مكارم الأخلاق - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الينبوع الروحي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الإسلام دين الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 71 - عددالزوار : 18684 )           »          وصايا تربوية وأسرية واجتماعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          بين مالك والليث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 8 )           »          الإسلام في أفريقيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 2881 )           »          قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          المرء مع من أحب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 71 - عددالزوار : 19835 )           »          من حسن إسلام المرء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 14-08-2025, 05:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (10) ‏بذل السلام وحُسن الكلام

‏بينما كنت والإمام نناقش بعض شؤون المسجد، اقترب منا شاب التزم صلاة الجماعة منذ سنة تقريبا.
‏لدي سؤال: ‏قالها بعد أن سلم وقبّل رأس الإمام. ‏تفضل يا (بدر). ‏سمعت حديثا ولم أفهم معناه أو مدى صحته: «أن شرّ الناس من يتركه الناس بسبب فحشه هذا معناه»
‏تولى أمامنا الرد عليه: ‏نعم هذا الحديث متفق عليه ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده فقال - صلى الله عليه وسلم -: «بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة! ثم أذن له فألان له القول، أي حدّثه بكلام جميل ليّن، فلما خرج، قلت يا رسول الله: قلت عنه ما قلت ثم ألنت له القول! فقال: يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه» وفي البخاري «فلما جلس الرجل تطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجه وانبسط له». ‏
هذا الحديث أورده العلماء في باب تجنب الفاحش من الكلام، وهذا الرجل كان معروفا بسوء الكلام والمعاملة؛ فذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - بما كان يعرف به، فهو من الذين يتجنبه الناس لسوء كلامه وفحشه، ومع ذلك أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - واستقبله بطلاقة وجه وحسن كلام.
حسن الكلام وبذل السلام، من مكارم الأخلاق التي بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتممها! شكره (بدر)، تابعت جلستى مع الإمام. - موضوع جميل يصلح لخطبة الجمعة.
- نعم، دعنا نبحث قليلا في الأحاديث المتعلقة به. عن أبي شريح (أو أبى سرح)، قلت يا رسول الله، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: «طيب الكلام (طيِّب الكلام) وبذل السلام وإطعام الطعام» (صحيح الترغيب)، وفى رواية أخرى عن أبي سرح: «قلت يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام» (السلسلة الصحيحة). ( بذل السلام)، نشره وإفشاؤه، كما في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (مسلم).
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام» (السلسلة الصحيحة)، وفي رواية: «أطعموا الطعام وأفشوا السلام تورثوا الجنان» (السلسلة الصحية).
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفشوا السلام تسلموا» (السلسلة الصحيحة).
عقبت على كلام صاحبي. - أحاديث أسمعها أول مرة. - وهكذا طالب العلم، كلما ازداد علما ازداد علما بجهله! وأزيدك حديثا آخر عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام» (صحيح الترمذي).
وآخر حديث عجيب عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «السلام اسم من أسماء الله، وضعه الله في الأرض؛ فأفشوه بينكم؛ فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلّم عليهم فردوا عليه، كان له عليهم فضل درجة بتذكيرهم إياهم (السلام)، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب» (صحيح الجامع).
يقول الإمام مجاهد كان «عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- يأخذ بيدي فيخرج إلى السوق يقول: إني لأخرج ومالي حاجة إلا لأسلم ويسلّم علي! فأعطي واحدة وآخذ عشرا، يا مجاهد إن (السلام) من أسماء الله -تعالى-، فمن أكثر السلام أكثر ذكر الله».
وفي بيان أجر من أطاب الكلام وأفشى السلام، حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن في الجنة غُرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها؛ فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام» (صحيح الترغيب). استوقفت صاحبي..
- حديث: (أفشوا السلام تسلموا)، هل قرأت شيئا في شرحه؟ - نعم، إليك الشرح مباشرة من كتب السنة: أي تسلموا من الإثم أو من نكبات الدنيا ومن أهوال الآخرة، وفضل الله واسع أي تسلموا من كل ما يضركم في الدنيا والآخرة! - أحاديث جميلة في (السلام)، قليل من يعمل بمقتضاها؛ بل إذا عمل بها أحدنا ينكر عليه عامة الناس: (لماذا يمشي ويسلم؟)، نسأل الله العافية.
أراد صاحبي أن يختم حديثنا: - عموما المؤمن لا يصدر منه إلا الكلام الطيب، وكما قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء» (الصحيحة)، كلام المؤمن لين، طيب، خير مع الجميع، حتى مع المخالفين، كما أمر الله -عز وجل- نبيه موسى -عليه السلام- مع فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44).



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 27-08-2025, 04:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (11) إصلاح ذات البين

فصل الصيف في الكويت الأشد على وجه الأرض، ويمتد لأكثر من أربعة شهور، من منتصف مايو إلى سبتمبر! ويسمى فصل الصيف عندنا (القيظ)، ولم أجد أصلا لهذه الكلمة، أما الأقسى في هذه الفترة فهي (جمرة القيظ)، وتمتد من نهاية يوليو إلى الأسبوع الثالث من أغسطس! مع هذه الأجواء الملتهبة، تتعكر النفسيات، وتكثر المشكلات بمختلف أنواعها.

كنت وصاحبي نتريض في أحد مراكز التسوق صباحا قبل أن يبدأ النشاط التجاري للمحلات ويزدحم (المول)؛ لأنه ملاذ الكثيرين في الصيف وإن لم تكن لهم حاجة في السوق! - هل نجحت في الإصلاح بين (أبى خالد) و(أبى محمد)؟! - (أبو محمد) يستجيب، وأبو خالد يتعنت، ولكن لا زلت آمل أن تصفى القلوب وتصدق النيات حتى تتم الألفة بينهما.
- المحزن أنهما من رواد المسجد الذين لا تفوتهم صلاة، الآن كل واحد منهما يصلي في مسجد مختلف.
- إن المرء عندما يقرأ أحاديث السعي في الإصلاح بين الناس لا يملك إلا أن يجتهد في هذا (العمل العظيم)؛ بل الله -عز وجل- أمر المسلمين أن يصلحوا بين المتخاصمين؛ فقال -عز وجل-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأنفال:1).
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله وأن يصلحوا ذات بينهم»، أي لا مساغ للناس سوى التقوى والإصلاح؛ فالمؤمن مطالب قدر جهده أن يصلح بين المتخاصمين سواء كانوا جيرانا، أو أقارب، أو أزواجا، أو أبناء.
هذه سمة عامة بين المسلمين، وهي السعي في الإصلاح بين الناس؛ فهي عبادة عظيمة، إن صدقت النية. في الحديث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين؛ فإن إفساد ذات البين الحالقة» (صحيح الترغيب)، وفي رواية: «لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» (صحيح لغيره).
وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: «ألا أدلك على تجارة؟ قال: بلى، قال - صلى الله عليه وسلم -: صل بين الناس إذا تفاسدوا، وقرب بينهم إذا تباعدوا» (صحيح الترغيب)، وفي رواية: «ألا أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله؟ قال: بلى، فذكره».
- جزاك الله خيرا على سعيك، دعني أشاركك الأجر، وأجمع بينهما في بيتي في الأيام المقبلة، ولكن دعنا نمهد لذلك، فنخبر أبا محمد أن أبا خالد نادم على ما قال: ونخبر أبا خالد أن أبا محمد يذكره بخير، حتى نلين القلوب وتذهب البغضاء. - ذكرتني بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن أم كلثوم بنت عقبة امرأة عبدالرحمن بن عوف وأخت عثمان بن عفان لأمه -رضي الله عنهم- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا » (صحيح الأدب المفرد).
(فينمى)، نقل الحديث بين الناس وبلغه، ومنه النميمة التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
- الأحاديث في الإصلاح بين الناس كثيرة، ويتأكد الإصلاح كلما كانت العلاقة أقرب، كالإصلاح بين الأب وابنه والزوج والزوجة، والأخ وأخيه، والجار وجاره، وهكذا.
- بل وآيات الكتاب تدعو إلى الإصلاح وتنهى عن الإفساد كما في قوله -تعالى-: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:١١٤).
أي: لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح ، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بأنواعه.
ثم استثنى -تعالى- فقال: {إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} من مال أو علم أو أي نفع كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» الحديث.
{أَوْ مَعْرُوفٍ} وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه، وإذا أطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر؛ وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، وأيضا لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر، وأما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي. {أَوْ إِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ} والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشرع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، بل وفي الأديان كما قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} وقال -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} الآية.
وقال -تعالى-: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله.
وكمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص؛ ولهذا قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}؛ فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله -تعالى- ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير؛ ليحصل له بذلك الأجر العظيم؛ وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا؛ لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 03-09-2025, 02:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (12) الصبر

- لا يمكن أن تستقيم حياة أي فرد دون (الصبر)، هذا الخلق يحتاجه المسلم والكافر، التقي والعاصي، إنه عمل قلبي وخُلق أساسي، فلا حياة لمن لا صبر له!ّ - وهل يفهم الكفار معنى الصبر؟ - ربما يضعونه في إطار تجاوز النكبات والمصائب، ولكن المسلم يعلم أنه (عبادة) عظيمة، أجرها لا حدود له، كما قال -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر:10).
إنما العبد يحتاج إلى الصبر في جميع أحواله، وتزداد هذه الحاجة حال المصيبة، ويحتاج العبد إلى الصبر لأداء الطاعات، وترك المنكرات، والتعامل مع البشر، والدعوة إلى الله، وتقلبات الدنيا، فإذا كان ملازما للصبر، متخلقا به، وجده معه حال المصيبة الكبرى (مصيبة الموت)! كنت وصاحبي آيبين من رحلة قصيرة إلى (رأس الخيمة) نشارك أخا لنا توفي والده، استغربنا كثرة بكائه عند القبر! - أظن أن (أبا ناصر) كان متعلقا كثيرا بوالده.
- نعم كان كذلك، فقد لازمه في السنوات الخمس الأخيرة، لدرجة أنه ترك بيته وسكن مع والده، ونقل مركز عمله من الشارقة إلى رأس الخيمة؛ ليكون بجانب والده، ولا يكاد يفارقه؛ بل ويعتني بكل احتياجاته من أكل وشرب وتغيير ملابس وحتى قضاء الحاجة والاستحمام. - جزاه الله خيرا، نعم الولد! وأما بكاؤه فلا أظن أن فيه شيئا مخالفًا للشرع؛ فهو لم يصرخ ولم يشق جيبا ولم يلطم خدًّا.
- ما أكثر أنواع الصبر التي ذكرت في كتاب الله؟! - أظنه الصبر في الدعوة إلى الله -تعالى-، والأذى الذي يلحق المرء إذا هو سلك هذا الدرب؛ فقد أمر الله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالصبر، كما قال -تعالى-: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} (الأحقاف:35)، وقال -سبحانه-: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} (طه:130). وورد الصبر أكثر من مائة مرة في كتاب الله، أمرا وبيانا لحسن العاقبة، وتبشيرا بالأجر، ووعدا بحسن الجزاء في الآخرة! على غير العادة كانت رحلتنا جوا، وذلك لضيق الوقت؛ حيث بلغنا الخبر ليلا فحجزنا أول طائرة في الصباح الباكر؛ لندرك الجنازة. قدم لنا المضيف طبق الفاكهة، وقنينة الماء.
- ماذا قال الشافعي في الصبر؟ - تقصد قوله عن سورة العصر؟ - نعم.
- قال -رحمه الله-: «لو لم ينزل إلى الناس إلاهي لكفتهم»، والمعنى لكفتهم في موضوع الصبر، لا شك في الشريعة جميعها، وذلك أن هذه السورة وصفت جميع البشر بالخسران إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والمرء يحتاج إلى الصبر في الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق. ومن الأحاديث التي لم أكن أعرفها، حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضل الإيمان: الصبر والسماحة» (السلسلة الصحيحة)، في شرح هذا الحديث أن الإيمان إذا أطلق يراد به الدين كله، يحتاج العبد إلى الصبر فيما يتعلق بالله -عز وجل-، والسماحة فيما يتعلق بالخل. والحديث الآخر تعرفه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «الذي يخالط الناس فيؤذونه فيصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (صحيح الجامع).
- دعني أقرأ لك شيئا مما خزنته في هاتفي من كتب ابن القيم.
يقول -رحمه الله- في كتابه (الوابل الصيب) باب (السعادة في ثلاث: شكر النعمة والصبر على البلاء والاستغفار من الذنب): محن من الله -تعالى- يبتلي بها العبد؛ ففرضه فيها (الصبر) والتسلي، والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية، كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحوه؛ فمدار الصبر هذه الأركان الثلاثة؛ فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوبا، فإن الله -سبحانه وتعالى- لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته؛ فإن لله -تعالى- على العبد عبودية الضراء، وله عبودية عليه فيما يكره، كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره تتفاوت فيه مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله -تعالى-.
- كلام جميل، وسؤال خطر على بالي للتو، هل الصبر (صفة أم خلق)؟ أجبته بابتسامة: - هذا سؤال شكلي؛ لأن الصبر درجات ينبغي أن يرتقي العبد فيها ليكتسب لقب (صابر وصبور)، كما أخبر الله -عز وجل- عن عباده المتقين: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (آل عمران).
ومن تصبر، صبرّه الله، فمن لم يكن لديه هذا الخلق، فعليه أن يكتسبه باتباع أوامر الله -تعالى-. - هل تعلم أن لابن القيم -رحمه الله- كتابا بعنوان: (عدّة الصابرين)؟ - نعم ولكن لم أطلع عليه. - دعني أقرأ لك شيئا من مقدمته: «أما بعد فإن الله -سبحانه- جعل الصبر جوادا لا يكبو وصارما لا ينبو، وجندا لا يهزم وحصنا حصينا لا يهدم ولا يثلم؛ فهو والنصر أخوان شقيقان؛ فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد، ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب، وأخبره أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين؛ فقال -تعالى-: {وأصبروا ان الله مع الصابرين}؛ فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمة الباطنة والظاهرة، وجعل -سبحانه- الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين فقال -تعالى- وبقوله اهتدى المهتدون {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة:24).
وأخبر أن الصبر خير لأهله، مؤكدا باليمن؛ فقال -تعالى-: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} (النحل:126)، وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط؛ فقال -تعالى-: {إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران:120)



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 18-09-2025, 07:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (١٣) أَحبَّ لأخيك ما تحب لنفسك

- من الفطرة أن يحب المرء الخير لنفسه، وأن يستأثر بكل ميزة ومنفعة دنيوية لذاته، وهذا الشعور لا شيء فيه؛ بل هو خلق في الجنس البشري كما لوازم الحياة الأخرى من الأكل والشرب والنوم، وجاء الإسلام ليهذب هذه الخصلة الفطرية حتى لا تطغى، فتصبح حسدا، أو عدوانا وظلما، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (متفق عليه)، وفي حديث خالد بن عبدالله القسري عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتحب الجنة؟ قلت نعم، قال - صلى الله عليه وسلم -: أحب للناس ما تحب لنفسك» (السلسلة الصحيحة)، وينبغي التنبيه هنا إلى أن لفظ (لا يؤمن)، و(لا يدخل الجنة)، لا تعني أنه كافر، أو أنه يخلد في النار؛ بل إيمانه لا يكمل، وأنه لا يدخل الجنة ابتداء، دون حساب أو عذاب، فهو نفي لكمال الإيمان، وليس لكل الإيمان. كنت وصاحبي في مسجد في منطقة (صباح الناصر)، أدركتنا صلاة المغرب في طريقنا إلى سوق الخضار الجديد، قررنا البقاء لسماع الخاطرة التي بادر الإمام إلى إلقائها، تابع -جزاه الله خيرا-: - في رواية في مسند أحمد: «حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير»، وهذه خصلة من خصال الإيمان، وخلق من مكارم الأخلاق التي تنبغي أن يدرب المسلم نفسه عليها. و(حب الخير للآخر)، ينبغي أن يتعدى حدود أخوة الرحم، وأخوة الجيرة، وأخوة المسجد؛ ليشمل أخوة الإسلام؛ فيحب لجميع المسلمين ما يحب لنفسه، فهذا الخلق فيه درجات كثيرة يرتقي بها المؤمن بحسب إيمانه، ففي الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فمن سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يأتوا إليه» (صحيح ابن ماجه).
والمرء يستطيع أن يقيس هذه الخصلة في نفسه إن كان صادقا، وذلك بأن يرى مدى سروره إذا أصاب الخير غيره، وإذا نال الترقية زميله، وإذا رزق الله جاره، مالا كثيرا أو منزلا أو حظا وافرا من الدنيا، هل يفرح له كما يفرح لو أنه هو من نال ذلك؟ أظن أن كثيرا منا يتردد أن يقول نعم، ولا بأس بذلك، ولكن إياك وأن تحسده على ذلك! أقول هذا المقياس في الفرح لنيل أخيك شيئا، أحد مقاييس الإيمان في قلبك، عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «ما نزل غيث بأرض إلا فرحت بذلك وليس لي فيها شاة ولا بعير، ولا سمعت بقاض عادل إلا دعوت الله له، وليس لي عنده قضية، ولا مررت بآية من كتاب الله إلا أحببت أن يعلم الناس منها ما أعلم».
بعد انتهاء الخاطرة أدينا سنة المغرب، وتابعنا حديثنا في المركبة. - لقد كانت خاطرة مميزة، رزقنا الله إياها.
- الحمدلله. - إن خلق (حب الخير للآخر)، ربما يبدأ بأن يدرب العبد نفسه ألا يدخل قلبُه شيء من تمني ما يناله الآخرون، بأن يذكر نفسه أن ما ناله غيره إنما كان بأمر الله وقضائه، ولاسيما إذا كان ينافس غيره على مال أو منصب، فما فاته لم يكن مكتوبا له ابتداء، وما ناله غيره كان مقدرا له قبل خلق السماوات والأرض ثم يرتقي، بعد ذلك بأن يبارك لغيره ويدعو له، بصدق، فإن الدعوة للآخرين بالخير، بصدق يزيل ما في القلب من بقايا حسد أو غيره، ويعين على ذلك أن يعلم أن دعوته لأخيه بالخير، ترجع عليه بالخير، كما في الصحيحين يقول الملك (آمين، ولك بمثل).
استدرك علي صاحبي - أظن أن أول قضية ينبغي أن يذكر العبد نفسه بها، أن خزائن الخير كلها بيد الله، يقسمها -سبحانه- بعلمه وحكمته ولطفه، على من يشاء من عباده، فمن أراد الخير، فلينظر إلى السماء، لا إلى ما في أيدي الناس، وليدع الله بما يرد من خير الدنيا والآخرة، ولا ينشغل بما عند الآخرين، وإذا علم أن غيره نال خيرا فليفرح له وليدع له بالبركة والتوفيق، فيكون تعامل العبد مع الخالق لا مع الخلق، وإلا فبداية الحسد، النظر لما عند الآخر، وتمني نيله، ثم ينحدر إلى تمني زواله من غيره ليناله هو، وهذه هي الحالقة، (تحلق الدين) والعياذ بالله. وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يذكر الكبائر فيقول: هي كل ذنب رتب عليه الشارع عقوبة خاصة؛ فكل ذنب لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعله فهو من الكبائر، وكل ذنب فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة فهو من الكبائر، وكل ذنب فيه نفي إيمان مثل: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فهو من الكبائر (أسباب رفع العقوبة- لابن تيمية).
ويقول -رحمه الله- في (رسالة في أمراض القلوب وشفاؤها). وقد قال -تعالى-: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} (النساء).
كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما، فهؤلاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم، بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم! وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها، بل أحبوا أن يكون لهم منها حظ؛ فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم أو شر دنيوي ينصرف عنهم؛ لأنهم لا يحبون الله ورسوله والدار الآخرة، ولو كانوا كذلك لأحبوا إخوانهم، وأحبوا ما وصل إليهم من فضله، وتألموا بما يصيبهم من المصيبة، ومن لم يسره ما يسر المؤمنين ويسوؤه ما يسوء المومنين فليس منهم.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 26-09-2025, 05:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (14) الامتنان

- هو الاعتراف الصادق بالجميل، يبدأ بالقلب ويمر على اللسان، ويترجم بالأفعال، خلق رفيع ينبغي أن يتحلى به المؤمن على الدوام، فيكون ممتنا لله -عز وجل- أولا، ولرسول الله -[- ثانيا، ولكل من له يد عليه، من والدين، وزوج وأخ وقريب أو بعيد، نقيضه النكران، وهو أقبح ما يمكن للعبد أن يتخلق به تجاه من أحسن إليه! وهو خلق اللئام كما قال المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
- أظن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في النساء يمثل هذا الخلق.
- أي حديث تعني؟ - حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُريتُ النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال -[-: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان! لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط!» (متفق عليه).
- أحسنت، نعم خير مثال لجحود خير الآخر.
علّق صاحبي مبتسما: - أراك، أعجبك هذا الحديث! - بل كل أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجبني، وكلها حق نؤمن به.
كنت وصاحبي، في طريقنا لزيارة أحد المسؤولين نشكره على مدرسة إسلامية في تنزانيا.
- كما إن الإمتنان مطلوب؛ فالمنّة مذمومة؛ فلا ينبغي لأحد أن يمنّ على أحد إذا عمل له المعروف، كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (البقرة:264).
استدركت على صاحبي - والآيتان قبلها تكملان المعنى. - {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (البقرة).
- نعم الشاهد أن العبد ينبغي أن يعترف بإحسان من أحسن إليه ويقر بهذا في قلبه، ويشكره بلسانه، ويكافئه بعمله، كما في حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه» (صحيح أبي داود)، وأقله أن يقول له: «جزاك الله خيرا» بصدق، كما في الحديث عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صُنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء» (السلسلة الصحيحة).
وهذا الشكر للناس، إنما هو جزء من شكر الله -عز وجل-، وهدي في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن مكارم الأخلاق، كما في حديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» في رواية أخرى: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» (صحيح أبي داود).
- نعم، وشكر الناس والاعتراف لهم بإحسانهم يورث المحبة والرضا عند الناس، ونكران الجميل يورث القطيعة والكُره بين الناس ولا ينكر المعروف إلا لئيم مكابر، فاقد لمكارم الأخلاق، التي أمرنا بها.
وصلنا إلى مكتب صاحبنا الذي نريد، لم تدم زيارتنا له أكثر من عشر دقائق، بكل ما فيها من ضيافة وترحيب، أبدى تقديره لزيارتنا وترحيبه بأي مساعدة أخرى يستطيع أن يقوم بها.
- إن شعور الامتنان يملأ القلب راحة وطمأنينة، ورضا وقناعة، ابتداء من شعور الامتنان لله -عز وجل- بما تفضل به علينا من نعم لا نحصيها، ينبغي أن يذكر أحدنا نفسه كل يوم بنعم الله عليه، يستيقظ بهذا الشعور، ويأوي إلى فراشة بهذا الشعور، ويعيش يومه كله ممتنا لله -عز وجل- على نعمه، ويشعر بالامتنان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كان سببا للهداية إلى الحق، والنجاة من النار، والفوز بالجنة، ولا تزال سنته سببا للثبات على الحق، ويوم القيامة، تتم النعمة بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الشعور بالامتنان للوالدين، وشكرهما مقرون بشكر الله.
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14)، وللزوجة أولى الناس بشعور الامتنان هو زوجها، فتحذر أن تكون ممن يكفرن العشير.
- وماذا عن قول الله -تعالى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران:164)؟ وَجْهُ مَنِّهِ -تعالى- بالرسول ظاهر؛ لأنه داع إلى ما ينجيهم من المخاوف، وهاد إلى ما هو محبوهم، ووجه الامتنان بكون الرسول من أنفسهم عُلِمَ مما مر آنفا من سهولة فهم نبوته وأخذ شريعته وجميع أحواله؛ فالامتنان هنا بشيئين: أصل الرسالة والمجانسة، بل فيه إشارة إلى أعظمية المجانسة في المنّة؛ لما ذكر من أن المقصود بالإفادة في الكلام المقيد هو باعتبار قيده {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} ليهديهم إلى صراط سوي {ويزكيهم} يطهرهم من نجس الكفر ودنس المعصية، ووسخ الخبائث، وفحش الطباع، وسوء الاعتقاد.
ولابن القيم كلام رصين في (الفوائد)؛ إذ يقول: «النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظَرَة يرجوها، ونعمة هو فيها ولا يشعر بها».
وتمام النعمة الأولى يكون بالشكر عليها، أما الثانية فيكون بالدعاء والاجتهاد بالطاعة، في حين أن الثالثة هي خلاصة الامتنان، وثمرة باطنة بين العبد وربه.
حين تستشعر الامتنان فإن أداءك للفرائض لا يعكس امتثالا للشريعة فحسب، بل يصبح سعيا نحو المزيد من القرب، وتغذية الروح بما ترمي إليه الجوارح من معاني المحبة والتذلل والخضوع، وحين يغمرك الامتنان يتملك نفسك توق شديد للتضحية بكل شيء في سبيل مرضاته -تعالى-، ولا يكون حالك في الدنيا إلا كحال الراكب استظل بظلّها ثم ارتحل! وأكد الله -سبحانه- في سورة الرحمن بالآية المباركة: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، قاعدة عامة في الامتنان، لا جزاء للإحسان إلا بالإحسان.
اعداد: د. أمير الحداد



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 08-10-2025, 11:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (١٤) الرجوع إلى الحق


  • قليل من الناس من يتراجع عن مواقفه، إن كانت خطأ، حتى بعد أن تقام عليه الحجة البينة، ويعد ذلك نوعا من (الضعف)، الذي لا يرضاه لنفسه.
  • بل هو (الكبر)، والعياذ بالله، بصريح حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الكبر بطر الحق وغمط الناس»، عن ابن مسعود (رواه مسلم). لو أقسم المسلم على أمر ورأى خيرا منه، يرجع عن قسمه كما في الحديث المتفق عليه: «وإذا حلفت على فإنه يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير». هكذا هو هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - وشريعتنا، (الرجوع إلى الحق، وقبوله، والعمل بمقتضاه).
  • مع الأسف، يغفل عن هذا من يأخذ الدين تقليدا، وعادة دون علم وتربية وفق شريعة الله -تعالى-.
كنت وصاحبي نتحاور بعد أن أخبرني أن أحد معارفه حلف ألا يجتمع مع إخوانه، ولا يدخل بيتهم؛ لأن والدته تنازلت عن منزلها لأصغر الإخوان، وأتمت نقل ملكيته قبل وفاتها!
  • إن المرء قد يجانب الحق جهلا، فإذا ذكّر وتعلم رجع، ولكن من يترك الحق كِبرا، لا يرجع وإن ذكر، تعرف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم عن ذاك الرجل الذي أكل بشماله عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: «كُل بيمينك»؛ فقال الرجل: لا أستطيع (قالها تكبرا) فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا استطعت»، فما رفعها إلى فيه (فمه)، شلت يده.
  • أعوذ بالله من التمادي في الباطل والإعراض عن الحق، كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل)، هذا العناد، أدى بهم إلى الكفر، ثم الخلود في جهنم والعياذ بالله-. هل حاولت التواصل مع ذاك الذي قاطع إخوانه؟! - نعم، والحادثة مضى عليها أكثر من عام كامل، وهو مُصرٌّ على موقفه، يقول: «لن أكسر كلمتي»! مع أنه لا يترك صلاة، ولا تفوته جمعة!
  • عسى الله أن يهديه، ويشرح صدره للحق، والرجوع إليه، فإن الإصرار على الباطل، خلق سيئ يذهب الحسنات، ويبعد المرء عن طاعة الله، وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» (متفق عليه)، وهنا تحضرني خاطرة في واقعة الإفك التي برأ الله فيها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ذلك أن أحد الذين شاركوا في نشر تلك الأقوال الباطلة، مسطح بن أثاثة، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ينفق عليه، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه بعد ما نزل من القرآن في براءة ابنته، فنزل قول الله -تعالى-: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور:22)، فقال - رضي الله عنه -: «بلى والله إني لأحب أن يغفر لي»، وكفرّ عن يمينه وأرجع النفقة إلى مسطح وقال: «والله لا أنزعها منه أبدا».
  • لا شك أن الصحابة وقافون عند كتاب الله -تعالى- وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ ففي البخاري أن عيينة بن حصن نزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - رضي الله عنه -؛ فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: فاستأذن لعيينة؛ فلما دخل عليه قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل وما تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر - رضي الله عنه - حتى همّ بأن يقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله -تعالى- قال لنبيه {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف:199)، وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله»، وهكذا كان جميع الصحابة -رضي الله عنهم-، ربما يغفل أحدهم ولكنه إذا ذكر رجع إلى الحق، ولم يتعداه. إن التسليم بالخطأ شاق على النفس، يحتاج إلى تجرد لله وصدق وإخلاص، وتذكير بالأجر والثواب، والإثم والعقاب، وتعوذ من الشيطان الرجيم، الذي يغوي ابن آدم ويغريه، ألا يتنازل عن مواقفه.
  • إن كتاب الله -تعالى- وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مليئة بأمثلة للرجوع إلى الحق، والاعتراف بالذنب، فهذا أبونا آدم وزوجه، اعترفا بالخطيئة وتابا: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف:23)، وهذا نبي الله يونس -عليه الصلاة والسلام- يعترف بخطئه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء:87)، وسحرة فرعون لما تبين لهم الحق، سجدوا مباشرة، إيمانا بالله: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الشعراء) مع أنهم قبل ذلك قالوا. {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} (الشعراء:44).
أما الكفار والمعاندون والجاحدون فلا يرجعون إلى الحق، وإن تبين لهم بل قوله كما في سورة الأنفال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الأنفال)، وكان الأولى والأعقل والمنطقي أن يقولوا: «إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه واشرح صدورنا له»! وأمثله ذلك في السنة النبوية كثيرة جدا؛ فها هو ذا النبي - صلى الله عليه وسلم - معلم البشرية ومربيها -على مثل هذه الآداب والفضائل - يرجع إلى قول امرأة يهودية، بعد أن تبين له بالوحي صحة قولها: «بأن أهل القبور يفتنون في قبورهم، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرت أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إنما تفتن يهود». قالت عائشة: فلبثنا ليالي. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور؟» قالت عائشة: فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد يستعيذ من عذاب القبر» (رواه مسلم)، وعندما رأى ابن مسعود - رضي الله عنه - خبابا - رضي الله عنه - وعليه خاتم من ذهب - قال له: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ فقال خباب: أما إنك لن تراه علي بعد اليوم فألقاه» (رواه البخاري). كان خباب - رضي الله عنه - يعتقد أن النهي عن لبس الرجال خاتم الذهب للتنزيه ، فنبهه ابن مسعود - رضي الله عنه - على تحريمه، فرجع إليه مسرعا. ومثل هذا؛ ما جاء من رجوع عمر - رضي الله عنه - وتسليمه بحديث الاستثذان ثلات، فإن أذن لك؛ وإلا فارجع» (رواه البخاري). بعد أن أنكره على أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، فلما تثبّت عُمرُ من الخبر، وجاءه أبو سعيدٍ - رضي الله عنه - وأخْبره بِصِحة ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عُمرُ - رضي الله عنه -: «ما كُنْتُ علِمْتُ هذا» (صحيح - رواه الترمذي).


اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 29-10-2025, 01:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق .. ترك الجدال

لأكثر من اثنتي عشرة سنة، اعتزلت (الدواوين) العامة، وهي مجالس اشتهر بها أهل الكويت، يجتمعون مرة أو مرتين في الأسبوع، يتحدثون عن كل شيء، والكل يدلي بدلوه في القضايا العامة والأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، وفي نهاية الأمر يذهب كل واحد إلى حال سبيله! كانت الدواوين سابقا -أعني قبل ثلاثين أو أربعين سنة- محدودة، وتقتصر على فئة لها ثقلها في المجتمع، أما الآن فأصبح كل مجموعة من الشباب يجتمعون كل أسبوع في مجلس أحدهم، يلعبون، ويشاهدون المباريات، ويتجادلون، وربما يقضون الليل كله إلى ما بعد الفجر، دون فائدة.
في هذه المجالس، تجد دائما نمطا للحاضرين، بعضهم يستمع لا يتحدث، وبعضهم يكثر من النكت ليضحك الآخرين، وبعضهم يناقش ويجادل في المواضيع المطروحة، ولا يرضى إلا أن يثبت صواب رأيه، وبعضهم يتحدث فيما يعلم ويسكت فيما لا يعلم، وبعضهم يحضر للأكل والشرب.
صاحبي من النوع الثالث، يجادل في كل شأن، حتى أقعده المرض، فاعتزل هذه المجالس في السنتين الأخيرتين، زرته في منزله وكان قد أخذ الجرعة الثانية من العلاج الكيماوي! - هل تعرف يا (أبا معاذ) أكثر ما أندم عليه؟! أندم على الساعات الطويلة التي كنت أقضيها في جدال الآخرين، بالحق والباطل، في فترة مرضي استمعت إلى القرآن والأحاديث، ولاسيما في السنة الأولى التي قضيتها في العلاج، وأتحسر كم فاتني من الأجر! وكم جمعت من الوزر! - لا عليك يا (أبا ناصر)، كنت تنقل كلام من تسمعهم من مختصين يحضرون للتسجيل في برنامجك الإذاعي.
- هذا صحيح، ولكن الجدال لا ينبغي، سمعت شيخا يذكر حديثا صحيحا عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه».
- نعم هذا الحديث في صحيح أبي داود وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة.
- وأنا ربما كنت أكثر الحضور جدالا مع الأسف! أسأل الله العفو والمغفرة، لقد كان طبعا سيئا، حتى مع إخواني وربما مع والدي ووالدتي أحيانا، أجادلهم في كل شيء، ولكن الله نبهني قبل فوات الأوان، فمنذ عرفت بمرضي، عاهدت الله -تعالى- أن أترك كل ما لا يرضيه، وألتزم بما يرضيه، قدر استطاعتي، وإني صادق -إن شاء الله-.
- إن الله يعلم صدقك، ويقبل عذرك، وأسأله أن يتم عليك الشفاء والعافية، والأحاديث في ترك الجدال كثيرة، ولاسيما في القضايا الشرعية؛ فلا ينبغي أن يجادل فيها الإنسان أو يماري إلا أن يكون نقاشا علميا على أسس شرعية، يقول عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله فإنه يدوم ويبقى وينفد ما سواه».
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}» (صحيح الترغيب).
وفي اللغة (المراء)، من مريت الشاة، إذا حلبتها واستخرجت لبنها، و(الجدل)، اللد في الخصومة والقدرة عليها وجادله أي خاصمه، قال الجرجاني: «الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد بحجة أو شبهة»، و(المراء) الجدال: والمماراة المجادلة على مذهب الشك والريبة، وهو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه والباعث على ذلك الترفع. قاطعني (أبو ناصر).
- هذه الأخيرة أظنها الأقرب إلى الصواب؛ لأن دافع كل طرف أن يبين غلط الآخر، ويترفع عليه! وأسأل الله العفو والمغفرة.
- وفي الحديث الآخر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المراء في القرآن كفر» (صحيح الترغيب).
وعن جندب بن عبدالله - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه» (متفق عليه).
قال النووي: «والأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمود عند العلماء على اختلاف لا يجوز أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز، كاختلاف في القرآن نفسه أو في معنى منه لا يسوغ الاجتهاد فيه، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة أو خصومة أو شجار أو نحو ذلك». وفي تفسير السعدي عند قوله -تعالى-: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} (الكهف:22).
أي لا تجادل وتحاج فيها إلا مبنيا على العلم واليقين، ويكون أيضا فيه فائدة: أن المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب أو التي لا فائدة منها ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها كعدد أصحاب الكهف ونحو ذلك، فإن كثرة النقاش فيها تضييع للوقت.
وقد كان السلف الصالح يحذرون جدال أهل البدع والجلوس إليهم! أما الدعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق لبيان الحق لا لمحض الجدال والمغالبة، فإن ذلك مطلوب ليس مذموما، ولكن ينبغي أن يكون بالأسلوب الأفضل، كما أرشد القرآن الكريم إليه {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125)، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت: 46), وهكذا كان أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كل من يدعوه من قريش وغيرهم كما هو معلوم.
وفي الحديث عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون» (السلسلة الصحيحة).



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 04-11-2025, 05:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق .. كفّ الأذى

هناك بعض الأشخاص يتجنبهم الناس لسوء خُلقهم وسلاطة ألسنتهم؛ فطلبت من خطيبنا أن يكون موضوع خطبته (كف الأذى)؛ فكان مما ذكره -جزاه الله خيرا-: - إن كف الأذى عن كل مسلم عبادة جليلة، دلّ الكتاب والسنة على فضلها وعِظم منزلتها، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قلنا يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال - صلى الله عليه وسلم-: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» (متفق عليه) وفي صحيح الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتناجى اثنان دون واحد؛ فإن ذلك يؤذي المؤمن، والله -عز وجل- يكره أذى المؤمن» (صححه الألباني)، والشاهد (أن الله -عز وجل- يكره أذى المؤمن). كانت خطبة قصيرة ماتعة، اجتمعنا بعدها في مكتبة (أبو عبدالله) كعادتنا عقب كل جمعة. - لقد أجاد وأصاب أبو عمر في خطبته.
- لعل هؤلاء يتعظون، دعونا نسترجع بعض ما ورد في الخطبة. عن أبي ذر قال: قلت: يا نبي الله أي العمل أفضل قال - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قال: قلت: أي الرِقاب أفضل يا نبي الله؟ قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا، قال: قلت: أرأيت إن لم أفعل، قال: تعين ضعيفا أو تصنع لأخرق، قال: قلت: أرأيت إن ضعفت، قال: تكف شرك عن الناس فإنه صدقة منك على نفسك» (متفق عليه) وفي الصحيحين: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».
- كف الأذى عبادة يؤجر عليها العبد، كما أنه يأثم إذا آذى إخوانه، وحديث الصوامة القوامة معروف رواه الإمام أحمد في مسنده، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قال رجل يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال - صلى الله عليه وسلم -: هي في النار، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الإقط ولا تؤذي جيرانها، قال: هي في الجنة» (صحيح الترغيب).
شاركنا المجلس مؤذننا (أبو أحمد)، قبل أن يأخذ مجلسه، أدلى بدلوه، وحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جَوف رَحله»، ونظر ابن عمر -رضي الله عنهما- إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وما أعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك!» الترمذي (صححه الألباني).


- أحسنت يا أبا أحمد، وحديث المفلس يعرفه الجميع، وهو في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:« أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».
- المشكلة أن الأذى المعنوي أشد من الأذى البدني، أذى اللسان أشد من أذى اليد، الغيبة والنميمة والسب والقذف والسخرية وشهادة الزور واللغو، كل هذا مصدره اللسان، وهي من الذنوب التي لا تغفر يوم القيامة، وإنما مدارها على المقاصة كما في حديث المفلس، وهي من الذنوب التي لا ينتبه لها كثير من المسلمين؛ وبذلك نفهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، في حديث معاذ، قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير؛ فقلت يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجلِ فِي جوفِ الليلِ، ثم قرأ قوله -تعالى-: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟ فقلت له: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كف عليك هذا؛ فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم في النار، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟» (السلسلة الصحيحة).
قال ابن عثيمين في (مكارم الاخلاق): أما حُسن الخلق مع المخلوق فعرّفه بعضهم بأنه كفّ الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.
ويذكر ذلك عن الحسن البصري -رحمه الله-، معنى كف الأذى: أن يكف الإنسان أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن غيره فليس بحسن الخلق، بل هو سيئ الخلق، وقد أعلن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرمة أذية المسلم بأي نوع من الإيذاء، وذلك في أعظم مجمع اجتمع فيه بأمته؛ حيث قال: «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» (البخاري).
إذا كان رجل يعتدي على الناس بأخذ المال، أو يعتدي على الناس بالغش، أو يعتدي على الناس بالخيانة، أو يعتدي على الناس بالضرب والجناية، أو يعتدي على الناس بالسب والغيبة والنميمة، لا يكون هذا حسن الخلق مع الناس؛ لأنه لم يكف أذاه، ويعظم إثم ذلك كلما كان موجها إلى من له حق عليك أكبر، فالإساءة إلى الوالدين مثلا أعظم من الإساءة إلى غيرهما، والإساءة إلى الأقارب أعظم من الإساءة إلى الأباعد، والإساءة إلى الجيران أعظم من الإساءة إلى من ليسوا جيرانا لك؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن! قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه» (متفق عليه).
معنى بذل الندي: الندى هو الكرم والجود، يعني: أن تبذل الكرم والجود، والكرم ليس كما يظنه بعض الناس أنه بذل المال فقط، بل الكرم يكون في بذل النفس وفي بذل الجاه، وفي بذل المال، وفي بذل العلم. وعن الحسن البصري أنه كان بمكة وكثر الناس عليه؛ فقال: أيها الناس، إن سرّكم أن تسلموا ويسلم لكم دينكم، فكفوا أيديكم عن دماء الناس، وكفوا ألسنتكم عن أعراضهم، وكفوا بطونكم عن أموالهم.
واعلم: أن حسن الخلق مع المرأة ليس كفّ الأذى عنها فحسب، بل باحتمال أذاها، والحلم على طيشها وغضبها! وذلك اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ففى (الصحيحين)، من حديث عمر - رضي الله عنه - أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. والحديث مشهور.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 13-11-2025, 02:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق .. التواضع

«رأس التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا؛ حتى تعلمه أن ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل» عبدالله المبارك.
- عبارة جميلة، لإمام عالم عامل، ولأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة: التواضع»، وعن يحيى بن أبي كثير: «أفضل الأعمال الورع وأفضل العبادة التواضع»، وفي بيان قول الله -تعالى-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان:63)، يقول ابن القيم -رحمه الله-: «أي سكينة ووقارا متواضعين غير أشرين».
كنت وصاحبي أستاذ الشريعة، في طريقنا لقضاء حاجة صبيحة يوم السبت، قررنا أن نتناول طعام (الصبحية) في أحد المجمعات.
- عجبت لأمر هذا الإنسان، ينقلب حاله بين يوم وليلة؛ لأنه عيّن في منصب رفيع، أو أزيل من هذا المنصب، ألم تلاحظ ذلك في بعض الناس الذين تعرفهم؟! - بلى ولا نستطيع التعميم، ولكن نعم هذا حال كثير من الناس، يرى نفسه من خلال ماله، أو منصبه، أو عشيرته، أو غير ذلك من أمور الدنيا، ويستثنى من ذلك عباد الله المؤمنين! - إن التواضع عبادة عظيمة، يبدأ بالتواضع لأوامر الله -عز وجل-، وكتاب الله -تعالى-، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكون خلقا مع الناس جميعا ولاسيما من هم أضعف، وقد أمر الله -تعالى- به هذه الأمة من خلال خطاب نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الحجر:88)، قال القرطبي: «ألن جانبك لمن آمن بك، وتواضع لهم».
- بلغنا المكان الذي نريد، مطعم إفطار تركي متكامل، بخمسة دنانير للشخص، لا حاجة أن تطلب شيئا سوى طريقة عمل البيض.
تابعنا حديثنا: - وكذلك قوله -تعالى في وصف المؤمنين-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (المائدة:54).
في تفسير ابن كثير: «هذه صفات المؤمنين الكمل، أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه»، وكذلك في وصف الفائزين يوم القيامة.


{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:83).
- وماذا عن حديث من تواضع رفعه الله؟ - نعم هذا الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله -عز وجل-» (مسلم)، يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «والتواضع وعدم التكبر من أسباب الرفعة في الدنيا والآخرة».
ويقول القاضي عياض: «فيه وجهان: أحدهما أن الله -تعالى- يمنحه ذلك في الدنيا جزاء على تواضعه، فيثبت له في القلوب محبة ومكانة وعزة، والثاني: أن يكون ذلك ثوابه في الآخرة على تواضعه»، وقول الشيخ ابن باز -رحمه الله- أشمل؛ ففضل الله واسع! وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه خطبهم فقال: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد».
- وهل الحديث في ترك اللباس الثمين للتواضع والزهد صحيح؟! - نعم، الحديث عن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره أي حلل الإيمان شاء يلبسها» (رواه الترمذي وقال الألباني: حسن لغيره).
- سبحان الله! لم أكن متأكدا من هذا الحديث. - في (تطريز رياض الصالحين)، في هذا الحديث فضيلة ترك الفاخر من اللباس تواضعا لله، (أي بنية التواضع لله والزهد في الدنيا)، وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي قال: ذكر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما عنده الدنيا فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا تسمعون ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان» (صحيح أبي داود).
استدركت على صاحبي: - وكيف نوفق بين هذا وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب أن يُرى أثر نعمته على عبده»، عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- (صحيح البخاري). - في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب أن يرى»: بصيغة المجهول أي يبصر ويظهر أثر نعمه: أي إحسانه وكرمه -تعالى- على عبده: فمن شكرها إظهارها، ومن كفرانها كتمانها.
قال المظهر: «يعني إذا آتى الله عبدا من عباده نعمة من نعم الدنيا فليظهرها من نفسه، بأن يلبس لباسا يليق بحاله، لإظهار نعمة الله عليه، وليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات، وكذلك العلماء يظهرون علمهم ليستفيد الناس منهم» اهـ. فإن قلت: أليس قد حث على البذاذة؟ قلت: إنما حث عليها لئلا يعدل عنها عند الحاجة، ولا يتكلف للثياب المتكلفة كما هو مشاهد في عادة الناس، حتى في العلماء والمتصوفة، فأما من اتخذ ذلك ديدنا وعادة مع القدرة على الجديد والنظافة، فلا؛ لأنه خسة ودناءة، ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البيهقي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -تعالى- يحب المؤمن المتبذل الذي لا يبالي ما لبس» (رواه الترمذي): وكذا الحاكم عن ابن عمر.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «وهذا يعني أن الإنسان إذا كان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع، فتواضع وصار يلبس مثلهم، لئلا تنكسر قلوبهم، ولئلا يفخر عليهم، فإنه ينال هذا الأجر العظيم، أما إذا كان بين أناس قد أنعم عليهم، ويلبسون الثياب الرفيعة لكنها غير محرمة، فإن الأفضل أن يلبس مثلهم؛ لأن الله -تعالى- جميل يحب الجمال، ولا شك أن الإنسان إذا كان بين أناس رفيعي الحال، يلبسون الثياب الجميلة، ولبس دونهم فإن هذا يعدّ لباس شهرة؛ فالإنسان ينظر ما تقتضيه الحال».



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 138.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 133.57 كيلو بايت... تم توفير 5.36 كيلو بايت...بمعدل (3.86%)]