|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() غزوة مؤتة (1) د. أمين بن عبدالله الشقاوي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: فمن الغزوات العظيمة التي خاضها المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم غزوة مؤتة، وقد حدثت هذه الغزوة[1] في جمادى الأولى سنة ثمان للهجرة[2]. وسبب هذه الغزوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه بكتابه إلى ملك بُصرى، فعرض له وهو في الطريق شُرحبيل بن عمرو الغساني - وكان أميرًا على البلقاء[3] من أرض الشام من قبل قيصر - فقال له: أين تريد؟ فقال الحارث بن عمير رضي الله عنه: الشام، قال: فلعلك من رسل محمد؟ فقال: نعم، فأمر به، فأوثق رباطًا، ثم قدمه فضرب عنقه صبرًا[4]، ولم يُقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غيره. وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، فقد جرت العادة والعرف بعدم قتلهم أو التعرض لهم[5]، فكانت هذه الحادثة بمثابة إعلان حالة الحرب على المسلمين، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه الخبر، فعند ذلك ندب[6] رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لقتال الغساسنة، فتجهز الناس ثم تهيأوا للخروج، فكان قوام الجيش الذي خرج في هذه الغزوة ثلاثة آلاف مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي، لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب[7]. وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الجيش مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ»، فقال جعفر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما كنت أرغب[8] أن تستعمل علي زيدًا[9]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امْضِ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي فِي أَيِّ ذَلِكَ خَيْرٌ»[10]. وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة رضي الله عنه، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير رضي الله عنه، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، فأسرع الناس بالخروج وعسكروا بالجُرف[11]. وصول جيش المسلمين إلى معان [12]: تحرك جيش المسلمين من المدينة إلى عدوهم في الشام، وبينما هم في الطريق إذ سمع بمسيرهم عدوهم، فجمعوا لهم، وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع أكثر من مائة ألف مقاتل، وقدَّم الطلائع أمامه، فلما نزل المسلمون معان من أرض الشام بلغهم أن هرقل قد نزل مآب[13] من أرض البلقاء في مائة ألف من لخم، وجذام، والقين، وتنوخ، وبلي، فكان قوام[14] جيش الغساسنة والروم مائتي ألف مقاتل[15]. ولم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم[16]، الذي فوجئوا به، فأقاموا في معان ليلتين يُفكرون في أمرهم، وينظرون ويتشاورون، هل يكتبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بعدد عدوهم، فإما أن يمدهم بالرجال، أو يأمرهم بأمره فيمضوا إليه، ولم يكن هناك رأي بالانسحاب، فانظروا الشجاعة والجرأة[17]. فعند ذلك قام عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وعارض هذا الرأي، وشجع الناس قائلًا: يا قوم! والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوةٍ ولا كثرةٍ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور، وإما شهادة. فقال الناس: قد صدق والله ابن رواحة، واستقر الأمر على مقاتلة العدو[18]. بدء القتال، وتناوب القادة: وهناك في مؤتة التقى الفريقان، وبدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف مقاتل يواجهون مائتي ألف مقاتل، فعلًا معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة، ولكن إذا هبت ريح الإيمان جاءت بالعجائب[19]. أخذ الراية زيد بن حارثة رضي الله عنه - حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وجعل يقاتل بضراوة بالغة، وبسالة نادرة، والمسلمون معه يقاتلون حتى قُتل طعنًا بالرماح، وخر شهيدًا رضي الله عنه. ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وطفق[20] يقاتل قتالًا ليس له مثيل، حتى إذا ألحمه[21] القتال نزل عن فرسه الشقراء فعقرها[22]، فكان أول فرس يُعقر في الإسلام[23]، ثم أخذ يقاتل رضي الله عنه على رجليه، وهو يقول: يَا حَبَّذَا الجَنَّةُ واقْتِرَابُهَا طَيِّبَةٌ وَبَارِدٌ شَرَابُهَا وَالرُّوْمُ رُوْمٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا عَلَيَّ إِنْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا فقطعت يمينه رضي الله عنه، فأخذ الراية بشماله، فقطعت شماله رضي الله عنه، فاحتضن الراية بعضديه حتى استشهد رضي الله عنه، فأثابه الله سبحانه بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء، ولذلك سُمي بجعفر الطيار[24]. روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «...كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى، وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ»[25]. وفي رواية أخرى في صحيح البخاري عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه أخبره: «أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ قَتِيلٌ، فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ، بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ -يَعْنِي فِي ظَهْرِهِ»[26]. قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث بيان فرط شجاعته وإقدامه رضي الله عنه[27]. ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وتقدم بها، وهو على فرسه، فتردد رضي الله عنه بعض التردد من شدة أمر المعركة، ثم أخذ يقول: أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلَنَّهْ لَتَنْزِلِنَّ أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وشَدُّوا الرَّنَّهْ[28] مَا لِي أَرَاكَ تَكْرَهِينَ الجَنَّةْ؟ وقال أيضًا رضي الله عنه: يَا نَفْسُ إلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي هَذَا حِمَامُ[29] المَوْتِ قَدْ صَلِيتِ وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ إِنْ َتفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيْتِ ثم نزل، فأتاه ابن عمٍّ له بعرق[30] من لحم، فقال: شُدَّ بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده، ثم انتهس[31] منه نهسة، ثم سمع الحطمة[32] في ناحية الناس، فألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قُتل رضي الله عنه[33]. روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا»، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ[34]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |