خطوات في طريق صناعة المعلم الرسالي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 278 - عددالزوار : 15572 )           »          حكم المبيت بمنى ليلة التاسع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          عرض كتاب (دور أهل الذمة في إقصاء الشريعة الإسلامية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 927 )           »          التوحيــــد أولاً.. شبهـــــات وردود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          ديننا دين الذوق والنظافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضى الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          شرف العبادة وحقيقتها وثمرتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          جبر الخواطر.. خلق الكرماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الحث عل التعجيل بالحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-12-2021, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,641
الدولة : Egypt
افتراضي خطوات في طريق صناعة المعلم الرسالي

خطوات في طريق صناعة المعلم الرسالي


د. الوليد حسن علي مسلم





مقال تربوي[1]




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الآمين وبعد:

فإنَّ المعلم حجرُ الزاوية، ومركزُ الدائرة في نهضة الأمم وقيام الحضارات، وازدهار الثقافات، ويُعدُّ الاهتمام بتجهيزه، والعناية بإعداده، بمثابة وضع أساس متين لبناءٍ أصلُهُ ثابتٌ وفرعه في السماء يؤتي أكله كلّ حين بإذن ربه. وليس كلُّ معلم ذاكَ الرجل، إنما ذاك الرجلُ هو المعلم الرساليّ، الذي يُصطفى في الاختيار، ويُحسن إليه في التهيئة والإعداد؛ ليكون نوراً يبدد الظلمات ونبراساً يزيل الضلالات وسُلماً يُصعد به إلى التطور في كآفة المجالات، لذا وجب تصويب الاهتمام لصناعته، وتوجيه العناية لإخراجه، وهذا المقال سيراً في هذا الاتجاه.



تعريف المعلم الرساليّ:

عرّف مصطلح المعلم الرساليّ مجموعةٌ من العلماء والباحثين والمهتمين، وقــــد جاءت تعريفاتُهم متقاربة، ومــــن هـــذه التعـريفات تعريف الدكتور صلاح سرور الذي قال: (المعلم الرساليّ هو كلّ معلمٍ التدريسُ له رسالةٌ وليس مجرد وظيفة، يتحرك بدافع ذاتي معتبرا مهنتــه عبادة يؤديها ورسالة يسعى لتحقيقها، فالمدرســـة وعاء يسره الله له ليؤدي هــــذه الرسالة حتـى يرضى عنه سبحانه وتعالى)[2]. وعــــرّفه الدكتور أبو ملوح بقوله: (هـــو المعلـــم الذي يعتبر مهنته عبادة يؤديها و رسالة يسعى لتحقيقها، وهـو حريص على ذلك سواء في المجال الرسمي أو في أي مجالات أخرى)[3]. و عُرّف المعلـــم الرسالي بأنه: (الذي يجعل التعليم مهنـــــة ذات قداســــة خاصة توجب عليــه أداء حقها إخلاصا وصدقا وعطاء)[4]. كما عُرّف بأنـــه: (الذي ينظر للتعليم على أنه رسالة و ليس مجرد مهنــة، يعي دوره و يتحرك بدافــــــع داخلي مدركاً لرسالته و يسعى لتحقيقها)[5]. وعُرّف بأنـــه: (المعلــم الذي يؤدي دوره التربوي والتعليمي وليس للكسب المادي فقط، ولكن قبل ذلك إرضاء لربه وخدمة لمجتمعه ونفعا لأمته)[6].



وبعد، فهذه تعريفات للمعلم الرسالي، فهي وإن كانت عديدة إلاّ أنها لا تختلف عـن بعضها في شيء، إنما هـو تنوع عبارات وتغاير كلمات، وهذا يدل على أن شأن المعلم الرساليّ شأنٌ واضح وبيّن، ومفهومــه موضع اتفاق، وقد أشارت التعريفات إلى أربعة محاور في المعلم الرسالي، المحور الأول: استحضار معنى العبودية في العملية التدريسية، والمحور الثاني: التحرك بذاتية مردها مراقبة الله تعالى، المحور الثالث: التحرر من النظرة المهنية الضيقة والغرض المادي البحت، المحور الرابع: الاتصاف بصفات أخلاقية متميزة.



صفات المعلم الرساليّ:

يتصف المعلمُ الرساليّ بالعديد من الصفات التي تعطيه التميز، وتمنحه الجدارة، وتؤهله للقيادة، وتجعلــه نواة لكلّ تطور، وبذرة لكلّ تقدم، والصفات التي يتصف بها المعلم الرساليّ كثيرة ومتشعبة، وأُجملها في الآتي:

الصفة الأولى: الإخلاص

المعلم الرساليّ يبتغي بعمله وجه الله تعالى، ويطلب مرضاته، وإخلاصُهُ هذا يحوّل التعليم عنده من مجرد مهنـــة إلى عبادة يُرجى ثوابها، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: ١١٠] والإخلاص سبب للتوفيق لكلّ خير والعصمة من كل سوء، قال تعالى: ﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: ٢٤]. وقـــد افتتح الإمام البخاري رحمه الله تعالى كتابــه الجامع الصحيح بحديث: (إنّما الأعمال بالنيات...)[7]؛ لأنّ المعلـم والمتعلم كلاهما يحتاج للإخلاص، وهــو يقود للعطاء المستمـر غير المنقطع، قال سهل بن عبد الله: (ما كان لله متصل وما كان لغيره منقطع)[8].



الصفة الثانية: المراقبة لله تعالى

المعلم الرساليّ يستشعر مراقبة الله تعالى له، وأنه سبحانه مطلعٌ عليه في الخلوة و الجلوة وأنه يحصي عليــــه حركاتـــه وسكناتـــه، قال تعالى: ﴿ هَٰذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية: ٢٩] وصفة المراقبة لله تعالى تجعل المعلم الرساليّ يتحرك بدافع ذاتي وداخلي، وتجعله قائماً بواجباته، لا يهـرب منها تحت ذريعــة الأعذار أو بداعي المشاغل، ولا يربط بين عطائـــه وراتبه، أو بين عطائه وترشحه لمنصب إداريّ.





الصفة الثالثة: المحاسبة

المعلم الرسالي يمتلك نفساً لوّامة، وهي النفس التي تلوم صاحبها على أي تقصير، وتحملـه على التوبة منه، وقــد أقسم الله تعالى بها منبها علــى فضلها، قال تعالى: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة 1-2] لذلك فالمعلمُ الرساليّ يحاسب نفسه ثلاثة أنواع من المحاسبة: النوع الأول، محاسبـة قبل العمـل؛ لأجل تحسين الإعداد وإجادة التحضير، والنوع الثاني: محاسبة أثناء العمل؛ لضمان التجــويد وبلوغ الإتقان، والنوع الثالث: محاسبة بعد العمل: لأجل التأمين على الإيجابيات وتلافي السلبيات[9].



الصفة الرابعة: مهمومٌ بأمته

المعلم الرسالي يحمل هـم أمته، فيسعى لنشر النور فيها، ويتحرك لبسط الوعي، ولا يحصر نفسـه في نطاق الدرس المدرسيّ الضيق، إنما ينطلق لمعالجـــــة قضايا الأمة الكبرى؛ فنجده مـن خلال الدرس المدرسي والأنشطة اليومية والأسبوعية، ويتصدى لمشكلــــة المخدرات ويوضح مدى تدميرها، ويحذر من الصحبة السيئـة وعظيم تأثيرها، كما أنه يستغل كلّ فرصة ليغرس قيــــم الفضيلة وسلوك المحافظة على النعم والالتزام بالقوانين، وفي كلّ ذلك يجعل قدوتَهُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ينام ويصحو وهـو يحمل هـم أمته ويقول: (أمتي، أمتي )[10]. حتى حطمه الناس، فعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله تعالى عنها:( أ كان نبي الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يصلي جالساً ؟ قالت: نعم، بعد ما حطمــه الناس) أي حملوه أثقالهم حتى صار شيخاً محطوماً. رواه مسلم[11]. والمعلم الرسالي على ثغرة الوعي كما أن الوزير على ثغرة الحكم والشرطي على ثغرة الأمن، وهـو يسعى ليكون كصاحب المثل الثاني في قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل: ٧٦].



الصفة الخامسة: الصبر

المعلم الرساليّ متصف بالصبر الذي هـو تعبير عن قوة الإرادة، وكمال العقل وبعـده عن التسرع والطيش والرعونة والتعامل مع أمور الحياة ومشكلاتها بحكمة ومسؤولية[12]. فالمعلم الرساليّ يصبر على معاناة مهنة التعليم ومشقتها ويبذل أقصى جهـده لتقريب المعلومات التي يطرحها على أذهان التلاميذ، وإن استدعى الأمر منه تكراراً أو تنويعاً للأساليب، ويكون قادراً على مواجهة مشكلات التلاميذ المتنوعة ومعالجتها بحكمة وروية، دونما غضب أو انفعال أو نحو ذلك. ولأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أستاذ الخلق ورسول الحقّ فقد جاء إليه الأمر من الله تعالى بالصبر في عدة مواضع من القرآن الكريم، قال تعالى:﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ الأحقاف 35. قال تعالى:﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ القلم: 35. قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا ﴾ المعارج: ٥.




الصفة السادسة: إعطاء القدوة الحسنة

المعلم الرساليّ قدوة حسنة لتلاميذه؛ لأنه يعمل بما يَعلم و يُعلّم، وعنده تلازم بين العلم والعمل، ويقدم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وكلاماً مـؤثراً وسلوكاً آثراً، فيجعـلُ التلاميذ يأخذون من علمه وعمله، وينهلون من كلامه وسلوكه، فينهض بالعقول، ويرتقي بالأخلاق، ويسمو بالمجتمع بشكل إيجابي، ويحمي الأمة من انتشار الأخلاق غير الحميدة، ويصونها مــن شيوع السلوكيات السلبية. قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (كانت أمي تعممني وتقول: اذهب إلى ربيعة الرأي فتعلم من أدبه وعلمه).[13] فالمعلم الرساليّ يؤثر في تلاميذه بلسان مقاله ولسان حاله، قال وهب بن منبه: (ما تعلمته من أدب مالك أكثر مما تعلمته من علمه)[14]. وقال الحسين بن إسماعيل: سمعت أبي يقول: (كنا نجتمع في مجلس الإمام أحمد أكثر من خمسة آلآف أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون والباقي يتعلمون منه حسن الأدب و حسن السمت)[15]. ولا يكون المعلم رساليّاً حتى يصيّر نفسه أُنموذجًا يسارع تلاميذه للاقتداء به والسير على طريقته، قال عبد الله بن المبارك: ( إذا وُصف لي رجل له علم الأولين والآخرين وليس له آداب النفس لا أتأسف على فوات لقائه، وإذا سمعت برجل له آداب النفس أتمنى لقاءه وأتأسف على فوات لقائه)[16]. وقال عبد الله البلـي رحمه الله تعالى: (لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزين علمه بالأدب)[17].



الصفة السابعة: حُسنُ المظهر

المعلم الرساليّ يحسّنُ مظهره في توازن واعتدال، من غير مغالاة ولا إسراف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنــدما سُئل عـن حُسن الثوب والنعل: (إنّ الله جميل يحب الجمال) رواه مسلم[18]. وقال عليه الصلاة والسلام: (أصلحوا رحالكم و أحسنوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإنّ الله لا يحب الفحش ولا التفحش). رواه الحاكم وصححه الألباني[19]، والمعلم حينما يُحسّن مظهره فإن العيون ترتاح إليه، والنفوس تأنس به، والعقول تأخذ منه و يكون مرغوبا من الجميع.



الصفة الثامنة: إتقان العمل

المعلــمُ الرساليُّ متقنٌ لعمله، وشعاره في ذلك قوله تعالى: ﴿﴿وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ التوبة: ١٠.



ويتمثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) رواه الطبراني[20]. ويقدم المعلم الرساليُّ عطاءً متقناً حتى صار الإتقان طبعاً له وسجيةً، لا يطلب به ثناء، ولا يرجو من ورائه حافزاً، ولا يبغي ترقية.



الصفة التاسعة: الالتزام و الانضباط

من صفات المعلم الرساليّ الالتزام بقوانين مهنته، والانضباط باللوائح، والأخذ بتوجيهات مؤسسته وأنظمتها، والانصياع لقيادته، والعمل وفق مواعيد الحضور والانصراف وبداية الحصص ونهايتها، وتسليم اختباراته وتصحيحها ورصد نتيجته، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود ﴾ِ المائدة: ١. فمطلق العقود يجب الوفاء بها مادام أنها وفق منهـج الله تعالى، وتدخل في ذلك عقود المؤسسات وقوانينها و أنظمتها، وقد أمتدح الله تعالى الذين يوفون بعهودهم، فقال تعالى:﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ البقرة: ١٧٧وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم ما لم تحل حراماً أو تحرم حلالاً) رواه الترمذي[21]. بمعنى ثابتون عليها لا يرجعون عنها ولا يهربون منها ولا يتحايلون لإسقاطها والتملص منها، بل إن دينهم وإيمانهم يحملهم على أدائها و الوفاء بها.



الصفة العاشرة: التعمق في التخصص

من صفات المعلم الرساليّ التعمـق في التخصص؛ فهو في سعي دائم للعناية بتخصصه والاستزادة منه وإتقانه ولا يرضى إلاّ أن يكون عليمًا بمادته قديراً على إيصالها؛ وذلك لأنـه مرجع لتلاميذه ومصدر لمعلوماتهم، وأول كلمـة نزلت من القرآن الكريم هي كلمة اقرأ، وتكررت مرتين في أول آيات نزلت من القرآن الكريم حيث قال االله تعالى:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ العلق1-3. قال الشيخ ابن عثيمين: (اقرأ الأولى أمرٌ بأن يقرأ الإنسان ليرفع الجهل عن نفسه وليعمل، واقرأ الثانية ليعلم غير)[22]، وسُئل سفيان بن عيينة: من أحـوج الناس إلى طلب العلم ؟ قال: أعلمهـم؛ لأن الخطأ منه أقبح)[23]، والمعلم الرسالي ينشد التطور في مادته ووسائله، ويرى أن العلم لا يُشبع منه، فقد أمر اللهُ تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلب التزيد من العلم فقال له:﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا طه: ١١٤، وقِيل للإمام أحمد بن حنبل: إلى متى تطلب العلم ؟ فقال: (مع المحبرة إلى المقبرة) [24]. والمعلم الرسالي مع اعتنائه بتخصصه فإنه يأخـذ بنصيب من التخصصات ذوات العلاقة؛ وذلك لأن العلوم مرتبطة مع بعضها ومتداخلة.



الصفة الحادية عشرة: القيام بالقسط

المعلم الرسالي يأخذ بالقسط و يلتزم بالعدل في تعامله مع تلاميذه، فلا يتجاوز عقابُهُ لتلاميذه إلى الانتقام، ولا تجعـــله الخلافات الشخصيـــــة يضيـــــع جهودهـــــم، ولا تحملـــــه المحاباة على إعطاء بعضهـم ما لا يستحقونه؛ لإدراكه أن العدل هو الأساس الذي قامت عليه السموات والأرض، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ المائدة 8.




وليقينه أنّ الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن الله تعالى سينتصر للمظلوم ولو بعد حين، وثابت عنده أن الأمانة تقتضي منه أن يعطي كل ذي حق حقه، وألا يزيد تلميذا فوق حقه، يقول الله تعالى:﴿ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ النساء: ٥٨. قال الشيخ ابن عثيمين: (الواجب على المدرس أن يحكم بالعدل بين تلاميذه إذا قدموا أجوبتهم وليغض النظر عن كونه فلانا أو فلانا، وليصحح على ما كان أمامــه من قولٍ، إن صوابا فهو صواب، وإن خطأ فهو خطأ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع)[25].



الصفة الثانية عشرة: مراعاة الفروق الفردية

المعلم الرساليّ يراعي الفروق الحاصلة بين تلاميذه في الفهم والاستيعاب وسرعة الاستجابة والتفاعل مع الأنشطة، قال علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون)[26]. أي بما يفهمون. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلاّ كان لبعضهم فتنة)[27]. والمعلم الرساليّ يعمل على تقليل الفروق الفردية لدى تلاميذه بإثارة الدافعية لدى الأقل مستوى، واستخدام أسلوب التشويق، وتنويع الأساليب، وتجنب الألفاظ القبيحة، وتعزيز الجوانب الإيجابية، وإكسابهم الثقة في نفوسهم. قال الإمام البخاري: (ويقال: الربانيّ الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره).[28].



الصفة الثالثة عشرة: اكتشاف المواهب والقدرات ورعايتها

المعلم الرساليّ يكتشف المواهب، والقدرات في تلاميذه، ويعمـل على رعايتها وتنميتها، لعلمه أن الناس يختلفون في مواهبهم ويتباينون في قدراتهم، وقدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يكتشف المواهب والقدرات في أصحابه ويرعاها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبيّ بن كعب، وأقرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإنّ لكل أمة أميناً وإنّ أمين هذه الأمة أبو عبيدة) رواه الترمذي[29]. ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة بدر جاء زيد بن ثابت ليجيزه النبي عليه الصلاة والسلام للحرب فرده لصغر سنه، فبكى ورجع لأمه فجاءت أمه تسوقه وطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم اختباره، فاختبره فوجده صاحب موهبة في الحفظ وذكاء، فطلب منه أن يتعلم لغة اليهود فقال له: (تعلـم لغة يهود فإني ما آمنهم على كتابي) قال زيد: فتعلمتها في سبعة عشر يوما حتى حذقتها، فكنت اكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له[30].



الصفة الرابعة عشرة: التعاون مع الزملاء

المعلم الرساليّ يدرك أن العملية التربوية والتعليمية تحتاجان للتعاون والتواصي بين زملاء المهنة، فهو يرى أنه قليل بنفسه كثير بإخوانه، فيضع كل إمكانيته للتعاون معهم. قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ المائدة: ٢وقال تعالى:﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ العصر: ١ – ٣ وقال رسول صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومتسرّعهم على قاعدهــم...)[31]. وقال عمر رضي الله عنـه: (كنت مؤاخياً أوس بن خولي، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلتُ جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك...)[32].



الصفة الخامسة عشرة: المهنية العالية

المعلم الرساليّ يمتلك مهنية عالية، أكتسبها بالدراسة والتدريب والخبرة، وتتمثل هذه المهنية في الإدارة الجيدة للفصل الدراسي، والتي يجمع فيها بين الحزم والمرونة، والاستخدام الأمثل للسبورة والوسائل التدريسية والإيضاحية الأخرى، والتدريس الفعال والشرح النموذجي الميسر والمشوق، والذي يتدرج فيه من الأهم للمهـم، ومن السهل للصعب، ومن المجمل للمفصل، وينـوع الأساليب، ويثير الدافعية، ويستخدم العصف الذهني، والأسئلة القبلية والبعدية، والتغذيـــة الراجعة، والأنشطة الجماعية، كما أنّ مهنية المعلم الرساليّ العالية تظهر في متابعته الدقيقة لأداء تلاميذه من خلال الصف ومن خلال الواجبات والتكاليف، وتظهر مهنيته في وضع اختبارات تتصف بالصـدق والثبات والشمول والموضوعية والوضوح ومراعاة الفروق الفردية وقياس كآفة المستويات العقليّة.



الفروق بين المعلم الرساليّ والمعلم الوظيفيّ:

المعلمُ إمّا أن يكون رساليّاً وإمّا أن يكون وظيفيّاً، أمّا المعلمُ الرساليُّ فقد اتضحت حقيقتُهُ وبانت صفاتُهُ بما سبق، وأمّا المعلمُ الوظيفيُّ فهو الذي اتخذ التعليمَ وظيفةً، لكنه اتصف بالعديد من الصفات السلبية التي جعلته بعيداً عن الرساليّة، ويمكنني إجمال الصفات السلبية التي يتصف بها المعلم الوظيفي فيما يلي:

(1) من الصفات السلبية للمعلم الوظيفي أنّه لجأ للتعليم فقط لأجل الامتهان، فالتعليم عنده مجرد وظيفة، يريد أن يتكسب منها و يسترزق من ورائها، ولو قدر على غيرها أو وجد غيرها لتحول عنها، فهو تسيطر عليه النظرة المادية، وتتحكم فيه مقاييس الربح والخسارة ولهذا فإنه لا يستحضر معنى العبودية في عمله، ولا يتحرك إلاّ تحت مراقبة قيادته، ويهرب من عمله بذرائع تافهة، وإن قدّم عطاءً استثنائيًا فلأجل حافز ماليّ يرجوه، أو منصب إداري ينشده أو زيارة للتقويم يتوقعها.



(2) من سلبيات المعلم الوظيفيّ أنه يحصر همه داخل الفصل الدراسيّ، ويقصر هدفه على إكمال المقرر، ولا يلتفت لغير ذلك. فلا القضايا الكبرى للأمة تحركه، ولا التحديات العظمى تشغلُهُ، فضيع الثغرة التي يقف عندها؛ وهي ثغرة إشاعة الوعي والفضيلة.



(3) من الصفات السلبية للمعلم الوظيفيّ سوء الأخلاق وحدة الطباع، فيقدم لتلاميذه قدوة سيئة في الأخلاق الرديئة والسلوكيات السافلة، وفي الكذب والظلم والخيانة، وارتكاب المحظورات والتساهل في الواجبات، قال الشيخ ناصر الأحمد: (إنّ من أقبح المنكرات، وأرذل الأخلاق أن يكون الشخص إماماً في الشر، متبوعاً وهادياً إلى غير ما يرضي الله)[33].



كما أنه يتعامل بحدة وتهور مع تلاميذه، ولا يعرف صوتاً غير صوت التهديد ولا يجيد لغة سوى لغة العصا، كما أنه سيئ التعامل مع زملائه.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.57 كيلو بايت... تم توفير 1.56 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]