|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() معرفة الله ونبيه ودين الإسلام د. فهد بن بادي المرشدي (المحصول الجامع لشروح ثلاثة الأصول) قال المصنف رحمه الله: (الأُولَى: الْعِلْمُ، وَهُوَ: مَعْرِفَةُ الله، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة). الشرح الإجمالي: (الأولى) من تلك المسائل الأربع التي يجب تعلمها (العلم)، وهو معرفة الهدى بدليله (و) العلم الذي يجب تعلمه على كل أحد (هو) معرفة ثلاثة الأصول: (معرفة الله) بأسمائه وصفاته، (ومعرفة نبيه) محمد صلى الله عليه وسلم، (ومعرفة دين الإسلام بالأدلة)، فشملت ثلاث معارف: المرسِل، والمرسَل، والرسالة، وهي: الأصول الثلاثة التي سيتكلم عنها المصنف إجمالًا وتفصيلًا، وخص رحمه الله تعالى هذه الأمور؛ لأنها هي أصول الإسلام التي لا يقوم إلا عليها، وهي التي يُسأل العبد عنها في قبره، والعبد إذا عرف ربَّه جل وعلا، وعرَف نبيه صلى الله عليه وسلم، وعرَف دين الإسلام بالأدلة، كمُلَ له دينُه. الشرح التفصيلي: ذكر المصنف فيما سبق أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل، وبدأ هنا بذكر المسألة الأولى من تلك المسائل، فقال: (الأولى: العلم)، فأول المسائل الأربع التي يجب علينا تعلُّمها: العلم، والمراد بالعلم هنا: العلم الشرعي؛ لأن العلم إذا أُطلق - أي: في القرآن والسنة ولسان السلف الصالح - فالمراد به العلم الشرعي الذي تُفيد معرفته ما يجب على المكلف من أمر دينه[1]، وهو: العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق. والعلم الشرعي ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: علم كفائي يجب على من تقوم بهم الكفاية تعلمه، وهو طلب ما يكمل به الدين، والعلم الذي تعلمه فرض كفاية؛ كتفاريع المسائل الفقهية، والاطلاع على أقوال العلماء، ومعرفة الخلاف، ومناقشة الأدلة، فهذا ليس بواجب على كل مسلم، فإذا وجد من يقوم به من أهل العلم، صار في حق الباقين سنة. والقسم الثاني: علم عيني يجب على كل مكلف تعلمه؛ ليصح به دينه، وهو ما لا يستقيم ويقوم دين المرء إلا به، سواء في العقائد، أو في الأعمال، أو في الأقوال، كأصول الإيمان، وأركان الإسلام، وما يجب اجتنابه من المحرمات، وما يجب فعله من الواجبات، ونحو ذلك مما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب عليه العلم به [2]. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: «يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه، قيل له: مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله: صلاته وصيامه، ونحو ذلك» [3]. وحد العلم الواجب: هو أنَّ كلَّ ما وجَبَ على المُسْلم ِالعَملُ به وجب عليهِ أن يُقدِّم العلمَ به؛ فكل ما وجب العمل به، فتقدم العمل به واجب[4]، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فإن الإيمان فرض على كل وَاحِد، وَهُوَ مَاهِيَّة مركبة من علم وعمل، فَلَا يُتصَوَّر وجود الإيمان إلا بِالْعلمِ وَالْعَمَل، ثمَّ شرائع الإسلام وَاجِبَة على كل مُسلم، وَلَا يُمكن أداؤها إلا بعد معرفتها وَالْعلم بهَا»، وقال أيضًا: «العلم المفروض تعلمه ضربان: ضربٌ منه فرض عين لا يسع مسلمًا جهله، وهو أنواع: النوع الأول: عِلْمُ أصول الإيمان الخمسة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإن من لم يؤمن بهذه الخمسة لم يدخل في باب الإيمان، ولا يستحق اسم المؤمن، فالإيمان بهذه الأصول فرعُ عن معرفتها والعلم بها. النوع الثاني: عِلْمُ شرائع الإسلام، واللازم منها عِلْمُ ما يخص العبد من فعلها؛ كعلم الوضوء، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وتوابعها وشروطها ومبطلاتها. النوع الثالث: عِلْمُ المحرمات الخمس التي اتفقت عليها الرسل والشرائع والكتب الإلهية، وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]. النوع الرابع: عِلْمُ أحكام المعاشرة والمعاملة التي تحصل بينه وبين الناس خصوصًا وعمومًا، والواجب في هذا النوع يختلف باختلاف أحوال الناس ومنازلهم، فليس الواجب على الإمام مع رعيته كالواجب على الرجل مع أهله وجيرته، وليس الواجب على مَن نَصَبَ نفسه لأنواع التجارات من تعلُّم أحكام البياعات كالواجب على من لا يبيع ولا يشتري إلا ما تدعو الحاجة إليه»؛ ا. هـ[5]. وقد عيَّن المصنف المراد بالعلم هنا، وفسره بقوله: (وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة)، فليس المراد كل العلم الذي هو الشرعي، وإنما المراد به هذه المعارف الثلاث[6]، وهذا أشرفُ علمٍ على الإطلاق؛ فإنه يتضمن معرفة الله وصفاته وأفعاله، ودينه، ورسوله [7]، وهذه المعارف الثلاث من العلم العيني الذي يجب على كل مكلف تعلُّمه ليصح به دينه، ووجه كونها مما يجب تعلمه أنها مندرجة في الأمر بالعبادة؛ فإن الله جل وعلا أمرنا بالعبادة وخلقنا لها؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، والإتيان بالعبادة متوقف على ثلاثة أمور: أحدها: معرفة المعبود الذي تُجعل له العبادة، وهو الله جل جلاله. وثانيها: معرفة المبلغ عنه المعرِّفُ بما يجب له من العبادة؛ فإن العقول لا تستقل بمعرفة مــا يجب لله من حق، بل هي مفتقرة إلى دليل يدلها، ومرشد يرشدها. وثالثها: معرفة الكيفية التي يُتَعبَّد المعبود بها. فأما الأصل الأول، وهو معرفة المعبود، فهو معرفة الله، وأما الأصل الثاني، وهو معرفة المبلغ عن المعبود، فهو معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الأصل الثالث، وهو معرفة كيفية العبادة، فهو معرفة الدين، فصار الأمر بالعبادة شاملًا للأمر بهذه الأصول الثلاثة؛ لتوقف العبادة عليها، وكل أمر في الكتاب والسنة بالعبادة، فهو أمرٌ بها[8]. قال المصنف: (وهو: معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة): والمعرفة في اللغة: ضد الإنكار، وتعود إلى معنى السكون والطمأنينة[9]، ويستند ذلك إلى أن ثبوت المعنى في النفس يقتضي سكونها إليه، بخلاف مالم يثبت في النفس فإنها تُنكره[10]، وهذا الأصل ينطبق على معنى العلم، من جهة أنه ثبوت المعلوم وتحقُّقه في النفس، فمن علِمَ بشيء فقد عرَفه، ومن عرفه فقد علِمَ به، ولهذا يُفسر أهل اللغة المعرفة بالعلم، كما يُفسرون العلم بالمعرفة[11]، وقد فسَّر المصنف هنا العلم بالمعرفة، وهذا ورد في القرآن، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146]، ففي الأول قال: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾، ثم قال: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾، فأصدق أو أخبر عن المعرفة بالعلم، فدل على أنهما بمعنى واحد، قال ابن حزم: "العلم والمعرفة اسمان واقعان على معنى واحد، وهو اعتقاد الشيء على ما هو عليه، وتيقُّنه وارتفاع الشكوك عنه»[12]، وقد يُفرَّق بين العلم والمعرفة، لكن على وجه لا ينافي اتفاقهما في المفهوم الإجمالي، المستند إلى ثبوت معنى في النفس هو حقيقة العلم والمعرفة، فلا تنافي بين تفسير العلم بالمعرفة، والمعرفة بالعلم، وبين أن يكون لكل منهما مع ذلك معنى يختص به [13]؛ لأنه على التحقيق لا ترادف في اللغة العربية، بل تختلف الألفاظ، فهي تشترك في أصل المعنى، ويزيد لفظ على لفظ في بعض المعنى الذي دلَّ عليه اللفظ[14]، فمع اشتراك العلم والمعرفة في المفهوم الإجمالي، وهو إدراك المعلومة، فإن المعرفة أخص من العلم؛ لأنها علمٌ بعين الشيء مفصلًا عما سواه، والعلم يكون مجملًا ومفصلًا، فلفظ المعرفة يُفيد تمييز المعلوم من غيره، ولفظ العلم لا يفيد ذلك إلا بضربٍ آخر من التخصيص في ذكر المعلوم[15]، وبه يُعرف دقة المصنف رحمه الله تعالى في اختياره لفظَ المعرفة دون العلم، وقد جاء في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله تعالى عنه إلى اليمن، قال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرَفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقَّ كرائم أموال الناس)[16]. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى الفروق بين العلم والمعرفة، فقال: «والفرق بينه (أي: العلم) وبين المعرفة من وجوه ثلاثة: أحدها: أن المعرفة لب العلم، ونسبة العلم إليها كنسبة الإيمان إلى الإحسان، وهي: علم خاص متعلقها أخفى من متعلق العلم وأدق، والثاني: أن المعرفة هي العلم الذي يراعيه صاحبه بموجبه ومقتضاه، فهي علم تتصل به الرعاية، والثالث: أن المعرفة شاهد لنفسها، وهي بمنزلة الأمور الوجدانية التي لا يمكن صاحبها أن يشك فيها ولا ينتقل عنها، وكشف المعرفة أتم من كشف العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم»[17]، وقال أيضًا: «والفرق بين العلم والمعرفة عند أهل هذا الشأن: أن المعرفة عندهم هي العلم الذي يقوم العالم بموجبه ومقتضاه، فلا يطلقون المعرفة على مدلول العلم وحده، بل لا يصفون بالمعرفة إلا من كان عالِمًا بالله، وبالطريق الموصل إلى الله، وبآفاتها وقواطعها، وله حال مع الله تشهد له بالمعرفة، فالعارف عندهم مَن عرَف الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم صدق الله في معاملته، ثم أخلص له في قصوده ونيَّاته، ثم انسلخ من أخلاقه الرديئة وآفاته، ثم تطهر من أوساخه وأدرانه ومخالفاته، ثم صبر على أحكام الله في نعمه وبلياته، ثم دعا إليه على بصيرة بدينه وآياته، ثم جرَّد الدعوة إليه وحده بما جاء به رسوله، ولم يشبها بآراء الرجال وأذواقهم ومواجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم، ولم يزِن بها ما جاء به الرسول عليه من الله أفضل صلواته، فهذا الذي يستحق اسم العارف على الحقيقة، إذا سُمي به غيره على الدعوى والاستعارة»[18]. إذًا المسألة الأولى مما يجب علينا أن نتعلمها وجوبًا عينيًا هي العلم، وهو: معرفة ثلاثة الأصول، معرفة الله جل جلاله، وهذا هو الأصل الأول، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الأصل الثاني، ومعرفة دين الإسلام، وهذا الأصل الثالث؛ لأنها أول ما يُسأل عنها العبد في القبر؛ كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعًا وفيه: (فيأتيه - أي المؤمن في قبره - مَلَكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنتُ به وصدقت، فينادي منادٍ أن صدق عبدي، فأفرِشوه من الجنة، وألبِسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة)[19] ، ومن كان يعرف هذه الأصول بأدلتها، فحَرِيٌّ به أن يُثبَّت عند سؤال الملكين في قبره؛ فجلالتها من جهتين: الأول: في الدنيا لتعلق الثواب والعقاب بها. والثانية: في القبر لتعلق السؤال في القبر بهذه المعارف الثالث[20]. قال المصنف: (ومعرفة دين الإسلام بالأدلة)، وهذا يُفيد: أن مالم يكن مبنيًّا على دليل فليس علمًا[21]، فإن الناس لا يختلفون أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل، وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد[22]، فلا بد من معرفة الحق بدليله، وفيه إشارة منه إلى ذم التقليد وأهله، وأن على الإنسان أن يأخذ دينه بالأدلة، والحجج القاطعة، فلا بد من معرفة المسائل التي يجب اعتقادها بدليلها. والأدلة: جمع دليل، وهو فعيل بمعنى: فاعل، من الدلالة، وهي: الإرشاد، فالدليل هو: المرشد والموصل إلى المطلوب، واختلف في المراد بالأدلة هنا، فقيل: المراد بها الأدلة الشرعية ليس غير، وهي: الكتاب والسنة والإجماع، فيكون المراد: أن تعرف ربَّك ونبيك ودينك بالأدلة من كلام الله جل وعلا، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بالرأي ولا بقول فلان، بل بالأدلة من الآيات والأحاديث[23]، وقيل: إن هذا الدليل أعم من أن يكون نصًّا من القرآن، أو من سنة، أو من قول صاحب، أو إجماع، أو قياس[24]، فالأدلة الدالة على التوحيد والدين والرسالة نوعان: أدلة خلقية مشاهدة، وأدلة سمعية متلوَّة؛ فأما الأدلة الخلقية المشاهدة، فهي ما لفت الله عز وجل إليه الأنظار من الآيات السماوية والأرضية، العلوية والسفلية، الدالة على صدق ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وصحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام؛ وأما الأدلة المتلوَّة السمعية، فهي ما ثبت بالوحي من كتاب أو سنة، ودينُ الإسلام يُتوصل إلى صحته عن الطريقين جميعًا، فقول المصنف: (بالأدلة): يشمل هذين النوعين؛ أي: عن طريق النظر والتفكر والتأمل في الأدلة الخلقية، وعن طريق النظر بالأدلة السمعية المتلوة الدالة على صحة هذا الدين القويم، وأنه من لدن حكيم خبير[25]، ولا شك أن أعظم الأدلة في باب معرفة دين الله جل وعلا هو كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم[26]، فالأدلة السمعية الشرعية مقدمة على الأدلة العقلية [27]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |