تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 278 - عددالزوار : 94957 )           »          كتاب (الوصايا المنبرية شرح أربعين حديثاً من الوصايا النبوية ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الغنائم المحققة للمطلوب في الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          {قد أفلح من زكاها} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          كلمة التوحيد في الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          شرح حديث: من حجَّ هـذا البيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          حديث: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          مناجاة.. وثناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كيف نتوب كما ينبغي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          آثار مواسم الطاعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 07-01-2022, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,773
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى


تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
خُطْبَةُ الْمُصَنِّفِ
من صــ 76 الى صــ 80
الحلقة (11)


ومن فصاحة القرآن أن الله تعالى جل ذكره ، ذكر في آية واحدة أمرين ، ونهيين ، وخبرين ، [ ص: 76 ] وبشارتين وهو قوله تعالى وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه [ القصص : 7 ] الآية . وكذلك فاتحة سورة المائدة : أمر بالوفاء ونهي عن النكث ، وحلل تحليلا عاما ، ثم استثنى استثناء بعد استثناء ، ثم أخبر عن حكمته وقدرته ، وذلك مما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه ، وأنبأ سبحانه عن الموت ، وحسرة الفوت ، والدار الآخرة وثوابها وعقابها ، وفوز الفائزين ، وتردي المجرمين ، والتحذير من الاغترار بالدنيا ، ووصفها بالقلة بالإضافة إلى دار البقاء بقوله تعالى : كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [ آل عمران : 185 ] الآية . وأنبأ أيضا عن قصص الأولين والآخرين ومآل المترفين ، وعواقب المهلكين ، في شطر آية وذلك في قوله تعالى : فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا . وأنبأ جل وعز عن أمر السفينة وإجرائها وإهلاك الكفرة ، واستقرار السفينة واستوائها ، وتوجيه أوامر التسخير إلى الأرض والسماء بقوله عز وجل : وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها [ هود : 41 ] إلى قوله : وقيل بعدا للقوم الظالمين [ هود : 44 ] إلى غير ذلك .

فلما عجزت قريش عن الإتيان بمثله وقالت : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقوله أنزل الله تعالى : أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين [ الطور : 33 - 34 ] . ثم أنزل تعجيزا ; أبلغ من ذلك فقال : أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [ هود : 13 ] . فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار ، إلى مثل سورة من السور القصار ; فقال جل ذكره : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله [ البقرة : 23 ] . فأفحموا عن الجواب ، وتقطعت بهم الأسباب ، وعدلوا إلى الحروب والعناد ، وآثروا سبي الحريم والأولاد ، ولو قدروا على المعارضة لكان أهون كثيرا ، وأبلغ في الحجة وأشد تأثيرا . هذا مع كونهم أرباب البلاغة واللحن . وعنهم تؤخذ الفصاحة واللسن .

فبلاغة القرآن في أعلى طبقات الإحسان ، وأرفع درجات الإيجاز والبيان ; بل تجاوزت حد الإحسان والإجادة إلى حيز الإرباء والزيادة . هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ما أوتي من جوامع الكلم ، واختص به من غرائب الحكم ; إذا تأملت قوله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الجنان ، وإن كان في نهاية الإحسان ، وجدته منحطا عن رتبة القرآن ; وذلك في قوله عليه السلام : فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فأين ذلك من قوله عز وجل : وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين [ الزخرف : 71 ] . وقوله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ السجدة : 17 ] . هذا أعدل وزنا ، وأحسن تركيبا ، وأعذب لفظا ، وأقل حروفا ; على أنه لا يعتبر إلا في مقدار سورة أو أطول آية ، لأن الكلام كلما طال اتسع فيه مجال المتصرف ، وضاق المقال على القاصر المتكلف ; وبهذا قامت الحجة على العرب ، إذ كانوا أرباب الفصاحة ، ومظنة المعارضة ; كما قامت الحجة في [ ص: 77 ] معجزة عيسى عليه السلام على الأطباء ، ومعجزة موسى عليه السلام على السحرة ; فإن الله سبحانه إنما جعل معجزات الأنبياء عليهم السلام بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أراد إظهاره ; فكان السحر في زمان موسى عليه السلام قد انتهى إلى غايته ; وكذلك الطب في زمن عيسى عليه السلام ، والفصاحة في زمن - محمد - صلى الله عليه وسلم - .
لا التفات لما وضعه الواضعون ، واختلقه المختلقون ، من الأحاديث الكاذبة ، والأخبار الباطلة ، في فضل سور القرآن ، وغير ذلك من فضائل الأعمال ; قد ارتكبها جماعة كثيرة ، اختلفت أغراضهم ومقاصدهم في ارتكابها ; فمن قوم من الزنادقة مثل : المغيرة بن سعيد الكوفي ، ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة ، وغيرهما ، وضعوا أحاديث وحدثوا بها ليوقعوا بذلك الشك في قلوب الناس ; فمما رواه محمد بن سعيد عن أنس بن مالك في قوله - صلى الله عليه وسلم - : أنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي إلا ما شاء الله ، فزاد هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة .

قلت : وقد ذكره ابن عبد البر في كتاب ( التمهيد ) ولم يتكلم عليه ; بل تأول الاستثناء على الرؤيا ; فالله أعلم .

ومنهم قوم وضعوا الحديث لهوى يدعون الناس إليه ; قال شيخ من شيوخ الخوارج بعد أن تاب : إن هذه الأحاديث دين ، فانظروا ممن تأخذون دينكم ، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا .

ومنهم جماعة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا ، يدعون الناس إلى فضائل الأعمال ، كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، وأحمد بن عبد الله الجويباري ، وغيرهم . قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة ؟ فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق ; فوضعت هذا الحديث حسبة . قال أبو عمرو عثمان بن الصلاح في كتاب ( علوم الحديث ) له : وهكذا الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل القرآن سورة سورة ; وقد بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه ، وأن أثر الوضع عليه لبين . وقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم .

ومنهم قوم من السؤال والمكدين يقفون في الأسواق والمساجد ، فيضعون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث بأسانيد صحاح قد حفظوها ، فيذكرون الموضوعات بتلك الأسانيد ; قال جعفر بن محمد الطيالسي : صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، في مسجد الرصافة ، فقام بين أيديهما قاص فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا أنبأنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طائر منقاره من ذهب وريشه مرجان . وأخذ في قصة نحو من عشرين ورقة ; فجعل أحمد ينظر إلى [ ص: 78 ] يحيى ويحيى ينظر إلى أحمد ; فقال : أنت حدثته بهذا ؟ فقال : والله ما سمعت به إلا هذه الساعة ; قال : فسكتا جميعا حتى فرغ من قصصه ، فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ; فقال : أنا ابن معين ، وهذا أحمد بن حنبل ، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن كان ولا بد من الكذب فعلى غيرنا ; فقال له : أنت يحيى بن معين ؟ قال : نعم ، قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ، وما علمته إلا هذه الساعة ; فقال له يحيى : وكيف علمت أني أحمق ؟ قال : كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا . قال : فوضع أحمد كمه على وجهه وقال : دعه يقوم ; فقام كالمستهزئ بهما . فهؤلاء الطوائف كذبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن يجري مجراهم . يذكر أن الرشيد كان يعجبه الحمام واللهو به ; فأهدي إليه حمام وعنده أبو البختري القاضي فقال : روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح فزاد : أو جناح ، وهي لفظة وضعها للرشيد ، فأعطاه جائزة سنية ; فلما خرج قال الرشيد : والله لقد علمت أنه كذاب ، وأمر بالحمام أن يذبح ; فقيل له : وما ذنب الحمام ؟ قال : من أجله كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فترك العلماء حديثه لذلك ، ولغيره من موضوعاته ، فلا يكتب العلماء حديثه بحال .

قلت : فلو اقتصر الناس على ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما من المصنفات التي تداولها العلماء ، ورواها الأئمة الفقهاء ، لكان لهم في ذلك غنية ، وخرجوا عن تحذيره - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار الحديث . فتخويفه - صلى الله عليه وسلم - أمته بالنار على الكذب ، دليل على أنه كان يعلم أنه سيكذب عليه . فحذار مما وضعه أعداء الدين ، وزنادقة المسلمين ، في باب الترغيب والترهيب وغير ذلك ; وأعظمهم ضررا أقوام من المنسوبين إلى الزهد ، وضعوا الحديث حسبة فيما زعموا ، فتقبل الناس موضوعاتهم ، ثقة منهم بهم ، وركونا إليهم ، فضلوا وأضلوا .
لا خلاف بين الأمة ولا بين الأئمة أهل السنة ، أن القرآن اسم لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - معجزة له - على نحو ما تقدم - وأنه محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ; معلومة على الاضطرار سوره وآياته ، مبرأة من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته ; فلا يحتاج في تعريفه بحد ، ولا في حصره بعد ، فمن ادعى زيادة عليه أو نقصانا منه ، فقد أبطل الإجماع ، وبهت الناس ، ورد ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من القرآن المنزل عليه ، ورد قوله تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ الإسراء : 88 ] ، وأبطل آية رسوله عليه السلام ، لأنه إذ ذاك يصير القرآن مقدورا عليه ، حين شيب بالباطل ، ولما قدر عليه لم يكن حجة ولا آية ، وخرج عن أن يكون معجزا .

[ ص: 79 ] فالقائل بأن القرآن فيه زيادة ونقصان راد لكتاب الله ولما جاء به الرسول وكان كمن قال : الصلوات المفروضات خمسون صلاة ، وتزوج تسع من النساء حلال ، وفرض الله أياما مع شهر رمضان ، إلى غير ذلك مما لم يثبت في الدين ، فإذا رد هذا بالإجماع ، كان الإجماع على القرآن أثبت وآكد وألزم وأوجب .

قال الإمام أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري : ولم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون من شرف القرآن وعلو منزلته ، ما يوجبه الحق والإنصاف والديانة ، وينفون عنه قول المبطلين ، وتمويه الملحدين وتحريف الزائغين ، حتى نبع في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملة ، وهجم على الأمة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال الله يؤيدها ، ويثبت أسها ، وينمي فرعها ، ويحرسها من معايب أولي الجنف والجور ، ومكايد أهل العداوة والكفر .

فزعم أن المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله عنه - باتفاق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تصويبه فيما فعل - لا يشتمل على جميع القرآن ، إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف ، قد قرأت ببعضها وسأقرأ ببقيتها ، فمنها : ( والعصر ونوائب الدهر ) فقد سقط من القرآن على جماعة المسلمين ( ونوائب الدهر ) . ومنها : ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها ) . فادعى هذا الإنسان أنه سقط على أهل الإسلام من القرآن : ( وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها ) ، وذكر مما يدعي حروفا كثيرة .

وادعى أن عثمان والصحابة رضي الله عنهم زادوا في القرآن ما ليس فيه ، فقرأ في صلاة الفرض والناس يسمعون : ( الله الواحد الصمد ) فأسقط من القرآن ( قل هو ) وغير لفظ ( أحد ) وادعى أن هذا هو الصواب والذي عليه الناس هو الباطل والمحال ، وقرأ في صلاة الفرض : ( قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون ) وطعن في قراءة المسلمين . وادعى أن المصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيرة ، منها : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ المائدة : 118 ] ; فادعى أن الحكمة والعزة لا يشاكلان المغفرة ، وأن الصواب : ( وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ) . وترامى به الغي في هذا وأشكاله حتى ادعى أن المسلمين يصحفون : وكان عند الله وجيها والصواب الذي لم يغير عنده : ( وكان عبدا لله وجيها ) ، وحتى قرأ في صلاة مفترضة على ما أخبرنا جماعة سمعوه وشهدوه : ( لا تحرك به لسانك إن علينا جمعه وقراءته فإذا قرأناه فاتبع قراءته ثم إن علينا نبأ به ) . وحكى لنا آخرون عن آخرين أنهم سمعوه يقرأ : ( ولقد نصركم الله ببدر بسيف علي وأنتم أذلة ) . وروى هؤلاء أيضا لنا عنه قال : ( هذا صراط علي مستقيم ) . وأخبرونا أنه أدخل في آية من القرآن ما لا يضاهي فصاحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يدخل في لسان قومه الذين قال الله عز وجل فيهم : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه [ إبرهيم : 4 ] فقرأ : ( أليس قلت للناس ) في موضع : أأنت قلت للناس وهذا لا يعرف في نحو المعربين ، ولا يحمل على مذاهب النحويين ; لأن العرب لم تقل : [ ص: 80 ] ليس قمت ، فأما : لست قمت ، بالتاء فشاذ قبيح خبيث رديء ; لأن ليس لا تجحد الفعل الماضي ، ولم يوجد مثل هذا إلا في قولهم أليس قد خلق الله مثلهم ; وهو لغة شاذة لا يحمل كتاب الله عليها .

وادعى أن عثمان رضي الله عنه لما أسند جمع القرآن إلى زيد بن ثابت لم يصب ; لأن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب كانا أولى بذلك من زيد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أقرأ أمتي أبي بن كعب ولقوله عليه السلام : من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد . وقال هذا القائل : لي أن أخالف مصحف عثمان كما خالفه أبو عمرو بن العلاء ، فقرأ : ( إن هذين ) ، ( فأصدق وأكون ) ، ( وبشر عبادي الذين ) بفتح الياء ، ( فما أتاني الله ) بفتح الياء . والذي في المصحف : ( إن هذان ) بالألف ، ( فأصدق وأكن ) بغير واو ، ( فبشر عباد ) ، ( فما أتان الله ) بغير ياءين في الموضعين . وكما خالف ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي مصحف عثمان فقرءوا : ( كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ) بإثبات نونين ، يفتح الثانية بعضهم ويسكنها بعضهم ، وفي المصحف نون واحدة ; وكما خالف حمزة المصحف فقرأ : ( أتمدون بمال ) بنون واحدة ووقف على الياء ، وفي المصحف نونان ولا ياء بعدهما ; وكما خالف حمزة أيضا المصحف فقرأ : ( ألا إن ثمودا كفروا ربهم ) بغير تنوين ، وإثبات الألف يوجب التنوين ; وكل هذا الذي شنع به على القراء ما يلزمهم به خلاف للمصحف .

قلت : قد أشرنا إلى العد فيما تقدم مما اختلفت فيه المصاحف ، وسيأتي بيان هذه المواضع في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .

قال أبو بكر : وذكر هذا الإنسان أن أبي بن كعب هو الذي قرأ ( كأن لم تغن بالأمس وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها " وذلك باطل ; لأن عبد الله بن كثير قرأ على مجاهد ، ومجاهد قرأ على ابن عباس ، وابن عباس قرأ القرآن على أبي بن كعب : حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات [ يونس : 24 ] ، في رواية وقرأ أبي القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; وهذا الإسناد متصل بالرسول عليه السلام نقله أهل العدالة والصيانة ، وإذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر لم يؤخذ بحديث يخالفه . وقال يحيى بن المبارك اليزيدي : قرأت القرآن على أبي عمرو بن العلاء ، وقرأ أبو عمرو على مجاهد ، وقرأ مجاهد على ابن عباس ، وقرأ ابن عباس على أبي بن كعب ، وقرأ أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس فيها ( وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها ) فمن جحد أن هذه الزيادة أنزلها الله تعالى على نبيه عليه السلام فليس بكافر ولا آثم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,108.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,107.09 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.16%)]