تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 81 - عددالزوار : 21818 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13219 - عددالزوار : 350756 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 257 - عددالزوار : 47592 )           »          قيمة إسلامية حثَّ عليها القرآن الكريم والسُنَّة النبوية – الجودة الشاملة في مؤسساتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 157 )           »          التداوي من السحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 175 )           »          حكم المرابحة للآمر بالشراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 163 )           »          الوجيز في أحكام التداولات المالية المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 408 )           »          حكم الغرر في عقود التبرعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 171 )           »          الفرق بين الرجل والمرأة في التلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 126 )           »          أخطاء في التحليل والتحريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 188 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 08-05-2023, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,402
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (549)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 147 إلى صـ 154




وعند الحنابلة قال في المغني : فصل ، ولا يستحب الزيادة على مؤذنين لحديث [ ص: 147 ] بلال وابن أم مكتوم أيضا ، ثم قال : إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز .

فقد روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان له أربعة مؤذنين ، وإن دعت الحاجة إلى أكثر منهم كان مشروعا ، وإذا كان أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس ، فالمستعجب أن يؤذن واحد بعد واحد ; لأن مؤذني النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحدهما يؤذن بعد الآخر ، وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج إليه ، إما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد .

قال أحمد : إن أذن عدة في منارة فلا بأس ، وإن خافوا من تأذين واحد بعد واحد فوات أول الوقت ، أذنوا جميعا دفعة واحدة .

وعند الأحناف : جاء في فتح القدير شرح الهداية في سياق إجابة المؤذن وحكاية الأذان ما نصه : إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد ، فالحرمة للأول إلى أن قال : فإذا فرض أن سمعوه من غير مسجده تحقق في حقه السبب ، فيصير كتعددهم في المسجد الواحد ، فإن سمعهم معا أجاب معتبرا كون جوابه لمؤذن مسجده .

هذه نصوص الأئمة - رحمهم الله - في جواز تعدد المؤذنين والأذان في المسجد الواحد للصلاة الواحدة متفرقين أو مجتمعين .

وقال ابن حزم : ولا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا ، فإن كان ذلك فالمؤذن هو المبتدئ إلى أن قال :

وجائز أن يؤذن جماعة واحدا بعد واحد للمغرب وغيرها سواء في كل ذلك ، فلم يمنع تعدد الأذان من عدة مؤذنين في المسجد الواحد أحد من سلف الأمة .
الحكمة في الأذان

أما الحكمة في الأذان فإن أعظمها أن من خصائص هذه الأمة كما تقدم في أصل مشروعيته ، وقد اشتمل على أصول عقائد التوحيد تعلن على الملأ ، تملأ الأسماع حتى صار شعار المسلمين .

ونقل عن القاضي عياض رحمه الله قوله :

[ ص: 148 ] اعلم أن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعه من العقليات والسمعيات ، فأوله : إثبات الذات وما تستحقه من الكمالات والتنزيه عن أضدادها وذلك بقوله : الله أكبر وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه .

ثم يصرح بإثبات الوحدانية ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى ، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على كل وظائف الدين ، ثم يصرح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية ، وموضعها بعد التوحيد ; لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلك المقدمات من باب الواجبات وبعد هذه القواعد كلمات العقائد العقليات ، فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوة ، لأن معرفة وجوبها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من جهة العقل .

ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم ، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم عقائد الإسلام . إلخ .

ومراده بالعقليات في العقائد أي إثبات وجود الله وأنه واحد لا شريك له ، وهو المعروف عندهم بقانون الإلزام ، الذي يقال فيه : إن الموجود إما جائز الوجود أو واجبه ، فجائز الوجود جائز العدم قبل وجوده واستوى الوجود والبقاء في العدم قبل أن يوجد ، فترجح وجوده على بقائه في العدم ، وهذا الترجيح لا بد له من مرجح وهو الله تعالى . وواجب الوجود لم يحتج إلى موجد ، ولم يجز في صفة عدم وإلا لاحتاج موجده إلى موجد ، ومرجح وجوده على موجود .

وهكذا فاقتضى الإلزام العقلي وجوب وجود موجد واجب الوجود ، وهذا من حيث الوجود فقط ، وقد أدخل العقل في بعض الصفات التي يستلزمها الوجود ، والحق أن العقل لا دخل له في العقائد من حيث الإثبات أو النفي ; لأنها سمعية ولا تؤخذ إلا عن الشارع الحكيم ، لأن العقل يقصر عن ذلك ، ومرادنا التنبيه على إدخال العقليات هنا فقط .

وقد سقنا كلام القاضي عياض هذا في حكمة الأذان لوجاهته ، ولتعلم من خصوصية الأذان في هذه الأمة وغيرها به أنه ليس بصلصلة ناقوس أجوف ، ولا أصوات بوق أهوج ، ولا دقات طبل أرعن ، كما هو الحال عند الآخرين ، بل هو كلمات ونداء يوقظ القلوب من سباتها ، وتفيق النفوس من غفلتها ، وتكف الأذهان عن تشاغلها ، وتهيئ المسلم إلى هذه [ ص: 149 ] الفريضة العظمى ، ثانية أركان الإسلام وعموده .

فإذا ما سمع الله أكبر الله أكبر مرتين ، عظم الله في نفسه ، واستحضر جلاله وقدسه واستصغر كل شيء بعد الله ، فلا يشغله شيء عن ذكر الله ; لأن الله أكبر من كل شيء ، فلا يشغل نفسه عنه أي شيء .

فإذا سمع أشهد أن لا إله إلا الله ، علم أن من حقه عليه طاعة الله وعبادته .

وإذا سمع : أشهد أن محمدا رسول الله ، علم أنه يلزمه استجابة داعي الله .

وإذا سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ، علم أن فلاحه في صلاته في وقتها لا فيما يشغله عنها .

وهكذا فكان ممشاه إليها تخشعا ، وخطاه إلى المسجد تطوعا مع حضور القلب واستجماع الشعور .

ومن هنا أيضا ندرك السر في طلب السامع محاكاة الأذان تبعا للمؤذن ليرتبط معه في إعلانه وعقيدته وشعوره ، كما جاء في أثر عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رجلا قال : يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قل مثل ما يقولون ، فإذا انتهيت فاسأل تعطه " . رواه أبو داود .

وقد قدمنا هذا الموضوع هنا ، وإن كان ليس من منهج الكتاب ، ولكن لموجب اقتضاء ، ولمناسبة مبحث الأذان .

أما الموجب فهو أني سمعت منذ أيام أثناء الكتابة في مباحث الأذان ، وسمعت من إذاعة لبلد عربي مسلم أن كاتبا استنكر الأذان في الصبح خاصة ، وفي بقية الأوقات بواسطة المكبر للصوت ، وقال : إنه يرهق الأعصاب وخاصة عند أداء الناس لأعمالهم أو عند الفراغ منها والعودة لراحتهم ، ولا سيما في الفجر عند نومهم ، فكان وقعه أليما أن يصدر ذلك وينشر ، ولكن أجاب عليه أحد خطباء الجمع في خطبة وافية ، وأفهمه أن الإرهاق والاضطراب إنما هو من عدم الاستجابة لهذا النداء ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الشيطان يبول في أذن النائم ، وأنه يعقد عليه ثلاث عقد ، فإذا ما استيقظ وذكر الله انحلت عقدة ، وإذا توضأ انحلت عقدة أخرى ، فإذا صلى انحلت العقدة الثالثة ، وأصبح نشيطا إلى غير ذلك من الرد الكافي .

[ ص: 150 ] ولا شك أن مثل تلك الكتابة لا تصدر إلا ممن لا يعي معنى الأذان .

هذا ما استوجب عرض الحكمة من الأذان ، وإن كانت مجانبة لمنهج الكتاب ، ولكن بمناسبة مباحث الأذان يغتفر ذلك ، وبالله التوفيق .
محاكاة المؤذن

تعتبر محاكاة المؤذن ربطا لسامع الأذان ، وتنبيها له لموضوعه ، جاء الحديث : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول " رواه البخاري .

وفي رواية عنده عن معاوية - رضي الله عنه - أنه قال أي معاوية : وهو على المنبر مثل قول المؤذن إلى قوله : أشهد أن محمدا رسول الله ، ولما قال المؤذن : حي على الصلاة ، قال معاوية : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكذلك : حي على الفلاح ، ثم قال : هكذا سمعنا نبيكم صلى الله عليه وسلم .

وعند النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال ينادي ، فلما سكت قال صلى الله عليه وسلم : " من قال مثل هذا يقينا دخل الجنة " .

كيفية المحاكاة ، في الحديث الأول : " فقولوا مثلما يقول " وهكذا يشعر بتتبعه جملة جملة ، وفي الحديث الثاني : فلما سكت قال صلى الله عليه وسلم : " من قال مثل هذا " وبعد السكوت تنطبق المثلية بمجئ الأذان بعد فراغ المؤذن ، فوقع الاحتمال .

وقد جاء عند مسلم وأبي داود ما يؤيد الأول ، فعن عمر - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال أشهد ألا إله إلا الله ، قال : أشهد ألا إله إلا الله ، ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : حي على الفلاح ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر ، قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة " .

فهذا نص صريح في أن محاكي المؤذن يتابعه جملة جملة إلى آخره ما عدا الحيعلتين ، فإنه يأتي بدلا منهما بالحوقلة ، وقالوا : إن الحيعلتين نداء للإقبال على المنادي ، وهذا يصدق في حق المؤذن ، أما الذي يحكي الأذان فلم يرفع صوته ولا يصدق [ ص: 151 ] عليه أن ينادي غيره فلا أجر له في نطقه بهما ، فيأتي بلا حول ولا قوة إلا بالله لأمرين الأول : أنه ذكر يثاب عليه سرا وعلانية ، والثاني : استشعار بأنه لا حول له عن معصية ولا قوة له على طاعة إلا بالله العلي العظيم ، وفيه استعانة بالله وحوله وقوته على إجابة هذا النداء ، وأداء الصلاة مع الجماعة .

وقد أخذ الجمهور بحديث عمر عند مسلم بمحاكاة المؤذن في جميع الأذان على النحو المقدم ، وعند مالك يكتفي إلى الحوقلة لحديث معاوية . ونص كتب المالكية أنه هو المشهور في المذهب وغير المشهور أي مقابل المشهور طلب حكاية الأذان جميعه ، ذكره الزمخشري على خليل .
بعض الزيادات على ألفاظ الأذان

تقدم ذكر الحوقلة عند الحيعلة في بعض روايات مسلم وغيره ، عند الشهادتين يقول زيادة : " وأنا أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا ، وبمحمد رسولا ، وبالإسلام دينا غفرت له ذنوبه " .
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسؤال الله له الوسيلة .

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ; فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة " وهذا عام للأذان في الصلوات الخمس إلا أنه جاء في المغرب والفجر بعض الزيادات ، ففي المغرب حكى النووي : أنه له أن يقول بعد النداء : " اللهم هذا إقبال ليلك ، وإدبار نهارك وأصوات دعائك اغفر لي " ، ويدعو بين الأذان والإقامة ، ذكره صاحب المهذب وعزاه لحديث أم سلمة ، وأقره النووي في المجموع .

أما في سماع أذان الفجر فيقول عند ( الصلاة خير من النوم ) : صدقت وبررت ، حكاه النووي في المجموع .

وعن الرافعي يقول : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة خير من النوم .

وإذا سمع المؤذن وهو في الصلاة ، نص العلماء على أنه لا يحكيه ; لأن في الصلاة [ ص: 152 ] لشغلا ، وإذا سمعه وهو في المسجد جالس نص أحمد أنه لا يقوم حالا للصلاة حتى يفرغ المؤذن أو يقرب .

وإذا دخل المسجد وهو يؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول جمعا بين الفضيلتين ، وإن لم يقل كقوله وافتتح الصلاة فلا بأس ، ذكره صاحب المغني عن أحمد رحمه الله .
إجابة أكثر من مؤذن

وللعلماء مبحث فيما لو سمع أكثر من مؤذن ، قال النووي : لم أر فيه شيئا لأصحابنا ، وفيه خلاف للسلف ، وقال حكاه القاضي عياض في شرح مسلم ، والمسألة محتملة ، ثم قال : والمختار أن يقال : المتابعة سنة متأكدة يكره تركها لتصريح الأحاديث الصحيحة بالأمر ، وهذا يختص بالأول ; لأن الأمر لا يقتضي التكرار .

وذكره صاحب الفتح وقال : وقال ابن عبد السلام : يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب . اهـ .

وعند الأحناف الحق للأول .

وأصل هذه المسألة في مبحث الأصول ، هل الأمر المطلق يقتضي تكرار المأمور به أم لا ؟

وقد بحث هذا الموضوع فضيلة شيخنا - رحمة الله تعالى عليه - في مذكرة الأصول وحاصله : إن الأمر إما مقيد بما يقتضي التكرار أو مطلق عنه ، ثم قال : والحق أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار بل يخرج من عهدته بمرة ، ثم فصل - رحمة الله تعالى عليه - القول فيما اتفق عليه وما اختلف فيه ، ومنه تعدد حكاية المؤذن وبحثها بأوسع في الأضواء عن تعدد الفدية في الحج ، والواقع أن سبب الخلاف فيما اختلف فيه إنما هو من باب تحقيق المناط هل السبب المذكور مما يقتضي التعدد ، أم لا ؟

والأسباب في هذا الباب ثلاثة أقسام قسم يقتضي التكرار قطعا ، وقسم لا يقتضيه قطعا ، وقسم هو محل الخلاف .

فمن الأسباب المقتضية التكرار قطعا : ما لو ولد له توأمان فإن عليه عقيقتين ، [ ص: 153 ] ومنها : لو ضرب حاملا فأجهضت جنينين لوجبت عليه غرتان .

ومن الأسباب التي لا تقتضي التكرار ما لو أحدث عدة أحداث من نواقض الوضوء فأراد أن يتوضأ فإنه لا يكرر الوضوء بعدد الأحداث ، ويكفي وضوء واحد ، وكذلك موجبات الغسل لو تعددت قبل أن يغتسل فإنه يكفيه غسل واحد عن الجميع .

ومما اختلف فيه ما كان دائرا بين هذا وذاك ، كما لو ظاهر من عدة زوجات هل عليه كفارة واحدة نظرا لما أوقع من ظهارأم عليه عدة كفارات نظرا لعدد ظاهر منهن ؟ وكذلك إذا ولغ عدة كلاب في إناء هل يعفر الإناء مرة واحدة ، أم يتعدد التعفير لتعدد الولوغ من عدة كلاب ؟

ومن ذلك ما قالوه في إجابة المؤذن إذا تعدد المؤذنون تعددت الأسباب ، فهل تتعدد الإجابة أم يكتفي بإجابة واحدة ؟ تقدم قول النووي أنه لم يجد شيئا لأصحابه ، وكلام العز بن عبد السلام بتعدد الإجابة وبالنظر الأصولي ، نجد تعدد المؤذنين ليس كتعدد نواقض الوضوء ; لأن المتوضئ إذا أحدث ارتفع وضوءه وليس عليه أن يتوضأ لهذا الحدث ، فإذا أحدث مرة أخرى لم يقع هذا الحدث الثاني على طهر ولم يجد حدثا آخر .

وهكذا مهما تعددت الأحداث ، فإذا أراد الصلاة كان عليه أن يرفع حدثه فيكفي فيه وضوء واحد ، ولكن مستمع المؤذن حينما سمع المؤذن الأول فهو مطالب بمحاكاته ، فإن فرغ منه وسمع مؤذنا آخر ، فإن من حق هذا المؤذن الآخر أن يحاكيه ، ولا علاقة لأذان هذا بذاك ، فهو من باب تجدد السبب وتعدده أو هو إليه أقرب ، كما لو سمع أذان الظهر فأجابه ثم سمع أذان العصر فلا يكفي عنه إجابة أذان الظهر ، فإن قيل : قد اختلف الوقت وجاء أذان جديد ، فيقال : قد اختلف المؤذن فجاء أذان جديد .

وأقرب ما يكون لهذه المسألة مسألة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره في حديث قوله صلى الله عليه وسلم : " آمين آمين " ثلاث مرات وهو يصعد المنبر ، ولما سئل عن ذلك قال : " أتاني جبريل فقال : يا محمد من ذكرت عنده ، ولم يصل عليك باعده الله في النار فقل : آمين ، فقلت : آمين " ، وذكر بقية المسائل فإن بهذا يتعين تكرار الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند كل ما يسمع ذكره صلوات الله وسلامه عليه ، وهنا عليه تكرار محاكاة المؤذن ، كما رجحه ابن عبد السلام ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 154 ] تنبيه

وإذا سمع المؤذن وهو في صلاة فلا يقول مثل ما يقول المؤذن ، وإذا كان في قراءة ، أو دعاء ، أو ذكر خارج الصلاة ، فإنه يقطعه ويقول مثل قول المؤذن .

قاله ابن تيمية في الفتاوى وابن قدامة في المغني ، والنووي في المجموع .

تنبيه

ولا يجوز النداء للصلاة جمعة أو غيرها من الصلوات الخمس إلا بهذه الألفاظ المتقدم ذكرها ، وما عداها مما أدخله الناس لا أصل له ، كالتسبيح قبل الفجر ، والتسبيح والتحميد والتكبير يوم الجمعة بما يسمى بالتطليع ونحوه ، فكل هذا لا نص عليه ولا أصل له .

وقد نص في فتح الباري ردا على ابن المنير ، حيث جعل بعض الهيئات أو الأقوال من مكملات الإعلام ، فقال ابن حجر : وأغرب ابن المنير ولو كان ما قاله على إطلاقه لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ، ومن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من جملة الأذان ، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا .

وفي الحاشية للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تعليق على كلام ابن المنير بقوله هذا فيه نظر . والصواب أن ما أحدثه الناس من رفع الصوت بالتسبيح قبل الأذان والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده ، كما أشار إليه الشارع بدعة يجب على ولاة الأمر إنكارها حتى لا يدخل في الأذان ما ليس منه ، وفيما شرعه الله غنية وكفاية عن المحدثات ، فتنبه .

وقال في الفتح أيضا ما نصه : وما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو في بعض البلاد دون بعض ، واتباع السلف الصالح أولى ، وقال ابن الحاج في المدخل مجلد 2 ص 452 ، وينهى المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل ، وإن كان ذكر الله تعالى حسنا وعلنا لكن في المواضع التي تركها الشارع صلوات الله وسلامه عليه ، ولم يعين فيها شيئا معلوما .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,303.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,301.50 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.13%)]