الحديث التاسع عشر/ شرح الأربعين النووية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131165 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-10-2009, 11:09 PM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي الحديث التاسع عشر/ شرح الأربعين النووية

الحديث التاسع عشر



ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لااله الا الله وان محمدا عبده ورسوله بلغ الامانة وادى الرسالة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده ، اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين

أما بعد : فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإن شر ألامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.





عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) . رواه الترمذي وقال :" حديث حسن صحيح ".


وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة ، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ) .




تخريج الحديث


رواه الإمام الترمذيورواه الإمام أحمد وغيرهما والترمذي قال عنه حديث حسن صحيح.





عبد الله بن عباس هو ابن عم النبيصلي الله عليه وسلم وهو في حياة النبي صلي الله عليه وسلم كان صغيرا إذ ولد قبلالهجرة بسنتين أو ثلاثة ولذلك خاطبه النبي صلي الله عليهوسلم عندما كان خلفه يومارديفا له على حمار فقال يا غلام والغلام: كما هو معلوم ما كان بين ثلاث سنوات وإلي عشرسنوات وبعضهم يقول إلى الخمسة عشر سنة أي البلوغ.


هذا الحديث عظيم جدا يحتوي على قواعد كلية مهمة من أمور الدين ووصايا عظيمة ،من جوامع وصاياه صلى الله عليه وسلم، التي يجب علينا أن نتأملها ونتدبرها، وألا نضيعها، والتي لا غنى للمسلم عنها.


نقل الحافظبن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم عن بعض أهل العلم قال لقد تدبرت هذا الحديث فأدهشني فكدتأن أطيش فوا أسفاه من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه .


حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة ، وأولى اهتماما خاصا للشباب ، لأنهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعوّل عليها نصرة هذا الدين ، وتحمّل أعباء الدعوة. فهذه الوصية خص بها ابن عمه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما , جمعت خيري الدنيا والآخرة؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى عبد الله بن عباس، وأمره بقوله يا غلام إني أعلمك كلمات وهذا اللفظ فيه تودد المعلم والأب والكبير إلى الصغار، وإلى من يريد أن يوجه بالألفاظ الحسنة، فهو استعمل -عليه الصلاة والسلام- لفظ التعليم: إني أعلمك كلمات وهي أوامر، فلم يقل له -عليه الصلاة والسلام-: إني آمرك بكذا وكذا، وإنما ذكر لفظ التعليم؛ لأنه من المعلوم أن العاقل يحب أن يستفيد علما .فقال له: يا غلام إني أعلمك كلمات والكلمات: جمع كلمة والمقصود بها هنا: الجمل؛ لأن الكلمة في الكتاب والسنة غير الكلمة عند النحاة، الكلمة عند النحاة: اسم أو فعل أو حرف، أما في الكتاب والسنة فالكلمة: هي الجملة، كما قال -جل وعلا-: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَايريد بها ما جاء في الآية قبلها: رَبِّ ارْجِعُونِ .


إني أُعَلمُكَ كَلِمَاتٍ" قال ذلك من أجل أن ينتبه لها, يعني: إني أعلمك جملا ووصايا، فأرعها سمعك.


"اِحْفَظِ اللهَ يَحفَظكَ"هذا تركيب شَرطي ، تركيب طلبي جزائي ، العلاقة حتميةٌ بين المقدمة والنتيجة .


احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ) ، الفعل والجواب من صيغةٍ واحدة ، احفظ يحفظ ، اذكر يذكر : كما في قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) ( سورة البقرة : من آية " 152 " )


إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)


وأولى الوصايا التي احتواها هذا الحديث وأول كلمة هي قوله صلى الله عليه وسلم


"اِحْفَظِ اللهَ يَحفَظكَ" هذه كلمة عظيمة جليلة ووصية جامعة ترشد المؤمن بأن يراعي حقوق الله تعالى ، فحفظ العبد ربه -جل وعلا- المراد منه: أن يحفظه في حقوقه ,يحفظ حدوده وشريعته ويلتزم بأوامره وما فرض عليه ولايتهاون به ويجتنب نواهيه، ويقف عند حدود الشرع فلا يقربها ولا يتعداها ، ويمنع جوارحه من استخدامها في غير ما خلقت له ، فإذا قام بذلك كان الجزاء من جنس العمل ، مصداقا لما أخبرنا الله تعالى في كتابه حيث قال : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } ( البقرة : 40 . أمران متقابلان أن يحفظ العبد ربه جل وعلاوالمقابل لهذا أن يحفظ الله سبحانه وتعالي عبده. "اِحْفَظِ اللهَ يَحفَظكَ" فإذا حفظت الله انظر عندها كيف يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك يحفظ الله تعالى عليك دينك، ويصون عقيدتك من الزيغ، ويقيك من هواجس النفس ورجس الضلال، وكيف يحميك من شرار الخلق، ويمنعك من شياطين الإنس والجن، ويدفع عنك كل أذى لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانه وأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله عزّ وجل هدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17) ، وعُلِمَ من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزّ وجل وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله عزّ وجل . فمن حفظ الله تعالى في شبابه وقوته حفظه الله تعالى حالَ كبره وضعف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وعقله، وأكرم نزلَه يوم القيامة، فأظلَّه بظَّل عرشه حيثُ لا ظِلَّ إلا ظلّه، كما ثبت في الصحيحين: " سبعة يظللهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشابُ نشأ في عبادة الله عز وجل..".ولعل هذا هو السر في توجيهه صلى الله عليه وسلم هذه الوصية لابن عمه رضي الله عنه، وهو فتى في مقتبل العمر، ليغتنم الشباب وحيويته، والفتوة ونشاطها.


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)). ( الترمذي وأحمد)


الرأس وما وعى ، فالرأس فيه العين ، والأذن ، واللسان ، حفظ اللسان بقول الحق ، واجتناب ما نهى الله عنه ، وحفظ العين بغض البصر عن عورات المسلمين ، وحفظ الأذن بكفها عن سماع ما لا يرضي الله عزَّ وجل ، فإذا غض العبد البصرعن محارم الله فقد حفظ عينه ، وإذا كف عن سماع الغيبة ، والنميمة ، والمنكر ، وقول الزور ، ، والغناء ، فقد حفظ أذنه ،واذالم يتكلم بما لا يرضي رب العالمين فقد حفظ لسانه ،.


وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ... أن يحفظ العبد قلبه من سوء الظن بالله ، من أمراض النفس ؛ من العجب ، الحقد ، الأنانية ....


فإذا حفظ العبد ربه، أي: حفظ حدود الله تبارك وتعالى وأوامره؛ فلم يجده حيث نهاه، ولم يفتقده حيث أمره؛ فإنه ينال بذلك تلك الدرجة، وهو أن يحفظه الله تبارك وتعالى، وأن يجد ربه سبحانه وتعالى معيناً له وناصراً وموفقاً ومؤيداً، كما هي سنته التي كتبها: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ[غافر:51]، فهذا وعد منه سبحانه وتعالى لا يتخلفأبداً، فمن كان مع الله؛ مقيماً لأمره، متقياً له ومراقباً؛ فإن الله سبحانه وتعالى سوف ينصره ويؤيده، ويوفقه لمزيد من الطاعة.


وإذا حفظ الله تعالى في دنياه حفظه في آخرته ، فوقاه من النار وأعدّ له جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين: تناديه الملائكة: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق: 32-35]. وفاءً بما بشَّرك به الله تعالى إذ قال:{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112].


وحقوق الله -جل جلاله- نوعان:


حقوق واجبة، وحقوق مستحبة، فحفظ العبد ربه يعني: أن يأتي بالحقوق الواجبة، والحقوق المستحبة، فمن أتى بالواجبات والمستحبات فقد حفظ الله -جل وعلا-؛ لأنه يكون من السابقين بالخيرات، والمقتصد قد حفظ الله -جل وعلا- إذ امتثل الأمر الواجب، وانتهى عن المُحَرَّم. فأدنى درجات حفظ الله -جل وعلا- أن يحفظ الله -سبحانه وتعالى- بعد إتيانه بالتوحيد بامتثال الأمر، واجتناب النهي، والدرجة التي بعدها المستحبات، هذه يتنوع فيها الناس، وتتفاوت درجاتهم.


كيف يحفظ العبد ربه جلوعلا؟

يحفظ العبد ربه جل وعلابإيمانه به بعبادته بمعاملته بجوارحه بيديه برجليه بفمه بعينيه ببطنه بفرجه, يحفظالعبد ربه أثناء حياته كلها.


قالتعالي"﴿حَافِظُوا عَلَىالصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى[البقرة:


وفي الوضوءقال النبي صلي الله عليه وسلمولم يحافظ على الوضوء إلا مؤمن


أيضا ورد الحفظ للفروج﴿وَالَّذِينَ هُمْلِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ (المؤمنون:5


وورد الحفظأيضا على الأيمان ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ المائدة: من الآية89يعني الحلف والقسم.


وورد الحفظ أيضابقوله صلى الله عليه وسلم( من حفظ لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة(




و الحفظ الذي وعد الله به من اتقاه يكون في الدين والدنيا والآخرة.

الأول : حفظ الله للعبد في دينه ،بأن يسلم له دينه بإخلاء القلب من تأثير الشبهات فيه، وإخلاء الجوارح من تأثير الشهوات فيها، وأن يكون القلب معلقا بالرب -جل وعلا-، وأن يكون أُنسه بالله، ورغبه في الله، وإنابته إليه، وخلوته بالله -جل جلاله-. فيحميه من مضلات الفتن ، وأمواج الشهوات ، ولعل خير ما نستحضره في هذا المقام : حفظ الله تعالى لدين يوسف عليه السلام ، على الرغم من الفتنة العظيمة التي أحاطت به وكادت له ، يقول الله تعالى في ذلك : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } ( يوسف : 24 ) ، وتستمر هذه الرعاية للعبد حتى يلقى ربّه مؤمنا موحدا .







الثاني حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه ، فيحفظه في بدنه بأن يصحه,يحفظ له مصالحه,وماله بأن يعطيه حاجته، أو أن يوسع عليه في رزقه،وأهله بأن يحفظ له أهله وولده،، و يحفظه من المهالك و من اعتداء المعتدين على أهله وماله, وكل ما للعبد فيه مصلحة في الدنيا فإنه موعود بأن تحفظ له إذا حفظ الله -جل وعلا- بأداء حقوق الله -جل جلاله- والاجتناب عن المحرمات ,يوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته ، كما قال تعالى : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } ( الرعد : 11 ) أي : بأمره ، قال ابن عباس : " هم الملائكة يحفظونه بأمر الله " وهو عين ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء : ( اللهم إني أسألك العفو والعافية ، في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) رواه أبو داوود و ابن ماجة ، وبهذا الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار ، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ ، وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع ، وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في ذريّته بعد موته ، كما قال سعيد بن المسيب لولده : " لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك " ، وتلا قوله تعالى : { وكان أبوهما صالحا } ( الكهف : 82 ) .


وحفظ الله يخلص من المصائبوالمهلكات, كما نعلم من قصة الثلاثة الذين ذهبوا في الصحراء فجاءت الأمطار والرياح والشدة فآووا إلي غارفلما جلسوا في الغار مع الأمطار الشديدة نزلت صخرة فسدت باب الغار,لا يستطيعالثلاثة ولا غيرهم يزيح هذه الصخرة تشاوروا فيما بينهم فما كان منهم إلاسؤال الله جل وعلا بخالص أعمالهم سأل الله الأول ببره بأبويه وسأل الثاني لتركهللمعصية وهو قادر عليها والثالث سأل ربه بصالح عمله وبأمانته فلما دعا الأول انفرجتالصخرة شيئا قليلا ، لما دعا الثاني انفرجت كذلك فلما دعا الثالث انفرجت الصخرة إذنحفظ الله خلصهم من المصيبة والمشكلة التي كادت أن تهلكهم .



من القوانين الثابتة أنه : " من حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته ، ومتعه بسمعه وبصره ، وحوله وقوته ، وعقله.


كان بعض العلماء قد تجاوز المئة ، وهو ممتع بقوته وعقله ، فوثب يوماً وثبةً شديدة ، فتعجب الحاضرون من قوته ! فقال هذا العالم : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً .



ويحفظه في الآخرة: يحفظه عند الموتويحفظه في ما بعدالقبر يوم الحشر والنشر وعند المرور على الصراط الذي هو أدق من الشعر وأحد من السيف من يضمن له هذا المرور حتىيصل إلي الجنة أو النار و العياذ بالله. ويجعله مع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.


الكلمة الثانية"احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجَاهَكَ" يعني: أي أمامك تجد الله عزّ وجل أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه ويذود عنك كل شر ولا سيما إذا حفظت الله بالاستعانة به فإن الإنسان إذا استعان بالله عزّ وجل وتوكل عليه كان الله حسبه ولا يحتاج إلى أحد بعد الله قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال:64)


أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين فإذا كان الله حسب الإنسان فإنه لن يناله سوء ولهذا قال: "احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجَاهَكَ" .


احفظ الله تجده دائما قريبا منك، يعطيك ما سألت، كما جاء في الحديث القدسي ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه . وقد نص الله تعالى في كتابه: أن العمل الصالح ينفع في الشدة وينجي فاعله ، وأن عمل المصائب يؤدي بصاحبه إلى الشدة ، قال الله تعالى حكاية عن يونس عليه الصلاة والسلام : {فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [الصافات ولما قال فرعون : {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } قال جلا وعلا: {الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } [يونس :90-91].


ولهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يدعو الله كثيرا أن يُحفَظَ من الفتن وأن يحفظه الله -جل وعلا- من تقليب القلب، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك


ولكن الفوز بهذا الحفظ الموعود العظيم يتطلب من المسلم إقبالا حقيقيا على الدين ، واجتهادا في التقرب إلى الله عزوجل ، ودوام الاتصال به في الخلوات ، وهذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية لهذا الحديث : ( تعرّف إلى الله في الرخاء ، يعرِفك فـي الشدة ) ، فمن اتقى ربه حال الرخاء ، وقاه الله حال الشدّة والبلاء .


الكلمة الثالثة( إذا سأَلت فاسأَل الله ) السائل دائماً مفتقر وذليل ، و يشعر بالضعف ، والمسؤول دائماً قوي وغني ، ودائماً مسيطر ، والعبودية لله عزَّ وجل تقتضي ألا يقف العبد موقفاً ذليلاً إلا لله عزَّ وجلفمهما مرَّغ العبد جبهتك في أعتاب الله ، ومهما ألح عليه في الدعاء وفي السجود، فهو شرفٌ و عزٌ له ، و رفعةٌ له ، أما الذل أن يقف موقف السائل أمام إنسان قد يجيبه أو لا يجيبه ، قد يشفق عليه وقد يشمت به ، قد يحبه ويتمنى أن يعطيه ، ولكنه لا يملك .


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ)) .(رواه الترمذي )


وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ لَا يَسْأَلْهُ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)) .(أحمد)


اذن العبد لا ينبغي له أن يتعلق بغير الله ، بل يتوكل عليه في سائر أموره ، فإن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر على أيدي خلقه : كطلب الهداية ، وشفاء المرض ، وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة ، سأل ربه ذلك . وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقه ، كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع وولاة الأمور ، سأل الله تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول : اللهم حنن علينا قلوب عبادك وإمائك ، و ما أشبه ذلك ، ولا يدعو الله تعالى باستغنائه عن الخلق لأنه صلى الله عليه وسلم سمع علياً يقول : اللهم اغننا عن خلقك فقال : (( لا تقل هكذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض ، ولكن قل : اللهم اغننا عن شرار خلقك )) وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم ، ويروى عن الله تعالى في الكتب المنزلة : أيقرع بالخواطر باب غيري وبابي مفتوح ؟ أم هل يؤمل للشدائد سواي وأنا الملك القادر ؟ لأكسونَّ من أمل غيري ثوب المذلة بين الناس .


عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ)) .


( من سنن الترمذي)


وورد في الأثر عن رسول الله : (( ليسأل الله أحدكم ملح عجينه وعلف دابته)) .



قوله صلى الله عليه وسلم إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله مأخوذ من قول الله -جل وعلاإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وفيه إفراد الله -جل وعلا- بالاستعانة وبالسؤال، وهذه على مرتبتين:-


الأولى: واجبة، وهي التوحيد بأن يستعين بالله -جل جلاله- وحده دون ما سواه فيما لا يقدر عليه إلا الله -جل وعلا-، فهذا واجب أن يُفرد الله -جل وعلا- بالاستعانة، وكذلك أن يسأل الله -جل وعلا- وحده فيما لا يقدر عليه إلا الله -جل وعلا-، هذا هو المعروف في التوحيد فصرف الدعاء لغير الله -جل وعلا- شرك، وكذلك في الاستعانة التي يكون صرفها لغير الله -جل وعلا- شركا.


المرتبة الثانية: المستحبة، وهو أنه إذا أمكن العبد أن يقوم بالعمل، فإنه لا يسأل أحدا من الناس شيئا، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم رهطا من أصحابه على ترك سؤال الناس ، وكان منهم أبوبكر الصديق و أبو ذر الغفاري و ثوبان رضي الله عنهم أجمعين ، فامتثلوا لذلك جميعا ، حتى إن أحدهم إذا سقط منه سوطه أو خطام ناقته لا يسأل أحدا أن يأتي به .قال الراوي: فكان أحدهم يسقط سوطه فلا يسأل أحدا أن يناوله إياه وهذا من المراتب التي يتفاوت فيها الناس.


وصدق أبو العتاهية إذ قال :

لا تسألن بني آدم حاجـة وسل الذي أبوابه لا تُحجب


فاجعل سؤالك للإله فإنمـا في فضل نعمة ربنـا تتقلب




فالله تعالى هو وحده المدعو والمرجو، والمبتغى المطلوب بالعبادة، وهو أيضاً وحده المستعان، وعليه التكلان لتحقيق ما نريد، وقد أثنى الله على عباده المتعففين فقال : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } البقرة : 273


وهذا الثناء على المتعفّفين إنما هو متوجه لمن تعفّف عن سؤال الناس فيما يقدرون عليه ، وما يملكون فعله ، أما ما يفعله بعض الجهلة من اللجوء إلى الأولياء والصالحين الأحياء منهم أو الأموات ، ليسألونهم ويطلبون منهم أعمالاً خارجةً عن نطاق قدرتهم ، فهذا صرفٌ للعبادة لغير الله عزوجل ، وبالتالي فهو داخل تحت طائلة الشرك .


فتعلق القلب بالخلق مذموم، والذي ينبغي على العبد أن يتوكل على الله، وأن يعلق قلبه بالله -جل وعلا-، وألا يتعلق بالخلق، بل فينظر إليهم على أنهم أسباب، والنافع والذي يجعل السبب سببا، وينفع به هو الله -جل وعلا-.

يتبع
__________________
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 176.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 174.90 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.98%)]