تحرير القول في حقيقية الخلاف بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1175 )           »          مظاهر الإنحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السئ على الأمة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 63 - عددالزوار : 6823 )           »          مقصد الاجْتِمَاعِ وَمَكَانَتُهُ عند شيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          «سنة أولى التزام» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          تربية الآباء قبل تربية الأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          إشكالية تربية الأولاد وأزمة الجيل الناشئ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 94 )           »          البحث عن حياء..!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 97 )           »          موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          مشكلات في طريق الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 202 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-06-2021, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,919
الدولة : Egypt
افتراضي تحرير القول في حقيقية الخلاف بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما

تحرير القول في حقيقية الخلاف بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما
فريال بنت عبد الرحمن



المقدمة:
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، سورة آل عمران: 102، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ? وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، سورة النساء: 1، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ? وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، سورة الأحزاب: 70-71.
أما بعد
التلفظ بالحكم على الأشخاص يكون سهلاً عند البعض منا بمجرد أن يعرف القليل مما كان من دون التثبت والبحث والتحري؛ لأننا نقول: نحن نعيش في زمانه ونرى أحواله وتعامله مع غيره، ولكن كيف بنا نحكم على من شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ونقول إن هذا مصيب وذاك مخطئ، كيف لنا أن نقول بالسوء على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنهم من دعا له النبي بالخير في حياته.
بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلت أجناس كثيرة في الإسلام الغالب منها دخل الإسلام قناعة بما فيه من خير، والبعض القليل دخل الإسلام للإساءة ونشر الفرقة وتشتيت الأمة، وإن من تأمل ما حصل في آخر خلافة عثمان بن عفان من خروج عليه ومحاصرة بيته وقتله لأكبر الأدلة على هذا، وما اكتفى المنافقون بقتل الخليفة بل إنهم اندسوا في صفوف المسلمين؛ ليفرقوا جماعة الأمة إلى قسمين، ويقاتل الأخ أخاه ويحولون خروج الصحابة من المدينة إلى العراق؛ لتوحيد الصف إلى فرقة ما بعدها فرقة في تاريخ الأمة؛ ليقع السيف في نحور الصحابة، وليس بأيدي الصحابة كما تذكر بعض كتب التاريخ بل على أيد ي المنافقين أعداء الأمة.
هدف وحدة صف الأمة الإسلامية كان لعلي بن أبي طالب ولمعاوية بن أبي سفيان، ولكن سوء من كان في جيشي الفريقين سبب القتال وأضاع الهدف في وحدة الصف، نتناول الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - بشيء من التفصيل في بحثنا هذا.
التعريف بعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية، أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول الفتيان إسلاماً، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصهره وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والفصحاء والعلماء بالقضاء والفتيا، كان اللواء في يده في أكثر المشاهد، ولم يتخلف في مشهد من المشاهد إلا في غزوة تبوك ليرعى عياله، اختاره عمر بن الخطاب بعد طعنه بين الستة من أصحاب الشورى ليخلفه واحد منهم، وهم علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص.
خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:
ذكر في كتب السير أن المدينة بعد مقتل عثمان بن عفان بقيت أربع ليال من غير خليفة، وبعد هذه الليالي أتى الناس عليًا وهو في سوق المدينة وقالوا له: ابسط يدك نبايعك، قال: لا تعجلوا، فإن عمر كان رجلًا مباركًا، وقد أوصى بها شورى، فأمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون، فارتد الناس عن علي، ثم قال بعضهم: إن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الأمر لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة، فعادوا إلى علي، فأخذ الأشتر بيده، فقبضها علي، فقال: أبعد ثلاثة؟ أما والله لئن تركتها لتعصرن عينيك عليها حينًا، فبايعته العامة، وأهل الكوفة يقولون: أول من بايعه الأشتر. [1]
فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد، جاء علي حتى صعد المنبر فقال: " يا أيها الناس عن ملأ وأذن، إن هذا أمركم، ليس لأحد فيه حق إلا أن أمرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر، فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا أجد على أحد، فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس".
وهذه الوقائع على بساطتها تدل على أن بيعة علي كانت كبيعة إخوانه من قبل جاءت على قدرهاوفي إبانها، وأنها مستمدة من رضا الأمة في حينها، لا من وصية سابقة مزعومة، أو رموز خيالية موهومة.
وقد بايع الصحابة خاصة طلحة والزبير - رضي الله عنهما - برضاهما وليس إجباراً كما قيل بايعته يد شلاء، أي يد طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -، ولو كانا مكرهين ما أثر ذلك، لأن واحدًا أو اثنين تنعقد البيعة بهما وتتم، ومن بايع بعد ذلك فهو لازم له، وهو مكره على ذلك شرعًا. ولو لم يبايعا ما أثر ذلك فيهما، ولا في بيعة الإمام. [2]
موقف علي من قتلة عثمان - رضي الله عنهما-
بدأت خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في وقت حرج جداً تمر به الأمة الإسلامية، فقد كان المنافقين يتربصون بالأمة مع اليهود الدوائر وقد جمعوا لهم أنصاراً في مصر والعراق والشام، فكان نتاج هذا التجمع خروج مجموعة منهم إلى المدينة المنورة ومقتل عثمان بن عفان رضي الله - تعالى -عنه وأرضاه، فهذه الأوضاع كان لابد من البت فيها بروية وفكر موزون وكان هذا هو حال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله - تعالى -عنه وأرضاه.
بعد أن تولى الخلافة عين عدد من الولاة على الأقاليم الإسلامية، وأمرهم أن يبايعوه وكان له ذلك من غالب ولاة الأقاليم إلا أن معاوية والي الشام رأى أن يقاتل قتلة عثمان بن عفان في أول الأمر ومن بعدها يبايع علي بالخلافة، فبدأ علي بن أبي طالب بتجهيز جيش للمضي إلى الشام لقتاله وأخذ البيعة منه، وفي هذا الوقت طلب عدد من الصحابة الخروج من المدينة المنورة ومنهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ومعهم أم المؤمنين عائشة رضي الله - تعالى -عنهما، وسألهم علي بن أبي طالب إن كان المسير إلى الشام فقالا: لا.
خرج الصحابة رضوان الله - تعالى -عليهم وفي قصدهم طلب قتلة عثمان الذين كانوا مندسين في صفوف جيش علي بن أبي طالب رضي الله - تعالى -عنه، وجمع من يؤيدهم ولم يكن خروجهم لإسقاط علي أو تأليب الناس عليه، في الوقت كان علي بن أبي طالب ينوي المسير إلى الشام لقتال معارضيه، ولما علم بأمر خروج الصاحبة إلى البصرة توجه إليهم.
بداية موقعة الجمل:
كانت تلك الأحداث هي البداية لوقعة الجمل بين الصحابة الكرام رضوان الله - تعالى -عليهم وبين قاتلي عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقد وصل الصحابة إلى المربد قريباً من البصرة وتكلم طلحة إلى الأخذ بثأر عثمان وبعده تحدث الزبير ثم أم المؤمنين عائشة رضي الله - تعالى -عنهم جميعاً، كان أهل البصرة في قيادة عثمان بن حنيف قد تقابلوا مع الصحابة وكان من بينهم قتلة عثمان فلم يعجبهم الحديث فرموا الناس بالحجارة، وبدأ بعدها القتال الذي بدأه حكيم بن جبلة القائم على خيل عثمان بن حنيف، فكان أصحاب أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- يكفون أيديهم عن القتال إلى أن حجز الليل بنهم.
وفي اليوم التالي كان القتال أشد فوقع الكثير من القتلى بين رجال عثمان بن حنيف فطلبوا التحكيم لوقف القتال، وأحداث كثيرة وقعت قبل خروج علي بن أبي طالب إلى الكوفة [3]
خروج علي إلى الكوفة وما وقع في العراق قبل وصوله
في هذا الوقت خرج علي بن أبي طالب من المدينة وهذا الخروج رفضه عدد من مؤيديه خاصة ابنه الحسن بن علي، ولما كان في طريقه إلى البصرة في منطقة الربذة لقيه عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - وقال له:
أمير المؤمنين، لا تخرج منها فو الله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً، خرج من الربذة قاصداً البصرة، وفي نيته مقابلة القوم على الإصلاح ما قبلوا، في الوقت الذي سار فيه علي - رضي الله عنه - إلى البصرة كان والي البصرة قد قابل طلحة بن عبيد الله والزبير وعائشة وهو عثمان بن حنيف، فصف معهم ولما خطبت أم المؤمنين عائشة خطبتها تحث المسلمين على وحدة الصف وعلى قتال قتلة عثمان هنا بان زارعوا الفتنة في صفوف الفريقين فظهروا ورموا الحجارة حتى تقاتلوا وفر منهم عثمان بن حنيف إلى علي بن أبي طالب. [4].
فهنا يظهر لنا أن موقف علي بن أبي طالب رضي الله - تعالى -عنه رأي سديد في توحيد صف الدولة الإسلامية قبل البدء في قتال قاتلي عثمان بن عفان، وليس هذا تقليل من شأن قتل خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن المنافقين كان لهم أثر كبير في تفريق الصف. [5].
عسكر فريق علي وفريق طلحة والزبير وعائشة رضوان الله - تعالى -عليهم أجمعين، فأرسل علي عمار بن ياسر وابن الحسن إلى فريق الصحابة عن سبب خروجهم فكان الجواب منهم: طلب قاتلي عثمان بن عفان، فقال عمار بن ياسر: قال: قتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق[6]، وكان القعقاع بن عمرو الواسطة بينهما فاستجاب له أصحاب الجمل وأذعن علي لذلك، وبعث علي إلى طلحة والزبير يقول: " إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الأمر، فأرسلا إليه: إنا على ما فارق عليه القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس".
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية:
" فاطمأنت النفوس وسكنت واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم، وبعثوا محمد بن طلحة السجاد إلى علي وعولوا جميعًا على الصلح، وباتوا بخير ليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر، واستسروا بذلك؛ خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر". [7]
وهكذا أنشبوا الحرب بين علي وأخويه الزبير وطلحة، فظن أصحاب الجمل أن عليًّا غدر بهم وظن علي أن إخوانه غدروا به، وكل منهم أتقى لله من أن يفعل ذلك في الجاهلية، فكيف بعد أن بلغوا أعلى المنازل من أخلاق القرآن.
وقع الكثير من الصحابة رضوان الله - تعالى -عليهم قتلى في موقعة الجمل على أيدي السبأيين قتلة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، فما كان من أم المؤمنين عائشة رضي اله عنها إلا أن تدفع بالمصحف إلى لكعب بن سور الأزدري وقالت له: " خل يا كعب عن البعير، وتقدم بكتاب الله فادعهم إليه، ودفعت إليه مصحفا وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصلح، فاستقبله كعب بالمصحف، وعلي من خلفهم يزعهم ويأبون إلا إقداماً، فلما دعاهم كعب رشقوه رشقاً واحداً فقتلوه، ثم راموا أم المؤمنين... فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت: " يا أيها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم " وأقبلت تدعو، وضج أهل البصرة بالدعاء، وسمع علي الدعاء فقال: ما هذه الضجة؟ فقالوا: عائشة تدعوا ويدعوا الناس معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل علي يدعوا وهو يقول: " اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم "[8]
ولما اشتد الأمر عقر القعقاع بن عمرو جمل أم المؤمنين عائشة رضي الله - تعالى –عنها؛ ليقف القتال، فكان ذلك.
قال الشعبي [9]: رأى علي بن أبي طالب طلحة ملقى في بعض الأودية، فنزل فمسح التراب عن وجهه ثم قال: " عزيز علي أبا محمد أن أراك مجندلاً في الأودية وتحت نجوم السماء، إلى الله أشكى عجري وبجري "[10]
فانتهت وقعة الجمل بقتل طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام الذي لما اصطف الجيشان وأخبره علي بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (( أنك تقاتله وأنت له ظالم))، فترك الزبير الصف وغادر ولكن المنافق ابن جرموز تبعه وقتله غيلة من خلفة، وأتى مسرعاً يحمل سيف الزبير ليخبر علي بن أبي طالب الذي قال له: (( بشروا قاتل ابن صفية بالنار)).
حديث هذه ثم لزوم الحصر والكلام في صحة خروج عائشة
يستشهد بعض من يرى خطأً خروج أم المؤمنين عائشة رضي الله - تعالى -عنها إلى البصرة بحديث: ((هذه ثم ظهور الحصر))[11] في حجة الوداع، في هذا الحديث إشارة نبوية إلى أنه ينعى لهن نفسه، وأن هذه آخر حجة له وليس فيه أمر منه بأن لا يزيلن الحصر إلى حج أو مصلحة أو إصلاح بين الناس، فاستشهاد أعداء الصحابة بهذا الحديث على المنع مطلقًا عده القاضي ابن العربي من البهتان، لأنه استشهاد به لغير ما أراده النبي.
قاصمة:
حرب صفين ودعوى الفريقين وما اخترع في ذلك من أكاذيب.
لما فرغ علي بن أبي طالب من موقعة الجمل، ودخل البصرة وشيع أم المؤمنين عائشة رضي الله - تعالى -عنها إلى مكة المكرمة، بدأ علي - رضي الله عنه - من ولاته أن يأخذوا له البيعة من أقاليمهم، فأراد أن يرسل إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام فطلب جرير بن عبد الله أن يحمل الرسالة لما كان بينه وبين معاوية من ودّ، فحمل الرسالة وكان رد معاوية - رضي الله عنه - بعد أن استشار أصحابة أن يسلموا له قتلة عثمان بن عفان أو يقاتلوه قبل أن يبايعوا علي بالخلافة.
خرج علي بن أبي طالب إلى النخيلة وخلف على الكوفة أبو مسعود الأنصاري، ولما علم معاوية بخروج علي خرج هو على رأس جيشة لمقابلته، بدأ القتال بينهما في آخر شهر ذي الحجة، وفي أول شهر المحرم توصل الفريقان التهادن بينهما وسرعان ما عاد القتال الذي توقف في صفر؛ ليكون التحاكم في شهر رمضان والحكم في دومة الجندل.
وقبل التهادن كان مقتل عمار بن ياسر الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية))، وكان النصر حليف علي بن أبي طالب ولكن أهل الشام رفعوا المصاحف على أسن الرماح طالبي التحاكم إلى كتاب الله - تعالى -. [12]
عاصمة: عود إلى موقف علي من قتلة عثمان.
أما وجود الحرب بينهم فمعلوم قطعًا، وأما كونه بهذا السبب فمعلوم كذلك قطعًا، وأما الصواب فيه فمع علي، لأن الطالب للدم لا يصح أن يحكم، وتهمة الطالب للقاضي لا توجب عليه أن يخرج عليه، بل يطلب [الحق] عنده، فإن ظهر له قضاء وإلا سكت وصبر، فكم من حق يحكم الله فيه، وإن لم يكن له دين فحينئذ يخرج عليه، فيقوم له عذر في الدنيا.
فكان علي يرى- بينه وبين نفسه- أن قتلهم يفتح عليه باباً لا يستطيع سده بعد ذلك، وقد انتبه لهذه الحقيقة الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو التميمي، وتحدث بها مع أم المؤمنين عائشة وصاحبي رسول الله طلحة والزبير، فأذعنوا له وعذروا علياً، ووافقوا على التفاهم معه على ما يوصلهم إلى الخروج من هذه الفتنة، فما لبث قتلة عثمان أن أنشبوا الحرب بين الفريقين، فالمطالبون بإقامة حد الله على قتلة عثمان معذورون؛ لأنهم يطالبون بحق، سواء كانوا من أصحاب الجمل، أو من أهل الشام، وتقصير علي في إقامة حد الله كان عن ضرورة قائمة ومعلومة، ولكن إذا كانت حرب البصرة ناشئة عن إنشاب قتلة عثمان الحرب بين الفريقين الأولين، فقد كان من مصلحة الإسلام أن لا تنشب حرب صفين بين الفريقين الآخرين، وكان سبط رسول الله الحسن بن علي كارهاً خروج أبيه من المدينة إلى العراق لما يخشاه من نشوب الحرب مع أهل الشام، وهم جبهة الإسلام العسكرية في الجهاد والفتوح، ولو أن عليا لم يتحرك من الكوفة؛ استعداداً لهذا القتال لما حرك معاوية ساكناً. [13]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء بل كان من أشد الناس حرصًا على ألا يكون قتال، وكان غيره أحرص على القتال منه، وقتال صفين للناس فيه أقوال: فمنهم من يقول كلاهما كان مجتهدًا مصيبًا، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام والفقه والحديث ممن يقول: كل مجتهد مصيب، ويقول: كانا مجتهدين، وهذا قول كثير من الأشعرية والكرامية والفقهاء وغيرهم، وهو قول كثير من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، وتقول الكرامية: كلاهما إمام مصيب، ويجوز نصب إمامين للحاجة، ومنهم من يقول: بل المصيب أحدهما لا بعينه، وهذا قول طائفة منهم. ومنهم من يقول: علي هو المصيب وحده ومعاوية مجتهد مخطئ، كما يقول ذلك طوائف من أهل الكلام والفقهاء أهل المذاهب الأربعة، وقد حكى هذه الأقوال الثلاثة أبو عبد الله حامد من أصحاب الإمام أحمد وغيره، ومنهم من يقول: كان الصواب ألا يكون قتال، وكان ترك القتال خيرًا للطائفتين، فليس في الاقتتال صواب، ولكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية، والقتال قتال فتنة، ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيرًا للطائفتين مع أن عليًّا كان أولى بالحق، وهذا قول أحمد وأكثر أهل الحديث وأكثر أئمة الفقهاء، وهو قول أكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهو قول عمران بن حصين وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال ويقول: هو بيع السلاح في الفتنة، وهو قول أسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم -، ولهذا كان من مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة فإنه قد ثبت فضائلهم ووجبت موالاتهم ومحبتهم". [14]
أما اتهام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بدم عثمان بن عفان، فهذا أمر لا تقول به السنة في جميع العصور والأزمان ولكن هذا الأمر يقول به المشككين من الشيعة، ولم يقل بهذا القول معاوية - رضي الله عنه – وأصحابه، بل قالوا: إن قتلة عثمان في صفوف علي بن أبي طالب وكانت مطالبتهم بهم.
قاصمــة: التحكيـــم.
ذكر الدار قطني أنه لما خرج أهل العراق وأهل الشام إلى صفين وكان الأمر لأهل العراق رفع أهل الشام المصاحف ودعوا إلى الصلح، فاتفقوا على أن تجعل كل طائفة منهما رجلاً يحكمان بين الفريقين بالحق، فكان الاختيار على أبو موسى الأشعري من جهة علي، وعمرو بن العاص من جهة معاوية.
ومن الأكاذيب التي انتشرت في كتب التاريخ عن تحكيم الصحابيان في هذه المسألة أن قيل:
- اتفق أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص على أن يخلع الرجلان أي علي ومعاوية.
- خرج أبو موسى الأشعري على الناس، وقال إنه يخلع علي عن الأمر كما يخلع سيفه عن عاتقه.
-خرج عمرو بن العاص على الناس ورفع السيف عن الأرض، وقال: وأنا أثبت الرجل في الأمر كما أثبت سيفي هذا في عاتقي.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 115.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 113.79 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]