|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (11) التعريف بتاريخ السنة ومناهج المحدثين أولا : معنى تاريخ السنة : التاريخ لغة : مأخوذ من الفعل (أرخ) يقال : أرخ الكتاب :حدد تاريخه، وأرخ الحادث ونحوه : فصل تاريخه وحدد وقته(1). والتاريخ اصطلاحا : فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت،بل عما كان في العالم، وموضوعه : الإنسان والزمان(2). ومن خلال هذا التعريف للتاريخ، يمكننا تعريف (تاريخ السنة) بأنه : (الأدوار التي تقلبت فيها السنة أو المراحل التي مرت بها من لدن صدورها عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم إلى أن وصلت إلينا : من حفظ في الصدور، وتدوين في الصحف، وجمع لمنثورها، وتهذيب لكتبها، ونفي لما اندس فيها، واستنباط من عيونها، وتأليف بين كتبها، وشرح لغامضها... إلى غير ذلك مما يعرفه القائمون على خدمتها، والعاملون على نشر رايتها)(3). ثانيا : معنى مناهج المحدثين. في اللغة : المناهج جمع منهج،والمنهج – كما يقول أهل اللغة – هو الطريق أو السبيل الواضحة البينة، والمناهج والنهج : كالمنهج(4). قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) [ المائدة /48 ]. أي سبيلا وسنة. في الاصطلاح : الطرق أو السبل التي سلكها المحدثون في رواية الأحاديث وتصنيفها بحسب شروط معينة، والتعليق عليها. ويدخل في قولنا : (رواية الأحاديث) طرق التحمل والأداء الشفوية والكتابية، وزدنا (تصنيفها) في التعريف على قولنا (رواية الأحاديث) لأن الرواية قد لا تكون تصنيفا، كرواية الصحابة والتابعين رضي الله عنهم قبل بدء التصنيف. ثم إن قولنا (تصنيفه) يشمل مناهج التصنيف العامة، أي أنواع المصنفات في الحديث النبوي كالجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم. وقلنا (بحسب شروط معينة) لتدخل الصفات التي يلتزمها كل محدث في رواة الأحاديث التي يختارها لكتابة، وفي الوجه الذي يروي به كل راو عن الآخر. وقلنا و (التعليق عليها) لتدخل الفوائد الفقهية والإسنادية التي يبرزها أو يشير إليها كل واحد من المحدثين. (أي المنهج الخاص الذي يختص به كل محدث عن أمثاله). وهذا الشمول في التعريف أليق بمناهج المحدثين،كما أنه أوفى بالغرض من الاقتصار على المناهج في التأليف، سواء المناهج العامة في ترتيب الأحاديث،أو الخاصة الفقهية والفنية، لأن الشمول الذي ذكرناه يسلط الضوء على مناهج الرواية، وقد غفل عنها كثيرون،مع أنها ركن في معرفة انتقال الحديث عبر حلقات الإسناد انتقالا محكما محكوما بقواعد وضوابط دقيقة، تكفل سلامة النص في هذا الانتقال، وتحقق اتصال السند، كما تبين حال الراوي من مقابلة طريقته في الأداء للحديث بطريقة تلقيه لهذا الحديث،من حيث العدالة أو اختلالها،ومن حيث التوافق الصريح بينهما، أو التدليس في الأداء بما يوهم طريقة عالية في تلقي الحديث سوى التي أخذ بها الحديث، وغير ذلك(5). (1) المعجم الوسيط (1/13). (2) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص 7. (3) انظر : مفتاح السنة للخولي ص 5-6. (4) انظر : النهاية في غريب الحديث (4/185)، مختار الصحاح ص 681. (5) انظر : مناهج المحدثين العامة للدكتور نور الدين عتر ص 9-10، مناهج المحدثين العامة والخاصة للدكتور علي بقاعي ص 20.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (13) أهم المصنفات في تاريخ السنة ومناهج المحدثين لا يوجد في المصنفات القديمة مصنف يجمع بين دفتيه جميع المسائل المتصلة بتاريخ السنة ومناهج المحدثين، وإنما توجد مسائل متفرقة ومتناثرة لهذا العلم عولجت من خلال: 1- حديث المؤلف عن منهجه في كتابه في مقدمة كتابه كما في صحيح مسلم، أو ختامه كما في علل الترمذي الصغير الموجود في آخر سننه، أو في بحث مفرد كما في رسالة أبي داود لأهل مكة. 2- الكتابة عن شروط الأئمة في كتبهم، ككتاب " شروط الأئمة " لابن منده(395 هـ) وكتاب " شروط الأئمة الستة " للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي(507هـ) وكتاب " شروط الأئمة الخمسة " للإمام أبي بكر محمد بن موسى الحازمي(584هـ). 3- الكتابة عن خصائص بعض الكتب وختمها، ككتاب(خصائص المسند) للحافظ أبي موسى المديني(581 هـ) وكتاب(المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد) للإمام الجزري(832 هـ) وكتاب (عمدة القارئ والسامع في ختم الصحيح الجامع) للإمام السخاوي (902هـ) وكتاب (بغية الراغب المتمني في ختم النسائي رواية ابن السني) للسخاوي أيضا. 4- مقدمات الشروح التي كتبت على كتب الحديث، مثل: (هدي الساري مقدمة فتح الباري) للحافظ ابن حجر العسقلاني، ومقدمة (فتح الملهم شرح صحيح مسلم) للشيخ شبير أحمد العثماني، ومقدمة (تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) للمباركفوري، وهي مقدمات فياضة. 5- بحوث في مصادر علوم الحديث، لمناسبة التعريف بكتاب من كتب الحديث المهمة الستة أو غيرها، حين يأتي ذكره في هذا المؤلف، كما في (علوم الحديث) لابن الصلاح، والنكت عليه للحافظ ابن حجر، وكتاب (فتح المغيث) للسخاوي، و (تدريب الراوي) للسيوطي. ثم جاء العصر الحديث فرأى العلماء مسيس الحاجة إلى التعريف بأئمة الحديث ومناهجهم في مؤلفاتهم تعريفا للعالمَ بعظمة الجهود التي بذلها العلماء الأئمة لحفظ الحديث النبوي، وصيانة السنة، وتمييز صحيحها من سقيمها، فكانت الكتابات المتعددة في هذا المجال، منها ما يتعلق بمناهج المحدثين على وجه العموم، ومنها ما يتعلق بمنهج بعض كتب السنة، ومنها ما يتعلق بمنهج المحدثين في فترة زمنية معينة وهكذا ومن أهم هذه الكتب: 1- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، للشيخ الكتاني. 2- الحطة في ذكر الصحاح الستة للقنوجي. 3- الحديث والمحدثون، للشيخ محمد أبو زهرة. 4- أعلام المحدثين. للشيخ محمد أبي شهبة. 5- البخاري محدثا وفقيها، للدكتور الحسيني هاشم. 6- أئمة الحديث النبوي، للدكتور الحسيني هاشم. 7- جامع الترمذي والموازنة بينه وبين الصحيحين، للدكتور نور الدين عتر. 8- سنن أبي داود السجستاني، للدكتور عبدالمنعم نجم. 9- سنن الدارمي، للدكتور محمد عويضة. 10- مصنف عبدالرزاق، للدكتور إسماعيل الدفتار. 11- الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين للدكتور أحمد محرم الشيخ ناجي. 12- مكانة الصحيحين، للدكتور خليل ملا خاطر. 13- السنة قبل التدوين، للدكتور محمد عجاج الخطيب. 14- تدوين الحديث، للعلامة السيد مناظر أحسن الكيلاني. 15- الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه، للدكتور محمد عبدالرحمن طوالبة. 16- توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، أسسه واتجاهاته، للدكتور رفعت فوزي. 17- السنة النبوية وعلومها، دراسة تحليلية للسنة النبوية وعلومها في أعظم عصور التدوين، للدكتور أحمد عمر هاشم. 18- صحائف الصحابة وتدوين السنة النبوية المشرفة، لأحمد عبدالرحمن الصويان. 19- السنة النبوية، مكانتها، عوامل بقائها، تدوينها. للدكتور عبدالمهدي عبدالهادي. 20- شفاء الصدور في تاريخ السنة ومناهج المحدثين للدكتور السيد نوح.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (16) أطوار تاريخ السنة(3-7) * وأما العامل الثاني: وهو أن يكون المعلم متمكنا من مادته العلمية بحيث يستطيع أن يعطي الطلاب التصور الصحيح لها، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه، فقد تمثل بجلاء ووضوح أيضا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان المرجع الأول للمسلمين في أحكام القرآن، وفي سائر تعاليم الإسلام، وفي تاريخ الأمم الغابرة، بل وفي معارف أهل الكتاب. وكيف لا يكون كذلك، والله عز وجل هو الذي صنعه على عينه، وهو الذي علمه، فقال: (.... وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً). [ سورة النساء /113 ]. * وأما العامل الثالث: وهو أن يكون المعلم محبا لمادته العلمية، مخلصا لها، بحيث يضحي في سبيل نشرها بوقته وراحته، فقد تمثل فيه صلى الله عليه وسلم أيضا على نحو لا نظير له في دنيا الناس ولا مثيل، إذ كان صلى الله عليه وسلم محبا لرسالته، متفانيا في سبيل نشرها إلى حد أنه عرضت عليه كل وسائل الإغراء من ملك، وسيادة، ومال، على أن يترك هذه الدعوة فأبى، وإلى حد أن عمه أبا طالب طلب منه تحت ضغوط أهل مكة أن يترك هذا الأمر، وإلا تخلى عن حمايته ونصرته، فلم يستجب لهذا الطلب، وقال قولته المشهورة: (والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار)(1). وهكذا ظل صلى الله عليه وسلم مواظبا على الجد، والاجتهاد في نشر هذه الدعوة، وتبليغها للناس، حتى تمت كلمة ربه الحسنى، ودخل الناس في دين الله أفواجا. * وأما العامل الرابع: وهو أن يكون المعلم ذا منهج سليم في التربية والتعليم، كيلا يضيع الوقت هباء (أو سدى) فقد تحقق فيه صلى الله عليه وسلم بصورة جعلت التربويين في العصر الحديث يحاكونها، وينسجون على منوالها. وقد قام هذا المنهج على الأسس التالية: 1- الترغيب في العلم، والحث عليه: ببيان فضله، وفضل العلماء والمتعلمين. إذ يقول صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)(2). ويقول: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)(31). وفي رواية أخرى: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده)(4). (لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)(5)... إلى آخر ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. (1) الحديث أورده الهيثمي في: مجمع الزوائد 6/15 قائلا:رواه أبو يعلى باختصار يسير من أوله، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. (2) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب العلم: باب من يرد الله به خيرا يفقه في الدين 1/27-28. (3) الحديث أخرجه أبو داود في السنن: كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم 2/285 من حديث داود بن جميل، عن كثير بن قيس قال: كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل، فقال: يا أبا الدرداء،إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقا يطلب فيه علما.... الحديث). والترمذي في السنن: كتاب العلم: باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة رقم 2682 من حديث محمود بن خداش البغدادي، عن محمد بن يزيد الواسطي عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق... ثم ساق الحديث وعقب عليه بقوله: " ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس هو عندي بمتصل، هكذا حدثنا محمود بن خداش بهذا الإسناد وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن الوليد ابن جميل، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش. (4) الحديث أخرجه مسلم في الصحيح: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر رقم 38، 39 من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب في ثواب قراءة القرآن 1/336 من حديث أبي هريرة والترمذي في السنن: كتاب القراءات: 2945 من حديث أبي هريرة مطولا. وابن ماجه في السنن: المقدمة: باب فضل العلماء، والحث على طلب العلم رقم 225. (5) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح:كتاب العلم: باب الاغتباط في العلم والحكمة 1/28. ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، رقم 266، 267، 268 من حديث ابن عمر، وابن مسعود.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (19) أطوار تاريخ السنة(6-7) 1- التوقف عن الفتوى فيما لا يعلم جوابه – صلى الله عليه وسلم – من المسائل: فقد جاء في حديث جبريل: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن موعد الساعة قائلا متى الساعة؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟)(1). 2- طرح بعض المسائل على السامعين بغية استثارة قرائحهم، وشحذ أذهانهم. إذ جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوما: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني: ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي – قال عبدالله بن عمر راوي الحديث – ووقع في نفسي: أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة)(2). 3- تخصيص بعض الناس بمسائل من العلم دون الآخرين، لما يرى فيهم من النبوغ، والتقدم، والفهم مع منعهم من أن يحدثوا العامة بذلك خشية ألا يفهموا فيفتتنوا. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ رديفه على الرحل: قال: يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله، وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا، قال: (ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا، قال: إذن يتكلوا " وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً)(3). (1) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الإيمان: باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة 1/19-20، وكتاب التفسير: سورة لقمان 6/144، من حديث أبي هريرة. ومسلم في الصحيح: كتاب الإيمان: باب بيان الإيمان، والإسلام، والإحسان 1/37-40 رقم 1،2، 3، 4، 5، 6، 7، من حديث عمر ابن الخطاب، وأبي هريرة. (2) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب العلم: باب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا، وباب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم 1/23-24، وكتاب البيوع: باب بيع الجمار وأكله 3/103، وكتاب الأطعمة: باب أكل الجمار، وباب بركة النخل 7/103-104، وكتاب الأدب: باب مالا يستحيا من الحق للتفقه في الدين 8/36 من حديث عبدالله بن عمر. ومسلم في الصحيح: كتاب صفات المنافقين 4/2164-2166 رقم 63، 64 من حديث عبدالله بن عمر. (3) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب العلم: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا 1/44. ومسلم في الصحيح: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن من مات على التوحيد داخل الجنة قطعا 1/61 رقم 53، كلاهما من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (21) عوامل صيانة السنة وحفظها(1-3) العامل الخامس: وهو أن تكون المادة العلمية نافعة ومفيدة في حياة الفرد والجماعة، كي يكون هناك حماس يدفع إلى التضحية وتحمل المشاق في سبيل تحصيلها – فقد انطبق على السنة النبوية تمام الانطباق: · إذ هي مثل القرآن، وصنوه في التشريع، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)(1). · وهي أيضا المفسرة، والمبينة، والشارحة للقرآن مصداقا لقوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة النحل /44-64]. · وهي كذلك تستقل بتشريع أحكام زائدة على القرآن، مصداقا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [سورة النساء / 59]. وقوله: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). [سورة الحشر /7]. ومصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (...ألا يوشك رجل ينثنى شبعان على أريكته، يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروهم(2)، فإن لم يقروهم فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم)(3). وأما العامل السادس: وهو أن يدرك الطالب أهمية، وفائدة ما يتعلمه ليقبل على التعليم بهمة ونشاط، مستعذبا التعب، ومستسهلا الصعب – فقد تحقق بجلاء، ووضوح في الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. · إذا كانت تقع لهم حوادث خاصة في أنفسهم، أو في أهليهم، وذويهم ويبحثون عن المخرج،فلا يجدون سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم. · وأيضا فالحق تبارك وتعالى أمرهم بالرجوع إليه في كل شيء، وحذر من معصيته ومخالفته قائلا: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [سورة آل عمران /31]. (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة النور: 63]. (1) الحديث أخرجه أبو داود في السنن، كتاب السنة، باب لزوم السنة (رقم 4604)، والترمذي في السنن، كتاب العلم،باب ما نهى عنه أنه يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (رقم 2663)، وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجه في السنن، المقدمة،باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه (رقم 13)، وابن حبان في صحيحه، رقم (12 الإحسان)، وصححه الحاكم (1/109) وأقره الذهبي. (2) معنى يقروهم أي: يحسنوا إليهم بأن يقدموا لهم حق الضيافة المشروع، انظر: مختار الصحاح للرازي ص 533. (3) الحديث سبق تخريجه.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (23) عوامل صيانة السنة وحفظها(3-3) وأما العامل الثامن: وهو أن يكون الطالب ذا منهج صحيح في التلقي والسماع – فقد تحقق كذلك في الصحابة – رضي الله عنهم – بشكل لا نظير له. وقام هذا المنهج على الأسس التالية: 1- الحرص الشديد على حضور مجلسه صلى الله عليه وسلم إلى جانب قيامهم بأعمالهم المعاشية من الرعي، أو التجارة، أو الزراعة، أو نحوها، فإن تعذر على بعضهم الحضور تناوبوا فيما بينهم مجلسه صلى الله عليه وسلم. كما كان يفعل عمر –رضي الله تعالى عنه – مع جاره الأنصاري إذ يقول: (كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.ينزل يوما، وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي، وغيره،وإذا نزل فعل مثل ذلك، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته، فضرب بابي ضربا شديدا، فقال: أثم هو؟ ففزعت، فخرجت إليه فقال: قد حدث أمر عظيم، قال: فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري... الحديث)(1). 2- تعليم الشاهد الغائب ما فاته من العلم امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليبلغ الشاهد الغائب)، (نضر أمرءاً سمع منى حديثا، فأداه كما سمعه...الحديث)(2). ويقول البراء بن عازب – رضي الله تعالى عنه -: (ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدثنا أصحابنا عنه، كانت تشغلنا عنه رعية الإبل)(3). 3- الإنصات التام له صلى الله عليه وسلم كيلا يفوتهم شيء مما يقول: فقد جاء في الخبر: (أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا... الحديث)(4). 4- السؤال عما لم يفهموا، فإذا استحيا بعضهم أمر غيره بالسؤال، كما جاء في حديث على رضي الله تعالى عنه قال: (كنت رجلا مذاء(5)، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال: فيه الوضوء)(6). 5- عدم تنازع الحديث عنده صلى الله عليه وسلم، وإنما حديثهم عنده حديث أولهم، ومن تكلم منهم أنصتوا له، ولم يقاطعوه حتى يفرغ. فقد جاء الخبر: (أنهم كانوا لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم)(7). (1) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب العلم: باب التناوب في العلم 1/33، وكتاب المظالم، باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها 3/174-177، وكتاب النكاح: باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها 7/36-38 من حديث عبدالله بن عباس عن عمر بن الخطاب مختصرا أو مطولاً. ومسلم في الصحيح: كتاب الطلاق: باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه)2/1108-1110 رقم 31 بمعناه مطولا من حديث ابن عباس عن عمر. (2) الحديث سبق تخريجه. (3) الحديث أخرجه أحمد في المسند 4/283 من حديث البراء بن عازب بلفظه، والحاكم في معرفة علوم الحديث: النوع الثالث ص 14، ولفظه عنده (ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدثنا أصحابنا، وكنا مشتغلين في رعاية الإبل، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعونه من أقرانهم، وممن هو أحفظ منهم، وكانوا يشددون على من يسمعون منه). (4) الخبر أخرجه الترمذي في الشمايل المحمدية ص 375 بهامش الاتحافات الربانية للشيخ أحمد عبدالجواد الدومي ط التجارية بمصر الأولى 1381هـ، من حيث الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، وابن الأثير في أسد الغابة، باب ذكر صفته وشيء من أخلاقه صلى الله عليه وسلم 1/33 من حديث الحسين بن علي، عن أبيه به. (5) مذاء أي كثير المذى، والمذى: هو البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء، ولا يجب فيه الغسل، وهو نجس يجب غسله، وينقض الوضوء. وأما الودي فهو: البلل اللزج الذي يخرج من الذكر بعد البول، وحكمه حكم المذى. انظر: النهاية في غريب الحديث 4/86، 202-203، والمصباح المنير 3/874-875، 1014. (6) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب العلم: باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال 1/45، وكتاب الوضوء: باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر 1/55-56، وكتاب الغسل: باب غسل المذى والوضوء منه 1/76. (7) الخبر أخرجه الترمذي في الشمايل المحمدية ص 375 بهامش الاتحافات الربانية للدومي، وابن الأثير في أسد الغابة 1/33 كلاهما من حديث الحسين بن علي، عن أبيه به.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (26) عوامل انتشار السنة وذيوعها(3-3) * العامل السابع: غزوة الفتح الأعظم: ففي العام الثامن من الهجرة النبوية نقضت قريش صلح الحديبية، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن سار بجيشه إلى مكة،فقوض دعائم الشرك، والوثنية، وهدم الأصنام التي كانت حول الكعبة، ثم قام في الناس خطيبا، فعفا عن أعدائه الذين آذوه واضطهدوه،ثم أعلن كثيرا من أحكام الإسلام: منها: ألا يقتل مسلم بكافر، وإلا يتوارث أهل ملتين، وألا تنكح المرأة على عمتها أو خالتها... ألخ، ثم أقبل الناس بعد ذلك يبابعونه، وحمل كل ما سمع إلى أهله وذويه في مكة، وفي غيرها. * العامل الثامن: حجة الوداع، فقد خرج صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة من العام العاشر للهجرة إلى مكة المكرمة حاجا ومعتمرا بالناس، وخرجت معه جموع غفيرة جدا من المسلمين بلغت أربعين ألفا، أو تسعين ألفا على خلاف في ذلك. وعلى جبل عرفات وقف صلى الله عليه وسلم يخطب فيهم، ويرشدهم، ويبين لهم معالم الحلال والحرام، كحرمة دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم، وضرورة أداء الأمانات، ووضع ربا الجاهلية، وإبطاله، ومنع العادات الجاهلية الباطلة... ألخ ما جاء في هذه الخطبة. ثم تفرق المسلمون كل إلى موطنه، وقد حملوا معهم علما غزيرا إلى أهليهم وذويهم، فبلغوهم إياه تحقيقا وتطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم في تلك الخطبة: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب). * العامل التاسع: الوفود بعد فتح مكة، وحجة الوداع: إذ بعد فتح مكة أقبلت الوفود من كل أنحاء الجزيرة العربية تبايع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنضوي تحت لواء الإسلام، وكثرت هذه الوفود كثرة عجيبة عقب الفراغ من حجة الوداع. وكان صلى الله عليه وسلم يرحب بهذه الوفود، ويكرمها، ويعلمها الإسلام، ويزودها بنصائحه وتوجيهاته، بل ربما أقامت عنده هذه الوفود أياما تتعلم منه الإسلام، ثم تعود إلى قبائلها فتبلغها إياه، وقد مضت قصة مالك بن الحويرث في هذا الشأن. ومن أشهر هذه الوفود: وفد بني سعد بن بكر، وكان وافدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ضمام بن ثعلبة سنة تسع من الهجرة، وكذلك وفد عبد القيس، وأيضا وفد تجيب، وكانوا ثلاثة عشر رجلا ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عز وجل عليهم، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بهم، وأكرم مثواهم... وغير هؤلاء كثير(1). وهكذا ساعدت العوامل التي ذكرنا على ذيوع السنة وانتشارها بحيث وصلت إلى كل قلب، وجرت على كل لسان. (1) انظر السنة قبل التدوين للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 68-74 بتصرف كثير.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (29) من أسس المنهج العلمي للرواية (1-2) رابعا: التثبت من كل قضية. لقد ربى القرآن الأمة ـ وعلى رأسها جيل الصحابة ـ على التثبت في الأمور ، قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)(1)، فقد أوجبت هذه الآية التأكد من صحة العلم النقلي، وذلك لما كان عليه حال المجتمع في عصره صلي الله عليه وسلم ، حيث كان فيه الكفار والمنافقون الذين حاولوا الدس والكذب على رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه وزوجاته. وكان من تلك الأكاذيب: واقعة الإفك التي نزل فيها القرآن الكريم تبرئة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما قال فيها أهل الإفك(2). وكان من تربية الله لهم قوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنـون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين)(3)، وقوله: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. ولـولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم)(4). وبما أننا نتحدث هنا عـن علم الرواية وهي من العلم النقلي ، فمعنى ذلك أنه لا يقبل شئ من الراوي فيما ينقله إلا بعد أن يتثبت من صحته ، ومطابقته للأصل الذي صدر عن صاحبه. كما أنها أوجبت علي كل من سمع حديثا أن يتوثق ولا يروي حتي يتثبت ويأخذ بالاحتياط ، وهذا ما أخذ به الصحابة ومن بعدهم كما سيأتي(5). قال قتادة: لا تقل: رأيت ، ولم تر ، وسمعت ، ولم تسمع ، وعلمت ، ولم تعلم ، فإن الله سائلك عن ذلك كله(6). وقال السعدي: (ولا تتبع ما ليس لك به علم ، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله ، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله...أن يعد للسؤال جوابا)(7). خامسا: النهي عن التحديث بكل ما سمع الإنسان. الإنسان في العادة يسمع الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد وقع في الكذب لإخباره بما لم يكن ، وقد ورد في النهي عـن التحديث بكل ما يسمعه المرء قول النبي صلي الله عليه وسلم: (كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)(8). قال القرطبي: (ومعنى الحديث: أن من حدث بكل ما سمع حصل له الحظ الكافي من الكذب ، فإن الإنسان يسمع الغث والسمين ، والصحيح والسقيم ، فإذا حدث بكل ذلك حدث بالسقيم وبالكذب ، ثم يحمل عنه فيكذب في نفسه ، أو يكذب بسببه)(9). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع)(10). وبمثل ما قال عمر قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وقد تأصل هذا المنهج في الأجيال التالية. فقال مالك: (اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ، ولا يكون إماما أبدا وهو يحدث بكل ما سمع)(11). فقول مالك (ولا يكون إماما أبدا) أي: إذا وجد الكذب في روايته لم يوثق بحديثه ، وكان ذلك جرحا فلا يصلح ليقتدي به أحد ـ ولو كان عالما ـ فلو بين الصحيح من السقيم ، والصادق من الكاذب ، سلم من ذلك ، وتقصي عن عهدة ما يجب عليه من النصيحة الدينية(12). وقال عبد الرحمن بن مهدي: (لا يكـون الرجل إماما يقتدي به حتي يمسك عـن بعض ما سمع)(13). وعن سفيان بن حسين قال: سألني إياس بن معاوية فقال: إني أراك قد كلفت بعلم القرآن فاقرأ علي سورة ، وفسر حتي انظر فيما علمت ـ قال ـ ففعلت ، فقال لي: احفظ علي ما أقول لك: إياك والشناعة في الحديث ، فإنه قلما حملها أحد إلا ذل في نفسه وكذب في حديثه(14). فهذه الآثار وغيرها كثير تفيد أن هذا الأصل كان باعثا علي الاحتياط في الرواية ، وعدم الإقدام عليها إلا بعد التأكد من صحة المروي ، والتثبت من صحة ما يسمعه المرء لاسيما ما يسمعه من الأحاديث. (1) سورة الإسراء / 36. (2) نظر القصة في صحيح البخاري ، كتاب التفسير (تفسير سورة النور) ، باب: لولا إذ سمعتموه (4750). (3) سورة النور / 12. (4) سورة النور / 15- 16. (5) انظر: المنهج العلمي للتعامل مع السنة ص 9. (6) عمدة التفسير 2 / 432. (7) تيسير الكريم الرحمن ص 457. (8) أخرجه مسلم ، المقدمة (7). (9) المفهم 1 / 117. (10) أخرجه مسلم ، المقدمة (9). (11) أخرجه مسلم ، المقدمة (10). (12) انظر: المفهم 1 /117. (13) أخرجه مسلم ، المقدمة (12). (14) أخرجه مسلم ، المقدمة (13).
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (12) مناهج المحدثين العامة والخاصة: ومن هذا يتبين للقارئ أن مناهج المحدثين قسمان: مناهج عامة، ومناهج خاصة. أما المناهج العامة: فهي الطرق التي يسير على كل منها جماعة من المحدثين، مثل كتب: المسانيد، والجوامع، والسنن، والمعاجم، وغير ذلك. وأما المناهج الخاصة: فهي كل طريقة يختص بها المحدث عن غيره مما هو على طريقته العامة. مثال ذلك: صحيحا البخاري ومسلم، يشتركان في المنهج العام للتصنيف، لأن كلا منهما مرتب على الموضوعات. ثم يستقل البخاري بمنهجه الخاص في الاعتناء بفقه الحديث،وإفادته هذا الفقه بواسطة التراجم، أي عناوين الأبواب،وما تفرع على ذلك من تقطيع للأحاديث وتفريقها في مواضع متعددة. ويستقل مسلم بالاعتناء بصنعة الإسناد، وما ترتب عليه من فوائد، فيصدر الباب برواية الحديث عن الثقات المتقنين، ثم يرويه عمن دونهم، ويجمع طرق الحديث وشواهده في موضع واحد، يشير بذلك إلى فوائد في السند والمتن كما ذكر في مقدمة صحيحه.وهكذا نجد لكل كتاب من الأصول الستة، أو المصادر المشهورة منهجا خاصا تفيد معرفته الكثير(1). علاقة مناهج المحدثين بتاريخ السنة: مناهج المحدثين شيء ملازم ومقارن ومصاحب للسنة النبوية في كل أدوارها وجميع مراحلها، فقد كان لأهل كل عصر من عصور السنة، وكل دور من أدوارها مناهجهم الخاصة في خدمة السنة والذب عنها حسبما أملته طبيعة العصر، واقتضته ظروف المرحلة، كما ستقف على ذلك لاحقا بمشيئة الله تعالى. فوائد دراسة تاريخ السنة ومناهج المحدثين لدراسة تاريخ السنة ومناهج المحدثين فوائد عديدة،نذكر منها: 1- معرفة المراحل والأدوار التي مرت بها السنة منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإلى وقتنا هذا. 2- معرفة الدقة المنهجية التي أحاطت بها هذه الأمة رواية أحاديث نبيها صلى الله عليه وسلم، لتأمن عليه الخطأ والتحريف في أثناء تناقله بين الرواة، الأمر الذي يورثنا الثقة بالسنة، ويجعلنا نطمئن إلى حفظ هذا الدين، تصديقا لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة الحجر /9]. 3- إمكان الرد على دعاة الغزو الفكري من المستشرقين والمبشرين وكل من قلدهم،وسار في فلكهم ممن غرهم بريق الثقافة الغربية، في زعمهم: أن السنة النبوية لا يوثق بها،ولا يعتمد عليها في التشريع الإسلامي بسبب ما طرأ عليها من التحريف والوضع، وذلك ببيان الجهود التي بذلها المحدثون لحماية وصيانة السنة من هذا التحريف والوضع. 4- الإطلاع على منهج المحدثين في التأليف، والتصنيف، والنقد، ومكانة هذا المنهج بين المناهج الحديثة التي يدل بها دعاة المدنية الحاضرة الآن. 5- الوقوف على دقة المنهجية العلمية التي اتبعها علماء الحديث، في الانتقاء والتصنيف، وأنهم لم يوردوا الأحاديث في كتبهم الأصول كيفما اتفق لأحدهم،بل كانوا يضعون نصب أعينهم هدفا، وقواعد يراعونها، فيما عرف بشروط الأئمة. 6- التمييز بين المناهج المقبولة في الرواية وغير المقبولة، وشروط القبول للمقبولة، ولذلك أهميته في مراتب الرواة في الجرح والتعديل، وفي الأسانيد اتصالا وانقطاعا، وفي الأحاديث قبولا أو رداً. 7- التعرف على مناهج المحدثين في اختيار الأحاديث وترتيبها بالنسبة إلى بعضها يفيدنا كثيرا في معرفة الناسخ من المنسوخ،والراجح من المرجوح، وطرق الجمع بين الأحاديث المختلفة، وشرح الغريب، وتمييز المدرج من الحديث وذلك بمقارنة الروايات ببعضها، كما يفيد فوائد فقهية كبيرة تؤخذ من تراجم الأبواب. 8- التعرف على أشهر المحدثين المصنفين، وما لهم من فضل في خدمة الحديث النبوي، وسيرتهم التي هي قدوة للمقتدين. 9- دفع التوهم للقدح في بعض الأئمة، وخصوصا البخاري ومسلما شيخي المحدثين رضي الله عنهم، وهذا يطرح بالتالي قضايا يجب على أهل الاختصاص بالحديث أن يعالجوها ويحلوا مشكلاتها، فقد وقع أناس في الشبهة في أحاديث صححها أئمة الحديث، بسبب البعد عن مناهج المحدثين الفنية في إيراد الحديث وسياق أسانيده وشروطهم، فضلا عن ضعف نفوس البعض، وفضلا عن أغراض العداوة للإسلام وللحديث النبوي، التي تستغل جهل المثقف المسلم، بل جهل كثيرين من طلبة العلم وحملته بمناهج المحدثين وشروطهم ومقاصدهم الدقيقة في كتبهم. 10- دراسة مناهج المحدثين تساعد على تنمية التفكير العلمي والمنهج لدى الدرس، وتكسب الدرس مهارة في البحث، وتوجد عنده روح الإبداع والرغبة في التطوير وفق أسس علمية مدروسة ومناهج دقيقة(2). (1) انظر: مناهج المحدثين العامة ص 10،40. (2) انظر: مناهج المحدثين العامة للدكتور نور الدين عتر ص 22-23، شفاء الصدور للدكتور السيد نوح ص 30، مناهج المحدثين العامة والخاصة للدكتور علي بقاعي ص 20-23.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (14) أطوار تاريخ السنة (1-7) عاشت السنة النبوية منذ صدرت عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم إلى أن وصلت إلينا – نحن المتأخرين – عدة عصور مختلفة، وهاك تأريخاً دقيقا لكل عصر من هذه العصور المختلفة وذلك على النحو التالي: السنة في عصر النبوة: لقيت السنة النبوية في عصر النبوة عناية تامة،واهتماما كبيرا،بحيث أثمر ذلك أموراً ثلاثة: الأول: الصيانة والحفظ: على معنى أن السنة جمعت في عهده صلى الله عليه وسلم وحوفظ عليها، بحيث لم يضع منها شيء أبدا. الثاني: الذيوع والانتشار: على معنى أنها لم تنحصر في مكان بعينه كالمدينة أو مكة مثلا،وإنما انتشرت في سائر أنحاء شبه الجزيرة العربية بل تعدت شبه الجزيرة العربية إلى سائر الأقطار الأخرى المجاورة. الثالث: تأسيس المنهج العلمي للرواية. وقد كانت هناك عوامل ساعدت على تحقيق هذه الأمور،وهذا ما سنتناوله بشيء من التحليل والتفصيل. أولا:عوامل صيانة السنة وحفظها: إن عوامل صيانة السنة وحفظها هي بعينها تلك العوامل اللازمة لنجاح أية تجربة علمية، فنجاح أية تجربة علمية يحتاج – كما يقرر التربويون،وعلماء النفس –فضلا عن الإمكانيات المادية: إلى ثمانية عوامل، أربعة منها في المعلم وهي: 1- أن يكون على درجة عالية من الأخلاق بحيث يقترب الطلاب منه فيتمكن من غرس الفضيلة في نفوسهم بفعله وسلوكه قبل أن يغرسها فيهم بقوله وكلامه. 2- وأن يكون متمكنا من مادته العلمية، بحيث يستطيع أن يعطي الطلاب التصور الصحيح لها، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه. 3- وأن يكون محبا لمادته العلمية، مخلصا لها،بحيث يضحي- في سبيلها –بوقته وراحته. 4- وأن يكون ذا منهج صحيح في التربية والتعليم، كيلا يضيع الوقت سدى. وواحدة منها في المادة العلمية، وهي: 5- أن تكون مثمرة، ومفيدة، ومهمة في حياة الفرد والجماعة. وثلاثة منها في الطالب، وهي: 6- أن يدرك أهمية، وفائدة، وثمرة ما يتعلمه،ليقبل عليه بهمة ونشاط. 7- وأن تكون هناك مشاركة عامة من جميع أبناء المجتمع – رجالا، ونساء، صغاراً وكباراً – في طلب العلم. 8- وأن يكون هذا الطالب صاحب منهج صحيح في التلقي، والسماع، ليعي، ويحفظ كل ما يصل إلى سمعه. هذه العوامل بعينها توافرت للسنة في عصر النبوة،وبالتالي ساعدت على حفظها وصيانتها.(1) (1) شفاء الصدور في تاريخ السنة ومناهج المحدثين ص 159-161.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |