من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم(8) (تعبدات النبي صلوات الله عليه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 871 - عددالزوار : 119457 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 8862 )           »          البشعة وحكمها في الشريعة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1197 )           »          لا تقولوا على الله ما لا تعلمون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 21978 )           »          اصطحاب الأطفال إلى المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صلة الرحم ليس لها فترة زمنية محددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الدعاء بالثبات والنصر للمستضعفين من المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الأسباب المعينة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-10-2024, 03:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,278
الدولة : Egypt
افتراضي من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم(8) (تعبدات النبي صلوات الله عليه

من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (8)

(تعبُّدات النبي صلوات الله عليه ودلالتها على صدقه في دعوى النبوة)

د. علي حسن الروبي

لعل عنوان هذه المقالة يُثير استغراب القارئ لهذه السلسلة، فقد جرينا فيها على إعمال العقل لإثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوَّة، في حين يشير هذا العنوان إلى عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمر مقبول بين المؤمنين بالرسالة المتبعين لنبيِّها صلوات الله عليه، المقرين له بالصدق ابتداء... أما الخصوم والمشكِّكُون فكيف يمكن أن يقنعوا أن ملازمة العبادة الكثيرة دليل على صدق ادِّعاء النبوة؟!

وجوابًا أقول:
إن الذي دعاني لاعتبار تعبُّدات النبي صلى الله عليه وسلم وتألُّهاته من دلائل صدقه في دعوى النبوة= هو نفس ما يمكن أن يتمَسَّك به المخالفون من كون التعبُّد والتألُّه لا مدخل له في قضية صدق دعوى النبوة.

وبيان ذلك أننا نقول: إن الرجل العربي الذي كان معاصرًا للنبي صلى الله عليه وسلم قد يحمله على التصديق به ما رآه أو نقل إليه مستفيضًا من وقوع المعجزات على يديه؛ كنبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام الكثير، وشفاء من دعا له بالشفاء ونحو ذلك، أو بما يسمعه من القرآن المقرون بالتحَدِّي بالإتيان بمثله، أو بما استفاض عنده من استقامة حال محمد صلى الله عليه وسلم على حالة واحدة من الصدق والعِفَّة والأمانة وكريم الشمائل، وبُعْده عن تهمة الكذب.

لكن هذا العربي لن يغريه بالإسلام أن يقال: إن محمدًا كثير التعَبُّد من صلاة وصيام وذكر لله، فهذا شأنٌ لا يحمل على التصديق أو التكذيب.

وإذا ثبت هذا، فيتقَرَّر عنه أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن بحاجة إلى التزام التعَبُّد والجد فيه، وأخذ النفس به إلى درجة قاسية كما عُرِف من حاله؛ لأن ذلك ليس له تأثير في إيمان الناس به وتصديقهم أنه نبي أو كفرهم بدعوته وتكذيبهم له.

ثم بعد هذا التقرُّر، إذا ما ألقينا نظرةً على سيرة محمد صلى الله عليه وسلم فيما يخص الجانب التعَبُّدي سنجد أنه كان يُلزِم نفسه بمرتبة متعبة منهكة من التعَبُّد والإخبات، وهذا يدعو للتساؤل: ما الحامل لهذا الرجل إن لم يكن نبيًّا وكان مدعيًا للنبوَّة كما يزعم الخصوم أن يتعب نفسه كل هذا الإتعاب، ويجهدها كل هذا الجهد، ويشق عليها كل هذه المشقة مع أنها لا تفيده شيئًا على أرض الواقع، ولا تقدم له ولا تؤخِّر في قضيته الرئيسة وهي ادِّعاء النبوَّة؟!

ما الذي يدعو رجلًا يقول الخصوم: إنه متنبئ وليس نبيًّا ودجَّال وليس رسولًا= أن يجعل فيما اخترعه وافتراه على الله من القول أمرًا إلهيًّا وتكليفًا خاصًّا له بترك النوم والصلاة بالليل لمدة طويلة جدًّا، وليس في هذا التكليف -بالحسابات الدنيوية- تشريف دنيوي له أو إشادة به، أو ما يساعده على مطلبه من خداع الناس والتمويه عليهم؟ بل هو تكليف بأمر شاقٍّ على النفوس، ثقيل على القلوب، مُجْهِد للأبدان؛ فقد جاء في سورة المزمل وهي من أوائل ما نزل من القرآن: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4].

فيُطلب منه الصلاة بالليل لا مجرد صلاة ركعات يسيرات، بل قيام طويل إما قيام نصف الليل أو ثلثيه أو ثلثه؟

وليس لخَصْم أن يقول: إن هذا التكليف المشار إليه مجرد كلام اختلقه ليخبرنا أنه سيتعبد ولم ينفذ ذلك ولم يذق هذه المشقة.

لأنه من المنقول في القرآن وفي السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بادر إلى امتثال ذلك الأمر وليس هو وحده، بل وجماعة ممن آمنوا به سلكوا هذا المسلك أيضًا، اقتداء به، ففي آخر هذه السورة أيضًا: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾ [المزمل: 20].

ولقد قال أهل التفسير: إن هذه الآيات نزلت تخفيفًا للأمر السابق بعد أن كان بعض الصحابة يقوم الليل كله احتياطيًّا مخافة أَن يخطئ في تحديد النصف والثلثين، وكان من نتيجة ذلك أنه قد انتفخت أقدامهم، وامتقعت ألوانهم لمدة عام أو أَكْثر؛ فرحمهم اللهُ، وخفَّف عنهم، وشرع لهم قيام ما تيسَّر دون تحديد بقدر معين!

ولم يكن قيام الليل شيئًا عارضًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فعله في أوائل أيامه ثم تنكَّب عنه، بل جرى عليه إلى آخر وقت في حياته، وقد نقل عنه زوجاته وأهل بيته وخاصته أنه كان يصلي كل ليلة إحدى عشرة ركعة مع إطالة تلك الركعات في القراءة والركوع والسجود، وأنه كان يواظب على قيام الليل إلا لعارض من مرض ونحوه.

ونقل أيضًا أنه دخل عليه أحد أصحابه فوجده يصلي، فقام صلى معه، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء في ركعة واحدة، ثم ركع فأطال الركوع إلى قريب من وقت القراءة المتقدمة، وأطال القيام بعد الرفع من الركوع بنحو ذلك، وفعل ذلك في السجود، وهذا من شأنه أن يستغرق عدة ساعات!

وطبيعي أن ينتج من مثل هذا القيام الطويل وهذه الصلاة الممتدة تورُّم القدمين، فكانت زوجته عائشة تسأله: لمَ يفعل هذا بنفسه مع مغفرة الله له وكونه رسولَه ونبيَّه؟ فيجيب بأن هذا مقتضى الشكر.

وهذا الاستمرار والتعَهُّد والمحافظة على هذا القيام الليلي الطويل دفع بعض الفقهاء لأن يقولوا: إن قيام الليل مسنون ومستحب في حق عموم الناس، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان قيام الليل فرضًا واجبًا عليه.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر حادثة عامة مشهورة وقعت أمام جموع الناس، ولا سبيل إلى التشكيك فيها، وذلك أن الشمس قد كُسِفت يومًا ما ووافق كسوفها موت ابنٍ صغير للنبي صلى الله عليه وسلم وهو إبراهيم، فسارع الناس على عادتهم في كل عصر ومصر إلى القول بأن ذلك الكسوف قد وقع حزنًا على موت ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فتُرى ماذا كان موقف الرجل الذي يقول خصومه قديمًا وحديثًا: إنه كذَّاب متنبئ وليس بنبيٍّ؟ وهل استغل الفرصة التي جاءته على طبق من ذهب لإخضاع الناس له وربطهم بشخصه وأسرته؟

كلا، لقد بادر النبي الصادق صلى الله عليه وسلم إلى نفي العلاقة بين موت ابنه وكسوف الشمس، ثم ماذا فعل؟ لقد أمر بالنداء بالصلاة، وصلَّى بالناس صلاةً طويلةً جدًّا حتى إنه قد حصل إغماء لأسماء بنت أبي بكر الصديق بسبب تعبها من طول الوقوف في هذه الصلاة الطويلة!

فبالله إذا كان من يزعمونه دَجَّالًا كذَّابًا هذا صنيعه، فليخبرونا بصنيع النبي الصادق في رأيهم كيف سيكون؟! أما والله، إن محمدًا لصادق، وإنه لنبيٌّ مرسل.

والحال في تعَبُّد النبي صلى الله بالصوم كالحال في تعبُّده بقيام الليل وصلاته، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مكثرًا من الصوم في الإقامة، وفي السفر، وفي الصيف والشتاء، وحتى مع اشتداد درجة الحرارة ووجود حال السفر= نقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم أيضًا، ففي حديث أبي الدرداء أنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة).

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل الصوم أحيانًا، بمعنى أنه يصل صوم يوم بيوم آخر أو أكثر دون أن يفطر بينهما، وهذا فيه من المشقَّة ما فيه، وقد حاول أصحابه أن يتابعوه في هذا الفعل فنهاهم؛ لما فيه في المشقَّة عليهم، بل نهى أُمَّته عن الوصال في الصوم رحمةً بها وتخفيفًا عليها.

وليس سبيل إلى المجادلة في كون النبي صلى الله عليه وسلم بشرًا يشعر بالجوع والعطش كما يشعر البشر ويحتاج إلى الطعام والشراب كما يحتاج إليه البشر، ويحصل له من التألم الجسماني لفقدهما ما يحصل للناس عندما يجوعون ويظمأون، ومع ذلك كان يكثر الصوم، ويعرض نفسه للجوع والعطش، فما الذي يحمله على تعذيب نفسه بهذه الطريقة وبلا أي موجب إن لم يكن نبيًّا صادقًا في نفس الأمر يبتغي بذلك الزُّلْفى والقُرْبى عند الله؟!

فإن أورد الخصوم على ما ذكرنا أنه مع التسليم بأن التعبد ليس داعيًا ولا دافعًا لغير المسلم للدخول إلى الإسلام، لكن يمكن أن يقال: إنه يُحتاج إليه في التصَنُّع مع الأتباع لإيهامهم أنه رسول من عند الله وأنه نبي بحقٍّ؛ فإن عدم تعَبُّده يشكك من حوله في نبوَّته.

والجواب أن يقال: نعم، هذا احتمال عقلي وارد من جهة الاحتمالية المحضة، لكن العقل يقضي كذلك بأنه كان يكفي للوصول إلى هذا الغرض أدنى شيء من التعبُّد، وكان يكفي في ذلك مشاركتهم فيما أمرهم به من التعبُّدات الظاهرة؛ كالصلوات الخمس وصيام رمضان مثلًا، لا سيَّما وهو يعلن دائمًا أن شريعته سمحة مخففة ميسرة. فهو ليس بحاجة إلى كل هذا التعمُّق في التعبد على النحو الذي كان عليه؛ بل سبقت الإشارة في مقالة سابقة إلى أنه لو لم يكن نبيًّا لما شرع لهم هذه الصلوات الخمس على هذا النحو، ولا شرع لهم صوم رمضان بتلك الطريقة، ولتجنب أن يشق على نفسه وعليهم ابتداء.

وفوق هذا كله فإن ما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من الخوارق التي نسميها نحن معجزات، ويسميها الخصوم سحرًا وشعوذة، أقول: إن تلك الخوارق كان فيها غنية له عن اللجوء إلى التعبد كحيلة لضمان ولاء الأتباع، فإنهم بعد تلك الخوارق ما عادوا متشكِّكين في أمره وصدق نبوَّته؛ فلأي شيء يتعب نفسه كل هذا التعب في التعبد بلا موجب؟! لا سيَّما وأن عبادة كعبادة قيام الليل مع ما فيها من سهر ونَصَب تكون في الليل وفي بيته، ولا يطَّلِع عليه سوى زوجاته وأهل بيته وخدمه، فهل كان بحاجة إلى ممارسة التصنُّع أمام هذه الدائرة الضيقة المقرَّبة المأمونة الولاء في جميع الأحوال؟!

وجواب ثانٍ: وهو أن يُقال: كان بإمكان محمد لو أراد بعبادته خداع الأتباع - كما يزعم الخصوم – أن يلجأ لأمر سهل، يستريح هو فيه من نَصَب التعبُّد ومشقته ومن لائمة الأتباع وتشكُّكهم إذا ترك العبادة، وذلك بأن يقول لصحابته وأتباعه ما قد قاله بعض الدجاجلة والكذَّابين ممن ادَّعوا الولاية الربانية وتوقفوا عن ممارسة الشعائر الإسلامية وأخذوا في ارتكاب محرمات الشريعة وترك أوامرها، فقد قالوا لأتباعهم الذين اعتقدوا فيهم الولاية والقرب من الله لما أظهروه من كرامات مزعومة: إن التعبُّد والتقيُّد بأوامر الشريعة ونواهيها يليق بالعوام؛ لأن الغرض من ذلك الوصول إلى الله ونحن قد وصلنا إليه، فلم تعد هناك حاجة لممارسة الشعائر الدينية التي يمارسها العامة، ولا لترك المحرمات والمنهيات التي تلزم عموم الناس.

والعجيب أن أتباع أولئك الدجَّالين ممن اعتقد بولايتهم وكراماتهم صدَّق هذه القالة، وسلَّم لهم بتلك الحال العجيبة، واستمر على تبجيلهم وتوقيرهم، وأنهم أهل الله وخاصته، الواصلون إليه دون غيرهم!

فهل كان يعجز مَن خدع الناس وأوهمهم أنه نبي مرسل من عند الله تعالى أن يبرر تنصُّله من العبادات رأسًا، وأن يسوق حُجة كهاته الحجة، ويتذرَّع بذريعة كهاته الذريعة؟!

ألا ترى أنها حُجَّة سهلة، وقد اهتدى إليها دجاجلة عاديون ادَّعوا الولاية فحسب، فهل كانت ستخفى على دجَّال خارق ادَّعى النبوَّة وأقنع الناس بذلك؟!

ومن المنقول الذي يدل على أن العبادة كان سمة ظاهرة وغالبة على حياة محمد صلى الله عليه وسلم لا ينفك عنها ولا تنفك عنه، ما جاء عنه في عبادة الذكر، فقد قال عبدالله بن عمر: (إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتُبْ عليَّ إنك أنت التواب الرحيم)، وفي حديث عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه).

ومن التعبُّدات المنقولة عنه كذلك عبادة الدعاء والابتهال إلى الله واللَّجْأ إليه، وهو كثير ومنتشر، وأقواه شاهدًا على ما نحن فيه ما جاء في حديث علي بن أبي طالب (لقد ‌رأيتنا ‌ليلة ‌بَدْر، وما منا إنسان إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يصلي إلى شجرة، ويدعو حتى أصبح).

ولك أن تتصوَّر هذا المشهد على النحو يقدمه الخصوم لنا: رجل يدعي النبوة، عدد رجال جيشه قرابة ثلاثمائة، وعدد رجال جيش عدوِّه قرابة الألف، وهو على موعد مع معركة فاصلة حاسمة، قد تطيح بدعوته للأبد، ويظهر على إثرها كذبه وزيفه أمام الناس، وتنتهي أحلامه الشخصية التي من أجلها كذب على الله وكذب على الدنيا كلها، هل يسعفه قلبه وعقله أن يقضي ليلته كلها يتقمَّص شخصية المصلِّي الداعي المبتهل؟! هل يطيق عتاة الممثلين والمخادعين في العالم أن يمارس هذه المخادعة في مثل هذا الظرف الحرج؟!

وأمرٌ أخير نختم به هذه المقالة: ليسأل العاقل اللبيب نفسه حتى وإن كان من الخصوم: من أين أتى محمد بهذه الطاقة الجبَّارة على ممارسة العبادات المذكورة آنفًا وغيرها إن كان كاذبًا مُتصنِّعًا (حاشاه)؟! إن الكذَّاب الدجَّال لا يمكنه أن يصطبر على هذه المشاقِّ بضعة أيام، فكيف يصطبر عليها عمرًا كاملًا من يوم ادِّعاء النبوة إلى يوم الوفاة؟!

وهذه العبادات لا تتمثل عقبتها فيما فيها من تعب ونصب فقط، بل فيما يقارنها من مَلَل وسأم وضجر، لا سبيل للتغلُّب عليه إلا بقلب حاضر، ونفس مواتية، وذهن صافٍ مساعد، بحيث تنقلب المشقة والتعب إلى لذة نفسية تستطيع معها النفس البشرية تحَمُّل المشقَّة والنَّصَب.

ودونك – أيها القارئ- فجرِّب أن تتطوَّع بالصلاة وذهنك مشغول وقلبك مُشتَّت، وانظر كيف ستكون مشقة الدقائق التي تقضيها في الصلاة وأنت على تلك الحال من عدم حضور القلب وفراغه واستعداده؟ فكيف كان الدجَّال الكذَّاب بزعم الخصوم يقضي الساعات الطوال منفردًا في الصلاة وفي الذكر والدعاء، ويستروح بذلك وينتعش قلبه به وهو الكاذب على الله المتقوِّل عليه (حاشاه)!


هل يدري الخصوم ما في كلامهم من شَطَط وبُعْد عن الواقع وعن العقل؟!

ثم عليك أيها القارئ أن تربط بين ما تعرفه من الحالة التعبُّدية العظيمة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين العبادات اليومية الكثيرة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية والتي لن تجد لها نظيرًا في الكثرة والتنوُّع في ديانة أخرى من الديانات الموجودة اليوم في العالم.

أقول: اربط بين هذين (حال النبي التعبُّدي والتعبُّدات في الشريعة الإسلامية)، ثم قارن هذه الحالة المحمدية الإسلامية بما يقفز إلى ذهنك عند استحضار حال كذَّاب دجَّال وما يمكن أن يكون عليه أمره في تعبُّداته الشخصية أو ما يأمر أتباعه به من عبادات.

فلعمرك، إنك ستجد بَوْنًا شاسعًا بين الحالتين وتناقضًا كبيرًا بين الشأنين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.05 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]