ألم نجعل له عينين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1184 - عددالزوار : 133277 )           »          سبل تقوية الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إقراض الذهب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حكم المصلي إذا عطس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فقه الاحتراز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          سُنّة: عدم التجسس وتتبع عثرات الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          القراءة في فجر الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الصلاة قرة عيون المؤمنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          إلى القابضين على جمر الأخلاق في زمن الشح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الأخوة في الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 27-03-2021, 12:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,887
الدولة : Egypt
افتراضي ألم نجعل له عينين

ألم نجعل له عينين



عبدالله بن عبده نعمان العواضي





إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71] أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الإنسان، هل فكرتَ في حبيبتيك المطلّتينِ على أعلى وجهك، والمشرقتينِ أسفلَ جبينك، والمنيرتينِ لك دروبَ حياتك؟ هل فكرتَ في جمالهما، وجمالك بهما، وفي منافعهما الدينية والدنيوية؟
إن العين ضياء الحياة، ونافذة إلى رؤية ما في هذا الوجود من مخلوقات بديعة، ومصالحَ مرادة ليستفاد منها، ومضار مؤذية لكي يُبتعد عن طريقها. والبصر طريق من طرق سعادة الإنسان في الحياة، وتحفة كريمة رزقه الله إياها، يقول تعالى ممتنًا عليه: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾ [البلد: 8]، وقال: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقال: ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الملك: 23].


كم من إنسان لا يعرف نعمة عينيه، ولا قدرَ منة البصر عليه، ألم يعلم بأن الشريعة جعلت في التعدي على إذهاب البصر الدية كاملة مائة من الإبل، وفي إذهاب العينين الدية كاملة أيضًا، وفي إذهاب إحداهما نصف الدية، وحكم الشرع الحكيم بأن من فقأ عين إنسان فُقئت عينُه، قال تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].


ولعظم المنة بنعمة البصر رتّب الله تعالى على ذهابه بالعمى جزاءً عظيمًا ألا وهو الجنة، إذا ما احتسب صاحبه المسلم المصيبة بذلك، وسمى الله العينين بالحبيبتين والكريمتين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه - يريد عينيه - فصبر عوضته منهما الجنة)[2].


وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابًا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما) [3][4].


وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة)[5].


فيا أيها المبصر الغافل عن نعمة البصر، انظر إلى من فقد نور عينيه كلتيهما فصار ضريرا، أو فقد إحداهما فأصبح بعين واحدة، أو من يعاني مرضًا بهما وألمًا اشتد عليه فيهما، انظر إلى هؤلاء، واحمد الله على نعمة عينيك وإشراق بصرك الذي سلم من كل ما سبق.


أيها الأحباب الكرام، إن البصر نعمة كغيره من النعم خلقه الله تعالى للإنسان ليستعمله فيما أمره به وفيما أباحه له، ويبتعد به عن رؤية ما حرم الله النظر إليه، وسيُسأل العبد عن ذلك يوم القيامة: هل شكر الله تعالى بتسخيره فيما لا يغضب الله أو لا؟
قال تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].


عباد الله، هناك أشياء ينبغي على المسلم النظر إليها، وأشياء أخرى يكره النظر إليها، وهناك أيضًا نظرات يُدعى المسلم إليها، ونظرات أخرى يُنهى عنها، فمِن شكرِ الله على نعمة العينين: صرفُ النظر وحالِ النظرات إلى ما يحب، وكف البصر وحركة العين عما يبغض.


فما أحسنَ أن نعرف ذلك حتى نسعى إلى ما يحب الله فنغنم الأجر، وما أجمل أن نعلم ما يكره الله النظر إليه، وندري النظرات التي لا يحبها؛ حتى لا نقع في الإثم والسخط.


إن مما ينبغي على المسلم النظر إليه: المصحفَ للقراءة فيه، فالنظر فيه عبادة من العبادات، فكم من خير للمسلم المبصر من هذه العبادة! فإنه يقرأ في كتاب الله تعالى ويتأمل في آياته فيجد من الكلام ما يبهج نفسه، ويريح قلبه، ويزيد رصيد حسناته، ويشغل وقته بما هو نافع، فلا تستولي عليه الوساوس والخواطر غير الصالحة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: "الم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)[6].


ومما ينبغي على المسلم النظر إليه: كتب العلم النافع، فيقرأ المرء فيها ليعرف دينه، فيكون على نور وبصيرة في تعامله مع الله ومع نفسه ومع الخلق، فينتفع بذلك وينفع غيره. وكذلك من القراءة المحبوبة: القراءة في كتب العلم الدنيوي التي بها منفعة في هذه الحياة.


ومما ينبغي على المسلم النظر إليه: الحقائق والبراهين الدالة على الحق، فمن كان باحثًا عن الحق صادقًا في طلبه رأى بعينيه ما يهديه إلى الصراط المستقيم، وأما من كان لا يريد الحق فإنه ولو شاهد الحقائق فإنه لن يقبلها؛ لأن على بصره غشاوة الجحود والكراهية، قال تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7]، وقال: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18].


ومما ينبغي على المسلم النظر إليه: كتاب الكون المفتوح، فيقرأ المتأمل في هذا الوجود الآيات المنشورة الدالة على عظمة الخالق سبحانه وقدرته، وعلمه وحكمته ورحمته، فكم فيه من آيات منظورة تهدي الناظر إليها إلى معرفة الخالق العظيم، وسلوك صراطه المستقيم، وتحثه على توحيد ربه الواحد والإيمان به.


قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ [الملك: 3] ﴿ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [الملك: 4].


وقال: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190] ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].


وقال: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]. وقال: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 20].


وقال: ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية: 17] ﴿ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ [الغاشية: 18] ﴿ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴾ [الغاشية: 19] ﴿ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 20].


سئل أعرابي عن الدليل على الله فقال: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟![7].


ومما ينبغي على المسلم النظر إليه: مصارع العصاة، وآثار الطغاة الذين كذبوا الرسل، وحادوا عن طريق الحق، فأنزل الله عليهم عقابه، فمن نظر إلى ذلك متفكراً أخذ من تلك الرسوم العافية، والأطلال البالية، والمشاهد الصامتة العبرةَ والعظة، حينما يعلم أسباب عقوبة أهلها وعاقبتهم الوخيمة، قال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]. وقال: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، وقال: ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴾ [الحج: 45] ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].


ومما ينبغي على المسلم النظر إليه: تخوم الإسلام وثغور المسلمين، من أجل حراستها، وحماية المسلمين أن يؤتَوا من قبلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)[8].


وهنا أمران:
الأول: أن حراسة ثغور المسلمين يمكن أن تشمل الثغور الحسية، وهي الأصل، والثغور المعنوية، وذلك بالنظر في الشبهات حول الإسلام ودفعها، ورد عادية الغزوات الفكرية المتجهة نحو دين الله، خاصة في هذه الأيام.


الثاني: ذكر الحديث عبادة من عبادات العين إلى جانب عبادة النظر ألا وهي: عبادة البكاء من خشية الله تعالى، وهذه العبادة هي دأب الصالحين، وأثر وصول الحق إلى شغاف قلوبهم، يقول تعالى: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴾ [الإسراء: 107] ﴿ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴾ [الإسراء: 108] ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 109].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)[9].


أيها المسلمون: للعين لغة تدل عليها حركاتها التي تعبر بها عن بعض الأحوال كالعطف والحنان، والرحمة والتوجع، والحب والخير، والسخرية والاستهزاء، والإشارة إلى فعل منكر، وغير ذلك.


فمن النظرات التي تنبغي على المسلم: نظرة العطف والحنان والحب للوالدين، فإنها من البر، ومما يدخل السرور على الأبوين، ويباين هذه النظرة ويضادها نحو الوالدين: نظرة الحقد والغضب، أو الاشمئزاز والبغض، أو السخرية والاحتقار، وهذه النظرات من العقوق؛ لأنها تدخل على الوالدين الحسرة والألم.


ومن النظرات التي تنبغي على المسلم: نظرة العطف والرحمة باليتامى، وهي نظرة تدعو إلى الإحسان إليهم، وتعويضهم حنان الأبوة الذي فقدوه.


ومن النظرات التي تنبغي على المسلم: نظرة التوجع والرحمة بالمساكين والأرامل والمحتاجين والمظلومين، وصاحب هذه النظرة ذو قلب حي ومشاعر كريمة.


عباد الله، إن هناك أشياء يكره الله النظر إليها؛ لأمور تستوجب ذلك:
فمما حرمه الله من ذلك: نظر الرجال إلى النساء، والنساء إلى الرجال، من غير الأزواج والمحارم، فالله عز وجل قد أمر الرجال والنساء بغض البصر فقال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30] ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. ﴾ [النور: 31].


"قال سعيد ابن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال: اصرف بصرك عنهن؛ يقول الله عز و جل: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ[10].


قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولما كان مبدأ ذلك من قِبل البصر جعل الأمر بغضه مقدمًا على حفظ الفرج؛ فإن الحوادث مبدأها من النظر كما أن معظم النار مبدأها من مستصغر الشرر، ثم تكون نظرة ثم تكون خطرة ثم خطوة ثم خطيئة؛ ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات"[11].


إن الإنسان يُعفى عنه من نظر الفجأة، ولكنه لا يعفى عن قصد النظر وتكراره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة)[12].


وعن جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فقال: (اصرف بصرك)[13].


وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر[14].


إن غض البصر ابتغاء وجه الله دليل على أن صاحبه قد بلغ مرتبة عالية في الإيمان فصار لا يرى إلا ما يحب الله، وبذلك يصبح وليًا من أولياء الله ومن أهل محبته، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) [15].


قال القرطبي رحمه الله: " البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته. ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله"[16].


إن بعض الناس قد تمر به امرأة أو يمر بامرأة في الطريق فيسرِّح طرفه فيها، وينظر إلى محاسنها، وهو بهذا الفعل قد خان في عينه، ولم يتأدب بآداب الطريق التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس في الطرقات). فقالوا: ما لنا بدٌّ[17]، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: (فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها). قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ( غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر )[18].


أيها الأحباب الفضلاء، إن إطلاق النظر إلى الحرمات خطرُه على صاحبه كبير، فالنظرة سهم من سهام إبليس إن لم تقتل صاحبها جرحته، وقد يستصغر بعض الناس هذا الذنب ولا يدري ما عواقبه وآثاره!


قال بعض أهل العلم: " والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد، ما لم يمنع منه مانع، وفى هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده؛ ولهذا قال الشاعر:


كلُّ الحوادث مبداها من النظرِ

ومعظمُ النار من مستصغر الشررِ



كم نظرة بلغت في قلب صاحبها

كمبلغ السهم بين القوس والوتر



والعبد ما دام ذا طرف يقلبه

في أعين العِين موقوفٌ علي الخطر



يسر مقلتَه ما ضرَّ مهجته

لا مرحبا بسرور عاد بالضررِ"[19].

يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 134.62 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]