الحلم الآخر في بيت حانون

[ابوحسن الفلسطيني]

الحلم الآخر في بيت حانون

أوى الأطفال إلى أحضان أمهاتهم كعادتهم، فهل هناك أكثر حناناُ من حضن الأم للجوء إليه مع أجمل الأحلام؟
كان الحضن دافئاُ جميلاُ كعادته، وكذلك كان الحلم..
بدأت الأحلام جميلة صافية...
ما أجملها من أحلام..أحلام الأطفال...جنان هنا وهناك..و طيور تملأ الجو سعادة..
ابتسم الأطفال..و أنشدوا مع الطيور...كلاماُ لم يفهموه..لكنه كان مليئاُ بالغبطة و الهناء و الغناء و التغريد..
حلم الأطفال لو يطيروا مثل هذه الطيور...يحلقوا معها..ويطيروا خلفها ليبتعدوا عن هذه الأرض القاسية...
أمسك كل طفل بحضن أمه..ليس أنه لا يريد الإبتعاد، بل لأنهم يتمنون لو لحقت بهم أمهاتهم وصعدت معهم إلى السماء...كيف لا..وأنت تحب أن تشارك سعادتك وفرحك وابتهاجك مع من تحب..
كانت أحلامهم تمتد و تطول..و الطيور تملأ السماء..أصبحت ابتسامات الأطفال ضحكات بريئة...وقد شعروا أنهم سيطيرون مع أمهاتهم..بل في أحضانهن.معاُ..إلى بلاد لم يعرفوها إلا في الأحلام..
كانت مشاهد الحلم هذه المرة تختلف عن سابقتها...السعادة غامرة..والأطفال يتسابقون ويمرحون من حضن إلى حضن...هذا الحضن الذي يطير معهم أيضا...و كل أم تلتصق بإبنها أو ابناءها...
فجأة، عم السواد المشهد..و جاءت أصوات غريبة عليهم...
أصوات مزعجة و رهيبة...
رعب جديد..رغم أنهم عاشوه في حياتهم..لكنه أيضاُ اختلف هذه المرة....
تماسك الجميع مع بعضهم البعض....
و تصاعدت الأصوات....
انقلب الحلم إلى كابوس مرعب..
انقلبت الطيور و الحمائم إلى ما يشبه الصقور و النسور....لكنها كانت أشرس...
أخذت تقذف بدمار و نار و دخان هنا وهناك...
لم يرض أحد أن يبتعد عن الحضن الدافيء..ورفض أي حضن أن يترك أحباءه...
تصاعدت أصوات و تطايرت أشلاء...لم لا..فالشر قادم ليفرق بين كل الأحبة...الشر قادم ليقتل كل حلم..الشر قادم ليدمر كل ما هو جميل...
وانتهى الحلم..ليبدأ حلم آخر...يتحقق هذه المرة...
فقد تحول الأطفال فعلاُ إلى طيور....تحميها حمائم تطير حولها و خلفها....
هذه الحمائم لم تكون سوى امهاتهم...
انطلقوا جميعاُ في سرب واحد..يملأون السماء غناء و نشيداُ و مرح...
انطلقوا إلى بيتهم..هناك....بعيدا عن كل ما هو عنيف و شرير و دامي...
هناك في زاوية من زوايا الجنه....بيت آمن لهم...
بيت يسكنون فيه ابد الآبدين...
بيت مليء بالحنان....
بيت جميل سيسمونه.....
بيت حانون