اسم الله الكريم والأكرم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 17 - عددالزوار : 9620 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5029 - عددالزوار : 2177715 )           »          العلاج بأبوال الإبل في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4611 - عددالزوار : 1458642 )           »          العناية بالشفتين في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حف الشارب وإزالة شعر الإبطين والعانة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التمر غذاء ودواء في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الذكاء الاصطناعي والتعليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          العسكرية عند الحاجب المنصور: دراسة من كتاب "الحاجب المنصور: أسطورة الأندلس" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          خلاف العلماء في طرق تطهير الماء المتنجس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 09-12-2020, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,938
الدولة : Egypt
افتراضي اسم الله الكريم والأكرم

اسم الله الكريم والأكرم


الشيخ وحيد عبدالسلام بالي







الدِّلالاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الكَرِيمِ)[1]:
الكَرِيمُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ للمَوْصُوفِ بالكَرَمُ، نَقِيضُ اللَّؤْمِ، يَكُونُ في الرَّجُلِ بِنَفْسِه وإنْ لَمْ يَكُنْ له آبَاءٌ، ويُسْتَعْمَلُ في الخَيلِ والإبلِ والشجرِ وغيرِها، كَرُمَ الرَّجُلُ كَرَمًا وكَرَامَةً فَهُوَ كَرِيمٌ وكَرِيمةٌ وجَمْعُ الكَريمِ كُرَمَاءُ، والكَرِيمُ هو الشَيْءُ الحَسَنُ النَّفِيسُ الواسِعُ السَّخِيُّ، والفَرْقُ بَيْنَ الكَرِيمِ والسَّخِيِّ أَنَّ الكَرِيمَ هو كَثيرُ الإحْسَانِ بِدُونِ طَلَبٍ، والسَّخِيُّ هو المُعْطِي عِنْدَ السُّؤَالِ، والكَرَمُ: السَّعَةُ والعَظَمَةُ والشَّرَفُ والعِزَّةُ، والسَّخَاءُ عِنْدَ العَطَاءِ.
واللهُ سُبْحَانَهُ هوَ الكَرِيمُ الوَاسِعُ في ذاتِه وَصِفَاتِهِ وأَفعْالِهِ ومِنْ سِعَتِهِ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والأرضَ.

وهو الكَرِيمُ لَهُ المَجدُ والعِزَّةُ والرِّفْعَةُ والعَظَمَةُ والكَمالُ، فَلا سَمِيَّ لَهُ: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، وهَو الذِي كَرَّمَ الإنْسَانَ لما حمل الأمانةَ، وشَرَّفَه واسْتَخلَفَهُ في أَرْضِه، وأَسْتَأْمَنَهُ في مُلْكِه، وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا قَالَ: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]، وَهُوَ الذِي بَشَّرَ عِبَادَه المؤْمِنينَ بالأَجْرِ الكَرِيمِ الوَاسِعِ، والمغْفِرَةِ الوَاسِعَةِ، والرِّزْقِ الوَاسِعِ قَالَ تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 4]، وهو الجوادُ المعطي الذِي لا يَنْفَدُ عَطَاؤُه ولا يَنْقَطِعُ سَخَاؤُه، الذِي يُعْطِي مَا يَشَاءُ وكيف يَشَاءُ بِسُؤَالٍ وغَيْرِ سُؤَالٍ، وهُوَ الذِي لا يَمُنُّ إذا أَعْطَى فَيُكَدِّرُ العطِيَّةَ بالمَنِّ، وهو سُبْحَانَهُ يَعْفُو عن الذُّنُوبِ وَيَسْتُرُ العُيوبَ ويُجَازِي المُؤمِنِينَ بِفْضلِهِ ويُجَازِي المعْرِضِينَ بَعَدْلِهِ[2].

ثانيًا: الدِّلالاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الأَكْرَمِ)[3]:
الأَكْرمُ اسْمٌ دَلَّ على المُفاضَلَةِ في الكَرَمِ، فِعْلُه كَرُمَ يكرمُ كَرَمًا، والأكرمُ هو الأحَسْنُ والأَنْفَسُ والأوْسَعُ والأَشْرَفُ، والأَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ في كُلِّ وَصْفِ كَمَالٍ، قَالَ تَعَالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13][4].

والأَكَرْمُ سُبْحَانَه هو الذِي لا يُوَازِيهِ كَرَمٌ، ولا يُعَادِلُه في كَرِمِه نَظِيرٌ، وَقَدَ يَكُونُ الأَكْرمُ بمَعْنَى الكَرِيمِ، لَكِنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الكَرِيمِ والأكْرَمِ أَنَّ الكَرِيمَ دَلَّ عَلَى الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ مَعًا؛ كَدِلَالِتِه عَلَى مَعَانِي الحَسَبِ والعَظَمَةِ والسَّعَةِ والعِزَّةِ والعُلْوِّ والرِّفْعَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وأَيْضًا دَلَّ عَلَى صِفَاتِ الفِعْلِ؛ فهو الذِي يَصْفَحُ عَنِ الذُّنُوبِ، ولَا يَمُنُّ إذا أَعْطَى فَيُكَدِّرُ العَطِيَّةَ بِالمَنِّ، وهو الذِي تَعَدَّدَتْ نِعَمُه عَلَى عِبَادِهِ بِحَيْثُ لا تُحْصَى، وهَذَا كَمَالٌ وجَمَالٌ في الكَرَمِ، أَمَّا الأَكْرَمُ فهو المنْفَرِدُ بِكُلِّ ما سَبَقَ في أنواعِ الكَرَمِ الذَّاتِي والفِعْلِي؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الأكْرَمِينَ، لَهُ العُلُوُّ المطْلَقُ عَلَى خَلْقِهِ فيِ عَظَمَةِ الوَصْفِ وَحُسْنِهِ، ومِنْ ثَمَّ لَهُ جَلَالُ الشَّأْنِ في كَرِمِهِ، وهو جَمَالُ الكَمَالِ وكَمَالِ الجَمَالِ[5]، فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ لا كَرَمَ يَسْمُو إلى كَرَمِهِ، ولا إنْعَامَ يَرْقَى إلى إِنْعَامِهِ، ولا عَطَاءَ يُوَازِي عَطَاءَه، لَهُ عُلُوُّ الشَّأْنِ في كَرَمِهِ، يُعْطِي مَا يَشَاءُ لمَنْ يَشَاءُ كيفَ يَشَاءُ بِسُؤَالٍ وغَيْرِ سُؤالٍ، وهو يَعْفُو عنِ الذُّنُوبِ، ويَسْتُرُ العُيُوبَ، ويُجَازِي المؤْمِنِينَ بِفَضْلِهِ، ويُمْهِلُ المعْرِضِينَ ويُحَاسِبُهم بِعَدْلِهِ، فَمَا أَكْرَمَهُ، ومَا أَرْحَمَهُ، ومَا أعْظَمَهُ[6]، وحَسْبُنا مَا جَاءَ في قَوْلِه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، وقَالَ: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]، وعِنْدَ البخاري مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّمَاء الدُّنْيَا حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخرُ يَقُول: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟"[7].

ورُودُه في القُرْآنِ الكَرِيمِ[8]:
وَرَدَ اسْمُهُ (الكَرِيمُ) ثَلَاثَ مَرَاتٍ:
في قولِهِ تَعَالَى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116].
وقولِه: ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].
وقولِه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6].
أَمَّا الأَكْرَمُ فَوَرَدَ في قولِه تَعَالَى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3].

مَعْنَى الاسْمِ في حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قالَ ابنُ جَرِيرٍ: "(كَرِيمٌ) ومِنْ كَرَمِه أَفْضَالُه عَلَى مَنْ يَكْفُرُ نِعَمَه، وَيَجْعَلُها وَصْلَةً يَتَوَصَّلُ بِها إلى مَعَاصِيهِ"[9].
وقَالَ الحليمي: "(الكريمُ) ومَعْنَاهُ: النَّفَّاع، مِنْ قَوْلِهم: شَاةٌ كَرِيمةٌ، إذا كَانَتْ غَزِيرَةَ اللَّبَن تُدِرُّ عَلَى الحَالِبِ، ولَا تَقْلُصُ بأَخْلَافها، ولا تَحْبِسُ لَبَنَها".
ولا شَكَّ في كَثْرَةِ المَنَافِعِ التي مَنَّ اللهُ تَعَالَى بها عَلَى عِبَادِهِ، ابْتِدَاءً مِنْه وتَفَضُّلًا، فهو باسْم الكَرِيمِ أَحَقُّ مِنْ كُلِّ كَرِيمٍ[10].

وقَالَ القُرْطُبي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أنَّ الكَرِيمَ لَهُ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ هي: الجَوَادُ والصَّفُوحُ والعَزِيزُ: "وهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ يَجُوزُ وَصْفُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا، فَعَلَى أَنَّه جَوَادٌ كَثيرُ الخَيْرِ، صَفُوحٌ لَا بُدَّ مِنْ مُتَعلِّقٍ يَصْفَحُ عَنْه ويُنْعِمُ عَلَيْهِ.
وإذا كَانَ بمَعْنَى العزِيزِ كَانَ غَيْرَ مُقْتَضٍ مَفْعُولًا في أحدِ وُجُوهِهِ.
فهذا الاسْمُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّاتِ، وبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أسْمَاءِ الأَفْعَالِ.

واللهُ جَلَّ وَعَزَّ لَمْ يَزلْ كَرِيمًا ولا يَزَالُ، وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ هُوَ بِمَعْنَى نَفْي النَّقَائِصِ عَنْهُ، وَوَصْفُهُ بِجَمِيعِ المَحَامِدِ، وعَلَى هذا الوَصْفِ يَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّاتِ، إذْ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى شَرَفِهِ في ذَاتِهِ وجَلَالَةِ صِفَاتِهِ.
وإذا كَانَ فِعْلِيًّا كَانَ مَعْنَى كَرَمِهِ ما يَصْدُرُ عَنْه مِنَ الإفْضَالِ والإنْعَامِ عَلَى خَلْقِهِ.
وإنْ أَرَدْتَ التَّفْرِقِةَ بَيْنَ (الأَكْرَمِ) و(الكَرِيمِ)، جَعْلَتَ الأَكْرَمَ الوَصْفَ الذَّاتِي، والكَرِيمَ الوَصْفَ الفِعْلِي"[11] اهـ.

وقَدَ حَكَى ابنُ العَرَبي رحمه الله في مَعْنَى (الكَرِيمِ) سِتَّةَ عَشْرَ قَوْلًا، نُورِدُها باخْتِصَارٍ:
الأَوَّلُ: الذِي يُعْطِي لا لِعِوَضٍ.
الثَّاني: الذِي يُعْطِي بِغَيْرِ سَبَبٍ.
الثَالثُ: الذِي لا يَحْتَاجُ إلى الوَسِيلَةِ.
الرَابِعُ: الذِي لا يُبَالِي مَنْ أَعْطَى ولا مَنْ يُحْسِنُ، كَانَ مُؤْمِنًا أو كَافِرًا، مُقِرًّا أو جَاحِدًا.
الخَامِسُ: الذِي يَسْتَبْشِرُ بِقَبُولِ عَطَائِه ويُسَرُّ به.
السَّادِسُ: الذِي يُعْطِي ويُثْنِي، كَمَا فَعَلَ بأَوْلِيَائِه حَبَّبَ إليهم الإيمَانَ وكَرَّهَ إليهمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيَانَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8].
ويُحَكَى أَنَّ الجُنَيدَ سَمِع رَجُلًا يَقْرَأُ: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ ﴾ [ص: 44]، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَعْطَى وأَثْنَى، المَعْنَى: أَنَّهُ الذِي وَهَبَ الصَّبْرَ وأَعْطَاهُ، ثُمَّ مَدَحَهُ به وأَثْنَى.
السَّابِعُ: أنَّهُ الذِي يَعُمُّ عَطَاؤُه المُحْتَاجِينَ وغَيْرَهُم.
الثَّامِنُ: أَنَّهُ الذِي يُعْطِي مَنْ يَلُومُهُ.
التَّاسِعُ: أنَّهُ الذِي يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ، قَالَ اللهُ العظِيمُ: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34].
العَاشِرُ: الذِي يُعْطِي بالتَّعَرُّضِ.
الحَادِيَ عَشَرَ: أنَّه الذِي إذا قَدَرَ عَفَى.
الثَّانيَ عَشَرَ: أنَّه الذِي إذا وَعَدَ وَفَّى.
الثَّالِثَ عَشَرَ: أنَّه الذِي تُرفَعُ إلَيْه كُلُّ حَاجَةٍ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً.
الرَّابِعَ عَشَرَ: أنَّه الذِي لا يُضَيِّعُ مَنْ تَوَسَّلَ إليه ولا يَتْرُك مَنِ الْتَجَأَ إليه.
الخَامِسَ عَشَرَ: أنَّه الذِي لا يُعَاتِبُ.
السَّادِسَ عَشَرَ: أنَّه الذِي لا يُعَاقِبُ" اهـ[12].
أمَّا (الأكْرَمُ)، فَقَالَ الخَطَّابي: "هو أَكْرَمُ الأكْرَمِينَ، لا يُوازِيهِ كَرِيمٌ، ولا يُعَادِلُهُ نَظِيرٌ، وقَدْ يَكُونُ (الأكْرَمُ) بِمَعْنَى: الكَرِيمِ، كَمَا جَاءَ: الأَعَزُّ والأَطْوَلُ، بمَعْنَى العَزِيزِ والطَّوِيلِ"[13].
قَالَ القُرْطُبِيُّ: "إنَّ (الأكْرَمَ) الوَصْفُ الذَّاتِي، و(الكَرِيمَ) الوَصْفُ الفِعْلِي، وهُمَا مُشْتَقَّانِ مِنَ الكَرَمِ، وإنِ اخْتَلَفَا في الصِّيغَةِ"[14].

آثارُ الإِيمَانِ بِهَذِينِ الاسْمَينِ:
1- تَكَلَّمَ ابنُ العَرَبي رحمه الله[15] كَلَامًا طَيِّبًا في تَفْصِيلِ الأَقْوَالِ السَّابِقَةِ، فَأَجَادَ فيهِ وأَفَادَ، قَالَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
أ- أَمَّا إذا قُلْنا إنَّ الكَرِيمَ هو الكَثِيرُ الخَيْرِ، فَمَنْ أَكْثَرُ خَيْرًا مِنَ اللهِ؟ لِعُمُومِ قُدْرَتِهِ وَسِعَةِ عَطَائِه، قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].
ب- وأَمَّا إذا قُلْنا إنَّهُ الدَّائِمُ بالخَيُرِ فَذَلِكَ بالحَقِيقَةِ للهِ، فإنَّهُ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقَطِعُ إلَّا اللهُ وإحْسَانُه، فَإنَّه دَائِمٌ مُتَّصِلٌ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
ج- وأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ الذِي يَسْهُلُ خَيْرُهُ، ويَقْرُبُ تَنَاوُلُ مَا عِنْدَه فَهُوَ اللهُ بالحَقِيقَةِ، فإنَّه لَيْسَ بينه وبَيْنَ العبدِ حِجَابٌ، وهُوَ قَرِيبٌ لِمَنِ اسْتَجَابَ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا ﴾ [البقرة: 186].
د- وأَمَّا إنْ قُلْنا إنَّ الكَرِيمَ هو الذِي لَهُ قَدْرٌ عَظِيمٌ، وخَطَرٌ كَبِيرٌ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ قَدْرٌ بالحَقِيقَةِ إلا للهِ تَعَالَى، إذِ الكُلُّ لَهُ خَلْقٌ ومِلْكٌ، إليه يُضَافُ كُلُّ شَيْءٍ، ومِنْ شَرَفِهِ يَشْرُفُ كُلُّ شَيْءٍ، وكَرَمُ كُلِّ كَرِيمٍ مِنْ كَرَمِهِ.
هـ- وأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الكَرِيمَ هُوَ المُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ والآفَاتِ، فَهُوَ اللهُ وَحْدَه بالحَقِيقَةِ؛ لأَنَّه تَقَدَّسَ عَنِ النَّقَائِصِ والآفَاتِ وَحْدَه عَلَى الإطْلَاقِ والتَّمَامِ والكَمَالِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وفي كُلِّ حَالٍ، بِخِلَافِ الخَلْقِ فَإنِّهم إنْ كَرُموا مِنْ وَجْهٍ، سَفَلُوا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ [التين: 4، 5].
و- وأَمَّا إنْ قُلْنا إنَّ الكَرِيمَ بِمَعْنَى المُكْرِمِ فَمَنِ المكْرَمُ إلا اللهُ تَعَالَى، فَمَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ أُكرِمَ ومَنْ أَهَانَه أُهِينَ[16].
ز- وأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الكَرِيمَ هو الذِي لا يَتَوَقَّعُ عِوَضًا، فَلَيْسَ إلا اللهُ وَحْدَه؛ لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقُهُ ومُلْكُهُ فَمَا يُعْطِي له ومَا يَأْخُذُه لَه، ومَا يُعْطِي كُلُّ مُعطٍ أَوْ يَعْمَلُ كُلُّ عَامِلٍ، فَبِقُدْرَتِهِ وإرَادَتِهِ، والعِوَضُ والمُعَوَّضُ خَلْقٌ له.
ح- وأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ (الكَرِيمَ) هُوَ الذِي يُعْطِي لِغَيْرِ سَبَبٍ فَهُوَ اللهُ وَحْدَه؛ لأَنَّه بَدَأَ الخَلْقَ بالنِّعَمِ، وخَتَمَ أَحْوَالَهم بالنِّعَمِ، وإنْ جَاءَ في الأخْبَارِ أَنَّه أُعْطَى بِكَذَا أَو عَمِلَ بكَذَا، فالعَطَاءُ منه والسَّبَبُ جميعًا، والكُلُّ عَطَاءٌ بِغَيْرِ سَبَبٍ.
ط- وأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ (الكَرِيَم) هو الذِي يُعْطِي بِغَيْرِ وَسِيلَةٍ، فالأَجْوَادُ يَتَفَاضَلُونَ، فَمِنْهُم مَنْ يُعْطِي جِبِلَّةً، وَمِنْهُم مَنْ يُعْطِي مُرَاعَاةً لِحَقِّ المُتَوَسِّلِ، والبَارِي يُعْطِي بِغَيرِ وَسِيلَةٍ؛ لأَنَّ حُرْمَةَ النَّبِي أوِ الْوَلِي الذِي أَعَطْي بِهَا[17]، أعطى بمجرد المشيئة مِن غير وسيلة، كما قال: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 11].
ي- وأمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الكَرِيمَ هُوَ الذِي لا يُبَالِي مَنْ أَعْطَى فَهُوَ اللهُ وَحْدَهُ، لأنَّ الخَلْقَ جُبِلَتْ قُلُوبُهم عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إليها، وبُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إِليَها، والبَارِي يُعْطِي الكُفَّارَ والمُتَّقِينَ، وربَّمَا خَصَّ الكَافِرَ في الدُّنْيَا بِمَزِيدِ العَطَاءِ، ولَكِنَّ الآخِرَةَ للمُتَّقِينَ.
ك- وأَمَّا إنْ قُلْنا إنَّه الذِي يُري للقَابِلِ لِعَطَائِهِ مِنَّهُ، فالْبَارِي تَقَدَّسَ عَنْ تَصُّورِ ذلك في حَقِّهِ.
ل- وأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّ (الكَرِيمَ) هو الذِي يُعْطِي مَنْ يحتاجُ ومَنْ لا يَحْتَاجُ فَهُوَ اللهُ وَحْدَه؛ لأَنَّه يُعْطِي ويَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الحَاجَةِ، ويُعْطِي مَنْ يَحْتَاجُ ومَنْ لا يَحْتَاجُ حَتَّى يَصُبَّ عَلَيهِ الدُّنْيَا صَبًّا.
م- وأَمَّا إنْ قُلْنا إِنَّ (الكَرِيمَ) هو الذِي لا يُخَصُّ بِكَبيرٍ مِنَ الْحَوَائِجِ دُونَ صَغِيرِهَا فَهَوَ اللهُ تَعَالَى، رُوِيَ أَنَّه يَسْألُ العَبْدُ رَبَّه كُلَّ شَيْء في صَلَاتِهِ قَالَ حَتَّى... [18].
وذَكَرَ القُشَيْرِيُّ أَنَّ مُوسَى عليه السلام قَالَ في مُنَاجَاتِهِ: إنَّهُ لَتُعْرَضُ لي الحَاجَةُ أحيانًا فَأَسْتَحِيي أَنْ أَسَأَلَكَ، فَأَسْأَلُ غَيْرَكَ، فَأَوْحَى اللهُ إليهِ: يَا مُوسَى لَا تَسَلْ غَيْرِي، وَسَلْنِي حَتَى مِلْحَ عَجِينِكَ، وَعَلَفَ شَاتِكَ.
وَذَلِكَ لَأنَّ أَمْرَهُ بَيْنَ الكَافِ والنُّونِ، فَسَواءً الصَّغِيرُ والكَبيرُ، بَلِ الكَبيرُ عِنْدَه صَغيرٌ، والعَسِيرُ يَسِيرٌ، والصَّعْبُ لَيِّنٌ.

ن- وأَمَّا إنْ قُلْنا إنَّه الذِي إذا وَعَدَ وَفَّى، فإِنَّ كُلَّ مَنْ يَعِدُ يُمْكِنُ أَنْ يَفِيَ، ويُمْكِنُ أَن يَقْطَعَهُ عُذْرٌ، ويَحَولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الوَفَاءِ أَمْرٌ، والبَارِي صَادِقُ الوَعْدِ لِعُمُومِ قُدْرَتِهِ وعَظيمِ مُلْكِهِ، وإنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ قَاطِعٌ، ولا يَحُولُ بَيْنَه وبَيْنَه مَانِعٌ.
س- وأَمَّا إنْ قُلْنا إنَّ (الكَرِيمَ) هو الذِي لا يُضيعُ مَنِ الْتَجَأَ إليهِ، فَهُوَ اللهُ وَحْدَه، والالْتِجَاءُ إليه: التِزَامُ الطَّاعَةِ وحُسْنُ العَمَلِ، وقَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ حِينَ قَالَ: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30].
ع- وأَمَّا إنْ قُلْنا إِنَّه الذِي لا يُعَاتِبُ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ﴾ [التحريم: 3] [19]، وقَدْ جَعَلَ اللهُ للنَّاسِ مَرَاتبَ في العِقَابِ والحِسَابِ والعِتَابِ.
ف- وأَمَّا إنْ قُلْنا إنَّ (الكَرِيمَ) هو الذِي إذا أَعْطَى زَادَ عَلَى المُنَى فَهُوَ اللهُ وَحْدَهُ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّه أَعْطَى أَهْلَ الجَنَّةِ مُناهُمْ، وَيزِيدُهم عَلَى ما يَعْلَمُونَ[20]، وقَدْ ثَبَتَ أنَّه قَالَ سُبْحَانَه: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولَا أُذُنٌ سَمِعَت،ْ ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُم عَلَيهِ" [21].
قُلْتُ (أَيِ: القُرْطِبي): "فهذا مَا ذَكَرَ العُلَمَاءُ مِنَ الأَقْوَالِ وَبَيَانِهَا، ولَمْ يَذْكُرْ (أَيِ: ابْنُ العربي) في سَرْدِ الأقوَالِ: أنَّه الذِي أَعْطَىَ وَزَادَ عَلَى المُنَى فَيَكُونُ سَابِعَ عَشْرَ قَوْلًا[22]، ولَمْ يَذْكُرْ بَيَانَ أنَّه الذي يُعْطِي مَنْ يَلُومُه؛ لَأنَّه واللهُ أَعْلَمُ دَاخِلٌ في قَوْلِه: إنَّه الذي لا يُبَالِي مَنْ أَعْطَى، ولا ذَكَرَ بَيَانَ أَنَّه الذِي يُعْطِي ويُثْنِى؛ لأَنَّه في غَايَةِ البَيَانِ وهُوَ مُفَسَّرٌ في سَرْدِ الأَقْوالِ.
ولا ذَكَرَ بَيَانَ أَنَّه الذِي يُعْطِي بالتَّعَرُّضِ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى لنبيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ [البقرة: 144]، فَعَرَّضَ ولَمْ يَسْأَلْ وأَعَطَاهُ مُنَاهُ" اهـ.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 135.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 134.04 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]