فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام - الصفحة 12 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 90 - عددالزوار : 16275 )           »          وقفات مع آية خسوف القمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 1821 )           »          الأمل عبادة والثبات موقف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 122 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 58 - عددالزوار : 27235 )           »          خطورة قول: ما رأيك في هذا الحكم الشرعي؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          خطورة الظن السيء بالعلماء الراسخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          كيف تحمي الأسر العريقة أجيالها من الرفاهية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          نزيف الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-04-2022, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (112)

من صــ 69 الى صـ
ـ 76



(فصل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

وتمام " الورع " أن يعم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات. ويرى ذلك من الورع كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعا ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور ويرى ذلك من الورع ويمتنع عن قبول شهادة الصادق وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفية ويرى ترك قبول سماع هذا الحق الذي يجب سماعه من الورع.
وكذلك " الزهد والرغبة " من لم يراع ما يحبه الله ورسوله من الرغبة والزهد وما يكرهه من ذلك؛ وإلا فقد يدع واجبات ويفعل محرمات مثل من يدع ما يحتاج إليه من الأكل أو أكل الدسم حتى يفسد عقله أو تضعف قوته عما يجب عليه من حقوق الله تعالى أو حقوق عباده أو يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله لما في فعل ذلك من أذى بعض الناس والانتقام منهم حتى يستولي الكفار والفجار على الصالحين الأبرار فلا ينظر المصلحة الراجحة في ذلك.

وقد قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل}. يقول سبحانه وتعالى: وإن كان قتل النفوس فيه شر فالفتنة الحاصلة بالكفر، وظهور أهله أعظم من ذلك فيدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما.

وكذلك الذي يدع ذبح الحيوان أو يرى أن في ذبحه ظلما له هو جاهل فإن هذا الحيوان لا بد أن يموت فإذا قتل لمنفعة الآدميين وحاجتهم كان خيرا من أن يموت موتا لا ينتفع به أحد والآدمي أكمل منه ولا تتم مصلحته إلا باستعمال الحيوان في الأكل والركوب ونحو ذلك؛ لكن ما لا يحتاج إليه من تعذيبه نهى الله عنه كصبر البهائم وذبحها في غير الحلق واللبة مع القدرة على ذلك وأوجب الله الإحسان بحسب الإمكان فيما أباحه من القتل والذبح. كما في صحيح مسلم عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {إن الله كتب الإحسان على كل شيء: فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته} ".

(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (219)

و " المنافع " التي كانت قيل هي المال. وقيل: هي اللذة. ومعلوم أن الخمر كان فيها كلا هذين؛ فإنهم كانوا ينتفعون بثمنها والتجارة فيها كما كانوا ينتفعون باللذة التي في شربها؛ ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما حرم الخمر {لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها وآكل ثمنها}. وكذلك " الميسر " كانت النفوس تنتفع بما تحصله به من المال وما يحصل به من لذة اللعب. ثم قال تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} لأن الخسارة في المقامرة أكثر والألم والمضرة في الملاعبة أكثر.
وسئل - رحمه الله تعالى -:
عن " الخمر والميسر " هل فيهما إثم كبير ومنافع للناس؟ وما هي المنافع؟
فأجاب:

هذه الآية أول ما نزلت في الخمر؛ فإنهم سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية؛ ولم يحرمها فأخبرهم أن فيها " إثما " وهو ما يحصل بها من ترك المأمور وفعل المحظور وفيها " منفعة " وهو ما يحصل من اللذة ومنفعة البدن والتجارة فيها فكان من الناس من لم يشربها ومنهم من شرب؛ ثم بعد هذا شرب قوم الخمر فقاموا يصلون وهم سكارى؛ فخلطوا في القراءة؛ فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فنهاهم عن شربها قرب الصلاة؛ فكان منهم من تركها. ثم بعد ذلك أنزل الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}. " فحرمها الله في هذه الآية من وجوه متعددة؛ فقالوا: انتهينا. انتهينا. ومضى حينئذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقتها؛ فكسرت الدنان والظروف؛ ولعن عاصرها؛ ومعتصرها؛ وشاربها؛ وآكل ثمنها.
(فصل: رفع القلم لا يوجب حمدا ولا مدحا ولا ثوابا)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

ومعلوم أن الصلاة " أفضل العبادات " كما في الصحيحين عن {ابن مسعود أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد. قال حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني}. وثبت أيضا في الصحيحين {عنه أنه جعل أفضل الأعمال إيمان بالله وجهاد في سبيله ثم الحج المبرور}.
ولا منافاة بينهما؛ فإن الصلاة داخلة في مسمى الإيمان بالله كما دخلت في قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال البراء بن عازب وغيره من السلف: أي صلاتكم إلى بيت المقدس. ولهذا كانت الصلاة كالإيمان لا تدخلها النيابة بحال فلا يصلي أحد عن أحد الفرض لا لعذر ولا لغير عذر كما لا يؤمن أحد عنه ولا تسقط بحال كما لا يسقط الإيمان؛ بل عليه الصلاة ما دام عقله حاضرا وهو متمكن من فعل بعض أفعالها فإذا عجز عن جميع الأفعال ولم يقدر على الأقوال فهل يصلي بتحريك طرفه ويستحضر الأفعال بقلبه؟ فيه قولان للعلماء وإن كان الأظهر أن هذا غير مشروع. فإذا كان كذلك تبين أن من زال عقله فقد حرم ما يتقرب به إلى الله من فرض ونفل و " الولاية " هي الإيمان والتقوى المتضمنة للتقرب بالفرائض والنوافل فقد حرم ما به يتقرب أولياء الله إليه؛ لكنه مع جنونه قد رفع القلم عنه فلا يعاقب كما لا يعاقب الأطفال والبهائم؛ إذ لا تكليف عليهم في هذه الحال.
ثم إن كان مؤمنا قبل حدوث الجنون به وله أعمال صالحة وكان يتقرب إلى الله بالفرائض والنوافل قبل زوال عقله كان له من ثواب ذلك الإيمان والعمل الصالح ما تقدم وكان له من ولاية الله تعالى بحسب ما كان عليه من الإيمان والتقوى كما لا يسقط ذلك بالموت؛ بخلاف ما لو ارتد عن الإسلام؛ فإن الردة تحبط الأعمال وليس من السيئات ما يحبط الأعمال الصالحة إلا الردة. كما أنه ليس من الحسنات ما يحبط جميع السيئات إلا التوبة فلا يكتب للمجنون حال جنونه مثل ما كان يعمل في حال إفاقته كما لا يكون مثل ذلك لسيئاته في زوال عقله بالأعمال المسكرة والنوم؛ لأنه في هذه الحال ليس له قصد صحيح ولكن في الحديث الصحيح عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم}.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {أنه قال في غزوة تبوك إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر} فهؤلاء كانوا قاصدين للعمل الذي كانوا يعملونه راغبين فيه لكن عجزوا فصاروا بمنزلة العامل؛ بخلاف من زال عقله فإنه ليس له قصد صحيح ولا عبادة أصلا بخلاف أولئك فإن لهم قصدا صحيحا يكتب لهم به الثواب.
وأما إن كان قبل جنونه كافرا أو فاسقا أو مذنبا لم يكن حدوث الجنون به مزيلا لما ثبت من كفره وفسقه ولهذا كان من جن من اليهود والنصارى بعد تهوده وتنصره محشورا معهم وكذلك من جن من المسلمين بعد إيمانه وتقواه محشورا مع المؤمنين من المتقين. وزوال العقل بجنون أو غيره سواء سمي صاحبه مولها أو متولها لا يوجب مزيد حال صاحبه من الإيمان والتقوى ولا يكون زوال عقله سببا لمزيد خيره ولا صلاحه ولا ذنبه؛ ولكن الجنون يوجب زوال العقل فيبقى على ما كان عليه من خير وشر لا أنه يزيده ولا ينقصه لكن جنونه يحرمه الزيادة من الخير كما أنه يمنع عقوبته على الشر.
وأما إن كان زوال عقله بسبب محرم: كشرب الخمر وأكل الحشيشة أو كان يحضر السماع الملحن فيستمع حتى يغيب عقله أو الذي يتعبد بعبادات بدعية حتى يقترن به بعض الشياطين فيغيروا عقله أو يأكل بنجا يزيل عقله فهؤلاء يستحقون الذم والعقاب على ما أزالوا به العقول. وكثير من هؤلاء يستجلب الحال الشيطاني بأن يفعل ما يحبه فيرقص رقصا عظيما حتى يغيب عقله أو يغط ويخور حتى يجيئه الحال الشيطاني وكثير من هؤلاء يقصد التوله حتى يصير مولها. فهؤلاء كلهم من حزب الشيطان وهذا معروف عن غير واحد منهم. واختلف العلماء هل هم " مكلفون " في حال زوال عقلهم؟ والأصل " مسألة السكران " والمنصوص عن الشافعي وأحمد وغيرهما أنه مكلف حال زوال عقله. وقال كثير من العلماء ليس مكلفا وهو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن أحمد أن طلاق السكران لا يقع وهذا أظهر القولين. ولم يقل أحد من العلماء أن هؤلاء الذين زال عقلهم بمثل هذا يكونون من أولياء الله الموحدين المقربين وحزبه المفلحين. ومن ذكره العلماء من عقلاء المجانين الذين ذكروهم بخير فهم من القسم الأول الذين كان فيهم خير ثم زالت عقولهم.

ومن " علامة هؤلاء " أنهم إذا حصل لهم في جنونهم نوع من الصحو تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان لا بالكفر والبهتان بخلاف غيرهم ممن يتكلم إذا حصل له نوع إفاقة بالكفر والشرك ويهذي في زوال عقله بالكفر فهذا إنما يكون كافرا لا مسلما، ومن كان يهذي بكلام لا يعقل بالفارسية أو التركية أو البربرية وغير ذلك مما يحصل لبعض من يحضر السماع ويحصل له وجد يغيب عقله حتى يهذي بكلام لا يعقل - أو بغير العربية - فهؤلاء إنما يتكلم على ألسنتهم الشيطان كما يتكلم على لسان المصروع.

ومن قال: إن هؤلاء أعطاهم الله عقولا وأحوالا فأبقى أحوالهم وأذهب عقولهم وأسقط ما فرض عليهم بما سلب. قيل: قولك وهب الله لهم أحوالا كلام مجمل؛ فإن الأحوال تنقسم إلى: حال رحماني وحال شيطاني وما يكون لهؤلاء من خرق عادة بمكاشفة وتصرف عجيب " فتارة " يكون من جنس ما يكون للسحرة والكهان و " تارة " يكون من الرحمن من جنس ما يكون من أهل التقوى والإيمان؛ فإن كان هؤلاء في حال عقولهم كانت لهم مواهب إيمانية وكانوا من المؤمنين المتقين فلا ريب أنه إذا زالت عقولهم سقطت عنهم الفرائض بما سلب من العقول وإن كان ما أعطوه من الأحوال الشيطانية - كما يعطاه المشركون وأهل الكتاب والمنافقون - فهؤلاء إذا زالت عقولهم لم يخرجوا بذلك مما كانوا عليه من الكفر والفسوق كما لم يخرج الأولون عما كانوا عليه من الإيمان والتقوى كما أن نوم كل واحد من الطائفتين وموته وإغماءه لا يزيل حكم ما تقدم قبل زوال عقله من إيمانه وطاعته أو كفره وفسقه بزوال العقل، غايته أن يسقط التكليف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-04-2022, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (113)

من صــ 77 الى صـ
ـ 84




ورفع القلم لا يوجب حمدا ولا مدحا ولا ثوابا ولا يحصل لصاحبه بسبب زوال عقله موهبة من مواهب أولياء الله ولا كرامة من كرامات الصالحين بل قد رفع القلم عنه كما قد يرفع القلم عن النائم والمغمى عليه والميت ولا مدح في ذلك ولا ذم بل النائم أحسن حالا من هؤلاء؛ ولهذا كان الأنبياء عليهم السلام ينامون وليس فيهم مجنون ولا موله والنبي صلى الله عليه وسلم يجوز عليه النوم والإغماء ولا يجوز عليه الجنون وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه وقد أغمي عليه في مرضه.
وأما " الجنون " فقد نزه الله أنبياءه عنه؛ فإنه من أعظم نقائص الإنسان؛ إذ كمال الإنسان بالعقل ولهذا حرم الله إزالة العقل بكل طريق وحرم ما يكون ذريعة إلى إزالة العقل كشرب الخمر؛ فحرم القطرة منها وإن لم تزل العقل؛ لأنها ذريعة إلى شرب الكثير الذي يزيل العقل فكيف يكون مع هذا زوال العقل سببا أو شرطا أو مقربا إلى ولاية الله كما يظنه كثير من أهل الضلال حتى قال قائلهم في هؤلاء:
هم معشر حلوا النظام وخرقوا ... السياج فلا فرض لديهم ولا نفل
مجانين إلا أن سر جنونهم ... عزيز على أبوابه يسجد العقل

فهذا كلام ضال؛ بل كافر يظن أن للمجنون سرا يسجد العقل على بابه؛ وذلك لما رآه من بعض المجانين من نوع مكاشفة أو تصرف عجيب خارق للعادة. ويكون ذلك بسبب ما اقترن به من الشياطين كما يكون للسحرة والكهان فيظن هذا الضال أن كل من كاشف أو خرق عادة كان وليا لله. ومن اعتقد هذا فهو كافر بإجماع المسلمين واليهود والنصارى؛ فإن كثيرا من الكفار والمشركين فضلا عن أهل الكتاب يكون لهم من المكاشفات وخرق العادات بسبب شياطينهم أضعاف ما لهؤلاء؛ لأنه كلما كان الرجل أضل وأكفر كان الشيطان إليه أقرب؛ لكن لا بد في جميع مكاشفة هؤلاء من الكذب والبهتان.

ولا بد في أعمالهم من فجور وطغيان كما يكون لإخوانهم من السحرة والكهان قال الله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} {تنزل على كل أفاك أثيم} فكل من تنزلت عليه الشياطين لا بد أن يكون فيه كذب وفجور من أي قسم كان.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أولياء الله هم الذين يتقربون إليه بالفرائض وحزبه المفلحون وجنده الغالبون وعباده الصالحون. فمن اعتقد فيمن لا يفعل الفرائض ولا النوافل أنه من أولياء الله المتقين إما لعدم عقله أو جهله أو لغير ذلك فمن اعتقد في مثل هؤلاء أنه من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين فهو كافر مرتد عن دين رب العالمين وإذا قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله كان من الكاذبين الذين قيل فيهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون} {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه} فإذا كان طبع على قلب من ترك الجمع وإن صلى الظهر فكيف بمن لا يصلي ظهرا ولا جمعة ولا فريضة ولا نافلة ولا يتطهر للصلاة لا الطهارة الكبرى ولا الصغرى فهذا لو كان قبل مؤمنا وكان قد طبع على قلبه كان كافرا مرتدا بما تركه ولم يعتقد وجوبه من هذه الفرائض وإن اعتقد أنه مؤمن كان كافرا مرتدا فكيف يعتقد أنه من أولياء الله المتقين. وقد قال تعالى في صفة المنافقين: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله} أي: استولى يقال: حاذ الإبل حوذا إذا استاقها فالذين استحوذ عليهم الشيطان فساقهم إلى خلاف ما أمر الله به ورسوله قال تعالى: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} أي تزعجهم إزعاجا فهؤلاء {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}.
وفي السنن عن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان}.
فأي ثلاثة كانوا من هؤلاء لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة كانوا من حزب الشيطان الذين استحوذ عليهم لا من أولياء الرحمن الذين أكرمهم؛ فإن كانوا عبادا زهادا ولهم جوع وسهر وصمت وخلوة كرهبان الديارات والمقيمين في الكهوف والمغارات كأهل جبل لبنان وأهل جبل الفتح الذي باسون وجبل ليسون ومغارة الدم بجبل قاسيون وغير ذلك من الجبال والبقاع التي يقصدها كثير من العباد الجهال الضلال ويفعلون فيها خلوات ورياضات من غير أن يؤذن وتقام فيهم الصلوات الخمس بل يتعبدون بعبادات لم يشرعها الله ورسوله بل يعبدونه بأذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لأحوالهم بالكتاب والسنة ولا قصد المتابعة لرسول الله الذي قال الله فيه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} الآية فهؤلاء أهل البدع والضلالات من حزب الشيطان لا من أولياء الرحمن فمن شهد لهم بولاية الله فهو شاهد زور كاذب وعن طريق الصواب ناكب. ثم إن كان قد عرف أن هؤلاء مخالفون للرسول وشهد مع ذلك أنهم من أولياء الله فهو مرتد عن دين الإسلام وإما مكذب للرسول وإما شاك فيما جاء به مرتاب وإما غير منقاد له بل مخالف له إما جحودا أو عنادا أو اتباعا لهواه، وكل من هؤلاء كافر.
وأما إن كان جاهلا بما جاء به الرسول وهو معتقد مع ذلك أنه رسول الله إلى كل أحد في الأمور الباطنة والظاهرة وأنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم لكن ظن أن هذه العبادات البدعية والحقائق الشيطانية هي مما جاء بها الرسول ولم يعلم أنها من الشيطان لجهله بسنته وشريعته ومنهاجه وطريقته وحقيقته؛ لا لقصد مخالفته ولا يرجو الهدى في غير متابعته فهذا يبين له الصواب ويعرف ما به من السنة والكتاب فإن تاب وأناب وإلا ألحق بالقسم الذي قبله وكان كافرا مرتدا ولا تنجيه عبادته ولا زهادته من عذاب الله كما لم ينج من ذلك الرهبان وعباد الصلبان وعباد النيران وعباد الأوثان مع كثرة من فيهم ممن له خوارق شيطانية ومكاشفات شيطانية قال تعالى:

{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. قال سعد بن أبي وقاص وغيره من السلف نزلت في أصحاب الصوامع والديارات. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أنهم كانوا يتأولونها في الحرورية ونحوهم من أهل البدع والضلالات. وقال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} {تنزل على كل أفاك أثيم} فالأفاك هو الكذاب والأثيم الفاجر كما قال: {لنسفعن بالناصية} {ناصية كاذبة خاطئة}.

ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا وإن كان لا يتعمد الكذب كما ثبت في الصحيحين {عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له سبيعة الأسلمية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع فكانت حاملا فوضعت بعد موت زوجها بليال قلائل فقال لها أبو السنابل بن بعكك: ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل بل حللت فانكحي} وكذلك لما قال سلمة بن الأكوع إنهم يقولون: إن عامرا قتل نفسه وحبط عمله فقال: " كذب من قالها؛ إنه لجاهد مجاهد " وكان قائل ذلك لم يتعمد الكذب فإنه كان رجلا صالحا وقد روي أنه كان أسيد بن الحضير؛ لكنه لما تكلم بلا علم كذبه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال أبو بكر وابن مسعود وغيرهما من الصحابة فيما يفتون فيه باجتهادهم: إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. فإذا كان خطأ المجتهد المغفور له هو من الشيطان فكيف بمن تكلم بلا اجتهاد يبيح له الكلام في الدين؟ فهذا خطؤه أيضا من الشيطان مع أنه يعاقب عليه إذا لم يتب والمجتهد خطؤه من الشيطان وهو مغفور له؛ كما أن الاحتلام والنسيان وغير ذلك من الشيطان وهو مغفور بخلاف من تكلم بلا اجتهاد يبيح له ذلك فهذا كاذب آثم في ذلك وإن كانت له حسنات في غير ذلك فإن الشيطان ينزل على كل إنسان ويوحي إليه بحسب موافقته له ويطرد بحسب إخلاصه لله وطاعته له قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}.
وعباده هم الذين عبدوه بما أمرت به رسله من أداء الواجبات والمستحبات وأما من عبده بغير ذلك فإنه من عباد الشيطان؛ لا من عباد الرحمن. قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} {وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}.
(ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (219)
(فصل: نفقة الإنسان على نفسه وأهله مقدمة على غيرها)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

نفقة الإنسان على نفسه وأهله مقدمة على غيرها. ففي السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {تصدقوا. فقال رجل يا رسول الله عندي دينار. فقال تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على زوجتك. قال: عندي آخر. قال تصدق به على ولدك. قال: عندي آخر. قال تصدق به على خادمك. قال عندي آخر.
قال: أنت أبصر به}. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم {دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك. أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك}. وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف؛ وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السفلى}.

وهذا تأويل قوله تعالى {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} أي الفضل. وذلك لأن نفقة الرجل على نفسه وأهله فرض عين؛ بخلاف النفقة في الغزو والمساكين؛ فإنه في الأصل إما فرض على الكفاية وإما مستحب؛ وإن كان قد يصير متعينا إذا لم يقم غيره به؛ فإن إطعام الجائع واجب؛ ولهذا جاء في الحديث: {لو صدق السائل لما أفلح من رده} ذكره الإمام أحمد وذكر أنه إذا علم صدقه وجب إطعامه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-04-2022, 04:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (114)

من صــ 85 الى صـ
ـ 92




وقد روى أبو حاتم البستي في صحيحه حديث أبي ذر رضي الله عنه الطويل " عن النبي صلى الله عليه وسلم - الذي فيه من أنواع العلم والحكمة - وفيه أنه كان في حكمة آل داود عليه السلام {حق على العاقل أن تكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها بأصحابه الذين يخبرونه بعيوبه ويحدثونه عن ذات نفسه وساعة يخلو فيها بلذته فيما يحل ويجمل؛ فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات}. فبين أنه لا بد من اللذات المباحة الجميلة فإنها تعين على تلك الأمور.
ولهذا ذكر الفقهاء: أن العدالة هي الصلاح في الدين والمروءة؛ باستعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه.

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل لأستعين به على الحق. والله سبحانه إنما خلق اللذات والشهوات في الأصل لتمام مصلحة الخلق؛ فإنه بذلك يجتلبون ما ينفعهم كما خلق الغضب ليدفعوا به ما يضرهم وحرم من الشهوات ما يضر تناوله وذم من اقتصر عليها.

فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {في بضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أما يكون عليه وزر؟ قالوا: بلى. قال: فلم تحتسبون بالحرام ولا تحتسبون بالحلال} وفي الصحيحين {عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى اللقمة تضعها في في امرأتك}.
والآثار في هذا كثيرة. فالمؤمن إذا كانت له نية أتت على عامة أفعاله وكانت المباحات من صالح أعماله لصلاح قلبه ونيته والمنافق - لفساد قلبه ونيته - يعاقب على ما يظهره من العبادات رياء فإن في الصحيح {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب}.

(ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ... (221)

سئل شيخ الإسلام:
عن قوله تعالى {ولا تنكحوا المشركات} وقد أباح العلماء التزويج بالنصرانية واليهودية؛ فهل هما من المشركين أم لا؟.
فأجاب:

الحمد لله، نكاح الكتابية جائز بالآية التي في المائدة قال تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}. وهذا مذهب جماهير السلف والخلف من الأئمة الأربعة وغيرهم وقد روي عن ابن عمر: أنه كره نكاح النصرانية وقال: لا أعلم شركا أعظم ممن تقول: إن ربها عيسى ابن مريم. وهو اليوم مذهب طائفة من أهل البدع وقد احتجوا بالآية التي في سورة البقرة وبقوله {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} والجواب عن آية البقرة من ثلاثة أوجه. (أحدها أن أهل الكتاب لم يدخلوا في المشركين فجعل أهل الكتاب غير المشركين بدليل قوله:{إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا}. فإن قيل: فقد وصفهم بالشرك بقوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} قيل أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك؛ فإن الله إنما بعث الرسل بالتوحيد فكل من آمن بالرسل والكتب لم يكن في أصل دينهم شرك؛ ولكن النصارى ابتدعوا الشرك كما قال: {سبحانه وتعالى عما يشركون} فحيث وصفهم بأنهم أشركوا فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به وحيث ميزهم عن المشركين فلأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك.
فإذا قيل: أهل الكتاب لم يكونوا من هذه الجهة مشركين؛ فإن الكتاب الذي أضيفوا إليه لا شرك فيه كما إذا قيل: المسلمون وأمة محمد لم يكن فيهم من هذه الجهة لا اتحاد ولا رفض ولا تكذيب بالقدر ولا غير ذلك من البدع وإن كان بعض الداخلين في الأمة قد ابتدع هذه البدع؛ لكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة فلا يزال فيها من هو متبع لشريعة التوحيد؛ بخلاف أهل الكتاب ولم يخبر الله عز وجل عن أهل الكتاب أنهم مشركون بالاسم؛ بل قال: عما يشركون بالفعل وآية البقرة قال فيها:المشركين والمشركات بالاسم والاسم أوكد من الفعل.
الوجه الثاني أن يقال: إن شملهم لفظ (المشركين) في سورة البقرة كما وصفهم بالشرك فهذا متوجه بأن يفرق بين دلالة اللفظ مفردا ومقرونا فإذا أفردوا دخل فيهم أهل الكتاب وإذا قرنوا بأهل الكتاب لم يدخلوا فيهم كما قيل: مثل هذا في اسم الفقير والمسكين ونحو ذلك فعلى هذا يقال: آية البقرة عامة وتلك خاصة والخاص يقدم على العام. (الوجه الثالث أن يقال: آية المائدة ناسخة لآية البقرة لأن المائدة نزلت بعد البقرة باتفاق العلماء وقد جاء في الحديث المائدة من. . . (1)

(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (222)

وسئل:
عن المرأة تطهر من الحيض ولم تجد ماء تغتسل به هل لزوجها أن يطأها قبل غسلها من غير شرط؟.
فأجاب:

أما المرأة الحائض إذا انقطع دمها فلا يطؤها زوجها حتى تغتسل إذا كانت قادرة على الاغتسال وإلا تيممت. كما هو مذهب جمهور العلماء كمالك وأحمد والشافعي. وهذا معنى ما يروى عن الصحابة حيث روي عن بضعة عشر من الصحابة - منهم الخلفاء - أنهم قالوا: في المعتدة هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. والقرآن يدل على ذلك قال الله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} قال مجاهد: حتى يطهرن يعني ينقطع الدم فإذا تطهرن اغتسلن بالماء وهو كما قال مجاهد. وإنما ذكر الله غايتين على قراءة الجمهور لأن قوله: {حتى يطهرن} غاية التحريم الحاصل بالحيض وهو تحريم لا يزول بالاغتسال ولا غيره فهذا التحريم يزول بانقطاع الدم ثم يبقى الوطء بعد ذلك جائزا بشرط الاغتسال لا يبقى محرما على الإطلاق فلهذا قال: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله}. وهذا كقوله: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فنكاح الزوج الثاني غاية التحريم الحاصل بالثلاث فإذا نكحت الزوج الثاني زال ذلك التحريم؛ لكن صارت في عصمة الثاني فحرمت لأجل حقه؛ لا لأجل الطلاق الثلاث. فإذا طلقها جاز للأول أن يتزوجها.
وقد قال بعض أهل الظاهر: المراد بقوله: {فإذا تطهرن} أي غسلن فروجهن وليس بشيء؛ لأن الله قد قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} فالتطهر في كتاب الله هو الاغتسال وأما قوله: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} فهذا يدخل فيه المغتسل والمتوضئ والمستنجي لكن التطهر المقرون بالحيض كالتطهر المقرون بالجنابة.
والمراد به الاغتسال. وأبو حنيفة - رحمه الله - يقول: إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة أو انقطع الدم لعشرة أيام حلت؛ بناء على أنه محكوم بطهارتها في هذه الأحوال. وقول الجمهور هو الصواب. كما تقدم والله أعلم.

(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين (223)
وقال - رحمه الله تعالى -:
فصل:

وأما " إتيان النساء في أدبارهن " فهذا محرم عند جمهور السلف والخلف كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة وهو المشهور في مذهب مالك.
وأما القول الآخر بالرخصة فيه: فمن الناس من يحكيه رواية عن مالك ومنهم من ينكر ذلك ونافع نقل عن ابن عمر أنه لما قرأ عليه: {نساؤكم حرث لكم} قال له ابن عمر: إنها نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.

فمن الناس من يقول غلط نافع على ابن عمر أو لم يفهم مراده؛ وكان مراده: أنها نزلت في إتيان النساء من جهة الدبر في القبل؛ فإن الآية نزلت في ذلك باتفاق العلماء وكانت اليهود تنهى عن ذلك وتقول: إذا أتى الرجل المرأة في قبلها من دبرها جاء الولد أحول. فأنزل الله هذه الآية. " والحرث " موضع الولد؛ وهو القبل.
__________
Q (1) آخر ما وجد من الأصل


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-04-2022, 04:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (115)

من صــ 93 الى صـ
ـ 100



فرخص الله للرجل أن يطأ المرأة في قبلها من أي الجهات شاء. وكان سالم بن عبد الله بن عمر يقول: كذب العبد على أبي. وهذا مما يقوي غلط نافع على ابن عمر؛ فإن الكذب كانوا يطلقونه بإزاء الخطأ؛ كقول عبادة: كذب أبو محمد.

لما قال: الوتر واجب. وكقول ابن عباس: كذب نوف: لما قال لما صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. ومن الناس من يقول: ابن عمر هو الذي غلط في فهم الآية. والله أعلم أي ذلك كان؛ لكن نقل عن ابن عمر أنه قال. أويفعل هذا مسلم لكن بكل حال معنى الآية هو ما فسرها به الصحابة والتابعون وسبب النزول يدل على ذلك. والله أعلم.
وسئل - رحمه الله -:
عن رجل ينكح زوجته في دبرها. أحلال هو أم حرام؟
فأجاب:

" وطء المرأة في دبرها " حرام بالكتاب والسنة وهو قول جماهير السلف والخلف؛ بل هو اللوطية الصغرى وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في
أدبارهن} وقد قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} " والحرث " هو موضع الولد؛ فإن الحرث هو محل الغرس والزرع. وكانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله هذه الآية؛ وأباح للرجل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها؛ لكن في الفرج خاصة. ومتى وطئها في الدبر وطاوعته عزرا جمعيا؛ فإن لم ينتهيا وإلا فرق بينهما؛ كما يفرق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به والله أعلم.
وسئل - رحمه الله تعالى -:
عما يجب على من وطئ زوجته في دبرها؟ وهل أباحه أحد من العلماء؟
فأجاب:

الحمد لله رب العالمين، " الوطء في الدبر " حرام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين: من الصحابة والتابعين وغيرهم؛ فإن الله قال في كتابه: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وقد ثبت في الصحيح: أن اليهود كانوا يقولون إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فسأل المسلمون عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} و " الحرث " موضع الزرع.
والولد إنما يزرع في الفرج لا في الدبر {فأتوا حرثكم} وهو موضع الولد. {أنى شئتم} أي من أين شئتم: من قبلها ومن دبرها وعن يمينها وعن شمالها. فالله تعالى سمى النساء حرثا؛ وإنما رخص في إتيان الحروث والحرث إنما يكون في الفرج. وقد جاء في غير أثر: أن الوطء في الدبر هو اللوطية الصغرى وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في حشوشهن}
" و " الحش " هو الدبر وهو موضع القذر والله سبحانه حرم إتيان الحائض مع أن النجاسة عارضة في فرجها فكيف بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المغلظة: و " أيضا " فهذا من جنس اللواط ومذهب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي وأحمد وأصحابه أن ذلك حرام لا نزاع بينهم وهذا هو الظاهر من مذهب مالك وأصحابه؛ لكن حكى بعض الناس عنهم رواية أخرى بخلاف ذلك. ومنهم من أنكر هذه الرواية وطعن فيها.
وأصل ذلك ما نقل عن نافع أنه نقله عن ابن عمر وقد كان سالم بن عبد الله يكذب نافعا في ذلك. فإما أن يكون نافع غلط أو غلط من هو فوقه. فإذا غلط بعض الناس غلطة لم يكن هذا مما يسوغ خلاف الكتاب والسنة كما أن طائفة غلطوا في إباحة الدرهم بالدرهمين واتفق الأئمة على تحريم ذلك لما جاء في ذلك من الأحاديث الصحيحة وكذلك طائفة غلطوا في أنواع من الأشربة.
ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل مسكر خمر؛ وكل خمر حرام} وأنه سئل عن أنواع من الأنبذة فقال: {كل مسكر حرام} {ما أسكر كثيره فقليله حرام} وجب اتباع هذه السنن الثابتة. ولهذا نظائر في الشريعة. ومن وطئ امرأته في دبرها وجب أن يعاقبا على ذلك عقوبة تزجرهما فإن علم أنهما لا ينزجران فإنه يجب التفريق بينهما. والله أعلم.

(ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم (224)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
و " أيضا " قوله سبحانه وتعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم} فإن السلف مجمعون أو كالمجمعين على أن معناها أنكم لا تجعلوا الله مانعا لكم إذا حلفتم به من البر والتقوى والإصلاح بين الناس؛ بأن يحلف الرجل أن لا يفعل معروفا مستحبا أو واجبا أو ليفعلن مكروها أو حراما ونحوه فإذا قيل له: افعل ذلك أو لا تفعل هذا.
قال: قد حلفت بالله: فيجعل الله عرضة ليمينه. فإذا كان قد نهى عباده أن يجعلوا نفسه مانعا لهم في الحلف من البر والتقوى. والحلف بهذه الأيمان إن كان داخلا في عموم الحلف به وجب أن لا يكون مانعا من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى فإنه إذا نهى أن يكون هو سبحانه عرضة لأيماننا أن نبر ونتقي فغيره أولى أن نكون منهيين عن جعله عرضة لأيماننا وإذا تبين أننا منهيون عن أن نجعل شيئا من الأشياء عرضة لأيماننا أن نبر ونتقي ونصلح بين الناس فمعلوم أن ذلك إنما هو لما في البر والتقوى والإصلاح مما يحبه الله ويأمر به فإذا حلف الرجل بالنذر أو بالطلاق أو بالعتاق أن لا يبر ولا يتقي ولا يصلح فهو بين أمرين:

إن وفى بذلك فقد جعل هذه الأشياء عرضة ليمينه أن يبر ويتقي ويصلح بين الناس وإن حنث فيها وقع عليه الطلاق ووجب عليه فعل المنذور؛ فقد يكون خروج أهله منه أبعد عن البر والتقوى من الأمر المحلوف عليه فإن أقام على يمينه ترك البر والتقوى وإن خرج عن أهله وماله ترك البر والتقوى فصارت عرضة ليمينه أن يبر ويتقي فلا يخرج عن ذلك إلا بالكفارة.

وهذا المعنى هو الذي دلت عليه السنة: ففي الصحيحين من حديث همام عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه} ورواه البخاري أيضا من حديث عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم {من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثما} فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اللجاج باليمين في أهل الحالف أعظم من التكفير. " واللجاج " التمادي في الخصومة؛ ومنه قيل رجل لجوج إذا تمادى في الخصومة ولهذا تسمي العلماء هذا " نذر اللجاج والغضب " فإنه يلج حتى يعقده ثم يلج في الامتناع من الحنث.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللجاج باليمين أعظم إثما من الكفارة وهذا عام في جميع الأيمان.
وأيضا {فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك} أخرجاه في الصحيحين وفي رواية في الصحيحين {فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير} وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير} وفي رواية {فليأت الذي هو خير. وليكفر عن يمينه} وهذا نكرة في سياق الشرط فيعم كل حلف على يمين كائنا ما كان الحلف؛ فإذا رأى غير اليمين المحلوف عليها خيرا منها وهو أن يكون اليمين المحلوف عليها تركا لخير فيرى فعله خيرا من تركه أو يكون فعلا لشر فيرى تركه خيرا من فعله فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه.
وقوله هنا " على يمين " هو والله أعلم من باب تسمية المفعول باسم المصدر سمي الأمر المحلوف عليه يمينا كما يسمى المخلوق خلقا والمضروب ضربا والمبيع بيعا ونحو ذلك وكذلك أخرجاه في الصحيحين {عن أبي موسى الأشعري في قصته وقصة أصحابه؛ لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستحملوه فقال: والله ما أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه ثم قال:
إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها} وفي رواية في الصحيحين {إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير} وروى مسلم في صحيحه عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إذا حلف أحدكم على اليمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير} وفي رواية لمسلم أيضا {من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير}وقد رويت هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذه الوجوه من حديث عبد الله بن عمر وعوف بن مالك الجشمي. فهذه نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة أنه أمر من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يكفر يمينه ويأتي الذي هو خير ولم يفرق بين الحلف بالله أو النذر ونحوه.
وروى النسائي عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ما على الأرض يمين أحلف عليها فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيته} وهذا صريح بأنه قصد تعميم كل يمين في الأرض وكذلك الصحابة فهموا منه دخول الحلف بالنذر في هذا الكلام فروى أبو داود في سننه حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن عدت تسألني القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة.
فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم وفيما لا يملك} فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر هذا الذي حلف بصيغة الشرط ونذر نذر اللجاج والغضب بأن يكفر يمينه وأن لا يفعل ذلك المنذور واحتج بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

{لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم وفيما لا يملك} ففهم من هذا أن من حلف بيمين أو نذر على معصية أو قطيعة فإنه لا وفاء عليه في ذلك النذر وإنما عليه الكفارة؛ كما أفتاه عمر. ولولا أن هذا النذر كان عنده يمينا لم يقل له كفر عن يمينك. وإنما قال صلى الله عليه وسلم {لا يمين ولا نذر} لأن اليمين ما قصد بها الحض أو المنع والنذر ما قصد به التقرب وكلاهما لا يوفى به في المعصية والقطيعة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-04-2022, 05:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (116)

من صــ 101 الى صـ
ـ 108





وفي هذا الحديث دلالة أخرى وهو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم {لا يمين ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة رحم} يعم جميع ما يسمى يمينا أو نذرا سواء كانت اليمين بالله أو كانت بوجوب ما ليس بواجب من الصدقة أو الصيام أو الحج أو الهدي أو كانت بتحريم الحلال كالظهار والطلاق والعتاق.
ومقصود النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون نهيه عن المحلوف عليه من المعصية والقطيعة فقط أو يكون مقصوده مع ذلك لا يلزمه ما في اليمين والنذر من الإيجاب والتحريم وهذا الثاني هو الظاهر؛ لاستدلال عمر بن الخطاب به؛ فإنه لولا أن الحديث يدل على هذا لم يصح استدلال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما أجاب به السائل من الكفارة دون إخراج المال في كسوة الكعبة؛ ولأن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم يعم ذلك كله.
وأيضا فمما يبين دخول الحلف بالنذر والطلاق والعتاق في اليمين والحلف في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه} رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن وأبو داود ولفظه حدثنا أحمد بن حنبل ثنا سفيان؛ عن أيوب عن نافع عن ابن عمر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى} ورواه أيضا من طريق عبد الرزاق عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث} وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث} رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ولفظه " فله ثنياه " والنسائي وقال: " فقد استثنى ".
(لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم (225)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

وهؤلاء منهم من قال: " لغو اليمين " هو أن يحلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه بلا نزاع.
وأما إذا سبق لسانه في المستقبل: ففيه روايتان. وهذه طريقة القاضي وابن عقيل في " الفصول "؛ واختار القاضي في " خلافه " أن قوله في المستقبل لا والله بلى والله ليس بلغو وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما. ومنهم من قال: ما يسبق على اللسان هو لغو بلا نزاع بين العلماء وفيما إذا حلف على شيء فتبين بخلافه روايتان.
وهذه طريقة أبي محمد.
" والصواب " أن النزاع في الصورتين؛ فإن الشافعي في رواية الربيع عنه يوجب الكفارة فيمن حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه؛ ولكن القول الآخر للشافعي أن هذا لغو كقول الجمهور وهذا هو قول محمد بن الحسن وكذا هو ظاهر مذهب أحمد أن كلا النوعين لغو لا كفارة فيه وهذا قول جمهور أهل العلم؛ ولهذا جزم أكثر أصحاب أحمد بأنه لا كفارة لا في هذا ولا في هذا.

ولم يذكروا نزاعا؛ لأنه نص على أن كليهما لغو في جوابه كما ذكر ذلك الخرقي وابن أبي موسى وغيرهما من المتقدمين. وذكر طائفة عنه في اللغو " روايتين "رواية كقول أبي حنيفة ومالك. ورواية كقول الشافعي كما ذكر ذلك طائفة: منهم ابن عقيل وأبو الخطاب وغيرهما. وصرح بعض هؤلاء - كابن عقيل وغيره - بأنه إذا قيل: إن اللغو هو أن يسبق على لسانه اليمين من غير قصد فإنه إذا حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه حنث. فلهذا صار في مذهبه عدة طرق.

" طريقة القدماء " أن كليهما لغو قولا واحدا.
" وطريقة القاضي " أن الماضي لغو قولا واحدا وفي سبق اللسان في المستقبل روايتان وهذه الطريقة توافق مذهب أبي حنيفة ومالك.
" وطريقة أبي محمد " أن سبق اللسان لغو قولا واحدا. وفي الماضي روايتان. وهذه الطريقة توافق مذهب الشافعي.
" والطريقة الرابعة " وهي أضعف الطرق: أن اللغو في إحدى الروايتين هذا دون هذا وفي الأخرى هذا دون هذا.
" والطريقة الخامسة " وهي الجامعة بين الطرق: أن في مذهبه ثلاث روايات كما ذكر ذلك صاحب المحرر فإذا سبق على لسانه: لا والله بلى والله وهو يعتقد أن الأمر كما حلف عليه: فهذا لغو باتفاق الأئمة الأربعة.
وإذا سبق على لسانه اليمين في المستقبل أو تعمد اليمين على أمر يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه: ففي الصورتين أقوال ثلاثة؛ هي الروايات الثلاث عن أحمد. " أحدها " أن الجميع لغو كقول الجمهور وهو ظاهر مذهب أحمد وهي ومذهبه في إحدى الطريقتين بلا نزاع عنه. وعلى هذه الطريقة فقد فسر اللغو بهذا. وهذا أحد قولي الشافعي.
" والثاني " أنه يحنث في الماضي دون ما سبق على لسانه وهو أحد قولي الشافعي أيضا.

" والثالث " بالعكس كمذهب أبي حنيفة ومالك. فقد تبين أن المخطئ في عقد اليمين الذي حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه هو في إحدى الطريقتين كالناسي والجاهل وفي الأخرى لا يحنث قولا واحدا. والمعروفة عند أئمة أصحاب أحمد. وعلى هذا فالحالف بالطلاق على أمر يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه لا يحنث إذا لم يحنث الناسي والجاهل في المستقبل: إما تسوية بينهما. وإما بطريق الأولى على اختلاف الطريقتين. وهكذا ذكر المحققون من الفقهاء.

وقد ظن بعض متأخري الفقهاء كالسامري صاحب " المستوعب " أنه إذا حلف بالطلاق والعتاق على أمر يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه أنه يحنث قولا واحدا؛ لأن الطلاق لا لغو فيه وهذا خطأ؛ فإن الذي يقول إن الطلاق لا لغو فيه هو الذي يحنث الناسي والجاهل إذا حلف بالطلاق وأما من لم يحنث الناسي والجاهل فإنه لا يقول لا لغو في الطلاق - إذا فسر اللغو بأن يحلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه - فإن عدم الحنث في هذه الصورة: إما أن يكون أولى بعدم الحنث في تلك الصورة أو يكون مساويا لها؛ كما قد بيناه.
ولا يمكن أحد أن يقول: إنه إذا حلف بالطلاق والعتاق على امرأته لا يفعله ففعله ناسيا أو جاهلا بأنه المحلوف عليه لم يحنث؛ ويقول إذا حلف على أمر يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه أنه يحنث؛ لأن الجهل المقارن لعقد اليمين أخف من الجهل المقارن لفعل المحلوف عليه وغايته أن يكون مثله؛ ولأن اليمين الأولى منعقدة اتفاقا.
وأما الثانية ففي انعقادها نزاع بينهم. والله أعلم.

(للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم (226) وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم (227)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
" والإيلاء " هو الحلف والقسم والمراد بالإيلاء هنا أن يحلف الرجل أن لا يطأ امرأته وهو إذا حلف بما عقده بالله كان موليا وإن حلف بما عقده لله كالحلف بالنذر والظهار والطلاق والعتاق كان موليا عند جماهير العلماء: كأبي حنيفة ومالك والشافعي في قوله الجديد وأحمد. ومن العلماء من لم يذكر في هذه المسألة نزاعا كابن المنذر وغيره وذكر عن ابن عباس أنه قال: كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء والله سبحانه وتعالى قد جعل المولي بين خيرتين: إما أن يفيء وإما أن يطلق.
والفيئة هي الوطء: خير بين الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان. فإن فاء فوطئها حصل مقصودها وقد أمسك بمعروف وقد قال تعالى: {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} ومغفرته ورحمته للمولي توجب رفع الإثم عنه وبقاء امرأته. ولا تسقط الكفارة كما في قوله:
{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم} {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} فبين أنه غفور رحيم بما فرضه من تحلة الأيمان حيث رحم عباده بما فرضه لهم من الكفارة وغفر لهم بذلك نقضهم لليمين التي عقدوها؛ فإن موجب العقد الوفاء لولا ما فرضه من التحلة التي جعلها تحل عقدة اليمين. وإن كان المولي لا يفيء؛ بل قد عزم على الطلاق؛ فإن الله سميع عليم. فحكم المولي في كتاب الله: أنه إما أن يفيء وإما أن يعزم الطلاق. فإن فاء فإن الله غفور رحيم لا يقع به طلاق وهذا متفق عليه في اليمين بالله تعالى.
(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ... (228)
والقرء: هو الدم لظهوره وخروجه وكذلك الوقت؛ فإن التوقيت إنما يكون بالأمر الظاهر. ثم الطهر يدخل في اسم القرء تبعا كما يدخل الليل في اسم اليوم {قال النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: دعي الصلاة أيام أقرائك} والطهر الذي يتعقبه حيض هو قرء فالقرء اسم للجميع.
وأما الطهر المجرد فلا يسمى قرءا؛ ولهذا إذا طلقت في أثناء حيضة لم تعتد بذلك قرءا؛ لأن عليها أن تعتد بثلاثة قروء وإذا طلقت في أثناء طهر كان القرء الحيضة مع ما تقدمها من الطهر؛ ولهذا كان أكابر الصحابة على أن الأقراء الحيض كعمر وعثمان وعلي وأبي موسى وغيرهم؛ لأنها مأمورة بتربص ثلاثة قروء؛ فلو كان القرء هو الطهر لكانت العدة قرأين وبعض الثالث فإن النزاع من الطائفتين في الحيضة الثالثة؛ فإن أكابر الصحابة ومن وافقهم يقولون:

هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وصغار الصحابة إذا طعنت في الحيضة الثالثة فقد حلت فقد ثبت بالنص والإجماع أن السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع وقد مضى بعض الطهر والله أمر أن يطلق لاستقبال العدة لا في أثناء العدة وقوله: {ثلاثة قروء} عدد ليس هو كقوله: أشهر؛ فإن ذاك صيغة جمع لا عدد فلا بد من ثلاثة قروء كما أمر الله لا يكفي بعض الثالث.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-04-2022, 05:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (117)

من صــ 109 الى صـ
ـ 116






وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
في قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} إلى قوله: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} إلى قوله تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}. فجعل المباح أحد أمرين:
إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وأخبر أن الرجال ليسوا أحق بالرد إلا إذا أرادوا إصلاحا؛ وجعل لهن مثل الذي عليهن بالمعروف وقال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} وقال تعالى في الآية الأخرى: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} وقال تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} وقوله هنا: {بالمعروف}.
يدل على أن المرأة لو رضيت بغير المعروف لكان للأولياء العضل والمعروف تزويج الكفء. وقد يستدل به من يقول: مهر مثلها من المعروف؛ فإن المعروف هو الذي يعرفه أولئك. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} إلى قوله: {وعاشروهن بالمعروف} فقد ذكر أن التراضي بالمعروف والإمساك بالمعروف؛ والتسريح بالمعروف والمعاشرة بالمعروف وأن لهن وعليهن بالمعروف كما قال: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} فهذا المذكور في القرآن هو الواجب العدل في جميع ما يتعلق بالنكاح من أمور النكاح وحقوق الزوجين؛ فكما أن ما يجب للمرأة عليه من الرزق والكسوة هو بالمعروف؛ وهو العرف الذي يعرفه الناس في حالهما نوعا وقدرا وصفة وإن كان ذلك يتنوع بتنوع حالهما من اليسار والإعسار والزمان كالشتاء والصيف والليل والنهار؛ والمكان فيطعمها في كل بلد مما هو عادة أهل البلد وهو العرف بينهم.

وكذلك ما يجب لها عليه من المتعة والعشرة فعليه أن يبيت عندها ويطأها بالمعروف. ويختلف ذلك باختلاف حالها وحاله. وهذا أصح القولين في الوطء الواجب أنه مقدر بالمعروف؛ لا بتقدير من الشرع قررته في غير هذا الموضع.

والمثال المشهور هو " النفقة " فإنها مقدرة بالمعروف تتنوع بتنوع حال الزوجين عند جمهور المسلمين. ومنهم من قال: هي مقدرة بالشرع نوعا وقدرا: مدا من حنطة أو مدا ونصفا أو مدين؛ قياسا على الإطعام الواجب في الكفارة على أصل القياس والصواب المقطوع به ما عليه الأمة علما وعملا قديما وحديثا؛ فإن القرآن قد دل على ذلك وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم {أنه قال لهند امرأة أبي سفيان لما قالت له يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف} فأمرها أن تأخذ الكفاية بالمعروف ولم يقدر لها نوعا ولا قدرا ولو تقدر ذلك بشرع أو غيره لبين لها القدر والنوع كما بين فرائض الزكاة والديات. وفي صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته العظيمة بعرفات: {لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف}.

وإذا كان الواجب هو الكفاية بالمعروف فمعلوم أن الكفاية بالمعروف تتنوع بحالة الزوجة في حاجتها وبتنوع الزمان والمكان وبتنوع حال الزوج في يساره وإعساره وليست كسوة القصيرة الضئيلة ككسوة الطويلة الجسيمة ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف ولا كفاية طعامه كطعامه ولا طعام البلاد الحارة كالباردة ولا المعروف في بلاد التمر والشعير.

كالمعروف في بلاد الفاكهة والخمير. وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه عن {حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه أنه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا أكلت وتكسوها إذا اكتسيت؛ ولا تضرب الوجه؛ ولا تقبح؛ ولا تهجر إلا في البيت}. فهذه ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن للزوجة مرة أن تأخذ كفاية ولدها بالمعروف وقال في الخطبة التي خطبها يوم أكمل الله الدين في أكبر مجمع كان له في الإسلام: {لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال للسائل المستفتي له عن حق الزوجة: {تطعمها إذا أكلت وتكسوها إذا اكتسيت} " ولم يأمر في شيء من ذلك بقدر معين؛ لكن قيد ذلك بالمعروف تارة وبالمواساة بالزوج أخرى. وهكذا قال في نفقة المماليك؛ ففي الصحيحين عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
{: هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل؛ وليلبسه مما يلبس؛ ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم} وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق} ففي الزوجة والمملوك أمره واحد: تارة يذكر أنه يجب الرزق والكسوة بالمعروف. وتارة يأمر بمواساتهم بالنفس. فمن العلماء من جعل المعروف هو الواجب والمواساة مستحبة. وقد يقال أحدهما تفسير للآخر.

وعلى هذا فالواجب هو الرزق والكسوة بالمعروف في النوع والقدر وصفة الإنفاق. وإن كان العلماء قد تنازعوا في ذلك. أما " النوع " فلا يتعين أن يعطيها مكيلا كالبر ولا موزونا كالخبز ولا ثمن ذلك كالدراهم؛ بل يرجع في ذلك إلى العرف. فإذا أعطاها كفايتها بالمعروف مثل أن يكون عادتهم أكل التمر والشعير فيعطيها ذلك.
أو يكون أكل الخبز والإدام فيعطيها ذلك. وإن كان عادتهم أن يعطيها حبا فتطحنه في البيت فعل ذلك.

وإن كان يطحن في الطاحون ويخبز في البيت فعل ذلك. وإن كان يخبز في البيت فعل ذلك. وإن كان يشتري خبزا من السوق فعل ذلك. وكذلك الطبيخ ونحوه فعلى ما هو المعروف فلا يتعين عليه دراهم ولا حبات أصلا؛ لا بشرع ولا بفرض؛ فإن تعين ذلك دائما من المنكر ليس من المعروف وهو مضر به تارة وبها أخرى. وكذلك " القدر " لا يتعين مقدار مطرد؛ بل تتنوع المقادير بتنوع الأوقات.
وأما " الإنفاق " فقد قيل: إن الواجب تمليكها النفقة والكسوة. وقيل: لا يجب التمليك. وهو الصواب؛ فإن ذلك ليس هو المعروف؛ بل عرف النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى يومنا هذا أن الرجل يأتي بالطعام إلى منزله فيأكل هو وامرأته ومملوكه: تارة جميعا. وتارة أفرادا.

ويفضل منه فضل تارة فيدخرونه ولا يعرف المسلمون أنه يملكها كل يوم دراهم تتصرف فيها تصرف المالك؛ بل من عاشر امرأة بمثل هذا الفرض كانا عند المسلمين قد تعاشرا بغير المعروف وتضارا في العشرة؛ وإنما يفعل أحدهما ذلك بصاحبه عند الضرر؛ لا عند العشرة بالمعروف.

وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في الزوجة مثل ما أوجب في المملوك. تارة قال: " {لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف} " كما قال في المملوك. وتارة قال: {تطعمها إذا أكلت وتكسوها إذا اكتسيت} " كما قال في المملوك. وقد اتفق المسلمون على أنه لا يجب تمليك المملوك نفقته فعلم أن هذا الكلام لا يقتضي إيجاب التمليك.
وإذا تنازع الزوجان فمتى اعترفت الزوجة أنه يطعمها إذا أكل ويكسوها إذا اكتسى وذلك هو المعروف لمثلها في بلدها فلا حق لها سوى ذلك. وإن أنكرت ذلك أمره الحاكم أن ينفق بالمعروف؛ بل ولا له أن يأمر بدراهم مقدرة مطلقا أو حب مقدر مطلقا؛ لكن يذكر المعروف الذي يليق بهما.
فصل:
وتنازع العلماء: هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ومناولة الطعام والشراب والخبز والطحن والطعام لمماليكه وبهائمه: مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة. وهذا القول ضعيف كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء؛ فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف؛ بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحة لم يكن قد عاشره بالمعروف. وقيل - وهو الصواب - وجوب الخدمة؛ فإن الزوج سيدها في كتاب الله؛ وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العاني والعبد الخدمة؛ ولأن ذلك هو المعروف.
ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة. ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف وهذا هو الصواب فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال: فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.
فصل:
والمعروف فيما له ولها هو موجب العقد المطلق؛ فإن العقد المطلق يرجع في موجبه إلى العرف كما يوجب العقد المطلق في البيع النقد المعروف فإن شرط أحدهما على صاحبه شرطا لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما فالمسلمون عند شروطهم؛ فإن موجبات العقود تتلقى من اللفظ تارة. ومن العرف تارة أخرى؛ لكن كلاهما مقيد بما لم يحرمه الله ورسوله فإن لكل من العاقدين أن يوجب للآخر على نفسه ما لم يمنعه الله من إيجابه ولا يمنعه أن يوجب في المعاوضة ما يباح بذله بلا عوض:

كعارية البضع؛ والولاء لغير المعتق؛ فلا سبيل إلى أن يجب بالشرط فإنه إذا حرم بذله كيف يجب بالشرط فهذه أصول جامعة مع اختصار. والله أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-04-2022, 05:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (118)

من صــ 117 الى صـ
ـ 124






(الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (229)
(فصل في أن البينونة نوعان)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

و " جماع الأمر " أن البينونة نوعان: " البينونة الكبرى " وهي إيقاع البينونة الحاصلة بإيقاع الطلاق الثلاث الذي تحرم به المرأة حتى تنكح زوجا غيره.
و " البينونة الصغرى " وهي: التي تبين بها المرأة وله أن يتزوجها بعقد جديد في العدة وبعدها. فالخلع تحصل به البينونة الصغرى دون الكبرى. والبينونة الكبرى الحاصلة بالثلاث تحصل إذا أوقع الثلاث على الوجه المباح المشروع وهو أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه؛ أو يطلقها واحدة وقد تبين حملها ويدعها حتى تنقضي العدة؛ ثم يتزوجها بعقد جديد. وله أن يراجعها في العدة.
وإذا تزوجها أو ارتجعها فله أن يطلقها الثانية على الوجه المشروع. فإذا طلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو كلمات قبل رجعة أو عقد فهو محرم عند الجمهور؛ وهو مذهب مالك وأبي حنيفة في المشهور عنه؛ بل وكذلك إذا طلقها الثلاث في أطهار قبل رجعة أو عقد؛ في مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه. ولو أوقع الثلاث إيقاعا محرما: فهل يقع الثلاث؟ أو واحدة؟ على قولين معروفين للسلف والخلف؛ كما قد بسط في موضعه.
فإذا قيل: إنه لا يقع لم يملك البينونة الكبرى بكلمة واحدة وإذا لم يملكها لم يجز أن تبذل له العوض فيما لا يملكه فإذا بذلت له العوض على الطلاق الثلاث المحرمة بذلت له العوض فيما يحرم عليه فعله ولا يملكه فإذا أوقعه لم يقع منه إلا المباح والمباح بالعوض إنما هو بالبينونة الصغرى دون الكبرى؛ بل لو طلقها ثنتين وبذلت له العوض على الفرقة بلفظ الطلاق أو غير الطلاق لم تقع الطلقة الثالثة على قولنا: إن الفرقة بعوض فسخ تحصل به البينونة الصغرى؛ فإذا فارقها بلفظ الطلاق أو غيره في هذه الصورة وقعت به " البينونة الصغرى "وهو الفسخ دون الكبرى.
وجاز له أن يتزوج المرأة بعقد جديد؛ لكن إن صرحت ببذل العوض في الطلقة الثالثة المحرمة وكان مقصودها أن تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره: فقد بذلت العوض في غير البينونة الصغرى وهو يشبه ما إذا بذلت العوض في الخلع بشرط الرجعة. فإن اشتراطه الرجعة في الخلع يشبه اشتراطها الطلاق المحرم لها فيه وهو في هذه الحال يملك الطلقة الثالثة المحرمة لها كما كان يملك قبل ذلك الطلاق الرجعي. والله سبحانه أعلم.

(فصل في أن الطلاق الثلاث حرمت به المرأة عقوبة للرجل حتى لا يطلق)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

قال طائفة من العلماء: إن الطلاق الثلاث حرمت به المرأة عقوبة للرجل حتى لا يطلق؛ فإن الله يبغض الطلاق؛ وإنما يأمر به الشياطين والسحرة كما قال تعالى في السحر: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الشيطان ينصب عرشه على البحر؛ ويبعث جنوده فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة؛ فيأتي أحدهم فيقول ما زلت به حتى شرب الخمر.

فيقول الساعة يتوب ويأتي الآخر فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته. فيقبله بين عينيه. ويقول: أنت أنت}. وقد روى أهل التفسير والحديث والفقه: أنهم كانوا في أول الإسلام يطلقون بغير عدد؛ يطلق الرجل المرأة ثم يدعها حتى إذا شارفت انقضاء العدة راجعها ثم طلقها ضرارا فقصرهم الله على الطلقات الثلاث؛ لأن الثلاث أول حد الكثرة وآخر حد القلة.

ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلت عليه الآثار والأصول؛ ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانا. وحرمه في مواضع باتفاق العلماء. كما إذا طلقها في الحيض ولم تكن سألته الطلاق؛ فإن هذا الطلاق حرام باتفاق العلماء. والله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بأفضل الشرائع وهي الحنيفية السمحة كما قال: {أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة} فأباح لعباده المؤمنين الوطء بالنكاح. والوطء بملك اليمين. واليهود والنصارى لا يطئون إلا بالنكاح؛ لا يطئون بملك اليمين.
و " أصل ابتداء الرق " إنما يقع من السبي. والغنائم لم تحل إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح أنه قال: {فضلنا على الأنبياء بخمس: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة
وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلنا وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وأعطيت الشفاعة} فأباح سبحانه للمؤمنين أن ينكحوا وأن يطلقوا وأن يتزوجوا المرأة المطلقة بعد أن تتزوج بغير زوجها. " والنصارى " يحرمون النكاح على بعضهم ومن أباحوا له النكاح لم يبيحوا له الطلاق.
" واليهود " يبيحون الطلاق؛ لكن إذا تزوجت المطلقة بغير زوجها حرمت عليه عندهم. والنصارى لا طلاق عندهم. واليهود لا مراجعة بعد أن تتزوج غيره عندهم.
والله تعالى أباح للمؤمنين هذا وهذا. ولو أبيح الطلاق بغير عدد - كما كان في أول الأمر - لكان الناس يطلقون دائما: إذا لم يكن أمر يزجرهم عن الطلاق؛ وفي ذلك من الضرر والفساد ما أوجب حرمة ذلك ولم يكن فساد الطلاق لمجرد حق المرأة فقط: كالطلاق في الحيض حتى يباح دائما بسؤالها؛ بل نفس الطلاق إذا لم تدع إليه حاجة منهي عنه باتفاق العلماء: إما نهي تحريم أو نهي تنزيه.
وما كان مباحا للحاجة قدر بقدر الحاجة. والثلاث هي مقدار ما أبيح للحاجة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} وكما قال: {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا} وكما رخص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا.
وهذه الأحاديث في الصحيح. وهذا مما احتج به من لا يرى وقوع الطلاق إلا من القصد؛ ولا يرى وقوع طلاق المكره؛ كما لا يكفر من تكلم بالكفر مكرها بالنص والإجماع؛ ولو تكلم بالكفر مستهزئا بآيات الله وبالله ورسوله كفر؛ كذلك من تكلم بالطلاق هازلا وقع به. ولو حلف بالكفر فقال: إن فعل كذا فهو بريء من الله ورسوله؛ أو فهو يهودي أو نصراني. لم يكفر بفعل المحلوف عليه؛ وإن كان هذا حكما معلقا بشرط في اللفظ؛ لأن مقصوده الحلف به بغضا له ونفورا عنه؛ لا إرادة له؛ بخلاف من قال: إن أعطيتموني ألفا كفرت فإن هذا يكفر. وهكذا يقول من يفرق بين الحلف بالطلاق وتعليقه بشرط لا يقصد كونه وبين الطلاق المقصود عند وقوع الشرط.
ولهذا ذهب كثير من السلف والخلف إلى أن الخلع فسخ للنكاح؛ وليس هو من الطلقات الثلاث كقول ابن عباس والشافعي وأحمد في أحد قوليهما لأن المرأة افتدت نفسها من الزوج كافتداء الأسير؛ وليس هو من الطلاق المكروه في الأصل ولهذا يباح في الحيض؛ بخلاف الطلاق.

وأما إذا عدل هو عن الخلع وطلقها إحدى الثلات بعوض فالتفريط منه. وذهب طائفة من السلف: كعثمان بن عفان وغيره؛ ورووا في ذلك حديثا مرفوعا. وبعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد جعلوه مع الأجنبي فسخا. كالإقالة. والصواب أنه مع الأجنبي كما هو مع المرأة؛ فإنه إذا كان افتداء المرأة كما يفدى الأسير فقد يفتدي الأسير بمال منه ومال من غيره وكذلك العبد يعتق بمال يبذله هو وما يبذله الأجنبي وكذلك الصلح يصح مع المدعى عليه ومع أجنبي فإن هذا جميعه من باب الإسقاط والإزالة.

وإذ كان الخلع رفعا للنكاح؛ وليس هو من الطلاق الثلاث: فلا فرق بين أن يكون المال المبذول من المرأة أو من أجنبي. وتشبيه فسخ النكاح بفسخ البيع: فيه نظر؛ فإن البيع لا يزول إلا برضى المتابعين؛ لا يستقل أحدهما بإزالته؛ بخلاف النكاح؛ فإن المرأة ليس إليها إزالته؛ بل الزوج يستقل بذلك؛ لكن افتداؤها نفسها منه كافتداء الأجنبي لها.
ومسائل الطلاق وما فيها من الإجماع والنزاع مبسوط في غير هذا الموضوع. والمقصود هنا إذا وقع به الثلاث حرمت عليه المرأة بإجماع المسلمين كما دل عليه الكتاب والسنة ولا يباح إلا بنكاح ثان وبوطئه لها عند عامة السلف والخلف؛ فإن النكاح المأمور به يؤمر فيه بالعقد. وبالوطء بخلاف المنهي عنه؛ فإنه ينهى فيه عن كل من العقد والوطء؛ ولهذا كان النكاح الواجب والمستحب يؤمر فيه بالوطء من العقد " والنكاح المحرم " يحرم فيه مجرد العقد.
(فصل في الخلع)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

والمرأة إذا أبغضت الرجل كان لها أن تفتدي نفسها منه كما قال تعالى {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} وهذا الخلع تبين به المرأة فلا يحل له أن يتزوجها بعده إلا برضاها وليس هو كالطلاق المجرد؛ فإن ذلك يقع رجعيا له أن يرتجعها في العدة بدون رضاها؛ لكن تنازع العلماء في هذا الخلع: هل يقع به طلقة بائنة محسوبة من الثلاث؟ أو تقع به فرقة بائنة وليس من الطلاق الثلاث بل هو فسخ؟ على قولين مشهورين.
و " الأول " مذهب أبي حنيفة ومالك وكثير من السلف ونقل عن طائفة من الصحابة؛ لكن لم يثبت عن واحد منهم بل ضعف أحمد بن حنبل وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم جميع ما روي في ذلك عن الصحابة.
و " الثاني " أنه فرقة بائنة وليس من الثلاث وهذا ثابت عن ابن عباس باتفاق أهل المعرفة بالحديث وهو قول أصحابه: كطاوس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل وغيره من فقهاء الحديث وإسحاق بن راهويه؛ وأبي ثور وداود وابن المنذر وابن خزيمة وغيرهم. واستدل ابن عباس على ذلك بأن الله تعالى ذكر الخلع بعد طلقتين ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا. ثم أصحاب هذا القول تنازعوا: هل يشترط أن يكون الخلع بغير لفظ الطلاق؟ أو لا يكون إلا بلفظ الخلع والفسخ والمفاداة ويشترط مع ذلك أن لا ينوي الطلاق؟ أو لا فرق بين أن ينويه أو لا ينويه وهو خلع بأي لفظ وقع بلفظ الطلاق أو غيره؟ على أوجه في مذهب أحمد وغيره: أصحها الذي دل عليه كلام ابن عباس وأصحابه وأحمد بن حنبل وقدماء أصحابه وهو الوجه الأخير وهو: أن الخلع هو الفرقة بعوض فمتى فارقها بعوض فهي مفتدية لنفسها به وهو خالع لها بأي لفظ كان ولم ينقل أحد قط لا عن ابن عباس وأصحابه ولا عن أحمد بن حنبل أنهم فرقوا بين الخلع بلفظ الطلاق وبين غيره؛ بل كلامهم لفظه ومعناه يتناول الجميع.

والشافعي رضي الله عنه لما ذكر القولين في الخلع هل هو طلاق أم لا؟ قال: وأحسب الذين قالوا هو طلاق هو فيما إذا كان بغير لفظ الطلاق؟ ولهذا ذكر محمد بن نصر والطحاوي أن هذا لا نزاع فيه والشافعي لم يحك عن أحد هذا؛ بل ظن أنهم يفرقون.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24-04-2022, 05:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (119)

من صــ 125 الى صـ
ـ 132






وهذا بناه الشافعي على أن العقود وإن كان معناها واحدا فإن حكمها يختلف باختلاف الألفاظ. وفي مذهبه في نزاع في الأصل وأما أحمد بن حنبل فإن أصوله ونصوصه وقول جمهور أصحابه أن الاعتبار في العقود بمعانيها لا بالألفاظ وفي مذهبه قول آخر: أنه تختلف الأحكام باختلاف الألفاظ وهذا يذكر في التكلم بلفظ البيع وفي المزارعة بلفظ الإجارة وغير ذلك.
وقد ذكرنا ألفاظ ابن عباس وأصحابه وألفاظ أحمد وغيره وبينا أنها بينة في عدم التفريق.
وأن أصول الشرع لا تحتمل التفريق وكذلك أصول أحمد. وسببه ظن الشافعي أنهم يفرقون. وقد ذكرنا في غير هذا الموضع وبينا أن الآثار الثابتة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وغيره تدل دلالة بينة أنه خلع؛ وإن كان بلفظ الطلاق وهذه الفرقة توجب البينونة. والطلاق الذي ذكره الله تعالى في كتابه هو الطلاق الرجعي.
قال هؤلاء وليس في كتاب الله طلاق بائن محسوب من الثلاث أصلا بل كل طلاق ذكره الله تعالى في القرآن فهو الطلاق الرجعي. وقال هؤلاء: ولو قال لامرأته: أنت طالق طلقة بائنة لم يقع بها إلا طلقة رجعية؛ كما هو مذهب أكثر العلماء؛ وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه. قالوا: وتقسيم الطلاق إلى رجعي وبائن تقسيم مخالف لكتاب الله وهذا قول فقهاء الحديث وهو مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد؛ فإن كل طلاق بغير عوض لا يقع إلا رجعيا وإن قال: أنت طالق طلقة بائنة أو طلاقا بائنا: لم يقع به عندهما إلا طلقة رجعية.
وأما الخلع ففيه نزاع في مذهبهما. فمن قال بالقول الصحيح طرد هذا الأصل واستقام قوله ولم يتناقض كما يتناقض غيره؛ إلا من قال من أصحاب الشافعي وأحمد: إن الخلع بلفظ الطلاق يقع طلاقا بائنا فهؤلاء أثبتوا في الجملة طلاقا بائنا محسوبا من الثلاث فنقضوا أصلهم الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة.

وقال بعض الظاهرية: إذا وقع بلفظ الطلاق كان طلاقا رجعيا؛ لا بائنا؛ لأنه لم يمكنه أن يجعله طلاقا بائنا لمخالفة القرآن؛ وظن أنه بلفظ الطلاق يكون طلاقا فجعله رجعيا وهذا خطأ؛ فإن مقصود الافتداء لا يحصل إلا مع البينونة؛ ولهذا كان حصول البينونة بالخلع مما لم يعرف فيه خلاف بين المسلمين؛ لكن بعضهم جعله جائزا؛ فقال: للزوج أن يرد العوض ويراجعها؛ والذي عليه الأئمة الأربعة والجمهور أنه لا يملك الزوج وحده أن يفسخه ولكن لو اتفقا على فسخه كالتقايل: فهذا فيه نزاع آخر كما بسط في موضعه.

والمقصود هنا أن كتاب الله يبين أن الطلاق بعد الدخول لا يكون إلا رجعيا وليس في كتاب الله طلاق بائن إلا قبل الدخول. وإذا انقضت العدة فإذا طلقها ثلاثا فقد حرمت عليه وهذه البينونة الكبرى وهي إنما تحصل بالثلاث لا بطلقة واحدة مطلقة؛ لا يحصل بها لا بينونة كبرى ولا صغرى. وقد ثبت عن ابن عباس أنه قيل له. إن أهل اليمن عامة طلاقهم الفداء فقال ابن عباس: ليس الفداء بطلاق.

ورد المرأة على زوجها بعد طلقتين وخلع مرة. وبهذا أخذ أحمد بن حنبل في ظاهر مذهبه والشافعي في أحد قوليه؛ لكن تنازع أهل هذا القول: هل يختلف الحكم باختلاف الألفاظ؟ والصحيح أن المعنى إذا كان واحدا فالاعتبار بأي لفظ وقع؛ وذلك أن الاعتبار بمقاصد العقود وحقائقها لا باللفظ وحده فما كان خلعا فهو خلع بأي لفظ كان وما كان طلاقا فهو طلاق بأي لفظ كان وما كان يمينا فهو يمين بأي لفظ كان وما كان إيلاء فهو إيلاء بأي لفظ كان وما كان ظهارا فهو ظهار بأي لفظ كان.

والله تعالى ذكر في كتابه " الطلاق " و " اليمين " و " الظهار " و " الإيلاء " و " الافتداء " وهو الخلع وجعل لكل واحد حكما فيجب أن نعرف حدود ما أنزل الله على رسوله وندخل في الطلاق ما كان طلاقا وفي اليمين ما كان يمينا وفي الخلع ما كان خلعا وفي الظهار ما كان ظهارا؛ وفي الإيلاء ما كان إيلاء. وهذا هو الثابت عن أئمة الصحابة وفقهائهم والتابعين لهم بإحسان.
ومن العلماء من اشتبه عليه بعض ذلك ببعض فيجعل ما هو ظهار طلاقا: فيكثر بذلك وقوع الطلاق الذي يبغضه الله ورسوله ويحتاجون إما إلى دوام المكروه؛ وإما إلى زواله بما هو أكره إلى الله ورسوله منه وهو " نكاح التحليل ".

(فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون (230)

وقد ثبت في الصحيح {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة رفاعة القرظي. لما أرادت أن ترجع إلى رفاعة بدون الوطء لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك} وليس في هذا خلاف إلا عن سعيد بن المسيب فإنه - مع أنه أعلم التابعين - لم تبلغه السنة في هذه المسألة. " والنكاح المبيح " هو النكاح المعروف عند المسلمين وهو النكاح الذي جعل الله فيه بين الزوجين مودة ورحمة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: {حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك} فأما " نكاح المحلل " فإنه لا يحلها للأول عند جماهير السلف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله المحلل والمحلل له} وقال عمر بن الخطاب: لا أوتى بمحلل ومحلل له إلا رجمتهما. وكذلك قال عثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وغيرهم: إنه لا يبيحها إلا بنكاح رغبة؛ لا نكاح محلل. ولم يعرف عن أحد من الصحابة أنه رخص في نكاح التحليل.
ولكن تنازعوا في " نكاح المتعة " فإن نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من ثلاثة أوجه. " أحدها " أنه كان مباحا في أول الإسلام بخلاف التحليل. " الثاني " أنه رخص فيه ابن عباس وطائفة من السلف؛ بخلاف التحليل فإنه لم يرخص فيه أحد من الصحابة.
" الثالث " أن المتمتع له رغبة في المرأة وللمرأة رغبة فيه إلى أجل؛ بخلاف المحلل فإن المرأة ليس لها رغبة فيه بحال وهو ليس له رغبة فيها بل في أخذ ما يعطاه وإن كان له رغبة فهي من رغبته في الوطء؛ لا في اتخاذها زوجة من جنس رغبة الزاني؛ ولهذا قال ابن عمر: لا يزالان زانيين؛ وإن مكثا عشرين سنة.
إذ الله علم من قلبه أنه يريد أن يحلها له.
ولهذا تعدم فيه خصائص النكاح؛ فإن النكاح المعروف كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}والتحليل فيه البغضة والنفرة؛ ولهذا لا يظهره أصحابه؛ بل يكتمونه كما يكتم السفاح.

ومن شعائر النكاح إعلانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف} ولهذا يكفي في إعلانه الشهادة عليه عند طائفة من العلماء وطائفة أخرى توجب الإشهاد والإعلان؛ فإذا تواصوا بكتمانه بطل. ومن ذلك الوليمة عليه والنثار والطيب والشراب ونحو ذلك مما جرت به عادات الناس في النكاح.

وأما " التحليل " فإنه لا يفعل فيه شيء من هذا؛ لأن أهله لم يريدوا أن يكون المحلل زوج المرأة ولا أن تكون المرأة امرأته؛ وإنما المقصود استعارته لينزو عليها كما جاء في الحديث المرفوع تسميته بالتيس المستعار؛ ولهذا شبه بحمار العشريين الذي يكترى للتقفيز على الإناث؛ ولهذا لا تبقى المرأة مع زوجها بعد التحليل كما كانت قبله؛ بل يحصل بينهما نوع من النفرة. ولهذا لما لم يكن في التحليل مقصود صحيح يأمر به الشارع: صار الشيطان يشبه به أشياء مخالفة للإجماع فصار طائفة من عامة الناس يظنون أن ولادتها لذكر يحلها أو أن وطأها بالرجل على قدمها أو رأسها أو فوق سقف أو سلم هي تحته يحلها. ومنهم من يظن أنهما إذا التقيا بعرفات كما التقى آدم وامرأته أحلها ذلك.

ومنهن من إذا تزوجت بالمحلل به لم تمكنه من نفسها؛ بل تمكنه من أمة لها. ومنهن من تعطيه شيئا وتوصيه بأن يقر بوطئها. ومنهم من يحلل الأم وبنتها. إلى أمور أخر قد بسطت في غير هذا الموضع بيناها في " كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل " ولا ريب أن المنسوخ من الشريعة وما تنازع فيه السلف خير من مثل هذا؛ فإنه لو قدر أن الشريعة تأتي بأن الطلاق لا عدد له لكان هذا ممكنا وإن كان هذا منسوخا. وإما أن يقال: إن من طلق امرأته لا تحل له حتى يستكري من يطؤها فهذا لا تأتي به شريعة.

وكثير من أهل التحليل يفعلون أشياء محرمة باتفاق المسلمين؛ فإن المرأة المعتدة لا يحل لغير زوجها أن يصرح بخطبتها سواء كانت معتدة من عدة طلاق أو عدة وفاة قال تعالى " {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} فنهى الله تعالى عن المواعدة سرا وعن عزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله. وإذا كان هذا في عدة الموت فهو في عدة الطلاق أشد باتفاق المسلمين؛ فإن المطلقة قد ترجع إلى زوجها؛ بخلاف من مات عنها.
وأما " التعريض " فإنه يجوز في عدة المتوفى عنها ولا يجوز في عدة الرجعية وفيما سواهما. فهذه المطلقة ثلاثا لا يحل لأحد أن يواعدها سرا ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله باتفاق المسلمين وإذا تزوجت بزوج ثان وطلقها ثلاثا لم يحل للأول أن يواعدها سرا ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله باتفاق المسلمين. وذلك أشد وأشد.
وإذا كانت مع زوجها لم يحل لأحد أن يخطبها لا تصريحا ولا تعريضا: باتفاق المسلمين فإذا كانت لم تتزوج بعد لم يحل للمطلق ثلاثا أن يخطبها؛ لا تصريحا ولا تعريضا. باتفاق المسلمين. وخطبتها في هذه الحال أعظم من خطبتها بعد أن تتزوج بالثاني.
وهؤلاء " أهل التحليل " قد يواعد أحدهم المطلقة ثلاثا ويعزمان قبل أن تنقضي عدتها وقبل نكاح الثاني على عقدة النكاح بعد النكاح الثاني نكاح المحلل ويعطيها ما تنفقه على شهود عقد التحليل وللمحلل وما ينفقه عليها في عدة التحليل والزوج المحلل لا يعطيها مهرا ولا نفقة عدة ولا نفقة طلاق؛ فإذا كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز في هذه وقت نكاحها بالثاني أن يخطبها الأول - لا تصريحا ولا تعريضا - فكيف إذا خطبها قبل أن تتزوج بالثاني؟ أو إذا كان بعد أن يطلقها الثاني لا يحل للأول أن يواعدها سرا ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله:
فكيف إذا فعل ذلك من قبل أن يطلق بل قبل أن يتزوج بل قبل أن تنقضي عدتها منه فهذا كله يحرم باتفاق المسلمين. وكثير من أهل التحليل يفعله وليس في التحليل صورة اتفق المسلمون على حلها ولا صورة أباحها النص؛ بل من صور التحليل ما أجمع المسلمون على تحريمه ومنها ما تنازع فيه العلماء.

وأما الصحابة فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلل له منهم؛ وهذا وغيره يبين أن من التحليل ما هو شر من نكاح المتعة وغيره من الأنكحة التي تنازع فيها السلف؛ وبكل حال فالصحابة أفضل هذه الأمة وبعدهم التابعون كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم} فنكاح تنازع السلف في جوازه أقرب من نكاح أجمع السلف كل تحريمه. وإذا تنازع فيه الخلف فإن أولئك أعظم علما ودينا؛ وما أجمعوا على تعظيم تحريمه كان أمره أحق مما اتفقوا على تحريمه وإن اشتبه تحريمه على من بعدهم. والله تعالى أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24-04-2022, 05:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (120)

من صــ 133 الى صـ
ـ 140




وسئل - رحمه الله تعالى -:
عن هذا " التحليل " الذي يفعله الناس اليوم: إذا وقع على الوجه الذي يفعلونه من الاستحقاق والإشهاد وغير ذلك من سائر الحيل المعروفة: هل هو صحيح أم لا؟ وإذا قلد من قال به هل: يفرق بين اعتقاد واعتقاد؟ وهل الأولى إمساك المرأة أم لا؟

فأجاب:
التحليل الذي يتواطئون فيه مع الزوج - لفظا أو عرفا - على أن يطلق المرأة أو ينوي الزوج ذلك: محرم. لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله في أحاديث متعددة وسماه " التيس المستعار " وقال: {لعن الله المحلل والمحلل له}.
وكذلك مثل عمر وعثمان وعلي وابن عمر وغيرهم لهم بذلك آثار مشهورة: يصرحون فيها بأن من قصد التحليل بقلبه فهو محلل؛ وإن لم يشترطه في العقد. وسموه " سفاحا ". ولا تحل لمطلقها الأول بمثل هذا العقد ولا يحل للزوج المحلل إمساكها بهذا التحليل بل يجب عليه فراقها؛ لكن إذا كان قد تبين باجتهاد أو تقليد جواز ذلك؛ فتحللت وتزوجها بعد ذلك ثم تبين له تحريم ذلك: فالأقوى أنه لا يجب عليه فراقها؛ بل يمنع من ذلك في المستقبل وقد عفا الله في الماضي عما سلف.

(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير (233)

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
في قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها} إلى قوله: {واعلموا أن الله بما تعملون بصير} مع قوله: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} إلى قوله: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} وفي ذلك أنواع من الأحكام بعضها مجمع عليه وبعضها متنازع فيه. وإذا تدبرت كتاب الله تبين أنه يفصل النزاع بين من يحسن الرد إليه وأن من لم يهتد إلى ذلك؛ فهو إما لعدم استطاعته فيعذر. أو لتفريطه فيلام.
وقوله تعالى {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} يدل على أن هذا تمام الرضاعة وما بعد ذلك فهو غذاء من الأغذية. وبهذا يستدل من يقول: الرضاع بعد الحولين بمنزلة رضاع الكبير. وقوله: {حولين كاملين} يدل على أن لفظ " الحولين " يقع على حول وبعض آخر. وهذا معروف في كلامهم يقال: لفلان عشرون عاما إذا أكمل ذلك. قال الفراء والزجاج وغيرهما: لما جاز أن يقول: " حولين " ويريد أقل منهما كما قال تعالى: {فمن تعجل في يومين} ومعلوم أنه يتعجل في يوم وبعض آخر؛ وتقول: لم أر فلانا يومين. وإنما تريد يوما وبعض آخر. قال " كاملين " ليبين أنه لا يجوز أن ينقص منهما. وهذا بمنزلة قوله تعالى {تلك عشرة كاملة} فإن لفظ " العشرة " يقع على تسعة وبعض العاشر. فيقال: أقمت عشرة أيام. وإن لم يكملها. فقوله هناك {كاملة} بمنزلة قوله هنا {كاملين} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: قال {الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفورا طيبة به نفسه أحد المتصدقين} " فالكامل الذي لم ينقص منه شيء؛ إذ الكمال ضد النقصان.
وأما " الموفر " فقد قال: أجرهم موفرا. يقال: الموفر. للزائد؛ ويقال: لم يكلم. أي يجرح كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في " كتاب الزهد " عن وهب بن منبه: {أن الله تعالى قال لموسى وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا؛ لم تكلمه الدنيا ولم تكلمه نطعة الهوى} وكان هذا تغيير الصفة وذاك نقصان القدر وذكر " أبو الفرج " هل هو عام في جميع الوالدات؟ أو يختص بالمطلقات؟ على قولين. والخصوص قول سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدي ومقاتل في آخرين. والعموم قول أبي سليمان الدمشقي والقاضي أبي يعلى في آخرين. قال القاضي ولهذا نقول: لها أن تؤجر نفسها لرضاع ولدها سواء كانت مع الزوج أو مطلقة. " قلت " الآية حجة عليهم؛ فإنها أوجبت للمرضعات رزقهن وكسوتهن بالمعروف؛ لا زيادة على ذلك.

وهو يقول: تؤجر نفسها بأجرة غير النفقة. والآية لا تدل على هذا؛ بل إذا كانت الآية عامة دلت على أنها ترضع ولدها مع إنفاق الزوج عليها كما لو كانت حاملا فإنه ينفق عليها وتدخل نفقة الولد في نفقة الزوجية؛ لأن الولد يتغذى بغذاء أمه وكذلك في حال الرضاع فإن نفقة الحمل هي نفقة المرتضع. وعلى هذا فلا منافاة بين القولين؛ فالذين خصوه بالمطلقات أوجبوا نفقة جديدة بسبب الرضاع كما ذكر في " سورة الطلاق " وهذا مختص بالمطلقة وقوله تعالى {حولين كاملين} قد علم أن مبدأ الحول من حين الولادة والكمال إلى نظير ذلك.

فإذا كان من عاشر المحرم كان الكمال في عاشر المحرم في مثل تلك الساعة؛ فإن الحول المطلق هو اثنا عشر شهرا من الشهر الهلالي كما قال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله} وهكذا ما ذكره من العدة أربعة أشهر وعشرا أولها من حين الموت وآخرها إذا مضت عشر بعد نظيره؛ فإذا كان في منتصف المحرم فآخرها خامس عشر المحرم وكذلك الأجل المسمى في البيوع وسائر ما يؤجل بالشرع وبالشرط. وللفقهاء هنا قولان آخران ضعيفان.

" أحدهما " قول من يقول: إذا كان في أثناء الشهر كان جميع الشهور بالعدد فيكون الحولان ثلثمائة وستين. وعلى هذا القول تزيد المدة اثني عشر يوما وهو غلط بين.

و " القول الثاني " قول من يقول: منها واحد بالعدد وسائرها بالأهلة. وهذا أقرب؛ لكن فيه غلط؛ فإنه على هذا إذا كان المبدأ عاشر المحرم وقد نقص المحرم كان تمامه تاسعه فيكون التكميل أحد عشر فيكون المنتهي حادي عشر المحرم وهو غلط أيضا. وظاهر القرآن يدل على أن على الأم إرضاعه لأن قوله: {يرضعن} خبر في معنى الأمر.

وهي مسألة نزاع؛ ولهذا تأولها من ذهب إلى القول الآخر. قال القاضي أبو يعلى: وهذا الأمر انصرف إلى الآباء؛ لأن عليهم الاسترضاع؛ لا على الوالدات؛ بدليل قوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} وقوله: {فآتوهن أجورهن} فلو كان متحتما على الوالدة لم يكن عليه الأجرة.
فيقال: بل القرآن دل على أن للابن على الأم الفعل وعلى الأب النفقة ولو لم يوجد غيرها تعين عليها وهي تستحق الأجرة والأجنبية تستحق الأجرة ولو لم يوجد غيرها.
وقوله تعالى {لمن أراد أن يتم الرضاعة} دليل على أنه لا يجوز أن يريد إتمام الرضاع ويجوز الفطام قبل ذلك إذا كان مصلحة وقد بين ذلك بقوله تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما} وذلك يدل على أنه لا يفصل إلا برضى الأبوين فلو أراد أحدهما الإتمام والآخر الفصال قبل ذلك كان الأمر لمن أراد الإتمام؛ لأنه قال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} وقوله تعالى {يرضعن} صيغة خبر ومعناه الأمر.
والتقدير والوالدة مأمورة بإرضاعه حولين كاملين إذا أريد إتمام الرضاعة؛ فإذا أرادت الإتمام كانت مأمورة بذلك وكان على الأب رزقها وكسوتها وإن أراد الأب الإتمام كان له ذلك؛ فإنه لم يبح الفصال إلا بتراضيهما جميعا. يدل على ذلك قوله تعالى {لمن أراد أن يتم الرضاعة}. ولفظة (من) إما أن يقال: هو عام يتناول هذا وهذا ويدخل فيه الذكر والأنثى فمن أراد الإتمام أرضعن له. وإما أن يقال: قوله تعالى {لمن أراد أن يتم الرضاعة} إنما هو المولود له وهو المرضع له. فالأم تلد له وترضع له كما قال تعالى: {فإن أرضعن لكم}.

والأم كالأجير مع المستأجر. فإن أراد الأب الإتمام أرضعن له وإن أراد أن لا يتم فله ذلك وعلى هذا التقدير فمنطوق الآية أمرهن بإرضاعه عند إرادة الأب ومفهومها أيضا جواز الفصل بتراضيهما. يبقى إذا أرادت الأم دون الأب مسكوتا عنه؛ لكن مفهوم قوله تعالى {عن تراض} أنه لا يجوز كما ذكر ذلك مجاهد وغيره؛ ولكن تناوله قوله تعالى {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} فإنها إذا أرضعت تمام الحول فله أرضعت وكفته بذلك مؤنة الطفل فلولا رضاعها لاحتاج إلى أن يطعمه شيئا آخر.

ففي هذه الآية بين أن على الأم الإتمام إذا أراد الأب وفي تلك بين أن على الأب الأجر إذا أبت المرأة. قال مجاهد: " التشاور " فيما دون الحولين: إن أرادت أن تفطم وأبى فليس لها وإن أراد هو ولم ترد فليس له ذلك حتى يقع ذلك على تراض منهما وتشاور يقول: غير مسيئين إلى أنفسهما ولا رضيعهما. وقوله تعالى {إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} قال إذا أسلمتم أيها الآباء إلى أمهات الأولاد أجر ما أرضعن قبل امتناعهن: روي عن مجاهد والسدي. وقيل: إذا أسلمتم إلى الظئر أجرها: بالمعروف: روي عن سعيد بن جبير ومقاتل. وقرأ ابن كثير: (أتيتم) بالقصر.
وقوله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} ولم يقل: وعلى الوالد كما قال {والوالدات} لأن المرأة هي التي تلده وأما الأب فلم يلده؛ بل هو مولود له لكن إذا قرن بينهما قيل: {وبالوالدين إحسانا} فأما مع الإفراد فليس في القرآن تسميته والدا بل أبا. وفيه بيان أن الولد ولد للأب؛ لا للأم؛ ولهذا كان عليه نفقته حملا وأجرة رضاعه.
وهذا يوافق قوله تعالى {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} فجعله موهوبا للأب. وجعل بيته بيته في قوله: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} وإذا كان الأب هو المنفق عليه جنينا ورضيعا والمرأة وعاء: فالولد زرع للأب قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فالمرأة هي الأرض المزروعة والزرع فيها للأب وقد {نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره} " يريد به النهي عن وطء الحبالى فإن ماء الواطئ يزيد في الحمل كما يزيد الماء في الزرع وفي الحديث الآخر الصحيح: " {لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يستعبده وهو لا يحل له}؟ " وإذا كان الولد للأب وهو زرعه كان هذا مطابقا لقوله صلى الله عليه وسلم {أنت ومالك لأبيك} "
وقوله صلى الله عليه وسلم {إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه} " فقد حصل الولد من كسبه كما دلت عليه هذه الآية؛ فإن الزرع الذي في الأرض كسب المزدرع له الذي بذره وسقاه وأعطى أجرة الأرض فإن الرجل أعطى المرأة مهرها وهو أجر الوطء كما قال تعالى: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} وهو مطابق لقوله تعالى {ما أغنى عنه ماله وما كسب} وقد فسر {وما كسب} بالولد.
فالأم هي الحرث وهي الأرض التي فيها زرع والأب استأجرها بالمهر كما يستأجر الأرض وأنفق على الزرع بإنفاقه لما كانت حاملا ثم أنفق على الرضيع كما ينفق المستأجر على الزرع والثمر إذا كان مستورا وإذا برز؛ فالزرع هو الولد وهو من كسبه.

وهذا يدل على أن للأب أن يأخذ من ماله ما لا يضر به؛ كما جاءت به السنة وأن ماله للأب مباح وإن كان ملكا للابن فهو مباح للأب أن يملكه وإلا بقي للابن؛ فإذا مات ولم يتملكه ورث عن الابن. وللأب أيضا أن يستخدم الولد ما لم يضر به. وفي هذا وجوب طاعة الأب على الابن إذا كان العمل مباحا لا يضر بالابن؛ فإنه لو استخدم عبده في معصية أو اعتدى عليه لم يجز فالابن أولى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18-05-2022, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (122)

من صــ 149 الى صـ
ـ 156




(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (238)
أمر بالقنوت في القيام لله والقنوت: دوام الطاعة لله عز وجل سواء كان في حال الانتصاب أو في حال السجود كما قال تعالى {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} وقال تعالى {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} وقال {ومن يقنت منكن لله ورسوله} وقال: {وله من في السماوات والأرض كل له قانتون}. فإذا كان ذلك كذلك فقوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} إما أن يكون أمرا بإقامة الصلاة مطلقا كما في قوله: {كونوا قوامين بالقسط} فيعم أفعالها ويقتضي الدوام في أفعالها وإما أن يكون المراد به: القيام المخالف للقعود فهذا يعم ما قبل الركوع وما بعده ويقتضي الطول وهو القنوت المتضمن للدعاء كقنوت النوازل وقنوت الفجر عند من يستحب المداومة عليه.
وإذا ثبت وجوب هذا ثبت وجوب الطمأنينة في سائر الأفعال. بطريق الأولى. ويقوي الوجه الأول: حديث زيد بن أرقم الذي في الصحيحين عنه قال: {كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه إلى الصلاة فنزلت {وقوموا لله قانتين} قال فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام} حيث أخبر أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة. ومعلوم أن السكوت عن خطاب الآدميين واجب في جميع الصلاة فاقتضى ذلك الأمر بالقنوت في جميع الصلاة ودل الأمر بالقنوت على السكوت عن مخاطبة الناس لأن القنوت هو دوام الطاعة فالمشتغل بمخاطبة العباد تارك للاشتغال بالصلاة التي هي عبادة الله وطاعته فلا يكون مداوما على طاعته ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه ولم يرد بعد أن كان يرد {إن في الصلاة لشغلا} فأخبر أن في الصلاة ما يشغل المصلي عن مخاطبة الناس وهذا هو القنوت فيها وهو دوام الطاعة.
ولهذا جاز عند جمهور العلماء تنبيه الناسي بما هو مشروع فيها من القراءة والتسبيح لأن ذلك لا يشغله عنها. ولا ينافي القنوت فيها.
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

نزلت لما أخرت العصر عام الخندق قال النبي صلى الله عليه وسلم {ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس}.
وبهذا يظهر أن الاحتجاج بذلك على أن تارك الصلاة لا يكفر حجة ضعيفة لكنه يدل على أن تارك المحافظة لا يكفر فإذا صلاها بعد الوقت لم يكفر؛ ولهذا جاءت في " {الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قيل: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا} وكذلك لما سئل ابن مسعود عن قوله تعالى {أضاعوا الصلاة} قال هو تأخيرها عن وقتها فقيل له: كنا نظن ذلك تركها فقال: لو تركوها كانوا كفارا.
والمقصود أنه قد يدخل في " الاسم المطلق " أمور كثيرة وإن كانت قد تخص بالذكر.
وقال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية - رحمه الله -:
فصل:

تنازع الناس: أيما أفضل كثرة الركوع والسجود؟ أو طول القيام؟
وقد ذكر عن أحمد في ذلك ثلاث روايات: إحداهن: أن كثرة الركوع والسجود أفضل وهي التي اختارها طائفة من أصحابه. والثانية أنهما سواء. والثالثة: أن طول القيام أفضل وهذا يحكى عن الشافعي. فنقول: هذه المسألة لها صورتان: إحداهما: أن يطيل القيام مع تخفيف الركوع والسجود. فيقال: أيما أفضل؟ هذا أم تكثير الركوع والسجود مع تخفيف القيام؟ ويكون هذا قد عدل بين القيام وبين الركوع والسجود فخفف الجميع.

والصورة الثانية: أن يطيل القيام فيطيل معه الركوع والسجود فيقال:
أيما أفضل؟ هذا أم أن يكثر من الركوع والسجود والقيام؟ وهذا قد عدل بين القيام والركوع والسجود في النوعين لكن أيما أفضل تطويل الصلاة قياما وركوعا وسجودا أم تكثير ذلك مع تخفيفها؟ فهذه الصورة ذكر أبو محمد وغيره فيها ثلاث روايات وكلام غيره يقتضي أن النزاع في الصورة الأولى أيضا. والصواب في ذلك: أن الصورة الأولى تقليل الصلاة مع كثرة الركوع والسجود وتخفيف القيام أفضل من تطويل القيام وحده مع تخفيف الركوع والسجود.

ومن فضل تطويل القيام احتجوا بالحديث الصحيح {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصلاة أفضل فقال: طول القنوت}. وظنوا أن المراد بطول القنوت طول القيام وإن كان مع تخفيف الركوع والسجود وليس كذلك. فإن القنوت هو دوام العبادة والطاعة ويقال لمن أطال السجود: إنه قانت. قال تعالى: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} فجعله قانتا في حال السجود كما هو قانت في حال القيام وقدم السجود على القيام.
وفي الآية الأخرى قال: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ولم يقل قنوتا فالقيام ذكره بلفظ القيام لا بلفظ القنوت.
وقال تعالى: {وقوموا لله قانتين} فالقائم قد يكون قانتا وقد لا يكون وكذلك الساجد. فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن طول القنوت أفضل الصلاة وهو يتناول القنوت في حال السجود وحال القيام. وهذا الحديث يدل على الصورة الثانية وأن تطويل الصلاة قياما وركوعا وسجودا أولى من تكثيرها قياما وركوعا وسجودا؛ لأن طول القنوت يحصل بتطويلها لا بتكثيرها وأما تفضيل طول القيام مع تخفيف الركوع والسجود على تكثير الركوع والسجود فغلط. فإن جنس السجود أفضل من جنس القيام من وجوه متعددة:
أحدها: أن السجود بنفسه عبادة لا يصلح أن يفعل إلا على وجه العبادة لله وحده والقيام لا يكون عبادة إلا بالنية فإن الإنسان يقوم في أمور دنياه ولا ينهى عن ذلك. الثاني: أن الصلاة المفروضة لا بد فيها من السجود وكذلك كل صلاة فيها ركوع لا بد فيها من سجود لا يسقط السجود فيها بحال من الأحوال فهو عماد الصلاة وأما القيام فيسقط في التطوع دائما وفي الصلاة على الراحلة في السفر وكذلك يسقط القيام في الفرض عن المريض وكذلك المأموم إذا صلى إمامه جالسا. كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. وسواء قيل: إنه عام للأمة أو مخصوص بالرسول فقد سقط القيام عن المأموم في بعض الأحوال والسجود لا يسقط لا عن قائم ولا قاعد والمريض إذا عجز عن إيمائه أتى منه بقدر الممكن وهو الإيماء برأسه وهو سجود مثله ولو عجز عن الإيماء برأسه ففيه قولان هما روايتان عن أحمد.
أحدهما: أنه يومئ بطرفه فجعلوا إيماءه بطرفه هو ركوعه وسجوده فلم يسقطوه. والثاني: أنه تسقط الصلاة في هذه الحال ولا تصح على هذا الوجه وهو قول أبي حنيفة وهذا القول أصح في الدليل؛ لأن الإيماء بالعين ليس من أعمال الصلاة ولا يتميز فيه الركوع عن السجود ولا القيام عن القعود بل هو من نوع العبث الذي لم يشرعه الله تعالى.
وأما الإيماء. بالرأس: فهو خفضه وهذا بعض ما أمر به المصلي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: {إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم} وهو لا يستطيع من السجود إلا هذا الإيماء وأما تحريك العين فليس من السجود في شيء. وعلى القولين فقد اتفقوا على أنه لا بد في الصلاة من السجود وهذا يقول الإيماء بطرفه هو سجود وهذا يقول ليس بسجود فلا يصلي. فلو كانت الصلاة تصح مع القدرة بلا سجود لأمكن أن يكبر ويقرأ ويتشهد ويسلم فيأتي بالأقوال دون الأفعال وما علمت أحدا قال إن الصلاة تصح بمجرد الأقوال بل لا بد من السجود.
وأما القيام والقراءة فيسقطان بالعجز باتفاق الأئمة فعلم أن السجود هو أعظم أركان الصلاة القولية والفعلية. الوجه الثالث: أن القيام إنما صار عبادة بالقراءة أو بما فيه من ذكر ودعاء كالقيام في الجنازة فأما القيام المجرد فلم يشرع قط عبادة مع إمكان الذكر فيه. بخلاف السجود فإنه مشروع بنفسه عبادة حتى خارج الصلاة شرع سجود التلاوة والشكر وغير ذلك.
وأما المأموم إذا لم يقرأ فإنه يستمع قراءة إمامه واستماعه عبادة وإن لم يسمع فقد اختلف في وجوب القراءة عليه والأفضل له أن يقرأ. والذين قالوا لا قراءة عليه أو لا تستحب له القراءة قالوا قراءة الإمام له قراءة فإنه تابع للإمام.
فإن قيل: إذا عجز الأمي عن القراءة والذكر قيل: هذه الصورة نادرة أو ممتنعة فإن أحدا لا يعجز عن ذكر الله وعليه أن يأتي بالتكبير وما يقدر عليه من تحميد وتهليل وعلى القول بتكرار ذلك؛ هل يكون بقدر الفاتحة؟ فيه وجهان لقول النبي صلى الله عليه وسلم {إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع} رواه أبو داود والترمذي. قال أحمد: إنه إذا قام إلى الثانية وقد نسي بعض أركان الأولى إن ذكر قبل الشروع في القراءة مضى وصارت هذه بدل تلك. فإن المقصود بالقيام هو القراءة؛ ولهذا قالوا: ما كان عبادة نفسه لم يحتج إلى ركن قولي كالركوع والسجود وما لم يكن عبادة بنفسه احتاج إلى ركن قولي كالقيام والقعود. وإذا كان السجود عبادة بنفسه علم أنه أفضل من القيام.

الوجه الرابع: أن يقال القيام يمتاز بقراءة القرآن فإنه قد نهي عن القراءة في الركوع والسجود وقراءة القرآن أفضل من التسبيح فمن هذا الوجه تميز القيام وهو حجة من سوى بينهما فقال السجود بنفسه أفضل وذكر القيام أفضل فصار كل منهما أفضل من وجه أو تعادلا. لكن يقال قراءة القرآن تسقط في مواضع وتسقط عن المسبوق القراءة والقيام أيضا. كما في حديث أبي بكرة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 366.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 360.23 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]