العلاقة بين التدرج والتربية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 601 - عددالزوار : 65754 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14267 - عددالزوار : 756355 )           »          مواقف بين النبي وأصحابه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1383 )           »          ما أعظم ملك الله وقدرته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الإسلام يدعو إلى التكافل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          حكم التفضيل بين الأنبياء عليهم السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          دعوة إلى الإصلاح ووحدة الصف والمصير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          لا تنس هذه الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الدرس الخامس والعشرون: ليلة القدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          تحريم ترك الوفاء بنذر الطاعة لله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-07-2021, 01:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,795
الدولة : Egypt
افتراضي العلاقة بين التدرج والتربية

العلاقة بين التدرج والتربية


د. أمين الدميري







إن التدرج سنة ربانية؛ فالله - عز وجل - خلَق الإنسان على مراحل متدرجة، ولم يخلقه بطريقة مفاجئة، ولا بأسلوب الطفرة ولا المصادفة، ولكن بعلم وحكمة وقدرة، وإحكام وتمهل، وتلك من معاني التدرج.

والتربية دائمًا تحتاج إلى وقت، وخلال هذا الوقت تمرُّ التربية بمراحل متصاعدة، كل مرحلة تؤدِّي وتؤهِّل إلى ما بعدها، وكل مرحلة تُبنَى على ما قبلها، وهكذا يستمر التصاعد والتدرج حتى الوصول إلى التمام والكمال.

وإذا كان الهدف من التربية هو اكتساب الخبرة - كما يرى بعض علماء التربية "جون ديوي" - فإن اكتساب الخبرة لا يتأتَّى دفعةً واحدة؛ وإنما يكون بالتدريج والترقي شيئًا فشيئًا؛ ذلك لأن تحصيل معارف أو قدرات جديدة لتحل محل معارف أو قدرات قديمة، يحتاج إلى مراحلَ زمنية لهدم القديم شيئًا فشيئًا؛ وذلك بزحزحة الفرد أولاً، ثم الانتقال إلى التشكيك في هذا القديم، ثم البَدْء في عرضِ الجديد، وهكذا، كما يحدث فيما يُسمَّى عملية (الإقناع القسري) أو (غسيل المخ)، وهي عملية تعديل الأفكار أو (التحويل الأيديولوجي)، وإن هذه العملية تمر بمراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة التحريك، وهي إيجاد حالة من الشك وعدم الثبات في هُوِيَّة الشخص ومعتقداته؛ (زحزحة الخصم).

المرحلة الثانية: مرحلة التغيير، وفيها يجري تبنِّي الأفكار الجديدة؛ وذلك لإنهاء مرحلة الشك السابقة.

المرحلة الثالثة: مرحلة التثبيت، وفيها يتم تعزيز الأفكار والمعتقدات التي شُكلت[1].

كذلك فإن عملية تغيير الأفكار والمعتقدات تتم بطريق الاستدراج؛ بمعنى استدراج الشخص بموافقته في الظاهر على معتقداته، ثم تشكيكه في معتقداته حتى يكون الرفض منه هو، ويكون هو الحكمَ على نفسه، كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام مع عبدة الأصنام والكواكب، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ [الأنعام: 76]، فقول إبراهيم عليه السلام: ﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ ليس على سبيل إقرارهم وموافقتهم على باطلهم، ولكن على سبيل (حكاية قول الخصم، وأنه مال إلى طريق به يستدرجهم إلى استماع الحُجة، وذلك بأن ذكر كلامًا يُوهِم كونه مساعدًا لهم على مذهبهم بربوبية الكواكب، مع أن قلبَه صلوات الله عليه كان مطمئنًّا بالإيمان، ومقصوده من ذلك أن يتمكَّن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده، وأن يَقبلوا قوله)[2]، وعلى هذا، فإن اكتساب خبرات جديدة أو بناء أفكار ومعتقدات لا يتم إلا بالتدريج.

وإذا كان الهدف من التربية هو اكتساب مهارات وقدرات في أي مجال من المجالات، فإن ذلك يحتاج إلى تتبُّع ورصد التغيرات الجسمية والنفسية والعقلية التي يمرُّ بها الإنسان في مراحل نموِّه المختلفة، وقد اجتهد علماء النفس في رصدِ وتحديد الفئات العمرية، وخصائص كل فئة حسب النمو الجسمي والعقلي للإنسان، وعلى سبيل المثال، فإن علماء نفس النمو، قاموا بعملية رصد وتحديد للفئات العمرية للإنسان كما يلي:
الفئات العمرية للإنسان:
1- مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة (من الولادة حتى ست سنوات):
ويتم فيها: تعلم المشي، والفطام، والكلام، وضبط الإخراج.

كما يتم فيها تعلُّم الفروق بين الجنسين، والاتزان الجسمي والعضلي، وتكوين المفاهيم الأولية عن البيئة، وبعض معايير الخطأ والصواب.

2- مرحلة الطفولة الوسطى (من 6-12 سنة):
ويتم فيها تعلُّم المهارات الجسمية والحركية مثل الألعاب الرياضية، وبعض المهارات الاجتماعية كتكوين الصداقات، واكتساب المهارات المدرسية كتحصيل الدروس.

3- مرحلة المراهقة (12 - 18 سنة):
وفيها يتم تكوين عَلاقات قوية ودائمة مع الأقران، ونمو الثقة بالذات، والإحساس بالهُوِية، والاستقلال العاطفي عن الأبوين والكبار، والتكيُّف مع التغيرات الجسمية الجديدة، ويتم فيها كذلك اكتشاف الميول والمهارات ومحاولة استثمارها، واختيار نوع التعليم أو المهنة التي تناسب ميوله، وفيها تنمية الرغبة والقدرة على تحمل المسؤولية، وتعلم المسايرة الاجتماعية.

4- المرحلة المبكرة من الرشد (الشباب 18-30 سنة):
وفيها يتم اختيار القرين، والتكيُّف مع الزوجية، والظروف المهنية والاجتماعية الجديدة، وبَدْء تكوين الأسرة، وتربية الأطفال، ويتم كذلك ظهور النجاح المهني، والعمل العام.

5- مرحلة أواسط العمر (الكهولة) (من 35-55 سنة):
ويتم فيها إنجاز المهام الاجتماعية والاقتصادية للراشدين، وتكوين مستوى ملائم من المعيشة والمحافظة عليها، وتربية النشء، وإعدادهم لتقلد مسؤوليات الكبار، وتقبل التغيرات الجسمية المصاحبة للكهولة.

6- المرحلة المتأخِّرة من العمر (الشيخوخة) (ما بعد 55 سنة):
وفيها قد تم التكيُّف مع حالة الوهن، والفراغ والاستعداد لتقبُّل الموت والرحيل عن هذه الحياة[3].

إن دراسة هذه المراحل العمرية، والوقوف على خصائص كل مرحلة وطبيعتها - له أهمية قصوى لمعرفة كيفية التعامل مع كل فئة عمرية، سواء في العملية التعليمية والتربوية، أو في المؤسسات الإصلاحية[4] والتهذيبية، أو في العملية الدعوية.

ولعل هذا دليل واضح على وجود رابطة عضوية قوية بين التربية والتدرج، ونلخص مظاهر تلك الرابطة فيما يلي:
1- أن مراحل تكوين الجنين الكامل في بطن أمه تمرُّ بمراحل متدرجة، وتبدأ بالنطفة، وتنتهي بالجنين الكامل، وأن هذه المراحل تتم في تسعة أشهر عادة.

2- أن عملية النمو الجسمي (والحركي)، والنمو العقلي (والفكري)، تستغرق عادة ثلثَ عمر الإنسان، وأن ذلك يمر بمراحل متدرجة تستمر ما يقرب من عشرين سنة.

3- أن عملية اكتساب الخبرات والمهارات تحتاج إلى وقتٍ عن طريق تنمية القدرات والمواهب الفطرية، والاستعدادات الحركية والعقلية.

4- أن عملية التعلم وبناء الأفكار والمعتقدات تحتاج إلى مراحل وعمل محكم لترسيخ تلك الأفكار والمعتقدات، وكذلك إزالة الشبهات والشكوك لزيادة التمسُّك بتلك الأفكار والمعتقدات.

5- ولقد بات واضحًا وجود عَلاقة غير منفكة - بأي حال من الأحوال - بين التدرج والتربية، فالتربية لا تتمُّ إلا بالتدريج، والتدريج صفة ملازمة للتربية.

ذلك لنعلم أن الدعوة لا يمكن أن تكونَ إلا بالحكمة، والحكمة قاضية بالتدرج؛ إذ من الحكمة استصحاب التدرج في الدعوة إلى الله تعالى.

ومن هنا يتبيَّن أن خلْق الإنسان تم على مراحل متدرجة، وقد عبَّر عنها القرآن الكريم بالأطوار ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 14]، كما كان خلق السموات والأرض كذلك على مراحل، حتى كان خلق الإنسان في أحسن صورة وأحسن تقويم، وكان خلق السموات والأرض بقدرة وتقدير غاية في الكمال والإحكام.

يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي:
(إن بيان أطوار خلق الإنسان على النحوِ المتقدِّم أقوى في انتزاع الاعتراف بقدرة الله من العبد؛ لأنه يوقفه على عدة مراحل من حياته وإيجاده، وكل طورٍ منها آيةٌ مستقلة، وهذا التوجيه موجود في الظواهر الكونية أيضًا من سماء وأرض؛ فالسماء كانت دخانًا وكانت رتقًا ففتقهما، والأرض كانت على غير ما هي عليه الآن، وبين الجميع في قوله: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾ [النازعات: 27 - 32].

وأجمع من ذلك كله في قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 9 - 12]، ثم يقول: فكان من الممكن خلقها دفعة واحدة، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82])[5].

ومن تعريف التدرج الذي ذكرته في أول البحث، وهو بلوغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا، أو الوصول إلى أعلى المراتب وأفضل الدرجات خطوة خطوةً، ومن خلال الحديث عن خلق الإنسان وخلق السموات والأرض، يتبيَّن أن التدرج سنة ربانية، وأن الله تعالى يُعلِّمنا التمهل والإعداد؛ ليكون العمل حسنًا، والبناء محكمًا، وهذا درس للدعاة والمصلحين كي يسلكوا سنة التدرج؛ ليكون للدعوة أثر.


من كتاب: "خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله (فقه التدرج )"


[1] سيكولوجية الذاكرة؛ د. محمد قاسم عبدالله، عالم المعرفة، 2003م/ ص 204.

[2] مفاتيح الغيب، جزء 6 ص 395، 396.

[3] كتاب علم نفس النمو ونظرياته؛ أ.د. محمود عبدالقادر، عميد كلية التربية، جامعة الأزهر، 1986 ص 32 - 35.

[4] كما في السجون والملاجئ ودُور الأيتام.

[5] أضواء البيان صـ 309 جزء 8 - دار الفكر 1995م - 1415 هـ - محمد الأمين الشنقيطي.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.06 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]