|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#111
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ52 الى صــ 61 الحلقة (111) زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب (37) فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير يخبر ربنا أنه تقبلها من أمها نذيرة وأنه أنبتها نباتا حسنا أي جعلها شكلا مليحا ونظرا بهيجا ويسر لها أسباب القبول وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال "وكفلها زكريا" بتشديد الفاء ونصب زكريا على المفعولية أي جعله كافلا لها قال ابن إسحق : وما ذلك إلا أنها كانت يتيمة وذكر غيره : إن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب فكفل زكريا مريم لذلك ولا منافاة بين القولين والله أعلم وإنما قدر الله كون زكريا كفلها لسعادتها لتقتبس منه علما جما نافعا وعملا صالحا ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن إسحق وابن جرير وغيرهما وقيل : زوج أختها كما ورد في الصحيح "فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة" وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحق ذلك أيضا توسعا فعلى هذا كانت في حضانة خالتها وقد ثبت في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها امرأة جعفر بن أبي طالب وقال : "الخالة بمنزلة الأم" ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلادتها في محل عبادتها فقال "كلما دخل عليها زكريا" المحراب وجد عندها رزقا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والربيع بن أنس وعطية العوفي والسدي : يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف وعن مجاهد "وجد عندها رزقا" أي علما أو قال : صحفا فيها علم رواه ابن أبي حاتم والأول أصح وفيه دلالة على كرامات الأولياء وفي السنة لهذا نظائر كثيرة فإذا رأى زكريا هذا عندها "قال يا مريم أنى لك هذا" أي يقول من أين لك هذا ؟ "قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا سهل بن زنجلة حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا عبد الله بن لهيعة عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا فأتى فاطمة فقال "يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع ؟" قالت : لا والله بأبي أنت وأمي فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت : والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسنا أوحسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت : بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء فخبأته لك قال "هلمي يا بنية" قالت فأتيته بالجفنة فكشفت عنها فإذا هي مملوءة خبزا ولحما فلما نظرت إليها بهت وعرفت أنها بركة من الله فحمدت الله وصليت على نبيه وقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله وقال "من أين لك هذا يا بنية" ؟ قالت : يا أبت "هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" فحمد الله وقال "الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا وسئلت عنه قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل علي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته حتى شبعوا جميعا قالت : وبقيت الجفنة كما هي قالت : فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا . هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (38) هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء طمع حينئذ في الولد وإن كان شيخا كبيرا قد وهن منه العظم واشتعل الرأس شيبا وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرا لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفيا وقال "رب هب لي من لدنك" أي من عندك ذرية طيبة أي ولدا صالحا إنك سميع الدعاء . فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين (39) فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال الله تعالى "فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب" أي خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته وهو قائم يصلي في محراب عبادته ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته . ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة "أن الله يبشرك بيحيى" أي بولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى . قال قتادة وغيره : إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان . وقوله "مصدقا بكلمة" من الله "." روى العوفي وغيره عن ابن عباس وقال الحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وأبو الشعثاء والسدي والربيع بن أنس والضحاك وغيره في هذه الآية "مصدقا بكلمة من الله" أي عيسى ابن مريم . وقال الربيع بن أنس : هو أول من صدق بعيسى ابن مريم . وقال قتادة : وعلى سنته ومنهاجه . وقال ابن جريج : قال ابن عباس في قوله مصدقا بكلمة من الله قال : كان يحيى وعيسى ابني خالة وكانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه له في بطن أمه وهو أول من صدق عيسى وكلمة الله عيسى , وهو أكبر من عيسى عليه السلام وهكذا قال السدي أيضا . وقوله "وسيدا" . قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم : الحليم وقال قتادة : سيدا في العلم والعبادة. وقال ابن عباس والثوري والضحاك السيد الحليم التقي : قال سعيد بن المسيب : هو الفقيه العالم وقال عطية : السيد في خلقه ودينه وقال عكرمة : هو الذي لا يغلبه الغضب وقال ابن زيد : هو الشريف وقال مجاهد وغيره هو الكريم على الله عز وجل . وقوله "وحصورا" روي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وعطية العوفي أنهم قالوا : الذي لا يأتي النساء . وعن أبي العالية والربيع بن أنس : هو الذي لا يولد له ولا ماء له . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن المغيرة أنبأنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس في الحصور : الذي لا ينزل الماء وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثا غريبا جدا فقال : حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب البغدادي حدثني سعيد بن سليمان حدثنا عباد يعني ابن العوام عن يحيى بن سعيد عن المسيب عن ابن العاص - لا يدري عبد الله أو عمرو - عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "وسيدا وحصورا" قال : ثم تناول شيئا من الأرض فقال "كان ذكره مثل هذا" . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : ليس أحد من خلق الله لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا ثم قرأ سعيد "وسيدا وحصورا" ثم أخذ شيئا من الأرض فقال : الحصور من ذكره مثل ذا وأشار يحيى بن سعيد القطان بطرف أصبعه السبابة فهذا موقوف أصح إسنادا من المرفوع ورواه ابن المنذر في تفسيره : حدثنا أحمد بن داود السمناني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يلقى الله إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا فإن الله يقول "وسيدا وحصورا" - قال - : وإنما ذكره مثل هدبة الثوب " وأشار بأنملته وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عيسى بن حماد ومحمد بن سلمة المرادي قالا : حدثنا حجاج بن سليمان المقري عن الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كل ابن آدم يلقى الله بذنب يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين" ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : "وكان ذكره مثل هذه القذاة" . وقد قال القاضي عياض في كتابه الشفاء : اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان "حصورا" ليس كما قاله بعضهم إنه كان هيوبا أو لا ذكر له بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا : هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كأنه حصور عنها وقيل : مانعا نفسه من الشهوات وقيل ليست له شهوة في النساء وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص وإنما الفضل في كونها موجودة ثم يمنعها إما بمجاهدة كعيسى أو بكفاية من الله عز وجل كيحيى عليه السلام ثم هي في حق من قدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه : درجة عليا وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن وقيامه عليهن وإكسابه لهن وهدايته إياهن بل قد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال : "حبب إلي من دنياكم" هذا لفظه. والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء بل معناه كما قاله هو وغيره : أنه معصوم من الفواحش والقاذورات ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال : "هب لي من لدنك ذرية طيبة" كأنه قال ولدا له ذرية ونسل وعقب والله سبحانه وتعالى أعلم . وقوله "ونبيا من الصالحين" هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته وهي أعلى من الأولى كقوله لأم موسى "إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين" . قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء (40) قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة وأخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر "قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال" أي الملك "كذلك الله يفعل ما يشاء" أي هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر . قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار (41) قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار "قال رب اجعل لي آية" أي علامة أستدل بها على وجود الولد مني "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا" أي إشارة لا تستطيع النطق مع أنك سوي صحيح كما في قوله "ثلاث ليال سويا" ثم أمر بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحال فقال تعالى "اذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار" وسيأتي طرف آخر في بسط هذا المقام في أول سورة مريم إن شاء الله تعالى . وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (42) وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم عليها السلام عن أمر الله لهم بذلك أن الله قد اصطفاها أي اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهارتها من الأكدار والوساوس واصطفاها ثانيا مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين . قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى "إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" قال : كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط" ولم يخرجه من هذا الوجه سوى مسلم فإنه رواه عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق به . وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى يقول : "خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد" . أخرجاه في الصحيحين من حديث هشام به مثله وقال الترمذي : حدثنا أبو بكر بن زنجويه حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون" تفرد به الترمذي صححه . وقال عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه قال : كان ثابت البناني يحدث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه ابن مردويه أيضا ومن طريق شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث : مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" وقال ابن جرير : حدثني المثنى حدثنا آدم العسقلاني حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة سمعت مرة الهمداني يحدث عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون" . وقد أخرجه الجماعة إلا أبا داود من طريق عن شعبة به ولفظ البخاري "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" وقد استقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في قصة عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابنا البداية والنهاية ولله الحمد والمنة ثم أخبرنا تعالى عن الملائكة أنهم أمروها بكثرة العبادة والخشوع والركوع والسجود والدأب في العمل لما يريد الله بها من الأمر الذي قدره الله وقضاه مما فيه محنة لها ورفعة في الدارين بما أظهر الله فيها من قدرته العظيمة حيث خلق منها ولدا من غير أب فقال تعالى "يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين" . يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (43) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع أما القنوت فهو الطاعة في خشوع كما قال تعالى "وله من في السموات والأرض كل له قانتون" وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة" ورواه ابن جرير من طريق ابن لهيعة عن دراج به وفيه نكارة . وقال مجاهد : كانت مريم عليها السلام تقوم حتى تتورم كعباها والقنوت هو طول الركوع في الصلاة يعني امتثالا لقول الله تعالى "يا مريم اقنتي لربك" قال الحسن : يعني اعبدي لربك "واسجدي واركعي مع الراكعين" أي كوني منهم وقال الأوزاعي : ركدت في محرابها راكعة وساجدة وقائمة حتى نزل ماء الأصفر في قدميها رضي الله عنها وأرضاها . وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمتها من طريق محمد بن يونس الكديمي وفيه مقال : ثنا علي بن بحر بن بري ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير في قوله : "يا مريم اقنتي لربك واسجدي" قال : سجدت حتى نزل الماء الأصفر في عينيها وذكر ابن أبي الدنيا ثنا الحسن ابن عبد العزيز ثنا ضمرة عن أبي شوذب قال : كانت مريم عليها السلام تغتسل في كل ليلة . ![]()
__________________
|
|
#112
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ62 الى صــ 71 الحلقة (112) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (44) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ثم قال لرسوله بعدما أطلعه على جلية الأمر : "ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك" أي نقصه عليك "وما كنت لديهم" أي ما كنت عندهم يا محمد فتخبرهم عن معاينة عما جرى بل أطلعك الله على ذلك كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها وذلك لرغبتهم في الأجر قال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج عن القاسم بن أبي بزة أنه أخبره عن عكرمة وأبي بكر عن عكرمة قال : ثم خرجت بها يعني مريم في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى عليهما السلام قال : وهم يومئذ يلون في بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي أنثى ولا يدخل الكنيسة حائض وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا : هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمهم في الصلاة وصاحب قرباننا فقال زكريا : ادفعوها لي فإن خالتها تحتي فقالوا : لا تطيب أنفسنا هي ابنة إمامنا فذلك حين اقترعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة فقرعهم زكريا فكفلها وقد ذكر عكرمة أيضا والسدي وقتادة والربيع بن أنس وغير واحد دخل حديث بعضهم في بعض : أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فأيهم يثبت في جرية الماء فهو كافلها فألقوا أقلامهم فاحتملها الماء إلا قلم زكريا فإنه ثبت ويقال : إنه ذهب صاعدا يشق جرية الماء وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم وعالمهم وإمامهم ونبيهم صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين . إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين (45) إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن هذه بشارة من الملائكة لمريم عليها السلام بأن سيوجد منها ولد عظيم له شأن كبير قال الله تعالى "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه" أي بولد يكون وجوده بكلمة من الله أي يقول له كن فيكون وهذا تفسير قوله "مصدقا بكلمة من الله" كما ذكره الجمهور على ما سبق بيانه "اسمه المسيح عيسى ابن مريم" أي يكون هذا مشهورا في الدنيا يعرفه المؤمنون بذلك وسمي المسيح قال بعض السلف : لكثرة سياحته وقيل : لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص لهما وقيل : لأنه كان إذا مسح أحدا من ذوي العاهات برئ بإذن الله تعالى وقوله تعالى "عيسى ابن مريم" نسبة إلى أمه حيث لا أب له "وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين" أي له وجاهة ومكانة عند الله في الدنيا بما يوحيه الله إليه من الشريعة وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه الله به وفي الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه فيقبل منه أسوة بإخوانه من أولي العزم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين (46) ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قوله "ويكلم الناس في المهد وكهلا" أي يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في حال صغره معجزة وآية وفي حال كهولته حين يوحي الله إليه "ومن" الصالحين "أي في قوله وعمله له علم صحيح وعمل صالح قال محمد بن إسحق : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن شرحبيل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما تكلم أحد في صغره إلا عيسى وصاحب جريج "وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الصقر يحيى بن محمد بن قزعة حدثنا الحسين يعني المروزي حدثنا جرير يعني ابن أبي حازم عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لم يتكلم في المهد إلا ثلاث : عيسى وصبي كان في زمن جريج وصبي آخر "." قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (47) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون فلما سمعت بشارة الملائكة لها بذلك عن الله عز وجل قالت في مناجاتها : "رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" تقول كيف يوجد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج ولا من عزمي أن أتزوج ولست بغيا حاشا لله فقال لها الملك عن الله عز وجل في جواب ذلك السؤال "كذلك الله يخلق ما يشاء" أي هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء وصرح ههنا بقوله "يخلق ما يشاء" ولم يقل يفعل كما في قصة زكريا بل نص ههنا على أنه يخلق لئلا يبقى لمبطل شبهة وأكد ذلك بقوله "إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" أي فلا يتأخر شيئا بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة كقوله "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" أي إنما نأمر مرة لا مثنوية فيها فيكون ذلك الشيء سريعا كلمح البصر . ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل (48) ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل يقول تعالى مخبرا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام : إن الله "يعلمه الكتاب والحكمة" الظاهر المراد بالكتاب هاهنا الكتابة والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة والتوراة والإنجيل : فالتوراة الكتاب الذي نزل على موسى بن عمران والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليهما السلام . وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا. ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (49) ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين قوله "ورسولا إلى بني إسرائيل" قائلا لهم "أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله" وكذلك كان يفعل يصور من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيطير عيانا بإذن الله عز وجل الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله "وأبرئ الأكمه" قيل : إنه الذي يبصر نهارا ولا يبصر ليلا وقيل بالعكس وقيل : الأعشى وقيل : الأعمش وقيل : هو الذي يولد أعمى وهو أشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي "والأبرص" معروف "" وأحيي الموتى بإذن الله "قال كثير من العلماء : بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد أو على مداواة الأكمه والأبرص وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد ." وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء فأتاهم بكتاب من الله عز وجل فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وما ذلك إلا أن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبدا وقوله "وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم" أي أخبركم بما أكل أحدكم الآن وما هو مدخر له في بيته لغد "إن في ذلك" أي في ذلك كله "لآية لكم" أي على صدقي فيما جئتكم به . ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (50) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون "ومصدقا لما بين يدي من التوراة" أي مقرا لهم ومثبتا "ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم" فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين ومن العلماء من قال : لم ينسخ منها شيئا وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ وانكشف لهم عن الغطاء في ذلك كما قال في الآية الأخرى "ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه" والله أعلم . ثم قال "وجئتكم بآية من ربكم" أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم . إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (51) إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم "فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه" أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه "هذا صراط مستقيم" . فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52) فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون يقول تعالى "فلما أحس عيسى" أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال قال : "من أنصاري إلى الله" قال مجاهد : أي من يتبعني إلى الله وقال سفيان الثوري وغيره : أي من أنصاري مع الله وقول مجاهد أقرب . والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر "من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" حتى وجد الأنصار فأووه ونصروه وهاجر إليهم فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر رضي الله عنهم وأرضاهم . وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم "قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين" الحواريون قيل : كانوا قصارين وقيل سموا بذلك لبياض ثيابهم وقيل : صيادين . والصحيح أن الحواري الناصر كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لكل نبي حواري وحواري الزبير" . ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين (53) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله "فاكتبنا مع الشاهدين" قال : مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا إسناد جيد . ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (54) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ثم قال تعالى مخبرا عن ملإ بني إسرائيل فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام وإرادته بالسوء والصلب حين تمالئوا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان وكان كافرا أن هنا رجلا يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ويفسد الرعايا ويفرق بين الأب وابنه إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب وأنه ولد زنية حتى استثاروا غضب الملك فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به نجاه الله تعالى من بينهم ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى فأخذوه وأهانوه وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك . وكان هذا من مكر الله بهم فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم وتركهم في ضلالهم يعمهون يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادا للحق ملازما لهم وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد ولهذا قال تعالى "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" . إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (55) إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه اختلف المفسرون في قوله تعالى "إني متوفيك ورافعك إلي" فقال قتادة وغيره : هذا من المقدم والمؤخر تقديره إني رافعك إلي ومتوفيك يعني بعد ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إني متوفيك أي مميتك . وقال محمد بن إسحق عمن لا يتهم عن وهب بن منبه قال : توفاه الله ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه إليه قال ابن إسحق : والنصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات ثم أحياه قال إسحق بن بشر عن إدريس عن وهب : أماته الله ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعها قال مطر الوراق : إني متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت وكذا قال ابن جرير توفيه هو رفعه . وقال الأكثرون : المراد بالوفاة ههنا النوم كما قال تعالى "وهو الذي يتوفاكم بالليل" الآية . وقال تعالى "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت" في منامها "الآية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من النوم :" الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا "الحديث وقال تعالى :" وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم - إلى قوله - وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا "والضمير في قوله قبل موته عائد على عيسى عليه السلام أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام." وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه حدثنا الربيع بن أنس عن الحسن أنه قال في قوله تعالى "إني متوفيك" يعني وفاة المنام رفعه الله في منامه قال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود "إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة" وقوله تعالى "ومطهرك من الذين كفروا" أي برفعي إياك إلى السماء "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" . وهكذا وقع ; فإن المسيح عليه السلام لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعا بعده فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله وآخرون قالوا هو الله وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة . وقد حكى الله مقالتهم في القرآن ورد على كل فريق فاستمروا على ذلك قريبا من ثلاثمائة سنة ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين فدخل في دين النصرانية قيل : حيلة ليفسده فإنه كان فيلسوفا وقيل : جهلا منه إلا أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة وأحل في زمانه لحم الخنزير وصلوا إلى المشرق وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد وبنى المدينة المنسوبة إليه واتبعه طائفة الملكية منهم وهم في هذا كله قاهرون لليهود أيده الله عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم وإن كان الجميع كفارا عليهم لعائن الله فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي العربي خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الإطلاق الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته مما قد حرفوا وبدلوا ثم لو لم يكن شيء من ذلك لكان قد نسخ الله شريعة جميع الرسل بما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي لا يبدل ولا يغير إلى قيام الساعة ولا يزال قائما منصورا ظاهرا على كل دين فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها واجتازوا جميع الممالك ودانت لهم جميع الدول وكسروا كسرى وقصروا قيصر وسلبوهما كنوزهما وأنفقت في سبيل الله كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم عز وجل في قوله "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا" الآية فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقا سلبوا النصارى بلاد الشام وألجئوهم إلى الروم فلجئوا إلى مدينتهم القسطنطينية ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويستفيئون ما فيها من الأموال ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدا لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها وقد جمعت في هذا جزءا مفردا ولهذا قال تعالى وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين. فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (56) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وكذلك فعل بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه أو أطراه من النصارى عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك وفي الدار الآخرة عذابهم أشد وأشق "وما لهم من الله من واق" . ![]()
__________________
|
|
#113
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ72 الى صــ 81 الحلقة (113) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين (57) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين "وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم" أي في الدنيا والآخرة في الدنيا بالنصر والظفر وفي الآخرة بالجنات العاليات "والله لا يحب الظالمين" . ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم (58) ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ثم قال تعالى "ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم" أي هذا الذي قصصنا عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره هو مما قاله تعالى وأوحاه إليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ فلا مرية فيه ولا شك كما قال تعالى في سورة مريم "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" وههنا قال تعالى : "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" . إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون يقول جل وعلا "إن مثل عيسى عند الله" في قدرة الله حيث خلقه من غير أب "كمثل آدم" حيث خلقه من غير أب ولا أم بل "خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" فالذي خلق آدم من غير أب قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى لكونه مخلوقا من غير أب فجوز ذلك في آدم بالطريق الأولى ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل فدعواه في عيسى أشد بطلانا وأظهر فسادا ولكن الرب جل جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى ولهذا قال تعالى في سورة مريم "ولنجعله آية للناس" وقال ههنا "الحق من ربك فلا تكن من الممترين" . الحق من ربك فلا تكن من الممترين (60) الحق من ربك فلا تكن من الممترين "الحق من ربك فلا تكن من الممترين" أي هذا هو القول الحق في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه وماذا بعد الحق إلا الضلال . فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين (61) فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ثم قال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم" أي نحضرهم في حال المباهلة "ثم نبتهل" أي نلتعن "فنجعل لعنة الله على الكاذبين" أي منا ومنكم . وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران : أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية فأنزل الله في صدر هذه السورة ردا عليهم كما ذكره الإمام محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : قال ابن إسحاق في سيرته المشهورة وغيره : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم يئول أمرهم إليهم وهم : العاقب واسمه عبد المسيح والسيد وهو الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل وأويس بن الحارث وزيد وقيس ويزيد وابناه وخويلد وعمرو وخالد وعبد الله ومحسن وأمر هؤلاء يئول إلى ثلاثة منهم وهم العاقب وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم صاحب مدارستهم وكان رجلا من العرب من بني بكر بن وائل ولكنه تنصر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه وبنوا له الكنائس وأخدموه لما يعلمونه من صلابته في دينهم وقد كان يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وشأنه ما علمه من الكتب المتقدمة ولكن حمله ذلك على الاستمرار في النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية من جمال رجال بني الحارث بن كعب قال : يقول من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوهم" فصلوا إلى المشرق قال : فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح والسيد الأيهم وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون : هو الله ويقولون : هو ولد الله ويقولون : هو ثالث ثلاثة تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا . وكذلك النصرانية فهم يحتجون في قولهم هو الله بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص والأسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا وذلك كله بأمر الله وليجعله الله آية للناس ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله يقولون : لم يكن له أب يعلم وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله . ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة بقول الله تعالى فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون : لو كان واحدا ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت ولكنه هو وعيسى ومريم - تعالى الله وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا - وفي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن . فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسلما" قالا قد أسلمنا قال "إنكما لم تسلما فأسلما" قالا : بلى قد أسلمنا قبلك قال "كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير" قالا : فمن أبوه يا محمد ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ثم تكلم ابن إسحاق على تفسيرها إلى أن قال : فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم أن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك فقالوا : يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه ثم انصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا : يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال : والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم . ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا فإنكم عندنا رضا قال محمد بن جعفر : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين" فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها فرحت إلى الظهر مهجرا فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وشماله فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال "اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه" قال عمر : فذهب بها أبو عبيدة رضي الله عنه وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج : أن وفد أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه إلا أنه قال في الأشراف : كانوا اثني عشر وذكر بقيته بأطول من هذا السياق وزيادات أخر. وقال البخاري : حدثنا عباس بن الحسين حدثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحق عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه قال : جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه قال : فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا : إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال "لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين" فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "قم يا أبا عبيدة بن الجراح" فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا أمين هذه الأمة" . رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث إسرائيل عن أبي إسحق عن صلة عن حذيفة بنحوه وقد رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث إسرائيل عن أبي إسحق عن صلة عن ابن مسعود بنحوه . وقال البخاري : حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن خالد عن أبي قلابة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" . وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد حدثنا قرة عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال أبو جهل قبحه الله إن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على رقبته قال : فقال "لو فعل" لأخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا "وقد رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم به وقال الترمذي : حسن صحيح وقد روى البيهقي في دلائل النبوة قصة وفد نجران مطولة جدا ولنذكره فإن فيه فوائد كثيرة وفيه غرابة وفيه مناسبة لهذا المقام قال البيهقي : حدثنا أبو عبد الله الحافظ أبو سعيد ومحمد بن موسى بن الفضل قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده قال يونس - وكان نصرانيا فأسلم - أن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان" باسم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران أسلم أنتم فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام "فلما أتى الأسقف الكتاب وقرأه فظع به وذعره ذعرا شديدا وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأيهم ولا السيد ولا العاقب فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى إلى شرحبيل فقرأه فقال الأسقف : يا أبا مريم ما رأيك ؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما" وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل ليس لي في أمر النبوة رأي ولو كان في أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأيي واجتهدت لك فقال الأسقف : تنح فاجلس فتنحى شرحبيل فجلس ناحية فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال مثل قول شرحبيل فقال له الأسقف : تنح فاجلس فتنحى عبد الله فجلس ناحية فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه ؟ فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله فأمره الأسقف فتنحى فجلس ناحية فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به ورفعت النيران والمسوح في الصوامع وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار وإذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمدانى وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فلم يرد عليهم وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا كتابا فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا وتصدينا لكلامه نهارا طويلا فأعيانا أن يكلمنا فما الرأي منكما أترون أن نرجع ؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم : ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن : أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه ففعلوا فسلموا عليه فرد سلامهم ثم قال "والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم" ثم سألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرنا إن كنت نبيا أن نسمع ما تقول فيه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى" فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم - إلى" قوله - الكاذبين "فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه : لقد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني والله أرى أمرا ثقيلا والله لئن كان هذا الرجل مبعوثا فكنا أول العرب طعنا في عينيه وردا عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبنا بجائحة وأنا لأدنى العرب منهما جوارا ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى منا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلا هلك فقال صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم ؟ فقال : أرى أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا له : أنت" وذاك قال : فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال "وما هو ؟" فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعل وراءك أحدا يثرب عليك" ؟ فقال شرحبيل : سل صاحبي فسألهما فقالا : ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلاعنهم حتى إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبي صلى الله عليه وسلم لنجران - إن كان عليهم حكمه - في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل عليهم وترك ذلك كله لهم على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر ألف حلة "وذكر تمام الشروط وبقية السياق والغرض أن وفودهم كان في سنة تسع لأن الزهري قال : كان أهل نجران أول من أدى الجزية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية الجزية إنما أنزلت بعد الفتح وهي قوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن داود المكي حدثنا بشر بن مهران حدثنا محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والطيب فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة قال : فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن" يجيبا وأقرا له بالخراج قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "والذي بعثني بالحق لو قالا : لا لأمطر عليهم الوادي نارا" قال جابر : وفيهم نزلت "ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا" وأنفسكم "قال جابر" أنفسنا وأنفسكم "رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب" وأبناءنا "الحسن والحسين" ونساءنا "فاطمة." وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى عن أحمد بن محمد بن الأزهري عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند به بمعناه . ثم قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا . ![]()
__________________
|
|
#114
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ82 الى صــ 91 الحلقة (114) قالا : وقد رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن المغيرة عن الشعبي مرسلا وهذا أصح وقد روي عن ابن عباس والبراء نحو ذلك . إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم (62) إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم ثم قال الله تعالى "إن هذا لهو القصص الحق" أي هذا الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي لا معدل عنه ولا محيد "وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا" . أي عن هذا إلى غيره . فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (63) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين "فإن الله عليم بالمفسدين" أي من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي لا يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته . قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة" والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال ههنا ثم وصفها بقوله "سواء بيننا وبينكم" أي عدل ونصف نستوي نحن وأنتم فيها ثم فسرها بقوله "أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا" لا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا نارا ولا شيئا بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له وهذه دعوة جميع الرسل قال الله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون "وقال تعالى" ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت "ثم قال تعالى" ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله "." وقال ابن جريج : يعني يطيع بعضنا بعضا في معصية الله . وقال عكرمة : يسجد بعضنا لبعض "فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" أي فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فاشهدوا أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم . وقد ذكرنا في شرح البخاري عند روايته من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن أبي سفيان في قصته حين دخل على قيصر فسأله عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صفته ونعته وما يدعو إليه فأخبره بجميع ذلك على الجلية مع أن أبا سفيان إذ ذاك كان مشركا لم يسلم إلا بعد وكان ذلك بعد صلح الحديبية وقبل الفتح كما هو مصرح به في الحديث ولأنه لما سأله : هل يغدر ؟ قال : فقلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها قال : ولم يمكني كلمة أزيد فيها شيئا سوى هذه والغرض أنه قال ثم جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فأسلم تسلم وأسلم يؤتك أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين و "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ." وقد ذكر محمد بن إسحق وغير واحد أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران . وقال الزهري : هم أول من بذل الجزية ولا خلاف أن آية الجزية نزلت بعد الفتح فما الجمع بين كتابة هذه الآية قبل الفتح إلى هرقل في جملة الكتاب وبين ما ذكره محمد بن إسحق والزهري ؟ والجواب من وجوه . "أحدها" يحتمل أن هذه الآية نزلت مرتين مرة قبل الحديبية ومرة بعد الفتح . "الثاني" يحتمل أن صدر سورة آل عمران نزل في وفد نجران إلى هذه الآية وتكون هذه الآية نزلت قبل ذلك ويكون قول ابن إسحق إلى بضع وثمانين آية ليس بمحفوظ لدلالة حديث أبي سفيان . "الثالث" يحتمل أن قدوم وفد نجران كان قبل الحديبية وأن الذي بذلوه مصالحة عن المباهلة لا على وجه الجزية بل يكون من باب المهادنة والمصالحة ووافق نزول آية الجزية بعد ذلك على وفق ذلك كما جاء فرض الخمس والأربعة أخماس وفق ما فعله عبد الله بن جحش في تلك السرية قبل بدر ثم نزلت فريضة القسم على وفق ذلك . "الرابع" يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بكتب هذا في كتابه إلى هرقل لم يكن نزل بعد ثم أنزل القرآن موافقة له صلى الله عليه وسلم كما نزل بموافقة عمر بن الخطاب في الحجاب وفي الأسارى وفي عدم الصلاة على المنافقين وفي قوله "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وفي قوله "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن" الآية. يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (65) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا ينكر تبارك وتعالى على اليهود والنصارى في محاجتهم في إبراهيم الخليل عليه السلام ودعوى كل طائفة منهم أنه كان منهم كما قال محمد بن إسحق بن يسار حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فأنزل الله تعالى "يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم" الآية أي كيف تدعون أيها اليهود أنه كان يهوديا وقد كان زمنه قبل أن ينزل الله التوراة على موسى وكيف تدعون أيها النصارى أنه كان نصرانيا وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر ولهذا قال تعالى أفلا تعقلون . ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (66) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا قال تعالى "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم" الآية . هذا إنكار على من يحاج فيما لا علم له به فإن اليهود والنصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علم ولو تحاجوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التي شرعت لهم إلى حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لكان أولى بهم وإنما تكلموا فيما لا يعلمون فأنكر الله عليهم ذلك وأمرهم برد ما لا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم الأمور على حقائقها وجلياتها ولهذا قال تعالى "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" . ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين قال تعالى "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما" أي متحنفا عن الشرك قاصدا إلى الإيمان "وما كان من المشركين" وهذه الآية كالتي تقدمت في سورة البقرة "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا" الآية . ثم قال تعالى "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين" يقول تعالى : أحق الناس بمتابعة إبراهيم الخليل الذين اتبعوه على دينه وهذا النبي يعني محمدا صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعدهم . قال سعيد بن منصور حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل" . إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين (68) إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه" الآية . وقد رواه الترمذي والبزار من حديث أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن أبيه به . ثم قال البزار : ورواه غير أبي أحمد عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله ولم يذكر مسروقا وكذا رواه الترمذي من طريق وكيع عن سفيان ثم قال : وهذا أصح لكن رواه وكيع في تفسيره فقال : حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي إسحق عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إن لكل نبي ولاية من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل الله عز وجل إبراهيم عليه السلام" ثم قرأ "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا" الآية وقوله "والله ولي المؤمنين" أي ولي جميع المؤمنين برسله . ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون (69) ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين وبغيهم إياهم بالإضلال وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم . يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون (70) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم قال تعالى منكرا عليهم "يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها. يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون (71) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون ذلك وتتحققونه. وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون (72) وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" الآية . هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين ولهذا قالوا "لعلهم يرجعون" وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد في قوله تعالى إخبارا عن اليهود بهذه الآية يعني يهودا صلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح وكفروا آخر النهار مكرا منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه. وقال العوفي عن ابن عباس : قالت طائفة من أهل الكتاب إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك . ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (73) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم وقوله تعالى "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" أي تطمئنوا وتظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم . قال الله تعالى "قل إن الهدى هدى الله" أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات والدلائل القاطعات والحجج الواضحات وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين وقوله "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم" يقولون لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلموه منكم ويساوونكم فيه ويمتازون به عليكم لشدة الإيمان به أو يحاجوكم به عند ربكم أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم فتقوم به عليكم الدلالة وترتكب الحجة في الدنيا والآخرة قال الله تعالى "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" أي الأمور كلها تحت تصرفه وهو المعطي المانع يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصرف التام ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته ويختم على قلبه وسمعه ويجعل على بصره غشاوة وله الحجة التامة والحكمة البالغة . يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم (74) يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم "والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمدا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء وهداكم به إلى أكمل الشرائع . ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (75) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون يخبر تعالى عن اليهود بأن منهم الخونة ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم فإن منهم "من إن تأمنه بقنطار" أي من المال "يؤده إليك" أي وما دونه بطريق الأولى أن يؤده إليك "ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما" أي بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى أن لا يؤديه إليك . وقد تقدم الكلام على القنطار في أول السورة وأما الدينار فمعروف . وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية عن زياد بن الهيثم حدثني مالك بن دينار قال : إنما سمي الدينار لأنه دين ونار . وقيل : معناه من أخذه بحقه فهو دينه . ومن أخذه بغير حقه فله النار ومناسب أن يذكر ههنا الحديث الذي علقه البخاري في غير موضع من صحيحه ومن أحسنها سياقه في كتاب الكفالة حيث قال : وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم فقال : كفى بالله شهيدا فقال : ائتني بالكفيل قال : كفى بالله كفيلا قال : صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها ليقدم عليه في الأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها ثم أتى بها إلى البحر فقال اللهم إنك تعلم أنى استسلفت فلانا ألف دينار فسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا وسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني استودعتكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده فخرج الرجل الذي كان سلفه لينظر لعل مركبا يجيئه بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه فأتاه بألف دينار وقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال : هل كنت بعثت إلى بشيء ؟ قال : ألم أخبرك أنى لم أجد مركبا قبل هذا قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بألف دينار راشدا "هكذا رواه البخاري في موضع معلقا بصيغة الجزم وأسنده في بعض المواضع من الصحيح عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه ." ورواه الإمام أحمد في مسنده هكذا مطولا عن يونس بن محمد المؤدب عن الليث به . ورواه البزار في مسنده عن الحسن بن مدرك عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ثم قال : لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد كذا قال وهو خطأ لما تقدم وقوله "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل" أي إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون : ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين وهم العرب فإن الله قد أحلها لنا قال الله تعالى "ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" أي وقد اختلقوا هذه المقالة وائتفكوها بهذه الضلالة فإن الله حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها وإنما هم قوم بهت . قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحق الهمداني عن أبي صعصعة بن يزيد أن رجلا سأل ابن عباس فقال : إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة قال ابن عباس : فتقولون ماذا ؟ قال : نقول ليس علينا بذلك بأس قال : هذا كما قال أهل الكتاب ليس علينا في الأميين سبيل إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم . وكذا رواه الثوري عن أبي إسحق بنحوه وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا يعقوب حدثنا جعفر عن سعيد بن جبير قال : لما قال أهل الكتاب ليس علينا في الأميين سبيل قال نبي الله صلى الله عليه وسلم "كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلة إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر" . ![]()
__________________
|
|
#115
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ92 الى صــ 101 الحلقة (115) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين قال تعالى "بلى من أوفى بعهده واتقى" أي لكن من أوفى بعهده واتقى منكم يا أهل الكتاب الذي عاهدكم الله عليه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك واتقى محارم الله واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم فإن الله يحب المتقين . إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم يقول تعالى إن الذين يعتاضون عما عاهدوا الله عليه من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته للناس وبيان أمره وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة "أولئك لا خلاق لهم في الآخرة" أي لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم منها "ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة" أي برحمة منه لهم يعني لا يكلمهم الله كلام لطف بهم ولا ينظر إليهم بعين الرحمة "ولا يزكيهم" أي من الذنوب والأدناس بل يأمر بهم إلى النار "ولهم عذاب أليم" . وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر "الحديث الأول" قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا شعبة قال علي بن مدرك أخبرني قال : سمعت أبا زرعة عن خرشة بن الحر عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هم ؟ خسروا وخابوا قال : وأعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال "المسبل والمنفق سلعته بالحلف الكاذب والمنان" . ورواه مسلم وأهل السنن من حديث شعبة به "طريق أخرى" قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي العلاء بن الشخير عن أبي الأحمس قال : لقيت أبا ذر فقلت له بلغني عنك أنك تحدث حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما إنه لا يخالني أن كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما سمعته منه فما الذي بلغك عني ؟ قلت بلغني أنك تقول : ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله قال : قلته سمعته قلت : فمن هؤلاء الذين يحبهم الله ؟ قال : "الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم والرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن" "قلت : ومن هؤلاء الذين يشنؤهم الله ؟ قال" التاجر الحلاف - أو قال البائع الحلاف - والفقير المحتال والبخيل المنان "." غريب من هذا الوجه . "الحديث الثاني" قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن جرير بن حازم حدثنا عدي بن عدي أخبرني رجاء بن حيوة والعرس بن عميرة عن أبيه عدي هو ابن عميرة الكندي قال : خاصم رجل من كندة يقال له امرؤ القيس بن عامر رجلا من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض فقضى على الحضرمي بالبينة فلم يكن له بينة فقضى على امرئ القيس باليمين فقال الحضرمي : أمكنته من اليمين يا رسول الله ؟ ذهبت ورب الكعبة أرضي فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان" قال رجاء : وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا" فقال امرؤ القيس : ماذا لمن تركها يا رسول الله ؟ فقال "الجنة" قال : فاشهد أني قد تركتها له كلها ورواه النسائي من حديث عدي بن عدي به . "الحديث الثالث" قال أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان" فقال الأشعث : في والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني أرضي فقدمته إلى رسول الله صلى فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألك بينة" ؟ قلت : لا فقال لليهودي : "احلف" . فقلت يا رسول الله إذا يحلف فيذهب مالي فأنزل الله عز وجل إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا "الآية" أخرجاه من حديث الأعمش "طريق أخرى" قال أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق بن سلمة حدثنا عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان" قال : فجاء الأشعث بن قيس فقال : ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فحدثناه فقال : كان في هذا الحديث خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر كانت لي في يده فجحدني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بينتك أنها بئرك وإلا فيمينه" قال : قلت يا رسول الله مالي بينة وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري إن خصمي امرؤ فاجر فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم "من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان" قال : وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا" الآية . "الحديث الرابع" قال أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان قال حدثنا رشدين عن زياد عن سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن لله تعالى عبادا لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم" قيل : ومن أولئك يا رسول الله ؟ قال "متبرئ من والديه راغب عنهما ومتبرئ من ولده ورجل" أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم "." "الحديث الخامس" قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا هشيم أنبأنا العوام يعني ابن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن يعني السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت هذه الآية "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا" الآية . ورواه البخاري من غير وجه عن العوام. "الحديث السادس" قال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده ورجل حلف على سلعة بعد العصر يعني كاذبا ورجل بايع إماما فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يف له" ورواه أبو داود والترمذي من حديث وكيع وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (78) وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله أن منهم فريقا يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون كلام الله ويزيلونه عن المراد به ليوهموا الجهلة أنه في كتاب الله كذلك وينسبونه إلى الله وهو كذب على الله وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله ولهذا قال الله تعالى "ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" وقال مجاهد والشعبي والحسن وقتادة والربيع بن أنس : "يلوون ألسنتهم بالكتاب" يحرفونه وهكذا روى البخاري عن ابن عباس أنهم يحرفون ويزيلون وليس أحد من خلق الله يزيل لفظ كتاب من كتب الله لكنهم يحرفونه ويتأولونه على غير تأويله . وقال وهب بن منبه : إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يغير منهما حرف ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم "ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله" فأما كتب الله فإنها محفوظة ولا تحول رواه ابن أبي حاتم فإن عنى وهب ما بأيديهم من ذلك فلا شك أنه قد دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص . وأما تعريب ذلك المشاهد بالعربية ففيه خطأ كبير وزيادات كثيرة ونقصان ووهم فاحش وهو من باب تفسير المعرب المعبر وفهم كثير منهم بل أكثرهم بل جميعهم فاسد وأما إن عنى كتب الله التي هي كتبه من عنده فتلك كما قال محفوظة لم يدخلها شيء . ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون قال محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام : أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس : أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ؟ أو كما قال : فقال رسول الله صلى الله علليه وسلم "معاذ الله أن نعبد غير الله أو أن نأمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني" أو كما قال صلى الله عليه وسلم فأنزل الله في ذلك من قولهما "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة - إلى قوله - بعد إذ أنتم مسلمون" فقوله "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله" أي ما ينبغي لبشر آتاه الله الكتاب والحكمة والنبوة أن يقول للناس اعبدوني من دون الله أي مع الله فإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى ولهذا قال الحسن البصري : لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته قال : ذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضا يعني أهل الكتاب كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم كما قال الله تعالى "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" الآية . وفي المسند والترمذي كما سيأتي أن عدي بن حاتم قال : يا رسول الله ما عبدوهم قال "بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم" فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين فإنهم إنما يأمرون بما يأمر الله به وبلغتهم إياه رسله الكرام وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه وبلغتهم إياه رسله الكرام. فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم السفراء بين الله وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرسالة وإبلاغ الأمانة فقاموا بذلك أتم القيام ونصحوا الخلق وبلغوهم الحق وقوله "ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" أي ولكن يقول الرسول للناس كونوا ربانيين قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد أي حكماء علماء حلماء وقال الحسن وغير واحد : فقهاء وكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء الخراساني وعطية العوفي والربيع بن أنس . وعن الحسن أيضا يعني أهل عبادة وأهل تقوى . وقال الضحاك في قوله "بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيها . تعلمون أي تفهمون معناه وقرئ تعلمون بالتشديد من التعليم "وبما كنتم تدرسون" تحفظون ألفاظه . ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ثم قال الله تعالى "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا" أي ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله لا نبي مرسل ولا ملك مقرب "أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون" أي لا يفعل ذلك إلا من دعا إلى عبادة غير الله ومن دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" الآية وقال "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال إخبارا عن الملائكة "ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين" . وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين (81) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام لمهما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة وبلغ أي مبلغ ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته ولهذا قال تعالى وتقدس "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة" أي لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة "ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري" وقال ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وقتادة والسدي : يعني عهدي وقال محمد بن إسحق "إصري" أي ثقل ما حملتم من عهدي أي ميثاقي الشديد المؤكد "قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين" . فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (82) "فمن تولى بعد ذلك" أي عن هذا العهد والميثاق "فأولئك هم الفاسقون" . قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. وقال طاووس والحسن البصري وقتادة : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه بل يستلزمه ويقتضيه ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه مثل قول علي وابن عباس وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن جابر عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله إني أمرت بأخ لي يهودي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ قال : فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت قلت له ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا قال : فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال "والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين" "حديث آخر" قال الحافظ أبو يعلى حدثنا إسحق حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" وفي بعض الأحاديث "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد لكان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس : وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه . أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون (83) أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون يقول تعالى منكرا على من أراد دينا سوى دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي له أسلم من في السموات والأرض أي استسلم له من فيهما طوعا وكرها كما قال تعالى "ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها" الآية وقال تعالى "أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون" فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله والكافر مستسلم لله كرها فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع . ![]()
__________________
|
|
#116
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ102 الى صــ 111 الحلقة (116) وقد ورد حديث في تفسير هذه الآية على معنى آخر فيه غرابة فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن النضر العسكري حدثنا سعيد بن حفص النفيلي حدثنا محمد بن محصن العكاشي حدثنا الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن النبي صلى الله عليه وسلم "وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها" "أما من في السموات فالملائكة وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام وأما كرها فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون" وقد ورد في الصحيح "عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل" وسيأتي له شاهد من وجه آخر ولكن المعنى الأول للآية أقوى . وقد قال وكيع في تفسيره : حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد "وله أسلم" من في السموات والأرض طوعا وكرها "قال : هو كقوله" ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله "وقال أيضا : حدثنا سفيان عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس" وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها "قال : حين أخذ الميثاق" وإليه يرجعون "أي يوم المعاد فيجازي كلا بعمله ." قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (84) قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون قال تعالى "قل آمنا بالله وما أنزل علينا" يعني القرآن "وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب" أي من الصحف والوحي "والأسباط" وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل - وهو يعقوب الاثنى عشر "وما أوتي موسى وعيسى" يعني بذلك التوراة والإنجيل "والنبيون من ربهم" وهذا يعم جميع الأنبياء جملة "لا نفرق بين أحد منهم" يعني بل نؤمن بجميعهم "ونحن له مسلمون" فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل وبكل كتاب أنزل لا يكفرون بشيء من ذلك بل هم يصدقون بما أنزل من عند الله وبكل نبي بعثه الله . ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ثم قال تعالى "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" الآية . أي من سلك طريقا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه "وهو في الآخرة من الخاسرين" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول يا رب أنا الصلاة فيقول إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول يا رب أنا الصدقة فيقول إنك على خير ثم يجيء الصيام فيقول يا رب أنا الصيام فيقول إنك على خير ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله إنك على خير ثم يجيء الإسلام فيقول يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول الله تعالى إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي ." قال الله في كتابه "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" تفرد به أحمد قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد : عباد بن راشد ثقة ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين (86) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع البصري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله هل لي من توبة ؟ فنزلت "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - فإن الله غفور رحيم" فأرسل إليه قومه فأسلم وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به . وقال الحاكم : صحيح الإسناد يخرجاه . وقال عبد الرزاق أنبأنا جعفر بن سليمان حدثنا حميد الأعرج عن مجاهد قال : جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - غفور رحيم" . قال : فحملها إليه رجل من قومه فقرأ عليه فقال الحارث : إنك - والله ما علمت - لصدوق وإن رسول الله لأصدق منك وإن الله لأصدق الثلاثة قال : فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه فقوله تعالى "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية ؟ ولهذا قال تعالى "والله لا يهدي القوم الظالمين" . أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (87) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ثم قال تعالى "أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" أي يلعنهم الله ويلعنهم خلقه . خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون "خالدين فيها" أي في اللعنة "لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون" أي لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة . إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (89) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ثم قال تعالى "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه تاب عليه . إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون (90) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون يقول تعالى متوعدا ومهددا لمن كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرا أي استمر إلى الممات ومخبرا بأنهم لن تقبل لهم توبة عند الممات كما قال تعالى "وليست" التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت "الآية ولهذا قال ههنا" لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون "أي الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغي ." قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس : أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم" هكذا رواه وإسناده جيد. إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين (91) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ثم قال تعالى "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" أي من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبدا ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان وكان يقري الضيف ويفك العاني ويطعم الطعام هل ينفعه ذلك ؟ فقال "لا إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" وكذلك لو افتدى بملء الأرض أيضا ذهبا ما قبل منه كما قال تعالى "ولا يقبل منها عدل ولا ينفعها شفاعة" وقال "لا بيع فيه ولا خلال" وقال "إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم" ولهذا قال تعالى ههنا "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" فعطف ولو افتدى به على الأول فدل على أنه غيره . وما ذكرناه أحسن من أن يقال إن الواو زائدة والله أعلم ويقتضي ذلك أن لا ينقذه من عذاب الله شيء ولو كان قد أنفق مثل الأرض ذهبا ولو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهبا بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها . وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج حدثني شعبة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقال للرجل من أهل الناريوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به ؟ قال : فيقول نعم فيقول الله قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك "." وهكذا أخرجه البخاري ومسلم "طريق أخرى" وقال الإمام أحمد : حدثنا روح حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له يا ابن آدم كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : أي رب خير منزل فيقول : سل وتمن فيقول : ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار لما يرى من فضل الشهادة ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له يا ابن آدم كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : يا رب شر منزل فيقول له أتفتدي مني بطلاع الأرض ذهبا ؟ فيقول أي رب نعم فيقول :" كذبت قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد إلى النار "" ولهذا قال "أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين" أي وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ولا يجيرهم من أليم عقابة . لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم (92) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم روى وكيع في تفسيره عن شريك عن أبي إسحق عن عمرو بن ميمون "لن تنالوا البر" قال الجنة وقال الإمام أحمد : حدثنا روح حدثنا مالك عن أبي إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة سمع أنس بن مالك يقول : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس : فلما نزلت "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" قال أبو طلحة : يا رسول الله إن الله يقول "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو بها برها وذخرها عند الله تعالى يا رسول الله حيث أراك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم بخ بخ ذاك مال رابح ذاك مال رابح وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه أخرجاه وفي الصحيحين أن عمر قال : يا رسول الله لم أصب مالا قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر فما تأمرني به ؟ قال "فاحبس الأصل وسبل الثمرة" وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمرو عن أبي عمرو بن حماس عن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : قال عبد الله حضرتني هذه الآية "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" فذكرت ما أعطاني الله فلم أجد شيئا أحب إلي من جارية لي رومية فقلت : هي حرة لوجه الله فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها يعني تزوجتها. كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93) كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبد الحميد حدثنا شهر قال : قال ابن عباس : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي قال "سلوني عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على الإسلام" قالوا فذلك لك قالوا : أخبرنا على أربع خلال أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه ؟ وكيف ماء المرأة وماء الرجل ؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة ؟ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه فقال "أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من" سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها "فقالوا : اللهم نعم فقال" اللهم اشهد عليهم "وقال" أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله إن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله "قالوا : نعم قال" اللهم اشهد عليهم "قال" وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه "قالوا : اللهم نعم قاله" اللهم اشهد "قال" وإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه "قالوا : فعند ذلك نفارقك ولو كان وليك غيره لتابعناك فعند ذلك قال الله تعالى" قل من كان عدوا لجبريل "الآية ورواه أحمد أيضا عن حسين بن محمد عن عبد الحميد به" طريق أخرى "قال أحمد : حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال" والله على ما نقول وكيل "قال" هاتوا "قالوا : أخبرنا عن علامة النبي ؟ قال" تنام عيناه ولا ينام قلبه "قالوا : أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر قال" يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت وإذا علا ماء المرأة أنثت "قالوا أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال" كان يشتكي عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا - قال أحمد : قال بعضهم يعني الإبل - فحرم لحومها "قالوا : صدقت قالوا : أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال" ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيده - أو في يديه - مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله عز وجل "قالوا : فما هذا الصوت الذي يسمع ؟ قال" صوته "قالوا : صدقت إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها : إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك ؟ قال" جبريل عليه السلام "قالوا : جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان فأنزل الله تعالى" قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين "والآية بعدها وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد العجلي به نحوه وقال الترمذي حسن غريب ." وقال ابن جريج والعوفي عن ابن عباس : كان إسرائيل عليه السلام - وهو يعقوب - يعتريه عرق النسا بالليل . ![]()
__________________
|
|
#117
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ112 الى صــ 121 الحلقة (117) وكان يقلقه ويزعجه عن النوم ويقلع الوجع عنه بالنهار فنذر لله لئن عافاه الله لا يأكل عرقا ولا يأكل ولد ما له عرق وهكذا قال الضحاك والسدي كذا رواه وحكاه ابن جرير في تفسيره قال : فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استنانا به واقتداء بطريقه قال : وقوله "من قبل أن تنزل التوراة" أي حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قلت : ولهذا السياق بعد ما تقدم مناسبتان . "إحداهما" أن إسرائيل عليه السلام حرم أحب الأشياء إليه وتركها لله وكان هذا سائغا في شريعتهم فله مناسبة بعد قوله "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" . فهذا هو المشروع عندنا وهو الإنفاق في طاعة الله مما يحبه العبد ويشتهيه كما قال تعالى "وآتى المال على حبه" وقال تعالى "ويطعمون الطعام على حبه" الآية "المناسبة الثانية" لما تقدم بيان الرد على النصارى واعتقادهم الباطل في المسيح وتبيين زيف ما ذهبوا إليه وظهور الحق واليقين في عيسى وأمه كيف خلقه الله بقدرته ومشيئته وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه تبارك وتعالى شرع في الرد على اليهود قبحهم الله تعالى وبيان أن النسخ الذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع فإن الله تعالى قد نص في كتابهم التوراة أن نوحا عليه السلام لما خرج من السفينة أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها ثم بعد هذا حرم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل وألبانها فاتبعه بنوه في ذلك وجاءت التوراة بتحريم ذلك وأشياء أخرى زيادة على ذلك وكان الله عز وجل قد أذن لآدم في تزويج بناته من بنيه وقد حرم ذلك بعد ذلك وكان التسري على الزوجة مباحا في شريعة إبراهيم عليه السلام وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرى بها على سارة . وقد حرم مثل هذا في التوراة عليهم وكذلك كان الجمع بين الأختين سائغا وقد فعله يعقوب عليه السلام جمع بين الأختين ثم حرم عليهم ذلك في التوراة . وهذا كله منصوص عليه في التوراة عندهم وهذا هو النسخ بعينه . فكذلك فليكن ما شرعه الله للمسيح عليه السلام في إحلاله بعض ما حرم في التوراة فما بالهم لم يتبعوه بل كذبوه وخالفوه ؟ وكذلك ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الدين القويم والصراط المستقيم وملة أبيه إبراهيم فما بالهم لا يؤمنون ؟ ولهذا قال تعالى "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة" أي كان حلا لهم جميع الأطعمة قبل نزول التوراة إلا ما حرمه إسرائيل ثم قال تعالى "قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" فإنها ناطقة بما قلناه. فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون (94) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون أي فمن كذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائما وإنه لم يبعث نبيا آخر يدعو إلى الله تعالى بالبراهين والحجج بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرنا "فأولئك هم الظالمون" . قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (95) قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قال تعالى "قل صدق الله" أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن "فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" أي اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتم كما قال تعالى "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" وقال تعالى "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" . إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96) إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس أي لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده للذي ببكة "يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام الذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله له في ذلك ونادى الناس إلى حجه ولهذا قال تعالى" مباركا "أي وضع مباركا" وهدى للعالمين "وقد قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال" المسجد الحرام "قلت : ثم أي ؟ قال" المسجد الأقصى "قلت : كم بينهما ؟ قال" أربعون سنة "قلت : ثم أي ؟ قال" ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فكلها مسجد "وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به ." وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا سعيد بن سليمان عن شريك عن مجالد عن الشعبي عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى "إن أول" بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا "قال : كانت البيوت قبله ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله ." وحدثنا أبي حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة قال : قام رجل إلى علي رضي الله عنه فقال : ألا تحدثني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض ؟ قال : لا ولكنه أول بيت وضع فيه البركة مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وذكر تمام الخبر في كيفية بناء إبراهيم البيت وقد ذكرنا ذلك مستقصى في أول سورة البقرة فأغنى عن إعادته هنا . وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقا والصحيح قول علي رضي الله عنه . فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه دلائل النبوة من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا "بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فأمرهما ببناء الكعبة فبناه آدم ثم أمر بالطواف به وقيل له : أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس" فإنه كما ترى من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف والأشبه والله أعلم أن يكون هذا موقوفا على عبد الله بن عمرو ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب . وقوله تعالى "للذي ببكة" بكة من أسماء مكة على المشهور قيل : سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها وقيل : لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون . قال قتادة : إن الله بك به الناس جميعا فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها . وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ومقاتل بن حيان . وذكر حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال : مكة من الفج إلى التنعيم وبكة من البيت إلى البطحاء . وقال شعبة عن المغيرة عن إبراهيم : بكة البيت والمسجد وكذا قال الزهري . وقال عكرمة في رواية وميمون بن مهران : البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة وقال أبو مالك وأبو صالح وإبراهيم النخي وعطية العوفي ومقاتل بن حيان : بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة . وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد الأمين والمأمون وأم رحم وأم القرى وصلاح والعرش على وزن بدر والقادس لأنها تطهر من الذنوب والمقدسة والناسة بالنون وبالباء أيضا والباسة والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبنية والكعبة . فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (97) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين قوله تعالى "فيه آيات بينات" أي دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم وأن الله عظمه وشرفه ثم قال تعالى "مقام إبراهيم" يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل وقد كان ملتصقا بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف منه ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف. لأن الله تعالى قد أمرك بالصلاة عنده حيث قال "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقد قدمنا الأحاديث في ذلك فأغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "فيه آيات بينات مقام إبراهيم" أي فمنهن مقام إبراهيم والمشاعر وقال مجاهد أثر قدميه في المقام آية بينة وكذا روي عن عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وغيرهم . وقال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة : وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيا غير ناعل وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد وعمرو الأودي قالا : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى "مقام إبراهيم" قال : الحرم كله مقام إبراهيم ولفظ عمرو : الحجر كله مقام إبراهيم : وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : الحج مقام إبراهيم هكذا رأيته في النسخة ولعله الحجر كله مقام إبراهيم . وقد صرح بذلك مجاهد وقوله تعالى "ومن دخله كان آمنا" يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية كما قال الحسن البصري وغيره : كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو يحيى التميمي عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى "ومن دخله كان آمنا" قال : من عاذ بالبيت أعاذه البيت ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى فإذا خرج أخذ بذنبه . وقال الله تعالى "أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم" الآية . وقال تعالى "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعا وموقوفا . ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم" فانفروا "وقال يوم فتح مكة" إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها "فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال" إلا الإذخر "ولهما عن أبي هريرة مثله أو نحوه ولهما واللفظ لمسلم أيضا عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به : أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال" إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب "فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة وعن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة "." رواه مسلم . وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحرورة بسوق مكة يقول "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" . رواه الإمام أحمد وهذا لفظه والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي : حسن صحيح وكذا صحح من حديث ابن عباس نحوه. وروى أحمد عن أبي هريرة نحوه وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان حدثنا بشر بن عاصم عن زريق بن مسلم الأعمى مولى بني مخزوم حدثني زياد بن أبي عياش عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله تعالى "ومن دخله كان آمنا" قال : آمنا من النار وفي معنى هذا القول الحديث الذي رواه البيهقي . أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن سليمان بن الواسطي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا ابن المؤمل عن ابن محيصن عن عطاء عن عبد الله بن عباس : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة وخرج مغفورا له" ثم قال : تفرد به عبد بن المؤمل وليس بالقوي . وقوله "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" هذه آية وجوب الحج عند الجمهور . وقيل : بل هي قوله "وأتموا الحج والعمرة لله" والأولى أظهر . وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده وأجمع المسلمون على ذلك إجماعا ضروريا وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع . قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا يزيد بن هارون حدثنا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم" ثم قال "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" . ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن يزيد بن هارون به نحوه . وقد روى سفيان بن حسين وسليمان بن كثير وعبد الجليل بن حميد ومحمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سنان الدؤلي واسمه يزيد بن أمية عن ابن عباس رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج" فقام الأقرع بن حابس فقال : يا رسول الله أفي كل عام ؟ فقال "لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولن تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع" "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث الزهري به ورواه شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه ." وروي من حديث أسامة بن زيد . وقال الإمام أحمد : حدثنا منصور بن وردان عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن أبيه عن البختري عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" قالوا : يا رسول الله في كل عام ؟ فسكت قالوا يا رسول الله في كل عام ؟ قال "لا ولو قلت نعم لوجبت" فأنزل الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" وكذا رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث منصور بن وردان به ثم قال الترمذي : حسن غريب . وفيما قال نظر لأن البخاري قال : لم يسمع أبو البختري من علي وقال ابن ماجه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال : قالوا : يا رسول الله الحج في كل عام ؟ قال "لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تقوموا بها ولو لم تقوموا بها لعذبتم" . ![]()
__________________
|
|
#118
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ122 الى صــ 131 الحلقة (118) وفي الصحيحين من حديث ابن جريج عن عطاء عن جابر عن سراقة بن مالك قال : يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ قال "لا بل للأبد" وفي رواية "بل لأبد الأبد" . وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته "هذه ثم ظهور الحصر" يعني ثم الزمن ظهر الحصر ولا تخرجن من البيوت وأما الاستطاعة فأقسام تارة يكون الشخص مستطيعا بنفسه وتارة بغيره كما هو مقرر في كتب الأحكام . قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا عبد الرحمن بن حميد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا إبراهيم بن يزيد قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من الحاج يا رسول الله ؟ قال "الشعث التفل" فقام آخر فقال أي الحج أفضل يا رسول الله ؟ قال "العج والثج" فقام آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله ؟ قال "الزاد والراحلة" هكذا رواه ابن ماجه من حديث إبراهيم بن يزيد وهو الجوزي قال الترمذي : ولا يرفعه إلا من حديثه وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه كذا قال ههنا وقال في كتاب الحج : هذا حديث حسن لا يشك أن هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات سوى الجوزي هذا وقد تكلموا فيه من أجل هذا الحديث لكن قد تابعه غيره فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن عبد الله العامري حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن محمد بن عباد بن جعفر قال : جلست إلى عبد الله بن عمر قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما السبيل ؟ قال "الزاد والراحلة" وهكذا رواه ابن مردويه من رواية محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير به ثم قال ابن أبي حاتم : وقد روي عن ابن عباس وأنس والحسن ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك وقد روي هذا الحديث من طرق أخرى من حديث أنس وعبد الله بن عباس وابن مسعود وعائشة كلها مرفوعة ولكن في أسانيدها مقال كما هو مقرر في كتاب الأحكام والله أعلم. وقد اعتنى الحافظ أبو بكر بن مردويه بجمع طرق هذا الحديث . ورواه الحاكم من حديث قتادة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله عز وجل "من استطاع إليه سبيلا" فقيل ما السبيل ؟ قال "الزاد والراحلة" ثم قال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . وقال ابن جرير : حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" فقالوا : يا رسول الله ما السبيل ؟ قال "الزاد والراحلة" ورواه وكيع في تفسيره عن سفيان عن يونس به وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا الثوري عن إسماعيل وهو أبو إسرائيل الملائي عن فضيل يعني ابن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" وقال أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي عن مهران ابن أبي صفوان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد الحج فليتعجل" ورواه أبو داود عن مسدد عن أبي معاوية الضرير به . وقد روى وكيع وابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى "من استطاع إليه سبيلا" قال : من ملك ثلثمائة درهم فقد استطاع إليه سبيلا . وعن عكرمة مولاه أنه قال : السبيل الصحة وروى وكيع بن الجراح عن أبي جناب يعني الكلبي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال : "من استطاع إليه سبيلا" قال : قال الزاد والبعير وقوله تعالى "ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه . وقال سعيد بن منصور عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن عكرمة قال : لما نزلت "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" قالت اليهود : فنحن مسلمون قال الله عز وجل فأخصمهم فحجهم يعني فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله فرض على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" فقالوا : لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا قال الله تعالى "ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه . وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود حدثنا مسلم بن إبراهيم وشاذ بن فياض قالا : حدثنا هلال أبو هاشم الخراساني حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ملك زادا وراحلة ولم يحج بيت الله فلا يضره مات يهوديا أو نصرانيا وذلك بأن الله قال" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين "ورواه ابن جرير من حديث مسلم بن إبراهيم به وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة الرازي حدثنا هلال بن الفياض حدثنا" هلال أبو هاشم الخراساني فذكره بإسناده مثله ورواه الترمذي عن محمد بن علي القطعي عن مسلم بن إبراهيم عن هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي به وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال وهلال مجهول والحارث يضعف في هذا الحديث. وقال البخاري : هلال هذا منكر الحديث . وقال ابن عدي : هذا الحديث ليس بمحفوظ . وقد روى أبو بكر الإسماعيلي الحافظ من حديث أبي عمرو الأوزاعي حدثني إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر حدثني عبد الرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا وهذا إسناد صحيح إلى عمر رضي الله عنه . وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كل من كان عنده جدة فلم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين . قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون (98) قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما هذا تعنيف من الله تعالى للكفرة أهل الكتاب على عنادهم للحق وكفرهم بآيات الله وصدهم عن سبيل الله من أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله وبما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين والسادة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وما بشروا به ونوهوا به من ذكر النبي الأمي الهاشمي العربي المكي سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء ورسول رب الأرض والسماء وقد توعدهم الله على ذلك وأخبرهم بأنه شهيد على صنيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء ومعاملتهم الرسول المبشر به بالتكذيب والجحود والعناد فأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون أي وسيجزيهم على ذلك "يوم لا ينفع مال ولا بنون" . قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون (99) قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما هذا تعنيف من الله تعالى للكفرة أهل الكتاب على عنادهم للحق وكفرهم بآيات الله وصدهم عن سبيل الله من أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله وبما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين والسادة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وما بشروا به ونوهوا به من ذكر النبي الأمي الهاشمي العربي المكي سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء ورسول رب الأرض والسماء وقد توعدهم الله على ذلك وأخبرهم بأنه شهيد على صنيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء ومعاملتهم الرسول المبشر به بالتكذيب والجحود والعناد فأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون أي وسيجزيهم على ذلك "يوم لا ينفع مال ولا بنون" . يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين (100) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم يحذر تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم من إرسال رسوله كما قال تعالى : "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم" الآية وهكذا قال ههنا "إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين" . وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم (101) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم قال تعالى وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله يعني أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارا وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم وهذا كقوله تعالى : "وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين" الآية بعدها . وكما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه يوما "أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا" ؟ قالوا : الملائكة قال "وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم" قالوا : فنحن قال "وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟" قالوا : فأي الناس أعجب إيمانا ؟ قال "قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها" وقد ذكرت سند هذا الحديث والكلام عليه في أول شرح البخاري ولله الحمد . ثم قال تعالى "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" أي ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية والعدة في مباعدة الغواية والوسيلة إلى الرشاد وطريق السداد وحصول المراد . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (102) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود "اتقوا الله حق تقاته" قال : أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر وهذا إسناد صحيح موقوف وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن سفيان الثوري عن زبيد عن مرة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله حق تقاته" أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى "وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود مرفوعا فذكره ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه كذا قال ." والأظهر أنه موقوف والله أعلم . ثم قال ابن أبي حاتم : وروى نحوه عن مرة الهمداني والربيع بن خيثم وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخي وطاووس والحسن وقتادة وأبي سنان والسدي نحو ذلك . وروي عن أنس أنه قال : لا يتقي الله العبد حق تقاته حتى يخزن لسانه . وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم والسدي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى "اتقوا الله حق تقاته" قال : لم تنسخ ولكن "حق تقاته" أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وقوله تعالى "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه فعياذا بالله من خلاف ذلك. وقال الإمام أحمد : حدثنا روح حدثنا شعبة قال : سمعت سليمان عن مجاهد : إن الناس كانوا يطوفون بالبيت وإن ابن عباس جالس معه محجن فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن ليس له طعام إلا من الزقوم "وكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من طريق عن شعبة به وقال الترمذي : حسن صحيح ." وقال الحاكم : على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ![]()
__________________
|
|
#119
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ132 الى صــ 141 الحلقة (119) وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه" . وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" ورواه مسلم من طريق الأعمش به وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يونس عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله قال أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن بي خيرا فله فإن ظن بي شرا فله" وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله أنا عند ظن عبدي بي" . وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الملك القرشي حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت وأحسبه عن أنس قال : كان رجل من الأنصار مريضا فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فوافقه في السوق فسلم عليه فقال له "كيف أنت يا فلان ؟" قال : بخير يا رسول الله أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف" ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان . وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديثه ثم قال الترمذي غريب وكذا رواه بعضهم عن ثابت مرسلا . فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخر إلا قائما ورواه النسائي في سننه عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن شعبة به وترجم عليه فقال : "باب كيف يخر للسجود" ثم ساقه مثله فقيل معناه أن لا أموت إلا مسلما وقيل : معناه أن لا أقتل إلا مقبلا غير مدبر وهو يرجع إلى الأول . واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (103) واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" قيل "بحبل الله" أي بعهد الله كما قال في الآية بعدها "ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس" أي بعهد وذمة وقيل "بحبل من الله" يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعا في صفة القرآن "هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم" . وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أسباط بن محمد عن عبد الملك بن سليمان العزرمي عن عطية عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض" وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه" وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك وقال وكيع حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال : قال عبد الله : إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين : يا أبا عبد الله هذا الطريق هلم إلى الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن . وقوله "ولا تفرقوا" أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة . وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" "وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضا ." وخيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وقوله تعالى "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" إلى آخر الآية وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلي وعداوة شديدة وضغائن وإحن وذحول طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخوانا متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله متعاونين على البر والتقوى قال الله تعالى "هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" إلى آخر الآية وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان. وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين فعتب من عتب منهم بما فضل عليهم في القسمة بما أراه الله فخطبهم فقال "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي ؟" فكلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن . وقد ذكر محمد بن إسحق بن يسار وغيره : أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج. وذلك أن رجلا من اليهود مر بملإ من الأوس والخزرج فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض وتثاوروا ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟" وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم فاصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم وذكر عكرمة أن ذلك نزل فيهم حين تثاوروا في قضية الإفك والله أعلم . ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون يقول تعالى : ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولئك هم المفلحون قال الضحاك : هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء وقال أبو جعفر الباقر : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير" ثم قال "الخير اتباع القرآن وسنتي" رواه ابن مردويه والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" . وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان الهاشمي أنبأنا إسماعيل بن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن أبي عمرو به وقال الترمذي : حسن والأحاديث في هذا الباب كثيرة مع الآيات الكريمة كما سيأتي تفسيرها في أماكنها . ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم قال تعالى "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات" الآية ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضية في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم . قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني أزهر بن عبد الله الهروي عن أبي عامر عبد الله بن يحيى قال : حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة - وهي الجماعة - وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى كلاهما عن أبي المغيرة واسمه عبد القدوس بن الحجاج الشامي به وقد ورد هذا الحديث من طرق . يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وقوله تعالى "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة قاله ابن عباس رضي الله عنهما "فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم" قال الحسن البصري : وهم المنافقون "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" وهذا الوصف يعم كل كافر. وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون (107) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون يعني الجنة ماكثون فيها أبدا لا يبغون عنها حولا وقد قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية : حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح وحماد بن سلمة عن أبي غالب قال : رأى أبو أمامة رءوسا منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة : كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه ثم قرأ "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" إلى آخر الآية قلت : لأبي أمامة أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى عد سبعا - ما حدثتكموه ثم قال هذا حديث حسن وقد رواه ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن أبي غالب وأخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي غالب بنحوه . وقد روى ابن مردويه عند تفسير هذه الآية عن أبي ذر حديثا مطولا غريبا عجيبا جدا ثم قال تعالى "تلك آيات الله نتلوها عليك" . تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين (108) تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين قال تعالى "تلك آيات الله نتلوها عليك" أي هذه آيات الله وحججه وبيناته نتلوها عليك يا محمد "بالحق" أي نكشف ما الأمر عليه في الدنيا والآخرة "وما الله يريد ظلما للعالمين" أي ليس بظالم لهم بل هو الحاكم العدل الذي لا يجور لأنه القادر على كل شيء العالم بكل شيء فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدا من خلقه . ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور (109) ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ولهذا قال تعالى "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع ملك له وعبيد له وإلى الله ترجع الأمور أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة . كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس" قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان بن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه "كنتم خير أمة أخرجت للناس" قال : خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس "كنتم خير أمة أخرجت للناس" يعني خير الناس للناس : والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس ولهذا قال "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا شريك عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن درة بنت أبي لهب قالت : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال "خير الناس أقرأهم وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم" ورواه أحمد في مسنده والنسائي في سننه والحاكم في مستدركه من حديث سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس" قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة . ![]()
__________________
|
|
#120
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء الثالث سورة آل عمران من صــ132 الى صــ 141 الحلقة (120) والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما قال في الآية الأخرى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" أي خيارا "لتكونوا شهداء على الناس" الآية . وفي مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم توفون سبعين أمة" أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل "وهو حديث مشهور وقد حسنه الترمذي ." ويروى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد نحوه. وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل . فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه كما قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا ابن زهير عن عبد الله يعني ابن محمد بن عقيل عن محمد بن علي وهو ابن الحنفية أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء" فقلنا يا رسول الله ما هو ؟ قال "نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل التراب لي طهورا" وجعلت أمتي خير الأمم "تفرد به أحمد من هذا الوجه إسناده حسن ." وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا أبو العلاء الحسن بن سوار حدثنا ليث عن معاومة بن أبي حبيش عن يزيد بن ميسرة قال : سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وما سمعته يكنيه قبلها ولا بعدها يقول "إن الله تعالى يقول يا عيسى إني باعث بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ولا حلم ولا علم قال : يا رب كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم ؟ قال : أعطيهم من حلمي وعلمي" وقد وردت أحاديث يناسب ذكرها ههنا قال الإمام أحمد : حدثنا هشام بن القاسم حدثنا المسعودي حدثنا بكير بن الأخنس عن رجل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله "أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة" بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر قلوبهم على قلب رجل واحد فاستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفا "فقال أبو بكر رضي الله عنه : فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافات البوادي." "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا هشام بن حسان عن القاسم بن مهران عن موسى بن عبيد عن ميمون بن مهران عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن ربي أعطاني سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب" فقال عمر : يا رسول الله فهلا استزدته فقال استزدته فأعطاني مع كل ألف سبعين ألفا "قال عمر : فهلا استزدته قال" قد استزدته فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفا "قال عمر : فهلا استزدته قال" قد استزدته فأعطاني هكذا "وفرج عبد الرحمن ابن أبي بكر بين يديه وقال عبد الله وبسط باعيه وحثا عبد الله وقال هاشم : وهذا من الله لا يدرى ما عدده ." "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة قال : قال شريح بن عبيدة : مرض ثوبان بحمص وعليها عبد الله بن قرط الأزدي فلم يعده فدخل على ثوبان رجل من الكلاعيين عائدا له فقال له ثوبان : أتكتب ؟ قال : نعم قال : اكتب فكتب للأمير عبد الله بن قرط من ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد فإنه لو كان لموسى وعيسى عليهما السلام بحضرتك خادم لعدته ثم طوى الكتاب وقال له : أتبلغه إياه ؟ قال نعم فانطلق الرجل بكتابه فدفعه إلى ابن قرط فلما رآه قام فزعا فقال الناس ما شأنه أحدث أمر ؟ فأتى ثوبان فدخل عليه فعاده وجلس عنده ساعة ثم قام فأخذ ثوبان بردائه وقال : اجلس حتى أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا" تفرد به أحمد من هذا الوجه وإسناد رجاله كلهم ثقات شاميون حمصيون فهو حديث صحيح ولله الحمد والمنة . "طريق أخرى" قال الطبراني : حدثنا عمرو بن إسحاق بن زريق الحمصي حدثنا محمد بن إسماعيل يعني ابن عياش حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن ربي عز وجل وعدني من أمتي سبعين ألفا لا يحاسبون مع كل ألف سبعون ألفا" هذا لعله هو المحفوظ بزيادة أبي أسماء الرحبي بين شريح وبين ثوبان والله أعلم . "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أكثرنا الحديث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ثم غدونا إليه فقال "عرضت علي الأنبياء الليلة بأممها فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي ومعه العصابة والنبي ومعه النفر والنبي وليس معه أحد حتى مر علي موسى عليه السلام ومعه كبكبة من بني إسرائيل فأعجبوني فقلت من هؤلاء ؟ قيل : هذا أخوك موسى ومعه بنو إسرائيل فقلت : فأين أمتي ؟ فقيل انظر عن يمينك فنظرت فإذا الضراب قد سد بوجوه الرجال فقيل لي أرضيت : فقلت : رضيت يا رب - قال : فقيل لي إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب" فقال النبي صلى الله عليه وسلم "فداكم أبي وأمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين ألفا فافعلوا فإن قصرتم" فكونوا من أهل الضراب فإن قصرتم فكونوا من أهل الأفق فإني قد رأيت ثم أناسا يتهاوشون "فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم أي من السبعين فدعا له فقام رجل آخر فقال" : ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال "سبقك بها عكاشة" قال : ثم تحدثنا فقلنا من ترون هؤلاء السبعين الألف قوم ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا حتى ماتوا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" هكذا رواه أحمد بهذا السند وهذا السياق ورواه أيضا عن عبد الصمد عن هشام عن قتادة بإسناده مثله وزاد بعد قوله "رضيت يا رب رضيت يا رب : قال رضيت ؟ قلت : نعم قال : انظر عن يسارك - قال : فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال فقال : رضيت ؟ قلت : رضيت" وهذا إسناد صحيح من هذا الوجه تفرد به أحمد ولم يخرجوه . "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز حدثنا حماد عن عاصم عن زر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم "عرضت علي الأمم بالموسم فراثت علي أمتي ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم قد ملئوا السهل والجبل فقال أرضيت يا محمد ؟ فقلت : نعم قال : فإن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال "أنت منهم" فقام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم فقال "سبقك بها عكاشة" رواه الحافظ الضياء المقدسي وقال : هذا عندي على شرط مسلم . "حديث آخر" قال الطبراني : حدثنا محمد بن محمد الجذوعي القاضي حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا محمد بن أبي عدي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب" قيل : من هم ؟ قال "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" ورواه مسلم من طريق هشام بن حسان وعنده ذكر عكاشة . "حديث آخر" ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يدخل الجنة من أمتي زمرة وهم سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر" قال أبو هريرة . فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم اجعله منهم" ثم قام رجل من الأنصار فقال مثله فقال "سبقك بها عكاشة" . "حديث آخر" قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان عن أبي حازم عن السهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا - أو سبعمائة ألف - آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر" أخرجه البخاري ومسلم جميعا عن قتيبة عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل به . "حديث آخر" قال مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم أنبأنا حصين بن عبد الرحمن قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : أيكم رأى الكوكب انقض البارحة ؟ قلت أنا ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال فما صنعت ؟ قلت استرقيت قال : فما حملك على ذلك قلت حديث حدثناه الشعبي قال : وما حدثكم الشعبي ؟ قلت : حدثنا عن بريدة بن الحصيب الأسلمي أنه قال "لا رقية إلا من عين أو حمة" قال : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي : انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى فقال "ما الذي تخوضون فيه ؟" فأخبروه فقال "هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم قال "أنت منهم" ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال "سبقك بها عكاشة" وأخرجه البخاري عن أسيد بن زيد عن هشيم وليس عنده : لا يسترقون . "حديث آخر" قال أحمد : حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جرير أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا وفيه : "فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء" ثم كذلك وذكر بقيته رواه مسلم من حديث روح غير أنه لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم "حديث آخر" قال الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنن له حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد سمعت أبا أمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل" وكذا رواه الطبراني من طريق هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش به وهذا إسناد جيد. "طريق أخرى" عن أبي أمامة قال ابن أبي عاصم : حدثنا دحيم حدثنا الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن أبي اليمان الهروي واسمه عامر بن عبد الله بن يحيى عن أبي أمامة عن رسول الله صلى قال "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب" فقال يزيد بن الأخنس : والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله إلا مثل الذباب الأصهب في الذباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإن الله وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا وزادني ثلاث حثيات" وهذا أيضا إسناد حسن . "حديث آخر" قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن خليد حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن يزيد بن سلام الله سمع أبا سلام يقول : حدثني عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفا ثم يحثي ربي عز وجل بكفيه ثلاث حثيات" فكبر عمر وقال : إن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشيرتهم وأرجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر . قال الحافظ الضياء أبو عبد الله المقدسي في كتاب صفة الجنة : لا أعلم لهذا الإسناد علة والله أعلم "حديث آخر" قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام يعني الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة حدثنا عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد - أو قال بقديد - فذكر حديثا وفيه ثم قال "وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة" قال الضياء : وهذا عندي على شرط مسلم . ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |