إنه ينادينا - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 619 - عددالزوار : 200081 )           »          فوائد النماذج المضادة في تعزيز التعلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وقفات مع سورة الكهف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 9 )           »          كيف تكون التوبة من عوامل نجاح الحياة على الأرض؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التربية بوعي واستمتاع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مالي وللناس؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التعلق المرضي ليس حبًّا .. فكيف نفرق بين الحب والتعلق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          في سؤال التغيير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من “اللفيف” في الفقه الإسلامي إلى ” المحكمين” (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فتنة الأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 20-06-2025, 03:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,512
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إنه ينادينا

سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (11)

الدكتور عثمان قدري مكانسي




القسم الحادي عشر


بسم الله الرحمن الرحيم​
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}(البقرة).
اقتتل قبل الإسلام بقليل حيان من العرب ، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يُقتل بالعبد منا الحرُّ منهم والمرأةِ منا الرجلُ منهم فنزل فيهم: { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ }، ثم نسخت بقوله تعالى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}(المائدة).

عن ابن عباس في قوله { وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ } وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم .وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } ، وروى القرطبي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي بالمرأة
ذهب أبو حنيفة إلى أن الحر يُقتل بالعبد لعموم آية المائدة وإليه ذهب الثوري وغيره ،قال البخاري وجماعة : يقتل السيد بعبده لعموم حديث الحسن عن سمرة ( من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن أخصاه أخصيناه ) وخالفهم كثيرون، فقالوا لا يقتل الحر بالعبد لأن العبد سلعة لو قتل خطأ لم يجب فيه دية وإنما تجِبُ فيه قيمته .

وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يقتل مسلم بكافر ) ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا
ومذهب الأئمة الأربعة والجمهور أن الجماعة يقتلون بالواحد : قال عمر في غلام قتله سبعة فقتلهم وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم ولا يعرف له في زمانه مخالف من الصحابة وذلك كالإجماع وخالفهم ابن الزبير ومروان بن الحكم والإمام أحمد وغيرهم.

وقوله تعالى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } دعوة إلى العفو وقبول الدية بعد استحقاق الدم وهنا يأتي الاتباع بالمعروف والإحسان إلى القاتل
عن ابن عباس قال : كتب على بني إسرائيل القصاص في القتلى ولم يكن فيهم العفوُ فقال الله لهذه الأمة { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، ذلك تخفيف مما كتب على بني إسرائيل من كان قبلكم { ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } فرحم الله هذه الأمة وأطعمهم الدية ولم تحل لأحد قبلهم
فكان لأهل التوراة قصاصٌ وعفو ليس بينهم أرش ( أقلُّ من الدية ) وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به وجعل لهذه الأمة القصاص والعفو والأرش.
العفوُ: في اللغة البذل. قال تعالى :{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}(الأعراف) ولهذا يقول العلماءُ : خذ العفوَ وما سَهُل . والإحسان صدقة والصدقة هنا كفارة كما أن تساقط الديات بين الأطراف مقاصّة. فكانت الديّة تخفياً من الله تعالى عن المسلمين.

{ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } إن من يقتل بعد أخذ الدية أو قبولها فله عذاب من الله أليم موجع شديد. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها ) روى الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية ) يعني لا أقبل منه الدية بل أقتله .
يذكر القرطبي رحمه الله تعالى: أن كثيراً من العلماء استدلوا على قتل المسلم بالذمي في أنه إذا سرق المسلم مال الذمي قطعت يده ولأن الذمّيّ آمن في البلد الإسلامي فحقوقه حقوق المسلم. وقال: فلا يصح في الباب إلا حديث البخاري , وهو يخصص عموم قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } الآية , وعموم قوله : { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } .

ومن روائع بيان القرآن الكريم قوله { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } فقتل القاتل حكمة عظيمة وهي بقاء المهج وصونها فإذا علم القاتل أنه يقتل كفَّ عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس ، قالت العرب : (القتل أنفى للقتل) فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ }، قال أبو العالية جعل الله القصاص حياة ،فكم من رجل يريد أن يقتل فيمتنع مخافة أن يقتل وما ينتهي عن ذلك إلا أولو الألباب وأصحاب العقول.

يقول القرطبي أن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر , مخافة أن يقتص منه فحيَيا بذلك معا . وكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير , فلما شرع الله القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال , فلهم في ذلك حياة . كما أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقـَّه دون السلطان , وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض , وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك , وجعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض . كما يُقتص من السلطان نفسه إن تعدى على أحد من رعيته فهو واحد منهم , وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل , وذلك لا يمنع القصاص , وليس بينهم وبين العامة فرق في أحكام الله عز وجل , لقوله جل ذكره : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } , وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملا قطع يده : لئن كنت صادقا لأقيدنك منه , وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا إذ أكب عليه رجل , فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه , فصاح الرجل , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعال فاستقد ) . قال : بل عفوت يا رسول الله .

وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ألا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه , فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين , لئن أدَّب رجل منا رجلا من أهل رعيته لتقصنه منه ؟ قال : كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه , ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم , فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه , وذكر الحديث بمعناه .

إن مِن أولي الألباب من يتفكر ويتدبر ويعمل بكتاب الله تعالى في نفسه وأهله ومجتمعه بتقوى الله ، ليبني مجتمعاً مسلماً يشهد التاريخ والعالم كله بعدله وحضارته.

إنه – سبحانه - ينادينا ، فهل نعي ذلك
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 20-06-2025, 03:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,512
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إنه ينادينا

سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (12)

الدكتور عثمان قدري مكانسي





القسم الثاني عشر*

في سورة آل عمران نداء لأهل الكتاب قبل نداء المؤمنين، فعلى أهل الكتاب إذا جاءهم رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أن يتبعوه
يتجلى هذا النداء في ثماني آيات تدعو أولاها إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده ،{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}.
وفي ثانيها ردّ على مزاعم أهل الكتاب من النصارى واليهود إذ يدّعي كل من الفريقين أن إبراهيم عليه السلام كان منه، وإبراهيم عليه السلام كان قبل موسى عليه السلام بألف وسنة وجاء عيسى عليه السلام بعد موسى بألف سنة ، فكيف يكون إبراهيم يهوديا أو نصرانياً ؟ ما يقول بهذا عاقل:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}.
وفي ثالثها يعيب على أهل الكتاب كفرهم وهم يشهدون الحق في كتبهم فيعرضون عنه :
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}.
وفي رابعها تراهم يخلطون بين الحق والباطل ليفسدوا الأمور ويكتموا الحقيقة التي يعلمونها ضمناً فياتي النداء يتبعه الاستفهام يقرّعهم ويؤنبهم:
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}.
ويوبخهم المولى تعالى في خامسها على كفرهم بآيات الله وتكذيبها ، دون أن يكترثوا بمتابعة الله تعالى لهم وإحصائه ما يفعملون، فالله تعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة مما يعملون:
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ (98)}.
وتراهم في آخر نداء أهل الكتاب يصدون الناس عن الإيمان بالله ورسوله ، ويحبذون حياة الغي والفساد على الرغم أن كتبهم تشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الرسل الذي بشرت به رسلهم.
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)}.
ثم ينتقل القرآن الكريم إلى تنبيه المسلمين إلى وجوب التمسك بدينهم وعدم طاعة المشركين من اليهود والنصارى كي لا يرتدوا كفاراً مثلهم ، فالطاعة عبادة ، ومن أطاع غير الله ورسوله انحرف عن طريق الهداية وعبَدَ الطاغوت:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)}.
قد يتساءل بعضنا : فينا كتاب الله نغترف من معينه ونعمل بهديه ونعيش بنوره ، لكنْ كيف يكون رسول الله فينا وقد انتقل إلى ربه منذ قرون طويلة ؟
والجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا في سيرته المطهرة وحديثه العطر المدوّن حتى صار أحدُنا يعرف عن نبيّه دقائق حياته الشريفة اكثر بآلاف المرات مِمّا يعرف عن أبيه الذي عايشه وصاحبه ، إنه معنا بما تعلمْنا من أحواله التي أوصلها إلينا صحابتُه الكرام، نتابعه في سلمه وجهاده ،صباه وشبابه وكهولته ، طعامِه وشرابه، ليلِه ونهاره،مع ضيوفه وآل بيته ، وكأننا نراه صلى الله عليه وسلم بيننا:
{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}.
روى البخاري عن مُرَّة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( حق تقاته أن يطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر ) .
وقال ابن عباس : ألا يعصى طرفة عين .
وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} ، قالوا : يا رسول الله , من يقوى على هذا ؟ وشق عليهم فأنزل الله عز وجل : { فاتقوا الله ما استطعتم ...(16)}(التغابن) ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
هل يجوز أن يركن المسلم إلى الكفار؟ . والجواب أنه : لا ، فلماذا؟ يقول الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا :
1- { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ } فالكفار والمنافقون لسنا منهم وليسوا منّا ،إنهم أصحاب أهواء وفساد دينيّ وخُلُقيّ، إن الطيور على أشكالها تقع ، قال الشاعر :
عن المرء لاتسل وسل عن قرينه,,,,, فكل قرين بالمُقارن يقتدي​
و( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدُكم من يخالل ) : هذا ما علّمَناه النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

2- { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } والخبال الفساد، فهم إن لم يستطيعوا قتال المسلمين اجتهدوا في المكر والخديعة . جاء عمرَ كتابٌ فقال لأبي موسى : أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس ؟ فقال : إنه لا يدخل المسجد . فقال لم ! أجنب هو ؟ قال : إنه نصراني ; فانتهره وقال : لا تُدنِهم وقد أقصاهم الله , ولا تكرمهم وقد أهانهم الله , ولا تأمنْهم وقد خوَّنَهُمُ الله ...

3- { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قد بدت البغضاء من افواههم } ، وهم يحبون أن يروا المسلمين في ضنك وحزن وألم وحياة تعيسة كما يفعلون الآن في دعم النظام الاسدي الكافر بالمال والسلاح والرجال ،وهم بعملهم هذا مكشوفون وإن كانوا يُظهرون غير ذلك ، ويسعَون بكل ما يستطيعون لإرهاق المسلمين ،وكثيراً ما ينِدّ عنهم زلة لسان أو عمل فاضح أو تصرّف شائن.

4- { وما تخفي صدورُهم أكبر } ولئن ظهر منهم بعض ما يُكِنّون من كره وبغضاء للمسلمين فإن ما يُخفونه أكبرُ مما يُظهرونه.
ويُذيّل القرآنُ هذه الاية محذّراً ومعلماً: { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} ، فمن كان له قلب حيٌّ وفكرٌ سديد علم أنّ الحذر من غير المسلمين نجاة وحرز منهم.

- ثم تأتي هاتان الآيتان:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)} توضحان أن طاعة الكافرين تؤدّي إلى النكوص إلى الكفر، وما بعد الكفر إلا الخسارة الأبدية في الجحيم.

يحب المنافقون الحياة أيّاً كانت : ذليلة وعاديّة ويكرهون الموت ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم المقرئين إلى بئر معونة فقتلهم المشركون غيلة ادّعى المنافقون أنّ هؤلاء الشهداء لو حذروا فلم يخرجوا ما ماتوا. وبهذا ينكشف سترهم وتظهر دخيلتُهم ويبقى كلامهم حسرة في صدورهم في الدنيا إذ انكشفوا وفي الآخرة إذ هم من أهل النار ، ولو علموا أن لكل أجل كتاباً ما قالوا كلمتهم هذه . إن كل شيء بيد الله سبحانه فهو المحيي وهو المميت وهو الذي يعلم ما في الصدور فيثيب الصالح ويعاقب المسيء:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}.

ونرى نداء لا علاقة له ظاهرة بالجهاد والمجاهدة - يتحدث عن جريمة أكل الربا يتخلل- الايات الصريحة في حال المسلمين في غزوة أحد :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)}.
فإذا علمنا أن عاقبة الربا حربٌ من الله ورسوله وجدنا المنحى العام – وهو الجهاد – يشمل الاية، وكان وجودها متسقاً مع الآيات الأخرى في الحذر من الوقوع في الخطأ الذي يغضب المولى سبحانه.
ويختم الله سبحانه وتعالى سورة آل عمران بوصية النجاحين ( نجاح الدنيا ونجاح الاخرة ) فحض على الصبر على الطاعات والبعد عن الشهوات ، وأمر بمصابرة الأعداء وانتظار الفرج من الله :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}.
فما بعد الصبر إلا الفرج ، وما بعد مقارعة الأعداء بثبات إلا النصر والفوز ، والرباط في الثغور في سبيل الله والجهاد ذروة سنام الإسلام ، وأهل الإسلام اليوم في رباط أمام الأعداء الذين لا يألون جهداً في اغتنام غفلة من المسلمين يدمّرون فيها بيوتهم ويقتلون رجالهم ونساءهم وأطفالهم ، إنها حرب إبادة يُطلب فيها المصابرة والرباط ، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمِن الفتان )
كما أن ملاك الأمر كله التقوى ، ففيها الفلاح كله والنجاة أجمعها.
... إنه سبحانه ينادينا ، فهل سمعنا النداء؟!

* بتصرف بسيط جدا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 20-06-2025, 03:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,512
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إنه ينادينا

سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (13)

الدكتور عثمان قدري مكانسي



القسم الثالث عشر


جاء النداء في سورة النساء موجهاً إلى ثلاثة أنواع ، فقد:

أ- نادى الناس جميعاً ثلاث مرات ، في أول السورة وآخرها:
1- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
2- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)}
3- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)}

لا بد من تنبيه البشر كلهم إلى الهدف الذي خلقهم الله تعالى له وإعلامهم بمهمتهم التي سوف يُسألون عن أدائها في اليوم الموعود ،فتُقام عليهم الحُجّة .فكانت الاية الأولى في هذه السورة للناس وكذلك الآية الأخيرة (عود على بدء) إنّ الخطاب الإيماني للجميع ، فما خلق الله تعالى الإنس والجن إلا ليعبدوه.ولا تكون العبادة إلا بتقوى الله الذي خلقنا من آدم وحواء ، ونبه إلى أن أصلنا واحد ،ينبغي أن تسوده المحبة والوئام ويتجلى ذلك – أولاً – في صلة الأرحام .
وحدد طريقَ الإيمان الحق الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،فالدين عند الله الإسلام، ومن سلك غيره بعد أن بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ضل ، وبهذا نبهنا إلى الطريق الذي يجتمع فيه الأمم جميعاً في توجُّهها إلى الله تعالى : إنه الإسلام ليس غير.
فكان القرآن الكريم ذلك الضياء أنزله الله تعالى إلى البشرية ليهتدوا به في طريقهم إلى رضا الله وعفوه وغفرانه.
وعلى هذا كان واجبُ المسلمين – وما يزال- دعوةَ الأمم كلها إلى عبادة الله وحده والعمل بما أمر ولا ينجح الداعية في مهمته إلا إذا كان فيها القدوةَ الصالحة.

ب- ونادى أهل الكتاب مرتين :

1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)}
2- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)}

آمن أهل الكتاب بالله تعالى حين أُرسل إليهم الأنبياء الكرام ، فلما طال عليهم العهد انحرفوا وبدّلوا فلما جاء الإسلام يوحد البشرية في عبادة الله وحده دعا أهل الكتاب أن يؤمنوا بهذا الدين الذي ينقذهم من الضلال ويضعهم على الصراط المستقيم ، فما الإسلام إلا امتدادٌ وتأصيلٌ للشرائع التي سبقته وآمن بها اليهود ثم النصارى ، وكان عليهم – وهم أهل التوحيد – أن يسارعوا إلى فلاحهم في الدنيا والآخرة ، فلا يعادوه إنما يكونون جنوداً في نشره ، فإذا تنكّبوا وأبَواعوقبوا أشدّ العقاب جزاءً وفاقاً.
غالى أهل الكتاب في عقائدهم حين جعلوا المسيح عليه السلام – وهو عبد الله ورسوله – ابناً لله فاتخذوه إلهاً ، وجعلوه ثالث ثلاثة ، فضلوا ضلالاً بعيداً وكذلك فعل اليهود إذ اتخذوا عُزيراً ابناً لله تعالى ، ويضل الناس حين يًسقطون على ذات الله صفاتهم البشرية وهو الله الذي لا إله غيره تعالى عن الشبيه والمثيل والشريك.
وفي متابعة خطاب القرآن للناس جميعاً ولأهل الكتاب نجده يؤكد على وحدانية الله وإفراده بالألوهية والعبادة .

ج- ونادى المؤمنين تسع مرات:

1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}
2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}
3- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
4- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)}
5- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا (71)}
6- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
7- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
8- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136)}
9- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144)}

في خطاب القرآن للمؤمنين الموحدين نقف على أمور عدة ، منها :
1- الثبات على التوحيد
2- النزاهة في التعامل ، والحفاظ على حقوق الناس
3- طاعة الله ورسوله.
4- الجهاد في سبيل الله ، والحذر في قتال العدو.
5- الإيمان بالرسل كلهم.
6- التنزه عما يعيب المسلم
7- ( اسلوب تربوي مهم) التدرّج في التزام الشرائع
8- ديننا يسر يستوعب أحوال الناس وحاجاتهم.
من ذلك معاملة الزوجة بالحسنى ( استوصوا بالنساء خيراً ) فلها في الحياة حقوقٌ كما أنّ عليها واجبات .فلا يكرمهنّ إلا كريم ولا يظلمهنّ إلا لئيم . ولا يجوز إيذاؤهنّ وأكلُ مهورهنّ أو إيلاؤهنّ والتضييقُ عليهنّ ليتنازلن عن بعض حقوقهنّ.
والمسلم يحفظ حقوق جيرانه وأهله وأقاربه وشركائه فلا يعتدي على حق أحد منهم أكان مالاً أم عقاراً أم أمانة وغير ذلك . ولا يأكل الربا ولا مال اليتيم ولا ينتحر أو يستبيح دماء المسلمين وأهل الذمّة. يحافظ على حرية الآخرين وجمال الحياة في المجتمع.
ولعلنا نجد التدرّج في التزام الشريعة في قصة تحريم الخمر، وهذا دليل على بناء المجتمع المسلم بشكل صحيح يشد عراهّ ويقوي أساسه. وقد يُنكر بعضهم التدرّج في عودة إلى الشريعة هذه الأيام بعد أن استقرت الأحكام ،فالجواب انّ مجتمعنا الذي نعيشه جاهلي بعيد عن الدين فنأخذه إليه خطوة خطوة .منبهين إلى أن المسلم لا يكون مسلماً إلا إذا أسلم امره إلى شرع الله ونبذَ الكفر.
كما أن ذروة سنام الإسلام الجهادُ في سبيل الله والدفاع عنه ونشره بالحسنى في أرض الله والعملُ بنشاط ودأب لتحقيق ذلك ، وليس للمسلم أن يكفِّر المسلمين ويحكم عليهم بالردة لمجرد أنهم خالفوه في بعض المفاهيم المختلف فيها، وحادثة أسامة بن زيد حين قَتَل من نطق بالشهادتين دليل على حرمة دم المسلم.
وتدعو هذه الآيات الكريمة إلى الإيمان الكامل بالله ورسله واليوم الآخر والكتب السماوية كلها والملائكة ولا يتم الإيمان إلا إذا تحققت فيه كل أركان الإيمان ،
ولاء المسلم لله ورسوله وللمؤمنين فإن تغير الولاء إلى غيرهم من أهل الكتاب والمشرين سقط صاحبه في بؤرة الضلال وغضب الله عليه ووكله إلى فساده وضلاله .
هذا بعض ما أوحت به آيات النداء في سورة النساء ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه

....إنه سبحانه ينادينا ..فهل سمعنا النداء؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 20-06-2025, 03:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,512
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إنه ينادينا

سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (14)

الدكتور عثمان قدري مكانسي





القسم الرابع عشر​



خوطب أهل الكتاب في هذه السورة – سورة المائدة - خمس مرات أن يؤمنوا بالله الواحد ويصدّقوا النبي محمداً عليه الصلاة والسلام . وأن لا يغالوا في دينهم فيخرجوا إلى الإشراك، وأنهم بدلوا دينهم فغيّروا وغلبهم الهوى ، ولو ظلت كتبهم سليمة غير محرفة لعلموا أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم حقٌّ فاتبعوه، لكنهم فسقوا وضلوا ،وطغوا وبغوا.

1- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)}

2- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}

3- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)}

4- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)}

5- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77)}

ونودي المؤمنون في سورة المائدة ست عشرة مرة راوحت بين :
ما فرض عليهم في الحج و وجوب الطاعة في ذلك ،
والطهارة للصلاة.
والامتناع عن الصيد في الحج، وعقوبة ذلك.
وأن يشهدوا بالقسط.
وأن يشكروا نعمة الله عليهم.
وأن يجاهدوا في سبيل الله .
وأن لا يأمنوا إلى أعداء الله .
وأن يثبتوا على الإيمان الحق
وأن يبتغوا الوسيلة إلى الله .
وأن يجاهدوا في سبيل الله .
وأن لايُلحوا في الاسئلة ، بل ينتظرون ما يقوله الرسول لهم.
وأن يكونوا دعاة إلى الله .
وأن يشهدوا بالحق فيصل المال لى أصحابه الشرعيين.

1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}

أتى رجلٌ عبد الله بن مسعود فقال : اعهد إلي. فقال إذا سمعت الله يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } فأرِعْها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه . وهذه لفتة رائعة من مُرَبٍّ مشهود له بالفهم والدراية وحسن الصحبة .
وإذا سألنا عن العهود فهي ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حدَّ في القرآن كله ،فلا غدر ولا نُكثَ ثم شدد القرآن في ذلك فقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ...(25)}(الرعد) ويدخل فيها ما أحل الله وحرم وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم . وعلمنا الالتزام بالنظام من أوامر ونواهٍ ، فإذا سألنا عن السبب في هذه الأوامر والنواهي فالجواب أننا عباد لله نفعل ما نُؤمر وننتهي عما نُهينا عنه. وما يريد الله تعالى بنا إلا الخير سبحانه من لطيف بعباده.

2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}

فإذا وفّينا بالعقود لزمنا حدود الله فلم نتعدّها وعملنا بما رسمه لنا من شعائرالله ومناسك ، فلا قتال في الأشهر الحرُم { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ...(217)}(البقرة) ، إلا إذا استبيحت بيضة المسلمين فيها. وهذا ما يفعله الكفار في المسلمين إذ لا عهد للمشركين ولا ذمّة
وعلى الحجاج أن لا يتركوا الإهداء إلى البيت الحرام فإن فيه تعظيم شعائر الله ويميزونها عما عداها من الأنعام ليُعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء وتشجعُ على الإهداء إلى البيت بمثلها ،لما حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بات بذي الحليفة وهو وادي العقيق فلما أصبح طاف على نسائه وكن تسعا ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين ثم أشعر هديه وقلده وأهلَّ للحج والعمرة وكان هديه إبلا كثيرة تنوف على الستين من أحسن الأشكال فكان هذا تعظيماً لله : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}(الحج).
كان أهل الجاهلية يتقلدون من شجر الحرم فيأمنون فنهى الله عن قطع شجره. ومن امّ البيت الحرام من المشركين فلا يُستحل قتاله وقد نُسخ هذا الحكم بقوله تعالى تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .. (28)}(التوبة) وقد أمّرَ رسولُ الله الصديق ثم أمر علياً أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان لقوله تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فنفى المشركين من المسجد الحرام ،فإذا فرغ المسلمون من إحرامهم وأحلّوا منه منه فقد أباح لهم ما حرّم عليهم في الإحرام ،
ولما منع المشركون المسلمين في الحديبية من العمرة أراد المسلمون بعد فتح مكة أن يقتصوا منهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه والعدل به قامت السموات والأرض.
ويأمرنا الله تعالى أن نتعاون على فعل الخيرات من البر وترك المنكرات يأمرنا بالتقوى وينهانا عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم.
ومن التناصر قولُه صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)
قيل يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟
قال : ( تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره ) .
وما أروع قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) . ورأس الأمر في هذا التقوى ، وقد افلح من كان تقياً.

3- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}

يريد الله تعالى بنا اليسر ويحضنا على الطهر، فنشكره، فيتم نعمته علينا. ولا بدّ للصلاة من طهارة ووضوء فإذا عزَ الماءُ فالتيمم يجزئ ولكل مريض يؤذيه الماء أن يتيمم أو يمسح على الجبيرة ،وملامسة النساء غير لمسهنّ فالملامسةُ أكثر عرضة لنقض الوضوء ففيه التفاعل بين الطرفين وللمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام غير المقيم فله المسح خمس صلوات ، وشُرع التيمم ليُزل المولى سبحانه الحرج عن عباده ، فيبقى المسلم على اتصال بخالقه في صلاته المكتوبة وقراءته القرآنَ.

4- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}

من سمات المسلم أن يحكّم الحق في كل تصرفاته وانفعالاته حتى مع أعدائه أو ظاميه، ويريد المولى لنا أن نكون قوامين بالحق للحقّ لا للسمعة والرياء وأن نشهد بالعدل وننبذ الجور حتى في صغار الأمور وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : (أكل ولدك نحلت مثله ؟)
قال لا
قال : ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) - وقال - (إني لا أشهد على جور)
قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة ، إن التقوى تتجلى في إحقاق العدل بين الناس جميعاً أحببتَهم أم كرهتَهم ، لذا قال تعالى : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والتقوى سمة المؤمنين وعنوان الرجال العاملين.

5- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}

عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا ( للقيلولة) وتفرق الناس في العضاه (شجر الصحراء) يستظلون تحتها وعلق النبي سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني قال : الله عز وجل قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله قال فشام الأعرابي السيف ،(تركه) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه.
أما بنو النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ووكلوا عمرو بن جحش بن كعب بذلك وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤوا عليه فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية أنّ من توكل على الله كفاه الله ما أهمه وحفظه من شر الناس وعصمه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدوا إليهم فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم .
فإذا عرفنا نعمة الله وحفظناها ،وتوكلنا على الله كان معنا وكفّ أيدي الناس عنا.وما أحوجنا هذه الأيام إلى ذلك.

6- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)}

يأمرنا الله تعالى في هذه الآية بثلاثة أمور :
أ - تقوى الله سبحانه وتعالى ، والأمر بالتقوى يتكرر دائماً لأنه السبيل السليم الصحيح لرضا الله تعالى
ب - وأمر بعدها بطاعته فهي الوسيلة إلى مرضاته { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } وهي التقرب إليه { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } وهذا الذي قاله الأئمة والوسيلة ما يُتوصل بها إلى تحصيل المقصود ،والوسيلة أيضا أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وداره في الجنة وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة )
ج - وأمر بالجهاد ،قال ابن كثير :لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم والتاركين للدين القويم ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة : من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة الحسنة مناظرها الطيبة مساكنها التي من سكنها ينعم لا ييأس ويحيا لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه.

7- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}

موالاة اليهود والنصارى الذين –و هم أعداء الإسلام وأهله – انحراف خطير،يقع فيه من لم يخالط الإيمان قلبه ،فهؤلاء اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فمن تولهم وأطاعهم فقد دخل في زمرتهم وباء بالخسران ، إنه تهديد ووعيد يقصمان الظهر ويؤديان إلى غضب المولى { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }
وقد أمرعمرُ أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد (كتاب واحد) وكان لأبي موسى كاتب نصراني فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال : إن هذا لحفيظ هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام فقال : إنه لا يستطيع فقال عمر : أجنب هو قال لا بل نصراني قال : فانتهرني وضرب فخذي ثم قال : أخرجوه ثم قرأ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } وأبو موسى استعمله ولم يوالِه ، فماذا نقول بمن أحبهم وأطاعهم وأعانهم على المسلمين وكان في صفوفهم يضرب بسيوفهم؟!

8- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}

إنّ من يودُّ أهل الكتاب على ودّ المسلمين ويخدم مصالحهم ويعمل بامرهم خائن لله ولرسوله وللمؤمنين ، نصرَ غيرَ المسلمين ووالى أعداءهم ، فماذا بقي له من الإسلام ؟ ، لقد جاءت هذه الآية بعد أختها مباشرة لتوضح أن أمثال هؤلاء في خانة المرتدين ،فمن تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خيرٌ لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا يحبهم الله تعالى ويبادلونه سبحانه حباً بحب وينصرونه وينصرون دينهم وإخوانهم ويعملون لخدمتهم بكل إخلاص ويدفعون عنهم أذى أعدائهم ويجاهدون في سبيل الله
هذه صفات الكمال في المؤمنين، أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه ،وصدق فيهم قولُه تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ..(29)}(الفتح) وفي صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه الضحوك القتال فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه وقوله عز وجل : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } .
قال ابن كثير رحمه الله: لا يردهم - عما هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - راد ولا يصدهم عنه صاد ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل. عن الحسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم ) تفرد به" أحمد وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن زبيد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقالٌ فلا يقول فيه. فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول مخافة الناس فيقول إياي أحق أن تخاف ) ورواه ابن ماجه
إن الثبات على الحق والعمل به والدفاع عنه ورفع رايته سمات المؤمن الذي هداه الله إليه ورزقه الخير ، نسأل الله أن يزينّا بالحق ويجعلنا من أهله.

9- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)}

وكيف يوالي المسلم – لوكان مسلماً حقاً – من يهزأ بدينه ويسخر منه ويظهر عداوته للإسلام وأهله جهاراً نهاراً إلا إذا كان مسخاً ليس في قلبه ذرة من إيمان ، ألم يصفهم المولى سبحانه بالغدر وسوء الطوية ( لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ،وأولئك هم المعتدون) إن التقيّ من يوالي الله ورسوله والمؤمنين ، فهل نعي هذا؟ وقد فعل اليهود ما نُهينا عنه ونُهوا عنه فعجّل الله تعالى لهم العقوبة في الدنيا فجعلهم قردة وخنازير فكانوا عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قال تعالى :
{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)}

10- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)}

عن عائشة رضي الله عنها أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في الدنيا فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فنزلت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ }.
إن الله تعالى أعلم بنا منا فهو خالقنا وفرض علينا ما ينفعنا ونهانا عمّا يضرنا، والعمل بشرعه إرضاء له سبحانه والبعد عن ذلك اعتداء على أمره وعصيان له فمن بالغ في التضييق على نفسه بتحريم المباحات فحرم الحلال فقد اعتدى على حق الله تعالى
بل نأخذ من الحلال ما يكفينا، ولا نتجاوز فيه الحد ،إن الله تعالى يقول: {... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}(الأعراف) ومدح المقسطين فقال: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}(الفرقان) فلا إفراط ولا تفريط بل يسر وتسهيل ما لم نتجاوز ذلك.

11- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)}

وللحفاظ على الإنسان ، عقله وصحته وماله ودينه وضح الله تعالى ضرر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وقال : إنه من عمل عدوّنا وعدوّ الإنسانية ( الشيطان ) الذي نذر نفسه أن يضل الناس جميعاً فيدخلوا معه جهنّم والعياذ بالله . فالخمر يُذهب العقل – والعقل زينة ابن آدم- ومن ضيّع عقله استوى والحيوان ، فآذى نفسه وغيره ، والميسر يبذر العداوة ويزرع الكره والبغضاء في المجتمعات ، فيأكل الناسُ بعضُهم أموال بعض ، وتأخذهم حُميّا الميسر للاستمرار في تضييع الوقت – وهو العمر الذي ينبغي الحفاظ عليه واستغلاله بما يفيد ، فتضيع الصلاة ويضيع العمل المفيد . والأنصاب تبعد البشر عن خالقهم وتدعوهم إلى عبادة غيره ، والأزلام تعوّدهم على حياة الوهم والتواكل .
وكان تحريم الخمر والميسر على سبيل التدرّج بعد أن كان المجتمع غارقاً فيهما لا يكاد يتركهما .وهذا اسلوب تربوي رائع يستل من نفوس القوم ما اعتادوا عليه ، إنه الانتقال خطوة خطوة إلى سبيل الهداية والنور ، فلما جاء السؤال المشوب بالنهي قالوا : انتهينا ، انتهينا .

12- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)}

لا بدّ من الابتلاء والاختبار ، هكذا الحياة ، وهكذا يعيش المرء إلى أن يلقى ربّه، وكان الصيد دَيدَن العرب وسمة حياتهم، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم , كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت , ابتلاهم ببعض الصيد وهو الصيد البريُّ فقط فمن التزم أثبت تقواه حين خاف ربه فأطاعه ، ومع الطاعة يربح المرء رضا الكريم ، ومع العصيان العقوبة .لا بدّ من الثواب والعقاب.

13- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)}

عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ) وما عدا ذلك فلا يجوز مما يُؤكل ويدخل في الكلب العقور الحيوانات المفترسة ، ويدخل مع العقرب الحيّةُ يقتلها المحرم في الحرم. فإن فعل قدّم هدياً مثليّاً في الحرم أو وزّع ثمنه بين فقرائه، يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة في غير المثل عدلان من المسلمين ، فإن لم يجد صام وللعلماء آراء في الصيام حسب حجم الحيوان المرميّ { عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف } في ايام الجاهلية ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة ، ونلاحظ التشديد في العقوبة فالله عزيز ذو انتقام يفعل ما يشاء .

14- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)}

من الأدب الذي أدب الله تعالى به عباده المؤمنين أن لا يسألوا عن أشياء لم تُذكر لهم ولم تُفرض عليهم ، فقد تسوءهم إن ظهرتْ ويشق عليهم سماعها ،فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال : (لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم )
فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي ؟
قال : ( أبوك حذافة )
قال ثم قام عمر أو قال فأنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا عائذا بالله أو قال أعوذ بالله من شر الفتن قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لم أر في الخير والشر كاليوم قط صورت الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط ) أخرجاه من طريق سعيد ورواه معمر عن الزهري عن أنس بنحو ذلك أو قريبا منه .
قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة ما رأيت ولدا أعق منك قط أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رءوس الناس فقال والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته .
ولما نزلت هذه الآية : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...(97)}(آل عمران) قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي كل عام ؟ فسكت قال : ثم قالوا أفي كل عام ؟
فقال : (لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم ) فأنزل الله هذه الآية تنبه المسلمين إلى عدم اللجاجة في السؤال

15- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}

واجب المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير ما وسعهم ، فمن أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس. كل امرئ بما كسب رهين، إن خيرا فخير وإن شرا فشر وعلى المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكنا .
قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودعِ العوام فإن من ورائكم أياما ،الصابرُ فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم )
وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل إذا اهتديت . رواه ابن جرير .
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم إلى يوم القيامة.

16- { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)}

قد يدرك الموتُ الرجل في طريق سفره أو تجارته ، فيعطي المال لرجلين يظنهما قادرين على إيصال المال إلى ورثته فإذا ارتاب أهل الميت بكلامهما ساءلوهما بعد صلاة العصرعند اجتماع المصلين، فيحلفان بالله أنهما ما خانا ولاغلاّ فيحلفان حينئذ باللهأنهما لا يبيعان الآخرة الباقية بالدنيا الزائلة وأنهما لا يكتمان شهادة الله، فإن فعلا فإنهما آثمان، ولن يكونا كذلك.
فلا بدّ من التمحيص واستجلاء الأمور ، كما أن المسلم يحسب للآخرة حسابها ويحرص على رضا الله وعفوه وغفرانه حيث لا ينفع - هناك - مال ولا بنون.

إنه سبحانه وتعالى ينادينا ، ويحثنا على طاعته فهل سمعنا النداء؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 20-06-2025, 03:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,512
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إنه ينادينا

سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (15)

الدكتور عثمان قدري مكانسي



القسم الخامس عشر​



في سورة الأعراف ينادي الله سبحانه بني آدم مبيناً فضله عليهم، داعياً إياهم إلى التقوى ، ويحذرهم من الشيطان وأحابيله ،ويأمرهم بالتزام آداب زيارته في بيوته، وأنه سبحانه لم يكن ليتركهم يعيشون الحياة الدنيا دون توجيه وتربية وتعليم فأرسل إليهم أنبياءه الكرام.
ثم ينبه الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به وطاعة نبيه ليكونوا من المهتدين .
ليس في هذه السورة نداء خاص للمؤمنين إنما هو نداء للناس جميعاً دون استثناء أن يكونوا عباده الصالحين ، فهو سبحانه يريد الخير لهم في الدنيا والآخرة وسيجزيهم – إن لبّوا وأطاعوا خير الدنيا والآخرة.

وفي هذه السورة الكريمة أربعة نداءات لبني آدم ونداء واحد للناس كلهم :
يا بني آدم :

1- { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
إن الله تعالى يمُنُّ على عباده بما جعل لهم من لباس يسترعوراتهم من ضرورات الحياة وزينتها.
لبس أبو أمامة ثوبا جديدا فلما بلغ ترقوته قال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ، ثم قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استجَدَّ ثوبا فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حيا وميتا ) . إلاّ أن لباس التقوى والإيمان أعظم ما يتزين المرء به وبه يتجمّل ويُعرف.
وما أروع ما رواه عثمانُ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لباس التقوى : ( والذي نفس محمد بيده ما أسرَّ أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر ) فمهما أراد الإنسان أن يتزيا بما ليس فيه فضحه الله وعرّاه. ثم قرأ هذه الآية { وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }
فقد جمّلنا المولى بالثياب المادية على اجسادنا وجمّلنا بالأخلاق والأعمال الحسنة التي تكتب في صحائفنا وتتجلّى في حركاتنا وسكناتنا إن كنّا صالحين عاملين بما نقول .

2- { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)} .
قال ابن كثير رحمه الله : يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله مبينا لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه وما هذا إلا عن عداوة أكيدة وهذا كقوله تعالى { ...#أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}(الكهف) "كما أن الشيطان نفسه قال موضحاً ما في نفسه من عداوة لبني البشر : { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}(الحجر) وإذا كان الشيطان عدوَّنا الأول مصرحاً وملمحاً أفلالا ينبغي الحذر منه والناي عنه؟.ولئن استطاع أبليس أن ينزع عن أبوينا لباسهما فتظهر سوءاتهما إنه في الارض ينزع الإيمان والشرف زالمروءة والطهر والعفاف من قلوب البشر وعقولهم وصدورهم.ومما يساعده على تنفيذ مهمّته العدائية أنه يرانا ولا نراه فهو يوسوس لنا إذ يجري في ابن آدم مجرى العروق من الدم. ويلتقم قلوب اتباعه ويخدّر عقولهم ويجثم على صدورهم أعاذنا الله من إبليس وذريته وأتباعه.

3- { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}.
هي دعوة لعمارة المساجد أولاً والحفاظ على نظافتها الظاهرة ثانياً مع التنبّه إلى نظافة القلوب والافئدة مما يسيء إلى الأهل الإيمان ، فلا غلّ ولا كراهية ولا حقد ولا حسد. يدخلها المسلم بثياب نظيفة متعطّراً لا يشم أخوه منه غير الرائحة الطيبة ، والثياب زينة وستر، والتجمل في الصلاة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك ومن أفضل اللباس البياض
كان المشركون يطوفون بالبيت عراة :الرجال نهاراً والنساء ليلاً وكانت المرأة تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله​
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم ،وكفنوا فيها موتاكم ،وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر )
قال بعض السلف جمع الله الطب كله في نصف آية : { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ#} وقال البخاري قال ابن عباس : كل ما شئت والبس شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت ) . ولعلنا نقع في هذا كثيراً غذ نهتم بالمأكل والمشرب اكثر مما ينبغي.

4- { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}.
لا يُترك البشر يعيشون على غير هدى ، يقودهم الشيطان وتدفعهم الشهوات إلى المهالك، فبعث إليهم رسلا يقصون عليهم آياته، ورغَّب وحذَّر، وعلّم وبيّن كيلا يكون لهم حجة يوم القيامة .
والناجح في سعيه من كان تقياً (عَلِم وعمل) وأصلح ما كان أخطأ فيه فإن فعل ذلك نجى من العقوبة وفاز بالثواب فكان من أهل الجنة يعيشون أبد الدهر في أمن وأمان وسعادة ورخاء.

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم:
{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} .

1- لا بد من التصريح بدعوة الله ، وهذا ما فعله الحبيب المصطفى إذ أمره المولى سبحانه أن يدعو إلى عبادة الله وحده وطاعته.

2- وهو – صلى الله عليه وسلم- رسول الله إلى البشر كافّة، وهذا من شرفه وعظمته صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين.

3- يستحق الله تعالى العبادة لان الأمر كله بيده ، فهو الخالق المحيي ، وهو القابض المميت ، بيده الحياة والرزق ، والنفع والضرّ

4- والرسول أو الداعية قدوة يؤمن بما يدعو إليه وكلما كان الداعية مخلصاً لله كان قريباً إليه أثيراً لديه.

5- إن اتباع القدوة الصالحة طريق معبّدة إلى الله تأخذ بيده على هدى مستقيم إلى الغاية والهدف .
وعلى هذا نسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ) .

6- ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامّة عرّف بالله تعالى فقال: ( إن الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم ) فإذا عرف الإنسان الغاية وفهمهما ، وتعرّف إلى ربه سبحانه أحبّه وأطاعه ..اللهم اتجعلنا من عبادك هؤلاء.

إنه سبحانه ينادينا ، ويأخذ بايدينا إلى مرضاته لنكون من السعداء الناجين ...

فهل سمعنا النداء؟.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 124.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.21 كيلو بايت... تم توفير 3.52 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]