عن التربية الاجتماعية والحقوق العامة
الشيخ طه محمد الساكت
سلسلة مقالات (4)
ضروب من التربية البدنية
نصوص وعناصر:
والإسلام - فوق ما تقدم - لا يقف حجر عثرة في طريق ما عُرف وما سيُعرف من الرياضة البدنية، بل إنه يتسع لها ويرضى عنها ما دامت وسيلةً إلى بناء الجسم وتقويته؛ فإنه يقر القضية المعروفة "العقل السليم في الجسم السليم" ويؤيدها.
نعم، هو ينكر الإسراف في كل شيء، حتى في العبادة؛ لأن الإسراف سيؤدي إلى التفريط والتهاون يومًا ما، وأحبُّ العمل أَدْوَمُه وإن قلَّ.
والرياضة - كما قلنا - ليست أمرًا مقصودًا لذاته، ولا ينبغي أن تكون كذلك، بل هي وسيلة إلى صحة الجسم والعقل؛ فمتى أدت وظيفتها فلا ينبغي تجاوُز الحد فيها.
ومن الرياضة البدنية التي اتسع لها الإسلام ورضي عنها، بل رغَّب فيها: العوم والرماية والسباق بالنَّبل وبالخيل، بشروط تصونه عن أكل أموال الناس بالباطل، وهي معروفة في الفقه الإسلامي ينبغي الرجوع إليها[1].
وأباح السباق بالأقدام؛ لما له من الأثر الجميل في تقوية الجسم، وفي العَدْو الذي يُحتاج إليه في الكرِّ والفرِّ والإقدام حينما يَحسُن الإقدام، والإحجام حينما يجب الإحجام.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في غزوة أحد: ((ارمِ فداك أبي وأمي)).
وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ على نفر مِن قبيلة "أسلَمَ" يتسابقون في الرمي، فقال: ((ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا))[2]، وهي قصة طريفة في إعداد العُدَّة للعدُو وفي الرياضة والفنون الحربية.
وانظر كتاب الجهاد في البخاري، وانظر (ص83 ج1) هداية الباري، وانظر مسابقته صلى الله عليه وسلم للأعرابي وسبق الأعرابي له في "كتاب الجهاد، باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم" و (ص328)، ثم اقرأ في "المواهب اللدنية والسير النبوية" مسابقته لعائشة وسبقها وسبقه[3] وقوله: ((هذه بتلك)) - تعلم أن الرياضة البدنية لم تشرع في الإسلام للرجال فقط، بل شُرعت للجنسين جميعًا فيما يحل ويَجْمُل بكلٍّ.
بلغت التربية الاجتماعية ذروتها في الإسلام
نصوص وعناصر
لقد بلغت التربية الاجتماعية في الإسلام ذروتها، فلم تدَع زيادة لمستزيد، وهل ترى الكتاب والسنة إلا أسسًا وقواعد لمكارم الأخلاق وأصول الاجتماع؟!
كلُّ ما في القرآن الكريم والسنة المطهرة دعوةٌ شاملة - في جُملتها وتفصيلها، ووسائلها وغاياتها - إلى بناء أفضل مجتمع وأعظم أمة في الوجود، ولقد قال تعالى تصديقًا لذلك: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
لقد عرف الإسلام حقوق الإنسان التي تتغنَّى بها المدنية الحديثة وتفخر بها كذبًا وزورًا.
عرفها قبل أن تُخْلق هذه المدنية بأربعة عشر قرنًا!
عرف حقوق الإنسان على خير ما يَتصور الإنسان العاقل المهذَّب الحكيم.
عرفها ودعا إليها في المنزل والمسجد، والمدرسة والمصنع، والمجتمع الخاص والمجتمع العام.
عرفها بين الوالد وولده، والأخ وأخيه.
عرفها بين الأقارب والأباعد والجيران على اختلاف درجاتهم ومنازلهم.
عرفها في الأقربين والأبعدين، وبين من يَعرف المرءُ ومَن لا يَعرف.
حقوق الإنسان
نصوص وعناصر
عرف هذه الحقوق مُجملة ومفصلة، فيما بين الإنسان ونفسه، وفيما بينه وبين أهله وذويه، وفيما بينه وبين الناس جميعًا، حتى فيما بينه وبين ألدِّ أعدائه، ودعاه إلى العدل والإنصاف مع الأقربين والأبعدين على سواء؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ﴾ [النساء: 135]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ [المائدة: 8].
أمر الإسلام بالسلام، ورغَّب فيه ترغيبًا أكيدًا، على مَن عرفت ومَن لم تعرف.
وجعل لهذه التحية الإسلامية منزلة كريمة وفضلًا عظيمًا لمن بدأ بها الناس، حتى قال صلوات الله وسلامه عليه: ((إن أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسلام))[4].
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجلان يلتقيان؛ أيهما يبدأ بالسلام؟"، قال: ((أولاهما بالله تعالى))[5].
وفي السلام يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]، ويقول: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61].
وبلغ من أمر السلام واهتمام الإسلام به أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا مرَّ على صبيان سلَّم عليهم[6].
وفي السلام آداب ومكارم مشهورة مبثوثة[7].
من الآداب الاجتماعية في الإسلام
نصوص وعناصر
وإذا أردت أن تعرف شيئًا من هذه الحقوق، فافتح كتاب الله تعالى واقرأ مثل قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ الآية [النساء: 36].
ومثل قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا... ﴾ الآيات [الإسراء: 23].
وقوله تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا... ﴾ الآيات [الأنعام: 151].
وأخيرًا وليس آخرًا، مثل قوله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا... ﴾ الآيات [الفرقان: 63].
وسورة الحجرات من أولها إلى آخرها؛ لتعلم ما هو الإسلام، وما منزلة التربية الاجتماعية في الإسلام.
ولا بأس بالنظر في تفسير هذه السورة للشيخ المراغي في دروسه الملكية، ولا بأس كذلك بالاستفادة من سورة النور وتفسيرها "شفاء الصدور" للشيخ الجبالي إن اتسع المقام.
يتبع