شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 128728 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4793 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مسيرة الجيش إلى تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 13-06-2025, 12:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 62 )

باب: التَّسْبِيحُ للحاجة في الصلاة

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
338-عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». وفي رواية: « في الصلاة».
الشرح: قال المنذري : باب: التَّسْبِيحُ للحاجة في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 318) وبوب عليه النووي : باب تسبيح الرجل، وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة.
قوله: «التسبيح للرجال» أي: قول سبحان الله إذا ناب المصلي شيء في الصلاة، أو أراد تنبيه الإمام لسهوه أو خطئه.
قوله: «والتصفيق للنساء» قال الإمام النووي : السُّنة لمن نابه شيءٌ في صلاته؛ كإعلام من يستأذن عليه، وتنبيه الإمام وغير ذلك، أن يسبح إنْ كان رجلاً؛ فيقول: سبحان الله، وأن تُصفِّق وهو التصْفيح إن كانتْ امرأةً؛ فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كفٍّ على بطن كفٍّ على وجه اللعب واللهو، فإن فعلت هكذا على جهة اللعب، بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة. (شرح مسلم : 4 / 146).
وقد وقع في بعض الروايات: «التّصفيح للنساء» قال الحافظ زين الدين العراقي: المشهور أن معناهما واحد، قال عقبة: والتصفيح التصفيق، وكذا قال أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري. وقال ابن حزم: لا خلاف في أنّ التصفيح والتصفيق بمعنى واحد، وهو الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى.
فتعقبه العراقي بقوله: وما ادعاه من نفي الخلاف ليس بجيد! بل فيه قولان آخران أنهما مختلفا المعنى، أحدهما : أن التصفيح: الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى، والتصفيق: الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى. حكاه صاحب الإكمال وصاحب المفهم ، والقول الثاني: أن التصفيح الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه، وبالقاف بالجميع للهو واللعب.
وروى أبو داود في سننه ( 942 )عن عيسى بن أيوب قال: قوله: «التصفيح للنساء» تضرب بأصبعين من يمينها على باطن الكف اليسرى. والحديث دليل: على جواز التسبيح للرجال في الصلاة، والتصفيق للنساء إذا ناب أمرٌ من الأمور. وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود: من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه مرفوعا: «منْ نابه شيءٌ في صلاته فليسبّح، فإنما التصفيقُ للنساء» وحديثه طويل في إمامة أبي بكر رضي الله عنه، وهذا طرف منه.
وقال الترمذي - بعد روايته لحديث الباب - ( 369 ) : قال علي : كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي سبح.
وهذا الأثر أخرجه أحمد وابن ماجة والنسائي وصححه ابن السكن. وقال البيهقي: هذا مختلفٌ في إسناده ومتنه، وقيل: سبح، وقيل: تنحنح، ومداره على عبد الله بن نجي، قال الحافظ: واختلف عليه فيه، فقيل: عن علي، وقيل: عن أبيه عن علي، قال البخاري: فيه نظر، وضعفه غيره ووثقه النسائي وابن حبان، وقال يحيى بن معين: لم يسمعه عبد الله عن علي بينه وبين علي أبوه.
وقد استدل به على جواز التنحنح في الصلاة للحاجة.
وهل يجوز للمرأة أن تعدل عن التصفيق إلى التسبيح ؟ فيقال: الأولى بها أن تقتصر على ما ورد في الحديث، وهذا يدل على أن الإسلام حرص على ستر المرأة، فإنّ التسبيح وإنْ كان من جنس الصلاة، إلا أنه عدل عنه إلى التصفيق من باب المبالغة في التستر.
ولو عدل الرجل عن التسبيح إلى التصفيق؟
فيقال: هذا لا يجوز في حقه في الصلاة؛ لأنه نوعٌ من العبث، بل إن التصفيق خارج الصلاة في الزمن المعتاد مختلف فيه بين أهل العلم، فمنهم من يرى جوازه؛ لأن النهي الوارد فيه إنما هو نهي عن تصفيق الكفار عندما يأتون بالعبادة، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}(الأنفال: 35). هو الصفير (وَتَصْدِيَةً) وهو التصفيق.
ولم يرد الشرع بالتصفيق في شيء من العبادات، إلا للمرأة في الصلاة، إذا حدث ما يقتضي التنبيه عليه، للأحاديث الواردة.
وقال الحافظ شمس الدين بن القيم قوله في الحديث: «وليصفق النساء» دليل على أن قوله في حديث سهل بن سعد المتفق عليه: «التصفيق للنساء» أنه إذنٌ وإباحة لهن في التصفيق في الصلاة ، عند نائبة تنوب، لا أنه عيبٌ وذم.
قال الشافعي: حكم النساء التصفيق، وكذا قاله أحمد. وذهب مالك: إلى أن المرأة لا تصفق، وأنها تسبح! واحتج له الباجي وغيره بقوله «من نابه شيء في صلاته فليسبح».
قالوا: وهذا عام في الرجال.
قالوا: وقوله: «التصفيق للنساء» هو على طريق الذم والعيب لهن، كما يقال «كفران العشير» من فعل النساء! وهذا باطل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن في نفس الحديث تقسيم التنبيه بين الرجال والنساء، وإنما ساقه في معرض التقسيم، وبيان اختصاص كل نوعٍ بما يصلح له، فالمرأة لمّا كان صوتها عورة، مُنعتْ من التسبيح، وجُعل لها التصفيق، والرجل لما خالفها في ذلك شرع له التسبيح.
الثاني: أن في الصحيحين: من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فهذا التقسيم والتنويع صريح في أن حكم كل نوع ما خصه به، وخرجه مسلم بهذا اللفظ، وقال في آخره: «في الصلاة».
الثالث: أنه أمر به في قوله: «وليصفق النساء» ولو كان قوله التصفيق للنساء على جهة الذم والعيب ، لم يأذن فيه، والله أعلم» تهذيب السنن (6/155).
وقال في إغاثة اللهفان: «والمقصود أن المصفّقين والصفّارين، في يَراعٍ أو مزمارٍ ونحوه، فيهم شبهٌ منْ هؤلاء، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر، فلهم قِسطٌ من الذم بحسب تشبّههم بهم، وإنْ لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم.
والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال، وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمرٌ، بل أُمروا بالعدول عنه إلى التسبيح، لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة! وقرنوا به أنواعاً من المعاصي قولاً وفعلا؟ إغاثة اللهفان (1/245).
قلت: فما يفعله بعض الصوفية في حلقاتهم وموالدهم، من التصفيق عند الأذكار والأوراد، لا شك أنه بدعة وضلالة، وهو مشابه لفعل المشركين عند الكعبة، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال: 35). والمكاء: هو الصفير. والتصدية: هو التصفيق
وقال الشيخ بكر أبو زيد: لا يُشرع التصفيق في شيء من أمور الدين، إلا في موضع واحد للحاجة: وهو للمرأة داخل الصلاة، إذا عرض عارض كسهو الإمام في صلاته، فإنه يستحب لمن اقتدى به تنبيهه: فالرجل ينبه الإمام بالتسبيح، والمرأة تنبه الإمام بالتصفيق؛ وهذا لثبوت السنة به عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء».
ثم حدث في الأمة التعبد بالتصفيق لدى بعض المبتدعة عند قراءة الأذكار، والأوراد، والأحزاب، وفي الموالد، والمدائح في البيوت، والمساجد، وغيرها، ويظهر أنه منذ القرن الرابع، فإن الحافظ عبيد الله بن بطة المتوفي سنة 387هـ أنكر عليهم ذلك، وقد تتابع إنكار العلماء عليهم، وتهجينهم، وتبديعهم، فمن الذين لهم مقام صدق في ذلك الحافظ ابن الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهم، قديماً، وحديثاً، مقررين بالإجماع: أنّ التعبّد بالتصفيق بدعة ضلالة، وخروج على الشرع المطهر، فيجب اجتناب التعبد به ويجب منعه.
ثم في أثناء القرن الرابع عشر تسلل إلى المسلمين في اجتماعاتهم واحتفالاتهم، التصفيق عند التعجب؛ تشبهاً بما لدى المشركين من التصفيق للتشجيع، والتعجب.
وإذا كان التصفيق في حالة التعبد: بدعة ضلالة، كما تقدم ، فإن اتخاذه عادة في المحافل، الاجتماعات؛ للتشجيع، والتعجب، تشبه منكر، ومعصية يجب أن تُنكر؛ وذلك لما يلي:
معلوم أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب، هو الثناء على الله - تعالى - وذكره بالتكبير، والتسبيح، والتهليل، ونحوها، والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة في كتب السنة، ترجم لبعضها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال: «باب التكبير والتسبيح عند التعجب»، وأدخلها العلماء في كتب الأذكار منهم النووي رحمه الله تعالى في: (كتاب الأذكار) فقال: «باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوها»، وعلى هذا الهدي المبارك درج سَلَفُ هذه الأمة ، من الصحابة رضي الله عنهم فمن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله، وفي هذا استمرار حال المسلم بتعظيم الله، وتمرين لسانه على ذكر الله تعالى.
إذا عُلِمَ ذلك، فإنه لا نعلم من المرويات عن المقتدى بهم من أئمة الهدى، التَّصْفِيْقَ في مثل هذه الحال، فضلاً عن ورود شيء من ذلك في السنة، وعليه، فإن التصفيق في احتفالات المدارس، وغيرها: إن وقع على وجه التعبد فهو بدعة محرمة شرعاً؛ لأن التصفيق لم يتعبدنا الله به، وهو نظير ما ابتدعه بعض المتصوفة من التصفيق حال الذكر والدعاء، كما تقدم.
وإن وقع التصفيق المذكور على وجه العادة ، فهو منكر محرم ؛ لأنه تشبه (بالكفار).
ولا نعرف دخول هذه العادة في تاريخ المسلمين إلا في أثناء القرن الرابع عشر، حين تَفَشَّى في المسلمين كثير من عادات الكافرين والتشبه بهم.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: والتصفيق منكر، يطرب ، ويُخرج عن الاعتدال، وتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من: «التصدية» وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال: 35)، فالمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، ثم قال: وفيه أيضاً تشبه بالنساء، والعاقل يأنف من أن يخرج من الوقار، إلى أفعال الكفار والنسوة» انتهى. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات؟.
فأجاب : التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية ، وأقل ما يقال فيه الكراهة، والأظهر في الدليل تحريمه؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال: 35).
قال العلماء : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق. والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يُعجبه أو ما ينكره، أن يقول: سبحان الله، أو يقول: الله أكبر، كما صحّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، ويشرع التصفيق للنساء خاصة، إذا نابهن شيء في الصلاة، أو كنّ مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق، أما الرجال فينبهونه بالتسبيح، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء، وكل ذلك منهيٌ عنه. والله ولي التوفيق» انتهى.
«مجموع فتاوى الشيخ ابن باز» (4/151)

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 27-06-2025, 06:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري



شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 63 )

باب: النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
339.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ، عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».
الشرح:
قال المنذري: باب: النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
والحديث رواه مسلم في الصلاة (1 /321) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري.
ورواه مسلم أيضا: عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لينتهين أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم».
قوله: «لينتهين أقوام»، أي: ليمتنعن.
و«أقوام»: جمع قوم، وهو خاص بجماعة الرجال في الوضع اللغوي، لكن يدخل فيه النسوة تبعاً، ويستشهدون لذلك بقول الشاعر:
أقومٌ آل حصن أم نساء
فجعل النساء قسيمات للقوم
وقوله: «لينتهين أقوام» يشمل الأفراد كذلك، فإذا كان النهي للجماعة، فهو يشمل أفراد الجماعة واحداً واحداً، كما تقول: لينتهين بنو فلان عن أذية فلان، فـ(بنو فلان) تشمل جماعتهم، وأفرادهم ضمناً.
وقوله: «لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء»، جاء هنا بلفظ: «عند الدعاء في الصلاة»، والحديث جاء تارة مطلقاً، بلفظ: «عن رفعهم أبصارهم إلى السماء في الصلاة».
والنظر بالبصر إلى السماء يكون فيه - غالباً - الانصراف عن معنى الصلاة وخشوعها؛ لأنه لا يخرج عن أحد أمرين: فإما أن يكون عبثاً فهو عين المقصود في النهي عنه؛ لأنه ينافي الخشوع في الصلاة.
وإما أن يكون للتأمل في شيء، كمن كان في الليل يتأمل زينة السماء، وينظر في النجوم والكواكب، ويفكر في قدرة الله وفي مصنوعاته، فهذا باب والصلاة باب آخر، فيكون قد خرج عن مناجاة ربه إلى موضوع آخر وهو العظة والاعتبار بقدرة ربه، وفرق بين المناجي - وهو مستحضر لمن يناجيه رغبةً ورهبة - وبين من يفكر في مصنوعات الله، وفي قدرته سبحانه وتعالى.
كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (آل عمران:191)، فهذا ذاكرٌ، وهذا متفكرٌ، فجعل التفكر قسيماً للذكر.
فرفع البصر إلى السماء يتنافى مع الخشوع في الصلاة، ولو كان للتدبر في الآيات الكونية، والاعتبار بهذا الخلق العظيم.
بل من الأدب في الصلاة ألا يتعدى بصر المصلي موضع سجوده، أو سترته التي بين يديه؛ لأن ذلك أدعى لاجتماع حواسه وقلبه، لتتجاوب مع لسانه فيما يتلو، وفيما يناجي به ربه سبحانه وتعالى.
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في النظر إلى موضع السجود حال الصلاة، وهي – في عمومها – تشمل جميع أجزاء الصلاة، ومنها:
ما رواه ابن حبان (4 / 332) والحاكم (1 / 652) عن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، ما خلَّف بصره موضع سجوده حتى خرج منها» صححه الألباني في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ».
وفي الباب آثار عن بعض السلف في ذلك، وهذا هو قول الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد، قال أبو محمد ابن قدامة: يستحب للمصلي أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، قال أحمد - في رواية حنبل -: الخشوع في الصلاة: أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن مسلم بن يسار , وقتادة. «المغني» (1 / 370).
واستثنى بعضهم موضع التشهد، فقالوا: ينظر المصلي فيه إلى السبابة، وهو استثناء صحيح له ما يؤيده من صحيح السنَّة، فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا قعد في التشهد، وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته».
رواه أبو داود (990) والنسائي (1275) – واللفظ له - وصححه النووي في «شرح مسلم» (5 / 81) فقال: والسنَّة أن لا يجاوزه بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في «سنن أبي داود».
وقد استدل الإمام مالك رحمه الله ومن وافقه في أن المصلي ينظر أمامه بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة:144)، على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده! وهو قول مرجوح، بعد هذا الزجر الشديد عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
ففي رفع البصر إلى السماء، جاء هذا الوعيد الشديد في هذا الحديث: «أو لا ترجع إليهم»، يعني: تخطف أبصارهم، وهذا وعيدٌ شديد بعقوبة عظيمة على الإنسان، فلا يجوز له أن يفعل ذلك.
وبعض العلماء حمل ذلك على العموم في الصلاة وفي غير الصلاة، وقالوا: فعله في الصلاة يتنافى مع الخشوع، وفي غير الصلاة، لا يفعله حياءً من الله تعالى، كما أن المصلي لا يبصق أمامه حياء من الله تعالى، ولا تجاه القبلة، كما صح في الحديث، فكذلك ها هنا.
وقال شريك القاضي: ينظر في القيام إلى موضع السجود؛ لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع، وقد ورد به الحديث، وأما في حال في حال ركوعه فإلى موضع قدميه، وفي حال سجوده إلى موضع أنفه، وفي حال قعوده إلى حجره (تفسير ابن كثير).
وما مضي من تحديد موضع نظر المصلى إذا كان منفردا، فإذا كان المصلى في جماعة كان نظره إلى الإمام للإئتمام به، وترجم له البخاري في «صحيحه»: «باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة»، وساق فيه عدة أحاديث في أن الصحابة كانوا ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة في أحوال مختلفة.
قال الزين بن المنير: نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام، فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات، كان ذلك من إصلاح صلاته.
وقدأورد الحافظ ابن حجر هذا القول لابن المنير ثم قال: «يمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم، فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود، وكذا للمأموم، إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه. وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام».
وبهذا يُجمع بين الأحاديث التي ساقها البخاري، وبين أحاديث النظر إلى موضع السجود، وهو جمعٌ حسن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 27-06-2025, 06:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 64 )

باب : التغليظ في المرور بين يدي المصلي

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
340.عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ : أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ رضي الله عنه أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ : مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؟ قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ»، قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، قَالَ: «أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً».
الشرح: قال المنذري: باب: التغليظ في المرور بين يدي المصلي. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/363) وبوب عليه النووي: باب منع المار بين يدي المصلي.
والحديث رواه البخاري في الصلاة (510) باب: إثم المار بين يدي المصلي. فهو من المتفق عليه.
بسر بن سعيد، وهو المدني العابد، تابعي ثقة جليل. زيد بن خالد الْجُهنيَّ، صحابي مشهور، مات بالمدينة، وقيل: بالكوفة، سنة ثمان وستين أو سبعين، وله خمس وثمانون سنة.
أبو جهيم هو ابن الصمة الأنصاري، قيل: اسمه عبدالله، صحابي معروف، بقي إلى خلافة معاوية رضي الله عنه.
قوله: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ» وزاد في رواية: «مِنْ الإِثْمِ»، وهذا يدل على عِظم إثم المار بين يدي المصلِّي، لكونه نكره ولم يذكر مقداره.
وليس من شرط الثواب أو العقاب أن يُعلم قَدره، بل قد يُخفى ليكون أوقع في النفوس.
قال النووي: معناه لو يعلم ما عليه من الإثم لاختار الوقوف أربعين على ارتكاب ذلك الإثم، ومعنى الحديث النهي الأكيد ، والوعيد الشديد في ذلك. اهـ . قوله: «بين يدي المصلي»، أي: أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما، واختلف في تحديد ذلك فقيل: إذا مرّ بينه وبين مقدار سجوده، وقيل : بينه وبينها قدر ثلاثة أذرع.
قال النووي: يعني بالمصلي موضع السجود، وفيه: أنّ السُنة قرب المصلى من سترته. وهذا يدل على أنه لا يضر المصلي مَن يَمُرّ بعد سترته، ولا من يَمُرّ بعيدا عن مُصَلاّه، ومكان سجوده.
قوله: «ماذا عليه» زاد الكشميهني –أحد رواة صحيح البخاري- «من الإثم»، وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، والحديث في الموطأ بدونها. وقال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في شيء منه، وكذا رواه باقي الستة، وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا.
لكن في مصنف ابن أبي شيبة يعني من الإثم»، فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها الكشميهني أصلاً; لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ، بل كان راوية. وأنكر ابن الصلاح في «مشكل الوسيط» على من أثبتها في الخبر، فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحا. ولما ذكره النووي في «شرح المهذب دونها»، قال: وفي رواية رويناها في الأربعين لعبد القادر الهروي «ماذا عليه من الإثم» (انظر الفتح 1/585).
قوله: «لكان أنْ يقف أربعين»، يعني: أنّ المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي، لاختار أنْ يقف المدة المذكورة، حتى لا يلحقه ذلك الإثم.
وقال الكرماني : جواب «لو» ليس هو المذكور، بل التقدير: لو يعلم ما عليه، لوقف أربعين، ولو وقف أربعين لكان خيراً له.
قال الحافظ : وليس ما قاله متعينا، قال: وأبهم المعدود تفخيما للأمر وتعظيما.
قلت: ظاهر السياق أنه عيّن المعدود، ولكن شك الراوي فيه، ثم أبدى الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين: إحداهما: كون الأربعة أصلٌ جميع الأعداد، فلما أُريد التكثير ، ضربت في عشرة.
ثانيتهما: كون كمال أطوار الإنسان بأربعين، كالنطفة والمضغة والعلقة، وكذا بلوغ الأشد. ويحتمل غير ذلك.اهـ .
وفي ابن ماجة ( 946 ) وابن حبان (2365): من حديث أبي هريرة: «لكان أنْ يقف مائة عامٍ، خيراً له من الخطوة التي خطاها». وهذا يشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين.
وجنح الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة، وقع بعد التقييد بالأربعين، زيادة في تعظيم الأمر على المار; لأنهما لم يقعا معا؛ إذ المائة أكثر من الأربعين، والمقام مقام زجر وتخويف، فلا يناسب أنْ يتقدم ذكر المائة على الأربعين، بل المناسب أن يتأخر . انتهى (الفتح) .
قلت: والحديث الذي ذكره «أنْ يقف مائة عام...» حديثٌ ضعيف، فيه ضعيف ومجهول، ورواه أحمد (2/371).
قوله : «خيراً له» كذا في رواية الصحيح بالنصب، على أنه خبر كان، ولبعضهم «خير» بالرفع، وهي رواية الترمذي، وأعربها ابن العربي على أنها اسم كان، وأشار إلى تسويغ الابتداء بالنكرة، لكونها موصوفة، ويحتمل أنْ يقال: اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها.
قال النووي: فيه دليلٌ على تحريم المرور، فإنّ معنى الحديث: النهي الأكيد، والوعيد الشديد على ذلك. انتهى.
قال الحافظ : ومقتضى ذلك: أنْ يُعد في الكبائر. وفي الحديث: أخذ القرين عن قرينه ما فاته، من سماع الحديث وغيره، أو استثباته فيما سمع معه.
وفيه: الاعتماد على خبر الواحد; لأن زيداً اقتصر على النزول، مع القدرة على العلو، اكتفاء برسوله المذكور. وفيه: استعمال «لو» في باب الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي عن استعمال لو؛ لأنّ محل النهي أن يشعر بما يعاند المقدور.
قال الحافظ: (تنبيهات): أحدها: استنبط ابن بطال من قوله: «لو يعلم» أنّ الإثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه. انتهى. وأخذه من ذلك فيه بُعد، لكن هو معروف من أدلة أخرى.
ثانيها: ظاهر الحديث أنّ الوعيد المذكور يختص بمن مرّ، لا بمن وقف عامداً مثلا بين يدي المصلي، أو قعد أو رقد، لكنْ إنْ كانت العلة فيه التشويش على المصلي، فهو في معنى المار .
ثالثها : ظاهره عموم النهي في كل مصلّ، وخصّه بعض المالكية بالإمام والمنفرد; لأنّ المأموم لا يضره منْ مرّ بين يديه; لأنّ سترة إمامه سترةٌ له، أو إمامه سترةٌ له. ا هـ .
والتعليل المذكور لا يُطابق المدعَى; لأنّ السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي، لا عن المار، فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد في ذلك .
رابعها: ذكر ابن دقيق العيد: أن بعض الفقهاء - أي المالكية - قسم أحوال المار والمصلي في الإثم وعدمه، إلى أربعة أقسام: يأثم المار دون المصلي، وعكسه يأثمان جميعا، وعكسه.
فالصورة الأولى: أن يصلي إلى سترة في غير مشرع، وللمار مندوحة، فيأثم المار دون المصلي.
الثانية: أنْ يُصلي في مشرع مسلوك بغير سترة، أو متباعد عن السترة، ولا يجد المار مندوحة، فيأثم المصلي دون المار.
الثالثة: مثل الثانية، لكن يجد المار مندوحة ، فيأثمان جميعا.
الرابعة: مثل الأولى، لكن لم يجد المار مندوحة، فلا يأثمان جميعا. انتهى.
وظاهر الحديث يدل على منع المرور مطلقا، ولو لم يجدْ مسلكاً، بل يجب عليه أن يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته.
ويؤيده ما جاء في قصة أبي سعيد رضي الله عنه في البخاري ومسلم: فإن فيها «فنظر الشاب فلم يجدْ مساغا»، وسيأتي الكلام عليه.
والسنة النبوية: أن يُصلي المصلِّي إلى شيء يستره من الناس، ولاسيما في الأماكن التي يمر فيها الناس، وأن لا يُعرِّض نفسه ولا غيره للإثم.
قال الإمام البخاري: باب الصلاة إلى الأسطوانة.
وقال عمر: الْمُصَلُّون أحقّ بالسواري من المتحدثين إليها. ورأى عمر رجلا يُصلي بين أسطوانتين، فأدناه إلى سارية، فقال: صَلّ إليها .
ثم روى بإسناده: إلى يزيد بن أبي عبيد قال: كنتُ آتي مع سلمة بن الأكوع فيُصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة؟ قال: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى الصلاة عندها.
وروى: عن أنس رضي الله عنه أنه قال: لقد رأيتُ كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب.
وهذا الحديث رواه مسلم أيضا، ولفظه عنده: كنا بالمدينة، فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب، ابتدروا السواري فيركعون ركعتين ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد، فيحسب أن الصلاة قد صُلِّيَتْ من كثرة من يصليهما.
وهذا يدلّ على حرصهم رضي الله عنهم على السُنة، وعلى الصلاة إلى سُترة ما أمكن.
مسألة: استثنى جماعةٌ منْ أهل العلم المسجد الحرام من ذلك، فرخّصوا للناس المرور فيه بين يدي المصلي، وذهبوا إلى أن مرور المرأة وغيرها بين يدي المصلي، لا يقطع صلاته.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (2/40): «ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة»، وروي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد. قال الأثرم: قيل لأحمد: الرجل يصلي بمكة، ولا يستتر بشيء؟ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطُّوَّاف سترة. قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها، كأنّ مكة مخصوصة.
وقال ابن أبي عمار: رأيتُ ابن الزبير جاء يصلي، والطُّوَّاف بينه وبين القبلة، تمرّ المرأة بين يديه، فينتظرها حتى تمر، ثم يضع جبهته في موضع قدمها. رواه حنبل في كتاب «المناسك».
وقال المعتمر: قلت لطاووس: الرجل يصلي - يعني بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة؟ فإذا هو يرى أنّ لهذا البلد حالاً، ليس لغيره من البلدان؛ وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم، ويزدحمون فيها، فلو مَنَع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس. «انتهى باختصار ».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 27-06-2025, 06:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 65 )

باب : منــــع المــــــارّ بين يـــدي المصـــلي

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
341. عن أَبُي صَالِحٍ السَّمَّانِ : أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَأَيْتُ مِنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيدٍ، فَعَادَ فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ أَشَدَّ مِنْ الدَّفْعَةِ الْأُولَى، فَمَثَلَ قَائِمًا فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ زَاحَمَ النَّاسَ فَخَرَجَ، فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ، قَالَ: وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ ؟! جَاءَ يَشْكُوكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ».
الشرح: قال المنذري: باب: منع المارّ بين يدي المصلي. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة في الموضع والباب السابق. والحديث رواه البخاري في الصلاة (509) باب: يردُ المصلي من مرّ بين يديه.
أبو صَالِحٍ السَّمَّانِ هو ذكوان المدني، ثقةٌ ثبت، مات سنة (71 ) هـ، روى له الستة.
وأبو سعيد هو الخدْري الصحابي المشهور، واسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ، له ولأبيه صحبة.
قوله: «أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَأَيْتُ مِنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ»، أي: كان أبوسعيد يصلي إلى سترة، وهو عادة الصحابة في صلاتهم، كما روى البخاري وغيره: عن أنس رضي الله عنه أنه قال : لقد رأيتُ كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب. ورواه مسلم أيضا ، ولفظه عنده : كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري، فيركعون ركعتين ركعتين، حتى إنّ الرجل الغريب ليدخل المسجد، فيحسبُ أنّ الصلاة قد صُلِّيَتْ، من كثرة من يصليهما.
وهذا يدلّ على حرصهم رضي الله عنهم على هذه السُنة ، والصلاة إلى سُترة ما أمكن. قوله: «إِذْ جَاء رجُلٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ» أي: أراد أن يمر بينه وبين سترته ، وورد في بعض الروايات أنه: الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، ولا يثبت. قوله: «فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ» أي : دفعه بيده في صدره.
قوله: «فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيدٍ ، فَعَادَ، فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ أَشَدَّ مِنْ الدَّفْعَةِ الْأُولَى» أي: لم يجد ممراً وطريقا، إلا من بين يدي أبي سعيد، فأراد المرور مرة أخرى، فدفعه أبو سعيد بأقوى من المرة الأولى. وفيه: أنه يُشرع دفعُ المارّ، ولو لم يكن هناك مسلكٌ غَيْرُ الذي يريد المرور منه، خلافا لإمام الحرمين.
قوله: «فَمَثَلَ قَائِمًا فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثمَّ زَاحَمَ النَّاسَ فَخَرَج» مثل: أي ظل منتصباً قائما، ثم نال أي: شتم أبا سعيد؟! ثم خرج من موضعٍ آخر بين الناس.
قوله: «فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ» أي: اشتكاه إلى مروان بن الحكم، وكان أمير المدينة يومئذ في خلافة معاوية رضي الله عنه. قَالَ: ودَخلَ أَبو سَعِيدٍ عَلَى مرْوانَ، فقال لَه مَرْوانُ: ما لَكَ وَلِابْنِ أَخيكَ؟! جاء يَشْكُوك ؟ أي : لم صنعتَ به ما صنعت آنفا؟ وسماه بابن الأخ باعتبار الإيمان والإسلام.
فَقَالَ لهم أَبو سعيدٍ: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحدُكُم إِلَى شيءٍ يَسْتُرُهُ مِن النَّاس» أي : إذا صلى إلى سترة تستره من مرور الناس أمامه.
قوله: «فَأَراد أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْن يَدَيه، فَلْيَدْفَعْ في نَحْرِهِ» أي : يدفعه في صدره ويمنعه من المرور. قوله: «فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ» أي: يزيد في دفعه له. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُصل إلا إلى سُترة، ولا تدَع أحداً يمرّ بين يديك، فإنْ أبى فلتقاتله؛ فإنّ معه القَرين»، صحيح ابن خزيمة، وقال الألباني: سنده جيد، صفة صلاة النبي (ص82).
وقال: «إذا صلّى أحدُكم إلى سُترة فليدْن منها، لا يقطعُ الشيطانُ عليه صلاته» رواه أبو داود ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (643). فعلى الداخل إلى المسجد إذا أراد الصلاة منفرداً أو إماماً، أن يبادر إلى جدار أو عمود من أعمدة المسجد، أو يضع شيئاً فيصلي إليه. قوله: «فإِنَّما هو شَيْطَانٌ» أي: فعله فعل الشيطان؛ لأنه أبى إلا أن يشوش على المصلي، وإطلاق اسم الشيطان على الإنسان كثير في القرآن والسنة، كما في قوله تعالى: { شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوْحِيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوْرًا}(الأنعام: 112).
أو يحتمل أن يكون المعنى : فإنما الحامل له على ذلك الشيطان (الفتح). وحكم المار بين يدي المصلي كحكم العدو الصائل، يدفع بما يرده، فقوْله: «فَلْيُقَاتِلْهُ» أَيْ: يَزِيدُ فِي دَفْعه الثَّاني، أَشَدّ منْ الْأَوَّل، قال القرطبي: وأَجْمعوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقاتلَه بِالسِّلاحِ، لمُخالَفة ذلك لقَاعدَة الْإِقْبَال عَلَى الصَّلَاةِ، والِاشْتغال بها وَالْخُشُوعِ فيها. اهـ. قال الحافظ: أَطْلَق جَمَاعَةٌ من الشَّافعيَّة أَنَّ لَه أَنْ يُقَاتلَه حَقيقَة؟!
واسْتَبْعد ابن الْعربيِّ ذلك في «الْقَبَس» وقَال: الْمُرادُ بالْمُقَاتَلَة الْمُدَافَعَة. وَأَغْرَبَ الْبَاجيُّ فَقَال: يحتَمل أَنْ يَكُون الْمُراد بالْمُقَاتَلَة: اللَّعْن أَو التَّعْنِيف؟!
وَتُعُقِّبَ بأَنَّه يستَلْزمُ التَّكَلُّمَ في الصَّلَاة! وَهُوَ مُبْطِل، بخلاف الْفعل الْيسِيرِ. ويُمكنُ أَنْ يَكُونَ أَراد أَنَّهُ يَلْعنُهُ داعيًا لَا مُخاطبًا، لَكنَّ فعْلَ الصَّحابيِّ يُخَالِفُهُ، وهو أَدرى بالْمُرَاد.
وقال: وصَرَّح أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: يرُدُّهُ بِأَسْهَل الْوُجوه، فَإِنْ أَبى فبأَشَدَّ، ولَو أَدَّى إِلَى قَتْلِهِ. فَلَوْ قَتَلَ فَلَا شَيءَ علَيه؛ لأَنَّ الشَّارعَ أَبَاح لَه مُقاتَلَتَه، وَالْمُقاتَلَةَ الْمُباحةَ لَا ضمانَ فيها. وَنَقَل عياض وغيره أَنَّ عندهم خلَافًا في وُجُوبِ الدِّية في هذه الْحالَةِ. ولا يجوز للمصلي المشي من مكانه ليدفعه ، ونقل في ذلك الاتفاق، قال في الفتح: ونقَل ابن بطَّال وغيره: الاتِّفاق عَلَى أَنَّه لا يجوزُ لَه الْمشيُ من مَكَانه لِيَدْفَعَهُ، وَلا الْعَمَل الْكَثِير فِي مُدَافَعَتِهِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ أَشَدّ فِي الصَّلاةِ مِنْ الْمُرُورِ. وذهب الْجُمهورُ إلَى أَنَّه إذَا مرَّ وَلَم يَدْفعْه، فلَا يَنبغِي لَه أَنْ يَرُدَّه؛ لِأَنَّ فِيهِ إعادةً للْمُرُور.
ثم هل المنع والْمُقَاتَلَةُ لخَلَلٍ يَقعُ في صَلاة الْمُصَلِّي من الْمرور، أَو لدفْعِ الإِثْم عَنْ الْمَارِّ؟ الظَّاهرُ الثَّاني. وقيل: بل الأَوَّل أَظْهَرُ؛ لأَنَّ إقْبَال الْمُصَلِّي عَلَى صَلاته أَوْلَى لَه من اشْتغَاله بِدَفْع الإِثْم عن غَيْره.
والمرور بين يدي المصلي ينقص أجر الصلاة ولا يبطلها، وَقَدْ روى اِبْن أَبي شَيبة عَنْ ابْن مسعود «أَنَّ الْمُرُور بينَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يَقْطَعُ نِصْفَ صَلَاتِه»، وَرَوَى أَبُو نُعَيْم عَنْ عُمَرَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَا يَنْقُصُ مِنْ صلَاتِهِ بِالْمُرُور بين يديه، مَا صلّى إِلَّا إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ منْ النَّاس».
قال الحافظ: فهذان الْأَثَران مُقْتَضاهما أَنَّ الدَّفْعَ لِخَلَلٍ يتَعلَّقُ بصلاة الْمُصلِّي، ولا يخْتَصُّ بِالْمارِّ، وهما وإنْ كَانا موقُوفين لَفظا فحكْمُهما حُكْم الرَّفْعِ؛ لأَنَّ مثْلَهُما لَا يُقالُ بالرَّأْي. وفي الحديث: أن السترة مشروعةٌ للمُصلِّي، فينبغي للمسلم أن يصل إليها، ويدن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقف قريباً من السترة، فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع . رواه البخاري. وبين موضع سجوده والجدار ممر شاة . متفق عليه
وكان أحياناً يتحرى الصلاة عند الاسطوانة التي في مسجده . وفي صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا وضع أحدُكم بين يديه مثل مُؤْخِرة الرَّحْل؛ فليصلّ، ولا يُبال منْ مرّ وراء ذلك».
فليس على المصلي وزر إذا كان قد احتاط، فاتخذ سترة أمامه. ويحق له عند ذلك أن يدفع المار بين يديه ، كما في حديث الباب. وقد مرّ تحذَّير الرسول صلى الله عليه وسلم من المرور بين يدي المصلي، فقال: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ؛ لكان يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه».
ومما سبق: أن السترة تكون في المسجد، وتكون في الفضاء للإمام والمنفرد، وأن سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه ، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر، فحضرت الصلاة فصلى إلى جدار فاتخذه قبلة، ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمرّ بين يديه، فما زال يُدارئها حتى لصقَ بطنَه بالجدار، ومرّت من ورائه . رواه أبو داود وأحمد.
وأحاديث السترة لا تختص بمسجدٍ دون مسجد، ولا بمكان دون مكان، بل تشمل المسجد الحرام، والمسجد النبوي من باب أولى؛ لأن هذه الأحاديث ؛ إنما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ، فهو المراد بها أصالة، والمساجد الأخرى تبعاً له. وعليه فلا يُتساهل في أمر السترة في هذين المسجدين، إنْ أمكنه أن يصلي إليها، وكذلك لا يتساهل المار بين يدي المصلي فيهما، وهو يجد مندوحة عن المرور بين يديه. وسترة الإمام سترة لمن خلفه، فعن ابن عباس قال: أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى فمررتُ بين يدي الصف فنزلت، فأرسلتُ الأتان ترتع، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك عليَّ أحد . متفق عليه. وهل يستحب دفع المار بين يدي المصلي أم يجب؟ قيل: يستحب، وقيل يجب. قَالَ النَّوويّ: لَا أَعلَمُ أَحَدًا من الْفُقَهاء قَالَ بوجُوب هذا الدَّفْع، بل صرَّحَ أَصحابنَا بأَنَّه مَنْدُوب . انتَهى.
قال الحافظ: وقَد صَرَّح بوجوبه أَهَّلُ الظَّاهر، فَكَأَنَّ الشيخَ لَم يُراجع كَلامَهُمْ فِيه، أَوْ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلافِهِمْ . وهو مروي كذلك عن الإمام أحمد رحمه الله. قال ابن رشد في كتابه: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (1/82): واتفق العلماء بأجمعهم : على استحباب السترة بين المصلي والقبلة ، إذا صلى منفرداً كان أو إماماً ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل». واختلفوا في الخط إذا لم يجد سترة, فقال الجمهور: ليس عليه أنْ يخط، وقال أحمد بن حنبل: يخط خطاً بين يديه. انتهى
وقد سبق بيان أنّ حديث الخط حديث ضعيف. وقال بوجوب السترة أحمد في إحدى الروايتين عنه، والبخاري، ومن المعاصرين العلامة الألباني، رحمة الله عليهم، انظر صفة صلاة النبي (ص 82).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 27-06-2025, 06:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 66 )

بـــاب : ما يــســــــتر المــصــــلي

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
342.عَنْ طَلْحَةَ بن عبيد الله رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي وَالدَّوَابُّ تَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: «مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ ، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ»، وقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: «فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ».
الشرح: قال المنذري : باب ما يستر المصلي . والحديث أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (1/358) وبوب عليه النووي: باب سترة المصلي.
طَلْحَةَ بن عبيد الله هو ابن عثمان التيمي، أبو محمد المدني، المسمى طلحة الفياض، أحد العشرة رضي الله عنهم، استشهد يوم الجمل سنة ثلاثين، وهو ابن ثلاث وستين.
قوله: «مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» مُؤَخِّرَةِ: لغة قليلة في آخرة ، وآخرة الرحل هي: الخشبة التي يستند إليها الراكب على البعير.
قال الحافظ: عد الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة، واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك. فقيل: ذراع، وقيل: ثلثا ذراع، وهو أشهر، لكن في مصنف عبد الرزاق عن نافع: أنَّ مؤخرة رحل ابن عمر كانت قدر ذراع. (الفتح: 1/764).
قوله: «تكونُ بين يديْ أَحدِكُم « ذكرنا فيما مضى: أنها تكون بينه وبين موضع سجوده بقدر ممر شاة، كما في الصحيحين.
أو بينه وبينها ثلاثة أذرع، كما في البخاري وغيره، وسبق في باب: الدّنو من السترة، حديث (259 ) .
قوله: «ثُمَّ لا يضُرُّهُ مَا مرَّ بين يَدَيْه. أي: لا يضره ما يمر من وراء السترة، وقد ورد في حديث أبي جحيفة: «يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الحِمَارُ وَالكَلْبُ لاَ يَمْنَعُ». أي: من وراء السترة، كما قال الإمام النووي: «معناه: يمر الحمار والكلب وراء السترة وقُدَّامها إلى القبلة، كما قال في الحديث الآخر: «ورأيتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بينَ يَدَيْ العَنَـزَة …»، وفي الحديث الآخر: «فَيَمُرُّ من ورائِها المرأةُ والحمَارُ»، وفي الحديث السابق: «ولاَ يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ وَراءَ ذلِكَ». اهـ (شرح مسلم 4/220).
وقَال الإمام أَبُو بكر ابن خزيمة في صحيحه (ح 816): «ففي قوله صلى الله عليه وسلم : «مِثْلُ مُؤَخِّرة الرَّحْل يكونُ بين يديْ أَحدِكُم، ثُمَّ لا يضُرُّهُ مَا مرَّ بين يَدَيْهِ» دلالَةٌ واضحةٌ إذا لَم يكنْ بين يديه مثْلُ مُؤَخِّرَة الرَّحْل، ضرَّهُ مُرُورُ الدَّوَابِّ بين يديه، والدَّوابُّ الَّتي تَضُرُّ مُرُورُها بين يديه ، هي الدَّوابُّ الَّتي أَعْلَمَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّها تقْطَعُ الصَّلاةَ، وهو الحمارُ، والْكَلْبُ الأَسْودُ، عَلَى ما أَعْلَمَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم ، لا غيْرَهُما من الدَّوابِّ الَّتي لا تَقْطعُ الصَّلاة».
وقال الإمام ابن القيم: فإنْ لم يكن سترةٌ، فإنَّه صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه: يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود، وثبت ذلك عنه مِن رواية أبي ذر وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن المغفل ، ومعارض هذه الأحاديث قسمان: صحيحٌ غيرُ صريحٍ، وصريحٌ غيرُ صحيحٍ، فلا يترك لمعارضٍ هذا شأنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي وعائشةُ رضي الله عنها نائمةٌ في قبلته، وكان ذلك ليس كالمارِّ، فإنَّ الرجلَ محرَّمٌ عليه المرور بين يدي المصلي ، ولا يكره له أنْ يكون لابثاً بين يديه، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها، والله أعلم. اهـ (زاد المعاد 1/306).
أي: قد استشكل بعضهم حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وفيه: «وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ صلى الله عليه وسلم وبين القِبْلَةِ».
وقد ردَّ عليه ابن خزيمة فقال: «باب: ذكر الدليل على أنَّ هذا الخبر–أي: حديث أبي ذر- في ذِكر المرأة ليس مضاد خبر عائشة، إذْ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما أراد أنَّ مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلي لا ثوى الكلب ولا ربضه، ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلي، وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدي النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، لا أنها مرَّت بين يديه. اهـ (صحيح ابن خزيمة 2/21).
ثم من مرّ بعد موضع السجود ، فليس ماراً بين يديه، ولا يقطع عليه صلاته، ويقدر ذلك بمترين من المصلي.
والمأموم لا تجب عليه سترة، إنما السترة في صلاة الجماعة من مسؤولية الإمام، وقد ثبت أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى «عنـزة»، وهي عصا في رأسها حديدة، يغرزها في الأرض ويصلي إليها في سفره وغيره، فعن ابن عمر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَان إِذَا خَرَج يومَ العيد، أمَرَ بِالحَرْبَة فَتُوضَعُ بين يديه فيُصلِّي إلَيها، وَالنَّاسُ وراءَهُ، وَكَان يَفْعلُ ذلِك في السّفر ، فمن ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأمَرَاءُ . رواه البخاري (1/753).
أما ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي بمنى إلى غير جدار، فمررّت بين يدي بعض الصف، وأرسلتُ الأتان تَرتع ، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك أحد».
فالجواب: أن حديث ابن عمر رضي الله عنه مثبتٌ ، وابن عباس رضي الله عنه نَفي، والمثبَت مقدَّمٌ على النفي، ولاسيما في مثل هذه الحـال، إذْ قد توضع ولا يراها ابن عباس.
ثُم هو لم يَنْفِها إنما نفى الجدار.
وقد ورد في الباب حديث ضعيف، وهو: «لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ».
قلت: وهو مرويٌّ من حديث أبي سعيد، وأنس، وأبي هريرة، وابن عمر، وجابر، لكنَّه ضعيفٌ لا يحتج به، ولا يفرح بكثرةِ طرقه.
وقد ضعفه العلماء: ابن حزم (المحلى 2/326)، وابن الجوزي (التحقيق 1/427)، والنَّووي (شرح مسلم 4/227)، وابن قدامة (المغني 2/82)، وابن تيمية (مجموع الفتاوى 21/16)، والحافظ ابن حجر (فتح الباري 1/774)، والشوكاني (نيل الأوطار 3/16)، والألباني (تمام المنَّة ص307).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 07-07-2025, 12:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري



شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 67 )

بـــاب : الصـــــلاة إلى حَـــربـــــة

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
343.عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ، أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ .
الشرح: قال المنذري : باب : الصلاة إلى حَربة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/359) في الباب السابق .
وقد رواه البخاري في كتاب الصلاة (494) باب: سُترة الإمام سترةُ من خَلْفه.
قوله: «أمر بالحربة» أي : أَمر خادمة بحمل الحربة ، ليضعها بين يديه .
وفي رواية للبخاري (500) أنه أنس رضي الله عنه : فعنه قال : «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعتُه أنا وغُلامٌ ومعنا عكازةٌ أو عَصا أو عنزةٌ ومعنا إداوة...».
قوله: «وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ» أي: ينصب الحربة؛ حيث لا يكون أمامه جدار.
وقد سبق فيما مضى أن النبيصلى الله عليه وسلم كان يصلى في مسجده إلى الجدار عند المنبر. رواه البخاري في صحيحه (496). وكذا عند الاسطوانة (502) .
وروى معلقاً في الباب : أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً يُصلي بين أسطوانتين، فأدناه إلى سارية، فقال: صلِّ إليها. وصله ابن أبي شيبة.
قال ابن حجر : أراد عمرُ بذلك أن تكون صلاته إلى سترة .
قال ابن بطال‏:‏ لما تقدّم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الحربة ، كانت الصلاة إلى الأسطوانة أولى؛ لأنها أشد سترة ‏.‏
وروى ابن أبي شيبة: من حديث نافع قال: كان ابن عمر إذا لم يجدْ سبيلاً إلى سارية من سواري المسجد ، قال لي: ولّني ظهرك.
وروى ابن أبي شيبة: من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أنه كان ينصب أحجاراً في البريّة، فإذا أراد أنْ يصلي صلى إليها.
ورى ابن أبي شيبة في مصنفه: عن أنس أنه نصب العصا في المسجد الحرام، وصلى إليها.
فهذه الأحاديث والآثار تدل بصورةٍ صريحةٍ، على مشروعية اتخاذ السترة داخل المسجد، كما هو مشروع في الصحارى والفلوات. قال عياض: ولا خلاف أن السترة مشروعة؛ إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه. واختلفوا إذا كان في موضع يأمن المرور بين يديه، وهما قولان في مذهب مالك. ومذهب الشافعية: أنها مشروعة مطلقا لعموم الحاديث .
ولأنها تصون بصره، وتمنع الشيطان المرور، والتعرض لإفساد صلاته، كما جاءت الأحاديث . انتهى .
وقد نص كثيرٌ من الفقهاء على استحبابها في المسجد وغيره ، قال ابن قدامة في « المغنى»: «يُستحب للمصلي أنْ يُصلي إلى سترة, فإنْ كان في مسجدٍ أو بيتٍ صلى إلى الحائط أو سارية, وإنْ كان في فضاء، صلّى إلى شيءٍ شاخصٍ بين يديه, أو نَصبَ بين يديه حربة أو عصا، أو عَرَض البعير فصلى إليه، أو جعل رحله بين يديه .
وسُئل أحمد: يُصلي الرجل إلى سترة في الحضر والسفر؟ قال: نعم، مثل آخرة الرحل.
ولا نعلم في استحباب ذلك خلافاً.
والأصل فيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تُركز له الحَربة فيُصلي إليها، ويَعرض البعير فيصلي إليه.
وروى أبو جحيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له العَنَزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين، يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يُمنع. متفق عليه.
وعن طلحة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا وَضع أحدكم بين يديه مثل مُؤْخرة الرّحل، فليُصلّ، ولا يُبال من مرّ وراء ذلك». أخرجه مسلم . انتهى
142- باب : الصلاة إلى الراحلة
344.عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يُصَلِّي إِلَيْهَا .
الشرح: قال المنذري : باب : الصلاة إلى الراحلة. والحديث رواه مسلم، وهو في الباب السابق .
ورواه البخاري في الصلاة (507) باب: الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل .
قوله: «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ» يعرض بفتح الياء وكسر الراء، وروي: يعرّض، بضم الياء وتشديد الراء، ومعناه يجعلها معترضة بينه وبين القبلة . قال الجوهري: الراحلة الناقة التي تصلح؛ لأنْ يُوضع الرّحل عليها.
وفيه جواز الصلاة إلى الحيوان، وجواز الصلاة بقرب البعير، بخلاف الصلاة في أعطان الإبل فإنها ممنوعة، للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك .
143- باب : المرور بين يدي المصلي من وراء الستر
345.عن عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ : أَنَّ أَبَاهُ رَأَى رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ وَضُوءًا، فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَنَزَةِ».
الشرح : قال المنذري : باب : المرور بين يدي المصلي من وراء الستر . والحديث أخرجه مسلم (1/360) في الموضع السابق .
وأخرجه البخاري في الصلاة (501) باب السترة بمكة وغيرها . عون بن أبي جُحيفة السُوائي، تابعيٌ ثقة، مات سنة (16هـ ) روى له الستة.
أبو جُحيفة اسمه: وهب بن عبدالله السوائي، مشهور بكنيته، ويقال له: وهب الخير، صحابيٌ معروف، صحب علياً، مات سنة (74 هـ ) .
قوله: «أَنَّ أَبَاهُ رَأَى رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ منْ أَدَمٍ». القبة هي الخيمة الصغيرة المستديرة.
والأدم : هو الجلد المدبوغ ، وكأنه صُبغ بحمرة قبل أنْ يُجعل قبة. قاله ابن حجر .
قوله: «وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ وَضُوءًا». الوَضوء بفتح الواو ، هو ماء الوضوء، أي: ببقية ماءٍ توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم .
قوله: «فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ». يبتدرون أي : يتسابقون إليه. «فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِه»، وفي الرواية الأخرى له: «فمن نائل وناضح «معناه: فمنهم من ينال منه شيئا، ومنهم من ينضح عليه غيره شيئا مما ناله، ويرش عليه بللاً مما حصل له، وهو معنى قوله: «فمن لم يُصب أخذ من يد صاحبه». قاله النووي. ففيه : التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وفضل طهوره، وشربه ولباسه وغير ذلك، كما صح في الأحاديث. وهو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ، فلم يتبرّك الصحابة بمن بعده من الخلفاء الراشدين، ولا ببقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كما هو معلوم من سيرهم وأحوالهم.
قوله: «ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا». العَنزة: عصا في أسفلها حديدة . ففيه الحرص على الصلاة إلى سترة . وهو موضع الشاهد من الحديث هاهنا . قوله: «وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ» الحلة : ثوبان ، وهما إزار ورداء. وقد جاء النهي عن لبس الأحمر ، وفي هذا الحديث وصف الحلّة بأنها حمراء ، فكيف يُجمع بينهما؟ قال الحافظ ابن حجر في ذكر الأقوال في لبس الأحمر:
تخصيص المنع بالثوب الذي يُصبغ كله، وأما ما فيه لونٌ آخر غير الأحمر، من بياض وسواد وغيرهما فلا، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء، فإنّ الحلل اليمانية غالباً تكون ذات خطوط حُمر وغيرها. قال ابن القيم: كان بعض العلماء يلبس ثوباً مُشْبعا بالحمرة، يزعم أنه يتبع السنة، وهو غلط، فإنّ الحلة الحمراء من بُرود اليمن، والبرد لا يُصبغ أحمر صرفا ، كذا قال .
وقال الطبري - بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال-: الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحُمرة، ولا لبس الأحمر مطلقاً ظاهراً فوق الثياب، لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا، فإنّ مراعاة زيّ الزمان من المروءة، ما لم يكن إثماً، وفي مخالفة الزّي ضربٌ من الشهرة . اهـ .
قوله: «مُشَمِّرًا»، وفي الرواية الأخرى: «كأني أنظر إلى بياض ساقيه» فيه: جواز إظهار السّاق للرجل، برفع الإزار فوق الكعبين، وأنه لا يجب ستره، وأنّ كشفه ليس مما يُنكر .
وأنت ترى كثيراً الناس في زماننا يُنكرون على الشاب الذي رفع ثوبه إلى أنصاف ساقيه، ولا يُنكرون على المرأة التي كشفت عن ساقيها أو عن بعضهما! فالله المستعان!
قوله: «فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَنَزَة». وفي الرواية الأخرى: «ثم رُكِزَت له عنـزة» أي: رُكِزت للنبي صلى الله عليه وسلم ليُصلي إليها، أي ليجعلها سترةً له .
ولما صلى عليه الصلاة والسلام إلى العَنَزة، كان يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يُمنَع. أي : من وراء العَنَزة، وليس من بين يديه مباشرة. وفيه: أنّ سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه، كما سبق .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 07-07-2025, 12:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري



شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 68 )

باب: النهي عن الاخْتِصار في الصلاة

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
346.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ: «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا».
الشرح: قال المنذري : باب : النهي عن الاخْتِصار في الصلاة .

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/387) وبوب عليه النووي: باب كراهة الاختصار في الصلاة. ورواه البخاري في باب الخصر في الصلاة: عن أبي هريرة بلفظ: «نُهي أن يصلي الرجل مختصرا».

وفي الرواية الأخرى لمسلم: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم » وهي صريحة في رفع الحديث. قوله: «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا»، والخصر هو وسط الإنسان، ومشد الإزار عند الورك .
وأما تفسير الاختصار في الصلاة: فقد اختلف أهل العلم فيه، وجمهور أهل العلم: أنه وضع اليد أو اليدين على الخصر.
قال الامام الترمذي في جامعه: كره بعض أهل العلم الاختصار في الصلاة، وهو أنْ يضع يده أو يديه على خاصرته. وكذا الإمام البيهقي قال: نهى عن التخصر في الصلاة، وهو أن يضع يده على خصره وهو يصلي.
وعليه جماهير المحدثين والشراح. وهو مروي عن جمع من الصحابة، كابن عمر وأبي هريرة، وكلهم فسروا الاختصار في الصلاة: بأن يضع يده على خاصرته .
وقد روى النسائي في سننه (858): عن زياد بن صُبيح قال: صليتُ إلى جنب ابن عمر، فوضعتُ يدي على خصري ، فقال لي: هكذا - ضربة بيده - فلما صليت قلت لرجل: منْ هذا ؟ قال: عبد الله بن عمر، قلت : يا أبا عبد الرحمن، ما رابك مني؟ قال: إنّ هذا الصّلب، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عنه .
وقيل: إن معنى الاختصار في الصلاة: أنْ يُمسك الرجل مِخصَرة في صلاته، والمخصرة: هي العصا، حكاه الخطابي، وتعقبه ابن العربي فقال: ومن قال إنه الصلاة على المخصرة، لا معنى له.
وقيل: أنْ يختصر الصلاة فلا يتمها، ولا يكملها فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها!
وقيل: أنْ يختصر قراءة السورة فلا يتمها، فيقرأ الضحى مثلاً، ويركع قبل إتمامها، ذكره ابن الأثير في النهاية .
وقال بعض العلماء: إن الاختصار المنهي عنه هو: أن يمر بآية السجدة فلا يقرأها، وإنما يتعداها حتى لا يسجد سجود التلاوة في الصلاة .
وهذه المعاني التي ذكرت -وإن كانت تدخل ضمن معنى الاختصار في الصلاة- إلا أن ما فسَّر به الراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو ابن سيرين -رحمه الله- ويؤيده قول ابن عمر -رضي الله عنهما- كما عند أبي داود يلغي هذه المعاني.
قال الحافظ العراقي: والقول الأول هو الصحيح الذي عليه المحققون، والأكثرون من أهل اللغة والحديث والفقه.
وعليه جماهير المحدثين كما سبق، ويشهد له ما في البخاري : من حديث عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تكره أنْ يضع الرجل يده في خاصرته ، وتقول: هو من فعل اليهود. ورواه سعيد بن منصور فزاد «في الصلاة»، وهذا صريح في الحديث .
وقد روى الإمام أحمد: من طريق يزيد بن هارون أنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: نهى عن الاختصار في الصلاة: قال: قلنا لهشام: ما الاختصار؟ قال: يضع يده على خصره وهو يصلي، قال يزيد: قلنا لهشام: ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: برأسه، أي نعم .
ثم إن هذا الاختصار يشمل لو اختصر بيد واحدة أو بيدين، وهذا من باب أولى، فإذا نُهي أن يضع يده على خاصرة واحدة، فمن باب أولى أنه ينهى عن وضع كلتا اليدين على خاصرتيه.
واختلف أهل العلم في الحكمة من النهي عن ذلك على أقوال:
1- فقيل: إنه من فعل المتكبرين ، قاله المهلب بن أبي صفرة، وقال الترمذي (383): وقد كره بعض أهل العلم الاختصار في الصلاة، وكره بعضهم أنْ يمشي الرجل مختصراً.
2- وقيل: إنه من فعل اليهود، وهذا صريحٌ عن عائشة رضي الله عنها .
وروى ابن حبان (2286) وهو في صحيح ابن خزيمة (909): من طريق أبي صالح الحراني، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الاختصار في الصلاة راحة أهل النار». قال أبو حاتم: يعني فعل اليهود والنصارى، وهم أهل النار.
وهذا الحديث ضعيف ضعفه العقيلي، وقال الذهبي في الميزان (2/391): عبدالله بن الأزور عن هشام بن حسان بخبر منكر .
قال الأزدي: ضعيف جدا، له عن هشام عن محمد عن أبي هريرة مرفوعا: «الاختصار في الصلاة راحة أهل النار».
3- وقيل: إنه فعل الشيطان، ويروى: أن إبليس إذا مشى مشى مختصرا، حكاه الترمذي معلقا في جامعه. وروى ابن أبي شيبة: عن حميد بن هلال: أنه إنما كره التخصّر في الصلاة، أنْ إبليس أهبط متخصرا.
وكل الحِكم السابقة ليس عليها دليلٌ مرفوع صحيح، إلا ما جاء من أنه من فعل اليهود كما في حديث عائشة رضي الله عنها.
مسألة: هل النهي عن الاختصار في الصلاة للكراهة أم للتحريم؟ اختلف أهل العلم: فذهب أكثر أهل العلم على أن النهي للكراهة، وهو قول الأئمة الأربعة.
والقول الثاني: أن النهي للتحريم ، وهو مذهب أهل الظاهر، واختاره الشوكاني؛ لأن فيها تشبهاً بأهل الكتاب، وهو الراجح والصواب، فالأصل في النهي المنع والتحريم.
وهل يكره الاختصار في غير الصلاة؟
هو خلاف بين أهل العلم ، والصواب: أنه لا يكره لعدم ورود الدليل على ذلك، والنهي خاص بالصلاة، إلا إذا كان الفعل بسبب كبرٍ أوغطرسة ، فهذا منزع آخر للتحريم.
فالخلاصة: أنّ على المسلم إذا دخل في الصلاة أن يكون على أحسن حال؛ لأنه سيكون بين يدي رب العالمين سبحانه وتعالى، ولا شك ولا ريب أن من وضع يده على خاصرته في الصلاة، لم يكن متأدّباً بالأدب المطلوب، ولو أنّ إنساناً قابل ملكا من مُلوك الدنيا، ووقف بين يديه ، ووضع يده على خاصرته، لربما أدبه على فعله هذا؛ لأنّ هذا لا يليق بمقام هذا الملك، فكيف يليق بملك الملوك عزّ وجل؟!
ولذا أتت السنة النبوية في أن تكون اليدان على الصدر في الصلاة، مما يؤكد النهي عن الاختصار في الصلاة، ووردت السنة أيضا من فعله صلى الله عليه وسلم أن اليدين لها حالٌ وشأن في كل موطن من مواطن الصلاة، فتجد أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً يضع يده اليمنى على اليسرى على الصدر كما سبق، وإذا ركع تكون اليدان على الركبتين، إذا سجد تكون على الأرض، إذا جلس بين السجدتين، أو في التشهد وضع اليد اليمنى على فخذه الأيمن، واليد اليسرى على فخذه الأيسر، وهكذا، مما يدل على أن الاختصار ليس له محلٌ في الصلاة .
والله تعالى أعلم


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 07-07-2025, 12:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري



شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 69 )

باب : النهي أنْ يبزق الرجل أمامه في الصلاة

الفرقان

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
145- 347.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ، فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ، فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَ الْقَاسِمُ، فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.
الشرح:
قال المنذري: باب: النهي أن يبزق الرجل أمامه في الصلاة.
والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/388) وبوب عليه النووي: باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها.
وقد مضى في باب (55) : كفاره البزاق في المسجد، نحوه.
قوله: «رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِد». النخامة ما يخرج من الصدر، والنخاعة ما يخرج من الرأس، يقال: تنخم وتنخع.
قوله: «فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ، فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ»، ففي الحديث تحريم التفل تجاه القبلة إذا كان الإنسان يصلي، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم : « إذا كان أحدُكم يُصلي فلا يَبصق قِبَل وجهه ، فإنّ الله قِبل وجهه إذا صلى» رواه مسلم (1/388).
وفي رواية أنس رضي الله عنه مرفوعا: «.. فإنه يُناجي ربَّه» رواه مسلم (1/390).
فإذا صلى الإنسان فإنّ الله تعالى قبل وجهه، أي: تجاه وجهه وأمامه ؛ ولذلك يحرم على المصلي أنْ يبصق أمامه، أو أنْ يبصق عن يمينه، ولكن يبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى، وهذا إذا كان خارج المسجد إذا كان يصلي في صحراء أو في طريق .
وأيضا: يَحرم التّفل تجاه القبلة عموماً، ولو خارج الصلاة، لحديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ تفل تجاه القبلة، جاء يوم القيامة وتفلُه بين عينيه». أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان (332 – موارد) والألباني في الصحيحة (222).
وفي الحديث: تحريم البصاق في المسجد للنهي عنه، والنهي للتحريم .
وفيه: أنه يجبُ على كل أحدٍ رأى النخامة، أنْ يحكّها أو يدفنها إذا كان فيه تراب؛ لأن هذا من إنكار المنكر وإزالة الأذى، ووجوب ذلك في حق المتنخم آكد، مع التوبة والاستغفار .
فعن أَنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «الْبُزَاقُ في الْمسجدِ خَطِيئَةٌ ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا».
وقد مضى في باب: كفّارة الْبُزَاق فِي الْمَسْجِدِ برقم (250) .
وفيه: أنّ البزاق في أرض المسجد خطيئة، لكن إذا وقع فكفارتها دفنها في تراب المسجد، فإنْ لم يكن له ترابٌ، حكّها أو أخرجها من المسجد.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى بُصاقا في جدار القبلة، أو مخاطا أو نُخامة، فَحكّه. رواه مسلم (1/389).
وفيه: دليل على أن الدفن للنخاعة في المسجد ، واجب على كل أحد؛ إزالةً للأذى وإنكارًا للمنكر؛ لأنه جعلها من مساوئ أعمال أمته، ويتأكّد ذلك في حقّ المتنخع .
ولأنه أذيةٌ للمصلين، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعا: «إذا تَنخّم أحدُكم في المسجد، فليغيّب نُخامته، أنْ تصيب جلدَ مؤمنٍ أو ثوبه فيؤذيه». رواه أحمد (1/179) وأبويعلى بإسناد حسن .
وثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزل إماماً لأجل بصاقه في القبلة ، فجاء في سنن أبي داود: عن أبي سهلة السائب بن خلاد رضي الله عنه: أن رجلاً أمّ قوماً، فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ: «لا يُصلي لكم». فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم، فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: «نعم، إنك قد آذيتَ الله ورسوله». رواه أبو داود (501) وابن حبان (1634) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وأيضا: هذا الحديث فيه دليل منع الإمام من البصاق تجاه القبلة، ومنعه من الإمامة.
وفيه: أنّ الله تعالى قِبَلَ وجه المصلي، وهو فوق العرش سبحانه، كما هو معتقد السلف، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق، وقال: «إنّ الله قِبَل وجه المصلي». رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أبي هريرة مرفوعا: «ما بالُ أحدكم يقومُ مستقبل ربّه فيتنخع أمامه...» رواه مسلم (1/389).
قوله: «فإذا تنخّع أحدُكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه»، أي: لأجل ألا يُؤذي بها غيره من المصلين، وفي رواية أبي داود ( 497 ): «ولكن عن تلقاء يساره إنْ كان فارغا».
قوله: «فإن لم يجد فليقل هكذا، ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض». أي: فإن احتاج أحدكم البصاق واضطره، فإنه يبصق في ردائه ، ويحكه ببعضه حتى يذهب أثره .
وفيه: أن البصاق والمخاط والنخاعة طاهرات، بدليل أنه لا يجب غسله من أرض المسجد، وأنه يجوز أن يبصق في ثوبه.
وفيه: أن البصاق أثناء الصلاة لا يبطل الصلاة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 07-07-2025, 12:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري



شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 70 )

باب: في التثاؤب في الصلاة وكظمه

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
348.عَنْ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ».
وفي رواية: «فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ».
الشرح: قال المنذري: باب: في التثاؤب في الصلاة وكظمه . والحديث رواه مسلم في الزهد والرقائق (4/2293) وبوب عليه النووي: باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب.
وقد رواه البخاري في الأدب من صحيحه (6223): عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله يُحب العُطاس، ويكرهُ التّثاؤب، فإذا عطسَ أحدُكم فحمِد الله، فحقٌ على كلّ مسلمٍ سمعه، أنْ يُشمّتَه، وأما التثاؤب فإنما هو منَ الشيطان، فليرُدَّه ما اسْتطاع، فإذا قال: هَاء، ضحِكَ منه الشيطان».
وفي الأدب (6226) باب: إذا تثاءب فليضعْ يده على فيه.
قوله: «إذا تثاءب»، كذا للأكثر، وجاء في رواية البخاري وأبي داود: «تثاءب» بهمزة بدل الواو.
وقد أنكر الجوهري كونه بالواو، وقال: تقول: تثاءبت على وزن تفاعلت، ولا تقل تثاوبت، قال: والتثاؤب أيضا مهموز، وقد يقلبون الهمزة المضمومة واواً.
وقال غير واحد: إنهما لغتان، وبالهمز والمد أشهر. قوله: «في الصلاة» ورد في الرواية الأخرى عنه دون ذكر الصلاة، فدلّت على العموم .
وقال الحافظ في الفتح (10/612): قال شيخنا في (شرح الترمذي): أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب، ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة، فيحتمل أنْ يُحمل المُطلق على المقيد، وللشيطان غرضٌ قوي في التشويش على المصلي في صلاته، ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشدّ، ولا يلزم من ذلك أنْ لا يكره في غير حالة الصلاة .
قال: ويؤيد كراهته مطلقا: كونه من الشيطان، وبذلك صرّح النووي، قال ابن العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة، وإنما خصّ الصلاة؛ لأنها أولى الأحوالِ بدفعه، لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة، واعوجاج الخِلقة.

قوله: «فليضع يده على فيه»، وفي الرواية الأخرى: «فليمسك بيده على فمه»، وفي حديث أبي هريرة: «فليرده ما استطاع»، أي: يأخذ في أسباب رده. وليس المراد به: أنه يملك دفعه؛ لأن الذي وقع لا يرد حقيقة، وقيل: معنى إذا تثاءب، إذا أراد أن يتثاءب، وجوز الكرماني أن يكون الماضي فيه بمعنى المضارع . قاله الحافظ.
قال الكرماني: عموم الأمر بالرد، يتناول وضع اليد على الفم، فيطابق الترجمة من هذه الحيثية.
قوله: «فإن الشيطان يدخل» ظاهر الحديث أن الدخول للفم حقيقي، كما في رواية أحمد ( 3/37 ): « فإنّ الشيطانَ يدخل مع التثاؤب» وهو صريح .
قال الحافظ: فيحتمل أن يُراد به الدخول حقيقة، وهو وإنْ كان يجري من الإنسان مجرى الدم، لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكراً لله تعالى، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر، فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة.
قال: ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكّن منه; لأنّ من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه.
قال: وأما الأمر بوضع اليد على الفم، فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب، فيغطى بالكف ونحوه، وما إذا كان منطبقا، حفظاً له عن الانفتاح بسبب ذلك.
وفي معنى وضع اليد على الفم: وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود، وإنما تتعيّن اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها، ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره، بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم، ويُستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه. قال: ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة: أنْ يُمسك عن القراءة حتى يذهب عنه، لئلا يتغير نَظْمُ قراءته، وأسند ابن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد وعكرمة والتابعين المشهورين انتهى.
وورد في الرواية الأخرى: «التثاؤب من الشيطان، فإنّ أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان»، قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان، بمعنى إضافة الرضا والإرادة، أي: إنّ الشيطان يُحب أنْ يَرى الإنسان متثائبا؛ لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه، لا إنّ المراد أنّ الشيطان فَعَل التثاؤب.
وقال ابن العربي: قد بيّنا أنّ كلّ فعلٍ مكروه نَسَبه الشرع إلى الشيطان؛ لأنه واسطته ، وأنّ كل فعلِ حسنِ نسبه الشرع إلى المَلَك؛ لأنه واسطته، قال: والتثاؤب من الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة الملك .
وقال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان؛ لأنه يدعو إلى الشهوات، إذْ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد: التحذير من السبب الذي يتولّد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل (الفتح).
وقد ورد في الحديث: «إن الله يحب العطاس».
قال الشيخ ابن عثيمين: قال العلماء: إذا أردت أنْ تكظمه: فَعُضَّ على شفتك السفلى، وليس عضاً شديداً فتنقطع، ولكن لأجل أن تضمها حتى لا تنفتح، فالمهم أنْ تكظم، سواء بهذه الطريقة أو غيرها، فإنْ عجزت عن الكظم فتضع يدك على فمك. انتهى .
وقوله: «فإنّ أحدَكم إذا تثاءب ضحِك منه الشيطان»، وفي رواية الترمذي والنسائي: «فإذا قال: آه، ضحك منه الشيطان».
وقد رواه ابن ماجة (966) عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «إذا تثاءب أحدُكم فليضعْ يده على فيه، ولا يَعْويَ، فإن الشيطان يضحك منه». وفيه: عبدالله بن سعيد المقبري، متهم بالكذب ، وضعفه الألباني في الضعيفة ( 2420 ) .
وقوله: «ولا يعوي» بالعين المهملة، شبّه التثاؤب الذي يسترسل معه بعواء الكلب، تنفيراً عنه، واستقباحا له، فإنّ الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي، والمتثائب إذا أفرط في التثاؤب شابهه.
ومن هنا تظهر النكتة في كونه يضحك منه؛ لأنه صيره ملعبةً له بتشويه خلقه في تلك الحالة .
وفي الحديث: كمال الشريعة الإسلامية وشمولها، وأنها فصَّلت للمسلمين كل ما يحتاجونه من الآداب الحسنة المحبوبة لله تعالى، ونهت عن العادات السيئة المذمومة، والتثاؤب بصوت وبفتح الفم، من جملة العادات المذمومة ، كما سبق في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث .
ومن الخصائص النبوية: ما أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في (التاريخ) من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط. وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: ما تثاءب نبيٌ قط. ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق.
ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان.
ووقع في «الشفاء لابن سبع» أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتمطى؛ لأنه من الشيطان، والله أعلم (الفتح).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 13-07-2025, 07:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 71 )

باب: حمل الصّبيان في الصلاة

الفرقان


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
349.عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ[ يَؤُمُّ النَّاسَ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ - وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا».
الشرح :
قال المنذري: باب: حمل الصّبيان في الصلاة .
والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/385-386) وبوب عليه النووي: باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.
أبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي -بكسر الراء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء- مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وقيل: مات في خلافة علي بالكوفة، وهو ابن سبعين سنة، ويقال: سنة أربعين، وقيل: إنه كان بدريا، ولا خلاف أنه شهد أُحدا وما بعدها .
قوله: «رَأَيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّ النَّاسَ»، أي: في الفريضة، وفي رواية لأبي داود: «بينا نحن نتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر»، وفيه ردٌ على من قال: إن ذلك كان في النافلة.
قوله: «وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ - وهي ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا»، قال النووي: فيه دليلٌ لصحة صلاة من حمل آدميا، أو حيوانا طاهراً، من طير وشاة وغيرهما انتهى.
وفي حملها في الصلاة، ثم إنزالها على الأرض عند الركوع، ثم حملها عند القيام من السجود أفعالٌ في الصلاة، دعت إليها الحاجة فجازت .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم نحوه، فقد ورد في الصحيحين وغيرهما: «أنه صلى الله عليه وسلم صلّى على المنبر، وكان إذا أراد السجود نزل عنه إلى الأرض فسجد ثم يعود ، وفعل ذلك حتى فرغ من صلاته».
فالصحيح أنّ هذه الأحاديث كانت لبيان الجواز، وهي شرعٌ مستمر للأمة من بعده.
وقال بعض الفقهاء: إنْ كان في النافلة جاز، وهو مرويٌ عن مالك، وكأنه لما رأى المسامحة في النافلة قد تقع في بعض الأركان والشرائط، كان ذلك تأنيساً بالمسامحة في مثل هذا.
وقال بعضهم: إنّ هذا الفعل كان للضرورة! وهو مروي أيضا عن مالك، وفرّقَ بعض أتباعه بين أن تكون الحاجة شديدة؛ بحيث لا يجد مَنْ يكفيه أمر الصبي، ويُخشى عليه؛ فهذا يجوز في النافلة والفريضة.
وقال بعضهم: إنْ كان حمل الصبي في الصلاة على معنى الكفاية لأمه، لشغلها بغير ذلك ، لم يصلح إلا في النافلة، وهذا أيضا فيه إشكال: فإن الأصل استواء الفرض والنفل، في الشرائط والأركان والواجبات، إلا ما خصّه الدليل .
وقال بعضهم: إن هذا منسوخ! وهو مروي أيضا عن مالك .
قال الحافظ أبو عمر: ولعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة بغيرها، وقد ردّ هذا بأن قوله صلى الله عليه وسلم : «إنّ في الصلاة لشُغلا»، كان قبل بدر عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة، فإنّ قدوم زينب وابنتها إلى المدينة كان بعد ذلك، ولو لم يكن الأمر كذلك، لكان فيه إثبات النسخ بمجرد الاحتمال.
وقيل: إن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره القاضي عياض !
والأصل عدم الخصوصية كما هو معلوم إلا بدليل واضح .
وقيل: هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم إذْ لا يؤمن من الطفل البول وغير ذلك على حامله، وقد يعصم منه النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم سلامته من ذلك مدة حمله!
وقيل: إنما كان هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم لأمامة، لتعلّقها بالرسول صلى الله عليه وسلم وتأنسها به؛ فلذا كان يحملها في صلاته.
وحكى النووي ما سبق، ثم قال: وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيحٌ صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يُخالِف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه من النجاسة مَعفوّ عنه لكونه في معدته، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا، والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قَلَّتْ أو تَفَرَّقَتْ . اهـ .
وقال صديق حسن خان أيضا نحوه ثم قال: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بياناً للجواز انتهى.
فعليه: لو حَمَلتْ المرأة صبيّاً يلبس حفاظاً، وهي لا تَعلم عن هذا الحفّاظ، فصلاتها صحيحة، ولا حرج عليها في ذلك، فالنجاسة المظنونة لا يُلتَفتْ إليها؛ لأن الطهارة يقين فلا يُنتَقل عن هذا اليقين إلا بيقين، للقاعدة: اليقين لا يَزول بالشكّ.
ولو كان بالحفّاظ نجاسة، إلا أنه غير ظاهرة، ولا تتعدى لملابس المصلي، فلا تُمنع منه على الأظهر.
أما إذا تعدّى البلل الحفّاظ، فلا يجوز لها حَمله في الصلاة.
وفي الحديث ردٌ على من قال من الفقهاء: أن ثلاث حركات متوالية في الصلاة تفسدها!
وقال بعض مصنفي أصحاب الشافعي: إن العمل الكثير إنما يفسد الصلاة إذا وقع متواليا، وهذه الأفعال قد لا تكون متوالية، فلا تكون مفسدة، والطمأنينة في الأركان -لاسيما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - تكون فاصلة، ولا شك أن مدة القيام طويلة فاصلة.
قال حسن خان: ومن لطائف هذا المقام: أن الشوكاني رحمه الله قد سئل عن حمل العمامة الساقطة في الصلاة، أهو جائز أم لا؟ فأجاب: إن حمل العمامة ليس بأثقل من حمل أمامة انتهى.
وفي حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في الصلاة؛ فَإِذَا سجد وَضَعَها, وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، يدل على رحمته صلى الله عليه وسلم بالصِّبيان، فأمامة هذه بنت بنته صلى الله عليه وسلم .
ومما ينبه عليه: أن الحديث ليس دليلا على إحضار الصبيان للمساجد باستمرار، ولا أنّ حَملَهم في الصلاة سُنّـة، وإنما يؤخذ منه جواز ذلك إذا احتاج الإنسان إليه، أو إذا لحِقَ الصبي أباه دون أن يتعمّد هو فِعل ذلك.
والله أعلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 22 ( الأعضاء 0 والزوار 22)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 177.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 171.63 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]