبا لكلهم ؟

فالجواب : أنه إن كان خطابا عاما للمسلمين ، فهو كالأب لهم ; لأن حرمته وحقه عليهم كحق الولد ، وإن كان خطابا للعرب خاصة ، فإبراهيم أبو العرب قاطبة ، هذا قول المفسرين . والذي يقع لي أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن إبراهيم أبوه ، وأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة فيما خوطب به رسول الله . [ ص: 457 ]

قوله تعالى : " هو سماكم المسلمين " في المشار إليه قولان :

أحدهما : أنه الله عز وجل ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور ; فعلى هذا في قوله : " من قبل " قولان : أحدهما : من قبل إنزال القرآن سماكم بهذا في الكتب التي أنزلها . والثاني : " من قبل " ; أي : في أم الكتاب ، وقوله : " وفي هذا " ; أي : في القرآن .

والثاني : أنه إبراهيم عليه السلام حين قال : ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [ البقرة : 128 ] ، فالمعنى : من قبل هذا الوقت ، وذلك في زمان إبراهيم عليه السلام ، وفي هذا الوقت حين قال : " ومن ذريتنا أمة مسلمة " ، هذا قول ابن زيد .

قوله تعالى : " ليكون الرسول " المعنى : اجتباكم وسماكم ليكون الرسول ، يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، " شهيدا عليكم " يوم القيامة أنه قد بلغكم ، وقد شرحنا هذا المعنى في ( البقرة : 143 ) إلى قوله : " وآتوا الزكاة " .

قوله تعالى : " واعتصموا بالله " قال ابن عباس : سلوه أن يعصمكم من كل ما يسخط ويكره . وقال الحسن : تمسكوا بدين الله . وما بعد هذا مشروح في ( الأنفال : 40 ) .
[ ص: 458 ]

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ .

رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ قَرَأَ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى عَشْرِ آيَاتٍ " ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي " صَحِيحِهِ " . وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ [ ص: 459 ] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ ، وَغَرَسَ غَرْسَهَا بِيَدِهِ ، فَقَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي ، فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، فَقَالَ لَهَا : طُوبَى لَكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ " . قَالَ الْفَرَّاءُ : " قَدْ " هَاهُنَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَأْكِيدًا لِفَلَاحِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَقْرِيبًا لِلْمَاضِي مِنَ الْحَالِ ; لِأَنَّ " قَدْ " تُقَرِّبُ الْمَاضِيَ مِنَ الْحَالِ حَتَّى تُلْحِقَهُ بِحُكْمِهِ ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ : قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ ، قَبْلَ حَالِ قِيَامِهَا ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ : إِنَّ الْفَلَّاحَ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ ، وَإِنَّهُمْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ . وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ ، وَطِلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ : ( قَدْ أُفْلِحَ ) بِضَمِّ الْأَلْفِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَمَعْنَى الْآيَةِ : قَدْ نَالَ الْمُؤْمِنُونَ الْبَقَاءَ الدَّائِمَ فِي الْخَيْرِ . وَمَنْ قَرَأَ : ( قَدْ أُفْلِحَ ) بِضَمِّ الْأَلْفِ ، كَانَ مَعْنَاهُ : قَدْ أُصِيرُوا إِلَى الْفَلَاحِ . وَأَصِلُ الْخُشُوعِ فِي اللُّغَةِ : الْخُضُوعُ وَالتَّوَاضُعُ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30-12-2022, 05:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (401)
صــ 460 إلى صــ 467




وَفِي الْمُرَادِ بِالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّهُ النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ . رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ [ ص: 460 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَنَزَلَتِ : " الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ " فَنَكَّسَ رَأْسَهُ . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ وَقَتَادَةُ .

وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَرْكُ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنْ تُلِينَ كَنَفَكَ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ السُّكُونُ فِي الصَّلَاةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَالزُّهْرِيُّ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ الْخَوْفُ ، قَالَهُ الْحَسَنُ .

وَفِي الْمُرَادِ بِاللَّغْوِ هَاهُنَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : الشِّرْكُ ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي : الْبَاطِلُ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ : الْمَعَاصِي ، قَالَهُ الْحَسَنُ . وَالرَّابِعُ : الْكَذِبُ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ . وَالْخَامِسُ : الشَّتْمُ وَالْأَذَى الَّذِي كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْكُفَّارِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَاللَّغْوُ : كُلُّ لَعِبٍ وَلَهْوٍ ، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ مُطَّرَحَةٌ مُلْغَاةٌ ; فَالْمَعْنَى : شَغَلَهُمُ الْجِدُّ فِيمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَنِ اللَّغْوِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ " ; أَيْ : مُؤَدُّونَ ، فَعَبَّرَ عَنِ التَّأْدِيَةِ بِالْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ " قَالَ الْفَرَّاءُ : " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ " . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : أَنَّهُمْ يُلَامُونَ فِي إِطْلَاقِ مَا حُظِرَ عَلَيْهِمْ وَأُمِرُوا بِحِفْظِهِ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُلَامُونَ . [ ص: 461 ]

قَوْلُهُ تَعَالَى : " فَمَنِ ابْتَغَى " ; أَيْ : طَلَبَ ، " وَرَاءَ ذَلِكَ " ; أَيْ : سِوَى الْأَزْوَاجِ وَالْمَمْلُوكَاتِ ، " فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ " يَعْنِي : الْجَائِرِينَ الظَّالِمِينَ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ تَجَاوَزُوا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ . " وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ " قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ : ( لِأَمَانَتِهِمْ ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ ، وَالْمَعْنَى : لِلْأَمَانَاتِ الَّتِي ائْتُمِنُوا عَلَيْهَا ، فَتَارَةً تَكُونُ الْأَمَانَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، وَتَارَةً تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِنْسِهِ ، فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْكُلِّ ، وَكَذَلِكَ الْعَهْدُ . وَمَعْنَى " رَاعُونَ " : حَافِظُونَ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَأَصِلُ الرَّعْيِ فِي اللُّغَةِ : الْقِيَامُ عَلَى إِصْلَاحِ مَا يَتَوَلَّاهُ الرَّاعِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " عَلَى صَلَوَاتِهِمْ " قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَعَاصِمٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ : ( صَلَوَاتِهِمْ ) عَلَى الْجَمْعِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : ( صَلَاتِهِمْ ) عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ . وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ : أَدَاؤُهَا فِي أَوْقَاتِهَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ " ذَكَرَ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْفَعُ لِلْكُفَّارِ الْجَنَّةَ ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ فِيهَا لَوْ أَنَّهُمْ أَطَاعُوا ، ثُمَّ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَرِثُونَهُمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : " أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ " . وَقَدْ شَرَحْنَا هَذَا فِي ( الْأَعْرَافِ : 43 ) عِنْدَ قَوْلِهِ : " أُورِثْتُمُوهَا " ، وَشَرَحْنَا مَعْنَى الْفِرْدَوْسِ فِي ( الْكَهْفِ : 107 ) .
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه [ ص: 462 ] خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون .

قوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان " فيه قولان :

أحدهما : أنه آدم عليه السلام ، وإنما قيل : " من سلالة " ; لأنه استل من كل الأرض ، هذا مذهب سلمان الفارسي ، وابن عباس في رواية ، وقتادة .

والثاني : أنه ابن آدم ، والسلالة : النطفة استلت من الطين ، والطين : آدم عليه السلام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : والسلالة : فعالة ، وهي القليل مما ينسل ، وكل مبني على ( فعالة ) يراد به القليل ، من ذلك : الفضالة ، والنخالة ، والقلامة .

قوله تعالى : " ثم جعلناه " يعني : ابن آدم ، " نطفة في قرار " وهو الرحم ، " مكين " ; أي : حريز ، قد هيئ لاستقراره فيه . وقد شرحنا في سورة ( الحج : 5 ) معنى النطفة والعلقة والمضغة .

قوله تعالى : " فخلقنا المضغة عظاما " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( عظاما فكسونا العظام ) على الجمع . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : ( عظما فكسونا العظم ) على التوحيد .

قوله تعالى : " ثم أنشأناه خلقا آخر " وهذه الحالة السابعة . قال علي عليه السلام : لا تكون موءودة حتى تمر على التارات السبع .

وفي محل هذا الإنشاء قولان :

أحدهما : أنه بطن الأم . ثم في صفة الإنشاء قولان : أحدهما : أنه نفخ [ ص: 463 ] الروح فيه ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، والشعبي ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك في آخرين . والثاني : أنه جعله ذكرا أو أنثى ، قاله الحسن .

والقول الثاني : أنه بعد خروجه من بطن أمه . ثم في صفة هذا الإنشاء أربعة أقوال : أحدها : أن ابتداء ذلك الإنشاء أنه استهل ، ثم دل على الثدي ، وعلم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد ، إلى أن قام على رجليه ، إلى أن مشى ، إلى أن فطم ، إلى أن بلغ الحلم ، إلى أن تقلب في البلاد ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنه استواء الشباب ، قاله ابن عمر ومجاهد . والثالث : أنه خروج الأسنان والشعر ، قاله الضحاك ، فقيل له : أليس يولد وعلى رأسه الشعر ؟ فقال : وأين العانة والإبط ؟ والرابع : أنه إعطاء العقل والفهم ، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى : " فتبارك الله " ; أي : استحق التعظيم والثناء . وقد شرحنا معنى " تبارك " في ( الأعراف : 54 ) . " أحسن الخالقين " ; أي : المصورين والمقدرين ، والخلق في اللغة : التقدير . وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وعنده عمر ، إلى قوله تعالى : " خلقا آخر " ، فقال عمر : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد ختمت بما تكلمت به يابن الخطاب " .

فإن قيل : كيف الجمع بين قوله : " أحسن الخالقين " وقوله : هل من خالق غير الله [ فاطر : 3 ] ؟ [ ص: 464 ]

فالجواب : أن الخلق يكون بمعنى الإيجاد ، ولا موجد سوى الله ، ويكون بمعنى التقدير ، كقول زهير :


[ ولأنت تفري ما خلقت ] وبعـ ض القوم يخلق ثم لا يفري


فهذا المراد هاهنا ، أن بني آدم قد يصورون ويقدرون ويصنعون الشيء ، فالله خير المصورين والمقدرين . وقال الأخفش : الخالقون هاهنا هم الصانعون ، فالله خير الخالقين .

قوله تعالى : " ثم إنكم بعد ذلك " ; أي : بعد ما ذكر من تمام الخلق ، " لميتون " عند انقضاء آجالكم . وقرأ أبو رزين العقيلي ، وعكرمة ، وابن أبي عبلة : ( لمائتون ) بألف . قال الفراء : والعرب تقول لمن لم يمت : إنك مائت عن قليل ، وميت ، ولا يقولون للميت الذي قد مات : هذا مائت ، إنما يقال في الاستقبال فقط ، وكذلك يقال : هذا سيد قومه اليوم ، فإذا أخبرت أنه يسودهم عن قليل ، قلت : هذا سائد قومه عن قليل ، وكذلك هذا شريف القوم ، وهذا شارف عن قليل ، وهذا الباب كله في العربية على ما وصفت لك .
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنـزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين . [ ص: 465 ]

قوله تعالى : " ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق " يعني : السماوات السبع . قال الزجاج : كل واحدة طريقة . وقال ابن قتيبة : إنما سميت طرائق بالتطارق ; لأن بعضها فوق بعض ، يقال : طارقت الشيء : إذا جعلت بعضه فوق بعض .

قوله تعالى : " وما كنا عن الخلق غافلين " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ما غفلنا عنهم إذ بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب .

والثاني : ما كنا تاركين لهم بغير رزق فأنزلنا المطر .

والثالث : لم نغفل عن حفظهم من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم .

قوله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء بقدر " يعلمه الله ، وقال مقاتل : بقدر ما يكفيهم للمعيشة .

قوله تعالى : " وشجرة " هي معطوفة على قوله : " جنات " . وقرأ أبو مجلز ، وابن يعمر ، وإبراهيم النخعي : ( وشجرة ) بالرفع ، والمراد بهذه الشجرة : شجرة الزيتون .

فإن قيل : لماذا خص هذه الشجرة من بين الشجر ؟

فالجواب من أربعة أوجه :

أحدها : لكثرة انتفاعهم بها ، فذكرهم من نعمه ما يعرفون ، وكذلك [ ص: 466 ] خص النخيل والأعناب في الآية الأولى ; لأنهما كانا جل ثمار الحجاز وما والاها ، وكانت النخيل لأهل المدينة ، والأعناب لأهل الطائف .

والثاني : لأنهم لا يكادون يتعاهدونها بالسقي ، وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن .

والثالث : أنها تنبت بالماء الذي هو ضد النار ، وفي ثمرتها حياة للنار ومادة لها .

والرابع : لأن أول زيتونة نبتت بذلك المكان فيما زعم مقاتل .

قوله تعالى : " طور سيناء " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : ( طور سيناء ) مكسورة السين . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي مفتوحة السين ، وكلهم مدها . قال الفراء : العرب تقول : ( سيناء ) بفتح السين في جميع اللغات ، إلا بني كنانة فإنهم يكسرون السين . قال أبو علي : ولا تنصرف هذه الكلمة ; لأنها جعلت اسما لبقعة أو أرض ، وكذلك ( سينين ) ، ولو جعلت اسما للمكان ، أو للمنزل ، أو نحو ذلك من الأسماء المذكرة لصرفت ; لأنك كنت قد سميت مذكرا بمذكر . والطور : الجبل .

وفي معنى " سيناء " خمسة أقوال :

أحدها : أنه بمعنى الحسن ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال الضحاك : " الطور " : الجبل بالسريانية ، و " سيناء " : الحسن بالنبطية . وقال عطاء : يريد : الجبل الحسن .

والثاني : أنه المبارك ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أنه اسم حجارة بعينها ، أضيف الجبل إليها لوجودها عنده ، قاله مجاهد .

والرابع : أن طور سيناء : الجبل المشجر ، قاله ابن السائب . [ ص: 467 ]

والخامس : أن سيناء : اسم المكان الذي به هذا الجبل ، قاله الزجاج . قال الواحدي : وهو أصح الأقوال . قال ابن زيد : وهذا هو الجبل الذي نودي منه موسى ، وهو بين مصر وأيلة .

قوله تعالى : " تنبت بالدهن " قرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( تنبت ) برفع التاء وكسر الباء . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بفتح التاء وضم الباء . قال الفراء : وهما لغتان : نبتت وأنبتت ، وكذلك قال الزجاج : يقال : نبت الشجر وأنبت في معنى واحد ، قال زهير :


رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل


قال : ومعنى " تنبت بالدهن " : تنبت ومعها دهن ، كما تقول : جاءني زيد بالسيف ; أي : جاءني ومعه السيف . وقال أبو عبيدة : معنى الآية : تنبت الدهن ، والباء زائدة ، كقوله : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم [ الحج : 25 ] ، وقد بينا هذا المعنى هناك .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30-12-2022, 05:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (402)
صــ 468 إلى صــ 475




قوله تعالى : " وصبغ " وقرأ ابن مسعود ، وابن يعمر ، وإبراهيم النخعي ، [ ص: 468 ] والأعمش : ( وصبغا ) بالنصب . وقرأ ابن السميفع : ( وصباغ ) بألف مع الخفض . قال ابن قتيبة : الصبغ مثل الصباغ ، كما يقال : دبغ ودباغ ، ولبس ولباس . قال المفسرون : والمراد بالصبغ هاهنا : الزيت ; لأنه يلون الخبز إذا غمس فيه ، والمراد : أنه إدام يصبغ به .
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون .

قوله تعالى : " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم " وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : ( نسقيكم ) بفتح النون . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم بضمها . وقد شرحنا هذا في ( النحل : 66 ) إلى قوله تعالى : " ولكم فيها منافع كثيرة " يعني : في ظهورها وألبانها ، وأولادها ، وأصوافها وأشعارها ، " ومنها تأكلون " من لحومها وأولادها والكسب عليها .

قوله تعالى : " وعليها " يعني : الإبل خاصة ، " وعلى الفلك تحملون " فالإبل تحمل في البر ، والسفن تحمل في البحر .
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنـزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين [ ص: 469 ] وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنـزلني منـزلا مباركا وأنت خير المنـزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ثم أنشأنا من بعدهم . قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون .

قوله تعالى : " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه " قال المفسرون : هذا تعزية [ ص: 470 ] لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر هذا الرسول الصابر ; ليتأسى به في صبره ، وليعلم أن الرسل قبله قد كذبوا .

قوله تعالى : " يريد أن يتفضل عليكم " ; أي : يعلوكم بالفضيلة فيصير متبوعا ، " ولو شاء الله " أن لا يعبد شيء سواه ; " لأنزل ملائكة " تبلغ عنه أمره لم يرسل بشرا ، " ما سمعنا بهذا " الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد ، " في آبائنا الأولين " فأما الجنة فمعناها : الجنون .

وفي قوله : " حتى حين " قولان :

أحدهما : أنه الموت ، فتقديره : انتظروا موته . والثاني : أنه وقت منكر .

قوله تعالى : " قال رب انصرني " وقرأ عكرمة وابن محيصن : ( قال رب ) بضم الباء ، وفي القصة الأخرى [ المؤمنون : 39 ] .

قوله تعالى : " بما كذبون " وقرأ يعقوب : ( كذبوني ) بياء ، وفي القصة التي تليها أيضا : ( فاتقوني ) [ المؤمنون : 52 ] ، ( أن يحضروني ) [ المؤمنون : 98 ] ، ( رب ارجعوني ) [ المؤمنون : 99 ] ، ( ولا تكلموني ) [ المؤمنون : 108 ] ، أثبتهن في الحالين يعقوب ، والمعنى : انصرني بتكذيبهم ; أي : انصرني بإهلاكهم جزاء لهم بتكذيبهم . " فأوحينا إليه " قد شرحناه في ( هود : 37 ) إلى قوله : " فاسلك فيها " ; أي : ادخل في سفينتك ، " من كل زوجين اثنين " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم " ( من كل ) بكسر اللام من غير تنوين . وقرأ حفص عن عاصم : ( من كل ) بالتنوين . قال أبو علي : قراءة الجمهور إضافة " كل " إلى " زوجين " ، وقراءة حفص تئول إلى زوجين ; لأن المعنى : من كل الأزواج زوجين . [ ص: 471 ]

قوله تعالى : " وقل رب أنزلني منزلا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( منزلا ) بضم الميم . وروى أبو بكر عن عاصم فتحها . والمنزل بفتح الميم : اسم لكل ما نزلت به ، والمنزل بضمها : المصدر بمعنى الإنزال ، تقول : أنزلته إنزالا ومنزلا .

وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان :

أحدهما : عند نزوله في السفينة . والثاني : عند نزوله من السفينة .

قوله تعالى : " إن في ذلك " ; أي : في قصة نوح وقومه ، " لآيات وإن كنا " ; أي : وما كنا ، " لمبتلين " ; أي : لمختبرين إياهم بإرسال نوح إليهم . " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " يعني : عادا ، " فأرسلنا فيهم رسولا منهم " وهو هود ، هذا قول الأكثرين . وقال أبو سليمان الدمشقي : هم ثمود والرسول صالح . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله : " أيعدكم أنكم " قال الزجاج : موضع " أنكم " نصب على معنى : أيعدكم [ أنكم ] مخرجون إذا متم ، فلما طال الكلام أعيد ذكر " أن " ، كقوله : ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم [ التوبة : 63 ] .

قوله تعالى : " هيهات هيهات " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( هيهات هيهات ) بفتح التاء فيهما في الوصل وإسكانها في الوقف . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو مجلز ، وهارون عن أبي عمرو : ( هيهاتا هيهاتا ) بالنصب والتنوين . وقرأ ابن مسعود ، وعاصم الجحدري ، وأبو حيوة الحضرمي ، وابن السميفع : ( هيهات هيهات ) بالرفع والتنوين . وقرأ أبو العالية وقتادة : ( هيهات هيهات ) بالخفض والتنوين . وقرأ أبو جعفر : ( هيهات هيهات ) بالخفض من غير تنوين وكان يقف بالهاء . وقرأ أبو المتوكل ، [ ص: 472 ] الناجي ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة : ( هيهات هيهات ) بالرفع من غير تنوين . وقرأ معاذ القارئ ، وابن يعمر ، وأبو رجاء ، وخارجة عن أبي عمرو : ( هيهات هيهات ) بإسكان التاء فيهما . وفي " هيهات " عشر لغات قد ذكرنا منها سبعة عن القراء ، والثامنة : ( أيهات ) ، والتاسعة : ( أيهان ) بالنون ، والعاشرة : ( أيها ) بغير نون ، ذكرهن ابن القاسم ، وأنشد الأحوص في الجمع بين لغتين منهن :


تذكر أياما مضين من الصبا وهيهات هيهاتا إليك رجوعها


قال الزجاج : فأما الفتح فالوقف فيه بالهاء ، تقول : ( هيهاه ) إذا فتحت ووقفت بعد الفتح ، فإذا كسرت ووقفت على التاء كنت ممن ينون في الوصل ، أو كنت ممن لا ينون . وتأويل " هيهات " : البعد لما توعدون . وإذا قلت : ( هيهات ما قلت ) فمعناه : بعيد ما قلت . وإذا قلت : ( هيهات لما قلت ) فمعناه : البعد لما قلت . ويقال : ( أيهات ) في معنى ( هيهات ) ، وأنشدوا :


وأيهات أيهات العقيق ومن به وأيهات وصل بالعقيق نواصله


قال أبو عمرو بن العلاء : إذا وقفت على ( هيهات ) فقل : ( هيهاه ) . وقال الفراء : الكسائي يختار الوقف بالهاء ، وأنا أختار التاء .

قوله تعالى : " لما توعدون " قرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : ( ما توعدون ) بغير لام . قال المفسرون : استبعد القوم بعثهم بعد الموت ; إغفالا منهم للتفكر في بدو أمرهم وقدرة الله على إيجادهم ، وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبدا . " إن هي إلا حياتنا الدنيا " يعنون : ما الحياة إلا ما نحن فيه ، وليس بعد الموت حياة . [ ص: 473 ]

فإن قيل : كيف قالوا : " نموت ونحيا " وهم لا يقرون بالبعث ؟

فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها الزجاج :

أحدها : نموت ويحيا أولادنا ، فكأنهم قالوا : يموت قوم ويحيا قوم .

والثاني : نحيا ونموت ; لأن الواو للجمع لا للترتيب .

والثالث : ابتداؤنا موات في أصل الخلقة ، ثم نحيا ، ثم نموت .

قوله تعالى : " إن هو " يعنون : الرسول . وقد سبق تفسير ما بعد هذا [ هود : 7 ، النحل : 38 ] إلى قوله : " قال عما قليل " قال الزجاج : معناه : عن قليل ، و " ما " زائدة بمعنى التوكيد .

قوله تعالى : " ليصبحن نادمين " ; أي : على كفرهم ، " فأخذتهم الصيحة بالحق " ; أي : باستحقاقهم العذاب بكفرهم . قال المفسرون : صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم ، فصاروا لشدتها غثاء . قال أبو عبيدة : الغثاء : ما أشبه الزبد ، وما ارتفع على السيل ، ونحو ذلك مما لا ينتفع به في شيء . وقال ابن قتيبة : المعنى : فجعلناهم هلكى كالغثاء ، وهو ما علا السيل من الزبد والقمش ; لأنه يذهب ويتفرق . وقال الزجاج : الغثاء : الهالك والبالي من ورق الشجر الذي إذا جرى السيل رأيته مخالطا زبده . وما بعد هذا قد سبق شرحه [ الحجر : 5 ] إلى قوله تعالى : " ثم أرسلنا رسلنا تترى " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر : ( تترى كلما ) منونة والوقف بالألف . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي بلا تنوين ، والوقف عند نافع وابن عامر بألف . وروى هبيرة وحفص عن عاصم أنه يقف بالياء . قال أبو علي : يعني بقوله : يقف بالياء : [ ص: 474 ] أي : بألف ممالة . قال الفراء : أكثر العرب على ترك التنوين ، ومنهم من نون . قال ابن قتيبة : والمعنى : نتابع بفترة بين كل رسولين ، وهو من التواتر ، والأصل : وترى ، فقلبت الواو تاء كما قلبوها في التقوى والتخمة . وحكى الزجاج عن الأصمعي أنه قال : معنى واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا ، وبين الخبرين هنية . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال : ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم : تواترت كتبي إليك ، يعنون : اتصلت من غير انقطاع ، فيضعون التواتر في موضع الاتصال ، وذلك غلط ، إنما التواتر : مجيء الشيء ثم انقطاعه ثم مجيئه ، وهو التفاعل من الوتر ، وهو الفرد ، يقال : واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين هنيهة . قال الله تعالى : " ثم أرسلنا رسلنا تترى " أصلها : ( وترى ) من المواترة ، فأبدلت التاء من الواو ، ومعناه : منقطعة متفاوتة ; لأن بين كل نبيين دهرا طويلا . وقال أبو هريرة : لا بأس بقضاء رمضان تترى ; أي : منقطعا . فإذا قيل : واتر فلان كتبه ، فالمعنى : تابعها وبين كل كتابين فترة .

قوله تعالى : " فأتبعنا بعضهم بعضا " ; أي : أهلكنا الأمم بعضهم في إثر بعض ، " وجعلناهم أحاديث " قال أبو عبيدة : أي : يتمثل بهم في الشر ، ولا يقال في الخير : جعلته حديثا .
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين . [ ص: 475 ]

قوله تعالى : " فاستكبروا " ; أي : عن الإيمان بالله وعبادته ، " وكانوا قوما عالين " ; أي : قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم .

قوله تعالى : " وقومهما لنا عابدون " ; أي : مطيعون . قال أبو عبيدة : كل من دان لملك فهو عابد له .
ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين .

قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب " يعني : التوراة ، أعطيها جملة واحدة بعد غرق فرعون ، " لعلهم " يعني : بني إسرائيل ، والمعنى : لكي يهتدوا .

قوله تعالى : " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : ( آيتين ) على التثنية ، وهذا كقوله : وجعلناها وابنها آية [ الأنبياء : 91 ] ، وقد سبق شرحه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30-12-2022, 05:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (403)
صــ 476 إلى صــ 483



قوله تعالى : " وآويناهما " ; أي : جعلناهما يأويان ، " إلى ربوة " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : ( ربوة ) بضم الراء . وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها . وقد شرحنا معنى الربوة في ( البقرة : 265 ) . ( ذات قرار ) ; أي : مستوية يستقر عليها ساكنوها ، والمعنى : ذات موضع قرار . وقال الزجاج : أي : ذات مستقر . " ومعين " وهو الماء الجاري من العيون . وقال ابن قتيبة : " ذات قرار " ; أي : يستقر بها للعمارة ، " ومعين " : هو الماء الظاهر ، [ ص: 476 ] ويقال : هو مفعول من العين ، كأن أصله معيون ، كما يقال : ثوب مخيط ، وبر مكيل .

واختلف المفسرون في موضع هذه الربوة الموصوفة على أربعة أقوال :

أحدها : أنها دمشق ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب .

والثاني : أنها بيت المقدس ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، وعن الحسن كالقولين .

والثالث : أنها الرملة من أرض فلسطين ، قاله أبو هريرة .

والرابع : مصر ، قاله وهب بن منبه ، وابن زيد ، وابن السائب .

فأما السبب الذي لأجله أويا إلى الربوة ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : فرت مريم بابنها عيسى من ملكهم ، ثم رجعت إلى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة . قال وهب بن منبه : وكان الملك أراد قتل عيسى . [ ص: 477 ]
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون .

قوله تعالى : " يا أيها الرسل " قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين : يعني بالرسل هاهنا : محمدا صلى الله عليه وسلم وحده ، وهو مذهب العرب في مخاطبة الواحد خطاب الجميع ، ويتضمن هذا أن الرسل جميعا كذا أمروا ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة والزجاج ، والمراد بالطيبات : الحلال . قال عمرو بن شرحبيل : كان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه . [ ص: 478 ]

قوله تعالى : " وإن هذه أمتكم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : ( وأن ) بالفتح وتشديد النون . وافق ابن عامر في فتح الألف ، لكنه سكن النون . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : ( وإن ) بكسر الألف وتشديد النون . قال الفراء : من فتح عطف على قوله : " إني بما تعملون عليم " ، وبأن هذه أمتكم ، فموضعها خفص ; لأنها مردودة على " ما " ، وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر ، كأنك قلت : واعلموا هذا ، ومن كسر استأنف . قال أبو علي الفارسي : وأما ابن عامر فإنه خفف النون المشددة ، وإذا خففت تعلق بها ما يتعلق بالمشددة . وقد شرحنا معنى الآية والتي بعدها في ( الأنبياء : 92 ) إلى قوله : " زبرا " وقرأ ابن عباس وأبو عمران الجوني : ( زبرا ) برفع الزاي وفتح الباء . وقرأ أبو الجوزاء وابن السميفع : ( زبرا ) برفع الزاي وإسكان الباء . قال الزجاج : من قرأ : ( زبرا ) بضم الباء ، فتأويله : جعلوا دينهم كتبا مختلفة ، جمع زبور . ومن قرأ : ( زبرا ) بفتح الباء ، أراد : قطعا .

قوله تعالى : " كل حزب بما لديهم فرحون " ; أي : بما عندهم من الدين الذي ابتدعوه معجبون ، يرون أنهم على الحق .

وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم أهل الكتاب ، قاله مجاهد .

والثاني : أنهم أهل الكتاب ومشركو العرب ، قاله ابن السائب . [ ص: 479 ]

قوله تعالى : " فذرهم في غمرتهم " وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب : ( في غمراتهم ) على الجمع . قال الزجاج : في عمايتهم وحيرتهم . " حتى حين " ; أي : إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب . قال مقاتل : يعني : كفار مكة .

فصل

وهل هذه الآية منسوخة أم لا ؟ فيها قولان :

أحدهما : أنها منسوخة بآية السيف . والثاني : أن معناها التهديد فهي محكمة .

قوله تعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به " وقرأ عكرمة وأبو الجوزاء : ( يمدهم ) بالياء المرفوعة وكسر الميم . وقرأ أبو عمران الجوني : ( نمدهم ) بنون مفتوحة ورفع الميم . قال الزجاج : المعنى : أيحسبون أن الذي نمدهم به " من مال وبنين " مجازاة لهم ؟ إنما هو استدراج . " نسارع لهم في الخيرات " ; أي : نسارع لهم به في الخيرات . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وأيوب السختياني : ( يسارع ) بياء مرفوعة وكسر الراء . وقرأ معاذ القارئ وأبو المتوكل مثله ، إلا أنهما فتحا الراء . وقرأ أبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : ( يسرع ) بياء مرفوعة وسكون السين ونصب الراء من غير ألف .

قوله تعالى : " بل لا يشعرون " ; أي : لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم .
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون . [ ص: 480 ]

ثم ذكر المؤمنين فقال : " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " وقد شرحنا هذا المعنى في قوله : وهم من خشيته مشفقون [ الأنبياء : 28 ] .

قوله تعالى : " والذين يؤتون ما آتوا " وقرأ عاصم الجحدري : ( يأتون ما أتوا ) بقصر همزة ( أتوا ) . وسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، فقالت : يا رسول الله ; أهم الذين يذنبون وهم مشفقون ؟ فقال : " لا ، بل هم الذين يصلون وهم مشفقون ، ويصومون وهم مشفقون ، ويتصدقون وهم مشفقون أن لا يتقبل منهم " . قال الزجاج : فمعنى " يؤتون " : يعطون ما أعطوا وهم يخافون أن لا يتقبل منهم . " أنهم إلى ربهم راجعون " ; أي : لأنهم يوقنون أنهم يرجعون . ومعنى " يأتون " : يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصرين . " أولئك يسارعون في الخيرات " وقرأ أبو المتوكل وابن السميفع : ( يسرعون ) برفع الياء وإسكان السين وكسر الراء من غير ألف . قال الزجاج : يقال : أسرعت وسارعت في معنى واحد ، إلا أن سارعت أبلغ من أسرعت . " وهم لها " ; أي : من أجلها ، وهذا كما تقول : أنا أكرم فلانا لك ; أي : من أجلك . وقال بعض أهل العلم : الوجل المذكور هاهنا واقع على مضمر . [ ص: 481 ]


ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون .

قوله تعالى : " ولدينا كتاب " يعني : اللوح المحفوظ . " ينطق بالحق " قد أثبت فيه أعمال الخلق فهو ينطق بما يعملون ، " وهم لا يظلمون " ; أي : لا ينقصون من ثواب أعمالهم . ثم عاد إلى الكفار فقال : " بل قلوبهم في غمرة من هذا " قال مقاتل : في غفلة عن الإيمان بالقرآن . وقال ابن جرير : في عمى عن هذا القرآن . قال الزجاج : يجوز أن يكون إشارة إلى ما وصف من أعمال البر في قوله : " أولئك يسارعون في الخيرات " ، فيكون المعنى : بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا ، ويجوز أن يكون إشارة إلى الكتاب ، فيكون المعنى : بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحق وأعمالهم محصاة فيه .

فخرج في المشار إليه بـ " هذا " ثلاثة أقوال :

أحدها : القرآن . والثاني : أعمال البر . والثالث : اللوح المحفوظ .

قوله تعالى : " ولهم أعمال من دون ذلك " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أعمال سيئة دون الشرك ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني : خطايا سيئة من دون ذلك الحق ، قاله مجاهد . وقال ابن جرير : من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية . [ ص: 482 ]

والثالث : أعمال غير الأعمال التي ذكروا بها سيعملونها ، قاله الزجاج .

والرابع : أعمال - من قبل الحين الذي قدر الله تعالى أنه يعذبهم عند مجيئه - من المعاصي ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " هم لها عاملون " إخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد لهم من عملها .

قوله تعالى : " حتى إذا أخذنا مترفيهم " ; أي : أغنياءهم ورؤساءهم ، والإشارة إلى قريش . وفي المراد " بالعذاب " قولان :

أحدهما : ضرب السيوف يوم بدر ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك .

والثاني : الجوع الذي عذبوا به سبع سنين ، قاله ابن السائب . و " يجأرون " بمعنى : يصيحون . " لا تجأروا اليوم " ; أي : لا تستغيثوا من العذاب ، " إنكم منا لا تنصرون " ; أي : لا تمنعون من عذابنا . " قد كانت آياتي تتلى عليكم " يعني : القرآن ، " فكنتم على أعقابكم تنكصون " ; أي : ترجعون وتتأخرون عن الإيمان بها ، " مستكبرين " منصوب على الحال . وقوله : " به " الكناية عن البيت الحرام ، وهي كناية عن غير مذكور ، والمعنى : إنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم ; لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم . تقولون : نحن أهل الحرم فلا نخاف أحدا ، ونحن أهل بيت الله وولاته ، هذا مذهب ابن عباس وغيره . قال الزجاج : ويجوز أن تكون الهاء في " به " للكتاب ، فيكون المعنى : تحدث لكم تلاوته عليكم استكبارا .

قوله تعالى : " سامرا " قال أبو عبيدة : معناه : تهجرون سمارا ، والسامر بمعنى السمار ، بمنزلة طفل في موضع أطفال ، وهو من سمر الليل . وقال [ ص: 483 ] ابن قتيبة : " سامرا " ; أي : متحدثين ليلا ، والسمر : حديث الليل . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو العالية ، وابن محيصن : ( سمرا ) بضم السين وتشديد الميم وفتحها ، جمع سامر . وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري : ( سمارا ) برفع السين وتشديد الميم وألف بعدها .

قوله تعالى : " تهجرون " قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( تهجرون ) بفتح التاء وضم الجيم . وفي معناها أربعة أقوال :

أحدها : تهجرون ذكر الله والحق ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : تهجرون كتاب الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن .

والثالث : تهجرون البيت ، قاله أبو صالح . وقال سعيد بن جبير : كانت قريش تسمر حول البيت ، وتفتخر به ولا تطوف به .

والرابع : تقولون هجرا من القول ، وهو اللغو والهذيان ، قاله ابن قتيبة . قال الفراء : يقال : قد هجر الرجل في منامه : إذا هذى ، والمعنى : إنكم تقولون في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه وما لا يضره .

وقرأ ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن محيصن ، ونافع : ( تهجرون ) بضم التاء وكسر الجيم . قال ابن قتيبة : وهذا من الهجر ، وهو السب والإفحاش من المنطق ، يريد : سبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه . وقرأ أبو العالية ، وعكرمة ، وعاصم الجحدري ، وأبو نهيك : ( تهجرون ) بتشديد الجيم ورفع التاء . قال ابن الأنباري : ومعناها معنى قراءة ابن عباس . [ ص: 484 ]



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 456.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 450.37 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]