حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية للدائن مقابل الضرر الناتج عن فوات الربح، أو - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل تارت الشوكولاتة بمكونات خفيفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أفضل تنسيقات غرفة الأطفال لخلق مساحة مبهجة.. موضة ديكور 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          5 عادات بسيطة تساعدك على فقدان الوزن بسرعة مع بداية الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من الجلد الميت والرؤوس البيضاء في الذقن والخدود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          5 خطوات تساعد أطفالك على استقبال الدراسة بحماس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          5 قطع قديمة تضيف سحراً خاصاً إلى ديكور مطبخك.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          طريقة عمل الفيليه بالمشروم والجبنة.. أكلة مناسبة للعزومات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          اصنعي بنفسك روج طبيعي بـ 4 مكونات فقط.. آمن على الشفاه واللون من اختيارك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من جلد الوزة.. من ملح البحر لخل التفاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          5 وجبات عشاء غنية بالبروتين مناسبة للدايت.. ما تحرميش نفسك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-02-2023, 02:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,298
الدولة : Egypt
افتراضي حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية للدائن مقابل الضرر الناتج عن فوات الربح، أو

حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية للدائن مقابل الضرر الناتج عن فوات الربح، أو وقوع ضرر حقيقي
د. مرضي بن مشوح العنزي

صـورة المسألة:
إذا تأخر الْمَدِين عن سداد دينه في وقته المحدد، وفي أثناء مدة المماطلة حقق الدائن ربحًا، ولو تسلم ماله في موعده لحقَّق ربحًا مساويًا لِما حققه من أمواله التي استثمرها، أو وقع عليه ضرر مالي كغرامات مالية سببها شروط جزائية مقابل إخلاله بتنفيذ التزامات عقدها الدائن مع أفراد أو مؤسسات ونحوها، فيلزم المماطل بدفع هذه الأرباح المساوية لما ربح الدائن في فترة المماطلة، أو دفع الضرر المالي الذي وقع عليه[1].

أول من أثار هذه المسألة للنقاش:
أول من أثار هذه المسألة للنقاش فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله؛ فقد قال: "لم يعالج فقهاء المذاهب فيما أعلم قبلًا هذه المسألة – أعني: تعويض الدائن عن تأخير الوفاء المستحق في المداينات – ولم يبحثوها، مرد ذلك في تقديري إلى ثلاثة أمور:
الأول: لم يكن لهذا الأمر من الأهمية والتأثير في حركة التعامل والتجارة، كما أصبح له في العصر الحاضر.

الثاني: إن وصول الدائن إلى حقه عن طريق القضاء عند تأخير المدين ومماطلته كان ميسورًا وسريعًا، على خلاف ما هو عليه اليوم في عصرنا الحاضر.

الثالث: إن هذه المسألة فيها من الحساسية الشرعية ما يمكن أن يكون من جملة العوامل في عدم بحثها، وهي خوف الوقوع في الربا"[2].

ولا يسلم أن الفقهاء لم يبحثوها، بل بحثوها ولم يفردوها؛ لأنها داخلة عندهم في عموم الربا؛ لذا لم يعسر على جمهور الفقهاء المعاصرين أن يجدوا العديد من الأدلة التي تُدخل هذه المسألة في الربا المنهي عنه.

حكم هذه المسألة:
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم عقوبة المدين المماطل بدفع غرامة مالية مقابل الضررالناتج عن فوات الربح، أو وقوع ضرر حقيقي؛ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: عدم جواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو ما وقع عليه من خسائر.

وهو قول جمهور الفقهاء المعاصرين[3].

وقد صـدر به عدد من قرارات المجامع، والهيئات العلمية، فقد جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشر عام 1409هـ ما نصه: "إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغًا من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو قرض باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه"[4].

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة المتعلق ببيع التقسيط ما يلي:
"ثالثًا: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربًا محرم.

رابعًا: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء"[5].

وجاء في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ما يلي: "(ب) لا يجوز اشتراط التعويض المالي... سواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة)، أم عن تغير قيمة العملة.

(ج) لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض المالي نقدًا أو عينًا عن تأخير الدين"[6].

القول الثاني: جواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو ما وقع عليه من خسائر.
وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين[7].


القول الثالث: عدم جواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، وجواز تعويض الدائن عما وقع عليه من خسائر، وهو قول لبعض الفقهاء المعاصرين[8].

أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قول الله تعالى:﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275].


وجه الدلالة من الآية:أن الآية دلَّت على تحريم الربا وإبطاله، وهو زيادة في الدين مقابل الأجل[9]، وتغريم المدين مدة المماطلة إنما هو عوض عن تأخر أداء الدين، فهو زيادة في دين ثابت مقابل الأجل، وهو عين الربا الذي نزلت الآيات بإبطاله، واختلاف الألفاظ لا يغير الحقائق، والعبرة بالحقائق[10].

نُوقش:بعدم التسليم بأن تغريم المدين المماطل من جنس الربا؛ وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن الزيادة الربوية نتيجة تراضٍ بين الدائن والمدين على تأجيل السداد مقابل زيادة في الأجل، وهي في غير مقابلة عوض، أما تغريم المدين المماطل فهي مقابل تفويت أرباح أو حصول خسائر على الدائن بلا رضًا منه[11].

أُجيب: بعدم التسليم بأن الزيادة الربوية في غير مقابلة العوض، بل هي مقابل تفويت انتفاع الدائن بماله فترة وجود المال عند المدين[12]،بل إن المرابين لم يطالبوا بالزيادة على أموالهم إلا لفوات الانتفاع بها وقت التأخر في سدادها[13].

الوجه الثاني: أن الزيادة الربوية مشروطة سلفًا برضا الطرفين، ومحددة لأجل تأخير مستقبلي، أما التعويض فهو لأجل رفع الظلم الواقع على الدائن، ولأجل تأخير ماضٍ وقع بغير رضا من الدائن[14].

يُجاب عليه من وجهين:
الوجه الأول: بعدم التسليم بأن الزيادة الربوية لا بد أن تكون مشروطة سلفًا، فإن الربا المعروف في الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه لم يكن مشروطًا سلفًا، بل كان بعد تأخر المدين بالسداد فيطلب منه الدائن، إما أن يُربي فيزيد في الأجل أو أن يُوفِّي، وكون الزيادة معروفة سلفًا أو غير معروفة، فإن هذا لا يغير الحكم بأنها ربا.

الوجه الثاني: على فرض التسليم بهذا التفريق،فإن هذا التفريق نظري لا يصح أن يكون مناطًا للحكم، وعلى القول بجواز تغريم المدين المماطل يصبح الأمر معلومًا سلفًا بالعرف، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا[15]، إضافة إلى أنه من الناحية العملية فإن معظم عمليات المصارف الإسلامية تدور حول المرابحة المؤجلة، وتحقق الربح ونسبته في هذه العمليات معروفة لدى المصرف والعميل، فأصبحت نسبة التعويض معروفة مسبقًا لدى الفريقين عملًا[16]، واعتبار المماطل ظالمًا أمرٌ لا خلاف فيه، وهذا الظلم الواقع على الدائن، ليس موجبًا لتعويضه ماليًّا[17].

الدليل الثاني: قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة: 279].

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلَّت على أن للدائن رأس ماله فقط، ولم تفرق بين مدين معسر ومدين مماطل، فالزيادة على رأس المال ربًا، وإن كان المماطل ظالمًا بمطله، فإنه لا يجوز رد الظلم بظلم آخر[18].

نُوقش: بأن الآية دليل للقائلين بجواز تعويض الدائن عما فاته من ربح، أو ما وقع عليه من خسائر؛ وذلك أن الزيادة الربوية الجاهلية لا تفرق بين مدين موسر ومدين معسر، أما التغريم، فلا يطالب به إلا المدين الموسر المماطل، أما المدين المعسر، فلا يطالب بذلك[19].

أُجيب: بأن نصوص تحريم أخذ الربا عامة لم تفرِّق بين المعسر والموسر، فكلاهما لا يجوز أخذ الربا منه[20]، وأن التغريم إن كان لأجل جبر ضرر الدائن، فلا فرق بين أن يكون المدين موسرًا أو معسرًا؛ لأن المتضرر يستحق الجبر ولو كان الـمُـضر معسرًا، كما يستحق الأرش على الجاني ولو كان معسرًا[21].

الدليل الثالث: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ))[22].

وجه الدلالة من الحديث: أن المطل كان موجودًا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ونص النبي صلى الله عليه وسلم أن المطل يحل عرض المماطل وعقوبته، ولم يقل: يحل ماله، ولو كان جائزًا لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لمسيس الحاجة إليه، والسكوت في وقت الحاجة بيان[23].

نُوقش: بأن لفظ العقوبة يشمل العقوبة المالية، وهناك نصوص أخرى كثيرة، صريحة، وواضحة في اعتبار العقوبة المالية ضربًا من التعزير، وتعويض الدائن عن ضرر المماطلة من أنوع التعزير بالعقوبة المالية[24].

أُجيب: بأنه لا يجوز التعزير بأخذ المال؛ لعصمة أموال المسلمين، وعلى فرض جوازه فإن ولاية التعزير للقاضي، والتعويض هنا يقع بالشرط أو بالعرف، ويباشره الدائن، فخرج عن كونه تعزيرًا بالمال، ولو فوض تنفيذ العقوبات إلى آحاد الناس، لأفضى ذلك إلى فوضى لا يقرها الشرع[25].

يُرد: بالتسليم بأن مرجع العقوبة للقاضي، والتعزير عام ومنه التعزير بالمال، والأدلة على جوازه كثيرة[26]، ولا دليل يمنع القاضي من أن يعطي هذا المال للدائن زجرًا للماطل، إن رأى أن هذا هو الأصلح.

الدليل الرابع: أن مسألة المماطلة ليست مسألة نازلة تحتاج إلى اجتهاد جديد، بل هي من المسائل القديمة التي يكثر وقوعها، ولم ينقل عن أحد من الفقهاء قبل هذا العصر أنه أفتى بجواز تغريم المماطل غرامة مالية لمصلحة الدائن؛ مما يدل على أنها عندهم من الربا المحرم[27].

نُوقش: بأن الفقهاء لم ينصوا على تغريم المماطل ضمن العقوبات؛ لأنهم لم يحتاجوا إليه في عصورهم؛ لسهولة وصول الدائن لحقه، أما في عصرنا فقد صعب الوصول للحق لطول الإجراءات وتأخرها، وعدم نص الفقهاء عليها لا يعني أنهم يمنعونها[28].

يُجاب: بعدم التسليم بأن الدائن كان يصل لحقه في عصر الفقهاء بسهولة، فلو كان يصل له بسهولة لما احتاج الفقهاء للنص على عقوبة المماطل بالحبس والملازمة والضرب وغيرها، وعدم نص الفقهاء عليها بذاتها؛ لأنها زيادة في الدين مقابل التأخير وهي داخلة في عموم النهي عن الربا.

الدليل الخامس: إن تغريم المماطل بغرامة مالية إن لم يكن ربًا في ذاته، فهو ذريعة موصلة إليه، ومن القواعد الفقهية قاعدة: "سد الذرائع"[29]، والقول به يفتح باب الربا، كما حصل للنصارى[30] فقد استحلوا الربا المحرم في شريعتهم بسبب دعوى التعويض عن الضرر[31].


يُناقش: بأنه إن كان مرجع التغريم للقاضي فإن الذريعة للربا بعيدة؛ لأن القاضي سيحكم وفق دراسات وتقدير للضرر الحاصل، ولن يحكم لمجرد التأخير فقط.

الدليل السادس: أن جواز تغريم المدين المماطل بغرامة مالية - عند من يقول به - مقيد بشروط نظرية يصعب تحقيقها في الواقع العملي؛ فمنها:
أولًا: شرط عدم كون المدين معسرًا، ويصعب على الدائن - خاصة المصارف - التحقق من كل قضية بعينها؛ ولذا نجد أنه يُحتال على إسقاط هذا الشرط - وهو عدم كونه معسرًا - بأن يكتب في العقد شرطًا آخر؛ وهو أن المدين يُعد موسرًا، ويعامل بناء على ذلك ما لم يحكم عليه بحالة الإفلاس قانونًا[32].

ثانيًا: القول بتعويض الدائن مقابل فوات فرصة الربح، يفترض أن هذا المال لو دُفع لصاحبه لأمكن أن يستثمره فيربح به، وهذا إن جاز من الناحية النظرية، فهو بعيد من الناحية العملية؛ لأن الدائن لا يقطع بتنمية ماله واستثماره، ثم لو استثمره فإنه لا يقطع بحصول الأرباح، بل قد يقع في خسائر فادحة، وهذا ظاهر في المصارف والبنوك؛ إذ لا تستفيد من كل ما لديها من أموال، بل إن نسبة السيولة غالبًا ما تكون أكثر من النسبة المحددة التي يجب الاحتفاظ بـها من قِبل البنوك المركزية[33]؛ وقد قال الشيخ الزرقا في أحد فتاويه: "أما الحكم بالتعويض عن ضرر التأخر بما فات على صاحب الحق من ربح، وما لحقه من خسارة بالشكل المعروف في القانون تمامًا، حتى إذا كان التأخر في تسليم مبلغ نقدي مستحق، فإنه يحكم بالفوائد القانونية... فهذا لا يُقبَل في فقه الشريعة بحذافيره وتفاصيله القانونية، ولا سيما أن الربح الفائت هو أمر احتمالي لا يمكن التيقن به فهو غيب بيد الأقدار؛ إذ قد ينقلب الربح المأمول إلى خسارة، ولو لم يقع من الملتزم امتناع أو تأخر"[34].

وعدم إمكان تطبيق الشروط التي نص عليها الفقهاء المجيزون حمل الدكتور الضرير أن يوقف العمل بفتواه؛ فقد قال: "البنك الذي أصدرت له الفتوى لم يستطع تنفيذها التنفيذ الصحيح الذي قصدته؛ لأنه أراد أن يعتمد على الربح التقريبي، وليس الفعلي في تقدير الضرر، فوجهت بوقف العمل بالفتوى؛ خوفًا من أن يؤدي تنفيذها إلى ما يشبه الفائدة الربا"[35].

أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: الأدلة الدالة على الوفاء بالعقود، وأداء الأمانات، والعدل؛ منها:
قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].
وقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء: 58].
وقول الله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34].
وقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [النحل: 90].

وجه الدلالة من الآيات: أن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود، وأداء الأمانة، والعدل، وأمر الله واجب الامتثال،ومن تجنب العدل كان ظالمًا، والظالم إذا أدى ظلمه إلى إلحاق الضرر بغيره، فهو مسؤول عن ذلك، ولا شكَّ أن المدين المماطل ظالم، وقد حرم الدائن من الانتفاع بماله، مما يوجب مسؤوليته عن ذلك، فتغريمه غرامة مالية مقابل الضرر الذي لحق الدائن من العدل الذي أمر الله به[36].

نُوقش: بالتسليم بأن المدين المماطل ظالم، ومستحق للعقوبة، ومنشأ ظلمه إلحاقه الضرر بالدائن نتيجة تأخير الوفاء عن وقته بلا عذر، ولكن الأدلة دلت على الوفاء بالعقود، وأداء الأمانات، وأمرت بالعدل، ولا يوجد فيها دلالة على تغريم المدين المماطل غرامة مالية، وليس كل ضرر يلحقه الإنسان بغيره ظلمًا يُعد موجبًا للتعويض المالي[37].

الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ))[38].

وجه الدلالة من الحديث:أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ في هذا الحديث على تحريم الضرر وأمر بإزالته، ولا يزول الضرر الواقع على الدائن إلا بتعويضه ماليًّا عن فوات منافع ماله مدة المماطلة، ومعاقبة المدين المماطل بغير الغرامة المالية لا يفيد الدائن شيئًا، فلا يزول ضرره إلا بالتعويض المالي[39].

نُوقش من وجهين:
الوجه الأول: بأن هذا الحديث ضعيف، ولا يصح الاحتجاج به، وعلى فرض صحته[40] فإنه لا توجد دلالة في الحديث على أن زوال الضرر لا يكون إلا بالغرامة المالية، ولو دل الحديث عليها لوجب الحكم بـها، ولوجب على كل قاضٍ ومفتٍ أن يقضي ويفتي بها، ولكن لم يوجد في التاريخ من حكم أو أفتى بذلك مع كثرة قضايا المماطلة، وإزالة الضرر الواقع على المدين يكون بردِّ حقه إليه، وليس بأخذ الزيادة؛ لأنها مقابلة للظلم بالظلم، ومقتضى القاعدة الشرعية: "أن الضرر لا يزال بمثله ولا بما هو أشد منه"[41]، كما أن تضرر الدائن بتفويت الانتفاع بماله متوقع أو متوهم، فلا يزال بضرر متحقق يلحق بالمماطل[42].

يُجاب:بالتسليم بأن التعويض لا يكون عن تفويت انتفاع متوقع أو متوهم؛ إذ لا عبرة بالتوهم، إنما يكون التعويض عن الخسائر التي كان سببها المباشر مماطلة المدين، وعدم وجود من حكم بذلك في التاريخ أو أفتى به - إن ثبت أنه لم يوجد من حكم بذلك أو أفتى به - ليس دليلًا على المنع.

الوجه الثاني: القول بأن "معاقبة المدين المماطل بغير التعويض المالي لا يفيد الدائن المتضرر شيئًا"، لا يعني جواز الحكم على المماطل بالغرامة؛ لأن هذه عقوبة، والعقوبات الشرعية ليس من شأنـها الجبر، ووظيفتها تنحصر في الزجر، فإن السارق إذا قُطعت يده لا تزيل عقوبته الضرر عن المتضرر، ولكنها تزجر الناس عن الظلم، وتمنعهم من اقتراف الذنوب الموجبة لها درءًا للمفسدة المتوقعة[43].

يُجاب: بأن المماطل ارتكب معصية المطل التي يستحق عليها العقوبة، وكان متسببًا في وقوع خسائر على الدائن، فعليه أن يعوض الدائن عن هذه الخسائر ثم يعاقب على معصية المماطل، كما أن على السارق أن يعيد المال الذي سرقه لصاحبه ثم يُعاقَب بقطع يده، فالعقوبة على المطل والتعويض عن الخسائر، مع أنه لا يوجد ما يمنع في العقوبات التعزيرية التي ترتب عليه ضرر على أحد من المسلمين أن يجمع القاضي في العقوبة بين الجبر والزجر؛ فهو أشد زجرًا وأوفى للحقوق.

الدليل الثالث: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ))[44].

وجه الدلالة من الحديث: أن الحديثدلَّ على أن المماطل يستحق العقوبة، ومن أنواع العقوبة التعزير بالمال، وهي مشروعة كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم[45]، ومن أنواع التعزير بالمال: تعزير بتمليك الغير، وتغريم المماطل من هذا النوع[46].

نُوقش: بعدم التسليم بجواز التعزير بالمال[47]، وعلى القول بجواز التعزير بأخذ المال فإن ولاية التعزير للحاكم وليست للدائن، وللحاكم صرفها في مصالح المسلمين العامة، وقيام الدائن بعقوبة المدين المماطل يؤدي إلى الفوضى والنزاع، والعقوبات الشرعية في الأصل زاجرة رادعة، وليس من شأنها أن تجبر الضرر، والعقوبات الزاجرة شرعت لاستئصال المفسدة من حياة الناس، أما تغريم المماطل فقد يحمل على التواطؤ على أكل الربا والتحايل عليه، فيزيد المفسدة ولا يعالجها[48].

يُجاب: بالتسليم بأن مرجعها إلى القاضي، والعقوبات التعزيرية عامة ومنها التعزير بأخذ المال، وقد دلت الأدلة الكثيرة على جوازه[49]، ولا دليل يمنع القاضي من أن يجمع في العقوبة التعزيرية بين التعويض والزجر، متى ما رأى القاضي المصلحة في ذلك.

الدليل الرابع: أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم، واشتراط تغريم المدين المماطل شرط صحيح؛ لأنه يتفق مع قواعد الشريعة، ولم يرد نهيٌ عنه بخصوصه[50].

نُوقش: بأن هذا الشرط معارض لنصوص الشريعة التي حرمت الربا، والشرط المعارض لنصوص الشريعة يكون باطلًا[51].

الدليل الخامس: أن من المصلحة تغريم المدين المماطل؛ لأن هذا يحمله على الوفاء بالدين، وألا يتأخر في التسديد[52].

نُوقش: بأن هذه المصلحة ملغاة؛ لأنها مخالفة لنصوص الشريعة المانعة من أخذ الزيادة في الدين لا في ابتداء الدين، ولا في انتهائه، ومن شروط المصلحة ألَّا تخالف نصًا شرعيًّا[53].

الدليل السادس: أن من أُسس الشريعة ومقاصدها العامة عدم المساواة بين العادل والظالم، ولا شك أن مماطلة المدين ظلم بشهادة النصوص الشرعية، وفيه ضرر لصاحب الحق بحرمانه من منافع ماله مدة التأخير التي قد تطول كثيرًا، فإذا لم يغرم المدين المماطل، كانت النتيجة أن هذا الظالم العاصي يتساوى مع العادل المطيع، وهذا يشجع كل مدين على المماطلة وتأخير الحقوق، وهذا خلاف مقاصد الشريعة وسياستها الحكيمة قطعًا[54].

نُوقش: بعدم التسليم بأن عدم تغريم المدين المماطل يستلزم منه مساواته بغيره، بل اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم ظالمًا، وأحل عقوبته بما يزجره من التشهير به، ومنعه من السفر، وضربه، وحبسه، وغيرها من العقوبات التعزيرية، وبهذا لا تكون مساواة بين المماطل والعادل المؤدي لحق غيره[55].

الدليل السابع: أن المطل في أداء الحق يشبه الغصب؛ وذلك أن التعدي على الديون يكون بحجبها عن صاحبها؛ لأن مقرها الذِّمم وليست أعيانًا قائمة يتأتى فيها الغصب المادي، والمماطلة حجب للمال عن صاحبه فهي كالغصب للأعيان، فيلزمه بضمان منافع الدين كما يضمن الغاصب منافع العين المغصوبة مدة الغصب[56].

نُوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن القائلين بضمان منافع العين المغصوبة على الغاصب يشترطون أن تكون المنفعة مما يصح أخذ العوض عنها، وذلك بأن يكون المغصوب من الأعيان التي يصح أن يرد عليها عقد الإجارة[57]، وهذا الشرط غير متحقق في الأموال التي ماطل بها المدين إذا كانت من النقود وهو الغالب في هذا الزمن، لكون النقود أموالًا لا تصح إجارتها بالإجماع[58].

الوجه الثاني: أن قياس تضمين المماطل منافع الدين الذي ماطل به، على تضمين الغاصب لمنافع العين المغصوبة قياس مع الفارق؛ وذلك أن قابلية النقود للربح بالاستثمار غير متحققة بصورة قطعية، فقد يتاجر بـها فتربح أو تخسر، وهو أيضًا غير متقوم فقد يربح كثيرًا وقد يربح قليلًا، وهذا بخلاف الأعيان المادية إذ يصح أخذ العوض عن منافعها بورود عقد الإجارة عليها، كما أن منافعها متقومة محققة لها أجرة المثل[59].

الدليل الثامن: قياس جواز تغريم المدين المماطل بغرامة مالية على جواز بيع العُرْبُون[60] بجامع تفويت الفرصة في كل منهما؛ وذلك أن التعويض عن منفعة العدول عن إتمام العقد مظنونة غير محققة، ومع هذا فقد اعتبر الضمان لتلك المنفعة المظنونة أمرًا مشروعًا، فيُقاس عليه جواز تغريم المدين المماطل مقابل ما فوته على الدائن من منافع ماله[61].

نوقش: بعدم التسليم بجواز بيع العربون[62]؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل[63]، وعلى فرض جوازه فإن قياس تغريم المدين المماطل على بيع العربون قياس مع الفارق؛ وذلك من أوجه:
الوجه الأول: أن الدين ليس كالبيع في كثير من الأحكام الشرعية، فما جاز في البيع قد لا يجوز في الدين؛ لأن الشارع احتاط في الديون كيلا يترتب عليها ربًا محرم، وتغريم المدين المماطل زيادة على أصل الدين حرام؛ لكونـها نوعًا من الربا[64].

الوجه الثاني: أن تغريم المدين المماطل عن الضرر الناتج عن تأخره في سداد الدين مجهول، والجهالة فيه من جهة الوجود، ومن جهة التحصيل، ومن جهة المقدار، ومن جهة الزمن، أما مبلغ العربون فهو معلوم أثناء العقد[65].

الوجه الثالث: أن تغريم المدين المماطل يقدر عند وقوع الضرر، فلا يستحق التعويض إلا إذا وقع الضرر، أما العربون فهو مقابل لحق العدول عن العقد فالالتزام بدفع العربون قائم حتى لو لم يترتب على العدول عن العقد أي ضرر[66].

الدليل التاسع: قياس تغريم المدين المماطل بالغرامة المالية على جواز إلزام العاقد بالتعويض المالي بالشرط الجزائي في غير الديون[67]، بجامع أن كليهما ضمان لمنفعة مظنونة غير محققة الوقوع[68].

نُوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن التسليم بالشرط الجزائي جملة لا يلزم منه تصحيح كل شرط جزائي، بل القول بصحته في آحاد المسائل رهين التسليم باعتبار المنفعة التي يراد الاعتياض عنها، ومنفعة الدين مدة تأخيره غير معتبرة شرعًا في باب المعاوضات؛ لذا فإن العلماء الذين أجازوا الشرط الجزائي استثنوا من ذلك الشرط الجزائي في الديون[69]؛ لأنه من قبيل ربا الجاهلية المحرم[70].


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 131.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 129.61 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]