شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 629 - عددالزوار : 424891 )           »          3 عصائر فريش تنفع في المدرسة.. بدل المعلبة والسكريات الزيادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 نصائح للأمهات المنفصلات لتخفيف ضغوط عودة المدارس.. احمي نفسك وأولادك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          5 ألوان طلاء تريند فى خريف 2025.. من الكلاسيكية لغير التقليدية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          طريقة عمل كفتة البطاطس.. وصفة سريعة بطعم بيتى شهى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          6 حيل ذكية لتشجيع ابنك على الدراسة والمذاكرة.. فهم السبب أساسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          7 عيوب للتعليم المنزلى.. مهم تعرفها قبل ما تاخد قرارك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          وصفات طبيعية من الليمون لنمو الشعر.. خطواتها سهلة وبسيطة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          إزاى تشجعى طفلك على المذاكرة فى أول يوم دراسة؟.. 5 خطوات هتساعدك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          طريقة عمل البان كيك.. وجبة صباحية سهلة تناسب القهوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-06-2020, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (16)

صـــــ99 إلى صــ104


قوله رحمه الله: [وتحوّله عن مَوْضِعِه ليسْتَنْجِي في غَيْرِه]: هذه حالة خاصة تحصل لبعض الناس حيث يبقى الخارج في عضوه، ويحتاج إلى الإنتقال، والحركة ليقوى العضو على إخراج الفضله،
وهذا القيام مبني على أحد أمرين:
الأمر الأول:
ما ذكره بعض أهل العلم من أن الإنسان إذا ضعف عن إخراج الفضله فإنه لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى:
أن تخرج منه بالسَّلت.
والحالة الثانية:
أن تخرج بالصوت، وهو النّحْنَحةُ.
الحالة الثالثة: أن تخرج بعد التّحول، والحركة كالإنتقال من موضع قضاء الحاجة.
فبعض الناس إذا بقي الباقي في عضوه لا يستطيع إخراجه إلا بالسَّلت فيشرع له السَّلت؛ " لأن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ " فشرع بأصل الشريعة.
النوع الثاني:
يكون الدافع عنده ضعيفاً فيحتاج إلى إحداث صوت، وذلك بالنحنحة، وكانوا يعرفونها من الأمور التي يُبلى به الإنسان عند قضائه لحاجته،
فيتنحنح حتى تقوى آلته على الدفع قالوا:
فيشرع له ذلك فيتنحنح.ومنهم من يخرج منه الخارج بعد حركته، فإذا إنتقل من موضع قضاء حاجته، ومشى الخطوة والخطوتين قويت الآلة على الدفع، فدفعت ما هو ثمَّ،
قالوا:
فمثل هذا بعد أن ينتهى من قضاء الحاجة يقوم إلى أقرب موضع يستنجي فيه حتى يقوى العضو على إخراج ما بقي.
الأمر الثاني: الذي من أجله ذكر العلماء القيام من الموضع إلى موضع ثانٍ ليستنجي فيه: إنه إذا قضى الحاجة على التراب كما هو الحال في القديم فإنه لا يأمن أثناء صب الماء على العضو أن يتطاير شيء من البول على البدن، أو الثوب، أو المكان،
ولذلك قالوا:
إنه يتحوّل عن موضع قضاء حاجته إلى موضع قريب حتى إذا صبّ الماء نزل على أرض طاهرة، فإذا تطاير شيء من ذلك الماء لم يدخله الوسواس هذا هو وجه الانتقال عندهم،
وهو أقوى الوجهين لكنه قد يحكم باختصاصه بحال الإستنجاء بالماء كما يفهم من قول المصنف رحمه الله بقوله:
[ليسْتَنجِي في غيره إنْ خَافَ تلوثاً] ويختص بحال خوفه من التلوث، والنجاسة.
قوله رحمه الله:
[ويُكْرهُ دُخولُه بشيءٍ فيه ذِكرُ اللهِ تعالى]: ويكره للمسلم أن يدخل الحمام،
وموضع قضاء الحاجة بشيء فيه ذكر الله مثل:
كتب التفسير، والحديث، وكتب العلم، والرسائل، وأما القرآن نفسه؛ فقد نصّوا على حرمة دخول مكان قضاء الحاجة به، واستثنوا من منع دخول مكان قضاء الحاجة بشيء فيه ذكر الله تعالى حالة الحاجة،
كما نصّ عليه المصنف رحمه الله بقوله:
[إِلا لحاجةٍ] ومن أمثلة ذلك: الدّراهم، والنقود إذا كان مكتوباً عليها إسم الله، وكان يخاف إن وضعها في الخارج أن تُسْرقَ، وكذلك إذا كانت معه كتب علم لم يجد مكاناً تصان فيه بحيث لو وضعها خارج موضع الحاجة تعرّضت لامتهان أكبر، أو يخاف أن تتلف، أو تُسرق فحينئذ لا بأس أن يدخلها معه، ثم إذا دخل نظر إلى موضع غير مكان قضاء حاجته يمكن وضعها فيه على وجه لا تُمْتهنُ فيه،
مثل:
أن يضعها على إبريق الماء، ويُبعده عنه، ويُنحّيه عن موضع قضاء حاجته، أو على مقبض الباب إن أمِنَ سقوطها، وقد دلّت الأصول الشرعية على أنه ينبغي للمسلم أن يعظِّم شعائرَ الله، (وهي كل ما أشعر الله بتعظيمه) كما في قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} ولا شك في أن القرآن، وكتب التفسير، والحديث، ونحوها كلّها من شعائر الله لما فيها من آيات القرآن، وأحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهما الوحي،
والأصل فيه أن يكرَّم كما قال سبحانه وتعالى منبهاً عباده على هذا الأصل الشرعي:
{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} فقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} خبر بمعنى الإنشاء ففيه تنبيه على ما ينبغي على المسلم من إكرام الوحي.
قوله رحمه الله:
[ورَفْعُ ثَوبِه قَبلَ دُنوهِ مِنَ الأَرْضِ]: مراده أنه ينبغي على المكلف إذا أراد أن يقضي حاجته أن يرفع ثوبه إذا دنى من الأرض،
وهذا مبني على الأصل الشرعي الموجب لمنع كشف العورة ووجوب حفظها كما في الحديث الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام:
[إِحْفَظْ عَورَتَكَ] وقد جاز له كشفها لقضاء الحاجة، فلا يكشفها إلا مقارباً لذلك، وذلك عند دنوه من الأرض، ولأن ذلك أبلغ في الاستتار، فإذا رفع ثوبه قبل الدّنو من الأرض كان ذلك مكروهاً له، لا محرماً.
قوله رحمه الله: [وكلامُه فِيهِ]: أي ولا يتكلم فيه،
والضمير في قوله:
[فيه] عائد إلى الموضع الذي يقضي فيه حاجته،
والنهي عن ذلك ورد فيه حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
[لا يذهبُ الرّجلانِ يَضْربانِ الغائطَ يُكلّم أحدُهمَا صَاحِبَه، فإن الله يَمقُتُ ذَلِكَ] ولو صحّ هذا الحديث لكان موجباً للتحريم، لأن مقْتَ الفعل دالّ على مَقْتَ الفاعل، والفعل الموجب للمقت محرم شرعاً.والكلام أثناء قضاء الحاجة إعتبره المصنف رحمه الله مكروهاً لا محرماً، وهو عند بعض أهل العلم رحمهم الله من خوارم المروءة، فمن فعله سقطت مرؤته، ورُدّتْ شَهادُته، ولا شك في أن الحياء مانع من فعل ذلك،
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيح:
[إِن مما أَدْركَ النّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبوةِ الأُولى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَع ما شِئْتَ]، وتستثنى الحالات التي توجد فيها ضرورة،
أو حاجة للكلام فمثال الضرورة: أن يخشى على إنسان الهلاك، ويكون في حال قضاء حاجته، فيصيح لإنقاذه، وإعلام الغير بحاله،
ومثال الحاجة:
أن يترك صبياً فيخشى ذهابه، وضياعه، فيكلمه حتى يكون ذلك سبباً في بقائه، وعدم ذهابه، ونحو ذلك مما تدعو الحاجة إليه.
وقوله رحمه الله: [وكلامه فيه] فيه فائدة حيث إن الحكم بكراهية الكلام متعلق بحال وجود الإنسان في موضع قضاء الحاجة بغضِّ النّظر عن كونه يقضي حاجته، أو لا، وعليه فبمجرد دخوله للموضع يمتنع من الكلام.
قوله رحمه الله: [وبَولُهُ في شَقٍ، ونحوه] أي ويكره أن يبول في شَقٍّ،
والشَّقُ:
واحد الشُّقوق، وهو الصَّدْع في الأرض، وقوله [ونحوه] أي نحو الشق من الفتحات مثل: الثُّقْبِ، وقد علّل بعض الشّراح ذلك بكونها مساكن للجنِّ، فإذا بال فيها آذاهم فيؤذونه، وذكروا في ذلك قصة موت سعد إبن عبادة رضي الله عنه وفي سندها كلام. ومن أهل العلم من علّل ذلك بأن الهوامَّ، والحشرات تكون غالباً في هذه المواضع، فإذا بال فيها خرجت عليه، فما كان منها مؤذياً كالحيّات، والثّعابين يؤذيه، وربما يتسبب في موته، وعلى الأقل ربما خرج عليه أثناء البول فيقطع بوله فيُزْرِمَه فيضره ذلك في جسده كما هو معروف عند الأطباء، ولو خرجت الحشرات الصغيرة تنجست بالبول، فربما سعت إلى قدميه، وجسده، أو ثوبه فتَلوَّثَ بالنجاسة، ومن هنا نبّه المصنف رحمه الله على عدم البول في هذه المواضع، والتَّنبيه على ذلك موافق لأصول الشريعة.
قوله رحمه الله:
[ومسُّ فَرْجِهِ بِيَمينِه] أي: ويكره أن يمسَّ الفرج باليمين، والصحيح: أن ذلك محرم لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لا يُمْسِكَنَّ أحدُكمْ ذَكَرَهُ بيمينِه وهُو يَبُولُ، ولا يَتَمسحُ من الخلاءِ بِيَمينِه]، والنهي يقتضي التحريم، ومثله حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهو صحيح.عبّر المصنف رحمه الله بالفرج ليدل على شموله للقبل، والدبر سواء كان من المرأة، أو الرجل، فلا يجوز لمسه بيمينه.والتعبير باللّمس يدلُّ على أنّ محل ذلك أن يباشر الفرج بيده دون وجود حائل،
ومفهومه:
أنه إذا وجد الحائل فلا بأس، وهو أحد الوجهين عند أهل العلم رحمهم الله.والنهي عن مسِّ الفرج باليمين، وتحريمه محلّه إذا لم توجد حاجة، أو ضرورة،
فإن وجدت فلا حرج مثل: أن يكون ذلك لتعذر اللّمس بالشمال كمن كانت يده اليسرى مشلولة، أو مقطوعة، أو بها علّة تمنع مباشرتها، والحكم بالمنع لا يختص بالإنسان نفسه بل يشمل غيره، فلا يجوز للمرأة أن تلمس ذكر صبيّها باليمين، وهكذا الطبيب، بل يقع اللّمس عند وجود الموجب للترخيص لهم به بغير اليد اليمنى منهم،
ويكون تعبير النصِّ في الأحاديث الناهية عن إمساك الإنسان لذكره في قوله:
[أحدُكُمْ ذَكَرَهُ] قد خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن يمسك الإنسان ذكر نفسه،
والقاعدة في الأصول:
[أن النصَّ إذا خَرَج مخرَجَ الغَالبِ لم يُعْتَبرْ مَفهُومُه].
قوله رحمه الله: [واسْتِنْجَاؤه، واسْتِجْمارُه بها]: أي ويكره إستنجاؤه، واستجماره بها أي بيده اليمنى، وقد قدمنا أن الصحيح أن هذا محرم لورود النهي الدّال على ذلك.والمراد باستنجائه باليمين أن يصبَّ الماء على فرجه قُبلاً كان، أو دبراً رجلاً كان، أو إمرأة ثمّ يلمسه بها أثناء الإستنجاء لطلب حصول النقاء.
والحكم فيه كما تقدم في لمس الفرج أنه لا يجوز عموماً سواء إستنجى لنفسه، أو إستنجى لغيره كغسل فرج الصبيِّ، والصَّبية، والعاجز، والمشلول، ونحوهم، فلا يجوز أن يكون ذلك باليمين.
وأما الإستجمار باليمين فهو أن يأخذ الأحجار، والمناديل التي يريد أن يستجمر بها بيده اليمنى، وينظف بها المكان، صحيح أن المباشرة للفرج كانت بالحجر، والمنديل لكن الشّرع نهاه أن يفعل ذلك بيمينه؛
كما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
[ولا يَسْتَطِبْ بِيَمينهِ]، وظاهر النهي التحريم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-06-2020, 04:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (17)

صـــــ105 إلى صــ111


وقد أورد بعض العلماء رحمهم الله إشكالاً في الاستطابة، خاصّة إذا كانت من البول من الرجل، فمن المعلوم أنه لا يجوز له أن يمسك ذكره بيمينه كما قدمنا، وهنا لا يجوز له أن يمسك الحجر، أو ما يستجمر به بيمينه، وهو لا بد له أن يمسك ذكره أثناء الإستجمار، فإن أمسكه باليمين خالف النهي الوارد عن إمساكه بها، وإن أمسكه بشماله فسيمسك الحجر بيمينه ويكون مستطيباً بها؛ فخالف النهي الوارد عن الاستطابة بها، فكيف يفعل؟وأجيب بأنه لا يمسك ذكره بيمينه لأن النهي صريح في ذلك، ويمسك الحجر باليمين، ويثبِّتها، ولا يحرِّكها، ويكون التحريك للعضو باليسار، وحينئذ لا يكون مستطيباً بيمينه، ويرتفع الإشكال، لأن الإستطابة باليمين تكون بتحريكه للحجر، والمنديل، فيمتنع من فعل التحريك، ويُبْقيها ثابتة، ويحرِّك يسراه لتحصل الإستطابة بها وحدها.

قوله رحمه الله:
[وإِسْتِقْبالُ النَّيرَيْنِ] أي ويكره له أن يستقبل النيّرين،
والنيّران هما:
الشمس، والقمر،
وصفا بذلك لوجود النور فيهما كما قال تعالى:
{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}، والحكم بكراهة استقبال النَّيرين ورد فيه حديث ضعيف،
وقيل:
لما فيهما من نور الله تعالى كما مشى عليه صاحب الروض وقيل: لأنهما من آيات الله، وقيل: لأنّ عليهما ملكين وكلها أقوال ضعيفة،
والصحيح:
أنه لا يكره إستقبالهما،
واستدبارهما لأنّ السُّنة ثبتت بجواز ذلك كما في الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
[لا تَسْتقبلوا القِبلةَ، ولا تَسْتدبِروها ببولٍ، ولا غَائطٍ ولكنْ شَرِّقُوا، أو غَربوا] ومن المعلوم أن هذا الحديث خاطب عليه الصلاة والسلام به أهل المدينة، والقبلة بالنسبة لهم جنوباً،
فقوله:
[شَرِّقوا، أو غَرِّبوا] إذن باستقبال المشرق، والمغرب، وهذا يستلزم لا محالة أن يستقبل النيّرين قطعاً خاصة عند الطلوع، والغروب، فدل على عدم صحة القول بتحريم إستقبال النيرين، وأن الصحيح جوازه، خاصة، وأنه لم يثبت في النهي عن ذلك، ولا فيما ذكروه من العلل دليل شرعى يعتمد عليه في ذلك.
قوله رحمه الله: [ويَحرُمُ إِسْتقبالُ القِبلةِ، واسْتِدبارُها في غير بُنيانٍ]: أي: ويحرم على المكلف أن يستقبل القبلة، أو يستدبرها في غير بنيان، وهذه المسألة إختلف فيها العلماء رحمهم الله على ستة أقوال،
وهي:
القول الأول: يحرم الاستقبال، والاستدبار مطلقاً، وهو مذهب الحنفية، واختاره الإمام ابن حزم، وشيخ الإسلام رحمة الله على الجميع.
القول الثاني:
يجوز الاستقبال، والاستدبار مطلقاً؛ وهو مذهب الظاهرية، وبعض السلف رحمهم الله.
القول الثالث:
يجوز الاستدبار، دون الاستقبال؛ وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة، وأحمد، وقول بعض السلف رحمهم الله.
القول الرابع: يجوز الاستدبار، دون الاستقبال في البنيان، دون الصحراء؛ وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
القول الخامس: يجوز الاستقبال، والاستدبار في البنيان، دون الصحراء؛ وهو مذهب الجمهور، وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة رحمهم الله.وهذه هي أقوال العلماء -رحمة الله عليهم- في هذه المسألة وقد بيّنتها، وذكرت أدلتها، ووجه دلالتها في شرح بلوغ المرام، والذي يترجح في نظري،
والعلم عند الله هو القول بالتحريم مطلقاً لما يلى:

أولاً:
لصحة دلالة السنة في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لا تَسْتَقبلُوا القِبْلةَ، ولا تَسْتَدبروها ببولٍ، ولا غائطٍ، ولكنْ شَرِّقوا، أو غَرِّبوا] متفق عليه، ومثله حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه فهذا نهي عام شامل للإستقبال، والإستدبار في الصحراء، والبنيان، والأصل في النهي أنه محمول على التحريم حتى يدلّ الدليل على صرفه إلى الكراهة.
ثانياً: أنه دليل حظر، وما إستدل به من خالفه فدليله للإباحة،
والقاعدة:
(أنه إذا تعارضَ الحاظِرُ، والمُبيحُ قَدّمنا الحاظرَ عَلى المُبِيح).ثالثاً: أنّ حديث إبن عمر رضي الله عنهما في رؤيته للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقْضِي حَاجَتَهُ على لَبِنَتيْنِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الكَعْبَةِ] لا يقوى على معارضة حديثنا من الوجوه التالية:
الوجه الأول:
أنّ حديثنا قول إشتمل على خطاب، وتشريع للأمة، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما فعل من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
والقاعدة:
(أنه إِذا تعَارضَ القَوْلُ، والفِعْلُ، قَدّمْنا القَوْلَ على الفِعْلِ) لأن الفعل يدخله إِحتمال الخصوصية بخلاف القول الذي خُوطِبتْ به الأمّة، فيكون دليل القول أرجح.
الوجه الثاني: أنه لو كان فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشريعاً للأمة لما وقع على هذا الوجه الخفي الذي لا يمكن أن تطلع عليه الأمّة في الأصل، لأن وسيلته محرمة، وهي قصد النظر إليه عليه الصلاة والسلام على هذه الحالة، ولذلك لم تقع من إِبن عمر رضي الله عنهما قصداً، فلا شك أن هذا يَبْعُد معه القول بأنه تشريع للأمة، وهو يقوي دعوى الخصوصية له عليه الصلاة، والسلام.
الوجه الثالث: أنه على القول بأن العلّة في النهي هي تعظيم القبله؛ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينخرم فيه هذا المعنى لمكان العصمة، بخلاف عموم الأمة، فقوّى هذا المعنى القول بحمل حديث إِبن عمر رضي الله عنهما على الخصوصية.
الوجه الرابع: أنّ حديث إِبن عمر رضي الله عنهما لم يعارض حديث أبي أيوب رضي الله عنه من جميع الوجوه لأنه إِشتمل على إِستدبار الكعبة، وحديث النّهي جمع كلا الأمرين الاستقبال، والاستدبار، فلا يقوى على العارضة فيهما، بل تقع المعارضة فيه من وجه واحد، وهو الاستدبار دون الاستقبال، وحينئذ يضعف متنه عن معارضة متن حديث أب أيوب رضي الله عنه عند من يحمله على المعارضة العامة، ويقول بجواز الأمرين في البنيان، دون الصحراء، وهم الجمهور رحمهم الله.
رابعاً: أنّ أحاديث الجواز الأخرى لم تخل أسانيدها من كلام كما بيّناه في شرح البلوغ، وحديث النهي، والتحريم أصحُّ ثبوتاً، وأقوى دلالة على الحظر، والتحريم فكان مُقدّماً على غيره، والله تعالى أعلم.
قوله رحمه الله: [ولبْثُهُ فَوقَ حَاجتِه] أي: ويحرم أن يلبث بمعنى: أن يقعد في مكان قضاء الحاجة أكثر مما يحتاجه، بل عليه أن يبادر بالخروج منه بمجرد إنتهائه من حاجته، وطهارته منها،
والأصل في ذلك:
أن السنة دلّت على أنها أماكن فيها الضرر كما يشهد لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: [إنّ هذه الحُشوش محتَضَرة] أي تحضرها الشياطين،
وفي دعائه عليه الصلاة والسلام عند دخوله بقوله:
[اللهم إني أعوذُ بِكَ من الخبثِ، والخبائِثِ] ما يشير إلى هذا المعنى، وعلّل في الروض التحريم بكشف العورة، أي أنه سيبقى مكشوف العورة فوق قدر الحاجة، وهي علة واردة، ولكن يشكل عليها أنها تقتضي تخصيص التحريم بحال كشف العورة، فلو سترها، وأطال المكث لخرج من المنع، وظاهر كلام المصنف رحمه الله لا يدل عليه لأنه غير مُقيَّدٍ بهذه الحالة، بل العبرة بالمكان نفسه، ولذلك جعل التحريم مرتباً على إطالة اللبث، والمقام في المكان لغير حاجة، وظاهره أن العبرة بالمكان كما شهدت به دلالة السنة المتقدمة.
قوله رحمه الله:
[وبَولُه في طريقٍ، وظلٍّ نَافِع]: أي ويحرم عليه أن يبول في طريق؛ وسُمِّي الطريق طريقاً من الطَّرق؛ لأن الناس يطرقونه بنعالهم، وقيل: لأنه يُسمع فيه طرق النعال.
والطريق فيه موضعان:الموضع الأول: الطريق المعين المحدد، وهذا لا إشكال في حرمة قضاء الحاجة فيه سواء كانت بولاً، أو غائطاً، ومن فعل ذلك فإن الناس تلعنه،
وقد ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه نبّه أمته على ذلك بقوله:
[إِتّقُوا اللّعانينِ، قالوا: وما اللّعانَانِ يا رَسولَ الله؟ قال: الّذي يبُولُ في طريقِ النّاسِ، وظِلهمْ] فبيّن عليه الصلاة والسلام حرمة ذلك، وأنه موجب للعن الناس، وأمر أمته أن تجتنبه لما فيه من أذية المسلمين، ولا يجوز للمسلم أن يؤذي إخوانه، أو يتسبب في أذيتهم،
وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح:
[الُمسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الُمسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ، ولِسَانِهِ].
الموضع الثاني:
الجوانب المُهَيّأة لقضاء الحاجة كما في طرق السفر الآن، وقد تكون محجوزة لا يستطيع الإنسان أن يذهب في مكان غير أطراف الطريق فإذا إحتاج أن يبول فلا حرج عليه أن يقضي حاجته في تلك الأطراف، لبعد تلك الجوانب، وعدم حصول الضرر على المسافرين غالباً، ولكن عليه أن يبتعد عما يغلب على الظن نزول المسافرين فيه، للجلوس، أو الصلاة.
وأما الظِّلُ:
فهو الساتر من الشمس، والنّاس تحتاجه غالباً وترتفق بالنزول، والجلوس فيه، فإذا قضى حاجته فيه حَرَمَهم منه، أو آذاهم أثناء جلوسِهم فتَنجّسوا، أو تأذَوا بالرَّائحةِ، فحَرُم عليه أن يقضي فيه حاجته لذلك، ويفهم من قوله [نافعٍ] أنه إذا لم يكن كذلك جاز له قضاء الحاجة فيه، واعتبر بعض الفقهاء رحمهم الله العلّة، وهي حاجة الناس للإنتفاع بالمكان، وبنوا على ذلك تحريم البول في المكان المشمس الذي يجلس الناس فيه في الشتاء كما نبه عليه في الشرح.وأما الدليل على تحريم البول في الطريق فالأصل فيه ما تقدم ذكره في الطريق،
وهو ما ثبت في الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
[إِتّقُوا اللّعانينِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ وما اللّعانان؟ قال: الذي يَبولُ في طريقِ الناسِ، وظِلِّهمْ]، فدلّ على حرمة البول في هذين الموضعين، وفي حكمه التغوط، لأن المعنى فيهما واحد.
قوله رحمه الله: [وتَحتَ شَجَرةٍ عَليها ثَمرةٌ]: أي ويحرم عليه أن يبول تحت شجرة مثمرة، لأن الشجرة تغتذي بالنجاسة.ومذهب بعض العلماء أن الشجر إذا اغتذت بالنجاسة لا يجوز أكل ثمرتها؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرم الجلاّلة وهي التي تأكل العذرة، والنجاسة، فدلّ هذا على أن الشجر إذا اغتذى بالنجاسة لا يجوز أكل ثمره وهذا أصح قولي العلماء؛ أو تكون علة التحريم أن الشجر يستظل الناس بظلّه؛ فإذا قضى الحاجة تحته فإنه يمنعهم من المقيل، والنزول تحته، والإرتفاق به.
قال رحمه الله:
[ويُشْتَرطُ للاستِجمَارِ بأحجارٍ، ونَحوِها أَنْ يكونَ طاهِراً منْقِياً] في هذه العبارة بيّن المصنف الأمور التي ينبغي توفرها في الشيء الذي يستجمر به،
وقد ذكر في عبارته هنا وصفين لا بد من تحققهما:
الأول: أن يكون طاهراً.
والثاني: أن يكون منقياً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-06-2020, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (18)

صـــــ112 إلى صــ121



أما طهارة الشيء الذي يستجمر به فكأن يأخذ حجراً طاهراً، ويُنْقِي به الموضعَ، أو يأخذ ورقاً، أو قماشاً ما لم يكن فيه كتابة، أو شيءٌ محترم فيأخذ هذا الطاهر، ويُنْقِي به الموضع لأن الشّرع شرع الطهارة بالماء، والحجارة لإنقاء الموضع فإذا كان الشيء الذي يتطهر به نجساً لم يحقق مقصود الشرع لأنه يزيد الموضع نجاسة، ولا ينقيه.
والدليل على اشتراط هذا الوصف: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما جِيءَ له بالحجرين، والرَّوثة ليستنجي بها رمى الروثةَ،
وقال:
[إنها رِكْسٌ] وهي لغة اليمن أنهم يبدلون الجيم كافاً، والأصل [رِجْس] والرِّجْسُ: النَّجِسْ، فامتنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الإنقاء بالروثة بناء على أنها ركس، فدلّ على أنّ الشيء الذي يتطهر به لا بد من أن يكون طاهراً.
وأما شرط الإنقاء: فالمراد به أن يحصل النّقاء للموضع عند مسحه بذلك المستجمر به من الحجارة، والمناديل، ونحوها،
فأما إذا كان لا يُنْقِي مثل:
الزجاج، والحجر الأملس، والرُّخام الأملس، والفحم، ونحوها فلا يجزئ، لأنه لا يحقق مقصود الشرع من تنظيف المكان، وتنقيته، فلا تحصل به الطهارة،
ودليل ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام:
[أنه نهى عَنِ الإسْتِنْجَاءِ بالرَّجِيع، والعَظْمِ] والنهي عن الإستنجاء بالعظم مبني على كونه زاداً لإخواننا من الجن، ولأنه أملس لا يحصل به النقاء.
فتلخص مما سبق أنه لا بد من تحقق هذين الوصفين:

الأول:
أن يكون الشيء الذي يستجمر به طاهراً.
والثاني:
أن يحصل به النقاء للموضع من النجاسة.
قوله رحمه الله: [غيرَ عَظْمٍ، ورَوْثٍ]: لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الاستجمار بهما كما في أحاديث السنن، ومنها حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وغيره،
أما العظم فقال فيه عليه الصلاة والسلام:
[إِنه زادُ إِخوانِكُمْ مِنَ الجِنِّ] ولذلك لما إِجتمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجِنِّ سألوه الزاد؟ فقال: [لَكمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكر اسم اللهِ عَليْه تَجدونهَ أَوفَرَ مَا يكونُ لَحْماً] ولذلك نهي عن الاستجمار به، وهي إحدى العلتين فيه.
وقال بعض أهل العلم:
إن العظام مع كونها زاداً لإخواننا من الجن لا تُنْقِي الموضعَ ففرّعوا على هذه العلِّة حكما، وهو عدم الاستجمار بشيء أملس لا يُنْقي الموضع، وهي العلة الثانية في تحريم الإستنجاء به.
قوله رحمه الله:
[وطعامٍ]: أي وغير طعام فإن الطعام لا يجوز الاستجمار به لما فيه من الامتهان، والإفساد للنعمة، وكلاهما محرم، ولذلك نصّوا على أنه لا يجوز الاستجمار بالطعام، وهذا بإجماع أهل العلم رحمهم الله.
وقال بعض العلماء: إنه إذا قصد باستنجائه بالطعام إمتهان النعمة يكفر -والعياذ بالله- كما لو وطئها بقدمه قاصداً الامتهان، والكفر بالنعمة -نسأل الله السلامة والعافية-.
قوله رحمه الله:
[ومُحْتَرَمٍ]: المحترم: هو الشيء الذي له حرمة، ومعنى العبارة أنه لا يجوز الاستجمار بالمحترمات، ومنها كتب العلم،
لأنها من شعائر الله التي أشعر الله سبحانه بتعظيمها كما في قوله تعالى:
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1)، قال بعض العلماء: الشعائر جمع شعيرة،
وهي كل ما أشعر الله أي:
أعلم العباد بحرمته، وتعظيمه فلذلك لا ينبغي أن يستجمر بشيء محترم شرعاً لأنه مخالف لمقصود الشرع.
قوله رحمه الله: [ومتَّصِلٍ بِحيوانٍ]: كأن يستجمر بذيل الناقة، أو البقرة، أو يستجمر بظهرهما، كل ذلك لا ينبغي له لأنه في حكم الاستجمار بالطعام، ولما فيه من تنجيس الموضع المتصل بذلك الحيوان.
ومما ينبغي على طالب العلم أن يلاحظه أن هذه المستثنيات على ضربين:
الضرب الأول: ورد النصّ به كالعظم، والرَّوثِ.
والضرب الثاني: منه ما عُرف من أصول الشرع المنع منه كما في المحترم، ونحوه،
ومنه:
ما يفوِّت مقصود الشرع، وهو الذي لا يُنْقِي، وبناءً على ذلك نفهم أن أحكام مسائل الفقه تؤخذ تارة من نصِّ الشَّرع عليها، وتارة تُفْهم من أصوله العامة، فالعلماء -رحمهم الله- يذكرون ما نصَّ الشَّرع عليه؛ لأنه هو الأصل، ثم يُتبعونَه بما دلّت الشريعة عليه بالعمومات،
أو بالأصول العامّة كأن تقول:
مقصد الشريعة إحترام كتب العلم،
وإجلالها لقوله تعالى:
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} وفي الاستنجاء بها مخالفة لمقصود الشرع فيحرم، وقد قرر الإمام الشاطبي -رحمه الله- هذه القاعدة في مباحث المقاصد من كتابه الموافقات الذي ينبغي على طلاب العلم أن يقرؤوه، وأن يلمّوا به، وهو في الجزء الثاني من الموافقات، وهو من أنفس ما كتب في المقاصد،
(1) الحج، آية: 32.
******************
ومسائلها،
ويقال:
أنه أول من كتب في باب المقاصد،
وأفردها ببحوثها قرّر ذلك بقوله رحمه الله:
[قَصْدُ الشّارع من المكلّفِ أن يكون قصدُه موافقاً له لا مخالفاً] فإذا فهمنا أن مقصود الشريعة إحترام كتب العلم، وإجلالها، وسئلت عن شيء يتضمن إحتقارها، أو الاستخفاف بها، أو إنتقاصها تفهم أنه ليس ثَمّ شرع الله أي أن هذا الفعل المسؤول عنه مخالف لما أمر الشّرع به، فيُمنع منه بأصول الشّرع العامة لا بالنصّ عليه عيناً، وهذا الذي يسمونه الأخذ من أصول الشريعة العامة، وبناءً على ذلك لما كان مقصود الشرع إجلال ما أمر بإجلاله من كتب العلم، والمحترمات فرَّع العلماء -رحمهم الله- عليه هذه المسألة.
قوله رحمه الله: [ولو بِحَجرٍ ذي شُعَبٍ]: [لو]: فيها إشارة للخلاف في الفقه المذهبي.
ومنهم من يقول:
إنها مطلقاً إذا جاءت في كتب الفقه،
أو متونه مثل أن يقول المصنف:
[يجوز ذلك ولو على ظهر السفينة] تفهم أن المسألة على ظهر السفينة فيها خلاف، وتفهم أن ما بعد (لو) على الراجح عند المصنف، وأن هناك قولاً مخالفاً لهذا القول.
وقال بعض العلماء:
لا تشير إلى الخلاف إلا إذا التزم المصنف بها في مقدمته كما فعل خليل صاحب المختصر في الفقه المالكي، ونبّه على إعتباره لهذا المصطلح في مقدمته.
قوله رحمه الله:
[ولو بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ]: الحجر ذو الشعب هو: الذي يكون له ثلاث، أو أربع شُعَب على حسب كبره المهم أنه لو أخذ الحجر الذي له ثلاث شعب، واستجمر بشعبةٍ منه، ثم قلبه إلى الشعبة الثانية، واستجمر بها ثانية، ثم قلبه إلى الشُّعبة الثالثة، واستجمر بها، فإنه يجزيه عن الثلاثة الأحجار، وهذا محلّه في الحجر الكبير، دون الصغير كما هو معلوم.
قوله رحمه الله:
[ويُسنُّ قَطْعُه على وِتْرٍ]: ويسن قطعه: أي قطع الخارج على الوتر لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين،
فقال عليه الصلاة والسلام:
[ومَنْ إِسْتَجْمَرَ فَليُوتِر] وللعلماء في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [ومَنْ إسْتَجْمر فليُوتِرْ] قولان:
القول الأول:
" مَنْ اسْتَجْمَرَ " أي: قطع الخارج من بول، أو غائط فليوتر، وسنبين معنى ذلك.
القول الأول:
" مَنْ اسْتَجْمَرَ " أي: من تطيّب بالبخور، ونحوه فليوتر؛ لأن البخور يوصف بذلك، ولذلك قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح في أهل الجنة -جعلنا الله وإياكم منهم-: [مَجامِرُهم الألُوّةُ] فالاستجمار يقولون: المراد به التطيب، وهذا قول إمام دار الهجرة الإمام مالك -رحمة الله عليه- وقال به بعض أئمة اللغة،
ولذلك قالوا:
يُسنّ في تطييب الناس بالبخور أن يُطَيبوا مرة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو بأيِّ عددٍ آخر وتري، فإذا تطيب الإنسان بالطِّيب يقطع على الوتر، لأن له أصلاً عاماً في تفضيل الوتر؛ فيدخل فيه الطيب لإحتمال السنة له في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا.
فأما على القول الأول:
وهو تفسيره بقطع الخارج فبيانه أن من إستجمر بعد بوله إِن إنقطع الخارج وتطهّر الموضع بالثلاثة الأحجار، وهي الأصل فلا إشكال، وأما إذا لم ينقطع بذلك فتجب عليه الزيادة حتى يطهر الموضع، وحينئذ إما أن يحصل ذلك بعدد وترى كالخمس، والسبع فلا إشكال.وإما أن يحصل بعدد شفعيٍ كالأربع، والسِّت، والثمان فيزيد واحدة ليحصل الإيتار، وبها تكون السنة، وهكذا الحال في قطع الغائط.
قوله رحمه الله:
[ويَجِبُ الإستنجاءُ لكُلِّ خارجٍ إلا الريحَ] قصد المصنف رحمه الله أن يبين بهذه العبارة حكم الطهارة من الخارج بالاستنجاء، والإستجمار، وهو وجوبها، وقد دلّ على ذلك دليل السنة الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ثبت عنه من الأحاديث الكثيرة المشتملة على محافظته على الإستنجاء، والاستجمار،
ومن أشهرها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
[أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يأتي الخلاءَ قال: فأحمِلُ أنا، وغُلام معي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء]،
وكذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند البخاري في صحيحه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له لما أراد الخلاء:
[إئتني بِثَلاثةِ أحْجار]، وأمر بها عليه الصلاة والسلام،
ثم علّل ذلك الأمر بقوله:
[فإنها تُجزِيهِ] وهذا التعليل دال على الوجوب كما قرره الإمام ابن قدامة رحمه الله، لأن التعبير بهذه الصيغة مشعر باللزوم، والوجوب.
وقوله رحمه الله:
[ويَجبُ الإِسْتِنْجاءُ] ليس المراد به أن الإستنجاء بالماء متعيّن بل يجوز أن يعدل إلى الإستجمار بالطاهر من الحجر، والمنديل، ولا يجب الماء عيناً، سواء وجد الماء، أو لم يجده، وسواء كان مقيماً، أو مسافراً فهو مخيّر بينهما ولا يتعين عليه واحد منهما إلا إذا تعدى الخارج الموضع كما في الدبر فيجب الإستنجاء بالماء لتطهيره.وهل الأفضل الماء، أو الحجارة؟
والجواب: أن الماء أفضل لأنه أبلغ، وخاصة في النساء كما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تأمر به في حَقِّهنَّ،
والأحوال في الأفضلية على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الجمع بين الحجارة،
والماء وهي أفضلها كما نصّ عليه طائفة من أهل العلم رحمهم الله وفيها:
حديث أهل قباء، وهو متكلم في سنده، وتكلمنا عليه في شرح البلوغ، وبيّنا أن ضعف إسناده لا يمنع صحة متنه، لأن مقصود الشّرع حصول الطهارة على أتمِّ الوجوه، وأكملها، فهو موافق للأصول العامة، ولا يعتبر من البدع، والمحدثات حيث لا يعرف عن أحد من أئمة العلم رحمهم الله من المتقدمين أنه بدّع ذلك مع شُهرة حديثه، وكلام العلماء عليه بل نصّ بعضهم كما قدمنا على إستحبابه، وأنه أفضل لأن الكل ورد الإستنجاء، والإستجمار، وإنما لم ينصوا على تبديع فاعله؛ لأنه ليس من جملة التعبديات بإجماع العلماء رحمهم الله لأن الإستنجاء، والإستجمار من جملة الوسائل؛ كما هو مقرر عند العلماء، والنية لا تشترط فيها بلا خلاف كما قرره أئمة الفقه، والأصول رحمهم الله.
المرتبة الثانية: أن يستنجي بالماء لأنه أبلغ طهارة، ونظافة حيث لا يبقى معه شيء.
المرتبة الثالثة: الإستجمار بالطّاهر المُنْقِي.
وقوله رحمه الله: [مِنْ كُلِّ خَارج] فيه عموم لأن " كل " من ألفاظ العموم فيشمل كل خارج؛ سواء كان من القبل، أو من الدبر، وسواء كان من المائعات كالبول، والمذي، والودي، والدم، أو كان من الجامدات كالغائط، فإذا خرج الخارج أوجب الإستنجاء، أو الإستجمار.
قوله رحمه الله: [إِلا الرِّيحَ] إستثناء من العام المتقدم،
ومعناه:
فلا يجب الإستنجاء منها، وهذا بإجماع أهل العلم رحمهم الله، وحُكي خلاف شاذٌ أنه يستنجي منها.
ومن أهل العلم رحمهم الله من نبّه على مسألة مهمة، وهي خروج الريح برذاذ الغائط كما يقع ذلك في أحوال خاصة كما في حال الإسهال الشديد، ويشترط للزومه وجود دلالة على رذاذ الغائط، وإلا لزم البقاء على الأصل.
وعلى هذا القول فإن الإستنجاء لم يكن للريح وإنما هو من أجل خروج شيء من الغائط معه كما لا يخفى.
قوله رحمه الله:
[ولا يَصِحُّ قَبْلَه وضوء، ولا تَيَمّمٌ] مراده رحمه الله أنه يشترط لصحة الوضوء إذا خرج الخارج الموجب للإستنجاء أن يستنجي قبل وضوئه، فلو أنه توضأ بعد خروج الخارج، ثم إستنجى دون أن يلمس مثل: أن يصب الماء على الفرج، ويُمْسِكَه بحائلٍ، ونحوه مما لا يحصل معه نقض، أو يتوضأ، ثم يدخل البركة ليحصل غسل الفرج، ونحو ذلك، فإنه لا يصح وضوؤه بل عليه أن يعيده بعد استنجائه.وهذا هو أحد قولي العلماء رحمهم الله في المسألة،
والثاني:
أنه يصح الوضوء قبل الإستنجاء، واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عمر رضي
الله عنه لما سأله: أينام أحدنا، وهو جنب؟
فقال عليه الصلاة والسلام:
[تَوضّأ، واغسلْ ذكرك، ثم نَمْ]
قالوا: فجعل له الوضوء قبل الإستنجاء، فدل على جواز الأمرين،
وما ذكره المصنف رحمه الله يترجح بما يلي:

أولاً:
أنه الأصل الذي دلّ عليه دليل الكتاب في آية الوضوء من سورة المائدة،
وذلك من وجهين:
الوجه الأول: في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}،
ووجه الدلالة:
أن الله تعالى أمر بالوضوء عند إرادة القيام إلى الصلاة، وهذا يدل على أنه لا يُفصَل بينهما بفاصل الإستنجاء، وأنه هو الأصل.
الوجه الثاني: في قوله سبحانه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فجعل الطهارة بالأصل، والبدل بعد المجيء من الغائط، وهو كناية عن حصول طهارة الخبث.
ثانياً:
أن المحفوظ من هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنته أنه كان يستنجي، ثم يتوضّأ،وما حفظ عنه في حديث صحيح أنه قدم الوضوء على الإستنجاء.
ثالثاً: أن الدليل الذي إستدلوا به مجاب عنه: بأن الواو لمطلق الجمع فقوله: [تَوضّأ، واغْسِلْ ذَكَرَكَ] الاستدلال به على الوجه الذي ذكروه مبني على أن الواو تفيد العطف مع الترتيب، وهو مذهب ضعيف.
والصحيح عند طائفة من أئمة اللغة أن الواو تفيد مطلق الجمع بغَضِّ النظر عن كون هذا قبل هذا كأن تقول جاء محمدٌ، وعمرُ فهو لا يستلزم أن يكون محمد جاء قبل عمر؛ بل المراد حصول المجيء منهما،
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: [توضأ، واغْسِلْ ذَكَرَكَ] مراده حصول الأمرين، لا أن يوقع الوضوء قبل غسله لذكره، وقد تفيد الواو الترتيب إن دلّ الدليل على إرادته، وقصده كما في آية الوضوء؛ حيث ذكر فيها سبحانه الممسوح بين مغسولين؛ فدلّ على الترتيب، وأنه مقصود بين أعضاء الوضوء، وبناءً على ذلك يترجح القول بوجوب تقديم الإستنجاء على الوضوء، وأنه لا يصح الوضوء قبله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-06-2020, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (19)



صـــــ123 إلى صــ132


[باب السواك وسنن الوضوء]

السِّواك: يطلق، ويراد به: الآلة التي يُتَسَوَّكُ بها، ويطلق، ويراد به: فعل السِّواك؛ فمن إطلاق السواك مراداً به الآلة التي يستاك بها: حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه دخلَ على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في مرضه الذي تُوفي فيه، والسِّواك على طرفِ لسانِه، وهو يقول: أُعْ أُعْ كأنَّه يَتهوَّعُ -صلوات الله، وسلامه عليه-، فقوله:[والسواك]: يعني آلة السواك.
وأما إطلاق السواك مراداً به الفعل: فمنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:[لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أمتي لأَمرتُهمْ بِالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ] أي: بفعل السواك.
وباب السواك: المراد به بيان الأحكام، والسُّنن الواردة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السَواك، فقد شرع الله -عز وجل- السواك بهدي نبيه -صلوات الله وسلامه عليه- القولي، والفعلي، فكان عليه الصلاة، والسلام يستاك، ويأمر أصحابه بالسِّواك حتى ثبت في الصحيح أنه قال: [أَكْثرتُ عَليكُمْ في السِّواكِ]، وباب السواك يذكره العلماء قبل باب الوضوء، وقبل صفة الوضوء؛ والسبب في ذلك قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [لأَمرتهُمْ بالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ] وفي رواية: [مَع كُلِّ وُضُوءٍ]، وفي أخرى: [وعِنْدَ كلِّ وُضُوءٍ]، فقالوا: إن هذا محلُّه، ولذلك يذكرونه في باب الطهارة؛ ولأنّ السِّواك قسم من أقسام الطهارة في الوصف ففيه إنقاء موضع مخصوص؛ على صفة مخصوصة.
وقوله: [وسُنَنِ الوُضُوءِ]: أي في هذا الموضع سأبين لك جملة من الأحكام، والمسائل الشّرعية التي تتعلق بهدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السواك، وسننه في الوضوء.
والسُّنة في اللغة:
الطريقة، وأما في اصطلاح علماء الأصول: فهي: (ما يُثابُ فاعلُه، ولا يعاقبُ تاركُه)، وتشمل بمعناها العام كل ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هديه القولي، والفعلي، والتقريري.
قوله رحمه الله: [التَّسوكُ بعُودٍ لَيِّنٍ]: التّسوك تَفَعُّل من السِّواك أي: فعل السواك بعود ليِّنٍ هذا هو أحد الوجهين عند العلماء -رحمة الله عليهم- أن السواك المحمود شرعاً يكون بالعود، لا بغيره.
وذهب طائفة من العلماء إلى أن السواك يحصل بالعود، وبكل ما يُنْقِي الموضعَ كأن يستاك بخرقةٍ، أو بمنديل قالوا: لأن مقصود الشرع هو إنقاء الموضع، ولهم دليل يدل على قولهم في قوله عليه الصلاة والسلام: [السِّواك مَطْهرة لِلْفَمِ مَرْضَاة لِلْرَبِّ] وجه الدلالة من هذا الحديث: أن قوله: [السِّواكُ مطهرةٌ للفَمِ] أي: أن السواك من شأنه أن يطهِّر، فدلّ على أن كل ما يُطهِّر يصدق عليه أنه سواك شرعي، وتوسّط بعض العلماء فقالوا: إنه يثاب على قدر ما يصيب من السُّنة في النَّقاء، ولا يأخذ فضل السُّنة كاملاً إذا استاك بخرقة، أو بمنديل لكن يكون له فضل كما لو فقد العود، وأراد أن يستاك بمنديل قالوا: يثاب على قدر ما أزال من قذر، ولا يحُصِّل السُّنة كاملة وهو إختيار الإمام إبن قدامة رحمه الله.
قوله رحمه الله: [ليّنٍ منْقٍ غيرِ مضرٍ]: قوله: [ليّن]: خرج اليابس قالوا: لأن اليابس يتفتت في الفم، فتكثر أوصاله، وهي مضرّة، ولربما أدمت اللُّثة، وجَرَحتْها، فقالوا يكون ليناً، مُنْقِياً، ولهذا أصل في حديث أم المؤمنين عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمّا كان في مرض الوفاة كما في الصحيحين دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه وعن أبيه- وفي يده سِواكٌ فأبَّده النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَصرَه فقالت له عائشة: أتحبُّه؟ فأشار برأسه أَنْ نَعَمْ، قالت: فأَخذْتهُ، فقضمتهُ، وطيبتهُ، ثم أعطيتهُ للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذه سنة على أن السواك لا يكون إلا مهيأً ليّناً، وأنه لا يستاك بالأعواد اليابسة مباشرة.
قوله رحمه الله: [مُنْقٍ غَيرَ مُضِرٍ]: منقٍ: أي منظِّف للموضع، وقوله: [غيرَ مُضرٍ] لأن الشرع لا يأمر بالضّرر، بل إن السِّواك شُرِعَ دفعاً لضرر النَّتنِ، والقَلحِ الموجود في الأسنان، وتنظيفاً لها.
قوله رحمه الله: [لا يَتَفتتُ] أي: أن السواك يكون بعودٍ لا تَتَفتّتُ أجزاؤه في الفم، لأن هذا يؤذي المستاك بخروج فتاته، وقد يُدمي اللثة كما قدمنا.
وقد ذكر المصنف رحمه الله هذه الصفات في السواك وهي:
أن يكون بعود ليِّن، منقٍ، غير مُضر، وهذه الصفات يتحقق بها مقصود الشرع، وبها يطيب إستخدام المسواك، ويشهد لذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما قدمنا، لأن حرصها على تطييبه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع إطلاعه وإقراره دالّ على أنه ينبغي الحرص على هذه الصفات التي يتحقق بها المقصود الشرعي من فعل السواك، وكما جاء أصل ذلك بالشرع فإن الطّبع يؤكده حيث إن الأطباء يستحبون ليّن السواك لاشتماله على المادة المساعدة على تنظيف الفمّ، إضافة إلى ما فيها من الفوائد التي تنتفع بها اللثة، وتقوى، وتتنظف بها الأسنان.
قوله رحمه الله:
[لا بِأُصبعٍ، أو خِرقةٍ] مراده رحمه الله أن السّواك الشرعي لا يكون بالأصبع، والخِرقة وهذا صحيح، أن السواك الذي وردت به السنة في الأصل بالعود كما قدمنا.وليس مراد المصنف رحمه الله تحريم تنظيف الفم بالأصبع، والخرقة خاصة عند عدم وجود عود السواك، بل ذلك جائز، فلا حرج على المسلم أن يدعك أسنانه بأصبعه، أو بخرقة خاصة عند عدم وجود المسواك، لأنه محتاج لإزالة الأذى، فإذا لم يتيسر العود جاز أن يزيله بأيِّ وسيلةٍ لأن السنة إشتملت على آلة، ومعنى، فالمعنى المقصود هو إزالة القذر، فإذا لم تتيسر الآلة شُرع تحقيق المقصود شرعاً، وهو المعنى، لكنه في حال الإختيار لا يكون سُنَّةً من كل وجه كما قدمنا، فمراد المصنف رحمه الله أنّ السِّواك الشرعي لا يكون بالأصبع، والخرقة، وهذا لا يمنع الجواز، فليس مراده تحريم تنظيف الأسنان بغير السواك الشرعي، كما هو موجود في زماننا من التنظيف بالمعجون، ونحوه.
قوله رحمه الله: [مسنونٌ كُلَّ وقتٍ]: دلت هذه العبارة على مسائل:
المسألة الأولى: أن السواك مسنون، وإذا كان مسنوناً فمعناه أنه مشروع، وهذه المسألة محلّ إجماع بين العلماء رحمهم الله.
المسألة الثانية: التعبير بكونه سنّة المقصود به بيان عدم وجوبه، وهذا هو مذهب الجمهور، ومنهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، رحمة الله على الجميع، وخالفهم الظاهرية رحمهم الله فقالوا بوجوبه، وقيل بعض الظاهرية، وليس كلُّهم.
وقد بيّنا هذه المسألة في شرح البلوغ، وعمدة الأحكام، وأن الذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول بعدم الوجوب، وذلك لما يلى:أولاً: ظاهر السنة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لَوْلا أَنْ أَشُقَّ على أمتي لأَمرتهمْ بِالسِّواك عِنْد كُلِّ صلاةٍ] فبيّن عليه الصلاة والسلام أنه لو أوجب السِّواك على أمته لأوقعهم في المشقة، وهي منتفية شرعاً، فانتفى الوجوب.
ثانياً: أن دليل الوجوب، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [إِسْتاكُوا عَرْضاً] ضعيف حيث لم يثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يقوى على إثبات الحكم بالوجوب، فبقينا على الأصل، وهو براءة الذمة من لزوم السواك.
المسألة الثالثة: أن هذه السنية في كل وقت من ليل، أو نهار في أي جزء من أجزائهما، سواء كان ذلك في حال صيام، أو غيره، وهذا هو مذهب الحنفية، والمالكية، وبعض الشافعية، والحنابلة، واستدلوا على ذلك بعموم الأدلة التي أمرت بالسواك، واستحبته دون فرق بين وقت، وآخر، والأصل في العامِّ أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، فلو كان للسواك أوقات، دون أوقات لاستثنى عليه الصلاة والسلام وخصّص من العموم كما قال في الاستنشاق: [وبالغ في الإستنْشاقِ إلا أَنْ تكونَ صَائماً] فأحاديث السواك الصحيحة العامة لم يرد فيها شيء من الإستثناء كقوله: [عليكمْ بالسِّواك]
وقوله:
[لأمرتهم بالسِّواكِ عنْدَ كُلِّ صلاةٍ]، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [السِّواكُ مَطْهرةٌ للفَمِ مَرْضَاةٌ لِلربِّ].
وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى إستثناء ما بعد زوال الشمس لمن كان صائماً فقالوا:
لا يستاك إلى غروب الشمس، وهو ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله:
[لغيرِ صَائمٍ بَعْدَ الزَّوالِ]: مراده أن استحباب السواك في جميع الأوقات إلا في وقت واحد؛ فلا يستحب، وهو من بعد زوال الشمس لمن كان صائماً إلى الغروب، وقوله رحمه الله [صائم] عام يشمل الصائم فرضاً، ونفلاً، وهذا هو القول الثاني لأهل العلم -رحمة الله عليهم- في هذه المسألة، وهو مذهب الحنابلة، والشافعية، واحتجوا لذلك بأدلة:أولها: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصحيح: [لخُلُوفُ فَمِ الصائمِ أَطْيبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيح المِسْكِ] ووجه الدلالة: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتدح الخلوف، وأخبر أنه أطيب عند الله من ريح المسك، والسواك بعد الزوال يُذْهِبُ الخلوفَ؛ فلا يُشرع فعلُه.
ثانياً: حديث خبّابِ بنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[إذا صُمْتُمْ فَاسْتاكُوا بِالغَداة، ولا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ]، ووجه الدلالة: أنه نهى عن السِّواك في العشِيِّ، والعشيُّ يبدأ بزوال الشمس؛ فدلّ على أنه لا يُستاك بعد الزوال.
ثالثاً: القياس حيث قاسوا خلوفَ فمِ الصائمِ على دمِ الشّهيد فقالوا: الخلوف أثر عبادة الصيام؛ فلا تُشرع إزالته بالسواك بعد الزوال؛ كما لا تُشرع إزالة أثر الشهادة بغسل دم الشهيد؛ بجامع كون كلٍ منهما أثر عبادة محمودٍ شرعاً.
والذي يترجح فى نظري والعلم عند الله هو القول بمشروعية السواك على العموم، ولا إستثناء لما بعد الزوال للصائم، وذلك لما يلى:
أولاً: لصحة دلالة السنة في عمومها على ذلك، والأصل في العامِّ أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، ولم يرد دليل صحيح على تخصيصه هنا.
ثانياً: أن إِستدلالهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في:
[فضل خلوف الصائم] يجاب عنه بأن خلوف الصائم منشؤُه من الجوف بسبب الجوع، والعطش، وليس من الفم، فإزالة وسخ الأسنان لا يؤثر في الخلوف، ولا يزيله، وليس له به علاقة.وبه أيضاً يجاب عن استدلالهم العقلي بالقياس.
ثالثاً: أن حديث خَبَّاب رضي الله عنه الذي رواه البيهقي، والدارقطني يجاب عنه: بأنه حديث ضعيف الإسناد، فلا يثبت به التخصيص.
رابعاً: أنه ثبتت السنة في حديث عاصمٍ رضي الله عنه أنه قال:
[رأيتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أُحصي يستاكُ، وهو صائم] وهو عامّ، حيث لم يفرق بين ما قبل الزوال، وما بعده.
وبهذا كله يترجح القول بجواز الإستياك في جميع الأوقات، واستحبابه فيها دون إستثناء.وبعد أن بيّن رحمه الله سُنّية السِّواك في كل وقت لغير صائم بعد الزوال شرع رحمه الله في بيان الأوقات التي هي آكد إِستحباباً، وذلك بقوله: [متأكد عِنْدَ صَلاةٍ] أي: أن السواك يتأكد فعله عند صلاة، وصلاة نكرة شاملة للنافلة، والفريضة.
والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
[لَوْلا أَنْ أشقَّ على أُمّتي لأمرتُهم بالسِّواك عِنْد كُلِّ صلاةٍ]، وفعل السِّواك عند الصلاة أي: قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام.
وللعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: قال الجمهور يشرع قبل الصلاة أن يستاك الإنسان، ولو كان في المسجد.
القول الثاني:
كراهية السواك عند الصلاة مباشرة وهو قول طائفة من فقهاء المالكية رحمهم الله، وحملوا الحديث في قوله:
[عِنْد كُلِّ صلاةٍ] على أن المراد به عند الوضوء كما في الرواية الأخرى، وقالوا: إننا لو قلنا إن الإنسان يستاك عند الصلاة لحصلت محاذير:
أولها:
إنه ربّما جرح اللُّثة لأن السواك لا يأمن أن يكون ناشفاً؛ فيجرح اللثة، أو يُدْمِيها، فيسيل الدّم، والدّم نجسٌ، وهو قول الجماهير.
ثانيها: أن الإنسان إذا إِستاك عند الصلاة إما أن يتفل في المسجد، وهذا ممتنع عليه لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال كما في الصحيح:
[البُصَاقُ في المسجدِ خطيئةٌ] وإما أن يبلع الوسخ، والقذر الذي أخرجه السِّواك من أسنانه، فيكون منظفاً لظاهره، ومفسداً لباطنه بدخول هذه الفضلة إلى الباطن، والتي قد تضرُّ بالجسد، فلا يُشرع فعل السواك على هذا الوجه.
والصحيح أنه يشرع قبل الصلاة لظاهر السنة في ذلك أما ما ذكروه من إدماء اللثة، فإنه يحتاط بالسواك الرَّطب، وكذلك -أيضاً- يحتاط بإجراء السواك على العظم دون أذية اللثة، ثم إن هذا لا يقع إلا في بعض الأنواع من السواك؛ فلا يقتضي منع الكُلِّ، فصار المحظور في بعض الأحوال، لا في كلِّها وهذا يقتضي أن دليلهم أخص من الدعوى، وأما ما ذكروه من البصاق بالمسجد، فليس على كل حال لإمكان أن يبصق الإنسان في منديل، أو في ثوبه، وإذا كان المسجد غير مفروش بصق تحت قدمه اليسرى، ثم دفن بصاقه لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال في من يبصق في السجد:
[ولا يَبْصُقْ عن يمينِه فيُؤذي بها الذي عنْ يَمينِه، ولا يبْصُقْ عنْ شِمالِه؛ فيُؤذي الذي عن شمالِه، ولكنْ عنْ يسارِه تحتَ قدمِه] هذه هي السُّنة، إذا كان المسجد غير مفروش، أما إذا كان مفروشاً فإنه يبصق في منديل، ونحو ذلك.
وقال بعض العلماء:
إنه يستحب عند الصلاة لمكان دنو الملك من القارئ عند قرآته للقرآن، كما ورد في الخبر، ولذلك قالوا: يتأكد إستحبابه عند الصلاة لاشتمالها على القراءة.
قوله رحمه الله:
[وانْتِباهٍ]: أي إنتباه من النوم لأنّ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كما ثبت في الصحيحين: [كانت تُعِدُّ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاكه، وطَهُوره، فيبعثه الله من اللّيل ما شَاء]، وكان من هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا قام من نومه بالليل يشُوصُ فَاهُ بالسِّواك، كما جاء في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في الصحيحين.
قال بعض العلماء: هذا يتضمن السواك على الوجهين عند الصلاة؛ لأنه قائم من أجل الصلاة، وعند الإنتباه من النوم، لأنه لما إِنتبه من النوم تغيرت رائحة فمه، فشُرِع له أن يُزيل تلك الرائحة بالسواك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-06-2020, 04:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (20)

صـــــ13 إلى صــ140


قوله رحمه الله: [وتَغيّرِ فمٍ]: أي إذا تغيّرت رائحة الفم فإنه يتأكد السواك، وتتغير رائحة الفم إما بسبب طول السكوت، والصمت، أو بالجوع، والظمأ، أو أكل شيء تبقى رائحته بالفم.
فيتأكد في حقه السواك في هذه الحالات، وقد دل على ذلك حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كاَن إذا قامَ مِنَ اللّيلِ يَشُوصُ فَاهُ بالسِّواك]، والشوص: الدّلك، فهذا الحديث إِستنبط منه أهل العلم رحمهم الله أن النوم مظنة تغير رائحة الفم، ففهم منه أن السواك متأكد في جميع الأحوال التي تتغير فيها رائحة الفم.
قوله رحمه الله: [ويَسْتَاكُ عَرْضاً]: الاستياك عرضاً للعلماء فيه وجهان:منهم من قال المراد به عرض السِّن، وهو أن يأخذ من طرف فمه الأيمن إلى طرف فمه الأيسر، فيبدأ باليمين إلى اليسار، فيكون إستياكه مراعياً فيه عرض السن.
وقيل: العرض عرض الفم، وذلك يكون بطول السن، فكأنه يستاك لكل سنِّ على حِدَةٍ.
والصحيح أن صفة السواك يسنُّ فيها التيامن، ومراعاة المقصود الشرعي، وهو حصول النّقاء، وأما الإستياك عرضاً على الوجهين السابقين فإنه لم يثبت أصله لأنهم بنوه على حديث: [إِسْتاكوا عَرْضاً] وهو حديث ضعيف.
فلم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفة السواك إلا الأصل العام وهو التّيمن الذي دلّ عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[كان يُعجِبُه التيمنُ في تَنعُّله وتَرجّله، وطُهُورِه، وفي شَأنه كلِّه] على أن السِّواك داخل في عموم الطُّهور، وما عدا التّيمن، وهو الإستياك عرضاً، أو طولاً فإنه موسّع فيه، وليس فيه شيء محدّد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله رحمه الله:
[مُبْتدئاً بجانبِ فَمِه الأَيْمن]: أي يبدأ سِواكه بجهة اليمين من فكيه قبل اليسرى منهما لظاهر حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ونص العلماء على أن السُّنة أن يبدأ بالشق الأيمن وينتهى بشقه الأيسر، ويكون السواك على هذه الصفة مسنوناً لما فيه من التأسي بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قوله رحمه الله:
[ويَدَّهنُ غِبّاً]: الإدهان يكون للشعر يشمل ذلك شعر الرأس، واللحية، وهذا أورده المصنف في باب السِّواك مع أنه ليس منه بناء على ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: [اسْتَاكُوا عَرْضاً، وادهِنوا غِبّاً، واكْتَحِلوا وِتْراً]، ولذلك أدخل هذه الجزئية في باب السواك؛ على تأول أن الحديث وارد تأدباً مع الحديث، وهذا منهج للفقهاء أنهم يذكرون الشيء مع الشيء وإن لم يكن منه تأسياً بآية، أو حديث ذكرا فيها معاً، والسُّنة أن الإنسان يدهن شعر رأسه، ولحيته إذا أمكنه ذلك، وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرجّل شعره.
والدليل على مشروعية ذلك:
حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، والذي تقدم وفيه قولها: [وتَرجّلِه] أي ترجيله لشعره فدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يعتني بشعره فيدهنه ويرجله، ولذلك قالوا: يسن.
قال بعض العلماء: ترْجيل الشعر أن يدهن الشعر، ثم يسرِّحُه أي: أن يجمع بين تسريح الشعر، ودهنه.
وقال بعض العلماء: التَّرجيل هو مطلق التسريح بغَضِّ النظر عن كونه بدهنٍ، أو بدون دهن، ومن سماحة الشريعة أنه يُشرع للإنسان أن يضع الدهن في شعر رأسه، ولحيته، وذلك على الوسط، فلا يترك الشعر أشعث أغبر، ولا يبالغ في الإدهان، والتسريح، وإنما يكون وسطاً، أما كونه لا يتركه شعثاً فحتى لا يتشبه بأهل الرّهبنة، وأهل البدع، والأهواء من الذين هم غلاة أهل الطرق الذين يبالغون في التّزهد، والتّقشف فلا يتشبَّه بهم، وكذلك -أيضاً- لا يتشبَّه بمن يتكلّف، ويبالغ في تجميل نفسه كأهل الخَنا، والمجون فيكون وسطاً، وهذا هو القِوام الذي جعل الله -عز وجل- عليه شريعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الإفراط، والتفريط.
ومن الأدلة على أنه لا يداوم على الترجيل حديث النسائي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى الصَّحابة أن يمْتشطوا كل يوم، ولذلك ينبغي للإنسان إذا كان ولا بد أن يمتشط يوماً، ويترك يوماً، وهذا أبلغ في الرجولة، وأبلغ في الفحولة مع الاعتدال، دون غلو، وإجحاف، ولذلك يشرع تسريح الشعر، وتسريح اللحية، ولكن ينبغي أن يكون في فعله لذلك غير متشبه بأهل الخَنا، والفُجور؛ وإنما يكون على قصد القربة، والتَّأسي بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في إكرام الشعر.
والسُّنة أنه إذا إدّهن أن يبدأ بشقِّه الأيمنِ، فيضع الزيت على شِقِّ لحيته الأيمن، ثم يبدأ بتسريح شعر لحيته، ثم شِقّه الأيسر بعد أن يفرغ من شِقِّه الأيمن، وفي رأسه كذلك يبدأ بجانبه الأيمن، ثم الأيسر بعده، كما فعل عليه الصلاة والسلام في غسله من الجنابة، وحلقه لشعره في النُّسك كما في الصحيح، حيث راعى تقليم شق رأسه الأيمن قبل الأيسر.
قوله رحمه الله: [ويَكْتحلُ وتْراً]: الاكتحال: أن يضع الكحل في العين، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: [عَليْكم بالإثمدِ؛ فإنه يَجلُوا البصَر، ويُنبِتُ الشَّعَرَ]، والإثمد: هو الحجر الأسود، وهذا هو المحفوظ في لغة العرب، وفيه شواهد في اللغة، وكذلك نبَّه عليه غير واحد منهم الإمام إبن مفلح رحمة الله عليه في الآداب الشرعية أنه الحجر الأسود، وهو أقوى، وأنصع، وأبلغ في تنظيف العين، وقوة البصر، وقد امتدح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا النوع من الحجر لما فيه من العلِّة التي ذكرها: [أنه يَجْلُوا البَصَرَ، ويُنْبِتُ الشعَرَ] أي: يجلوا بصر الإنسان؛ فينظِّف العَيْنَ، ويجعل فيها حِدَّةً في الإبصار، وكذلك يُنْبِتُ الشعر في الرِّمْشِ، وهو يحفظ العين بإذن الله من الأتربة، وغيرها.
وقوله رحمه الله:
[ويَكْتَحِلُ وِتْراً]: للعلماء فيه وجهان:
الوجه الأول:
أن يكحل العينين معاً في المرة الأولى يبدأ باليمنى، ثم اليسرى، ثم يرجع الثانية، والثالثة كذلك.
والوجه الثاني:
أن يكحل كل عين على حِدَةٍ وتراً ثم إذا إِنتهى منها أكحل اليسرى.
ومحل الخلاف: إذا كان الوتر بغير الواحدة، والذي يظهر أن الأمر في هذا واسع، وهو مختلف بحسب إِختلاف أحوال الناس، وليس فيه أمر محدّد.
قوله رحمه الله: [وتَجِبُ التسميةُ في الوُضُوءِ]: بعد أن فرغ رحمه الله من بيان السّواك وأحكامه، شرع في بيان واجبات الوضوء فقال رحمه الله: [وتَجِبُ] الواجب: يطلق في اللغة بمعنين:
الأول: بمعنى الساقط يقال: وجب الشيء إذا سقط، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (1) أي سقطت، واستقرت على الأرض، ومنه ما ثبت في الحديث الصحيح: [أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان يُصلّي المغربَ إذا وَجَبَتْ] بمعنى سقطت، وغاب قرصها.
والثاني:
بمعنى: اللازم تقول: هذا واجب عليك؛ بمعنى: أنه لازم، وحتم، ومنه قول الشاعر:أطاعتْ بنُوا عوفٍ أَميراً نَهاهُموا ... عَنِ السِّلمِ حتى كَانَ أَولَ واجبِ أي: أول لازم عليهم أن يفعلوه.
وأما في الإصطلاح فالواجب: (هو ما يُثَابُ فَاعِلُه، ويُعَاقَبُ تَارِكُهُ).
فإذا قال العلماء هذا واجب أي:
أنه يلزم المكلف أن يقوم به، فإن فعل ذلك أُثيب، وإن تركه فإنه يعاقب.
(1) الحج، آية: 36.
****************************** ******
قوله رحمه الله: [وتَجِبُ التسْميةُ] أي: أن من أراد أن يتوضأ فيجب عليه أن يقول: بسم الله عند وضوئه، وتُعرف هذه المسألة بمسألة التَّسمية في الوضوء، وهي مسألة خلافية مشهورة للعلماء رحمهم الله فيها قولان:
القول الأول: إن التَّسمية ليست بواجبة في الوضوء، وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
القول الثاني: إن التسمية واجبة في الوضوء، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقول بعض المحدثين رحمهم الله.وقد إستدل الجمهور رحمهم الله على مذهبهم بدليل الكتاب، والسنة.أما دليلهم من الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .... } الآية، ووجه الدلالهَ: أن الله تعالى بيّن صفةَ الوضوء الواجبة في هذه الآية الكريمة، فلو كانت التَّسميةُ واجبةٌ لنصَّ عليها، ولكنه لم ينصَّ عليها، وقد نصَّ على وجوب التَّسمية في الذبح، والصيد فقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وقال سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وقال سبحانه: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} وقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} فلو قال قائل: إن السنة دلت على التسمية فالجواب: أن السنة دلت على أن من توضأ بما في آية الوضوء أجزأه، فدل ذلك على أن ما زاد عليها فهو سنة مستحب؛ بدليل قوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي لما سأله عن الوضوء: [تَوضّأ كَمَا أَمَركَ اللهُ]، والله لم يأمر بالتسمية في آية الوضوء.
وأما دليلهم من السنة:
فأحاديث صفة الوضوء في الصحيحين، وغيرهما عن عثمان، وعلي، وعبد الله ابن زيد رضي الله عن الجميع، وكلها لم تذكر تسميته عليه الصلاة، والسلام على أول الوضوء؛ فدلّ ذلك على عدم وجوبها.وأما القائلون بوجوب التسمية فقد استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داوود، وأحمد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [لا وُضوءَ لمنْ لمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللهِ عَليْه] ووجه الدلالة: أن قوله: [لا وُضُوءَ] المراد به لا وضوء صحيح، فلا يجوز له أن يتوضأ، دون أن يذكر اسم الله على وضوئه.
والذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول بعدم وجوب التسمية، وذلك لما يلي:
أولاً: لصحة دلالة الكتاب، والسنة على ذلك كما تقدم.
ثانياً: أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه يُجَابُ عنه سنداً: من جهة الكلام في سنده، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: [إنه لا يصحُّ في التسمية شَيءٌ]، وعلى القول بتحسينه، فإنه لا يُعارَض به الصحيح؛ لأنّ الحديث الحسن معمول به ما لم يخالف ما هو صحيح، كما هو مقرر في الأصول، وقد أشار إلى ذلك بعض أهل العلم رحمه الله بقوله:وهُو في الحُجّة كالصّحِيحِ ... ودُونَه إِنْ صيِرَ للترجِيحِ
ثالثاً: أنّ متن حديث أبي هريرة رضي الله عنه محتمل لمعنيين:
الأول: أن يكون النفي متعلقاً بالصِّحة، كما يقوله من يحتج به، وحينئذ يكون معارضاً لغيره.
الثاني: أن يكون النفي متعلقاً بالكمال، وحينئذ لا يكون معارضاً لغيره.
وإذا تردَّدَ الحديث بين معنيين أحدُهما:
معارض، والثاني: غيرُ معارض وجب حمله على الوجه الذي لا يُعارض، فحمله على نفى الكمال أولى من هذا الوجه، ويكون معناه لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه.
يبقى النظر في قوله: [وتَجِبُ التَّسميةُ]: فالتَّسميةُ: تَفْعلِة من ذكر اسم الله، فما هي التسمية؟ التسمية الكاملة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولكنّها هنا بسْم الله، فيقف عند قوله: بسم الله؛ لأن قوله: [لمنْ لمْ يَذكرُ اسْمَ الله] المراد به اسم الله فقط، بدليل أن الله قال: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند تذكيته: [بسْمِ اللهِ]، وبناءً على ذلك فإن التسمية تكون: بسم الله وحدها.
واختلف العلماء هل يحلُّ غيرِ لفظ الجلالة محلّه؛ كأن يقول: بسم الرَّحمن، وبسم الرّحيمِ، وبسم المَلكِ، وبسم القدّوسِ، وبسم العَزيز؟والصحيح: أنه ينبغي الإقتصار في الأذكار على الوارد دون تغيير، أو تبديل، ولا يجُتهد فيها، فقوله عليه الصلاة والسلام: [لا وُضُوءَ لمنْ لم يَذكرُ اسْمَ اللهِ] يقتضى ذكر اسم الله وَحْدَه، وذلك لشرف هذا الاسم، وفضله، ولذلك قال بعض العلماء في قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (1) قيل: {هَلْ} بمعنى لا أي: لا تعلم له سميّاً، فعلى أحد الأقوال في تفسيرها: إنه اسم {الله} لم يتسمَّ به أحدٌ، وهذا لشرفه، وكلُّ أسمائه سبحانه مشرفة، حتى قال طائفة من العلماء: إنه هو الإسم الأعظم الذي إذا سأل العبد ربه به أيَّ حاجة خالصاً من قلبه إستجابَ دعاءَه، ولذلك يقْتصر على هذا الاسم بعينه، وهو قوله: [بِسْم اللهِ] ولا يُعدل إلى قول: بِسْم الرّحيم، وبِسْم الرّحمن.قوله رحمه الله: [وتَجب التَّسميةُ في الوُضُوءِ] معناه: أن يبتدئ عبادة الوضوء بذكر اسم الله -عز وجل-، وهذه التسمية واجبةٌ في مذهب الحنابلة عند أول واجب من واجبات الوضوء مثل: غسل الكفين عند الإستيقاظ من النوم، ومستحبةٌ عند أوَّل المستحبات، مثل: أن يبتدئ غسل كفيه في غير استيقاظ، وفرضٌ عند أول فرضٍ، فعلى القول بفرضية المضمضة، والإستنشاق يسمّ قبلهما، وعلى القول بعدم فرضيتهما يكون أول فرض هو الوجه.
فيتلخص مما سبق أن الأفضل، والأكمل أن يأتي بها في أول الوضوء، ويكون ذلك استحباباً إلا إذا كان مستيقظاً من نومه فيكون واجباً، ثم له ترك المستحب في المستحب حتى يبدأ في الفرائض، فتكون البداءة بها ثم واجبة

(1) مريم، آية: 65.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20-06-2020, 04:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (22)

صـــــ150 إلى صــ158

باب السواك وسنن الوضوء

قوله رحمه الله: [والبَداءَةُ بمضْمَضةٍ]: أي يسن البداءة بالمضمضة، لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن غسل كفّيه، مضْمَضَ، واستنْشَقَ ثلاثاً،
والمضمضة:
مأخوذة من قولهم: مَضْمَضَت الحيّة؛ إذا تحركت في جحرها فأصل المضمضة التحريك، ولذلك قالوا: يتفرع على قولنا إن المضمضة هي التحريك مسألة،
وهي:
لو أن إنساناً أدخل الماء في فمه، ثم ألقاه مباشرة، دون تحريك فإنه لا يعتبر متمضمضاً، ثم اختلفوا هل المضمضة مجرد تحريك الماء، ولا يلزمه طرحه، أو لا بد له من طرحه؟
وجهان:
أصحهما أنه لا بد من الطرح لأنه هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصار معنى شرعياً زائداً، ومن أمثلة هذه المسألة أن يدخل الماء، ويحركه في فمه، ثم يبتلعه.
قوله رحمه الله:
[ثمّ إِسْتنْشَاق]: الاستنشاق من النَّشق،
والنَّشَق:
جذب الشيء بالنفس إلى أعلى الخياشيم، ومنه النَّشوق لأنه يستعط عن طريق الأنف، وهو سنّة من سُنن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي حافظ عليها، ولم يتركها في وضوء -صلوات الله وسلامه عليه-، والسنة أن يجمع بينهما من كفٍّ واحدة، فيجعل بعض الماء الموجود في الكف للفم فيتمضمض به، ثم يستنشق الباقي من الماء بأنفه، ثم ينثره لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما توضأ قسم كفه كما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فمضمض،
واستنشق ثلاثاً من ثلاث غرفات أي: أن كل غرفة تكون مقسومة بين المضمضة، والاستنشاق، وهذه هي السُّنة.
قوله رحمه الله: [والُمبالَغةُ فِيهما لِغيرِ صَائمٍ]: المبالغة: مفاعلة من البلوغ،
وهو الوصول تقول:
بلغت الشيء إذا وصلت إليه.
فقوله: [المُبالغةُ]: أي أن الإنسان يصل إلى غاية الاستنشاق في إستنشاقه، وغاية المضمضة في مضمضته، وذلك عن طريق المبالغة في جذب الماء بالنَّفَسِ في الاستنشاق، والمبالغة في الإدارة والتحريك إلى اللهاة في المضمضة، قوله رحمه الله [لِغيْر صَائمٍ] هذا الاستثناء لحديث لقيط بن صبرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: [وبَالغْ في الاسْتِنْشَاقِ إلا أنْ تَكونَ صَائِماً] فقد دلّ هذا الحديث على أنه لا يُسن للإنسان أن يبالغ في استنشاقه حال صيامه، وهذا من باب التنبيه بالنظير على نظيره فنبه بالاستنشاق على المضمضة، فلا يبالغ فيها أيضاً، وذكر الاستنشاق؛ لأن الغالب في الاستنشاق ألا يتحكم الإنسان فيه عند المبالغة بخلاف المضمضة، فإن الغالب أنه يتحكم فيها.
وهذا الحديث -أعني قوله-: [وبَالِغْ في الاسْتِنْشاق] فيه تنبيه على أصل عند العلماء وهو: " أنه لا يُشْرعُ تَضييعُ الفَرائِضِ، أوْ إِرْتِكابُ المحرماتِ بفعلِ السننِ ".
توضيح ذلك: أنه إذا بالغ في الاستنشاق، ودخل الماء حلقه فإنه ضيع الواجب، وهو الصيام، وكذلك أيضاً لا يبالغ في إصابة سنة لوقوع في محظور كما لو كان على الحجر طيب، فإنه إذا بالغ في إصابة الحجر وهو محرم بالنسك، وأصرّ على لمسه، أو تقبيله؛ فإنه سيصيب الطيب، وذلك تحصيل لسنة على وجه يفضي إلى الوقوع في محظور مس الطيب،
ولذلك قالوا:
يتركه حتى يقبله الغير، ثم يقبله من بعده، أو يلمسه الغير؛ فيلمسه من بعده إذا أذهب لمس، وتقبيل الغير ذلك الطيب، ولذلك لا ينبغي تفويت الواجب، وارتكاب المحظور طلباً للسُّنة؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هنا نهى الصحابي أن يبالغ في الاستنشاق حتى لا يقع في محظور الفطر.
قوله رحمه الله: [وتَخْلِيلُ اللّحْيةِ الكَثيفةِ]: التخليل: تفعيل من الخُلَل، وخُلَل الشيء أجزاءه،
والمناسم التي فيه تقول:
رأيته من خُلل الباب يعني من المناسم الموجود فيه، وهي الفتحات الصغيرة، وقالوا سُمِّي التخليل تخليلاً؛ لأن الإنسان يوصل الماء إلى الشعر من خلاله يعني يخُلل الماء بين الشعر، فيدخل في خُلَل اللحية، وكذلك شعر الرأس، والأصابع؛
لأنه يدخل خنصره بين الأصابع فقالوا:
خَلّل لدخول الخنصر بينها.
وقوله:
[وتَخْلِيلُ اللّحيةِ] يدل على أنه مسنون، وهذا كما قلنا أنها إذا كانت كثيفة وجب غسل ظاهرها، لا باطنها لأن الله تعالى أمر بغسل الوجه، والمواجهة في اللحية الكثيفة تحصل بظاهرها؛ لا بباطنها، فكان تخليل باطنها غير واجب، والحكم بكونه سنة في اللحية مبني على حديث التخليل، وهو متكلم في إسناده،
حتى قال بعض أهل العلم رحمهم الله:
[لا يَصِحُّ في التّخلِيلِ شَيءٌ] ومن أهل العلم من إِعتبره وحكم بثبوته كالإمام الترمذي، والحاكم، وغيرهما رحم الله الجميع.
وقوله رحمه الله: [الكَثِيفَةِ] هي: الكثيرة الشعر، ومفهوم ذلك أنها إذا لم تكن كثيفة بأن كانت قليلة الشعر، وهي التي تُرى البشرة من تحتها وجب غسلها، وغسل ما تحتها من البشرة؛ لأن الله تعالى أمر بغسل الوجه، والمراد بالوجه ما تحصل به المواجهة، فإن كانت يسيرة حصلت المواجهة بهما بالشعر اليسير، وبالبشرة من الوجه فوجب غسلهما، واعتبر وصف الكثافة لأنه صفة لحيته عليه الصلاة والسلام.
وقوله رحمه الله:
[والأَصابِعِ] أي: وتخليل الأصابع، والمراد بها أصابع اليدين، والرجلين، لأن ما بين الأصبعين قد لا يصل إليه الماء فيحتاج إلى تفقد، وعناية، وهو ما يحصل عن طريق التخليل، بإدخال الخنصر بين الأصابع للتأكد من وصول الماء إلى تلك المواضع، واعتباره سنة مبني على حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه، وقد بيّنا كلام العلماء رحمهم الله في ثبوته، وفي مسائله في شرح البلوغ.
قوله رحمه الله:
[والتَّيامُن]: تفاعل من اليمين، وهي الجهة التي شرّفها الشرع كما هو محفوظ من هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك يكون في الأعضاء المثناه،
ويشمل ذلك:
اليدين، والرجلين فإنه يتيامن فيهما، فيبدأ بغسل يده اليمنى قبل يده اليسرى، ورجله اليمنى قبل رجله اليسرى، ولكن لا يشرع التيامن في الأعضاء المنفردة، فلا يغسل شق وجهه الأيمن، ثم الأيسر، لأن هذا تنطّع، وتكلّف في العبادة، وقد كان هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه غسل وجهه غسلاً واحداً، ومسح رأسه مسحة واحدة.
وقوله: [التَّيامُن]: أي أن التيامن سنة، وبناءً على ذلك لو أن إنساناً غسل يده اليسرى قبل يده اليمنى ما حكم وضوءه؟
نقول:
إنه صحيح؛ لأنه فوت الأكمل، والأفضل، ولا إثم عليه، لأن التيامن ليس من فرائض الوضوء.
والدليل على صحته: أن الله -عز وجل- قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} (1) فأمر بغسل اليد مطلقاً، ومن غسل اليسرى قبل اليمنى فقد إِمتثل ما أمر الله، غير أنه فوّت الفضيلة بتقديم اليمين على اليسار.
قوله رحمه الله: [وأَخْذُ ماءٍ جديدٍ للأذنين]: أي ويسن له أن يأخذ ماءً جديداً بعد مسح الرأس ليمسح أذنيه، واعتبار ذلك سنة يدل على أنه لو مسح الأذنين بعد مسحه لجميع الرأس دون أن يأخذ ماءً جديداً أنه لا حرج عليه في ذلك، ودل على سنية أخذ الماء الجديد للأذنين بعد مسح الرأس حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه عند الترمذي، وفيه عبد الله ابن لهيعة، ومن المعروف أن الترمذي يحسّن روايته.
قوله رحمه الله: [والغسلةُ الثانِيةُ، والثّالثةُ سُنّةٌ]: أي ليستا بواجبتين.
والدليل على عدم وجوبها:
أن الله -عز وجل- قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} والغسل يتحقق بالمرة الواحدة، فمن غسل مرة واحدة، فقد إمتثل، هذا دليل الكتاب.
(1) المائدة، آية: 6.
**********************
أما دليل السُّنة فقد جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عثمان رضي الله عنه أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً فدل على أنه لا تجب التّثنية، ولا التثليث، وأن الغسلة الثانية، والثالثة سنتان وليستا بواجبتين.
-------------------------------
[باب فروض الوضوء وصفته]

قال المصنف رحمه الله:
[باب فروض الوضوء، وصفته]: الفروض: جمع فرض،
والفرض يطلق بمعنى:
الحزِّ، والقطع، ومنه الفريضة،
وهي:
النصيب الذي جعله الله -عز وجل- من تركة الميت للحيّ من بعده، سميت بذلك؛ لأن مال الميت يقتطع منه لكل وارث نصيبه، فقيل لها فريضة.
وأما في اصطلاح الشرع فهو: [ما يُثابُ فاعلُهُ، ويُعاقبُ تاركُهُ] فهو بمعنى الواجب، وهذا هو مذهب جهور العلماء؛ خلافاً للحنفية -رحمة الله عليهم-، فإنهم يرون أن الفرض آكد من الواجب، وأقوى من حيث الدليل ثبوتاً، ودلالة.
وقوله رحمه الله:
[فروض] جمع: فريضة، وجمعها رحمه الله لأن الواجبات التي ألزم الشرع المكلفين بها في الوضوء متعددة، ففرض الله غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، فلما تعدّدَت جمعها رحمه الله بقوله: فرائض الوضوء.
وقوله: [الوضوء]: مأخوذ من الوضاءة،
وهي:
الحسن، والبهاء، والجمال، وصف بذلك؛ لأنه يُبَيِّضُ وجه صاحبه، وأعضاءه في الآخرة كما ثبت في الحديث الصحيح أن أُمّته -عليه الصلاة والسلام- يدعون يوم القيامة غُراً محجّلين من أثر الوضوء، وهو طهارة حسِّية، ومعنوية، كما ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة،
والسلام قال:
[ما منْ مُسلمٍ يُقرّب وَضُوءَهَ فيُمضمِضَ، ويَسْتنشِق، ويغسلُ وجْهه إلا خَرجتْ خَطَايا وجْهِهِ مع الماءِ، أو مع آخِرِ قَطْرِ الماءِ حتّى تَخْرجَ مِنْ تَحتِ أَشْفارِ عَيْنَيهِ، فإِذا غَسَل يَديْه خَرَجتْ كلُّ خَطِيئةٍ بَطَشتْها يَدَاهُ مَعَ الماءِ، أوْ معَ آخرِ قَطْرِ المَاءِ حتى تَخْرج من تحتِ أَظفارِ أَصابِعهِ]، ثم ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمام ذلك في أعضاء الوضوء؛ فإذاً تحصّل من هذا أن الوضوء يُفضي إلى جمال الحس، والمعنى، فوصف بكونه وضوءاً من هذا الوجه، فحقيقة الوضوء في اللغة راجعة إلى الحُسْن، والبهاء من الوضَاءَةِ.
وأما في اصطلاح العلماء رحمهم الله:
فهو (الغسلُ، والمسحُ لأعضاءَ مخصوصةٍ، بنيّة مخصوصةٍ)، والمراد بالأعضاء المخصوصة المغسولة الوجه، واليدان إلى المرفقين، والرجلان إلى الكعبين، وأما العضو الممسوح فهو الرأس، والرجلان إن مسح على الخفين، أو الجوربين.
والمراد بالنِّيةِ المخصوصة:
أن يقصد رفع الحدث، أو إستباحة المحظور كما سيأتي بيانه في مسائل النِّية وأحكامها بإذن الله تعالى.
قال رحمه الله: [باب فُروض الوُضوءِ]: أي في هذا الوضع سأذكر لك جملة من الأحكام، والمسائل التي يُعرف بها ما أوجب الله على عباده في طهارة الوضوء.
مناسبة هذا الباب:
أن من عادة العلماء -رحمة الله عليهم- أنهم يبتدئون بآداب قضاء الحاجة، ثم يُثَنّونَ بفرائض الوضوء، لأنّ المكلف إذا فرغ من قضاء حاجته تهيأ لعبادة الصلاة، وذلك بالوضوء،
ثم بعد ذلك يصلي كما قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) ولذلك يقولون تقديم باب آداب قضاء الحاجة الذي كنا نتكلم عنه على باب الوضوء؛ إنما هو من باب الترتيب المناسب للحال، فالغالب في حال المكلف أن يقضي حاجته أولاً، ثم يَتهيّأ لعبادة الصلاة، وقد أدخل المصنف باب السواك؛ لأن السواك يكون قبل الوضوء كما سبق بيانه عند ذكر باب السواك، ثم أتبع جميع ذلك بباب الوضوء.
قوله رحمه الله: [فُروضُهُ سِتةٌ]: الضمير في قوله: [فروضه] عائد إلى الوضوء أي: الفروض التي أوجب الله على المكلف في الوضوء ستة.
هذا يسميه العلماء الإجمال قبل البيان، والتفصيل، وهو أسلوب محمود، وقد تقدم معنا أنه منهج الكتاب والسنة أن تورد الشيء إجمالاً، ثم تفصّله،
وفي ذلك فائدة:
وهي تهيئة السامع، وكذلك المخاطب لفهم المراد،
فإنه لو قال مباشرة:
وفروض الوضوء غسل الوجه وغسل اليدين لما كان في ذلك مناسبة ألطف من قوله: [فُروضُهُ سِتّةٌ] لأنه لما قال إنها ستة نشأ السؤال: ما هي هذه الستة؟ فحدث التشويق للسامع، والمخاطَب أن يعرف تفصيل هذا الإجمال،
وهو أسلوب القرآن قال الله تعالى:
{الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} (2) وكان بالإمكان أن يقول الحاقة: كذبت ثمود، وكذلك قوله

(1) المائدة، آية: 6.
(2) الحاقة، آية: 1 - 3.
**********************
تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} (1) فأحدث بالإجمال الشوق إلى معرفة البيان، والتفصيل هكذا هنا، وقوله رحمه الله: [فروضُهُ ستّة] أي الفروض التي أمر الله، ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها في الوضوء ستة.
قوله رحمه الله: [غسل الوجه]: الغسل هو: صبُّ الماء على الشيء؛
تقول:
غسلت الإناء إذا صببت الماء عليه؛ فأصاب أجزاء الإناء، وغسلت الوجه إذا صببت الماء عليه؛ فأصاب الماء أجزاءه، وبناء على ذلك قالوا الغسل لا يتحقق إلا بوصول الماء إلى البشرة.فلو أنّ إنساناً أخذ يداً مبلولة، ثم دلكها على وجهه، دون صب للماء، وجريان له على الوجه لم يكن غاسلاً، وإنما هو ماسح، وفرق بين الغسل، والمسح.
وقوله:
[الوجه]: مأخوذ من المواجهة، والوجه سيأتي إن شاء الله بيانه، وتحديده.
والدليل على فرض غسل الوجه: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} فقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أمر، والقاعدة في الأصول: " أنّ الأمرَ يدلُّ على الوجوبِ إلا إذا صرَفه الصارف " فلما قال: {فَاغْسِلُوا} أي فرض عليكم أن تغسلوا وجوهكم.

(1) القارعة، آية: 1 - 3.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20-06-2020, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (23)

صـــــ159 إلى صــ165

{باب فروض الوضوء وصفته}
كذلك -أيضاً- دلّت السُّنة على ذلك فإنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضّأ، ولم يثبت عنه في حديث صحيح أنه توضأ، وترك غسل وجهه، ففي الصحيحين من حديث حمران مولى عثمان عن أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- أنه دعا بوَضُوءٍ، فأكْفأَ على كفيهِ، فغسلهما ثلاثاً، ثمّ تَمضْمَضَ، واسْتَنْشَقَ ثلاثاً، ثمّ غَسَل وجْهَهَ ... إلخ، ومثله في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الصحيح، وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في السنن كلها وصفت وضوءَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه غسل وجهه فيه، ولذلك أجمع العلماء -رحمة الله عليهم- على أن غسل الوجه فرض من فرائض الوضوء، فلو توضأ إنسان، ولم يغسل الوجه لم يصحّ وضوءه بإجماع العلماء -رحمة الله عليهم-.
قوله رحمه الله:
[والفَمُ، والأنفُ منه]: بعد أن بين أن الوجه يجب غسله شرع رحمه الله في بيان ما يُعتبر من الوجه، وما لا يُعتبر منه، فبيّن أن داخل الفم، والأنف يعتبر من الوجه، وهذا هو أحد أقوال العلماء الثلاثة في هذه المسألة،
وبيانها فيما يلى:
القول الأول: أنه ليس من الوجه، فغسله سُنّة، وليس بواجب، وهذا هو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد رحم الله الجميع.
القول الثاني: أن داخلهما من الوجه، فيُعتبر غسله فرضاً من فرائض الوضوء، وهذا هو مذهب الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
القول الثالث: أن داخل الأنف من الوجه،
دون داخل الفم بمعنى أن الفرض هو:
الإستنشاق، دون المضمضة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول بعض أهل الحديث رحمة الله على الجميع.
وقد بينتُ أدلتهم، ومناقشاتهم في شرح بلوغ المرام، وأن الذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول بعدم وجوبهما في الوضوء، وأن داخلهما ليس من الوجه المأمور بغسله،
وذلك لما يلي:
أولاً: لصحة دلالة الكتاب، والسنة على ذلك،
أما دليل الكتاب فقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بغسل الوجه،
والوجه في حقيقته اللغوية:
ما تحصل به المواجهة، وهي إنما تكون بظاهر الوجه، لا بباطنه، وهو داخل الفم، والأنف، فاللسان العربي في حقيقة الوجه لا يشمل باطن الفم، والأنف، وإنما يختص بظاهر الوجه، وحْدَهُ، والقرآن نزل بلسان العرب، ويُفسَّر به كما هو معلوم.
وقد أكّدت السُّنة هذا المعنى كما في حديث الترمذي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه أعرابي؛
فقال:
-يا رسول الله- كيف أتوضأ؟ " أي صف لي الوضوء الذي أصلي به " فقال عليه الصلاة والسلام: [تَوضأ كَما أَمَركَ اللهُ] أي اقرأ كتاب الله، وما وجدت في آية المائدة،
فافعله قالوا:
فردّ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأعرابيَ إلى ظاهر القرآن، وهذا أعرابي لا يعرف الوضوء إذ لو كان عالماً بالوضوء لما سأل، فكونه يردّه إلى ظاهر القرآن، فإن هذا واضح في دلالته على أن المراد ظاهر الآية، وظاهر الآية يدل على الإكتفاء بغسل ظاهر الوجه.
وأما ما استنبطوه من كون الفم، والأنف من خارج فهذه مسائل لا يدركها إلا الفقيه، ويعسر على أعرابي في بداية الإسلام يسأل كيف الوضوء أن يدرك هذه المسائل الفقهية.
ثانياً: أن ما إِستدل به من الأمر بالمضمضة محمول على الندب، والاستحباب، والصارف له عن ظاهره دليل الكتاب، والسنة المتقدم.
وعليه فإنه يترجح القول بعدم وجوب المضمضة، والإستنشاق، وأنهما من سنن الوضوء لا من فرائضه والله أعلم.
ولو قال قائل: إنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على المضمضة،
والاستنشاق فجوابه:
أن النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على السنن من باب التعليم لا من باب الإلزام، ألا تراه -عليه الصلاة والسلام- بإجماع الروايات عنه ما توضأ إلا غسل كفيه قبل أن يتوضأ، والذين قالوا بوجوب المضمضة والاستنشاق يُسلّمون بأن غسل الكفين قبل الوضوء لغير المستيقظ من النوم أنه مستحب، وليس بواجب فدل على أن المداومة تكون على ما هو واجب، وعلى ما هو غير واجب، فلا يقوى الإستدلال بها إستقلالاً على الوجوب عموماً.
قوله رحمه الله:
[وغَسْلُ اليَديْنِ]:
الفرض الثاني:
غسل اليدين،
واليدان:
مثنى يد -وسيأتي إن شاء الله حدُّهما عند الكلام على حدِّ الوجه-.
واليدان أمر الله بغسلهما في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فأمر بغسل اليدين، والأمر دال على الوجوب إلا أن يصرفه صارف، ولا صارف هنا، ولأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسل كلتا يديه إلى المرفقين.
والواجب الغسل من أطراف الأصابع إلى المرفقين، والمرفقان داخلان في الغسل، فلو غسل يديه، ولم يغسل المرفقين لم يصح وضوءه في قول الجماهير، وذهب داود بن علي الظاهري -رحمة الله على الجميع- إلى القول بأن المرفقين ليسا بداخلين في الغسل،
قال إن قوله تعالى:
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} إِنّ: {إِلَى} غاية،
وما بعد الغاية يخالف ما قبلها كقوله تعالى:
{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) فإن الليل لا يجب صيامه،
والقاعدة في الأصول:
" أن ما بعدَ الغايةِ مُخالفٌ لما قَبْلَها فِي الحُكْمِ " ولذلك قالوا: لا يجب غسل المرفقين،
والمرفقان:
مثنى مرفق، وهو عند مفصل الساعد، مع العضد وسُمّي بذلك من الارتفاق، لأن الإنسان إذا جلس إِرتفق عليه.
والصحيح أن المرفقين داخلان في الغسل وذلك لما يلي:
أولاً: لظاهر القرآن في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فقوله: {إِلَى} بمعنى مع، وهي تأتي في لغة العرب بهذا المعنى،
(1) البقرة، آية: 187.
****************************
ومنه قوله تعالى: {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (1) أي: مع الله فإلى بمعنى: مع،
فيكون قوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} أي: مع المرافق.
ثانياً:
أن قولهم: " إِن ما بعدَ الغايةِ مُخالف لما قَبْلَها في الحكم " محل نظر فإنّ الغايَة لها حالتان:
الحالة الأولى:
أنْ تكون من جنس المُغيّا.
الحالة الثانية: أنْ تكون من غير جنس المُغيّا.فإن كانت الغاية من جنس المُغيّا دخلت، وإن كانت من غير جنسه لم تدخل.
وتوضيح ذلك:
أن المرفقين من جنس اليد؟ لأنّ اليد في الأصل من أطراف الأصابع إلى المنكب،
فلما قال:
{إِلَى الْمَرَافِقِ} دخلت لأنها من جنس اليدين.
وأما قوله سبحانه:
{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} الغاية فيه الليل، وهي ليست من جنس المُغيّا، وهو النهار المأمور بصومه، فلم يدخل الليل الذي هو الغاية في المُغيّا لأنها ليست من جنسه.
ثالثاً: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
[تَوضَّأَ فغسلَ يديْهِ حتى شَرَعَ في العَضُدِ]
يعني كاد أن يغسل عضده وهذا يدل على أن المرفقين قد غسلتا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبهذا يترجح قول الجمهور رحمهم الله بوجوب غسل المرفقين مع اليدين.

(1) آل عمران، آية: 52.
***************************
واليد عامة تشمل اليد الصحيحة، والمشلولة، والمقطوعة، فلو أن إنساناً كانت يده شلاء وجب عليه غسلها فيصبُّ الماء عليها، ولو قُطِعَت، وبقي من الفرض شيء فإنه يجب عليه غسل ما بقي بعد القطع، ويجب غسل اليد بكامل ما فيها سواء كانت على أصل الخلقة فيها خمسة أصابع، أو زادت إلى ستة، أو سبعة، أو أكثر فإنه يجب غسل الجميع وذلك لأن الله -عز وجل-
أمر بغسلها في قوله:
{وَأَيْدِيكُمْ} ولا شك أن المكلف إن زادت خلقته في اليد، أو نقصت فإنها داخلة في هذا الوصف أعني كونها يداً له مأموراً بغسلها.
قوله رحمه الله:
[ومَسْحُ الرّأسِ]: الفرض الثالث: مسح الرأس، والمسح هو إمرار اليد على الشيء؛
تقول:
مسحت برأس اليتيم؛ إذا أمررت يدك عليه، والمراد بالمسح هنا سكب الماء على يده، ثم إمرارها على رأسه مبلولة بالماء.
وحدُّ الرأس المأمور بمسحه يبدأ من الناصية إلى القفا، وهذا بالنسبة للطول، ثم من عظم الصّدغ إلى عظم الصّدغ عرضاً،
والدليل على كون مسح الرأس فرضاً قوله تعالى:
{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} فإن قوله: {امْسَحُوا} أمر،
والقاعدة في الأصول:
" أنّ الأمرَ للوجُوبِ؛ ما لمْ يَصْرِفْه الصَّارفُ " ولا صارف هنا، ولأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح برأسه، ولم يترك المسح في وضوئه البتّة، والإجماع من العلماء منعقد على أنه يجب مسح الرأس، وأنّ من توضأ، ولم يمسح برأسه لم يصحّ وضُوءه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20-06-2020, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (24)

صـــــ166 إلى صــ174

{باب فروض الوضوء وصفته}


وهنا ننبه على مسألة،
وهي أن قول العلماء:
" الباء " زائدة، أو " مِنْ " زائدة ليس مراد العلماء أنه حرف زائد لا معنى له في كتاب الله، فإن بعض المتأخرين يُسيءُ الأدب مع أهل العلم المتقدمين، دون إلتفات إلى مصطلحاتهم، ومقصودهم، وهنا أنبه على أن مراد العلماء -رحمة الله عليهم- بكونها زائدة ليس إلغاء كونها من القرآن؛
وإنما المراد أن المعنى إرادة الكل لا إرادة البعض مثل قولنا هنا:
{امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} أي: أنها لم تأت للتبعيض، فيقولون هي زائدة، وحملها على الزيادة الحقيقية بمعنى أنها ملغاة من القرءان يقتضي الكفر، فإن من أنكر حرفاً من كتاب الله ثابتاً بالتواتر يكفر -والعياذ بالله- وهذا لا يقوله جاهل من عوامّ المسلمين، فضلاً عن علماء الأمة الذين هم أهل العلم، والدراية، والرواية، فلا ينبغي للإنسان أن يكون بسيط الفهم ساذجاً ينكر على العلماء -رحمة الله عليهم-، دون تروٍ، وفهمٍ لمقصودهم فإذا قالوا قراءة شاذّة، أو حرفاً زائداً؛ فليس مرادهم الشّذوذ بمعنى الانتقاص، والتحقير، ولا الزيادة بمعنى الإلغاء؛ إنما هو معنى موجود في هذه الحروف بأصل اللغة، والقرآن جاء بهذه اللغة التي من معانيها ما ذكروه،
ولذلك تأتي الباء لأكثر من عشرة معان جمعها بعض الفضلاء بقوله:
تَعَد لُصُوقاً واسْتَعنْ بِتَسَبُّبٍ ... وبَدل صِحَاباً قَابَلُوكَ بِالاسْتِعْلاوز ِدْ بَعْضَهُمْ ظَرْفَاً يَميناً ... تَحُزْ معَانِيَها كُلاَّ
الدليل الثاني لهم السُّنة: وهو: [أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضّأ، فمسح جميع رأسه]، كما ثبت ذلك في صفة وضوئه في الأحاديث الواردة في الصحيحين وغيرهما، ولم يحفظ عنه في حديث صحيح أنه اقتصر على بعض الرأس، أو جزء من الرأس، أو على ثلاث شعرات منه، فلو كان الاقتصار على البعض جائزاً لفعله، ولو مرة واحدة -صلوات الله وسلامه عليه-.
هذا بالنسبة لأدلة من قال بوجوب مسح الرأس كله.
وأما دليل من قال: إنه يجب مسح ربع الرأس، وهم الحنفية -رحمة الله عليهم-
فقد إحتجوا أولاً بالآية فقالوا:
إن قوله {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} الباء للتبعيض،
وهذا معروف في لغة العرب كما قال تعالى: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} (1) فليس المراد أنه أخذ الرأس كلِّه، ولكن أخذ البعض فَنُزِّل منزلة الكل،
وتقول:
أخذت برأس اليتيم، وليس المراد أنك أخذت بالرأس كلِّه؛ وإنما أخذت بعضه فكأنك أخذت الكل؛
لأنه بمجرد شدِّك لجزء من الرأس ينشدُّ جميع الرأس فيقال:
أخذ برأسه فقوله: {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} للتبعيض.
وأما الدليل الثاني فقد إحتجوا:
بحديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لما توضأ في غزوة تبوك:
[مسحَ بِنَاصِيَته، وعلى العِمَامَةِ] قالوا: والناصية تقدّر بربع الرأس، ولذلك يقدّرونها بأكثر أصابع الكفّ فلا يجزئ المسح بما دونها، وهذا أصل عندهم،
وتوضيحه من باب الفائدة: أن عندهم
(1) الأعراف، آية: 150.
****************************** **
أن أكثر الشيء منزل منزلة الكلِّ، وهذا أصل طردوه في مسائل لا تحصى كثرة في العبادة، والمعاملة، ولذلك تجدهم يصحّحون طواف من طاف أربعة أشواط بالبيت؛ لأنّ أكثر الطواف أربعة أشواط،
فلو ترك الثلاثة قالوا:
يصح، ويلزمه الجبران لما بقي، ولم يحكموا ببطلان جميع الطواف، وهكذا السعي،
هذا أصل عندهم أن أكثر الشيء منزل منزلة الكلِّ فقالوا:
إن ربع الرأس إذا مُسح بأكثر الأصابع يجزئ، ويكفى في هذا الفرض الذي أمر الله -عز وجل- بمسحه.
وأما الذين قالوا:
إنه يمسح ثلاث شعرات؛
فقد احتجوا بقوله تعالى:
{امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} قالوا: الباء للتبعيض،
وبناءً على ذلك يكون قوله:
{امْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} أي: بعض رؤوسكم، ولا يجب مسح كلِّ الرأس، وهذا البعض الذي يصدق عليه الجمع إنما هو الثلاث، فأكثر؛ لأنها أقلُّ الجمع،
وبناءً على ذلك قالوا:
أقلّ الرأس ثلاث شعرات، فإذا مسح الثلاث صدق عليه أنه مسح برأسه، وهكذا لو حلق في الحج، أو العمرة ثلاث شعرات، أو قصّر ثلاث شعرات أجزأه هذا أصل عندهم -رحمة الله عليهم-.
هذه حاصل أدلة من قال بالتبعيض يبقى فقط القول الأخير الذي حكيناه رواية عن الإمام مالك أن الثلث من الرأس يجزئ هذا أصل عند المالكية -أيضاً- أن الثلث فرق عندهم بين القليل والكثير في العبادات، والمعاملات، ومنها ثلث الخفّ إذا كان مخرقاً في المسح على الخفين، وهكذا في المعاملات كما في مسألة المساقاة، والمزارعة إذا كان في الأرض المساقى عليها بياض دون ثلثها الذي سُقِىَ عليه لحق المساقاة، وجاز أن يتعامل مع العامل على إحيائه،
وزراعته قالوا:
إِن إِعتبار الثلث فرقاً في المذهب بين القليل، والكثير مبني على السنة الصحيحة وذلك في حديث سعد -رضي الله عنه- في الصحيح أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال:
[الثُّلثُ، والثُّلُثُ كَثير] قالوا: إنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: [الثُّلُثُ كَثيرٌ] فوصفه بكونه كثيراً فصار حكماً شرعياً في الفرق بين القليل، والكثير عندنا، فمن مسح ثلث رأسه فإنه يُجزيه هذا قول طائفة من أصحاب الإمام مالك -رحمة الله عليه- لكن المذهب على وجوب مسح الكلِّ.
هذه محصّل حجج العلماء في مسألة المسح على الرأس.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بوجوب مسح الرأس كلّه،
وذلك لما يأتي:
أولاً: لظاهر القرآن فإنّ حمل الباء على التبعيض تجوّزٌ، والأصل حملها على ما ذكر من الإلصاق لأنه أقرب إلى معنى المسح،
فإنّ قولك:
مسحت برأسه على أنه للإلصاق أقرب من قولك: إنه للتبعيض؛ لأن التبعيض خلاف الأصل، ولذلك يأتي غالباً في المعاني المجازية.
الأمر الثاني: أن السنة التي اُحتج بها على التبعيض،
في دليل القول الثاني الذين قالوا بوجوب مسح ربع الرأس يجاب عنها:
بأن الحديث فيه مسح بناصيته، وعلى العمامة، فَيصِحُّ الاستدلال بهذا الحديث أنْ لو اقتصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مسح الناصية، بل نقلب دلالة هذا الحديث، ونقول هو حجة لنا لا علينا؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتبع الناصية بالعمامة فدل على وجوب مسح جميع الرأس لكن هنا إشكال أورده الحنفية -رحمة الله عليهم -
قالوا:
لو قلتم إن مسحه للعمامة المراد به مسح فرض لبطلت أصولكم؛ لأنه لا يصح في الأصل أن يجُمع بين البدل، وبين المبدل؛ فإن الرأس إما أن يمسح عليه، أو يمسح على العمامة، فإما أن تقولوا مسح على الفرض، وهو الناصية ويكون مسحه على العمامة لاغٍ؛ فيستقيم دليلنا،
أو تقولوا:
مسح على العمامة، والناصية ملغاة، وهذا خلاف الظاهر فكيف الجواب عن هذا الإشكال؟
والجواب:
أن يقال: إن المسح على العمامة في هذا الحديث هو الأصل؛ ولكن يجوز في العمامة أن يُكشف ما جرت العادة بكشفه بدليل أن من تعمّم العمامة المعروفة فإن السوالف تخرج، والخارج المعتاد مغتفر في المسح على العمامة، ولكنه يمُسح إبقاء على الأصل، والناصية كشفها صنيع أهل الفضل، لأن أهل الفضل لا يبالغون في إِرخاء ستر الوجه إلى حواجبهم؛ لأن ذلك غالباً من صنيع أهل الكبر، والخيلاء،
ولذلك قالوا:
إنه يُكشف عن الناصية، ويكون كشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها في هذا الحديث؛ إنما هو من باب ما جرت به العادة بكشفه، فلا يرد ما ذكروه، ويكون مسحه على العمامة أصلاً، ومسحه على الناصية تبعاً، وبناءً على ذلك لا يرد هذا الإشكال، ويستقيم مذهب من قال بوجوب مسح جميع الرأس.
أما استدلال بعض المالكية بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال:
[الثُّلثُ، والثلُثُ كَثِيرٌ] نقول يصح الاستدلال بهذا الحديث في ما طلب التقدير في جزءه، أي أننا نسلم الإستدلال به في الأمور التي إكتفى الشرع فيها بجزئها، لكن في الأمور التي أمر الشرع بها كُلاً لا يورد فيها مثل هذا النص الدال على تسامح الشرع في البعض، لأنّ مسح الرأس ظهر أن الشرع يريده كاملاً، وما ظهر أن الشرع يريده كاملاً لا يورد فيه ما دل على إجزاء البعض فيه كما في بقية الفروض التي قصد الشرع غسلها كاملة كاليد مثلاً،
فليس لقائل أن يقول:
يغسل الإنسان ثلث يده لأنّ النبي -عليه الصلاة والسلام-
قال:
[الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِير] لأننا نقول إن اليد أمر الشرع بغسلها كلها، وكذلك هنا في الرأس أمر بمسحه كله، فلا يستقيم الإحتجاج بهذا الحديث، وبهذا يترجح القول بمسح الرأس كله والله تعالى أعلى وأعلم.
والسنة عنه عليه الصلاة والسلام في مسحه لشعره: أنه بدأ من مقدمه حتى بلغ قفاه، ثم رجع إلى مُقَدَّمِهِ هكذا ثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه وأرضاه-
قال:
[بدأ بمقدم رأسه حتى بلغ قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذي، بدأ منه].
وقال بعض العلماء: بل يبدأ من القفا حتى يصل بهما إلى المقدم، ثم يعود إلى القفا،
واحتجوا بحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه المتقدم وفيه:
" أَقبلَ بِهما، وأَدبر "
قالوا: " أقبل بهما " أي: من القفا إلى المُقَدَّمِ،
وأدبر أي:
ردهما إلى القَفَا.
والذي يظهر:
أن قوله: [أقْبَلَ بِهما، وأَدبر] من باب تقديم المؤخر،
وتأخير المُقَدَّمِ وهو معنى معروف في لغة العرب أنهم يقولون:
أقْبلَ، وأَدبر،
ومرادهم:
أنه أدبَر، ثم أقْبل،
ومنه قول إمرؤ القيس يصف جوادَه:
مِكَرٍ مِفَرٍ مقْبِلٍ مُدْبرٍ مَعاً ... كجُلْمُود ِصَخْرٍ حَطهُ السيلُ مِنْ عَلِ
فإن قوله:
(مكرٍ، مفرٍ) مراده به: أنه فرَّ أولاً، ثم كرَّ بعد ذلك؛ لأن الكَرَّ لا يكون إلا بعد الفرار، فالفارس يفرُّ أولاً، ثم بعد ذلك يَكِرُّ،
فيكون قوله:
مِكَرٍ، مِفَرٍ من باب تقديم المؤخر، وتأخير المُقَدَّمِ،
وكذلك قوله:
(مُقْبلٍ، مُدبرٍ معاً) فإن الأصل أنه: أدبر أولاً، ثم أقبل على العدو،
فهذا معروف في اللغة فيكون قول الصحابي رضي الله عنه في صفة مسحه عليه الصلاة والسلام:
[فأقْبل بهما، وأَدبر] محمولاً على هذا المعنى: أنه أدبر، ثم أقبل.
وهناك وجه ثالث قال أصحابه فيه: نجمع بين الحديثين،
وهو أن قوله:
[أقبل بهما، وأدبر] المراد به بكلتا اليدين، فإحداهما مقبلة، والأخرى مدبرة، فيضع يديه في منتصف الرأس، ويقبل باليمنى إلى مقدّم الرأس، ويدبر باليسرى إلى مؤخره،
والصحيح:
ما ذكرناه أنه أقبل بهما،
وأدبر المراد به:
أدبر بهما،
ثم أقبل للرواية المبيّنة وهي قوله رضي الله عنه:
[بدأَ بِمُقدّم رَأسِه حتّى إنتَهى إِلى قَفاهُ، ثمّ رَدّهما إلى المكان الذي بدأ منه].
قوله رحمه الله: [وغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ]: هذا الفرض الرابع الذي أمر الله بغسله، وهو الرجلان، وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله على أن غسل الرجلين من فرائض الوضوء.
وخالف بعض من لا يعتد بخلافه،
وقالوا:
إن الرجلين يجب مسحهما، ولا يجب غسلهما.
قالوا إن قوله:
{وأرجلِكم} بالجر في قراءة معطوف على قوله: {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}،
وبناءً على ذلك يكون التقدير:
{وامْسَحُوا أرجلَكم} وهذه القراءة يجاب عنها: بأن قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} الجر فيها للمجاورة،
ومنه قول الشاعر:
لَعِبَ الزَّمانُ بِها بَعْدي ... وغيَّرها سوافي المَورِ والقَطْرِ
فإن الأصل:
والقطرُ أي: غيّرها القطرُ فقوله: والقطرِ راعى فيه الجرَّ بالمجاورة لقوله: المورِ،
وإلا فالأصل في التقدير أن يقول:
والقطرُ،
ولا يقول:
والقطرِ، وأما قراءة النّصبِ فهي قوية واضحة في الدلالة على الوجوب، وأن الرجلينِ فَرضُهما الغسلُ، لا المسح، ثم يجب غسل الرجلين من أطراف الأصابع إلى الكعبين والكعبان داخلان في الغاية، والخلاف فيهما كالخلاف في المرفقين، فالمقصود أنه يجب غسل الكعبين والكعبان هما العظمان الناتئان في آخر الساق، ويجب غسلهما، فلو غسل رجليه، ولم يغسل الكعبين لم يصح وضوءه؛ لأن الله أمر بغسلهما،
وقال:
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} أي مع الكعبين؛ لأن الغاية داخلة في المغيا فهي من جنسها فإن الكعبين ليسا من الساق، وإنما هما من القدم، والقدم في الظاهر عليهما، لأن حركته ووضعَه في رفعه قائم على الكعبين، فهما من القدم، وليسا من الساق، وبناءً على ذلك يجب غسل الرجلين، ولا يجزئ مسحهما.
وببيان ما سبق نكون قد إِنتهينا من أربعة فرائض، والفرض الأخير هذا ثبت وجوبه بدليل الكتاب كما قلنا في الآية وبدليل السُّنة من مواظبته -عليه الصلاة والسلام- على غسل رجليه إذا لم يكن عليهما خفٌّ، أو جورب، والإجماع،
فليس هناك أحد من أهل العلم رحمهم الله يقول:
إنّ الرجلين لا يجب غسلهما إلا الخلاف الشاذّ الذي أشرنا إليه سابقاً، يُستثنى من ذلك المسح على الخفين، والجوربين فإنه إذا غطى قدميه بالخفين نُزِّل المسحُ منزلةَ الغسلِ؛ لثبوت ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأحاديث المتواترة، ولذلك ورد عن أكثر من ستين من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح على خفّيه، حتى إن أهل السنة، والجماعة إذا ذكروا عقيدة أهل السُّنة، والجماعة أدخلوا فيها سُنِّية المسح على الخفين؛ مبالغة في ردّ قول أهل البدع، والأهواء الذين لا يرون المسح على الخفين؛ لأنه ورد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالأحاديث المتواترة كما قال صاحب طلعة الأنوار رحمه الله:
ثمّ مِنَ المشْهُورِ ما تَواتَرا ... وهْوَ ما يرْويهِ جَمعٌ حُظِرا كَذِبُهم عُرْفاً كَمسْحِ الخفِّ ... رفعُ اليَديْنِ عَادِمٌ للخُلفِ وقَدْ روى حَديثَهُ مَنْ كَتَبا ... أكثرُ مِنْ سِتّينَ مِمّن صَحِبا أي أن المسح على الخفين ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام ورد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أكثر من ستين من أصحابه -صلوات الله وسلامه عليه- و -رضي الله عنهم أجمعين- فيُنزَّل المسح على الخفين منزلة غسل الرجلين لإذن الشريعة به،
ولذلك قال بعض المفسرين في قوله:
{وَأَرْجُلَكُمْ} في قراءة الجر قال: إنها محمولة على حالة المسح على الخفين، وينزّل الجوربان منزلةَ الخفين على أصح قولي العلماء رحمهم الله كما سيأتي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20-06-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (25)

صـــــ175 إلى صــ180

{باب فروض الوضوء وصفته}

قوله رحمه الله: [والتّرتِيبُ]: يقال رتّب الأشياءَ: إذا جعل كل شيء منها في موضعه، وجعلها تلو بعض، فقدّم ما حقّه التقديم، وأخّر ما حقّه التأخير
والمراد بقوله هنا: الترتيب؛ أن يُوقع الغَسلَ، والمسح على التّرتيب الذي جاءت به آية المائدة، فيبدأ بغسل وجهه، ثم غسل يديه، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه، فلو قدم مسح الرأس على غسل الوجه لم يُجْزِه، ولو قدّم غسل الرجلين على مسح الرأس لم يُجْزِه، وهكذا.
إذاً الترتيب أن يوقع الأعضاء المأمور بغسلها، ومسحها على وفق آية المائدة.
وهذا الترتيب دلّ عليه دليل الكتاب: فإن الله -عز وجل- أمر بغسل الوجه، ثم أتبع الوجه اليدين، ثم أتبعهما بمسح الرأس، ثم أتبع الجميع بغسل الرجلين، والواو لا تقتضي الترتيب في لغة العرب إلا عند وجود القرائن الدالة على الترتيب،
فهو ليس بأصل فيها فأنت إذا قلت مثلاً:
جاء محمد، وعلي لا يستلزم ذلك أن يكون محمد جاء أولاً،
ثم من بعده علي إذ يجوز أن تقول:
جاء محمد، وعلي، وقد كان علي قد جاء أولاً،
ويجوز أن تقول:
جاء محمد، وعلي وقد جاءا مع بعضهما،
لا يسبق أحدهما الآخر إذاً فالواو في قوله:
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} وقوله بعد ذلك: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُم} الواو في هذه الأربع لا تفيد التّرتيب نصّاً لكن فُهِم الترتيبُ من سياقها، وذلك أنه لا معنى لإدخال الممسوح بين المغسولين إلا إرادة التّرتيب الوارد فإن الله -عز وجل- أدخل المسح على الرأس، وهو ممسوح، وجعله بين مغسولين، وهما اليدان، والرجلان، فلو كان الترتيب ليس بلازم لذكر المغسولات أولاً، ثم أتبع بالممسوح، أو ذكر الممسوح أولاً، ثم أتبع بالمغسول، فلا وجه لإدخال المسح بين الغسل على هذه الصورة إلا إرادة الترتيب بين تلك الأعضاء بحسب ورودها في الآية الكريمة.
ثانياً: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال للأعرابي:
[تَوضّأ كَمَا أَمَركَ الله -عز وجل-] أي على الصفة التي وردت في كتاب الله -عز وجل- وقد وردت فيه مرتبة.
ثالثاً: أنه لم يحفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه توضاً فقدم عضواً على عضو على خلاف ترتيب الآية الكريمة.
لكن هنا إشكال في الحديث الذي ورد من كونه -عليه الصلاة والسلام- تمضمض بعد أن غسل وجهه، فكيف نجيب عن هذا الإشكال؟
والجواب: أن الترتيب في أعضاء الوضوء يقع على الصور التالية:
أولاً: الترتيب بين مفروض، ومفروض.
ثانياً: الترتيب بين مسنون، ومسنون.
ثالثاً: الترتيب بين مفروض، ومسنون.فأما الترتيب بين مفروض، ومفروض فكغسل اليدين بعد غسل الوجه، وهو مفروض، ولازم.
وأما الترتيب بين مسنون، ومسنون فكالترتيب بين المضمضة، والإستنشاق بأن يوقع المضمضة أولاً، ثم يستنشق بعدها، وهو مسنون.
وأما الترتيب بين مفروض، ومسنون؛ فكالمضمضة، والإستنشاق، مع غسل الوجه يبدأ بالمضمضة أولاً، ثم الإستنشاق وكلاهما سنة، ثم يغسل وجهه، وهو الفرض، وهذا الترتيب مسنون أيضاً، والذي ورد في الحديث من كونه غسل وجهه، ثم تمضمض؛ إنما هو بين مسنون، ومفروض، ومحل الكلام فيما بين المفروضات، وبناءً على ذلك يكون هذا الحديث لا علاقة له بالترتيب الواجب، ولا يصحّ الإستدلال به على إسقاطه، وهذا أمر يُغْفِله بعض طلاب العلم أنه يحتج بهذا الحديث على إلغاء الترتيب، وليس في الحديث دلالة؛ إنما يستقيم الإستدلال بالحديث أن لو غسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه قبل وجهه، أو قدّم مسح رأسه على غسل اليدين؛ أما عدم الترتيب بين المسنونات، أو بينها، وبين الفرائض؛ فالأمر فيه واسع ليس كالفرائض.
هذا الترتيب إنما هو في الفرائض إذا كان بين عضو، وعضو، كما قدمنا في ترتيب اليدين بعد الوجه، وأما إذا كان العضو واحداً متعدداً، كالأعضاء المثناة، فلا يجب الترتيب، ففي اليدين والرجلين يجوز لك أن تغسل اليمنى قبل اليسرى، وأن تغسل اليسرى قبل اليمنى، ولا يشترط الترتيب بين اليمنى، واليسرى؛ لأنّ الله -عز وجل- أمر بغسل اليدين مطلقاً، وهذا قد غسل يديه، وفِعْلُ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتقديم اليمنى على اليسرى كمالٌ؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: [كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُه التَّيمنُ في تَنَعُّلِهِ، وتَرجُّلِه، وطُهُورِهِ، وفي شَأنِه كُلِّه]، وبناءً على ذلك لا يجب الترتيب بين المسنونات، ولا بين الأعضاء المثناة كاليدين والرجلين.
قوله رحمه الله:
[والموالاة]: المراد به أن تقع هذه الفروض على الولاء بعضها يلي بعضاً، دون وجود فاصل مؤثر،
وتوضيح ذلك:
أن يغسل وجهه، ثم يقوم بغسل يديه قبل أن ينشف وجهه، ثم يمسح رأسه قبل أن تنشف يداه، ثم يغسل رجله قبل أن ينشف الماء الذي مُسح به رأسه، هذا هو مراد العلماء بالموالاة،
ولذلك قال العلماء ضابطها: أن لا ينشف العضو المفروض قبل أن يبدأ بالفرض الذي يليه،
مثال ذلك:
لو أن إنساناً توضأ في بيته، ثم انقطع الماء أثناء الوضوء، وكان قد غسل وجهه، فقام من موضعه إلى موضع آخر فيه الماء، ومشى حتى بلغه فحينئذ ننظر فإن كان الفاصل الذي بين انقطاع الماء، وغسله للعضو فاصلاً مؤثراً؛ بمعنى أنه ينشف فيه العضو في الزمان المعتدل الذي هو ليس بشديد البرد، والحر، (لأن الحر فيه نوع من الرطوبة خاصة إذا كان الإنسان في الظل فيبقى العضو طرياً إلى أمد أكثر والبرد مع الهواء، والريح يحصل به النشاف بسرعة) فلو قُدِّر مثلاً إلى خمس دقائق أن العضو في الزمان المعتدل ينشف نقول: إذا مضت خمس دقائق ما بين غسله لوجهه، وغسله ليديه بعد عثوره على الماء بطل وضوءه، وإن كان دون ذلك صحَّ، ولم يؤثر وجود هذا الفاصل.
والأصل في فرضية الموالاة دليل السنة،
وذلك:
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [لمّا رأى على قَدَمِ الرَّجُلِ قَدْرَ لُمْعَةٍ لَمْ يُصِبْها الماءُ أَمَره أَنْ يُعيدَ وضُوءَه، وصَلاَته]-صلوات الله وسلامه عليه- فدلّ هذا على أن الولاء من فرائض الوضوء لأن أمره بإعادة الوضوء يدل دلالة واضحة على بطلان الوضوء بغير موالاة.
قال رحمه الله: [والنِّيةُ شَرْطٌ لِطَهارةِ الأَحْداثِ كُلِّها]:
النِّية: مأخوذة من قولهم نوى الشيء، ينويه نيّة، ونيَة بالتخفيف، والتّشديد.
والنِّية في لغة العرب معناها:
القصد،
تقول:
نويت الشيء إذا قصدته، سواء كان ذلك في القول،
أو الفعل وقولهم أعني العلماء رحمهم الله:
(النّية شرطٌ في طهارة الأَحداثِ) مرادهم بذلك أن يقصد المكلف العبادة،
ويكون قصده مشتملاً على أمرين:
الأول: التقرب لله -جل وعلا-،
والثاني:
رفع الحدث،
واستباحة ما تشترط الطهارة لفعله:
كالصلاة، والطواف، ولمس المصحف.
والأصل في وجوب النية، ولزومها في العبادات قول الله -تعالى-
مخاطباً نبيه:
{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (1) فقوله تعالى: {فَاعْبُدِ} أمر وقوله سبحانه: {مُخْلِصًا} أي حال كونك مُخْلِصًا له الدين، ومن المعلوم أنه لا يتحقق الإخلاص إلا بتجريد النية لله، وبناء على ذلك توقف اعتبار العبادة على نية القربة، فلو أن إنساناً أراد أن يصلي، ولم يقصد العبادة لله -جل وعلا- أو فعل أفعال الصلاة وقصد بها رياضة البدن فإنها لا تعتبر عبادة مجزئة، إذاً لا بد في العبادة من قصد القربة لله -سبحانه وتعالى-، والوضوء عبادة من العبادات، فهو داخل تحت هذا الأمر، فتجب فيه النية.
وأما قصد رفع الحدث؛ فهو أعم المقاصد في النية في الطهارة، وبه يرتفع الحدث الأصغر والأكبر، فيستبيح فعل جميع ما تشترط له الطهارة، دون استثناء،
وأما إذا قصد استباحة معين لزمه تعيينه في قول الجمهور لحديث عمر رضي الله عنه أنَّ النبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكُلِّ امرئٍ ما نوى] فقد دل الحديث بمنطوقه على أن من نوى شيئاً كان له، وبمفهومه أن من لم ينو شيئاً لم يكن له، فأخذوا منه دليلاً على التفريق بين نية رفع الحدث العامة، ونية الإستباحة الخاصة، وهذا النوع الثاني في النية وهو قصد رفع الحدث، أو الإستباحة الخاصة هو الذي يقصده العلماء رحمهم الله في مسألة نية الوضوء،
وأما النوع الأول:
وهو الإخلاص، وقصد القربة لله عز وجل، فإنه معلوم من الشرع بداهة لأن
(1) الزمر، آية: 2.
**********************
العلماء أجمعوا على أن العبادات لا تصح إلا بنية، وقد قرر الإمام الشاطبي -رحمه الله- مبحثاً نفيساً ينبغي على طالب العلم أن يرجع إليه في كتابه الموافقات في الجزء الأول منه حيث عقد فصلاً كاملاً لتقرير وجوب النية، ولزومها في العبادات، وبيّن وجه اعتبار الشرع لها، وإلزامه للمكلف بها، الشاهد من هذا أنه لا يصح إيقاع الوضوء، والغسل من الجنابة، وغيرها على الوجه المعتبر شرعاً إلا إذا نوى الإنسان به رفع الحدث، أو الإستباحة على التفصيل المتقدم، فلو أن إنساناً غسل، ومسح أعضاء الوضوء قاصداً التبرد، أو نظافة البدن لم يُجْزِهِ ذلك الوضوء؛ إلا إذا نوى به الوضوء الشرعي، وكذلك الحال لو أنه كانت على الرجل جنابة، أو إمرأة طهرت من حيضها ثم انغمس كل منهما في بركة، وكان عند انغماسه قاصداً التبرد في زمان صيف، فإن هذه النية لا تجزيهما، ويلزمهما الغسل مرة ثانية بنيّة رفع حدث الجنابة، والحيض وهذا هو الذي عبّر المصنف -رحمه الله-
عنه بقوله:
[لِطَهارةِ الأحداث] والأحداث هنا عامة أي سواء كانت صغرى، أو كبرى،
ومفهوم قوله:
[الأحداث] أن طهارة الخبث لا تشترط لها النية، لأنها من الوسائل، وليست من المقاصد، والإجماع على أن الوسائل لا تشترط لها النية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-07-2020, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (27)

صـــــ188 إلى صــ197

قوله رحمه الله: [وتُسَنُّ عنْدَ أوّلِ مَسْنوناتها]: إذاً للنية حالتان:
الحالة الأولى: أنها تجب عند أول واجب، ويختلف ذلك بحسب إختلاف العلماء، فإن قلت التسمية واجبة فعند التسمية، وإن قلنا إن أول الواجبات هو المضمضة، والإستنشاق تكون نيّته عند إرادة المضمضة والإستنشاق، وإن قلنا إن أول واجب هو غسل الوجه كانت نيته واجبة عند ابتداءه بغسل وجهه وهو الصحيح إلا في حال الإستيقاظ من النوم، فتكون نيته عند إرادة غسله لكفيه.
وأما الحالة الثانية فقد أشار إليها بهذه العبارة وهي:قوله رحمه الله: [وتُسنّ عِنْد أوّلِ مَسْنُوناتها إِنْ وُجِدَ قَبل واجبٍ]: أي أنّ النّية تُسنُّ عنْد أوّل مسنونات الطهارة إن وجد قبل واجب، ويتأتى هذا في غسل الكفين لغير المستيقظ من نومه؛ حيث يكون غسله لكفيه سنة، فتسن النية عند إبتدائه الغسل لهما، وهما في هذه الحالة قبل أول واجب، وهو غسل الوجه إن قلنا بعدم وجوب التسمية، وأما إذا قلنا بوجوب التسمية عند الذكر، وسقوطها عند النسيان، فنسيها عند إبتداء وضوئه في هذه الحالة يكون المسنون قبل الواجب وهو غسل الكفين، لأنه في غير حالة الإستيقاظ من النوم فتسن النية حينئذ عند أول مسنون وهو غسل الكفين لأنه وُجِدَ قبل الواجب.
قوله رحمه الله:
[واستصحاب ذكرها في جميعها]: الإستصحاب إستفعال من صحب الشيء إذا لازمه، وكان معه،
ومنه:
الصاحب،
والمراد باستصحاب ذكرها أي:
أن يستصحب ذكر النية فالضمير عائد إلى النية،
وقوله:
[في جميعها] أي: جميع الطهارة صغرى كانت، أو كبرى، وعليه فإنه يلزمه إستصحاب قصد رفع الحدث من بداية الوضوء إلى نهايته، وهكذا الحال في الغسل، وهذا هو أحد الوجهين عند العلماء رحمهم الله.
وهناك وجه ثان أن العبادة التي لا يقع فاصل بينها بأجنبي يجزيء أن تكون النية في أولها، ولا يلزمه الإستصحاب، ولكن ينبغي أن لا يقع منه إلغاء لها حتى ينتهي من فعلها.
وهذا الوجه هو الأقوى، وعليه فالمهم أن يستحضر النية في أول الوضوء، ولا ينقضها بشيء حتى ينتهى منه، وهكذا الحال في غُسله.
قوله رحمه الله:
[وصِفَةُ الوضُوءِ]: بعد أن بين لنا -رحمه الله- فرائض الوضوء وشرط صحته من النية شرع في بيان صفة الوضوء،
وللفقهاء في طريقة بيانها مسلكان:
بعضهم يبدأ بصفة الوضوء الكاملة، ثم يذكر بعدها صفة الإجزاء المعبَّر عنها بفرائض الوضوء، وشرائط صحته، وممن مشى على هذا المسلك الإمام ابن قدامة -رحمة الله عليه- في كتابه العمدة حيث قدّم الصفة الكاملة، ثم أتبعها ببيان صفة الإجزاء،
وهذا المسلك أنسب من وجهين:
الأول: مراعاة الأدب، وذلك بالإبتداء بذكر هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكامل في عبادة الوضوء.
والثاني:
أن التكرار فيه محمود بخلاف المسلك الأول.
قوله رحمه الله: [وصِفَةُ الوُضُوءِ]: صفة الشيء: حِلْيته، وما يتميز به، ولما كان الوضوء قد أمر الشرع فيه بغسل، ومسح أعضاء مخصوصة؛
فإن له صفتين:

الأولى:
صفة الكمال.
والثانية: صفة الإجزاء.
أما صفة الكمال:
فهي الصفة التي توضّأ بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حال الإسباغ كما في الصحيحين من حديثي عثمان، وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما، وهي أكمل ما يكون عليه إيقاع هذه العبادة؛ لأن المكلف يحصل بها أعلى درجاتها،
وأما صفة الإجزاء:
فهي الصفة التي إذا فعلها أجزأه وضوءه؛ كأن يكون الماء عنده قليل، ويخشى أنه لو فعل المسنونات لا يستطيع غسل المفروضات؛ فيقتصر على صفة الإجزاء.
هذا وجه تقسيم الوضوء إلى صفة إجزاء، وكمال، والسبب في هذا التقسيم أنه يستفاد منه في الحكم بصحة الوضوء، وعدم صحته في حال ترك شيءٍ منه، فإن كان المتروك فرضاً حكمنا بعدم صحته، وإن كان مسنوناً حكمنا بالصحة، وعدم تأثير تركه؛ إلا في نقصان الأجر.
قوله رحمه الله:
[أَنْ يَنْوِي، ثُمَّ يُسَمِّيَ، ويَغْسِلَ كفيهِ ثَلاثاً]: تقدم الكلام على النّية، وعلى التَّسْمِية،
وقوله:
[ويغسلَ كفّيهِ ثَلاثاً] الأصل فيه ما ثبت في الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حديث عثمان، وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما، وكذلك في حديث علي -رضي الله عنه- في السنن أنه -عليه الصلاة والسلام- إفتتح وضوءه بغسل كفِّيه، ولذلك يعتبر غسل الكفّين في الوضوء أول المسنونات إذا لم يكن الإنسان مستيقظاً من النوم لأنه يكون حينئذ يكون واجباً على أصحِّ قولي العلماء رحمهم الله في حكمه وقد تقدم معنا بيان حقيقة الكفين، وأحوالهما، وحكمهما في أول الوضوء.
قوله رحمه الله:
[ثمّ يتمضْمَضَ، ويَسْتنشِقَ]: تقدم معنا بيان حقيقة المضمضة، والإستنشاق، وخلاف العلماء رحمهم الله في حكمهما.
قوله رحمه الله: [ويستنشق]: الإستنشاق: استفعال من النَّشق، وأصل النَّشق جَذْبُ الشيءِ إلى الخياشيم بالنَّفَسِ، ومنه سمي النَّشوق نشوقاً؛ لأنه يُستعط، ويُجذب بالنَّفَسِ، والإستنشاق ظاهره مبني على ما قدمنا، وأما إخراج الماء المستنشق فيسمى إستنثاراً، وثبت في الصحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال:
[إِذَا توضّأَ أَحدُكُمْ فَليسْتَنْشِقْ بمِنْخَريْهِ] وظاهره ليس فيه تعرّض للإستنثار،
ولذلك قال بعض العلماء:
إذا استنشق يعني جذب الماء تحقق الإستنشاق، ولا يلزمه الاستنثار يعني الطرّح.
والصحيح أن تعبير الشرع بالإستنشاق متضمن لطلب الإستنثار؛ لأن الإنسان إذا استنشق لا يصبر على بقاء الماء حتى ينثره، وفائدة إِشتراط النّثر أن الإنسان إذا عصر أنفه دون أن ينثر لم يكن محققاً للاستنشاق على أكمل صوره،
ولذلك لا بد من النَّثْرِ كما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
[إِذَا تَوضّأ أحدُكُمْ فَلْيَجْعلْ على أَنفِهِ ماءً]، هذا الإستنشاق،
ثم قال:
[ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ] أي ليطرح لأن النَّثْرَ في اللغة: هو الطرح،
فقوله:
[لِيَنْتَثرْ] أي: لينثر الماءَ الذي جَذبَه بِنَفَسِه إلى خياشيمه، ولذلك لا بد من النَّثر لأن المقصود من إدخال الماء تطهير هذا الموضع، فإذا كان يعصره دون أن يكون منه نثر لم يتحقق به كمال التطهير لهذا الموضع.
قال رحمه الله: [ويَغسلَ وجْهَه منْ مَنابِتِ شَعرِ الرَّأسِ إلى ما انحدَرَ مِنَ اللّحْيَينِ، والذِّقْنِ طُوُلاً]: قوله [ويَغْسلَ وجْهَهَ] الوجه: تقدم أنه من المواجهة، وبيّنا كلام العلماء في الوجه، ودليل وجوب غسله والآن نبيّنُ حدَّ الوجْهِ.
أما طولاً فقالوا: إنه من منابت الشعر الذي يكون في ناصية الإنسان إلى ما انحدر من اللّحييْنِ، وهما الفكّان السُّفليان الأيمن منهما، والأيسر إلى ما انحدر منهما،
والسبب في تعبير المصنف بقوله: [إلى ما إنحدر]؛ لأنه لا يمكن إستيعاب الوجه كاملاً إلا بأخذ جزء يسير مما جاوره حتى يستوعب المحل المفروض غسله، فما انحدر من اللّحْيين هو الغاية في الغسل، والتي بها يتمكن من إستيعاب جميع الوجه،
وقوله:
[مِنْ مَنابتِ شَعَرِ الرَّأسِ] المراد به المكان بغضِّ النَّظر عن كون الشعر موجوداً، أو غير موجود كما في الأصلع، فالعبرة بمكان نبات الشّعر من الناصية، هذا كلّه في حدِّ الوجه طولاً،
أما حدُّه عرضاً فقد بيّنه بقوله رحمه الله:
[ومِنَ الأُذنِ إلى الأُذنِ عَرْضاً] من الأُذنِ إلى الأُذنِ، وهذا الحدّ يُدْخل البياض الذي بين الأذن، وشعر اللحية في العارضتين بالنسبة لمن كانت له لحية.
قوله رحمه الله: [وما فِيه مِنْ شَعَرٍ خَفيفٍ]: أي في الوجه فالضمير عائد إليه، والمراد أنه يجب عليه غسل الشعر الخفيف الموجود في الوجه؛ لأنّ البشرة تُرى من تحته، وإذا كانت البشرة تُرى من تحته فإنه يجب عليه غسل الشعر، وغسل ما تحته؛ لأن المواجهة تتحقق بالشعر، وبما تحت الشعر من البشرة، فيجب غسل الجميع.
قال بعض الفضلاء في هذه المسألة:خَلّلْ أَصابعَ اليدينِ وشَعَرْ ... وَجْهٍ إِذا مِنْ تَحْتِه الجِلْدُ ظَهرْ
فقال رحمه الله:
(إذا من تحته الجلد ظهر)،
والمصنف رحمه الله قال:
[إِذَا كانَ الشعرُ خَفِيفاً] بمعنى أنك ترى البشرة من تحته؛ لأنك إذا رأيت البشرة من تحت الشعر، فإنه حينئذ تكون المواجهة قد حصلت بالشّعر، وبالبشرة فهذا هو وجه المطالبة بغسل كل منهما.
وقوله رحمه الله: [والظَّاهِر الكَثيف مَعَ مَا اسْتَرْسَل مِنْه] أي: ويجب عليه غسل ظاهر الشعر الكثيف وما استرسل منه،
فأصبحت اللّحية على حالتين:

الأولى: أن تكون خفيفة ترى البشرة من تحتها فالحكم أنه يجب غسل الإثنين؛ لأن المواجهة حصلت بهما، والله أمر بغسل الوجه فصدق على الإثنين؛ فلزم غسلهما معاً، لتحصيل المأمور به شرعاً.
والثانية: أن تكون كثيفة بمعنى أنها تحجب البشرة، فلا تُّرى مِنْ تحتها، فحينئذ يجب غسل الظاهر من اللحية فقط، لأنه هو الذي تحصل به المواجهة، وأما باطنها، وظاهر البشرة فلا مكان لهما في المواجهة لستر الشعر الكثيف لهما، فنزّل منزلَتهما، وأغنى غسل ظاهر اللحية الكثيفة عن غسل باطنها، وهذا هو فقه المسألة، وما استرسل من اللحية تابع لها؛ لأن المواجهة حصلت بالكلّ أعنى ظاهر اللحية، وما استرسل فوجب عليه غسلهما.
قوله رحمه الله: [ثمّ يديه إِلى المِرْفَقين]: ثم يغسل يديه مع المرفقين، وقد تقدم بيان حدِّ اليدين، ومعنى المرفقين، ودخولهما في غسل اليدين، وهنا ننبه على خطأ شائع عند كثير من الناس من العامة، فإنهم إذا توضؤوا يغسل الواحد منهم الكفين، ثم يتمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه، فإذا غسل يديه بدأ من آخر الكف فيغسل ساعده، ويغفل عن الكفّين، من فعل ذلك لا يصح وضوءه، وتلزمه إعادة الوضوء،
والصلاة لأن غسلهما أول الوضوء لا يجزئ عن غسلهما المفروض من وجهين:
الأول: أن المسنون لا يجزئ عن الفرض، فغسلهما في غير حال الإستيقاظ الأصل إستحبابه، فلا يجزئ عن الفرض.
الثاني: ولو وقع واجباً كما في حال غسلهما عند الإستيقاظ من النوم؛ فإنه لا يجزئ؛ لأنه سابق للوجه فيفوت فرض الترتيب، حيث لا يصح غسل اليدين، ولا بعضهما قبل غسل الوجه كما بيّناه في شرط الترتيب، وعليه فلا يجزيه بكل حال.
وكثير يقع في هذا، وينبغي تنبيههم.
قوله رحمه الله:
[ثُم يمسَحُ كل رأسه مَعَ الأذنيْنِ مرةً واحدةً]: شرع -رحمه الله- في بيانه للفرض الذي يلي غسل اليدين، وهو مسح الرأس،
فقال:
[ثم يمسحُ رأسَه كُلّه] وهذا على الصحيح، وقد تقدم بيان دليل وجوب مسح الرأس كله، وأنه هو الراجح من أقوال العلماء رحمهم الله،
وقوله:
[مَع الأذنين] أي: أن الأذنين تأخذان حكم الرأس، فيجب مسحهما؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
[الأذنَان مِنَ الرأسِ] وقد تقدم معنا بيان ذلك، وبيان صفة مسحهما مع الرأس،
وقوله رحمه الله:
[مرةً واحدةً] أي: أنه لا يثلث مسح الرأس حتى، ولو أسبغ الوضوء، فإذا غسل جميع الأعضاء ثلاثاً؛ فإن الرأس لا يمسحه إلا مرة واحدة، وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله، وذهب الشافعية رحمهم الله إلى القول بسنية التثليث في مسح الرأس، وإستدل الجمهور على مذهبهم بدليل النقل، والعقل،
أما دليلهم من النقل:
فهو السنة وذلك في أحاديث منها: حديث عثمان، وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما في صفة وضوء النبيِّ صلّى الله عليه، وسلم حيث بيَّنا أنه غسلَ جميع أعضاء الوضوء ثلاثاً، ولم يذكرا ذلك في مسح الرأس، فلم يفعله عثمان رضي الله عنه في وصفه لوضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وقال عبد الله رضي الله عنه:
[فأقبلَ بهما، وأدبَر] ولم يذكر أنه ثلث المسح.
وقد جاء التصريح بإقتصاره عليه الصلاة، والسلام على المرة الواحدة حتى في حال إسباغه،
كما في حديث علي رضي الله عنه حيث إنه وصف وضوء النبيِّ صلّى الله عليه وسلم:
[وأنه توضَّأَ فغسلَ كفّيه ثم مضمضَ ثلاثاً، واسْتَنْشَق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرةً ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثمّ قال: أحببتُ أنْ أُريَكُمْ كيفَ كان طُهُور رَسولِ الله صلّى الله عليه وسلم]. رواه الترمذي وصححه، وعن أنس رضي الله عنه مثله.
وفي حديث الربيع رضي الله عنها أنها رأتْ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضّأ فقالت: [مَسَحَ برأسِه ما أَقْبل منه، وما أَدْبر، وصَدْغَيه، وأُذُنيه مرةً واحدةً] رواه الترمذي، وصحّحه.
وأما دليلهم من العقل فقالوا: إِن تكرار المسح يجعل الممسوح مغسولاً، ومقصود الشرع في هذا العضو هو المسح، وليس الغسل.
وإستدل الشافعية رحمهم الله بحديث علي رضي الله عنه عند الدارقطني:
[أنه مَسحَ برَأسِه، وأُذنَيْهِ ثلاثاً] وسنده ضعيف.
وعليه فإنه يترجح القول بأن المسح لا يكون إلا مرةً واحدةً حتى ولو كان الوضوء ثلاثاً؛ لصحّة دلالة النقل، والعقل على ذلك، ولأنّ دليل القول بالتّثليث لم يثبت.
فائدة: إستدل بعضهم بحديث: [توضأَ ثلاثاً، ثلاثاً] على أنه عام فيشمل مسح الرأس،
وجوابه:
أنه محمول على الأغلب، لأن أحاديث الجمهور مفصّلة بيّنت أن التثليث كان في أغلب أعضاء الوضوء لا في كلّها فتُقدم على هذا الحديث الذي وصف وصفاً غالبياً.
قوله رحمه الله:
[ثمّ يغسلُ رجْلَيْه مع الكَعْبينِ]: ثم يغسل رجليه، وهذا هو الفرض الأخير غسل الرجلين، أو مسحهما إذا كان لابساً للخفين، أو الجوربين،
والكعبان يجب غسلهما مع القدم لقوله تعالى:
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} وقد تقدم بيان دليل وجوب غسل الرجلين إلى الكعبين، وهل الكعبان يجب غسلهما، أو لا؟ وذكرنا الأقوال، والأدلة، والراجح في هذه المسألة تبعاً للخلاف في المرفقين مع اليدين بما يغني عن الإعادة.
قوله رحمه الله:
[ويَغسِلُ الأَقْطعُ بَقيَّةَ المفروضِ]: لأنّ الله أمره بغسل الجميع، فإذا سقط عنه البعض لمكان العذر فإن سقوط البعض لا يقتضي سقوط الكل؛ فالخطاب متوجه عليه أن يغسل يده كاملة فإذا قُطع بعضُها، وبَقي ساعِده مثلاً فإن السَّاعد داخل في المأمور، فيجب عليه غسل ما بقي من الساعد بعد القطع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 300.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 294.77 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]