الخوارج تاريخ وعقيدة - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تأملات في سورة يوسف عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 536 )           »          أسباب عملية لنيل المغفرة الربانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 1038 )           »          سلطان درافور علي دينار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 23 - عددالزوار : 1028 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 23 - عددالزوار : 1025 )           »          فضائل القرآن الكريم القرآن والإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حكمة الإسلام في العزائم والرخص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أنت أخيَّ في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 14 - عددالزوار : 7142 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 06-09-2025, 08:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (31)


محمد فاروق الإمام



أخلاق الخوارج


أما أخلاق الخوارج فقد صورها أبلغ تصوير أبو حمزة الشاري في خطبته التي ألقاها من على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة عندما عيره أهل الحجاز بصغر سن أصحابه فقال:
(شباب والله مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، انضاء عبادة وأطلاح سهر، فنظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مر أحدهم يآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه، موصول كلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وانوفهم وجباههم، واستقلوا ذلك في جنب الله، حتى إذا رأوا السهام ق فوقت والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت، ورعدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت، استخفوا بوعيد الكتيبة لوعد الله، ومضى الشاب منهم قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجهه، فأسرعت إليه سباع الأرض، وانحطت إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طير طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خوف الله، وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في جوف الليل بالسجود، ثم قال أوه أوه أوه، ثم بكى، ثم نزل).
لابد حتى تكتمل الصورة البلاغية التي صورها فيها أبا حمزة فتيانه وأخلاقهم من قطعة شعرية تصور هذه القيم، وما تفرد به الخوارج من نزعة إيمانية متطرفة، في وصف أشخاصهم وأحوالهم وأمانيهم وآمالهم حيث يقول شاعرهم عمرو بن الحصين العنبري:
أوفي بذمتهم إذا عقـــدوا … وأعف عند العسر واليسر
متأهبون لكل صالحــــة … ناهون من لاقوا عن النكر
صمت إذا احتضروا مجالسهم … وزن لقول خطيبهم وقـر
إلا تجيئهم فإنهــــــم … رجف القلوب بحضرة الذكر
متأوهون كأن جمر غضــا … للموت بين ضلوعهم يسري
تلقاهم إلا كأنهـــــم … لخضوعهم صدروا عن الحشر
فهم كأن بهم جوى مـرض … أو مسهم طرف من السحر
لا ليلهم ليل فيلبسهــــم … فيه غواشي النوم بالسكـر
إلا كذا خلسا وآونــــة … حذر العقاب فهم على ذعر
كم من أخ لك قد فجعت به … قوام ليلته إلى الفجــــر
متأوه يتلو قوارع مـــن … آي الكتاب مفزع الصــدر
نصب تهيج بنات مهجتـه … بالموت جيش مشاشة القـدر
ظمآن وقدة كل هاجــرة … تراك لذته على قـــــدر
تراك ما تهوى النفـوس إذا … رغب النفوس دعت إلى النـذر
ومبرأ من كل سيــــئة … عف الهوى ذو مرة شـــزر
والمصطلي بالحرب يسعرها … بغارها وبفتية سعـــر
يجتاحها بأفل ذي شطب … عضب المضارب قاطع البتر
لاشيء يلقاه أسر لــه … من طعنة في ثغره النحــر

أعلن الخوارج ثورتهم بعد رفضهم للتحكيم، وقاوموا علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبعد مقتله تولى معاوية بن أبي سفيان أمرة المسلمين، فوضع ولاة أشداء على العراق - موطن ثورات الخوارج - أمثال المغيرة بن شعبة، حيث بلغ الذين في محبسه الآلاف من الخوارج، وقد تنادى الناس برحيل الخوارج عن البصرة من كثرة ما لاقى أهلها على يد المغيرة من بطش بسببهم، وهذا معاذ بن جوين بن حصين يطلب منهم الرحيل من خلال قصيدته التي قال فيها:
ألا أيها الشارون قد حان لامرئ … شرى نفسه لله أن يترحــلا
أقمتم بدار الخاطئين جهالــة … وكل امرئ منكم يصاد ليقتلا
فشدوا على القوم العداة فإنمـا … أقامتكم للذبح رأيا مضـلـلا

وهذا زياد بن أبيه يعلو المنبر - عندما ولاه معاوية- في جامع البصرة معلنا الحرب على كل من تحدثه نفسه بالخروج على حكم معاوية، ومما جاء في خطبته الطويلة قوله:
(حرم علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا، إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف، وشدة في غير جبرية وعنف، وإني اقسم بالله لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم).
بهذا الأسلوب العنيف، المشحون بالتهديد والوعيد، بدأ ابن زياد حكمه للعراق، وكان أول من فرض منع التجول في الليل فقال: (إياي ودلج الليل، فإني لا أوتي بمدلج إلا سفكت دمه).
فقام أبو بلال - مرداس بن أدية - قائلا: أنبأنا الله بغير ما قلت، قال الله عز وجل: (وإبراهيم الذي وفى، ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) ، فأوعدنا الله خيرا مما واعدت يا زياد).
ومما يحزن أن الخوارج سلكوا نفس طريق العنف والقسوة والقتل مع مخالفيهم. فهذا أبو بلال يثور بعد قتل أخيه عروة بن أدية، وتكون ثورته سيفا وكلمة، ومن شعره في مهاجمة جور الولاة قوله:
وقد أظهر الجور الولاة وأجمعوا … على ظلم أهل الحق بالغدر والكفر
وفيك إلهي إن أردت مغيــر … لكل الذي يأتي إلينا بنو صخــر
فقد ضيقوا الدنيا علينا برحبهـا… وقد تركونا لا نقر من الدهــر







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 06-09-2025, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (32)


محمد فاروق الإمام



شعراء الخوارج حملوا لواء الثورة بالكلمة

لقد كان شعراء الخوارج أصحاب لواء الثورة بالكلمة، فهذا شاعرهم عيسى بن عاتك الحبطي يقول:
أخاف عقاب الله إن مت راضيا … بحكم عبيد الله ذي الجور والغدر
وأحذر أن ألقى إلهـي ولم أرع … ذوي البغي والإلحاد في جحفل مجر

لم يقتصر نقد الخوارج وثورتهم على الولاة والسياسة بل أتى على طلاب الدنيا وجامعي المال، فهاهو الطرماح يهاجم الأغنياء، فيقول:
عجبا ما عجبت للجامع الما … ل يباهي به ويرتفده
ويضيع الذي يصيره اللــ … ـه إليه فليس يعتقده
يوم لا ينفع المخول ذا الثر … وة خلانه ولا ولـده

وأيضا ينصح شاعرهم عمران المتسابقين على الثروة وينذرهم قائلا:
حتى متى تسقى النفوس بكأسها … ريب المنون وأنت لاه ترتع
فتزددن ليوم فقرك دائبـــا … واجمع لفسك لا لغيرك تجمع
أحلام نوم أم كظل زائـــل … إن اللبيب بمثلها لا يخـدع

لم يكن المديح من شيم شعراء الخوارج، بل كانوا يرمون أصحاب المدح من الشعراء وينعتونهم بالكذب والرياء. فهذا عمران بن حطان يمر على الفرزدق وهو ينشد من مدحه والناس حوله، فيقف عليه ثم يقول:
أيها المادح العباد ليعطــى … إن لله ما بأيدي العبـاد
فاسأل الله ما طلبت إليهـم … وارج فضل المقسم العواد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه … وتسم البخيل باسم الجواد

لقد اعتقد الخوارج أن لا مفر من الموت ولا مهرب، وأن الموت آت لا ريب فيه، فهذا أحد قادتهم قطري بن الفجاءة يحبب الموت إلى الناس، ويدعوهم للثبات في المعارك فيقول:
أقول لها وقد طارت شعاعا … من الأبطال ويحك لن تراعـي
فإنك لو سألت بقاء يـوم … على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطـــاع
ولا ثوب البقاء بثوب عـز… فيطوى عن أخي الخنع اليـراع
سبيل الموت غاية كل حـي… وداعيه لأهــل الآرض داع
ومن لم يعتبط يسأم ويهـرم… وتسلمه المنون إلى انقطــاع
وما للمرء خير في حيــاة … إذا ما عد من سقط المتــاع

ويقول يزيد بن حبناء، وهو من شعراء الخوارج:
فليس بمهد من يكون نهــاره … جلادا ويمسي ليله غير نائــم
يريد ثواب الله يوما بطعنــة … غموس كشدق العنبري بن سالم
أبيت وسربالي دلاص حصينة … ومغفرها والسيف فوق الحيـازم

إن النفس البشرية مهما تطرفت في رفضها للحياة، لابد وأن تكون غريزة حب البقاء تشدها، وهذا يتمثل في قول عمران ابن حطان يخاطب زوجته جمرة:
إن كنت كارهة للموت فارتحلي … ثم اطلبي أهل أرض لا يموتونا
فلست واحدة أرضا بها بشـر … إلا يروحون أفواجا ويغدونا
إلى القبور فما تنفك واحــدة … تدني سريرا إلى لحد يمشونـا
يا جمر قد مات مرداس وأخوتـه… وقبل موتهم مات النبيونــا
يا جمر لو سلمت نفس مطهـرة … من حادث لم يزل يا جمر يعنينا

ويقول عمران في قصيدة ثانية يعجب فيها لمتمسك بهذه الحياة الفانية فيقول:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها … على أنهم فيها عراة وجـوع
أراها وإن كانت تحب فإنهـا … سحابة صيف عن قليل تقشع

لقد كفّر الخوارج مخالفيهم، ووصفوهم بالإلحاد والفجور والفسق، ولم يكن الخوارج يفرقون بين مخالفيهم فالكل عندهم سواء، فكل من لا يرى رأيهم ولا يقول بقولهم هو العدو جاز حربه وقتله. يقول قطري بن الفجاءة في يوم دولاب:
فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنـا … تبيح من الكفار كل حريم
رأت فتية باعوا الإله نفوسهم … بجنات عدن عنده ونعيـم

ويحث أحد أصحاب قطري ليثبت في وجه المهلب، ويتساءل عن سبب فراره منه وهو - أي قطري - من الأولياء الصالحين وهو على الحق، بينما المهلب كافر وهو على ضلال:
أيا قطري الخير إن كنت هاربا … ستلبسنا عارا وأنت مهاجر
إذا قيل قد جاء المهلب أسلمت… له شفتاك الفم والقلب طائر

لقد نبذت الخوارج العصبية، فلا افتخار إلا بالدين وحده، كما يقول شاعرهم نهار بن توسعة اليشكري:
دعي القوم ينصر مدعيــه … ليلحقه بذي الحسب الصميم
أبي الإسلام لا أب لي سواه … إذا افتخروا بقيس أو تميــم

لقد كانت أشعار الخوارج صورة فنية معبرة عن أخبارهم وملاحمهم ومكامن شخصيتهم، فهذه قصيدة عمرو بن الحصين التي قالها في معركة قديد، واصفا أخلاق الخوارج وطباعهم وتمسكهم بدينهم وحالاتهم:
متأوهين كأن في أجوافهـم … نارا تسعرها أكف حواطب
تلقاهم فتراهم من راكــع… أو ساجد فتضرع أو ناحب
يتلو قوارع تمتري عبراتــه… فيجودها مري المري الحالب
سبر لجائفة الأمور أطبــة … للصدع ذي النبأ الجليل وائب
ومبرئين من المعايب أحرزوا … خصل المكارم أتقياء أطايـب
متسربلي حلق الحديد كأنهم … أسد على لحق البطون سلاهب


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 06-09-2025, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (33)


محمد فاروق الإمام




أشهر شعراء الخوارج الشاعر عمران بن حطان


هو عمران بن حطان بن طبيان.. بن سدوس بن شيبان بن ذهل.. بن بكر بن وائل. ويكنى أبا شهاب. شاعر فصيح من شعراء (الشراة) ودعاتهم والمقدمين في مذهبهم. وكان من القعد - القاعدون عن القتال - لأن عمره طال فضعف عن الحرب وحضورها، فاقتصر على الدعوة والتحريض بلسانه.
وكان قبل أن يفتن بالشراة مشتهرا بطلب العلم والحديث، ثم بلي بذلك المذهب فضل وهلك.. وقد أدرك صدرا من الصحابة، وروى عنهم، وروى عنه أصحاب الحديث.
وأصل عمران من البصرة، فلما اشتهر بهذا المذهب طلبه الحجاج فهرب إلى الشام، فطلبه عبد الملك فهرب إلى عمان، وكان يتنقل إلى أن مات في تواريه.
تزوج عمران بن حطان جمرة بنت عمه ليردها عن مذهب الشراة فذهبت به إلى رأيهم، فجعل يقول فيها الشعر.
اجتمعت الشعراء عند عبد الملك بن مروان فقال لهم: أبقي أحد أشعر منكم ؟ قالوا: لا. فقال الأخطل: كذبوا يا أمير المؤمنين، قد بقي من هو أشعر منهم. قال: ومن هو ؟ قال: عمران بن حطان. قال: وكيف صار أشعر منهم ؟ قال: لأنه قال وهو صادق ففاقهم، فكيف لو كذب كما كذبوا.
اجتمع عند مسلمة بن عبد الملك ناس من سماره، فيهم عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر، فقال مسلمة: أي بيت قالته العرب أوعظ وأحكم ؟ فقال له عبد الله قوله:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه … فلما علاه قال للباطل أبعد

فقال مسلمة: إنه والله ما وعظني شعر قط كما وعظني شعر ابن حطان حيث يقول:
فيوشك يوم أن يقارن ليلة … يسوقان حتفا راح نحوك أوغدا

فقال بعض من حضر: والله لو سمعته أجل الموت ثم أفناه، وما صنع هذا غيره. فقال مسلمة: وكيف ذاك ؟ قال: قال:
لا يعجز الموت شيء دون خالقه … والموت فان إذا ما ناله الأجـل
وكل كرب أمام الموت متضـع … للموت، والموت فيما بعده جلل

فبكى مسلمة حتى اخضلت لحيته، ثم قال: رددهما علي، فرددهما عليه حتى حفظهما.
طلب الحجاج عمران بن حطان السدوسي، وكان من قعد الخوارج، فكتب فيه إلى عماله وإلى عبد الملك.
وخرج عمران بن حطان هاربا من الحجاج، ولم يزل يتنقل في أحياء العرب، ثم لحق بالشام فنزل عند روح بن زنباع الجذامي، فقال له روح: ممن أنت ؟ قال: من الأزد، أزد السراة.
وكان روح مرة يسمر عند عبد الملك، فقال له ليلة: يا أمير المؤمنين، إن في أضيافنا رجلا ما سمعت منك حديثا قط إلا حدثني به وزاد فيه ما ليس عندي. قال: ممن هو ؟ قال: من الأزد. قال: إني لأسمعك تصف صفة عمران بن حطان، لأنني سمعتك تذكر لغة نزارية وصلاة وزهدا ورواية وحفظا، وهذه صفته. فقال روح: وما أنا وعمران ! ثم دعا بكتاب الحجاج فإذا فيه: (أما بعد، فإن رجلا من أهل الشقاق والنفاق، قد أفسد علي أهل العراق، وحببهم بالشراة، ثم إني طلبته، فلما ضاق عليه عملي تحول إلى الشام، فهو يتنقل في مدائنها، وهو رجل ضرب طوال أفوه أروق. قال روح: هذه والله صفة الرجل الذي عندي. ثم أنشد عبد الملك يوما قول عمران يمدح عبد الرحمن بن ملجم بقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
يا ضربة من كريم ما أراد بها … إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأفكر فيه ثم أحسبــه … أوفي البرية عند الله ميزانـــا

ثم قال عبد الملك: من يعرف منكم قائلها ؟ فسكت القوم جميعا، فقال لروح: سل ضيفك عن قائلها. قال: نعم، أنا سائله، وما أراه يخفى على ضيفي ولا سألته عن شيء قط فلم أجده إلا عالماً به. وراح روح إلى أضيافه فقال: إن أمير المؤمنين سألنا عن الذي يقول:
يا ضربة من كريم ما أراد بها…
ثم ذكر الشعر، وسألهم عن قائله، فلم يكن عند أحد علم. فقال عمران: هذا قول عمران بن حطان في ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب. قال: فهل فيها غير هذين البيتين تفيدنيه ؟ قال: نعم:
له در المرادي الذي سفكت … كفاه مهجة شر الخلق إنسانا
أمسى عشية غشاه بضربتـه… مما جناه من الآثام عريانــا

فغدا روح فأخبر عبد الملك، فقال: من أخبرك بذلك ؟ فقال: ضيفي. قال: أظنه عمران بن حطان. فأعلمه أني قد أمرتك أن تأتيني به. قال: أفعل. فراح روح إلى أضيافه، فأقبل على عمران فقال له: إني ذكرتك لعبد الملك فأمرني أن آتيه بك. قال: كنت أحب ذلك منك، وما منعني من ذكره إلا الحياء مني، وأنا متبعك، فانطلق. فدخل روح على عبد الملك فقال له: أين صاحبك ؟ فقال: قال لي إني متبعك. قال: أظنك والله سترجع فلا تجده. فلما رجع روح إلى منزله إذا عمران قد مضى، وإذا هو قد خلف رقعة في كوة عند فراشه، وإذا فيها يقول:
يا روح كم من أخي مثوى نزلت به … قد ظن ظنك من لخم وغسـان
حتى إذا خفته فارقت منزلــــه … من بعد ما قيل عمران بن حطـان
قد كنت ضيفك حولا لا تروعـني … فيه الطوارق من أنس ولا جان
حتى أردت بي العظمى فأوحشني … ما أوحش الناس من خوف ابن مروان
فاعذر أخاك، ابن زنباع، فإن لــه … في الحادثات هنات ذات ألـــوان
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمــــن … وإن لقيت معديا فعدنــــــاني
لو كنت مستغفرا يوما لطاغيـــة… كنت المقدم في سري وإعلانــــي
لكن أبت ذاك آيات مطهــــرة… عند التلاوة في طه وعمـــــران

ثم أتى عمران بن حطان الجزيرة، فنزل بزفر بن الحارث الكلابي بقرقيسيا، فجعل شباب بني عامر يتعجبون من صلاته طولها، وانتسب لزفر أوزاعيا. فقدم على زفر رجل من أهل الشام قد كان رأى عمران بن حطان بالشام عند رح بن زنباع، فصافحه وسلم عليه، فقال زفر للشامي: أتعرفه ؟ قال: نعم، هذا شيخ من الأزد. فقال له زفر: أزدي مرة وأوزاعي أخرى ! إن خائفا أمناك، وإن كنت عائلا أغنيناك. فقال: إن الله هو الغني، وخرج من عنده وهو يقول:
إن التي أصبحت يعيا بها زفــر … أعيت عياء على روح بن زنباع
أمسى يسألني حولا لأخبــــره … والناس من بين مخدوع وخداع
حتى إذا انجذمت مني حبائلــه … كف السؤال ولم يولع بإهلاعي
فاكفف لسانك عن هزي ومسألتي … ماذا تريد إلى شيــخ لأوزاع
أكرم بروح بن زنباع وأسرتــه … قوما دعا أولهم للعلا داعــي
جاورتهم سنة فيما دعوت بـــه … عرضي صحيح ونومي غير تهجاع
فاعمل فإنك منعي بحادثــــة … حسب اللبيب بهذا الشيب من ناعي

ثم خرج ابن حطان فنزل بعُمان بقوم يكثرون ذكر أبي بلال - مروان بن مرداس بن أدية - ويثنون عليه، ويذكرون فضله، فأظهر فضله ويسر أمره عندهم. وبلغ الحجاج بن يوسف الثقفي - والي العراق - مكانه فطلبه، فهرب فنزل في روذ ميسان، فلم يزل به حتى مات.
كان عمران زاهدا عابدا، من الخطباء المعدودون عند الجاحظ، وقد اشتهر أيضا بالفقه والحديث، وهناك رواية تقول: أن لحجاج قبض على ابن حطان، وهم بقتله، ولكنه عفا عنه بعد حوار دار بين الرجلين، وكان الحجاج يشتمه، فيرد عليه عمران قائلا: بئس ما أدبك أهلك يا حجاج، كيف أمنت أن أجيبك بمثل ما لقيتني به ؟ أبعد الموت منزلة أصانعك عليها ؟ ويقدر الحجاج الموقف فيعفو عنه ويطلق سراحه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 09-09-2025, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (34)


محمد فاروق الإمام



الشاعر الفارس قطري بن الفجاءة


هو الفارس الشاعر والخطيب المعدود الذي قاد الخوارج في حربهم ضد جنود الدولة الأموية مدة ثلاثة عشر عاما، ولقب بأمير المؤمنين، واقترن اسمه باسم أم حكيم الخارجية رغم اختلاف الروايات في ذلك.
هاجم قطري القعدة، واتهمهم بالتقصير والذنب كما فعل مع سميرة بن الجعد سمير الحجاج عندما عرف مكانه فكتب إليه أبيات منها:
لشتان ما بين ابن جعد وبيننـــا … إذا نحن رحنا في الحديد المظاهر
نجاهد فرسان المهلب كلنــــا … صبور على وقع السيوف البواتر
وراح يجر الخز عند أميــــره … أمير بتقوى ربه غير آمـــر
أبا الجعد: أين العلم والحلم والنهى … وميراث آباء كرام العناصـر ؟
ألم تر أن الموت لا شك نــازل … ولا بد من بعث الألى في المقابر
حفاة عراة والثواب لربهـــم … فمن بين ذي ربح وآخر خاسر
فإن الذي قد نلت يفنى، وإنمـا … حياتك في الدنيا كوقعة طائــر
فراجع أبا جعد ولاتك مفضيـا … على ظلمة أعشت جميع النواظـر
وتب توبة تهدى إليك شهـادة … فإنك ذو ذنب ولست بكافــر
وسر نحونا تلق الجهاد غنيمــة … تفدك ابتياعا رابحا غير خاســر
هي الغاية القصوى الرغيب ثوابها … إذا نال في الدنيا الغنى كل تاجـر

كذلك بعث قطري بشعر إلى أبي خالد القناعي يؤنبه على قعوده ويحثه على الجهاد فيقول:
أبا خالد يا أنفر فلست بخالـد … وما جعل الرحمن عذرا لقاعد
أتزعم أن الخارجي على الهدى … وأنت مقيم بين لص وجاحـد

وكانت دعوة قطري تلقى الاستجابة أحيانا كما فعل سميرة، أو يعتذر صاحبها كما فعل أبو خالد.
لقد كان لقطري غزلا رقيقا غير ما تعودنا عليه، فغزله كان فخرا كعادة الفرسان الذين يودون مشاهدة محبوباتهم لهم وهم يخوضون غمرات الحروب، لينالوا إعجابهن وودهن. فهاهو يتمنى رؤية أم حكيم، لا ليشبع شوقه أو ليروي ظمأه لرؤيتها، ولكن لتراه وهو في غمرات الحرب يجندل الشجعان ويطعن الفرسان فيقول:
لعمرك إني في الحيــــاة زاد … وفي العيش ما ل ألق أم حكيم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت … طعان فتى في الحرب غير ذميم
فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنــا … تبيح من الكفار كل حريــم

كذلك كانت لقطري أشعار في الحماسة، تنبع من حماسته للعقيدة والموت في سبيلها، ومن رباطة جأشه وشجاعته واندفاعه ليغشى غمرات الموت دون هياب للسيوف والرماح وهي تعتوره، فنراه يقول:
إلى كم تعاريني السيوف ولا أرى … معارتها تدعو إلى حماسيــا
أقارع عن دار الخلـود ولا أرى … بقاء على حال لمن ليس باقيا

ويقول في قصيدة أخرى:
لا يركنن أحد إلى الإحجــام … يوم الوغى متخوفا لحمــام
فلقد أراني للرماح دريئـــة … من عن يميني تارة وشمـــالي
حتى خضبت بما تحدر من دمـي… أكناف سرجي أو عنان لجامي
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب… جذع البصيرة قارح الإقـدام
متعرضا للموت أضرب معلمــا… بهم الحروب مشهر الأعـلام
أدعو الكماة إلى الـنزال ولا أرى… نحر الكريم على القنا بحــرام


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم يوم أمس, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (35)


محمد فاروق الإمام



شعراء الخوارج
الشاعر الطرماح بن حكيم

هو الطرماح بن حكيم، من طيء. ويكنى أبا نفر، وأبا ضبينة. والطرماح: الطويل القامة. وكان من فحول الشعراء الإسلاميين وفصحائهم. ومنشؤه بالشام، وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك مع من وردها من جيوش أهل الشام، واعتقد مذهب الشراة الأزارقة.
قدم الطرماح بن حكيم الكوفة، فنزل في تيم اللات بن ثعلبة، وكان فيهم شيخ من الشراة له سمت وهيئة، وكان الطرماح يجالسه ويسمع منه، فرسخ كلامه في قلبه، ودعاه الشيخ إلى مذهبه فقبله واعتقده أشد اعتقاد وأصحه، حتى مات عليه. ومن شعره في مذهب الشراة قوله:
لله در الشراة إنهــــم … إذا الكرى مال بالطلى أرقوا
يرجعون الحنين آونـــة … وإن علا ساعة بهم شهقـوا
خوفا تبيت القلوب واجفة … تكاد عنها الصدور تنفلـق
كيف أرجي الحياة بعدهم … وقد مضى مؤنسي فانطلقوا
قوم شماح على اعتقادهـم … بالفوز مما يخاف قد وثقـوا
وكان الطرماح هجاء حيث يقول:
لو حان ورد تيم ثم قيل لهـــا … حوض الرسول عليه الأزد لم ترد
أو أنزل الله وحيا أن يعذبهـــا … إن لم تعد لقتال الأزد لم تعــد
لا عز نصر امرئ أضحى له فرس … على تميم يريد النصر من أحــد
لو كان يخفى على الرحمن خافيـة … من خلقه خفيت عنه بنو أســد
كان يزعم الأصمعي في بيتين للطرماح على أنه فيهما أشعر الخلق:
مجتاب حلة برجد لسراته … قددا واخلف ما سواه البرجـد
يبدو وتضمره البلاد كأنه … سيف على شرف يسل ويغمد
مر الطرماح بن حكيم في مسجد البصرة، وهو يخطر في مشيته. فقال رجل: من هذا الخطار؟ فسمعه فقال: أنا الذي أقول:
لقد زادني حبا لنفسي أننـي … بغيض إلى كل امرئ غير طائل
وإني شقي باللئام ولا تـرى … شقيا بهم إلا كريم الشمائـل
إذا ما رآني قطع اللحظ بينـه … وبيني فعل العارف المتجاهـل
ملأت عليه الأرض حتى كأنها … من الضيق في عينيه كفة حابل
دخل الطرماح على خالد بن عبد الله القسري فأنشده قوله:
وشيبني ما لا أزال مناهضــا … بغير غنى أسمو به وأبــوع
وأن رجال المال أضحوا ومالهم … لهم عند أبواب الملوك شفيع
أمخترمي ريب المنون ولم أنـل … من المال ما أعصي به وأطيع
فأمر له خالد بعشرين ألف درهم وقال: امض الآن فاعص بها وأطع.
لقد كانت أمنية الطرماح أن يموت شهيدا، فهذه قصيدته يعبر من خلالها عن هذه الأمنية فيقول:
وإني لمقتاد جوادي وقــاذف … به وبنفسي العام إحدى المقاذف
لأكسب مالا أو أؤول إلى الغنى … من الله يكفيني عدات الخلائف
فيارب إن حانت وفاتي فلا تكن… على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيلــه… بجو السماء في نور عواكــف
وأمسي شهيدا ثاويا في عصابـة… يصابون في فج من الأرض خائف
فوارس من شيبان ألف بينهـم … تقى الله نزالون عند التزاحـف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى … وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
عمل الطرماح مؤدبا للصبيان في الكوفة، وغادرها إلى فارس، وفي مدينة الري جلس يؤدب الصبيان، يقول الجاحظ: (رأيت الطرماح مؤدبا بالري، فلم أر أحدا آخذ لعقول الرجال ولا أجذب لأسماعهم إلى حد فيه منه، ولقد رأيت الصبيان يخرجون من عنده وكأنهم قد جالسوا العلماء). وكان شعر الطرماح - رغم كثرته - بعيدا عن الروح الخارجية، وأميل إلى الهجاء والمدح والفخر بالنفس، وكان بعكس الخوارج متعصبا لأهله وعشيرته.وهناك قصيدة له - تكاد تكون الوحيدة - يصف فيها إخوانه الشراة:
لله در الشراة إنهــــم … إذا الكرى مال بالطلى أرقوا
يرجعون الحنين آونـــة … وإن علا ساعة بهم شهقـوا
خوفا تبيت القلوب واجفة … تكاد عنها الصدور تنفلـق
كيف أورجي الحياة بعدهم … وقد مضى مؤنسي فانطلقوا
قوم شماح على اعتقادهـم … بالفوز مما يخاف قد وثقـوا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم اليوم, 12:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة -36- والأخيرة



محمد فاروق الإمام


الشاعر عمران بن الحصين العنبري

الشاعر عمران هو مولى بني تميم من أتباع الإباضية، أبعده مذهبه عن شرور التعصب، فأبدع في وصف الشخصية الخارجية وأجاد في تصوير حالتهم، وأطال في قصائده على عكس شعراء الخوارج فبلغت إحدى قصائده وهي الرائية خمسة وخمسين بيتا. ومعظم شعره متصل بوقائع الإباضية وخاصة وقعة قديد، التي انتصر فيها حمزة الخارجي على جيش الدولة الأموية. فيقول:
ما بال همك ليس عنك بعازب … يمري سوابق دمعك المتساكب
وتبيت تكتلئ النجوم بمقلـة … عبرى تسر بكل نجم دائــب
حذر المنية أن تجيء بداهـة … لم أقض من تبع الشراة مآربـي
متأوهون كأن في أجوافهـم … نارا تسعرها أكف حواطــب
تلقاهم فتراهم من راكــع … أو ساجد متضرع أو ناحــب
يتلو قوارع تمتري عبراتــه … فيجودها مري المري الحالــب
ومبرئين من المعايب أحزروا … خصل المكارم أتقياء أطايــب
سائل بيوم قديد عن وقعاتها … تخبرك عن وقعاتها بعجائـــب

الشاعر سميرة بن الجعد
هو من شعراء الخوارج القعدة، اتخذه الحجاج بن يوسف الثقفي سميرا له، فلم يك يطلب شيئا من الحديث إلا وجد عنده منه علما، وكان من أصحاب قطري بن الفجاءة، وكان قطري يومئذ يحارب المهلب، فبلغ قطريا مكان سميرة من الحجاج فكتب إليه بأبيات يلومه على قعوده. فلما قرأ سميرة كتاب قطري بكى وركب فرسه واخذ سلاحه، ولحق بقطري، وطلبه الحجاج فلم يقدر عليه، ولم يشعر الحجاج إلا وكتاب قد بدر منه فيه شعر قطري الذي كان كتب به إليه، وفي أسفل الكتاب إلى الحجاج أبيات شعر كتبها سميرة بن الجعد، منها:
فمن مبلغ الحجاج أن سميـــرة … قلا كل دين غير دين الخـوارج
رأى الناس إلا من رأى مثل رأيـه … ملاعين تراكين قصد المخـارج
فأقبلت نحو الله بالله واثقــــا … وما كربتي غير الإله بفــارج
إلى عصبة، أما النهار فإنهــــم … هم الأسد أسد الغيل عند التهايج
وأما إذا ما الليل جن فإنهــــم … قيام كانواح النساء النواشــج
ينادون للتحكيم، تالله إنهــــم … رأوا حكم عمرو كالريح الهوائج
وحكم ابن قيس مثل ذاك فأعصموا … بحبل شديد المتن ليس بناهــج

ولسميرة بن الجعد العديد من القصائد الشعرية يضمنها روح الخوارج ومن بعضها قوله:
عجبت لحالات البلاء وللدهـر … وللحين يأتي المرء من حيث لا يدري
وللناس يأتون الضلالة بعدمــا … أتاهم من الرحمن نور من البــدر
ولله لا يخفى عليه صنيعنـــا … حفيظ علينا في المقام وفي السفـر
علا فوق عرش فوق سبع، ودونه … سماء يرى الرواح من دونها تجـري


شاعرة الخوارج الفارعة بنت طريف بن الصلت، التغلبية الشيبانية
شاعرة خارجية من الفوارس. كانت تركب الخيل وتقاتل، وعليها الدرع والمغفر. وهي أخت الوليد بن طريف الخارجي، اشتهرت بقصيدة لها ترثي أخاها الوليد بن مطرف، وكانت تسلك سبيل الخنساء في مراثيها لأخيها صخر. وهذه بعض أبيات من قصيدتها:
أيا شجر الخابور مالك مورقا … كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى… ولا المال إلا من قنا وسيـوف
كأنك لم تشهد هناك ولم تقم… مقاما على الأعداء غير خفيف

ولها أيضا:
ذكرت الوليد وأيامــه … إذ الأرض من شخصه بلقع
فأقبلت أطلبه في السماء … كما يبتغي أنفه الأجــدع
أضاعك قومك فليطلبوا … إفادة مثل الذي ضيــعوا







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 64 ( الأعضاء 0 والزوار 64)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 115.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 111.34 كيلو بايت... تم توفير 4.01 كيلو بايت...بمعدل (3.48%)]