المراسلات العلمية وأثرها التعليمي والدعوي بغرب إفريقيا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مشروبات دافئة بالقرفة والتفاح لمواجهة تقلب الطقس فى الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          5 طرق لتعطير حمامك ومنحه رائحة منعشة.. منها استخدام صودا الخبز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          مع بداية الخريف.. وصفات طبيعية تحافظ على نضارة وجمال بشرتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          5 خطوات بسيطة تساعد الأمهات على إدارة التوتر قبل عودة المدارس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          مقارنات الأطفال فى السابلايز والأدوات المدرسية.. إزاى تتعاملى معاها بحكمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          5 تسريحات شعر تزيد التقصف ابعدى عنها.. أولها الكحكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          4 مشروبات ديتوكس تعزز نضارة البشرة وتحافظ على ترطيبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          طريقة عمل تارت الشوكولاتة بمكونات خفيفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أفضل تنسيقات غرفة الأطفال لخلق مساحة مبهجة.. موضة ديكور 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          5 عادات بسيطة تساعدك على فقدان الوزن بسرعة مع بداية الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-02-2020, 12:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,305
الدولة : Egypt
افتراضي المراسلات العلمية وأثرها التعليمي والدعوي بغرب إفريقيا

المراسلات العلمية وأثرها التعليمي والدعوي بغرب إفريقيا


هارون المهدي ميغا




رسالة لابن باز نموذجاً


أشرت في مقال سابق في (مجلة قراءات إفريقية)[1] إلى أبرز روافد النهضة الإسلاميّة المعاصرة وأقواها في غرب إفريقيا، وأنّ منها (المراسلات العلميّة بين علماء المنطقة ودعاتها وبين غيرهم من علماء الإسلام المصلحين، حول مسائل فقهيّة أو عقديّة أو غيرها، وكذلك المبعوثون والوفود الدعوية والتعليمية، وخاصة من السعودية ومصر... إلخ)، فاتجهت الرغبة إلى محاولة التأصيل التاريخي لهذه المراسلات، والكشف عن جذور هذا الرافد، وبيان أثره التعليمي والدعوي، مع التمثيل لذلك بإحدى رسائل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله تعالى - المفتي السابق للديار السعودية.

كانت المراسلات العلمية رافداً قوياً من رافد هذه النهضة الإسلامية في غرب إفريقيا، وكان لها أثرها البالغ في توجيه الدعاة والدعوة إلى المنهج السليم، والأسلوب القويم، في التعامل مع المدعو، وفي تصحيح بعض العقائد والأفكار المنحرفة، وفي التعليم ونشر الوعي الإسلامي بين المسلمين، وفي حل الخلافات، وبيان أسبابها وآثارها السيئة على وحدة المسلمين.

وهذا النوع من المراسلات العلمية قديم في غرب إفريقيا منذ عهود الإمبراطوريات الإسلامية فيها، كما كان الشأن في مناطق العالم الإسلامي الأخرى، لكنه على الرغم من ذلك لم يحظ إلى الآن - حسب علمي - بدراسة علمية، دعوية كانت أم تاريخية، أم تعليمية تربوية، أم غيرها.

أما قديماً: فمن أشهر ما يتعلق بغرب إفريقيا؛ مراسلة الإمام الحافظ جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911ه) لسلاطين بلاد التكرور عموماً، ولسلطان كاشنه خصوصاً[2]، وقد ضمّنها الوصية بتقوى الله، والتذكير بالآخرة، وعدم الاغترار بالدنيا وزينتها، والدعوة إلى الوقوف مع حملة الشريعة فيما يعرض لهم من مشكلات، وإنكار بعض المخالفات الشرعية التي سمع عنها في دولهم.

وفي (تاريخ الفتاش) لمحمود كعت، أن أسكيا محمد الكبير إمبراطور سنغاي الإسلامية التقى السيوطي بمصر في عودته من أداء الحج[3]، وسأله عن قضايا، وافقت إجاباته عنها إجابات علماء السودان الذين كان أسكيا قد سألهم كمحمد المغيلي ونحوه[4].

وللسيوطي مراسلة علمية أخرى ذات صلة بإفريقيا الغربية، كانت بينه وبين الشيخ محمد بن عبدالكريم المغيلي (ت 909ه)، تتعلق بتحريم السيوطي للمنطق وتحليل المغيلي له ورده عليه، وقد وردت الرسالتان نظماً، ذكر أبياتاً منها أحمد بابا التنبكتي[5].

ويقال إن السيوطي زار غرب إفريقيا، ومكث في كاشنه وأغدز وكانو، ثم رجع إلى مصر، وإنه اجتمع والشيخ محمد المغيلي في السودان؛ فكانت بينهما مناظرة في المنطق، لكن اختُلف في مكان الاجتماع أهو كاشنه، أم تكده، أم تنبكتو[6].

والأقوى أن يقال إن المناظرة كانت بالمراسلة والسيوطي في مصر، وهذا هو الأشهر؛ لأنه لا يمكن لزيارة مثل زيارة السيوطي أن تكون سقطاً لا تتحدث عنها المصادر التاريخية، كيف وقد ذاعت فيها مراسلتاه السابقتان! ثم كيف تُغفل المصادر زيارة السيوطي نفسه وفي كتابه (التحدث بنعمة الله) إشارات كثيرة إلى لقاءاته في القاهرة بوفود حج السودان الغربي من السلاطين، والقضاة، وطلبة العلم، وأخذ بعضهم عنه وقراءتهم كتبه عليه[7]! وهذا مما رجح لدي أن تكون رواية شفوية تحتاج إلى ما يعضدها، وهو ما أكده الشيخ آدم الآلوري - رحمه الله -، وهو رجل ثبت في نقوله التاريخية، حيث ذكرها بصيغة التمريض (يقال).

وأما كتابات محمد المغيلي وفتاويه لأسيكا محمد الكبير ملك إمبراطورية سنغاي الإسلامية، ولأمير كانو أبي عبدالله محمد رنفا بن يعقوب؛ فالراجح أنه كتبها حينما كان في بلاط كلٍّ منهما[8].

وأما طلب ملك مالي منسا موسى من القاضي والمدرس بالمدرسة المالكية بالقاهرة محمد بن أحمد بن ثعلب المصري، المعروف بابن كشتغدى، أن يضع شرحاً لمختصر المدونة[9] الذي ألفه أبو الحسن الطليطي محمد بن عيشون (ت 341ه / 951م)؛ فكما قال أحد الباحثين: لا ندري هل كان في لقاء بينهما في القاهرة عام (724ه / 1324م)، حيث التقى منسا موسى عدداً كبيراً من فقهاء المالكية بمصر، أو كان ذلك بالمراسلة بينهما[10]!

وفي العصر الحديث يمكن أن نمثل بالمراسلات بين الشيخ محمد الأمين بن محمد الكانمي (ت 1835م)، والشيخ عثمان بن محمد بن فودي (ت 1817م)، حول جهاد الأخير في بلاد الهوسا وكانم برنو.

درس الكانمي في المدينة المنورة والقاهرة وفاس، ثم عاد إلى كانم، فلم يمض وقت طويل حتى ذاع صيته في البلاد كلها لعلمه وورعه، وصار له نفوذ وتأييد كبيران لدى الخاصة والعامة، ورأى أن ابن فودي بجهاده في تلك البلاد قد بعد عن رسالة الفقيه المتواضع المسالم، والعالم الورع؛ إلى رسالة السياسي الذي يؤمن بالحديد والنار[11].

ولن أقف عند قضية الجهاد؛ لأن الكانمي – فيما يتعلق بهذه القضية – قد وقع مرتين فيما آخذ به ابن فودي؛ الأولى بدفاعه عن برنو وكانم، ومنه جهاده بشجاعة مع سلطان برنو أحمد دونمة لتحرير عاصمته من الفولانيين مرتين، والأخرى بالجيش الجرار الذي قاده هو بنفسه عام 1826م إلى غركو لملاقاة جيش ابن فودي وأتباعه، وقد هزم الكانمي ونجا بحياته، وآلت دولة برنو كانم إلى أولاده وأحفاده الذين يلقبون بالشيخ حتى اليوم[12].

أما المراسلات بينهما فقد بلغت عشرات الرسائل باللغة العربية، ودامت ست سنوات قبل المعركة الأخيرة، يدافع فيها كل واحد منهما عن مواقفه. وأما موضوعاتها فقد شملت قضايا عدة تتعلق بالجهاد وأسبابه، وبمن يجاهد، وبما يثار حول ابن فودي وأتباعه من تكفير أهل القبلة بسبب بعض الكبائر، كالتبرج، وأخذ الرشوة، وأكل مال اليتيم، والجور في الحكم. ومن القضايا اتهام الكانمي لابن فودي بالخروج على الإمام، وله ولأتباعه بحب الملك والسعي وراءه باسم الدين، ولبعض أتباعه بنقض العهود. ولقد رد الشيخ ابن فودي على تلك القضايا كلها بكتابات تولاها بأمر من أخيه عبدالله - تارة –، وابن الشيخ محمد بللو - تارة أخرى -[13].

كما تناول عثمان بن فودي في كتابه (شفاء الغليل)[14] بعض تلك القضايا بشيء من البيان والتقييد؛ للعموم والإطلاق اللذين وردا في كلام شيخه جبريل بن عمر في منظومته في تكفير أهل السودان بالمعاصي، والتي ذاعت بين العلماء وطلبة العلم في مناطق الهوسا والبرنو قبل حركة ابن فودي وفي أثناءها.

وكان لمراسلات الكانمي وابن فودي أثرها التعليمي والدعوي؛ بتصحيح المفهومات، والرد على التهم، ووزن الوقائع بالكتاب والسنّة وأقوال العلماء، وعلى الرغم من أنها لم تحل دون المواجهة؛ فإنها من جهة أخرى تعطينا (صورة مصغرة مما يتمتع به كلا الرجلين في المزية العلمية، بل هي نموذج مما عليه علماؤنا الأقدمون من رسوخ القدم في العلوم، والمناظرة والجدال)[15] ، والتواصل العلمي والدعوي، ونموذج لجهودهم في نشر التعليم الإسلامي بين الناس، والاجتهاد في النوازل على ضوء الكتاب والسنّة.

أقسام المراسلات:
تنقسم هذه المراسلات في العصر الحديث إلى نوعين:
النوع الأول: مراسلة علماء من أبناء المنطقة يعيشون في إحدى دولها: يستفتيه أبناء شعبه، أو قريته، أو من اشتهر بينهم بالعلم والدعوة والورع من القبائل الأخرى.

ومن ذلك، على سبيل المثال، الشيخ الداعية موري موسى كماري - رحمه الله - (ت 1976م)، مؤسس مدرسة دار الحديث بمدينة بؤاكي في ساحل العاج، فقد كانت تأتي إليه الرسائل والوفود من شعب الماندغ / البمبارة من مناطق ساحل العاج، وغينيا، وبوركينا فاسو؛ في مسائل العقيدة والفقه وغيرهما؛ إذ كان أحد أبرز رواد النهضة السنّية الحديثة والدعوة الإسلامية المعاصرة في غرب إفريقيا، وتخرج في مدرسته المئات من أبناء معظم دول المنطقة.

والشيخ المحدث الخضر سعد - رحمه الله -، وهو من أبناء سنغاي الذين كانوا يعيشون في غانا وتوغو، ومن علمائهم الذين درسوا في المنطقة، ثم في الحرمين الشريفين، كان يراسل في المسائل الخلافية؛ إما كتابة، وإما بتكليف شخص يسافر إلى حيث يعيش، وقد كان لفتاويه قبول حسن بين أبناء شعبه في مالي والنيجر، وفي الدول المجاورة لهما؛ بسبب شهرته العلمية وورعه.

وكذلك كان الشيخ حبيب الله بن عبدالله ميغا، مدير مدرسة دار الحديث في مدينة سيفاري بموبتي؛ قبل انتقاله من جمهورية النيجر للعيش في هذه المدينة وبعده.

والشيخ الفاضل خالي ألفا سمبا محمد ميغا – رحمه الله تعالى – العلامة بالفرائض، والمرجع في علم المواريث في منطقة غاو، فقد كانت تأتيه استفتاءات شفوية ومكتوبة من أبناء شعبه؛ في كل من غانا، وتوغو، والنيجر، وربما استُقدم إليها من أجلها.

والشيخ أبو بكر غومي – رحمه الله – من نيجيريا، وكانت تأتيه الاستفتاءات من أتباعه الهوسا في النيجر، وغانا، وغيرها.

وأمثال هؤلاء وغيرهم كثير، ومن الصعوبة بمكان استقصاؤهم، ولا يقتصرون على أهل السنّة فقط، كما لا يختص بهم شعب دون شعب، ولا دولة دون دولة؛ إذ لا يمكن أن يخلو منهم مجتمع أو بيئة؛ من الهوسا، والماندغ / البمبارة، والسنغاي، والولوف، واللاتة، والسوننكي، والبورنو، واليوربا، والدغومبا، والموسي، وغيرها؛ مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ ... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]؛ مع التفاوت بينهم في العلم والتأثير، والشهرة العلمية والدعوية، واختلاف الاتجاه للسائل أو المجيب.. وغير ذلك.

والهدف هنا ليس الاستقصاء، وإنما الإشارة إلى الأثر التعليمي والدعوي لهذه المراسلات قديماً وحديثاً، وإلى أهميتها، وأهمية تناولها في دراسات علمية متخصصة ومعمقة في غرب إفريقيا وغيره.

النوع الثاني: المراسلات العلمية: وهي التي دعمت النهضة الإسلامية الحديثة، وكان لها أثر بارز في التعليم والدعوة المعاصرة بغرب إفريقيا، هو:
المراسلات الخارجية:
يوجد هذا النوع بين علماء السنّة ودعاتها في المنطقة وبين غيرهم خارجها، وله جانبان:
أحدهما: أن يكون العالم المستفتى من علماء المنطقة المهاجرين:
ومن أبرز هؤلاء الشيخ محمد المرزوق الفلاتي، وعبد الرحمن بن يوسف الإفريقي، المدير الأسبق لدار الحديث بالمدينة المنورة، وعماد الدين بن حنبل، وحماد الأنصاري، وإسماعيل الأنصاري – رحمهم الله -، والدكتور أبو بكر إسماعيل ميغا، وهؤلاء هاجروا جميعاً من شرق مالي وشمالها (منطقة غاو) إلى السعودية، والشيخ عمر محمد فلاتة – رحمه الله – الأمين الأسبق للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والمدرس بالمسجد النبوي، وكثير غيرهم من علماء غرب إفريقيا ممن جاوروا في الحرمين ولم يعودوا[16].

ويلاحظ أن الغالب على هذا النوع من المراسلة هو الاتصال بالعالم حسب مجموعته التي ينتمي إليها شعباً أو دولة، وأن الاستفتاء يتم إما بالمراسلة، وإما بتكليف حاج أو معتمر بلقاء العالم المستفتى في الحرمين الشريفين وغيرهما، فقد كان من عادة بعض المذكورين وغيرهم أن يستضيفوا بعض أبناء منطقتهم ممن قدموا للحج، وبخاصة طلبة العلم والدعاة، ورؤساء القبائل، وفي ذلك فرصة مهمة لمناقشة بعض الأمور الدينية، والعلمية، والاجتماعية في المنطقة، والرد على ما يرد إليهم من مسائل.

وكذلك كان الحال مع بعض الطلبة الدارسين في الجامعات الإسلامية والعربية ومعاهدها، وبخاصة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحلقات العلم في الحرمين الشريفين، وجامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وغيرها.

وقد يكون المستفتى ممن لا يطمئن المستفتون إلا إلى رأيه؛ لأسباب منها: كونه مشتهراً بينهم قبل التحاقه بالمعهد أو الجامعة؛ لأنه من أبناء قبيلتهم، أو ابن شيخ مشهور يُعقد عليه الأمل ليحل محله.

أو يكون السبب عدم الاطمئنان أو القبول بما قد يكون صدر في المسألة من فتاوى بعض علماء المنطقة المحليين، حتى لو كان من خريجي إحدى الجامعات الإسلامية، أو إمكان اتصال المستفتي بالجهات العلمية كهيئة كبار العلماء بالسعودية، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر وغيرهما.

وكذلك إمكان اطلاعه على مصادر قديمة ومراجع حديثة، لا يسهل الاطلاع عليها لمن في المنطقة، كفتاوى جديدة، وقرارات علمية لبعض المجامع الإسلامية، كمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وغيرها.

وإذا كان المستفتي من العلماء أو طلبة العلم لم يخل الأمر من الأخذ والرد، والمناقشة، والجدال بالحسنى بينه وبين من استفتاه، وهذا يدل على أن الأقوال التي يفتون بها لم تكن مسلماً بها تسليماً مطلقاً، بل تكون – أحياناً – عرضة لمقارعة أدلتها بأدلة أخرى؛ لصدق الرغبة في الوصول إلى الحق، وفي إيصاله من غير مواربة أو مجاملة، وليصل المستفتي إلى اقتناع عن بصيرة وعلم، ولا سيما إذا كان علماء المنطقة قد خاضوا فيها، ولم يسلم الأطراف المختلفة بحجج بعضهم وأدلته.

وكم كانت مثل هذه المراسلات سبباً في تأليف كتيب للتفصيل في موضوعها، قال الشيخ عبدالرحمن الإفريقي في مقدمة كتابه (الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التجانية): (أما بعد، فيا أخي المحترم؛ قد وصلت إليّ وثيقتكم وقرأتها، وفهمتُ ما ذكرتموه، وها أنا أكتب جوابها إن شاء الله تعالى)[17] ، وقال إن سبب تأليفه لكتابه السابق هو: (أن طائفة من الإخوان وقعت بيني وبينهم مذاكرة علمية، حتى ذكرنا البدعة... فطلبوا مني الدليل على ذلك، وخاصة على إنكار أهل السنّة على التجانية)[18].

فالسبب في تأليف هذا الكتيب أمران؛ أحدهما: سؤال ورد إليه من بعض إخوانه في غرب إفريقيا عن التجانية وبعض أفكارها ومبادئها، والآخر مذاكرة علمية حول البدعة؛ طولب فيها بالدليل على ما ينكره هو وغيره من أهل السنّة على التجانيين.

ومن الأسباب التي تدعو أيضاً إلى مثل هذه المراسلات؛ أن يكون أحد القولين مخالفاً للمذهب السائد في غرب إفريقيا، وهو المذهب المالكي، أو لم يشتهر عندهم قول فيه، سواء كان من ذهب إليه ممن درس المذاهب الفقهية الإسلامية في الخارج، أم عالماً اطلع عليها فترجح له بالدليل.

ولهذه المراسلات دور دعوي وتعليمي آخر، وهو حسم كثير من الخلافات، والحد من التنابذ بين أطراف النزاعات.

ولما كان من الصعوبة الحصول على نماذج كثيرة ومتنوعة لتلك المراسلات؛ لأن كثيراً منها يتم شفوياً، أو مكتوباً لكن لا يلبث المرسل إليه أن يضيعها؛ فإنني أكتفي هنا بالإشارة إلى بعض المسائل التي تعطي أمثلة لمضمون تلك المراسلات:
إلقاء خطبة الجمعة بغير اللغة العربية، وهي مسألة قديمة لكنها متجددة.

قراءة القرآن الكريم للميت؛ هل يصل ثوابها إليه أو لا؟

المشاركة في السياسة.

ختان المرأة، وقد احتدم الخلاف فيها مؤخراً، واشتد الجدل بين بعض الدعاة؛ لما خضعت بعض الحكوماتللضغط الغربي، السياسي والاقتصادي، الذي يهدف إلى تطبيق قرار الأمم المتحدة بمنعه.

وكذلك النوازل الكبرى التي تهم الأمة الإسلامية كلها.

الجانب الآخر من المراسلات العلمية الخارجية: أن يكون العالم المستفتى أحد علماء السنّة من دول إسلامية أخرى.

ومن أبرز هؤلاء سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (ت 1420ه) – رحمه الله - المفتي السابق للمملكة العربية السعودية، فقد شهدت إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والتي كان رئيسها، كثيراً من هذا النوع من المراسلات العلمية، حيث كانت ترد إليها من الدعاة والعلماء بغرب إفريقيا وغيره من أجزاء العالم الإسلامي؛ حول مسائل عقدية، وفقهية، ودعوية، وكان - رحمه الله - يقوم بلقاءات متكررة مع الدعاة وطلبة العلم في هذا الصدد؛ بمكة، والطائف، والرياض.

كما كان – رحمه الله – يبعث الوفود العلمية والدعوية إلى المنطقة للإرشاد والفتوى، والإصلاح بين العلماء، بسبب الاختلاف في مسائل يترتب عليه – أحياناً - تناحر وتقاطع، وإلى عهد قريب كان يوجد باسمه صندوق لمساعدة الدعاة والتعاقد معهم.

ومن مبعوثيه في أواخر السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات الميلادية: الشيخ عمر محمد فلاتة، ومحمد أمان علي الجومي، وحامد أبو بكر الكتبي – رحمهم الله جميعاً -.

وإليك نموذجاً من جهود رئيس تلك الإدارة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في الإصلاح بين الدعاة بالمراسلات، وإرسال الوفود العلمية والدعوية، ودعوتهم إلى اتباع منهج السلف الصالح في الدعوة، وفي التعامل مع المخالف.

ظهرت في شمال مالي – أواخر السبعينيات الميلادية تقريباً – طائفة أطلقت على نفسها الجمعية الإسلامية (جمعية أنصار السنّة)، وكان ظهورها في طور من أطوار النهضة السنّية الحديثة في هذا الجزء من غرب إفريقيا، وقامت لهدف نبيل، وهو أن يكون لأهل السنّة جمعية توحّد جهودهم في الدعوة والتعليم، وتجمع علماءهم، لكنها ما لبثت أن حادت عن الهدف، وانقسم أهلها إلى أكثرية وأقلية، وأحدث بعضهم أموراً تخالف منهج السلف؛ سيأتي بيانها.

وسنترك الحديث للشيخ حامد الذي ذكر أولاً عادات مخالفة للشريعة كان عليها بعض أهل غرب إفريقيا، والرد عليها، وبيان وجود منكرين كثيرين لها، ومحاولة التماس العذر بالجهل لمرتكبيها، وعدم تمكن الدعاة المخلصين من القيام بواجبهم نحوها لانتشارها؛ وبسبب سيطرة الاستعمار الفرنسي الذي يحارب أمثال هؤلاء الدعاة[19].

ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن طور النهضة (سمّاها اليقظة)، وفيه تكوّنت هذه الجمعيّة، فقال: (وبعد برهة من الزمان، وركود طويل وفترة؛ جاءت يقظة أبناء البلاد، وتغيّرت الأحوال إلى غير ما كانت عليها بالنسبة لهذه المنطقة (منطقة غاو، شمال وشرق جمهورية مالي)، وحصل تطور وتعلم؛ حيث انتشر أبناء البلاد لطلب العلم وسافروا إلى البلاد العربية، إلى أرض الحجاز (الحرمين) ومصر وغيرهما من البلدان في العالم الإسلامي، وتعلَموا ورجعوا، وحصل صحوة ونشاط في طلب العلم، وقد تهيأت لهم الظروف، حيث إنّ الاستعمار البغيض قد ارتحل عن بلادهم، فأصبحوا ليس هناك ما يعوقهم عن أي نشاط يزاولونه من ناحية الدين)[20].

كما بيّن أن هذه الدعوة كانت في البدء دعوة أولئك النخبة من أبناء البلاد الذين رجعوا بعد التعلّم، حيث قاموا بالأمر بالمعروف والنهي عن التقاليد المخالفة للشريعة الإسلاميّة، وعاشوا على خير ما يرام (حتى أصبح أمرهم يسرُّ كلّ مسلم سمع بخبرهم ورآهم، وتكاتفوا وتعاونوا فيما بينهم، كما هو المطلوب بين جميع المسلمين، رغم ما يحصل من نوع خلافات يسيرة؛ كاختلافات التنوّع)[21]. وقد تجاوز تأثيرهم العلمي والديني، على مذهب أهل السنّة غالباً، منطقتهم إلى كلّ دول غرب إفريقيا التي يعيشون فيها، أو التي تسكن لهم فيها جاليات.

ثم ذكر مرحلة الانحراف عن الصورة السابقة للدعوة وللدعاة عامّة، وذكر أسبابها، ومنها: التغيرات التي أدخلوها فيها بحجّة الإصلاح والتطور، وتناسي الهدف الأساس من إنشائها، وحب الرئاسة، والتلقب بأمير المؤمنين، يقول: (كان أوّل خلاف بينهم حينما عيّنوا رئيساً للجمعيّة اختلفوا في تلقيبه، قال بعضهم نسمّيه بأمير المؤمنين، وبعضهم خالف في ذلك، وقالوا يستحيل في الوقت الحاضر أن يكون شخص أميراً للمؤمنين جميعاً، ولا يصلح لذلك ويستحقه إلا من سبق في صدر الإسلام، واشتدّ الخلاف بينهم حتى كتبوا رسالة إلى طلبة العلم في الحرمين [من أبناء شعبهم ومنطقتهم، وكان أكثرهم طلاباً في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة، وفي حلقات التعليم بالحرمين الشريفين، ودار الحديث الخيرية في مكة] يسألونهم هل يجوز ذلك أم لا؟)[22].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 134.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 132.89 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]