|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حياة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها العامة والخاصة مسلم بن محمد اليوسف إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله - تعالى - من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102)]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [سورة النساء: 1)]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [سورة الأحزاب: 70، 71)]. أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله - تعالى -، وخير الهدى هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فقد دأب بعض أهل الهوى والفكر المنحرف، الدخيل على ديننا الحنيف للنيل من الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أزواجه الأطهار - رضوان الله عليهن- عموما، وعائشة - رضي الله عنها - على وجه الخصوص لمكانتها العلمية في ديننا الحنيف. وفي هذا المبحث سوف أتحدث عن حياة أم المؤمنين العامة والخاصة ومكانتها العلمية الفريدة لأنها من أولي اللواتي حملن لنا هذا الدين القويم، فكانت لها الفضل العظيم رضوان الله عليها - في نقل وصيانة هذا الدين إلينا كما كانت لها فضل نشر نور الإسلام، وعلومه. تلكم أم المؤمنين الصديقة زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا و الآخرة من أكثر الصحابة رواية للحديث النبوي الشريف و أشدهم حفظا له. الفصل الأول: حياة أم المؤمنين عائشة ملكة العفاف الخاصة والعامة الفرع الأول: حياة أم المؤمنين عائشة الخاصة. الفرع الثاني: حياة أم المؤمنين عائشة العامة. الفرع الأول: حياة أم المؤمنين عائشة ملكة العفاف الخاصة. وفيما يلي أبين بعض الجوانب من حياة أم المؤمنين الخاصة لكي يعرف ويلم القارئ الكريم بما يحب أن يعرف من حياة هؤلاء الأخيار الذين رضي الله عنهن ورضوا عنه، فيتلمس علمهن، وحبهن ابتغاء لمرضاة الله - سبحانه وتعالى -. من هي عائشة: هي الصديقة بنت الصديق أبي بكر، عبد الله بن أبي قحافة، القرشية، التيمية، المكية. أمها: أم رومان الكنانية بنت عامر بن عويمر، بن عبد شمس، بن عتاب، بن أذينة بن سبيع، بن دهمان بن الحارث، بن غنم بن مالك بن كنانة[1]. ألقاب عائشة - رضي الله عنها -: ظفرت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بألقاب لم تظفر بها غيرها من أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن أجمعين- منها: 1- عائش: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي عائشة -رضي الله تعالى عنها- بقوله: (يا عائش)[2][3]. تحبباً، وتحسناً لمكانتها المميزة في قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ففي الصحيحين عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام. قلت و عليك السلام ورحمة الله وبركاته)) 2- حميراء: وكذلك روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى حبيبته عائشة - رضي الله عنها - بالحميراء، تحببا إليها و ملاطفة لها ومن ذلك ما رواه عدد من العلماء من رواية أم المؤمنين عائشة، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم، فقلت: نعم، فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده" قالت: " ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حسبك)) فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: ((حسبك)) فقلت: " لا تعجل يا رسول الله " قالت: " وما لي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه " * قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا حميراء! أتحبين أن تنظُري إليهم؟!)) يعني: إلى لعب الحبشة ورقصهم في المسجد [4]. ولفظ: حميراء، معناه البيضاء؛ لأن أم المؤمنين كانت بيضاء - رضي الله عنها -. والعرب تطلق على الأبيض أحمر لغلبة السمرة على لون العرب[5]، والعرب تقول: امرأة حمراء أي بيضاء. وسئل ثعلب: لم خص الأحمر دون الأبيض؟ فقال: لأن العرب لا تقول رجل أبيض من بياض اللون، إنما الأبيض عندهم الطاهر النقي من العيوب، فإذا أرادوا الأبيض من اللون قالوا أحمر)[6]. 3- ابنة الصديق: كثيرا ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يناديها بابنة الصديق تحببا و إكراما لابنة الصديق لما لها و أبيها من مكانة عظيمة في قلبه و قلب كل مؤمن بالله و رسوله. من ذلك ما روته عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: قلت يا رسول الله: (الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) هو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق: ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، ويخاف أن لا يقبل منه))[7]. 4- ابنة أبي بكر: كذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي أم المؤمنين بابنة أبي بكر لبيان عظيم مكانتها ومكانة أبيها أحب الناس إلى قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أي بنية ألست تحبين ما أحب؟)) فقالت: بلى، قال: ((فأحبي هذه)) قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجعت إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدا، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب. وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله - تعالى -، ما عدا سورة من حدة كانت فيها، تسرع منها الفيئة، قالت: فاستأذنت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في مرطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي، فاستطالت علي، وأنا أرقب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وتبسم إنها " ابنة أبي بكر))[8]. 5- الموفقة: و أيضاً كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي أم المؤمنين بالموفقة لتوفيق الله - تعالى - لها بكل ما تقول أو تفعل -رضي الله تعالى عنها-. روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة، فقالت عائشة: فمن كان له فرط من أمتك. قال: ومن كان له فرط يا موفقة....... ))[9]. 6- أم عبد الله: كنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بأم عبد الله. روت عائشة - رضي الله عنها - قولها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أم كل صواحبها لهن كنى، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فاكتني بابنك عبد الله))[10] يعني ابن أختها فكانت تكنى بأم عبد الله)[11]. وفي رواية ثانية عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما ولد عبد الله بن الزبير أتيت عائشة - رضي الله عنها -، قالت: لما ولد عبد الله بن الزبير أتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فتفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوه، وقال: هو عبد الله وأنت أم عبد الله، فما زلت أكنى بها و ما ولدت قط))[12]. 7- أم المؤمنين: بهذا اللقب لقبت عائشة - رضي الله عنها - كغيرها من أمهات المؤمنين و بيان ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6))[13]. وهذه الألقاب التي لقبت بها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - و بالتالي فهي تستحق بجدارة أن تعطى لقباً جديدا ألا وهو: لقب ملكة العفاف كبرهان محبة مني، كما هو اعتذار عما لحقها ومن يحبها من أذى لقاء تقولات من أهل الزيغ و الضلال.. ولادة أم لمؤمنين عائشة، ونشأتها: ولدت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في مكة المكرمة قبل الهجرة بسبع سنين تقريباً. وقد تربت - رضي الله عنها - شطرا في بيت الصديق (تسع سنين)، وشطرا آخر في بيت النبوة (تسع سنين أيضا ً). زواجها من الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: بعد وفاة خديجة - رضي الله عنها - لبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو سنتين أو قريبا من ذلك [14] دون زوجة، ثم جاءته خولة بنت حكيم - رضي الله عنها - فعرضت عليه خطبة عائشة بنت أبي بكر الصديق [15] فعقد عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وهي بنت ست سنين ودخل بها في المدينة المنورة، وهي بنت تسع سنين، وقد وصفت أم المؤمنين - رضي الله عنها - زواجها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: تزوجني الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحرث بن خزرج فوعكتُ فتمرق شعري، فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان و إني لفي أرجوحة و معي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج [16] حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير و البركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين)[17]. وقد كانت - رضي الله عنها وأرضاها- أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان عليه والصلاة والسلام يصرح بذلك كما ورد في حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - حيث سأله: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: ((عائشة)) قال: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها))[18]. قال الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى -: "وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان - عليه السلام - ليحب إلا طيباً، وقد قال: لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل"[19]. فأحب أفضل رجل من أمته، وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله وحبه - عليه السلام - لعائشة كان أمراً مستفيضاً ألا تراهم يعني الصحابة -رضوان الله عليهم- يتحرون بهداياهم يومها تقرباً إلى مرضاته) [20]. - بعض صور معاملة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لزوجه عائشة -رضي الله تعالى عنها-: لقد كانت الصديقة عائشة بنت الصديقة - رضي الله عنها - ما تزال صغيرة تحتاج ما تحتاج إليه أمثالها من اللعب والصواحب، فكانت رضوان الله عليها تلعب بألعابها مع صاحباتها في بيت النبوة، فلم يكن الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم ينفر من هذا أو يتضايق من بل كان عليه والصلاة السلام يسر بصاحبات الصديقة لأنهن يلعبن معها. قالت - رضي الله عنها - وهو يتصف ذلك: "وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَرُّ بهن إليّ"[21]. وكان عليه والصلاة والسلام يلاطف زوجته الصغيرة و يلاعبها بما يلائم صغرها وسنها، ومن ذلك ما روته عائشة - رضي الله عنها -: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب. فقال: ((ما هذا يا عائشة؟)) قالت: بناتي ورأى بينهن فرساً لها جناحان من رقاع. فقال: ((ما هذا الذي أرى وسطهن؟)) قالت: فرس. قال: ((وما هذا الذي عليه؟)) قالت: جناحان. قال: ((فرس له جناحان!)) قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة، قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه"[22]. ومن حسن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسترها بردائه حتى تنظر إلى لعب الأحباش لتسليتها، بل كان عليه الصلاة السلام يقف دون كلل أو ملل حتى تمل - رضي الله عنها - و تنصرف. ومن ذلك ما روته عائشة - رضي الله عنه – "لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد وإنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو"[23]. وقد كانت أم المؤمنين -رضي الله عنها- من شدة حبها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وورعها لله - تعالى - إذا كان هناك أي خصومة من الخصومات التي تحصل بين الأزواج لا تهجر إلا اسمه فقط. ويبين ذلك ما روته الصديقة - رضي الله عنها - عندما قال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى)). قالت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: ((أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين لا ورب محمد. وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم)). قالت عائشة: قلت: "أجل - والله - يا رسول ما أهجر إلا اسمك"[24]. وكانت -رضي الله عنها- فرحة مرحة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وباقي زوجاته الكرام، ويدل على ذلك ما رواه الهيثمي وغيره في مجمع الزوائد: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بحريرة [25] وقد طبختها له، فقلت لسودة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينها: كلي - فأبت، فقلت: لتأكلين أو لألطخن وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الحريرة فطليت وجهها، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع بيده لها، قال لها: الطخي وجهها، ففعلت، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -....."[26]. وقد اشتهرت - رضي الله عنها - بالحياء والورع الشديدين حتى أنها كانت تستحي من عمر - رضي الله عنه - وهو في قبره، ولعل خير مثال يبين ذلك ما روته عائشة - رضي الله عنها - بقولها: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي فأضع ثوبي، فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر"[27]. وكانت - رضي الله عنها - كريمة كرما مميزا حتى أنها تنفق آلاف الدراهم دون أن تدخر لنفسها دراهم معدودة للطعام والشراب. عن أم ذرة قالت: "بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين يكون مائة ألف، فدعت بطبق، وهي يومئذ صائمة، فجعلت تقسم في الناس، قال: فلما أمست قالت: يا جارية هاتي فطري، فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه؟ فقالت: لا تعنفيني، لو كنت أذكرتني لفعلت"[28]. وصور صبر وورع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة، قالت: دخلت امرأة ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا فأخبرته، فقال: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار))[29]. روى البخاري أيضاً عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، قال: دخلت على عائشة - رضي الله عنها -، وعليها درع قطر، ثمن خمسة دراهم، فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي انظر إليها، فإنها تزهى أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره)[30]. ففي هذا الحديث دليل على تواضع أم المؤمنين - رضي الله عنها - فهي تلبس ثياباً تأبى الخدم أن يلبسوه، وأمرها - رضي الله عنها - في التواضع والورع مشهور، وفيه حلم عائشة عن خدمها ورفقتها في المعاتبة، وإيثارها بما عندها مع الحاجة إليه. وقال عروة بن الزبير - رضي الله عنه -: "كانت عائشة تقسم سبعين ألفا، وهي ترقع درعها"[31]. أما عن عبادتها - رضي الله عنها - فكانت صوامة قوامة كثيرة القراءة والتسبيح، ومن ذلك ما رواه عروة: أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تصوم الدهر في السفر والحضر" [32]. وعنه قال: كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها، فغدوت يوما، فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم)[33]، وتدعو وتبكي وترددها، فقمت حتى مللت القيام، فذهبت إلى السوق لحاجتي، ثم رجعت، فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي"[34]. فهذه التي ذكرت وأوردت لطائف بسيطة أضأت من خلالها بعض جوانب الحياة الخاصة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من خلال الآثار، والروايات النبوية الشريفة. وفما يلي سوف أبين جوانب من حياة أم المؤمنين العامة -رضي الله تعالى عنها-. الفرع الثاني: حياة أم المؤمنين العامة لاشك أن لأم المؤمنين مكانة عظيمة في حياة الأمة، لذلك كان لابد من بيان مكانتها، أثرها -رضوان الله عليها - في الحياة الإسلامية. رُب سائل يسأل كيف كان لأم المؤمنين حياة عامة وقد أمرهن الله - تعالى - مع باقي أمهات المؤمنين أن يقرن في بيوتهن، ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وإذا أرادهن أحد المسلمين بفتوى أو حاجة فيجب أن يسألوهن من وراء حجاب، وذلك من قوله - سبحانه وتعالى -: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[35]. وقوله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)[36]. وللجواب على هذا التساؤل أقوال بأن الحياة العامة التي كانت أم المؤمنين تتفاعل معها يقصد منها المساهمة في بناء المجتمع الإسلامي والتفاعل مع أعضائه ضمن الحدود الشرعية. فالصديقة بنت الصديق ولدت في بيت إيماني متميز في حمل هموم الدعوة، وشاهدت منذ نعومة أظفارها تفاصيل نشوء الدين الإسلامي وتفاعلت معه بكل ما فيه من آلام و آمال. قالت - رضي الله عنها -: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، طرفي النهار: بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين"[37]. وقد كانت أم المؤمنين تشارك في كثير من أحداث الأمة وقد بدأتها بالهجرة إلى المدينة المنورة للحاق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبيها الصديق -كرم الله وجهه ورضي الله عنه -. فالصديقة بنت الصديق كانت منذ أن فتحت عينيها مساهمة ومشاركة في خدمة هذا الدين ورسوله وأهله لذلك كانت مشاركاتها في كل مناحي الحياة الإسلامية وفق الضوابط الشرعية، حتى الغزوات منها ففي غزوة أحد كانت - رضي الله عنها - تنقل الماء بالقرب ثم تفرغه في أفواه الصحابة المنهكين من القتال والعطش. روى البخاري - رحمه الله - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما تنقزان القرب [38]، وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم"[39]. وما كان لهذه الشخصية العظيمة التي تربت في بيت الصديق والنبوية أن تغيب عن مشهد الأحداث، وخصوصاً إذا كانت تلك الأحداث، مفصلة في تاريخ وحياة الأمة. كيف لا وهي أم للمؤمنين التي يدفعها إلى ذلك الشعور بالواجب الملقى على عاتقها، ثم الإحساس بالقدرة على التأثير والتغيير والإصلاح بين أبنائها المؤمنين إذا دعت الحاجة لذلك. ففي فتنة عثمان - رضي الله عنه - رأت - رضي الله عنها - بوجوب القصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه - والإصلاح بين المسلمين. ونتيجة هول ما حصل من أمر معركة الجمل التزمت أم المؤمنين بيتها ولم تعد تشارك في أحداث الأمة بشكل مباشر، بل عن طريق النصيحة والإرشاد كما فعلت مع معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -، ذلك أن معاوية - رضي الله عنه - طلب منها النصيحة، فكتبت إليه: "إلى معاوية سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، والسلام عليكم"[40]. وهكذا رأينا أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - لم تدخر وسعا في مناصرة الحق وبيانه، والاهتمام بقضايا الأمة، فكانت تأتيها الوفود من كل بقاع الدولة الإسلامية فتجيبهم عن فتاويهم واسألتهم بما علمت من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك كانت تنصح الأمراء والولاة والخلفاء وتذكرهم بأيام الله - تعالى - فهي زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين - رضي الله عنها وأرضاها-. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |