محبة القرآن الكريم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أبرز الفيتامينات والمكملات الهامة للأعصاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          صغر حجم الخصيتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          معدن الكروم: بين الفوائد والأضرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أسباب عدم الشعور بالجوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          لماذا يرفض أطفال التوحد تناول الطعام؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          نصائح بعد جراحة دوالي الخصية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          صعوبة الكلام عند مرضى التوحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ما أسباب تأخر التئام الجروح؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          عسى الله أن يتجاوز عنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          كلمة عن فضل القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-11-2020, 11:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,550
الدولة : Egypt
افتراضي محبة القرآن الكريم

محبة القرآن الكريم
د. طه فارس





القرآن الكريم: كلامُ اللهِ تعالى، منهُ بَدا بلا كيفيةٍ قولاً، وأنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحيًا، وصدَّقَه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنه كلامُ الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البَرِية[1]، نُقِلَ إلينا بالتواتر، وكُتِبَ في المصاحف، وتَعَبَّدَنا اللهُ بتلاوته، وأَعْجَزَ خلقَهُ ولو بسورةٍ منه.

وإذا كان القرآنُ الكريم كلامَ اللهِ وصفتَهُ، فمحبتُهُ أصلٌ من أصول الإيمان، وسببٌ من أسباب محبة الرحمن، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «من أحبَّ أن يحبَّهُ اللهُ ورسولُهُ فلينظر: فإن كان يحبُّ القرآنَ، فهو يحبُّ اللهَ ورسولَه»[2].
وتتجلى محبةُ كتابِ الله تعالى وتعظيمُه في جملة من الأفعال، وهي: الحفظ، والتلاوة، والتدبُّر والفهم، والتَّعَلُّمُ والتَّعْلِيم، والعمل بمدلول خطابه.

أما الحفظ: فقد تعهَّد الله تعالى بحفظ كتابه فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: ٩]، واختار لمن يقوم بهذا المهمة العظيمة صفوةَ خلقِهِ، فقال: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: ٣٢]، فحفظة كتاب الله العاملون به هم الصفوة، وهم أولياء الله المختصون به اختصاصَ أهلِ الإنسان به، تعظيمًا لهم وتشريفًا[3]، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِن النَّاسِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»[4].

وأهل القرآن هم أصحاب المنازل العالية الرفيعة عند الله، يرتفعون بقدْرِ ما يحفظون، فيكونون مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئكَ رَفِيقًا، قال تعالى في وصف منازلهم وحليتهم وزينتهم ومقامهم: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ[فاطر: ٣٣ - ٣٥]، وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا»[5].

ويوم القيامة يكون لهم القرآنُ شافعًا ومُؤنسًا ومُدافعًا، يتقرَّب من صاحبه ويدنو إليه ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: ٣٤ - ٣٧]، فعندئذ يقبضون أرباحَ تجارتهم مع الله، فيُحَلَّون بتاج الوقارِ، ويُكسى آباؤهم الحُلل، ويرتقون في درجات الجنة، فعن عَبْد اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَن أَبِيهِ قَالَ: سمعت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِن وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِن وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولانِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلاً»[6]، وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ»[7].

وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أهل القرآن على كثرة تلاوته ومعاهدته، وذلك خشية تفلته ونسيانه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ»[8]، وأخبر بأنَّ من أفضل الأعمال وأحبِّها إلى الله تعالى مداومةَ تلاوةِ القرآن ومذاكرتَه، فعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ»، قِيلَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: «صَاحِبُ الْقُرْآنِ يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ، وَمِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ»[9].

وكُرِهَ لحَافِظِ القرآنِ إن نَسِيَ شيئًا من القرآن أن يقول: نَسِيتُ آية كذا وكذا، لما تحمله من معنى التقصير والإهمال لِمَا حَفِظَ من كتاب الله، بل يقول: نُسِّيتُ آية كذا وكذا، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَن يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِن صُدُورِ الرِّجَالِ مِن النَّعَمِ»[10].

ومن دلائل تقوى القلوب تعظيمها لشعائر الله، ومن أعظم هذه الشعائر كلام الله، فمن تحقق بالتقوى لا بد أن يحبَّ كتاب الله تعالى، ويحبَّ كل من اعتنى بحفظه وإتقانه، ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمته على إكرام أهل القرآن العاملين به، التَّالين له، تعظيمًا لكلام الله وإجلالاً له، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ»[11].
وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من إهمال المسلم وتقصيره في حفظ شيء من القرآن ليتلوه في صلاته، ويناجي به مولاه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِن الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ»[12].


وأما تلاوته: فقد أمر الله عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه كما أمره بالصلاة، فقال تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ[العنكبوت: ٤٥]،وأخبرنا الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه مأمور بتلاوة كتاب الله، كما هو مأمور بعبادة الله والاستسلام له، فقال: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ[النمل: ٩١ ]، وأن يقرأه على تمهُّل، ليكون ذلك أدعى لفهم القرآن وتدبُّرِهِ[13]، فقال تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا[المزمل: ٤].


كما أثنى الله على المؤمنين الذين يتلون القرآن حقَّ تِلاوتِه، وذلك بإتقان قراءته، وتدبُّرِ معانيه، وإحلال حلاله، وتحريم حرامه، وعدم تحريفه عن مواضعه[14]، فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[البقرة: ١٢١].


وأخبر تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنون به ويعملون بما فيه، من إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله في الأوقات المشروعة ليلاً ونهارًا، سرًا وعلانيةً، ابتغاء المثوبة من الله، بأنه سيوفيهم ثوابَ ما فعلوه، ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم[15]، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر: ٢٩ - ٣٠]، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعظيم أجر التالي للقرآن، فقال: «مَن قَرَأَ حَرْفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ: ﴿ الم [البقرة: 1] حَرْفٌ، وَلَكِن: أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»[16]، وخص المتقن للتلاوة بمزيد من الأجر والمثوبة، فقال صلى الله عليه وسلم: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ»[17].

ولا بد لمن يقرأ كتابَ الله تعالى ويتلوه أن يحسِنَ نيته، ويستحضرَ الإخلاص في قراءته؛ لأنَّ الله مطَّلِعٌ عليه، عالمٌ بنيته، قال تعالى: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [يونس: 61].


وقد نَدَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى تحسين أصواتهم بقراءة القرآن والتغنِّي به[18]، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»[19]، وقال صلى الله عليه وسلم: «حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا»[20]، وقال أيضًا: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ»[21].

وإن كان ثمة شيء يتحاسد عليه الناس في دنياهم، فإن أولى ما يتحاسد عليه المؤمنون غبطةً[22] هو حالُ ذلك المؤمن الذي آتاه اللهُ القرآنَ، فجعل يقطع ليلَه ونهارَه بتلاوته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ»[23].

التَّدَبُّرُ والفَهْمُ:
التدَبُّرُ هو النَّظر في دُبُرِ الأمور، أي: عواقبها، وهو قريب من التفكر، إلا أن التفكر تَصَرُّف القلبِ بالنظر في الدليل، والتدبر تصرُّفه بالنظر في العواقب[24].
وقد بيَّنَ اللهُ تعالى بأنَّ حكمةَ إنزالِ الكتاب المبارك على نبيه محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، هو تدبُّر آياته والانتفاعُ بمواعظه، فقال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: ٢٩]، واختصَّ اللهُ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم بأن جَعَلَهُ التَّرجمانَ الأولَ لكتابِهِ، فقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: ٤٤]، وكان من بعده الصحابة الكرام رضي الله عنهم على تفاوت بينهم، وكان من أبرزهم في هذا الجانب ابنُ عباس رضي الله عنهما، الذي خصَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالدُّعاء له، فقال: «اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»[25]، فأصابته دعوةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكان من أعلم الصحابة بتفسير القرآن، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس، وأما ابن عمر رضي الله عنهما فكان يقول عنه: هو أعلم الناس بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم [26].

فمن واجب المسلم إذًا أن يعتني بفهم كتاب الله وتدبُّر آياته، وينتفع بعِبَرِه ومواعظه ودلالاته، ويغترف من معين حكمه وأحكامه، فالقرآن مأدُبة الله تعالى كما وصفه عَبْد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه فقَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللهِ، فَتَعَلَّمُوا مِن مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ، لا يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ، وَلا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ...»[27].
ولكن لا يجوز أن يكون فهمه وتفسيره لكتاب الله بمجرد الرأي الذي لا يدعمه دليل من كتاب أو سنة أو مأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم، مع ما يضاف إليها من علم الأدوات التي يجب أن تتوفر بمن يُقدِم على تفسير وتدبر آيات الله.

أما التفسير بمجرد الرأي فحرام[28]، لما رواه محمد بن جرير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن بغير علم أو برأيه فليتبوأ مقعده من النار»[29]، وفي لفظ له: «من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ»[30]، أي: لأنه قد تكلَّف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِرَ به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنَّه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصوابَ في نَفسِ الأمر، لكن يكون أخفَّ جِرمًا ممن أخطأ، والله أعلم.

وقد بيَّن الإمام البيهقي رحمه الله[31] المرادَ من هذين الحديثين، فقال في الحديث الأول: «إنما أراد الرأي الذي يغلب على القلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الرأي لا يجوز الحكم به في النوازل، فكذلك لا يجوز تفسير القرآن به، وأما الرأي الذي يسنده برهان، فالقول به جائز»[32].
وقد روي هذا المعنى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما قال: «أيُّ سماءٍ تظلُّني، وأيُّ أرضٍ تقلُّني، إذا قلتُ في كتاب الله برأيي»[33].

وقد بَيَّن الإمام الغزالي رحمه الله أنَّ النهي إنما ينزَّلُ على أحد وجهين:
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأوَّل القرآن على وفق رأيه وهواه ليحتج على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.

والثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبْدَلة، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير.

فمن لم يحكم بظاهر التفسير، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كَثُرَ غلطُه، ودخل في زمرة من يفسر بالرأي، فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولاً؛ ليتقيَ به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط»[34].

ولعل مما يُعين على التدبُّر والفهم عدمُ الاستعجال والسرعة بقراءة القرآن، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من ختم القرآن في أقل من ثلاث لا يتمكن من تدبر آياته، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمْ يَفْقَهْ مَن قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِن ثَلاثٍ»[35]، وَوَرَدَ عن ابن مسعود أنه قال: «مَن قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِن ثَلاثٍ، فَهُوَ رَاجِزٌ»[36]، إلا أنَّ بعض أهل العلم رخصوا به، لما رُوي من فعل أكثر من واحد من الصحابة والتابعين لذلك.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.04 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]