|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الصبر على المكاره والأذى الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر أ- حقيقة الصبر وأنواعه: الصبر خُلُق من أخلاق النفس الفاضلة، وقوة من قواها التي بها صلاحها، وقوام أمرها في العاجل والآجل. وأصله: الحبس، وله معنيان: أحدهما لغوي: وهو حبس النفس عن الجزع والجهل والسفه، ونحو ذلك مما لا تليق نسبته إلى العاقل. ثانيهما: ديني شرعي: وهو حبس النفس على موافقة الشرع، وترك ما يخالفه من الأقوال والأعمال والأحوال على وجه التقرب إلى الله تعالى، رغبةً في ثواب الله تعالى، وحذرًا من عقابه، وهو أنواع: فالأول: صبر على ما أمر الله تعالى به من الطاعات: مع ما قد يلحق العبد من مشقة بعض العبادات لتكرارها كالصلاة، أو لمشقة بذلها على النفس كالزكاة، أو لكلفة مباشرتها كالصيام، أو إيذاء الناس للشخص بسببها كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو لخطر على البدن أو النفس كالحج والجهاد في سبيل الله. قال تعالى في الدعوة إلى التوحيد والنذارة من الشرك: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 1 - 7] وقال تعالى بشأن الصلاة: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132] قال تعالى في قصة لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]، وأمر بالصبر في الجهاد ومصابرة الأعداء، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45 -46 ] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]. فالصبر على امتثال المأمورات وأداء العبادات على أكمل الوجوه المستطاعة وأحسنها، والاستمرار على ذلك مدة الحياة، وعدم الإخلال بشيء منها. وهكذا المصابرة والمرابطة للأعداء، والتقوى في جميع الأمور والأحوال من أسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. الثاني: صبر عما نهى الله عنه من المحرمات وأنواع المنكرات وظلم البريات، ونهي النفس عن الهوى والوقوع في الشبهات، كلُّ ذلك من جليل وعظيم العبادات وأسباب وراثة الجنات، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]. والصبر على الطاعات أكمل وأنفع للنفس من الصبر عن المحرمات ـ وفي كلًّ خير، وكلاهما خُلق حسن، وعمل صالح ـ، فإن مصلحة فعل الطاعة أحب إلى الله وأنفع للعبد من مصلحة ترك المعصية، ومفسدة عدم الطاعة أبغض إليه وأكره عنده من مفسدة وجود المعصية وارتكابها، ولكن كل ما نهى الله عنه فإنما نهى عنه لرجحان مفسدته وتحقق مضرته، ولتحقيق كمال ضده، فيجب تركه وتوطين النفس على الصبر عنه والبعد عن أسبابه ومظانه وأهله، فإنه من تحقيق التقوى وخصال أولي النهي. الثالث: الصبر على المصائب المؤلمة والحوادث الموجعة: من مرض أو جوع أو فقد قريب أو فوات حبيب أو خسارة مال، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155] وثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها»[1]، وعن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وَصَب، ولا هَم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه»[2]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يُردِ الله به خيرًا يصب منه»[3]، فهذا النوع من الصبر كفارة، ومع الاحتساب فيه فهو من أسباب الفلاح وربح التجارة. الرابع: الصبر على الأهواء المضلة: بالإعراض عن الشبهات، والحذر من دعاة الضلالات، قال تعالى: ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49] وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 73] وقال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140] وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68]. وذلك لأن هذا الصنف المبطل يزخرف باطله بما يجعله مقبولًا عند بعض الناس، وقد يستدل بنصوص من الوحيين بما يُشبِّه به على بعض الناس، لأن الدليل حقُّ ولكن الاستدلال باطل. وعامة الناس وجملة ممن ينتسب إلى العلم يَلفتُ نظره الدليل ولا يدرك بطلان الاستدلال، فعند استماع هؤلاء إلى أهل الباطل والضلال قد تنفذ الشبهات إلى قلوبهم، فتسبب شكهم وحيرتهم وزهدهم في الحق، وتأثرهم بالباطل، ولذا نهى الله تعالى عن مجالسة المبطلين، وأمر بالإعراض عن الجاهلين، وحذر من شبهات المضللين المضلين، ومجادلتهم المفتونين لما في مجالسة هؤلاء، والإصغاء إليهم من الضرر المطلق والهلاك المحقق. ب- حاجة الدعاة إلى الصبر: يحتاج الداعية إلى الله تعالى إلى أنواع الصبر كلها، فلا غنى به عنها، فإنها كلها تجتمع له في دعوته، ولها أثرها العظيم في نجاح مهمته، وهي من أعظم عدته، فحاجته إليها شديدة، فإنه يحتاج إلى: 1- الصبر على القيام بواجب الدعوة: امتثالًا لأمر الله تعالى، وعبادة له، ورغبة فيما وعد الله به الدعاة إلى سبيله من الثواب العظيم، والأجر الكريم في الدنيا والآخرة، وحذرًا من عقوبة الله للمفرطين في العاجلة والآجلة. 2- الصبر عن داعية النفس إلى التكاسل في الدعوة: وترك مواجهة الناس. 3- الصبر على أذية الخلق الذين يدعوهم إلى الله تعالى: وكم يتعرض الداعية إلى الله لأنواع من الأذى في سبيل دعوته، وإلى فتن الشبهات والشهوات، وأنواع المغريات؟! حتى يبتلى بعضهم بأنواع من البأساء والضراء والزلازل، والهجرة عن الأوطان، ومفارقة الأهل والأولاد والإخوان. فلا بد من الصبر العظيم على ذلك كله، طلبًا للأجر الكريم، وحذرًا من الفتنة والعذاب الأليم ـ وإن طال الزمن ـ، وأسوته في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه إمام الصابرين، وسيد الشاكرين المؤمنين، ولقد تعرض صلى الله عليه وسلم لأنواع الابتلاء وأصناف الأذى فصبر صبرًا عظيمًا، ولما أوذي صلى الله عليه وسلم مرة قال: «رحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر»[4]، وكان صلى الله عليه وسلم يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»[5]. فإن الاعتبار بما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم ولإخوانه من المرسلين وأتباعهم على الهدى والدين وما كانوا عليه من الصبر العظيم والصفح الجميل والكريم، وصدق الضراعة واللجوء إلى الرب الكريم ـ من أنفع الأمور وأحسنها عقبى في العاجل و الآجل ـ، فقد أوذوا في الله فصبروا لله تعالى مستعينين به، فنالوا ثواب الصابرين، ورضا رب العالمين وثنائه عليهم في كلام محكم يتلى إلى يوم الدين، فالاعتبار بما جرى لهم من الشدائد والمكاره وفي البأساء والضراء وحين البأس وصبرهم عليهم الصلاة والسلام على ذلك كله بالله ولله مما يثبِّت الله به الداعية إليه، ويكون من أسباب تخلقه بالصبر الجميل، بل والصفح الجميل، وحسن ظنه بالمولى الجليل، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام: 34]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120]. فإن الصبر مع اليقين من أسباب التمكين والإمامة في الدين وهداية الله تعالى ومعيته للصابرين، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24] وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69] والأجر على قدر التعب والنصب، والمثوبة على قدر الحسبة وحسن الظن بالرب. فالداعية إلى الله تعالى في غاية الضرورة إلى الصبر، وهو مرتبة عالية، وخليقة فاضلة لا تنال إلا بأسبابها التي يتجرع بها العبد مرارة الصبر إيماناَ بفائدته، وطمعًا في حسن عاقبته وجليل مثوبته، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا»[6]، وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: «والصبر ضياء»[7]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ومن يتصبر يصبره الله»[8]. فليصبر الداعية وليصابر في بيان الحق والدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ومجاهدة نفسه وغيره على الحق وفي سبيل الحق، وليتخلق بسعة الصدر، وعظم الحلم، وطول النَفَسْ، وبعد النظر، حتى تتحقق الغاية المنشودة، وفي الحديث في صفة المؤمن: «وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»[9]، وفيه أيضًا قال صلى الله عليه وسلم: «وما أعطى الله أحدًا من عطاءٍ خيرًا ولا أوسع من الصبر»[10]، ومن لم يصبر استعجل في أمر له فيه أناة ففاته مقصوده، وشمت به حسوده. ولذا قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48] وقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ ﴾ [القلم: 48] يعني: يونس عليه السلام، أي: في نفاد صبره ومغاضبته لقومه، وذهابه عنهم بسبب غيرته، فمع أنه حق إلا أنه خلاف الأولى منه عليه الصلاة والسلام في حق ربه وحق قومه؛ ولذا عاتبه الله تعالى وابتلاه بسبب هذه العجلة، ولعل الحكمة ـ والله أعلم ـ أنه لم يستأذن ربه في مفارقتهم، وإلا فإن قومه مستوجبون للعقوبة؛ لولا أن الله تعالى لطف بهم وبنبيهم يونس عليه الصلاة والسلام فرحمهم وإياه فاستجاب دعاءهم، وصرف العقوبة عنهم، وقبل إيمانهم ورد إليهم نبيهم، ومتعهم إلى أجلهم؛ ولهذا نهى الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يتأسى بيونس عليهم الصلاة والسلام جميعًا في هذا الأمر لكونه خلاف الأولى. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |