تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 63 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4993 - عددالزوار : 2112919 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4573 - عددالزوار : 1390855 )           »          حكم الإشتراك فى صفح على النت فيها أخطاء شرعية ،التعليق على صفحة فيها منكرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          حكم زيارة القبور للنساء والفتيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          لا يجوز للمسلم أن يحمل أو يلبس ما فيه شعار الكفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          النوم بعد صلاة الصبح لا يحرم وتركه أفضل ولكن ما أضرار النوم وقت الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          التحذير من مصاحبة أهل السوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          مفاسد مجالسة أهل المنكر والكفر، وهل يجب نصح الكافر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          قيام الليل دأب الصالحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          موالد مصر: بين الجهل والاستغلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #621  
قديم 15-07-2025, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (621)
صــ 516 إلى صــ 525







13521 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، قال: الأنصار.
13522- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، قال: إن يكفر بها أهل مكة = "فقد وكلنا بها" ، أهل المدينة الأنصار= "ليسوا بها بكافرين" .
13523 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، يقول: إن تكفر بها قريش = "فقد وكلنا بها" ، الأنصار.
13524 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، أهل مكة = "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، أهلَ المدينة.
13525 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، قال: كان أهل المدينة قد تبوءوا الدار والإيمان قبل أن يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أنزل الله عليهم الآيات، جحد بها أهل مكة. فقال الله تعالى ذكره: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" . قال عطية: ولم أسمع هذا من ابن عباس، ولكن سمعته من غيره. (1)
13526- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، يعني أهل
(1)
الأثر: 13525 - "عطية" ، هو "عطية بن سعد العوفي" ، جد "محمد بن سعد" الأعلى، وهو مفسر في شرح هذا الإسناد رقم: 305.

مكة. يقول: إن يكفروا بالقرآن = "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، يعني أهلَ المدينة والأنصار.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن يكفر بها أهل مكة، فقد وكلنا بها الملائكة.
* ذكر من قال ذلك:
13527 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن أبي رجاء: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، قال: هم الملائكة.
13528- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي وعبد الوهاب، عن عوف، عن أبي رجاء، مثله.
* * *
وقال آخرون: عنى بقوله: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، يعني قريشًا= وبقوله: "فقد وكلنا بها قومًا" ، الأنبياء الذين سماهم في الآيات التي مضت قبلَ هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
13529- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، يعني أهل مكة = "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، وهم الأنبياء الثمانية عشر الذين قال الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ.
13530- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، قال: يعني قوم محمد. ثم قال: "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، يعني: النبيين الذين قص قبل هذه الآية قصصهم. ثم قال: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، قولُ من قال: عنى بقوله: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، كفار قريش = "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، يعني به الأنبياء الثمانية عشر الذين سماهم الله تعالى ذكره في الآيات قبل هذه الآية. وذلك أن الخبر في الآيات قبلها عنهم مضى، وفي التي بعدها عنهم ذكر، فما بينها بأن يكون خبرًا عنهم، (1) أولى وأحق من أن يكون خبرًا عن غيرهم.
* * *
فتأويل الكلام، إذ كان ذلك كذلك: فإن كفر قومك من قريش، يا محمد، بآياتنا، (2) وكذبوا وجحدوا حقيقتها، فقد استحفظناها واسترعينا القيام بها رُسلَنا وأنبياءنا من قبلك، الذين لا يجحدون حقيقتها، ولا يكذبون بها، ولكنهم يصدقون بها ويؤمنون بصحتها.
* * *
وقد قال بعضهم: معنى قوله: "فقد وكّلنا بها قومًا" ، رزقناها قومًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "أولئك" ، هؤلاء القوم الذين وكلنا بآياتنا وليسوا بها بكافرين، هم الذين هداهم الله لدينه الحق، وحفظ ما وكلوا بحفظه من آيات كتابه، والقيام بحدوده، واتباع حلاله وحرامه، والعمل بما فيه من أمر الله، والانتهاء عما فيه من نهيه، فوفقهم جل ثناؤه لذلك = "فبهداهم اقتده" ،
(1)
في المطبوعة: "ففيما بينها" ، وفي المخطوطة "" فما بينهم "، والصواب بينهما ما أثبت."

(2)
في المطبوعة: "فإن يكفر قومك من قريش" ، وفي المخطوطة: "فإن يكفر بها قومك" والكلام لا يستقيم إلا بحذف "بها" ولكن الجملة لا تستقيم أيضًا في العطوف المتتابعة حتى تكون "فإن كفر قومك" ، فعلا ماضيًا كالذي عطف عليه.

يقول تعالى ذكره: فبالعمل الذي عملوا، والمنهاج الذي سلكوا، وبالهدى الذي هديناهم، والتوفيق الذي وفقناهم = "اقتده" ، يا محمد، أي: فاعمل، وخذ به واسلكه، فإنه عمل لله فيه رضًا، ومنهاجٌ من سلكه اهتدى.
* * *
وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله: "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، أنهم الأنبياء المسمون في الآيات المتقدمة. وهو القول الذي اخترناه في تأويل ذلك.
* * *
وأما على تأويل من تأول ذلك: أن القوم الذين وكّلوا بها هم أهل المدينة = أو: أنهم هم الملائكة = فإنهم جعلوا قوله: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، اعتراضًا بين الكلامين، ثم ردّوا قوله: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" ، على قوله: "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوّة" .
* ذكر من قال ذلك:
13531 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" إلى قوله: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" ، يا محمد.
13532- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أولئك الذين هدى الله" ، يا محمد، "فبهداهم اقتده" ، ولا تقتد بهؤلاء.
13533 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" .
13534 - حدثنا علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: ثم قال في الأنبياء
الذين سماهم في هذه الآية: "فبهداهم اقتده" .
* * *
ومعنى: "الاقتداء" في كلام العرب، بالرجل: اتباع أثره، والأخذ بهديه. يقال: "فلان يقدو فلانًا" ، إذا نحا نحوه، واتبع أثره، "قِدَة، وقُدوة وقِدوة وقِدْيَة" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" لهؤلاء الذين أمرتك أن تذكّرهم بآياتي، أن تبسَل نفس بما كسبت، من مشركي قومك يا محمد: "لا أسألكم" ، على تذكيري إياكم، والهدى الذي أدعوكم إليه، والقرآن الذي جئتكم به، عوضًا أعتاضه منكم عليه، وأجرًا آخذه منكم، (2) وما ذلك مني إلا تذكير لكم، ولكل من كان مثلكم ممن هو مقيم على باطل، بَأسَ الله أن يَحُلّ بكم، وسَخَطه أن ينزل بكم على شرككم به وكفركم = وإنذارٌ لجميعكم بين يدي عذاب شديد، لتذكروا وتنزجروا. (3)
* * *
(1)
في المطبوعة: "كتب مكان" وقدية "" وقدوة "، وهو خطأ صرف، خالف ما في المخطوطة وهو الصواب."

(2)
انظر تفسير "الأجر فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) ."

(3)
انظر تفسير "ذكرى" فيما سلف ص: 439.

القول في تأويل قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وما قدروا الله حق قدره" ، وما أجلُّوا الله حق إجلاله، ولا عظموه حق تعظيمه = "إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" ، يقول: حين قالوا: لم ينزل الله على آدميٍّ كتابًا ولا وحيًا. (1)
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: "إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" ، وفي تأويل ذلك.
فقال بعضهم: كان قائل ذلك رجلا من اليهود.
* * *
ثم اختلفوا في اسم ذلك الرجل.
فقال بعضهم: كان اسمه: مالك بن الصيف.
* * *
وقال بعضهم: كان اسمه فنحاص.
* * *
واختلفوا أيضًا في السبب الذي من أجله قال ذلك.
* * *
* ذكر من قال: كان قائل ذلك: مالك بن الصيف.
13535 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يُبْغِض الحَبْر السمين؟ وكان حبرًا سمينًا، فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء! فقال له أصحابه الذين معه: ويحك! ولا موسى! فقال:
(1)
انظر تفسير "بشر" فيما سلف 6: 538/10: 152.

والله ما أنزل الله على بشر من شيء! فأنزل الله: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى" ، الآية.
13536 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" ، قال: نزلت في مالك بن الصيف، كان من قريظة، من أحبار يهود = "قل" يا محمد "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس" ، الآية.
* * *
* ذكر من قال: نزلت في فنحاص اليهوديّ.
13537 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" ، قال: قال فنحاص اليهوديّ: ما أنزل الله على محمد من شيء!
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك جماعة من اليهود، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم آيات مثل آيات موسى.
* ذكر من قال ذلك:
13538 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس قال، حدثنا أبو معشر المدني، عن محمد بن كعب القرظي قال: جاء ناسٌ من يهودَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مُحْتَبٍ، فقالوا: يا أبا القاسم، ألا تأتينا بكتاب من السماء، كما جاء به موسى ألواحًا يحملها من عند الله؟ فأنزل الله: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً، الآية [سورة النساء: 153] . فجثا رجل من يهود فقال: ما أنزل الله عليك
ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئًا! فأنزل الله: "وما قدروا الله حق قدره" . = قال محمد بن كعب: ما علموا كيف الله (1) = "إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا" ، فحلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حُبْوته، وجعل يقول: "ولا على أحَدٍ" . (2)
13539 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" ، إلى قوله: "في خوضهم يلعبون" ، هم اليهود والنصارى، قوم آتاهم الله علمًا فلم يقتدوا به، (3)
ولم يأخذوا به، ولم يعملوا به، فذمهم الله في عملهم ذلك. ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: إن من أكثر ما أنا مخاصَمٌ به غدًا أن يقال: يا أبا الدرداء، قد علمت، فماذا عملت فيما علمت؟
13540 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" ، يعني من بني إسرائيل، قالت اليهود: يا محمد، أنزل الله عليك كتابًا؟ قال: نعم! قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابًا! قال: فأنزل الله: "قل" يا محمد "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدًى للناس" ، إلى قوله: "ولا آباؤكم" ، قال: الله أنزله.
* * *
وقال آخرون: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن مشركي قريش أنهم قالوا: "ما أنزل الله على بشر من شيء" .
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ما علموا كيف الله" ، هكذا، وهو تعبير غريب جدًا أكاد أستنكره، وأخشى أن يكون تحريفًا، وهو تفسير للآية، أي: "قدروا الله" .

(2)
الأثر: 13538 - هذا الخبر لم يذكر في تفسير الآية من سورة النساء 9: 356 - 358، وهذا من وجوه اختصار أبي جعفر تفسيره.

(3)
في المطبوعة: "فلم يهتدوا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

* ذكر من قال ذلك:
13541 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدًا يقول: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" ، قالها مشركو قريش. قال: وقوله: (قُلْ مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلناسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا) ، (1) قال: هم يهود، الذين يبدونها ويخفون كثيرًا. قال: وقوله: "وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" ، قال: هذه للمسلمين.
13542 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وما قدروا الله حق قدره" ، قال: هم الكفار، لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمنَ أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره. ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حق قدره.
13543 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما قدروا الله حق قدره" ، يقول: مشركو قريش.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، قول من قال: عني بقوله (2) "وما قدروا الله حق قدره" ، مشركو قريش. وذلك أن ذلك في سياق الخبر عنهم أولا فأن يكون ذلك أيضًا خبرًا عنهم، أشبهُ من أن يكون خبرًا عن اليهود ولما يجر لهم ذكرٌ يكون هذا به متصلا مع ما في الخبر عمن أخبر الله عنه في هذه الآية، من إنكاره أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا من الكتب، وليس ذلك مما تدين به اليهود، بل المعروف من دين اليهود: الإقرار
(1)
هذه إحدى القراءتين في الآية بالياء فيها جميعا "يجعلونه" ، "يبدونها" ، "يخفون" ، وهي غير قراءتنا في مصحفنا، وسيذكرها أبو جعفر فيما يلي.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "عني بذلك" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

بصُحُف إبراهيم وموسى، وزبور داود. وإذا لم يأت بما روي من الخبر، (1) بأن قائل ذلك كان رجلا من اليهود، خبرٌ صحيح متصل السند = ولا كان على أن ذلك كان كذلك من أهل التأويل إجماعٌ = وكان الخبر من أوّل السورة ومبتدئها إلى هذا الموضع خبرًا عن المشركين من عبدة الأوثان = وكان قوله: "وما قدروا الله حق قدره" ، موصولا بذلك غير مفصول منه = (2) لم يجز لنا أن ندّعي أن ذلك مصروف عما هو به موصول، إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل.
ولكني أظن أن الذين تأوّلوا ذلك خبرًا عن اليهود، وجدوا قوله: "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" ، فوجهوا تأويل ذلك إلى أنه لأهل التوراة، فقرءوه على وجه الخطاب لهم: تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ، (3) فجعلوا ابتداء الآية خبرًا عنهم، إذ كانت خاتمتها خطابًا لهم عندهم. وغير ذلك من التأويل والقراءة أشبه بالتنزيل، لما وصفت قبل من أن قوله: "وما قدروا الله حق قدره" ، في سياق الخبر عن مشركي العرب وعبدة الأوثان وهو به متصل، فالأولى أن يكون ذلك خبرًا عنهم.
والأصوب من القراءة في قوله: (يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا) ، أن يكون بالياء لا بالتاء، على معنى: أنّ اليهود يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا، ويكون الخطاب بقوله: "قل من أنزل الكتاب" ، لمشركي قريش. وهذا هو المعنى الذي قصده مجاهد إن شاء الله في تأويل ذلك، وكذلك كان يقرأ.
13544 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "وإذا لم يكن بما روى هذا الخبر" ، وهو كلام غير مستقيم، صوابه ما أثبت إن شاء الله - أي: "وإذا لم يأت بما روى. . . خبر صحيح" .

(2)
السياق: "وإذا لم يأت بما روى. . . خبر صحيح. . .ولا كان. . . وكان الخبر. . . وكان قوله.. . . لم يجز" ، كل ذلك عطوف متتابعة، وجواب "وإذ لم يأت" قوله: "لم يجز" .

(3)
هذه القراءة الثانية للآية، وهي قراءتنا اليوم في مصحفنا.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #622  
قديم 15-07-2025, 11:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (622)
صــ 526 إلى صــ 535





حماد، عن أيوب، عن مجاهد أنه كان يقرأ هذا الحرف: (يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا) .
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}
(1)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لمشركي قومك القائلين لك: "ما أنزل الله على بشر من شيء" = قل: "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا" ، يعني: جلاءً وضياء من ظلمة الضلالة (2) = "وهدى للناس" ، يقول: بيانًا للناس، يبين لهم به الحق من الباطل فيما أشكل عليهم من أمر دينهم (3) = "تجعلونه قراطيس تبدونها" .

* * *
فمن قرأ ذلك: (تَجْعَلُونَهُ) ، جعله خطابًا لليهود على ما بيّنت من تأويل من تأوّل ذلك كذلك.
* * *
ومن قرأه بالياء: (يَجْعَلُونَهُ) ، فتأويله في قراءته: يجعله أهله قراطيس، وجرى الكلام في "يبدونها" بذكر "القراطيس" ، والمراد منه المكتوب في القراطيس، يراد: يبدون كثيرًا مما يكتبون في القراطيس فيظهارونه للناس، ويخفون كثيرًا مما يثبتونه في القراطيس فيسرُّونه ويكتمونه الناس. (4)
* * *
(1)
أثبت الآية على قراءتنا في مصحفنا، وإن كان تفسير أبي جعفر بعد على القراءة الأخرى. فليتنبه قارئ التفسير إلى موضع الخلاف كما حرره أبو جعفر، ص: 524، 525.

(2)
انظر تفسير "النور" فيما سلف 10: 338، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

(4)
انظر تفسير "القرطاس" فيما سلف ص365: 366.

ومما كانوا يكتمونه إياهم، ما فيها من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته، كالذي:-
13545 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا" ، اليهود.
13546 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: "قل" يا محمد "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها" ، يعني يهود، لما أظهروا من التوراة = "ويخفون كثيرًا" ، مما أخفوا من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه = قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير: إنه سمع مجاهدًا يقول: "يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا" ، قال: هم يهود، الذين يبدونها ويخفون كثيرًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعلمكم الله جل ثناؤه بالكتاب الذي أنزله إليكم، (1) ما لم تعلموا أنتم من أخبار من قبلكم، ومن أنباء من بعدكم، وما هو كائن في معادكم يوم القيامة = "ولا آباؤكم" ، يقول: ولم يعلمه آباؤكم، أيها المؤمنون بالله من العرب وبرسوله صلى الله عليه وسلم، كالذي:-
13547 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن أيوب، عن مجاهد: "وعلمتم" ، معشرَ العرب "ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" .
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "الكتاب" بغير باء الجر، والصواب إثباتها، فإن مفعول "علمكم" ، هو: "ما لم تعلموا" .

13548 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال عبد الله بن كثير: إنه سمع مجاهدًا يقول في قوله: "وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" ، قال: هذه للمسلمين.
* * *
وأما قوله: "قل الله" ، فإنه أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يجيبَ استفهامَه هؤلاء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله: "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا" ، (1) بقيل الله، (2) كأمره إياه في موضع آخر في هذه السورة بقوله: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، [سورة الأنعام: 63] . (3) فأمره باستفهام المشركين عن ذلك، كما أمره باستفهامهم إذ قالوا: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، عمن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس. ثم أمره بالإجابة عنه هنالك بقيله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام: 64] ، كما أمره بالإجابة ههنا عن ذلك بقيله: الله أنزله على موسى، كما:-
13549 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس" ، قال: الله أنزله. (4)
* * *
ولو قيل: معناه: "قل: هو الله" ، على وجه الأمر من الله له بالخبر عن
(1)
هذه القراءة الأخرى التي اختارها أبو جعفر، فتركت تفسيره على حاله، لئلا يختلط الكلام على قارئه.

(2)
قوله "بقيل الله" متعلق بقوله "أن يجيب. . ." .

(3)
وتركت هذه الآية أيضًا على قراءة أبي جعفر التي اختارها "لئن أنجيتنا" ، كما سلف ص: 414، وأما قراءتنا في مصحفنا: "لئن أنجانا" . وانظر ما مضى في ترجيح أبي جعفر أولى القراءتين على الأخرى.

(4)
الأثر: 13549 - هذا مختصر الأثر السالف رقم: 13540.

ذلك = لا على وجه الجواب، إذ لم يكن قوله: "قل من أنزل الكتاب" مسألة من المشركين لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيكون قوله: "قل الله" ، جوابًا لهم عن مسألتهم، وإنما هو أمرٌ من الله لمحمد بمسألة القوم: "من أنزل الكتاب" ؟ فيجب أن يكون الجواب منهم غير الذي قاله ابن عباس من تأويله = كان جائزًا، (1) من أجل أنه استفهام، ولا يكون للاستفهام جوابٌ، وهو الذي اخترنا من القول في ذلك لما بينا.
* * *
وأما قوله: "ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" ، فإنه يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ثم ذَرْ هؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام، (2) بعد احتجاجك عليهم في قيلهم: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، بقولك: "من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس" ، وإجابتك ذلك بأن الذي أنزله: الله الذي أنزل عليك كتابه = "في خوضهم" ، يعني: فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم بالله وآياته (3) = "يلعبون" ، يقول: يستهزئون ويسخرون. (4)
* * *
وهذا من الله وعيد لهؤلاء المشركين وتهدُّد لهم: يقول الله جل ثناؤه: ثم دعهم لاعبين، يا محمد. فإني من وراء ما هم فيه من استهزائهم بآياتي بالمرصاد، وأذيقهم بأسي، وأحلّ بهم إن تمادوا في غَيِّهم سَخَطي. (5)
* * *
(1)
قوله: "كان جائزًا" ، جواب قوله آنفًا "ولو قيل: معناه. . ." ، وما بينهما فصل.

(2)
انظر تفسير "ذر" فيما سلف ص: 441، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الخوض" فيما سلف 9: 320/11: 436.

(4)
انظر تفسير "اللعب" فيما سلف ص: 441، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
في المطبوعة: "وتهديد لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، ولكن الناشر غيره في جميع المواضع السالفة، فجعله "تهديد" ، ولا أدري لم؟

القول في تأويل قوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا القرآن، يا محمد = "كتاب" .
* * *
وهو اسم من أسماء القرآن، قد بينته وبينت معناه فيما مضى قبلُ بما أغنى عن إعادته، ومعناه مكتوب، فوضع "الكتاب" مكان "المكتوب" . (1)
* * *
= "أنزلناه" ، يقول: أوحيناه إليك = "مبارك" ، وهو "مفاعل" من "البركة" (2) = "مصدّق الذي بين يديه" ، يقول: صدّق هذا الكتاب ما قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه قبلك، لم يخالفها [دلالة ومعنى] (3) "نورًا وهدى للناس" ، يقول: هو الذي أنزل إليك، يا محمد، هذا الكتاب مباركًا، مصدقًا كتاب موسى وعيسى وغير ذلك من كتب الله. ولكنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عنه، إذ كان قد تقدم [من] الخبر عن ذلك ما يدل على أنه [له] مواصل، (4) فقال: "وهذا كتاب أنزلناه إليك مبارك" ، ومعناه: وكذلك أنزلت إليك كتابي هذا مباركًا، كالذي أنزلت من التوراة إلى موسى هدى ونورًا.
* * *
وأما قوله: "ولتنذر أمَّ القرى ومن حولها" ، فإنه يقول: أنزلنا إليك، يا محمد،
(1)
انظر تفسير "كتاب" فيما سلف 1: 97، 99.

(2)
انظر تفسير "مبارك" فيما سلف 7: 25.

(3)
في المطبوعة: "لم يخالفها ولا ينبأ وهو معنى نورًا وهدى" ، وهو كلام لا يستقيم.

وفي المخطوطة: "لم يخالفها ولا ينبأ ومعنى نورًا وهدى" ، وهو غير منقوط، وهو أيضًا مضطرب، فرجحت ما كتبته بين القوسين استظهارًا لسياق المعنى.
(4)
في المطبوعة: "ما يدل على أنه به متصل" ، وفي المخطوطة: "ما يدل على أنه من أصل" ، فرجحت ما أثبت، وزدت "من" و "له" بين القوسين، فإن هذا هو حق المعنى إن شاء الله.

هذا الكتاب مصدِّقًا ما قبله من الكتب، ولتنذِر به عذابَ الله وبأسَه مَنْ في أم القرى، وهي مكة = "ومن حولها" ، شرقًا وغربًا، من العادلين بربّهم غيره من الآلهة والأنداد، والجاحدين برسله، وغيرهم من أصناف الكفار.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13550 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، يعنى ب "أم القرى" ، مكة = "ومن حولها" ، من القرى إلى المشرق والمغرب.
13551- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، و "أم القرى" ، مكة = "ومن حولها" ، الأرض كلها.
13552 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ولتنذر أم القرى" ، قال: هي مكة = وبه عن معمر، عن قتادة قال: بلغني أن الأرض دُحِيَتْ من مكة.
13553- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، كنا نُحَدّث أن أم القرى، مكة = وكنا نحدَّث أن منها دُحيت الأرض.
13554 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: "ولتنذر أم القرى ومن حولها" ، أما "أم القرى" فهي مكة، وإنما سميت "أم القرى" ، لأنها أول بيت وضع بها.
* * *
وقد بينا فيما مضى العلة التي من أجلها سميت مكة "أم القرى" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن كان يؤمن بقيام الساعة والمعادِ في الآخرة إلى الله، ويصدِّق بالثواب والعقاب، فإنه يؤمن بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك، يا محمد، ويصدق به، ويقرّ بأن الله أنزله، ويحافظ على الصلوات المكتوبات التي أمرَه الله بإقامتها، (2) لأنه منذرُ من بلغه وعيدَ الله على الكفر به وعلى معاصيه، وإنما يجحد به وبما فيه ويكذِّب، أهل التكذيب بالمعاد، والجحود لقيام الساعة، لأنه لا يرجو من الله إن عمل بما فيه ثوابًا، ولا يخاف إن لم يجتنب ما يأمره باجتنابه عقابًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ}
قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا" ، ومن أخطأ قولا وأجهل فعلا = "ممن افترى على الله كذبًا" ، يعني: ممن اختلق
(1)
انظر تفسير "أم القرى" فيما سلف 1: 108، وانظر أيضًا الأثر رقم: 6589.

(2)
انظر تفسير "المحافظة على الصلوات" فيما سلف 5: 167، 168.

على الله كذبًا، (1) فادعى عليه أنه بعثه نبيًّا وأرسله نذيرًا، وهو في دعواه مبطل، وفي قيله كاذب.
* * *
وهذا تسفيهٌ من الله لمشركي العرب، وتجهيلٌ منه لهم، في معارضة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، والحنفيِّ مسيلمة، لنبي الله صلى الله عليه وسلم، بدعوى أحدهما النبوّة، ودعوى الآخر أنه قد جاء بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم = ونفْيٌ منه عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اختلاقَ الكذب عليه ودعوى الباطل.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
13555 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء" ، قال: نزلت في مسيلمة أخي بني عدي بن حنيفة، فيما كان يسجع ويتكهن به = "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أخي بني عامر بن لؤي، كان كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، (2) وكان فيما يملي "عزيز حكيم" ، فيكتب "غفور رحيم" ، فيغيره، ثم يقرأ عليه "كذا وكذا" ، لما حوَّل، فيقول: "نعم، سواءٌ" . فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم: لقد كان ينزل عليه "عزيز حكيم" فأحوِّله، ثم أقرأ ما كتبت، (3) فيقول: "نعم سواء" ! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة، إذ
(1)
انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف ص: 296، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة: "كان يكتب للنبي. . ." ، والصواب الجيد ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: "ثم أقول لما أكتب" ، وفي المخطوطة: "ثم أقول أكتب" ، وفوق الكلام حرف (ط) من الناسخ، دلالة على الخطأ، وأنه خطأ قديم في النسخة التي نقل عنها. ورجحت قراءتها كما أثبت، وهو سياق الكلام.

نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمرّ. (1)
* * *
وقال بعضهم: بل نزل ذلك في عبد الله بن سعد خاصة.
* ذكر من قال ذلك:
13556 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوحَ إليه شيء" إلى قوله: "تجزون عذاب الهون" . قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أسلم، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أملى عليه: "سميعًا عليمًا" ، كتب هو: "عليمًا حكيمًا" ، وإذا قال: "عليمًا حكيمًا" كتب: "سميعًا عليمًا" ، فشكّ وكفر، وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله! قال محمد: "سميعًا عليمًا" فقلت أنا: "عليمًا حكيمًا" ! فلحق بالمشركين، ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي، أو لبني عبد الدار. فأخذوهم فعُذِّبوا حتى كفروا، وجُدِعت أذن عمار يومئذ. (2) فانطلق عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاه، فأنزل الله في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا}
(1)
"مر" ، هي "مر الظهران" .

(2)
"جدعت أذنه" ، قطعت، وكان يقال له "الأجدع" ، انظر ابن سعد 3: 181.

وكان في المطبوعة والمخطوطة: "وجدع أذن عمار" ، ذهب إلى تذكير "الأذن" ، والصواب تأنيثها، لم يذكروا فيها تذكيرًا فيما أعلم. وهذا خبر غريب وقد روى ابن سعد في الطبقات 3: 181 عن ابن عمر: "رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة، على صخرة قد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين! أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي! = وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال" .
ثم قال: "قال: شعبة: لم ندر أنها أصيبت باليمامة" . فهذا خبر آخر، والمشهور من خبره أنها أصيبت مع النبي صلى الله عليه وسلم. كأن ذلك كان في بعض الغزوات.
[سورة النحل:106] ، فالذي أكره: عمار وأصحابه = والذي شرح بالكفر صدرًا، فهو ابن أبي سرح. (1)
* * *
وقال آخرون: بل القائل: "أوحي إلي ولم يوح إليه شيء" ، مسيلمة الكذاب.
* ذكر من قال ذلك:
13557 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في مسيلمة. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت فيما يرى النائم كأنّ في يديّ سوارين من ذهب، فكبرا عليّ وأهمّاني، (2) فأوحى إليّ: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأوَّلتهما في منامي الكذَّابين اللذين أنا بينهما، كذّاب اليمامةِ مُسيلمة، وكذّاب صنعاء العنسي. وكان يقال له: "الأسود" . (3)
13558 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: "أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء" ، قال: نزلت في مسيلمة.
13559- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة = وزاد فيه: وأخبرني الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيتُ في يديّ سوارين من ذهب، فكبر ذلك عليّ، فأوحي إلي"
(1)
الأثر: 13556 - كان حق هذا الخبر أن يذكر في تفسير آية "سورة النحل" ، لبيان أنها نزلت أيضًا في "عبد الله بن سعد بن أبي سرح" ، ولكن أبا جعفر لم يفعل، وذلك دلالة أخرى قاطعة على اختصاره تفسيره.

(2)
في المخطوطة: "فأهمني" ، وعلى الكلمة حرف (ط) دلالة على الخطأ، والصواب ما في المطبوعة، موافقًا لرواية البخاري ومسلم.

(3)
الأثر: 13557 - خبر الرؤيا، رواه البخاري (الفتح 8: 69، 70) ، ومسلم في صحيحه: 15: 34.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #623  
قديم 15-07-2025, 11:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (623)
صــ 536 إلى صــ 545





أن انفخهما، فنفخهما فطارا، فأوّلت ذلك كذاب اليمامة وكذاب صنعاء العنسي. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله قال: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء" ، ولا تمانُع بين علماء الأمة أن ابن أبي سرح كان ممن قال: "إني قد قلت مثل ما قال محمد" ، وأنه ارتدّ عن إسلامه ولحق بالمشركين، فكان لا شك بذلك من قيله مفتريًا كذبًا. وكذلك لا خلاف بين الجميع أن مسيلمة والعنسيّ الكذابين، ادّعيا على الله كذبًا. أنه بعثهما نبيين، وقال كل واحد منهما إنّ الله أوحى إليه، وهو كاذب في قيله. فإذ كان ذلك كذلك، فقد دخل في هذه الآية كل من كان مختلقًا على الله كذبًا، وقائلا في ذلك الزمان وفي غيره: "أوحى الله إلي" ، وهو في قيله كاذب، لم يوح الله إليه شيئًا. فأما التنزيل، فإنه جائز أن يكون نزل بسبب بعضهم = وجائز أن يكون نزل بسبب جميعهم = وجائز أن يكون عني به جميعُ المشركين من العرب = إذ كان قائلو ذلك منهم، فلم يغيّروه. فعيّرهم الله بذلك، وتوعّدهم بالعقوبة على تركهم نكيرَ ذلك، ومع تركهم نكيرَه هم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مكذبون، ولنبوّته جاحدون، ولآيات كتاب الله وتنزيله دافعون، فقال لهم جل ثناؤه: "ومن أظلم ممن ادّعى عليّ النبوّة كاذبًا" ، وقال: "أوحي إلي" ، ولم يوح إليه شيء، ومع ذلك يقول: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، فينقض قولَه بقوله، ويكذب بالذي تحققه، وينفي ما يثبته. وذلك إذا تدبره العاقلُ الأريب علم أن فاعله من عقله عديم.
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، ما:-
(1)
الأثر: 13559 - انظر التعليق على رقم: 13557.

13560 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" ، قال: زعم أنه لو شاء قال مثله = يعني الشعر.
* * *
فكأنّ ابن عباس في تأويله هذا على ما تأوّله، يوجِّه معنى قول قائل: "سأنزل مثل ما أنزل الله" ، إلي: سأنزل مثل ما قال الله من الشعر. وكذلك تأوّله السدي. وقد ذكرنا الرواية عنه قبل فيما مضى. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى، يا محمد، حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة والأنداد، والقائلين: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ، والمفترين على الله كذبًا، الزاعمين أنّ الله أوحى إليه ولم يوحَ إليه شيء، والقائلين: "سأنزل مثل ما أنزل الله" ، (2) فتعاينهم وقد غشيتهم سكرات الموت، ونزل بهم أمر الله، وحان فناء آجالهم، والملائكة باسطو أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم، كما قال جل ثناؤه: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [سورة محمد: 27، 28] . يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم.
(1)
لم يذكر "الشعر" في خبر السدي السالف رقم: 13556، ولعل أبا جعفر نسي أن يكتبه، أو لعله أراد أن ذلك مروي في خبر السدي السالف وإن كان لم يذكره هناك.

(2)
هكذا جاء على الجمع في المخطوطة أيضًا "والمفترين. . . الزاعمين. . . والقائلين" ، والسياق يقتضي الإفراد، ولكني تركته على حاله، لظهور معناه، وإن كنت أرجح أن الصواب: "والمفتري على الله كذبًا الزاعم أن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء، والقائل: سأنزل مثل ما أنزل الله" .

و "الغمرات" جمع "غمرة" ، و "غمرة كل شيء" ، كثرته ومعظمه، وأصله الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه قول الشاعر: (1)
وَهَلْ يُنْجِي مِنَ الْغَمَرَاتِ إلا ... بُرَاكَاءُ القِتَالِ أوِ الفِرَارُ (2)
* * *
وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
13561 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت" ، قال: سكرات الموت.
13562 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "في غمرات الموت" ، يعني سكرات الموت.
* * *
وأما "بسط الملائكة أيديها" ، (3) فإنه مدُّها. (4)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في سبب بسطها أيديها عند ذلك.
فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
13563 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
هو بشر بن أبي حازم.

(2)
شرح المفضليات: 677، النقائض: 423، الأغاني 13: 137، ديوان الخنساء: 216، واللسان (برك) ، وغيرها. وهذا البيت آخر قصيدة في المفضليات، وروايته: "ولا ينجي" . و "البراكاء" (بفتح الباء وضمها) : الثبات في ساحة الحرب، والجد في القتال، وهو من "البروك" ، يبرك المقاتل في مكانه، أي: يثبت. وكان في المطبوعة: "تراك للقتال" ، وهو خطأ صرف. وفي المخطوطة: "براكا للقتال" ، وهو أيضًا خطأ.

(3)
في المطبوعة: "أيديهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.

(4)
انظر تفسير "بسط الأيدي" فيما سلف 10: 100، 213.

معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم" ، قال: هذا عند الموت، "والبسط" ، الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم.
13564 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي، قال حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم" ، يقول: "الملائكة باسطو أيديهم" ، يضربون وجوههم وأدبارهم = والظالمون في غمرات الموت، وملك الموت يتوفّاهم.
13565 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "والملائكة باسطو أيديهم" ، يضربونهم.
* * *
وقال آخرون: بل بسطها أيديها بالعذاب.
* ذكر من قال ذلك:
13566 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: "والملائكة باسطو أيديهم" ، قال: بالعذاب.
13567 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: "والملائكة باسطو أيديهم" ، بالعذاب.
* * *
وكان بعض نحويي الكوفيين يتأوّل ذلك بمعنى: باسطو أيديهم بإخراج أنفسهم. (1)
* * *
فإن قال قائل: ما وجه قوله: "أخرجوا أنفسكم" ، ونفوس بني آدم إنما يخرجها من أبدان أهلها رب العالمين؟ فكيف خوطب هؤلاء الكفار، وأمروا في
(1)
هو الفراء في معاني القرآن 1: 345.

حال الموت بإخراج أنفسهم؟ فإن كان ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون بنو آدم هم يقبضون أنفس أجسامهم!
قيل: إن معنى ذلك بخلاف الذي [إليه] ذهبت (1) وإنما ذلك أمرٌ من الله على ألسن رُسله الذين يقبضون أرواحَ هؤلاء القوم من أجسامهم، بأداء ما أسكنها ربها من الأرواح إليه، وتسليمها إلى رسله الذين يتوفَّونها.
* * *
القول في تأويل قوله: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما تقولُ رسل الله التي تقبض أرواحَ هؤلاء الكفار لها، (2) يخبر عنها أنها تقول لأجسامها ولأصحابها: "أخرجوا أنفسكم" ، إلى سخط الله ولعنته، فإنكم اليوم تُثابون على كفركم بالله، (3) وقيلكم عليه الباطل، وزعمكم أن الله أوحى إليكم ولم يوحَ إليكم شيئًا، وإنكاركم أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا، (4) واستكباركم عن الخضوع لأمر الله وأمر رسوله، والانقياد لطاعته = "عذابَ الهون" ، وهو عذاب جهنم الذي يُهينُهم فيذلّهم، حتى يعرفوا صَغَار أنفسهم وذِلَّتَها، كما:-
13568 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "عذاب الهون" ، فالذي يهينهم.
(1)
الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق.

(2)
قوله: "لها" ، أي للكفار.

(3)
انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزي) .

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "وإنذاركم أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا" ، وهو لا معنى له، وإنما هو تحريف من الناسخ، والصواب ما أثبت.

13569 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "اليوم تجزون عذاب الهون" ، قال: عذاب الهون، في الآخرة = "بما كنتم تعملون" .
* * *
والعرب إذا أرادت ب "الهون" معنى "الهوان" ، ضمت "الهاء" ، وإذا أرادت به الرفق والدَّعَة وخفة المؤونة، فتحت "الهاء" ، (1) فقالوا: هو "قليل هَوْن المؤونة" ، ومنه قول الله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا} [سورة الفرقان: 63] ، يعني: بالرفق والسكينة والوقار، ومنه قول جندل بن المثنَّى الطُّهويّ: (2)
وَنَقْضَ أَيْامٍ نَقَضْنَ أَسْرَهُ ... هَوْنًا وَأَلْقَى كُلُّ شَيْخٍ فَخرَهُ (3)
ومنه قول الآخر: (4)
هَوْنَكُمَا لا يَرُدُّ الدَّهْرُ ما فَاتَا ... لا تَهْلِكَا أَسَفًا فِي إِثْرِ مَنْ مَاتَا (5)
(1)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 200.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "المثني بن جندل الطهوي" وهو خطأ صرف، وإنما هو "جندل بن المثني الطهوي" ، وهو شاعر إسلامي راجز، كان يهاجي الراعي. انظر سمط اللآلى ص: 644، وغيره.

(3)
لم أعثر على الرجز، وإن كنت أذكره. و "الأسر" : القوة. وقوله: "ألقى كل شيخ فخره" ، كناية عن عجز الشيخ إذا بلغ السن.

(4)
هو ذو جدن الحميري، ويقال هو: "علقمة بن شراحيل بن مرثد الحميري" .

(5)
سيرة ابن هشام 1: 39، تاريخ الطبري 2: 107، الأغاني 16: 70، معجم ما استعجم: 1398، ومعجم البلدان (بينون) و (سلحون) واللسان (هون) ، وبعد البيت: أبَعْدَ بَيْنُونَ لاَ عَيْنٌ وَلاَ أثَرٌ ... وَبَعْدَ سَلْحُونَ يَبْنِي النَّاس أبْيَاتَا

وَبَعْدَ حِمْيَرَ إذْ شَالَتْ نعَامَتُهُمْ ... حَتَّهُمُ غَيْبُ هَذَا الدَّهْرِ حتَّاتَا
و "بينون" ، و "سلحون" ، و "غمدان" من حصون اليمن التي هدمها أرياط الحبشي، في غزوة اليمن، فذكرها ذو جدن، يأسى على ما دخل أهل حمير من الذل والهوان.
يريد: أرْوِدا. (1) وقد حكي فتح "الهاء" في ذلك بمعنى "الهوان" ، واستشهدوا على ذلك ببيت عامر بن جُوَين: (2)
يُهِينُ النفُوسَ، وَهَوْنُ النُّفُو ... سِ عِنْدَ الكَرِيهَةِ أَغْلَى لَهَا (3)
والمعروف من كلامهم، ضمُّ "الهاء" منه، إذا كان بمعنى الهوان والذل، كما قال ذو الإصبع العدواني:
اذْهَبْ إلَيْكَ فَمَا أُمِّي بِرَاعِيَةٍ ... تَرْعَى الْمَخَاضَ وَلا أُغْضِي عَلَى الهُونِ (4)
يعني: على الهوان = وإذا كان بمعنى الرفق، ففتْحُها.
* * *
(1)
في المطبوعة: "رودا" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. و "الإرواد" ، الإمهال والرفق، والتأني، ومنه قيل: "رويدك" ، أي: أمهل، وتأن، وترفق.

(2)
هكذا قال أبو جعفر، والمشهور أنه للخنساء، وهو في شعرها، وبعض أبيات قصيدة الخنساء، تروى لعامر بن جوين الطائي، فلعل هذا مما يروى له من شعرها. أو لعله من شعر عامر بن جوين، وروى للخنساء.

(3)
ديوان الخنساء: 215، والأغاني 13: 136، والنقائض: 423، واللسان (هون) . وروايتهم جميعًا "يوم الكريهة أبقى لها" . وفي المطبوعة: "أعلى" ، والصواب من المخطوطة.

(4)
شرح المفضليات: 323، وما بعدها، والأمالي 1: 256، واللسان (هون) ، وغيرها كثير. وقد جاء أبو جعفر برواية لم تذكر إلا في اللسان، عن ابن بري، وأما رواية الرواة، فهي: عَنِّي إلَيْكَ فَمَا أُمِّي بِرَاعِيَةٍ ... تَرْعَى المَخَاضَ، وَلا رأيي بمَغْبُونِ

إِنِّي أَبِيٌّ ذُو مُحَافَظَةٍ ... وَابنُ أَبِيٍّ أَبِيٍّ مِنْ أَبِيِّينِ
لا يُخْرِجُ القَسْرُ مِنِّي غَيْرَ مَا بِيَةٍ ... وَلا أَلِينُ لِمَنْ لا يَبْتَغِي لِينِي
عَفٌّ نَدُودٌ، إذَا مَا خِفْتُ مِنْ بَلَدٍ ... هُونًا، فَلَسْتُ بوَقَّافٍ عَلَى الهُونِ
فالشاهد في البيت الأخير
القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به الآلهة والأنداد، يخبر عبادَه أنه يقول لهم عند ورودهم عليه: "لقد جئتمونا فرادى" .
ويعني بقوله: "فرادى" ، وُحدانًا لا مال معهم، ولا إناث، ولا رقيق، (1) ولا شيء مما كان الله خوّلهم في الدنيا = "كما خلقناكم أوّل مرة" ، عُرَاة غُلْفًا غُرْلا حُفاة، كما ولدتهم أمهاتهم، (2) وكما خلقهم جل ثناؤه في بطون أمهاتهم، لا شيء عليهم ولا معهم مما كانوا يتباهَوْن به في الدنيا.
* * *
و "فرادى" ، جمع، يقال لواحدها: "فَرِد" ، كما قال نابغة بني ذبيان:
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشيٍّ أَكَارِعُهُ ... طَاوِي المَصِيرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفَرِدِ (3)
(1)
في المطبوعة: "ولا أثاث ولا رفيق" ، والصواب ما في المخطوطة، يعني نساءهم وخدمهم، وانظر الأثر التالي رقم: 13571، وانظر تفسير البغوي (بهامش ابن كثير 3: 361) قال: "وحدانا لا مال معكم، ولا زوج، ولا ولد، ولا خدم" . فهذا صواب القراءة بحمد الله.

(2)
"غلف جمع" أغلف "، وهو الذي لم يختتن. و" الغرل "جمع" أغرل "، وهو أيضًا الذي لم يختتن، وهذا حديث مسلم في صحيحه من حديث عائشة:" يحشر الناس يوم القيامة حفة عراة غرلا "(17: 192، 193) ."

(3)
ديوانه: 26، واللسان (فرد) ، وغيرهما كثير. من قصيدته المشهورة التي اعتذر بها إلى النعمان بن المنذر، يقول قبله في صفة الثور: كأنّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... يَوْمَ الجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأنِسٍ وَحَدِ

و "وجرة" ، منزل بين مكة والبصرة، مربة للوحوش والظباء. "موشي أكارعه" ، في قوائمه نقط سود. "طاوي المصير" ، ضامر البطن، و"المصير "جمع" مصران". يصف بياض الثور والتماعه. كأنه سيف مصقول جديد الصقل.
و "فَرَدٌ" و "فريد" ، كما يقال: "وَحَد" و "وَحِد" و "وحيد" في واحد "الأوحاد" . وقد يجمع "الفَرَد" "الفُرَاد" كما يجمع "الوَحَد" ، "الوُحَاد" ، ومنه قول الشاعر: (1)
تَرَى النَّعَرَاتِ الزُّرْقَ فَوْقَ لَبَانِه ... فُرَادَى وَمَثْنًى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُهْ (2)
وكان يونس الجرْميّ، (3) فيما ذكر عنه، يقول: "فُراد" جمع "فَرْد" ، كما قيل: "تُؤْم" و "تُؤَام" للجميع. ومنه: "الفُرَادى" ، و "الرُّدَافى" و "القُرَانى" . (4) يقال: "رجل فرد" و "امرأة فرد" ، إذا لم يكن لها أخٌ. "وقد فَرد الرجلُ فهو يفرُد فرودًا" ، يراد به تفرَّد، "فهو فارد" .
* * *
13570 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، [قال ابن زيد قال] ، أخبرني عمرو: أن ابن أبي هلال حدثه: أنه سمع القرظيّ يقول: قرأت عائشةُ زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم قولَ الله: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" ، فقالت: واسوأتاه، إن الرجال والنساء يحشرون جميعًا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" ، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض. (5)
* * *
(1)
هو تميم بن أبي بن مقبل.

(2)
مضى البيت وتخريجه وتفسيره 7: 543، بغير هذه الرواية، فراجعه هناك.

(3)
مضى في 10: 120، تعليق: 1، ذكر "يونس [الحرمري] " ، وقد أشكل على أمره، كما ذكرت هناك، وصح بهذا أنه "الجرمي" ، ولم أجد في قدماء النحاة من يقال له: "يونس الجرمي" ، وذكرت هناك أن "يونس بن حبيب" ، ضبي لا جرمي، فعسى أن يهديني من يقرأ هذا إلى الصواب فيه، متفضلا مشكورا.

(4)
في المطبوعة: "والغواني" ، وفي المخطوطة: "والعواي" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت، يقال: جاءوا قرانى "أي مقترنين، قال ذو الرمة: قُرَانَى وَأَشْتَاتًا، وَحَادٍ يَسُوقُهَا ... إلَى المَاءِ مِنْ جَوْزِ التَّنُوفَةِ مُطْلِقُ"

(5)
الأثر: 13570 - "عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري" ، ثقة مضى برقم: 1387، 5973، 6889، 10330. وأما "ابن أبي هلال" ، فهو: "سعيد بن أبي هلال الليثي المصري" ، ثقة. مضى برقم: 1495، 5465.

وأما "القرظي" ، فقد بينه الحاكم في المستدرك في إسناده وأنه: "عثمان بن عبد الرحمن القرظي" ، ولكنه مع هذا البيان، لم يزل مجهولا، فإني لم أجد له ترجمة ولا ذكرًا في شيء من الكتب. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "القرطبي" ، وهو خطأ. وهذا الخبر، أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 565، من طريق "عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث" ، ليس فيه "قال ابن زيد" ، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، وعلق عليه الذهبي فقال: "صحيح، فيه انقطاع" . والذي في إسناد الطبري "قال ابن زيد قال" ، عندي أنه زيادة من الناسخ، لأن عبد الله بن وهب، يروي مباشرة عن "عمرو بن الحارث" ، كما يروي عن "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم" ، ولما كثر إسناد أبي جعفر "حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد" ، أسرع قلم الناسخ بإثبات "ابن زيد" مقمحًا في هذا الإسناد، كما دل عليه إسناد الحاكم. وانقطاع هذا الإسناد، كما بينه الذهبي، هو فيما أرجح، أن "عثمان بن عبد الرحمن القرظي" لم يسمع من عائشة.
وأما قوله: "وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم" ، فإنه يقول: خلفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به فيها، خلفكم في الدنيا فلم تحملوه معكم.
وهذا تعيير من الله جل ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم التي كانوا يتباهون بها في الدنيا بأموالهم.
* * *
وكل ما ملكته غيرك وأعطيته: "فقد خوّلته" ، (1) يقال منه: "خال الرجل يَخَال أشدّ الخِيال" بكسر الخاء = "وهو خائل" ، ومنه قول أبي النجم:
أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ ... كَومَ الذُّرَى مِنْ خَوَلِ المُخَوِّلِ (2)
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "وكل من ملكته غيرك. . ." ، وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت.

(2)
لامية أبي النجم في كتاب (الطرائف) ، والمراجع هناك، وسيأتي في التفسير 23: 127 (بولاق) ، وهو مطلع رجزه، وقبله: الَحْمُد لِله الوَهُوبِ المُجْزِلُ

وقوله: "كوم الذرى" ، أي: عظام الأسمنة، "كوم" جمع "كوماء" ، وهي الناقة العظيمة السنام. و "المخول" بكسر الواو، الله الرَّزَّاق ذو القوة المتين. وانظر تعليقي على البيت في طبقات فحول الشعراء: 576، تعليق: 4.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #624  
قديم 15-07-2025, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (624)
صــ 546 إلى صــ 555




وقد ذكر أن أبا عمرو بن العلاء كان ينشد بيت زهير:
هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلُوا الْمَالَ يُخوِلُوا ... وَإن يُسْأَلُوا يُعطُوا وَإِنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13571 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وتركتم ما خوّلناكم" ، من المال والخدم = "وراء ظهوركم" ، في الدنيا.
* * *
(1)
ديوانه "112، واللسان (خبل) (خول) ، وسيأتي في التفسير 23: 127 (بولاق) ، وغيرها كثير. من قصيدته المشهورة في هرم بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، يذكر قومهما بالكرم في زمن الجدب، وقبله: إذَا السَّنَةُ الشَّهْبَاءِ بِالنَّاسِ أجْحَفَتْ ... وَنَالَ كِرَامَ المَالِ فِي السَّنَةِ الأَكْلُ"

رَأَيْتُ ذَوِي الحَاجَاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ ... قَطِينًا لَهُمْ، حَتَّى إذَا أَنْبَتَ البَقْلُ
هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلوا. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ورواية غير أبي عمرو بن العلاء: "إن يستخبلوا المال يخبلوا" ، يقال: "استخبل الرجل ناقة فأخبله" ، إذا استعاره ناقة لينتفع بألبانها وأوبارها فأعاره. و "الاستخوال" مثله. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قال: "ولو أنشدتها لأنشدتها: إن يستخولوا المال يخولوا" ، وقال: "الاختبال: المنيحة، ولا أعرف الاستخبال، وأراه: يستخولوا. والاستخوال أن يملكوهم إياه" .
وقوله: "ييسروا" ، من "الميسر" الذي تقسم فيه الجزر. وقوله: "يغلوا" ، أي: يختاروا سمان الجزر للنحر، فهم لا ينحرون إلا غالية.
القول في تأويل قوله: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد يوم القيامة: ما نرى معكم شفعاءكم الذين كنتم في الدنيا تزعمون أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة. (1)
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث، لقيله: إنّ اللات والعزى يشفعان لهُ عند الله يوم القيامة.
* * *
وقيل: إن ذلك كان قول كافة عَبَدة الأوثان.
* ذكر من قال ذلك:
13572 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: "وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء" ، فإن المشركين كانوا يزعمون أنهم كانوا يعبدُون الآلهة، لأنهم شفعاء يشفعون لهم عند الله، وأنّ هذه الآلهة شركاءُ لله.
13573- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث: "سوف تشفع لي اللات والعزَّى" ! فنزلت هذه الآية: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" ، إلى قوله: "شركاء" .
* * *
(1)
انظر تفسير "الشفيع" فيما سلف ص: 446، تعليق: 5، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيله يوم القيامة لهؤلاء المشركين به الأنداد: "لقد تقطع بينكم" ، يعني تواصلَهم الذي كان بينهم في الدنيا، ذهب ذلك اليوم، فلا تواصل بينهم ولا توادّ ولا تناصر، وقد كانوا في الدنيا يتواصلون ويتناصرون، فاضمحلّ ذلك كله في الآخرة، فلا أحدَ منهم ينصر صاحبه، ولا يواصله. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13574 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "لقد تقطع بينكم" ، "البين" ، تواصلهم.
13575- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "لقد تقطع بينكم" ، قال: تواصلهم في الدنيا.
13576 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "لقد تقطع بينكم" ، قال: وصلكم.
13577- وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لقد تقطع بينكم" ، قال: ما كان بينكم من الوصل.
13578 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
انظر تفسير "البين" فيما سلف 8: 319.

معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "لقد تقطع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون" ، يعني الأرحام والمنازل.
13579 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لقد تقطع بينكم" ، يقول: تقطع ما بينكم.
13580 - حدثنا أبو كريب قال، قال أبو بكر بن عياش: "لقد تقطع بينكم" ، التواصل في الدنيا. (1)
* * *
واختلفت القرأة في [قراءة] قوله: "بينكم" .
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة نصبًا، بمعنى: لقد تقطع ما بينكم.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة مكة والعراقَيْن: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ) ، رفعًا، بمعنى: لقد تقطع وصلُكم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول عندي في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان باتفاق المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ.
وذلك أن العرب قد تنصب "بين" في موضع الاسم. ذكر سماعًا منها: "أتاني نحَوك، ودونَك، وسواءَك" ، (2) نصبًا في موضع الرفع. وقد ذكر عنها سماعًا الرفع في "بين" ، إذا كان الفعل لها، وجعلت اسمًا، وينشد بيت مهلهل:
كَأَنَّ رِماحَهُم أَشْطَانُ بِئْرٍ ... بَعِيدٍ بَيْنُ جَالَيْهَا جَرُورِ (3)
(1)
الأثر: 13580 - هذا إسناد منقطع كما أشرت إليه فيما سلف رقم: 1246، 2150 و "أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي" ، ثقة معروف، مضى برقم: 1246، 2150، 3000، 5725، 8098.

(2)
في المطبوعة: "إيابي نحوك. . ." وهو خطأ محض، وهي في المخطوطة غير منقوطة، والصواب في معاني القرآن للفراء 1: 345.

(3)
أمالي القالي 2: 132، واللسان (بين) ، وغيرهما، من قصيدته المشهورة التي قالها لما أدرك بثأر أخيه كليب وائل. وقبله: فِدًى لِبَنِي الشَّقِيقَةِ يَوْمَ جَاءوا ... كَأُسْدِ الغَابِ لَجَّتْ فِي زَئِيرِ

و "الأشطان" الحبال الشديدة الفتل، التي يستقي بها، واحدها "شطن" . (بفتحتين) و "الجال" و "الجول" (بضم الجيم) : ناحية البئر وجانبها وما يحبس الماء منها. و "جرور" صفة البئر البعيدة القعر، لأن دلوها يجر على شفرها، لبعد قعرها. يصف طول رماحهم، وحركة أيديهم في الضرب بها، ثم نزعها من بدن من أصابته.
برفع "بين" ، إذ كانت اسمًا، غير أن الأغلب عليهم في كلامهم النصبُ فيها في حال كونها صفة، وفي حال كونها اسمًا.
* * *
وأما قوله: "وضل عنكم ما كنتم تزعمون" ، فإنه يقول: وحاد عن طريقكم ومنهاجكم ما كنتم من آلهتكم تزعمون أنه شريك ربكم، وأنه لكم شفيع عند ربكم، فلا يشفع لكم اليوم. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير "الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) .

القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}
قال أبو جعفر: وهذا تنبيهٌ من الله جل ثناؤه هؤلاء العادلين به الآلهة والأوثان على موضع حجّته عليهم، وتعريفٌ منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياه. يقول تعالى ذكره: إن الذي له العبادة، أيها الناس، دون كل ما تعبدون من الآلهة والأوثان، هو الله الذي فَلق الحبَّ = يعني: شق الحبَّ من كل ما ينبت من النبات، فأخرج منه الزرع = "والنوى" ، من كل ما يغرس مما له نَواة، فأخرج منه الشجر.
* * *
و "الحبّ" جمع "الحبة" ، و "النوى" جمع "النواة" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13581 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "إن الله فالق الحب والنوى" ، أما "فالق الحب والنوى" : ففالق الحب عن السنبلة، وفالق النواة عن النخلة.
13582 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "فالق الحب والنوى" ، قال: يفلق الحب والنوى عن النبات.
13583- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "فالق الحب والنوى" ، قال: الله فالق ذلك، فلقه فأنبت منه ما أنبت. فلق النواة فأخرج منها نَبَات نخلة، وفلق الحبة فأخرج نبات الذي خلق.
* * *
وقال آخرون: معنى "فالق" ، خالق.
* ذكر من قال ذلك:
13584 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "إن الله فالق الحب والنوى" ، قال: خالق الحب والنوى.
13585- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
13586 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "إن الله فالق الحب والنوى" ، قال: خالق الحب والنوى.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أنه فلق الشقّ الذي في الحبّة والنواة.
* ذكر من قال ذلك:
13587 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "فالق الحب والنوى" ، قال: الشقان اللذان فيهما.
13588- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13589- حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد، عن حصين، عن أبي مالك في قول الله: "إن الله فالق الحب والنوى" ، قال: الشق الذي يكون في النواة وفي الحنطة.
13590- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: "فالق الحب والنوى" ، قال: الشقان اللذان فيهما.
13591 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "فالق الحب والنوى" ، يقول: خالق الحب والنوى، يعني كلّ حبة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، ما قدّمنا القول به. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك بإخباره عن إخراجه الحي من الميت والميت من الحي، فكان معلومًا بذلك أنه إنَّما عنى بإخباره عن نفسه أنّه فالق الحب عن النبات، والنوى عن الغُرُوس والأشجار، كما هو مخرج الحي من الميت، والميّت من الحي.
* * *
وأما القول الذي حكي عن الضحاك في معنى "فالق" ، أنه خالق، فقولٌ = إن لم يكن أراد به أنّه خالق منه النبات والغُروس بفلقه إياه = لا أعرف له وجهًا، لأنه لا يعرف في كلام العرب: "فلق الله الشيء" ، بمعنى: خلق.
* * *
القول في تأويل قوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يخرج السنبل الحيّ من الحبّ الميت، ومخرج الحبِّ الميت من السنبل الحيّ، والشجرِ الحيّ من النوى الميت، والنوى الميِّت من الشجر الحيّ.
* * *
والشجر ما دام قائمًا على أصوله لم يجفّ، والنبات على ساقه لم ييبَس، فإن العرب تسميه "حَيًّا" ، فإذا يبس وجفّ أو قطع من أصله، سمّوه "ميتًا" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13592 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "يخرج الحي من الميت" ، فيخرج السنبلة الحية من الحبة الميتة، ويخرج الحبة الميتة من السنبلة الحية، ويخرج النخلة الحية من النواة الميتة، ويخرج النواة الميتة من النخلة الحية.
13593 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك: "يخرج الحي من الميت ومخرج المميت من الحي" ، قال: النخلة من النواة، والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة، والسنبلة من الحبة.
* * *
وقال آخرون بما:-
13594- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "إن الله فالق الحبّ والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحيّ" ، قال: يخرج
النطفة الميتة من الحي، ثم يخرج من النطفة بشرًا حيًّا.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا التأويل الذي اخترنا في ذلك، لأنه عَقِيب قوله: "إن الله فالقُ الحب والنوى" ، على أن قوله: "يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي" ، وإن كان خبرًا من الله عن إخراجه من الحبّ السنبل ومن السنبل الحب، فإنه داخل في عمومه ما رُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك. وكل ميّت أخرجه الله من جسمٍ حَيٍّ، وكل حيّ أخرجه الله من جسمٍ ميتٍ.
* * *
وأما قوله: "ذلكم الله" ، فإنه يقول: فاعل ذلك كلِّه اللهُ جل جلاله = "فأنى تؤفكون" ، يقول: فأيّ وجوه الصدّ عن الحقّ، أيها الجاهلون، تصدّون عن الصواب وتصرفون، (1) أفلا تتدبرون فتعلمون أنّه لا ينبغي أن يُجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحب والنوى، فأخرج لكم من يابس الحب والنوى زروعًا وحُروثًا وثمارًا تتغذون ببعضه وتفكّهون ببعضه، شريكٌ في عبادته ما لا يضر ولا ينفع، ولا يسمع ولا يبصر؟
القول في تأويل قوله: {فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}
قال أبو جعفر: يعني بقوله: "فالق الإصباح" ، شاقٌّ عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده. (2)
* * *
و "الإصباح" مصدر من قول القائل: "أصبحنا إصباحًا" .
* * *
(1)
انظر تفسير "الأفك" فيما سلف 10: 485، 486.

(2)
انظر تفسير "الفلق" فيما سلف قريبًا ص: 550.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال عامة أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13595 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: "فالق الإصباح" ، قال: إضاءة الصبح.
13596 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي، نجيح، عن مجاهد: "فالق الإصباح" ، قال: إضاءة الفجر.
13597- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13598 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فالق الإصباح" ، قال: فالق الصُّبح.
13599 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: "فالق الإصباح" ، يعني بالإصباح، ضوءَ الشمس بالنهار، وضوءَ القمر بالليل.
13600 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: "فالق الإصباح" ، قال: فالق الصبح.
13601- حدثنا به ابن حميد مرة بهذا الإسناد، عن مجاهد فقال في قوله: "فالق الإصباح" ، قال إضاءة الصبح.
13602 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "فالق الإصباح" ، قال: فلق الإصباح عن الليل.
13603 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "فالق الإصباح" ، يقول: خالق النور، نور النهار.
* * *





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #625  
قديم 15-07-2025, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (625)
صــ 556 إلى صــ 565





وقال آخرون: معنى ذلك: خالق الليل والنهار.
* ذكر من قال ذلك:
13604 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: (فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا) ، (1) يقول: خلق الليل والنهار.
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنّه كان يقرأ: (فَالِقُ الأصْبَاحِ) ، بفتح الألف، كأنه تأول ذلك بمعنى جمع "صبح" ، كأنه أراد صبح كل يوم، فجعله "أصباحًا" ، ولم يبلغنا عن أحد سواه أنه قرأ كذلك. والقراءة التي لا نستجيز تعدِّيها، بكسر الألف: (2) (فالِقُ الإصْبَاح) ، لإجماع الحجة من القرأة وأهل التأويل على صحة ذلك ورفضِ خلافه.
* * *
وأما قوله: "وجاعِلُ الليل سكنًا" ، فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض البصريين: (3) (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ) بالألف على لفظ الاسم، ورفعه عطفًا على "فالق" ، وخفض "الليل" بإضافة "جاعل" إليه، ونصب "الشمس والقمر" ، عطفًا على موضع "الليل" ، لأن "الليل" وان كان مخفوضًا في اللفظ، فإنه في موضع النصب، لأنه مفعول "جاعل" . وحسن عطف ذلك على معنى "الليل" لا على لفظه، لدخول قوله: "سكنًا" بينه وبين "الليل" ، قال الشاعر: (4)
قُعُوداً لَدَى الأبْوَابِ طُلابَ حاجَةٍ ... عَوَانٍ مِنَ الْحَاجَاتِ أَوْ حَاجَةً بِكْرًا (5)
(1)
هذه قراءة أهل الحجاز كما سيذكر بعد، وتركتها على قراءتهم في هذا الخبر.

(2)
في المطبوعة: "لا نستجيز غيرها" ، يدل ما كان في المخطوطة وهو محض صواب.

(3)
في المطبوعة: "عامة قراء الحجاز" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
هو الفرزدق.

(5)
سلف البيت وتخريجه وتفسيره فيما سلف 2: 195، وأزيد هنا مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 201 وروي هناك: "قعود" بالرفع، كما أشرت إليه ثم.

فنصب "الحاجة" الثانية، عطفًا بها على معنى "الحاجة" الأولى، لا على لفظها، لأن معناها النصب، وإن كانت في اللفظ خفضًا. وقد يجيء مثل هذا أيضًا معطوفًا بالثاني على معنى الذي قبله لا على لفظه، وإن لم يكن بينهما حائل، كما قال بعضهم: (1)
بَيْنَا نَحْنُ نَنْظُرْهُ أَتَانَا ... مُعلِّقَ شِكْوَةٍ وَزِنادَ رَاعِ (2)
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ) ، على "فَعَلَ" ، بمعنى الفعل الماضي، ونصب "الليل" .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى، غير مختلفتيه، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في الإعراب والمعنى.
* * *
وأخبر جل ثناؤه أنه جعل الليل سكنًا، لأنه يسكن فيه كل متحرك بالنهار، ويهدأ فيه، فيستقر في مسكنه ومأواه.
* * *
(1)
لرجل من قيس عيلان، ونسب أيضا لنصيب

(2)
سيبويه 1: 87، معاني القرآن للفراء 1: 346، الصاحبي: 118، شرح شواهد المغني: 270، والذي هنا رواية الفراء وابن فارس. ورواية سيبويه "بيننا نحن نطلبه" ، وفي شرحه "نرقبه" ، وروايته أيضًا "معلق وفضة" . وكان في المطبوعة هنا: "فبيننا" بالفاء، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المطبوعة: "شلوه" وهو خطأ.

"ننظره" : نرقبه وننتظره. و "الشكوة" : وعاء كالدلو أو القرية الصغيرة، يبرد فيه الماء، ويحبس فيه اللبن. وأما "الوفضة" ، فهي خريطة كالجعبة، يحمل فيها الراعي أدلته وزاده.
ولم أجد بقية الشعر.
القول في تأويل قوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك:
فقال بعضهم: معنى ذلك: وجعل الشمس والقمر يجريان في أفلاكهما بحساب.
* ذكر من قال ذلك:
13605 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "والشمس والقمر حسبانًا" ، يعني: عدد الأيام والشهور والسنين.
13606 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "والشمس والقمر حسبانًا" ، قال: يجريان إلى أجلٍ جُعل لهما.
13607 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "والشمس والقمر حسبانًا" ، يقول: بحساب.
13608 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "والشمس والقمر حسبانًا" ، قال: الشمس والقمر في حساب، فإذا خَلَتْ أيامهما فذاك آخرُ الدهر، وأول الفزع الأكبر = "ذلك تقدير العزيز العليم" .
13609- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "والشمس والقمر حسبانًا" ، قال: يدوران في حساب.
13610 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد: "والشمس والقمر حسبانًا" ، قال هو مثل قوله: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يس: 40] ، ومثل قوله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [سورة الرحمن: 5] .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وجعل الشمس والقمر ضياء.
* ذكر من قال ذلك:
13611- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "والشمس والقمر حسبانًا" ، أي ضياء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل ذلك عندي بالصواب، تأويل من تأوَّله: وجعل الشمس والقمرَ يجريان بحساب وعددٍ لبلوغ أمرهما ونهاية آجالهما، ويدوران لمصالح الخلق التي جُعِلا لها.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله تعالى ذكره ذكَر قبلَه أياديه عند خلقه، وعظم سلطانه، بفلقه الإصباح لهم، وإخراج النبات والغِراس من الحب والنوى، وعقّب ذلك بذكره خلق النجوم لهدايتهم في البر والبحر. فكان وصفه إجراءه الشمس والقمرَ لمنافعهم، أشبه بهذا الموضع من ذكر إضاءتهما، لأنه قد وصف ذلك قبلُ بقوله: "فالق الإصباح" ، فلا معنى لتكريره مرة أخرى في آية واحدة لغير معنى.
* * *
و "الحسبان" في كلام العرب جمع "حِساب" ، كما "الشُّهبان" جمع شهاب. (1) وقد قيل إن "الحسبان" ، في هذا الموضع مصدر من قول القائل: "حَسَبْتُ الحساب أحسُبُه حِسابًا وحُسْبانًا" . وحكي عن العرب: "على الله حُسْبان فلان وحِسْبته" ، أي: حسابه.
* * *
(1)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 201.

وأحسب أن قتادة في تأويل ذلك بمعنى الضياء، ذهب إلى شيء يروى عن ابن عباس في قوله: وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ [سورة الكهف: 40] . قال: نارًا، فوجه تأويل قوله: "والشمس والقمر حسبانًا" ، إلى ذلك التأويل. وليس هذا من ذلك المعنى في شيء.
* * *
وأما "الحِسبان" بكسر "الحاء" ، فإنه جمع "الحِسبانة" ، (1) وهي الوسادة الصغيرة، وليست من الأوَّليين أيضًا في شيء. يقال: "حَسَّبته" ، أجلستُه عليها.
* * *
ونصب قوله: "حسبانًا" بقوله: "وجعل" .
* * *
وكان بعض البصريين يقول: معناه: "والشمس والقمرَ حسبانًا" ، أي: بحساب، فحذف "الباء" ، كما حذفها من قوله: هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ " [سورة الأنعام: 117] ، أي: أعلم بمن يضل عن سبيله. (2) "
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا الفعل الذي وصفه أنه فعله، وهو فلقه الإصباح، وجعله الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا، تقدير الذي عزّ سلطانه، فلا يقدر أحد أراده بسوء وعقاب أو انتقام، من الامتناع منه = "العليم" ، بمصالح خلقه وتدبيرهم = لا تقديرُ الأصنام والأوثان التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تفقه شيئًا ولا تعقله، ولا تضر ولا تنفع، وإن أريدت بسوء لم تقدر على
(1)
هكذا قال أبو جعفر "بكسر الحاء" والذي أطبقت عليه كتب اللغة أنه بضم الحاء، ولم يشيروا إلى كسر الحاء في هذه.

(2)
قائل هذا هو الأخفش، كما هو بين في لسان العرب (حسب) .

الامتناع منه ممن أرادها. (1) يقول جل ثناؤه: وأخلصوا، أيها الجهلة، عبادتَكم لفاعل هذه الأشياء، ولا تشركوا في عبادته شيئًا غيره.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي جعل لكم، أيها الناس، النجوم أدلةً في البر والبحر إذا ضللتم الطريق، أو تحيرتم فلم تهتدوا فيها ليلا تستدلّون بها على المحجَّة، فتهتدون بها إلى الطريق والمحجة، فتسلكونه وتنجون بها من ظلمات ذلك، كما قال جل ثناؤه: وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [سورة النحل: 16] ، أي: من ضلال الطريق في البرّ والبحر = وعنى بالظلمات، ظلمة الليل، وظلمة الخطأ والضلال، وظلمة الأرض أو الماء.
* * *
وقوله: "قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون" ، يقول: قد ميَّزنا الأدلة، وفرَّقنا الحجج فيكم وبيّناها، أيها الناس، (2) ليتدبّرها أولو العلم بالله منكم، ويفهمها أولو الحجا منكم، فينيبوا من جهلهم الذي هم مقيمون عليه، وينزجروا عن خطأ فعلهم الذي هم عليه ثابتون، ولا يتمادوا عنادًا لله = مع علمهم بأن ما هم عليه مقيمون خطأ = في غَيِّهم. (3)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
(1)
انظر تفسير "العزيز" و "العليم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(2)
انظر تفسير "فصل" فيما سلف ص: 394 - 396.

(3)
في المطبوعة: "ولا يتمادوا في عناد الله" ، زاد "في" ، فأفسد الكلام غاية الإفساد، وسياق العبارة "ولا يتمادوا عنادًا لله. . .في غيهم" ، وفصلت الجملة المعترضة بخطين.

* ذكر من قال ذلك:
13612 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر" ، قال: يضلّ الرجل وهو في الظلمة والجور عن الطريق.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإلهكم، أيها العادلون بالله غيره = "الذي أنشأكم" ، يعني: الذي ابتدأ خلقكم من غير شيء، فأوجدكم بعد أن لم تكونوا شيئًا (1) = "من نفس واحدة" ، يعني: من آدم كما:-
13613 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "من نفس واحدة" ، قال: آدم عليه السلام.
13614 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة" ، من آدم عليه السلام.
* * *
وأما قوله: "فمستقر ومستودع" ، فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون.
فقال بعضهم: معنى ذلك: وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمنكم مستقِرٌّ في الرحم، ومنكم مستودع في القبر حتى يبعثه الله لنَشْر القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
13615 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن إبراهيم، عن عبد الله: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا، [سورة هود: 6] . قال: "مستقرها" ، في الأرحام = "ومستودعها" ، حيث تموت.
(1)
انظر تفسير "أنشأ" فيما سلف: 263، 264.

13616- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن إسماعيل، عن إبراهيم، عن عبد الله أنه قال: "المستودع" حيث تموت، و "المستقر" ، ما في الرحم.
13617- حدثت عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال: "المستقر" ، الرحم، و "المستودع" ، المكان الذي تموت فيه.
13618 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا محمد بن فضيل وعلي بن هاشم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن إبراهيم: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا قال: (مُسْتَقَرَّهَا) ، في الأرحام = (وَمُسْتَوْدَعَهَا) ، في الأرض، حيث تموت فيها.
13619 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مقسم قال: "مستقرها" ، في الصلب حيث تأويل إليه = "ومستودعها" ، حيث تموت.
* * *
وقال آخرون: "المستودع" ، ما كان في أصلاب الآباء = و "المستقر" ، ما كان في بطون النساء، وبطون الأرض، أو على ظهورها.
* ذكر من قال ذلك:
13620 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير في قوله: "فمستقر ومستودع" ، قال: مستودعون، ما كانوا في أصلاب الرجال. فإذا قرّوا في أرحام النساء أو على ظهر الأرض أو في بطنها، فقد استقرّوا.
13621- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن علية، عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير: "فمستقر ومستودع" ، قال: المستودعون ما كانوا في أصلاب الرجال. فإذا قرّوا في أرحام النساء أو على ظهر الأرض، فقد استقروا.
13622- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} ، [سورة هود: 6] . قال: "المستودع" في الصلب = و "المستقر" ، ما كان على وجه الأرض أو في الأرض. (1)
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمستقر في الأرض على ظهورها، ومستودع عند الله.
* ذكر من قال ذلك:
13623 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن المغيرة، عن أبي الجبر بن تميم بن حذلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "المستقر" الأرض، "والمستودع" ، عند الرحمن. (2)
(1)
الأثر: 13622 - "المغيرة بن النعمان النخعي" ، يروي عن سعيد بن جبير، وروى عنه شعبة، والثوري، ومسعر، وغيرهم. ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 4/1/325، وابن أبي حاتم 4/1/231.

(2)
الأثر: 13623 - "المغيرة" في هذ1 الإسناد، هو "المغيرة بن مقسم الضبي" ، إمام مشهور، مضى مرارًا، آخرها رقم: 9292. و "أبو الجبر بن تميم بن حذلم" ، كان في المطبوعة هنا، وفي رقم: 13629، 13637 "أبو الخير تميم بن حذلم" ، وفي المخطوطة: "أبو الحر تميم بن حذلم" ، غير منقوطة وبإسقاط "بن" ، وهوخطأ. فإن "تميم بن حذلم الضبي" كنيته "أبو سلمة" ، أو "أبو حذلم" ، وهو من أصحاب عبد الله بن مسعود، وأدرك أبا بكر، فهو تابعي قديم، وليس يروى عنه "مغيرة" ، إنما يروى عنه من طريق ابنه هذا، ومن طريق إبراهيم اللخعي. وهو مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/151، 152، وابن أبي حاتم 1/1/442. وأما ابنه "أبو الجبر بن تميم" ، فاسمه "عبد الرحمن بن تميم بن حذلم الضبي" ، روى عنه أبو إسحق الهمداني، ومغيرة. فلذلك صححت ما كان في المخطوطة، والمطبوعة، وزدت "بن" ، وكذلك أشار إليه البخاري في التاريخ وغيره في ترجمة أبيه، الكبير 1/2/151، 152. و "أبو الجبر" بالجيم والباء، وهو مذكور في أكثر الكتب "أبو الخير" ، وهو خطأ، ضبطه عبد الغني في المؤتلف والمختلف، وابن ماكولا، والدولابي، وكذلك ذكره ابن أبي حاتم في الكنى (4/ 2/ 355) في حرف الجيم، وهو مترجم أيضًا فيه 2/2/218. وانظر الأثرين التاليين رقم: 13629، 13637.

13624 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "المستقر" ، الأرض، و "المستودع" ، عند ربك.
13625 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن إبراهيم قال، قال عبد الله: "مستقرها" ، في الدنيا، "ومستودعها" ، في الآخرة = يعني= "فمستقر ومستودع" .
13626 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: "المستودع" ، في الصلب، و "المستقر" ، في الآخرة وعلى وجه الأرض.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمستقر في الرحم، ومستودع في الصلب.
* ذكر من قال ذلك:
13627 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي الحارث، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله: "فمستقر ومستودع" ، قال: مستقر في الرحم، ومستودع في صلب، لم يخلق سَيُخلق. (1)
13628 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن يحيى الجابر، عن عكرمة: "فمستقر ومستودع" ، قال: "المستقر" ، الذي قد استقر في الرحم، و "المستودع" ، الذي قد استودع في الصلب. (2)
13629 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الجبر تميم، عن سعيد بن جبير، قال ابن عباس: سل! فقلت: "فمستقرّ"
(1)
في المطبوعة: "وسيخلق" بزيادة الواو، ولا ضرورة لها.

(2)
الأثر: 13628 - "يحيى الجابر" ، هو "يحيى بن المجبر" منسوبًا لجده، و "يحيى بن عبد الله بن الحارث بن المجبر التيمي" ، مضى برقم: 10188 - 10190، وكان في المطبوعة هنا "يحيى الجابري" ، وهو خطأ صرف.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #626  
قديم 15-07-2025, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (626)
صــ 566 إلى صــ 575







ومستودع "؟ قال:" المستقر "، في الرحم، و" المستودع "، ما استودع في الصلب. (1) "
13630- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: "فمستقر ومستودع" ، قال: "المستقر" الرحم، و "المستودع" ، ما كان عند رب العالمين مما هو خالقه ولم يخلق.
13631- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [سورة هود: 6] ، قال: "المستقر" ، ما كان في الرحم مما هو حيٌّ، ومما قد مات = و "المستودع" ، ما في الصلب.
13632- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جيير قال: قال لي ابن عباس، وذلك قبل أن يَخْرُج وجهي (2) أتزوّجت يا ابن جبير؟ قال: قلت لا وما أريد ذاك يومي هذا! قال فقال: أما إنه مع ذلك سيخرج ما كان في صلبك من المستودَعين.
13633- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جيير قال: قال لي ابن عباس: تزوجت؟ قلت: لا! قال: فضرب ظهري وقال: ما كان من مستودَع في ظهرك سيخرج.
13634- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "فمستقر ومستودع" ، قال: "المستقر" ، في الأرحام، و "المستودع" ، في الصلب، لم يخلق وهو خالقه.
13635- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
الأثر: 13629 - "أبو الجبر بن تميم" ، انظر التعليق على رقم: 13623، وكان في المطبوعة: "أبو الخير تميم" ، وفي المخطوطة: "أبو الحبر تميم" غير منقوط، وهما خطأ.

(2)
قوله: "وذلك قبل أن يخرج وجهي" ، يعني: قبل أن تنبت لحيته، وهذا تعبير عزيز لا تجد تفسيره في كتب اللغة والمجاز، فقيده.

معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فمستقر ومستودع" ، قال: "المستقر" ، في الرحم، و "المستودع" ، ما استودع في أصلاب الرجال والدوابّ.
13636 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قال: "المستقر" ، ما استقرّ في الرحم، و "المستودع" ، ما استودع في الصلب.
13637- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الجبر بن تميم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بنحوه. (1)
13638 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبيدة بن حميد، عن عمار الدهني، عن رجل، عن كريب قال: دعاني ابن عباس فقال: اكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عباس، إلى فلان حَبْر تَيْماء، سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد = قال، فقلت: تبدؤه تقول: السلام عليك؟ فقال: إن الله هو السلام = ثم قال: اكتب" سلامٌ عليك، أما بعد، فحدثني عن: "مستقر ومستودع" . قال: ثم بعثني بالكتاب إلى اليهودي، فأعطيته إياه. فلما نظر إليه قال: مرحبًا بكتاب خليلي من المسلمين! فذهب بي إلى بيته، ففتح أسفاطًا له كبيرة، (2) فجعل يطرح تلك الأشياء لا يلتفت إليها. قال قلت: ما شأنك؟ قال: هذه أشياء كتبها اليهود! حتى أخرج سفر موسى عليه السلام، قال: فنظر إليه مرتين فقال: "المستقر" ، الرحم، قال: ثم قرأ: {وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ} [سورة الحج: 5] ، وقرأ: {وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ} ، [سورة البقرة:36] ، [سورة الأعراف:24] . قال: مستقرُّه فوق
(1)
الأثر: 13637 - "أبو الجبر بن تميم" ، مضى برقم: 13623، 13629، تصحيحه، وكان هنا أيضًا في المطبوعة: "أبو الخير تميم" ، وفي المخطوطة: "أبو الخير تميم" غير منقوط.

(2)
"الأسفاط" جمع "سفط" (بفتحتين) : وهو وعاء كالجوالق، وبين الخبر هنا أنهم كانوا يستخدمونه في حفظ الكتب والأسفار.

الأرض، ومستقرُّه في الرحم، ومستقره تحت الأرض حتى يصير إلى الجنة أو إلى النار. (1)
13639 - حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: "فمستقر ومستودع" ، قال: "المستقر" ، ما استقر في أرحام النساء، و "المستودع" ، ما استودع في أصلاب الرجال.
13640- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: "المستقر" ، الرحم، و "المستودع" ، في أصلاب الرجال.
13641- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن عطاء = وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد = قال: "المستقر" ، الرحم، و "المستودع" ، في الأصلاب.
13642- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثناعيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فمستقر" ، ما استقر في أرحام النساء = "ومستودع" ، ما كان في أصلاب الرجال.
13643- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
13644- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قال: "المستقر" ، ما استقر في الرحم، و "المستودع" ، ما استودع في الصلب.
13645- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "المستقر" ، الرحم، "والمستودع" ، الصلب.
(1)
الأثر: 13638 - "كريب" هو "كريب بن أبي مسلم الهاشمي" مولى ابن عباس، تابعي ثقة، مضى برقم: 1075.

13646 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عون قال: أتينا إبراهيم عند المساء فأخبرونا أنه قد مات، فقلنا: هل سأله أحدٌ عن شيء؟ قالوا: عبد الرحمن بن الأسود، عن "المستقر" و "المستودع" ، فقال: "المستقر" ، في الرحم، و "المستودع" ، في الصلب.
13647- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا ابن عون قال: أتينا إبراهيم وقد مات، قال: فحدثني بعضهم: أنّ عبد الرحمن بن الأسود سأله قبل أن يموت عن "المستقر" و "المستودع" ، فقال: "المستقر" ، في الرحم، "والمستودع" ، في الصلب.
13648- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون: أتينا منزل إبراهيم، فسألنا عنه فقالوا: قد توفي. وسأله عبد الرحمن بن الأسود، فذكر نحوه.
13649- حدثني به يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون: أنه بلغه: أنّ عبد الرحمن بن الأسود سأل إبراهيم عن ذلك، فذكر نحوه.
13650- حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن العلاء بن هارون قال: انتهيت إلى منزل إبراهيم حين قبض، فقلت لهم: هل سأله أحد عن شيء؟ قالوا: سأله عبد الرحمن بن الأسود عن "مستقر ومستودع" ، فقال: أما "المستقر" ، فما استقر في أرحام النساء، و "المستودع" ، ما في أصلاب الرجال. (1)
(1)
الأثر: 13650 - "عبيد الله بن محمد بن هرون الفريابي" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 17، 9227.

و "ضمرة بن ربيعة الفلسطيني" ، مضى برقم: 7134، 12868.
و "العلاء بن هرون الواسطي" ، سكن الرملة. روى عن ابن عون. ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/1/362.
وأخشى أن يكون هذا الخبر، عن العلاء بن هرون، عن ابن عون، بل أرجح أن يكون كذلك.
13651- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد في "فمستقر ومستودع" ، قال: "المستقر" ، الرحم، و "المستودع" ، الصلب.
13652 - حدثني يونس قال، حدثني سفيان، عن رجل حدَّثه، عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: ألا تنكح؟ ثم قال: أما إني أقول لك هذا، وإني لأعلم أن الله مخرجٌ من صلبك ما كان فيه مستودَع. (1)
13653- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: "المستقر" ، في الرحم، و "المستودع" ، في الصلب.
13654- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس: "فمستقر ومستودع" ، قال: "مستقر" ، في الرحم، و "مستودع" ، في الصلب.
13655 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "فمستقر ومستودع" ، قال: "مستقر" ، في الرحم، و "مستودع" ، في الصلب.
13656 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: "فمستقر ومستودع" ، أما "مستقر" ، فما استقر في الرحم = وأما "مستودع" ، فما استودع في الصلب.
13657 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فمستقر ومستودع" ، قال: "مستقر" ، في الأرحام، "ومستودع" ، في الأصلاب.
13658- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة: "ما كان فيه مستودعًا" ، غير ما في المخطوطة بلا طائل.

حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير = وأبي حمزة، عن إبراهيم = قالا "مستقر ومستودع" ، "المستقر" ، في الرحم، و "المستودع" ، في الصلب.
* * *
وقال آخرون: "المستقر" ، في القبر، "والمستودع" ، في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
13659 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: "مستقر" ، في القبر، "ومستودع" في الدنيا، وأوشك أن يلحق بصاحبه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه عمّ بقوله: "فمستقر ومستودع" ، كلَّ خلقه الذي أنشأ من نفس واحدة، مستقرًّا ومستودعًا، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى. ولا شك أنّ من بني آدم مستقرًّا في الرحم، ومستودعًا في الصلب، ومنهم من هو مستقر على ظهر الأرض أو بطنها، ومستودع في أصلاب الرجال، ومنهم مستقر في القبر، مستودع على ظهر الأرض. فكلٌّ "مستقر" أو "مستودع" بمعنى من هذه المعاني، فداخل في عموم قوله: "فمستقر ومستودع" ومراد به، إلا أن يأتي خبرٌ يجب التسليم له بأنه معنيٌّ به معنى دون معنى، وخاص دون عام.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "فمستقر ومستودع" .
فقرأت ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ، بمعنى: فمنهم من استقرّه الله في مقرِّه، فهو مستقَرٌّ = ومنهم من استودعه الله فيما استودعه فيه، فهو مستودَع فيه.
* * *
وقرأ ذلك بعض أهل المدينة وبعض أهل البصرة: (فَمُسْتَقِرٌّ) ، بكسر "القاف"
بمعنى: فمنهم من استقرّ في مقرّه، فهو مستقِرّ به.
* * *
وأولى القراءتين بالصواب عندي، وإن كان لكليهما عندي وجه صحيح: (فَمُسْتَقَرٌّ) ، بمعنى: استقرّه الله في مستقَرِّه، ليأتلف المعنى فيه وفي "المستودَع" ، في أن كل واحد منهما لم يسمَّ فاعله، وفي إضافة الخبر بذلك إلى الله في أنه المستقِرُّ هذا، والمستودِع هذا. وذلك أن الجميع مجمعون على قراءة قوله: "ومستودَع" بفتح "الدال" على وجه ما لم يسمَّ فاعله، فإجراء الأوّل = أعني قوله: "فمستقر" = عليه، أشبه من عُدُوله عنه.
* * *
وأما قوله: "قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون" ، يقول تعالى: قد بيّنا الحجج، وميزنا الأدلة والأعلام وأحكمناها (1) = "لقوم يفقهون" ، مواقعَ الحجج ومواضع العبر، ويفهمون الآيات والذكر، (2) فإنهم إذا اعتبروا بما نبّهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عاينوا من البشر، وخلقي ما خلقت منها من عجائب الألوان والصور، علموا أنّ ذلك من فعل من ليس له مثل ولا شريك فيشركوه في عبادتهم إياه، كما:-
13660- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون" ، يقول: قد بينا الآيات لقوم يفقهون.
* * *
(1)
انظر تفسير "فصل" فيما سلف ص: 561، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "فقه" فيما سلف ص: 433، تعليق2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي له العبادة خالصة لا شريك فيها لشيء سواه، (1) هو الإله الذي أنزل من السماء ماء = "فأخرجنا به نبات كل شيء" ، فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء من غذاء الأنعام والبهائم والطير والوحش وأرزاق بني آدم وأقواتهم، ما يتغذون به ويأكلونه فينبتُون عليه وينمون. وإنما معنى قوله: "فأخرجنا به نبات كل شيء" ، فأخرجنا به ما ينبت به كل شيء وينمو عليه ويصلحُ.
* * *
ولو قيل: معناه: فأخرجنا به نبات جميع أنواع النبات، فيكون "كل شيء" ، هو أصناف النبات = كان مذهبًا، وإن كان الوجه الصحيح هو القولَ الأول. (2)
* * *
وقوله: "فأخرجنا منه خضرًا" ، يقول: "فأخرجنا منه" ، يعني: من الماء الذي أنزلناه من السماء = "خَضِرًا" ، رطبًا من الزرع.
* * *
"والخضر" ، هو "الأخضر" ، كقول العرب: "أرِنيهَا نَمِرة، أُرِكْها مَطِرَة" . (3) يقال: "خَضِرَت الأرض خَضَرًا. وخَضَارة" . (4) و "الخضر" رطب البقول،
(1)
في المطبوعة: "لا شركة فيها لشيء سواء" ، غير ما في المخطوطة بسوء رأي!!

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 347.

(3)
هذا مثل، نسبه صاحب اللسان في (نمر) إلى أبي ذؤيب الهذلي، ولم ينسبه في (خضر) ، ورواه الميداني في الأمثال 1: 258، وأبو هلال في جمهرة الأمثال: 14، ولم ينسباه إليه، وأذكر أني قرأت قصته ثم افتقدتها الآن فلم أجدها. وقوله: "نمرة" يعني، سحابة، وهو أن يكون سواد وبياض ونمرة، يضرب مثلا في صحة مخيلة الشيء، وصحة الدلالة عليه. وذلك إذا رأيت دليل الشيء، علمت ما يتبعه.

(4)
"الخضارة" مصدر، مثل "الغضارة" ، لم يذكر في مادته من كتب اللغة.

ويقال: "نخلة خضيرة" ، إذا كانت ترمي ببسرها أخضر قبل أن ينضج. و "قد اختُضِر الرجل" و "اغْتُضِر" ، إذا مات شابًّا مُصَحَّحًا. ويقال: "هو لك خَضِرًا مَضِرًا" ، أي هنيئًا مريئًا. (1)
* * *
قوله: "نخرج منه حبًّا متراكبًا" ، يقول: نخرج من الخضر حبًّا = يعني: ما في السنبل، سنبل الحنطة والشعير والأرز، (2) وما أشبه ذلك من السنابل التي حبُّها يركب بعضه بعضًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13661 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا" ، فهذا السنبل.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن النخل من طلعها قنوانه دانية، (3) = ولذلك رفعت "القِنوان" .
* * *
(1)
ذكره صاحب اللسان في (خضر) ، ولم يذكره في (مضر) . و "المضر" الغض الطري.

(2)
انظر تفسير "الحب" فيما سلف ص: 550.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "ومن النخل من طلعها قنوان دانية" ، وهو نص الآية، وهو بيان لا يستقيم، وإنما الصواب ما أثبت، استظهرته من معاني القرآن للفراء 1: 347.

و "القنوان" جمع "قِنْو" ، كما "الصنوان" جمع "صِنْو" ، وهو العِذْق، (1) يقال للواحد هو "قِنْو" ، و "قُنْو" و "قَنَا" ، يثنى "قِنوانِ" ، ويجمع "قنوانٌ" و "قُنوانٌ" . (2) قالوا في جمع قليله: "ثلاثة أقْناء" . و "القِنوان" من لغة الحجاز، و "القُنْوان" ، من لغة قيس، وقال امرؤ القيس:
فَأَثَّتْ أَعَالِيهِ، وَآدَتْ أُصُولُهُ ... وَمَالَ بِقِنْوانٍ مِنَ البُسْرِ أَحْمَرَا (3)
و "قِنْيان" ، جميعًا، وقال آخر: (4)
لَهَا ذَنَبٌ كَالْقِنْوِ قَدْ مَذِلَتْ بِهِ ... وَأَسْحَمَ لِلتَّخْطَارِ بَعْدَ التَّشَذُّرِ (5)
(1)
"العذق" (بكسر فسكون) : كباسة النخل وعراجينها.

(2)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 202.

(3)
ديوانه: 67، واللسان (قنا) ، وغيرها كثير. من قصيدته المستجادة، وهو من أولها، يصف ظعن الحي يشبهها بالنخل، يقول قبله: بِعَيْنيَّ ظُعْنُ الحَيِّ لَمَّا تَحَمَّلُوا ... لَدَى جَانِبِ الأَفْلاجِ مِنْ جَنْبِ تَيْمرَا

فَشَبَّهْتُهُمْ فِي الآلِ لَمَّا تَكَمَّشُوا ... حَدَائِقَ دَوْمٍ، أوْ سَفِينًا مُقَيَّرَا
أَوِ المُكْرِعَاتِ من نَخِيلِ ابْنِ يَامِنٍ ... دُوَيْنَ الصَّفَا اللائِي يَلِينَ المُشقّرا
سَوَامِقَ جَبَّارٍ أَثِيثٍ فُرُوعُهُ ... وَعَالَيْنَ قِنْوَانًا مِنَ البُسْرِ أَحْمَرَا
فهذه رواية أخرى غير التي رواها أبو جعفر وغيره. وقوله: "فأثت أعاليه" : أي: عظمت والتفت من ثقل حملها. وقوله: "آدت" ، أي تثنت ومالت.
(4)
لم أعرف قائله.

(5)
رواه أبو زيد في نوادره: 182، بيتًا مفرادًا، وقال في تفسيره: "التشذر" ، إذا لقحت الناقة عقدت ذنبها ونصبته على عجزها من التخيل، فذاك التشذر. و "المذل" (بفتحتين) : أن لا تحرك ذنبها. ولم أعرف لقوله "أسحم" في هذا البيت معنى، ورواية أبي زيد: "وأسمح" ، وهو حق المعنى فيما أرجح. و "التخطار" ، مصدر "خطر الفحل بذنبه خطرًا وخطرانًا وخطيرًا" ، رفعه مرة بعد مرة، وضرب به حاذيه، وهما ما ظهر من فخذيه حيث يقع شعر الذنب. وهذا المصدر لم يذكر في شيء من معاجم اللغة. والمعنى: أنها أقرت ذنبها، ثم أسمح لها بعد نشاطها وتبخترها فاسترخى. هكذا ظننت معناه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #627  
قديم 15-07-2025, 11:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (627)
صــ 1 إلى صــ 9





وتميم تقول: "قُنْيان" بالياء.
* * *
ويعني بقوله: "دانية" ، قريبة متهدّلة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13662 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "قنوان دانية" ، يعني ب "القنوان الدانية" ، قصار النخل، لاصقة عُذُوقها بالأرض.
13663 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "من طلعها قنوان دانية" ، قال: عذوق متهدلة.
13664- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "قنوان دانية" ، يقول: متهدلة.
13665 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: "قنوان دانية" ، قال: قريبة.
13666- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب: "قنوان دانية" ، قال: قريبة.
13667- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ومن النخل من طلعها قنوان دانية" ، قال: الدانية، لتهدُّل العُذوق من الطلع.
13668 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ومن النخل من طلعها قنوان دانية" ، يعني النخل القصارَ الملتزقة بالأرض، و "القنوان" طلعه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأخرجنا أيضًا جنات من أعناب = يعني: بساتينَ من أعناب. (1)
* * *
واختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة القرأة: (وَجَنَّاتٍ) نصبًا، غير أن "التاء" كسرت، لأنها "تاء" جمع المؤنث، وهي تخفض في موضع النصب. (2)
* * *
وقد:-
13669- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام، عن الكسائي قال، أخبرنا حمزة، عن الأعمش أنه قرأ: (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ) .
* * *
= بالرفع، فرفع "جنات" على إتباعها "القنوان" في الإعراب، وإن لم تكن من جنسها، كما قال الشاعر:
وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الوَغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا (3)
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز أن يقرأ ذلك إلا بها، النصبُ: (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ) ، لإجماع الحجة من القرأة على تصويبها والقراءة بها، ورفضهم ما عداها، وبُعْدِ معنى ذلك من الصواب إذ قرئ رفعًا.
* * *
(1)
انظر تفسير "الجنات" فيما سلف من فهارس اللغة (جنن)

(2)
في المطبوعة، أسقط "في" من الكلام سهوًا.

(3)
مضى البيت وتخريجه مرارًا 1: 140/6: 423/ 10: 408.

وقوله: "والزيتون والرمان" ، عطف ب "الزيتون" على "الجنات" ، بمعنى: وأخرجنا الزيتونَ والرمان مشتبهًا وغير متشابه.
* * *
وكان قتادة يقول في معنى "مشتبهًا وغير متشابه" ، ما:-
13670 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهًا وغير متشابه" ، قال: مشتبهًا ورقه، مختلفًا ثمرُه.
* * *
وجائز أن يكون مرادًا به: مشتبهًا في الخلق، مختلفًا في الطعم. (1)
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: وشجر الزيتون والرمان، فاكتفى من ذكر "الشجر" بذكر ثمره، كما قيل: (واسأل القرية) ، [سورة يوسف: 82] ، فاكتفى بذكر "القرية" من ذكر "أهلها" ، لمعرفة المخاطبين بذلك بمعناه.
* * *
القول في تأويل قوله: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل البصرة: (انْظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ) ، بفتح "الثاء" و "الميم" .
* * *
وقرأه بعض قرأة أهل مكة وعامة قرأة الكوفيين: (إلَى ثُمُرِهِ) ، بضم "الثاء" و "الميم" .
* * *
(1)
انظر تفسير "متشابه" فيما سلف 1: 385 - 394/6: 173.

= فكأنّ من فتح "الثاء" و "الميم" من ذلك، وجَّه معنى الكلام: انطروا إلى ثمر هذه الأشجار التي سمينا من النخل والأعناب والزيتون والرمان إذا أثمرَ = وأن "الثمر" جمع "ثمرة" ، كما "القصب" ، جمع "قصبة" ، و "الخشب" جمع "خشبة" .
* * *
= وكأنّ من ضم "الثاء" و "الميم" ، وجَّه ذلك إلى أنه جمع "ثِمَار" ، كما "الحُمُر" جمع "حمار" ، و "الجُرُب" جمع "جراب" ، وقد:-
13671 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن ابن إدريس، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب: أنه كان يقرأ: (إلَى ثُمُرِهِ) ، يقول: هو أصناف المال.
13672 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا محمد بن عبيد الله، عن قيس بن سعد، عن مجاهد قال: "الثُّمُر" ، هو المال = و "الثمر" ، ثَمَر النخل. (1)
* * *
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأ: (انْظُرُوا إلَى ثُمُرِهِ) بضم "الثاء" و "الميم" ، لأن الله جل ثناؤه وصفَ أصنافًا من المال كما قال يحيى بن وثاب، وكذلك حبّ الزرع المتراكب، وقنوان النخل الدانية، والجنات من الأعناب والزيتون والرمان، فكان ذلك أنواعًا من الثمر، فجمعت "الثمرة" "ثمرًا" ، ثم جمع "الثمر" "ثمارًا" ، ثم جمع ذلك فقيل: (انْظُرُوا إلَى ثُمُرِهِ) ، فكان ذلك جمع "الثمار" و "الثمار" جمع "الثمر" = و "إثماره" ، عقدُ الثمر.
* * *
وأما قوله: "وَينْعه" ، فإنه نُضجه وبلوغُه حين يبلغ.
* * *
(1)
روي عن مجاهد أبين من هذا إذ قال: "هو الذهب والفضة" ، كما حكاه الفارسي عنه.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول في "يَنْعه" إذا فتحت ياؤه، هو جمع "يانع" ، كما "التَّجْر" جمع "تاجر" ، و "الصحب" جمع "صاحب" . (1)
* * *
وكان بعض أهل الكوفة ينكر ذلك، ويرى أنه مصدر من قولهم: "ينع الثمر فهو يَيْنع يَنْعًا" ، ويحكى في مصدره عن العرب لغات ثلاثًا: "يَنْع" ، و "يُنْع" ، و "يَنَع" ، وكذلك في "النَّضْج" "النُّضج" و "النَّضَج" . (2)
* * *
وأما في قراءة من قرأ ذلك: (وَيَانِعِهِ) ، فإنه يعني به: وناضجه، وبالغه.
* * *
وقد يجوز في مصدره "يُنُوعًا" ، ومسموع من العرب: "أينعت الثمرة تُونِع إيناعًا" ، ومن لغة الذين قالوا: "ينع" ، قول الشاعر: (3)
فِي قِبَابٍ عِنْدَ دَسْكَرَةٍ ... حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا (4)
(1)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 202، وهو منسوب أيضًا إلى ابن كيسان، كما جاء في لسان العرب (ينع) .

(2)
ذكر أبو جعفر في "ينع" و "نضج" مصدرًا ثالثًا غير الذي ذكره أصحاب المعاجم، فإنهم اقتصروا في (ينع) على فتح الياء وسكون النون، وضمها وسكون النون = واقتصروا في (نضج) على فتح النون وسكون الضاد، وضمها وسكون الضاد. أما هذا المصدر الثالث الذي رواه أبو جعفر ولم يضبطه، فلم أجده في شيء من المعاجم، وهو مما يزاد عليها، إلا أني استظهرت ضبطه في الحرفين بفتح الياء والنون في ينع"، وبفتح النون والضاد في "نضج" . وسيذكر أبو جعفر مصدرًا آخر بعد قليل وهو"ينوع "."

(3)
هذا شعر مختلف فيه من شعر يزيد بن معاوية، ونسبه المبرد إلى الأحوص، ونسبه الجاحظ إلى أبي دهبل، وينسب إلى الأخطل خطأ.

(4)
الحيوان 4: 10، الكامل 1: 226، أنساب الأشراف 4/2/2، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 202، تاريخ ابن كثير 8: 234، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 140، معجم ياقوت (الماطرون) ؛ الخزانة 3: 279، العيني (هامش الخزانة 1: 149) ، واللسان (ينع) وغيرها. من شعر يقال إن يزيد قاله في نصرانية ترهبت في دير خرب عند الماطرون، وهو موضع بالشأم. وهذا هو الشعر، مع اختلاف الرواية فيه: آبَ هَذَا الهَمُّ فَاكْتَنَعَا ... وأتَرَّ النَّوْمَ فَاْمْتَنَعَا

رَاعِيًا للِنَّجْمِ أرْقُبُهُ ... فَإِذَا ما كَوْكَبٌ طَلَعَا
حَامَ، حَتَّى إنَّنِي لأرَى ... أنَّهُ بِالْغَورِ قَدْ وَقَعَا
وَلَهَا بالمَاطِرُونِ إذَا ... أكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا
خُرْفَةٌ، حَتَّى إذَا ارْتَبَعَتْ ... سَكَنَتْ منْ جِلَّقٍ بِيَعَا
فِي قِبَابٍ حَوْلَ دَسْكَرةٍ ... حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا
عِنْد غَيْري، فَالْتَمِسْ رَجُلا ... يأكُلُ التَّنُّوَم والسَّلَعَا
ذَاكَ شَيءٌ لَسْتُ آكُلُهُ ... وَأرَاهُ مَأْكَلا فَظِعَا
"اكتنع الهم" ، دنا دنوًّا شديدا. و "أتر النوم" أبعده، والرواية المشهورة و "أمر النوم" من المرارة. وقوله: "أكل النمل الذي جمعا" ، يعني زمن الشتاء. و "الخرفة" ما يجتنى من الفاكهة. و "ارتبعت" دخلت في الربيع. و "جلق" قرية من قرى دمشق. و "البيع" جمع "بيعة" (بكسر الباء) ، وهي كنيسة اليهود أو النصارى، و "الدسكرة" بناء كالقصر، كانت الأعاجم تتخذه للشرب والملاهي. و "التنوم" و "السلع" نباتان، تأكلها جفاة أهل البادية. و "فظع" ، فظيع يستبشعه آكله.
ورواية البلاذري للبيت: فِي جِنَانٍ ثَمَّ مُؤْنِقَةٍ ... حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13763 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وينعه" ، يعني: إذا نضج.
13674- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "انطروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه" ، قال: "ينعه" ، نضجه.
13675 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
"انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه" ، أي نضجه.
13676- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وينعه" ، قال: نضجه.
13677 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وينعه" ، يقول: ونضجه.
13678- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وينعه" ، قال: يعني نضجه.
13679- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: "وينعه" ، قال: نضجه.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره إن في إنزال الله من السماء الماءَ الذي أخرج به نباتَ كل شيء، والخضِرَ الذي أخرج منه الحبَّ المتراكب، وسائر ما عدَّد في هذه الآية من صنوف خلقه = "لآيات" ، يقول: في ذلكم، أيها الناس، إذا أنتم نظرتم إلى ثمره عند عقد ثمره، وعند ينعه وانتهائه، فرأيتم اختلاف أحواله وتصرفه في زيادته ونموّه، علمتم أن له مدبِّرًا ليس كمثله شيء، ولا تصلح العبادة إلا له دون الآلهة والأنداد، وكان فيه حجج وبرهان وبيان (1) = "لقوم يؤمنون" ،
(1)
انظر تفسير "آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

يقول: لقوم يصدقون بوحدانية الله وقدرته على ما يشاء.
وخصّ بذلك تعالى ذكره القوم الذين يؤمنون، لأنهم هم المنتفعون بحجج الله والمعتبرون بها، دون من قد طَبعَ الله على قلبه، فلا يعرف حقًّا من باطل، ولا يتبين هدًى من ضلالة.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وجعل هؤلاء العادلون بربهم الآلهةَ والأندادَ لله شركاء، الجن، كما قال جل ثناؤه: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) [سورة الصافات: 158] .
* * *
وفي الجن وجهان من النصب.
أحدهما: أن يكون تفسيرًا للشركاء. (1) .
والآخر: أن يكون معنى الكلام: وجعلوا لله الجن شركاء، وهو خالقهم.
* * *
واختلفوا في قراءة قوله: "وخلقهم" .
فقرأته قراء الأمصار: (وَخَلَقَهُمْ) ، على معنى أن الله خلقهم، منفردًا بخلقه إياهم. (2) .
* * *
وذكر عن يحيى بن يعمر ما:-
13680 - حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر: أنه قال: "شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ" .
(1)
- (( التفسير )) ، هو البدل

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 348.


بجزم "اللام" بمعنى أنهم قالوا: إنّ الجنّ شركاء لله في خلقه إيّانا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب، قراءة من قرأ ذلك: (وَخَلَقَهُمْ) ، لإجماع الحجة من القرأة عليها.
* * *
وأما قوله: (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) ، فإنه يعني بقوله: (خرقوا) اختلقوا.
* * *
يقال: "اختلق فلان على فلان كذبًا" و "اخترقه" ، إذا افتعله وافتراه. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13681 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: وجعلوا لله شركاء الجن والله خلقهم= "وخرقوا له بنين وبنات" ، يعني أنهم تخرَّصوا.
13682- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" ، قال: جعلوا له بنين وبنات بغير علم.
13683- حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" ، قال: كذبوا.
13684 -حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13685- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 348، ومجاز القرآن أبي عبيدة 1: 203.

قوله: "وجعلوا لله شركاء الجن" كذبوا= "سبحانه وتعالى عما يصفون" ، عما يكذبون. أما العرب فجعلوا له البنات، ولهم ما يشتهون من الغلمان= وأما اليهود فجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرُون. (1)
13686- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" قال: خرصوا له بنين وبنات.
13687- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" ، يقول: قطعوا له بنين وبنات. (2) قالت العرب: الملائكة بنات الله= وقالت اليهود والنصارى: المسيح وعزير ابنا الله.
13688- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" ، قال: "خرقوا" ، كذبوا، لم يكن لله بنون ولا بنات= قالت النصارى: المسيح ابن الله= وقال المشركون: الملائكة بنات الله= فكلٌّ خرقوا الكذب، "وخرقوا" ، اخترقوا.
13689- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "وجعلوا لله شركاء الجن" ، قال: قول: الزنادقة= "وخرقوا له" ، قال ابن جريج، قال مجاهد: "خرقوا" ، كذبوا.
13690- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جويبر، عن الضحاك: "وخرقوا له بنين وبنات" ، قال: وصفوا له.
13691- حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث، عن أبي عمرو:
(1)
اقرأ آية سورة الصافات: 158.

(2)
هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: (( قطعوا )) بمعنى: اختلقوا وادعوا ونسبوا، ولم أجد هذا المجاز في شيء من كتب اللغة، فإن صح، وهو عندي قريب الصحة، فهو بالمعنى الذي ذكرت. إلا أن يكون محرفًا عن شيء لم أتبينه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #628  
قديم 15-07-2025, 11:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (628)
صــ 10 إلى صــ 20




"وخرقوا له بنين وبنات" ، قال: تفسيرها: وكذبوا.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وجعلوا لله الجنَّ شركاءَ في عبادتهم إياه، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير= "وخرقوا له بنين وبنات" ، يقول: وتخرَّصوا لله كذبًا، فافتعلوا له بنين وبنات بغير علم منهم بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلا بالله وبعظمته، وأنه لا ينبعي لمن كان إلهًا أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة، ولا أن يشركه في خلقه شريك.
* * *
القول في تأويل قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: تنزه الله، (1) وعلا فارتفع عن الذي يصفه به هؤلاء الجهلة من خلقه، في ادّعائهم له شركاء من الجن، واختراقهم له بنين وبنات، وذلك لا ينبغي أن يكون من صفته، لأن ذلك من صفة خلقه الذين يكون منهم الجماع الذي يحدث عنه الأولاد، والذين تضطرّهم لضعفهم الشهواتُ إلى اتخاذ الصاحبة لقضاء اللذات، وليس الله تعالى ذكره بالعاجز فيضطره شيء إلى شيء، ولا بالضعيف المحتاج فتدعوه حاجته إلى النساء إلى اتخاذ صاحبة لقضاء لذة.
* * *
وقوله: "تعالى" ، "تفاعل" من "العلوّ" ، والارتفاع. (2)
* * *
وروي عن قتادة في تأويل قوله: "عما يصفون" ، أنه: يكذبون.
13692- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(1)
انظر تفسير (( سبحان )) فيما سلف 11: 237، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( العلو )) فيما سلف 5: 405.

"سبحانه وتعالى عما يصفون" ، عما يكذبون.
* * *
وأحسب أن قتادة عنى بتأويله ذلك كذلك، أنهم يكذبون في وصفهم الله بما كانوا يصفونه به، من ادعائهم له بنين وبنات= لا أنه وجه تأويل "الوصف" إلى الكذب.
* * *
القول في تأويل قوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل هؤلاء الكفرة به له الجنَّ شركاءَ، وخرقوا له بنين وبنات بغير علم= "بديع السماوات والأرض" ، يعني: مبتدعها ومحدثها وموجدها بعد أن لم تكن، (1) كما:-
13693- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "بديع السماوات والأرض" ، قال: هو الذي ابتدع خلقهما جل جلاله، فخلقهما ولم يكونا شيئًا قبله.
* * *
= "أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة" ، والولد إنما يكون من الذكر والأنثى، ولا ينبغي أن يكون لله سبحانه صاحبة، فيكون له ولد. وذلك أنه هو الذي خلق كل شيء. يقول: فإذا كان لا شيء إلا اللهُ خلقه، فأنّى يكون لله ولد، ولم تكن له صاحبة فيكون له منها ولد؟
(1)
انظر تفسير (( بديع )) فيما سلف 2: 540.

القول في تأويل قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله خلق كل شيء، ولا خالق سواه. وكلُّ ما تدَّعون أيها العادلون بالله الأوثان من دونه، خلقُه وعبيده، مِلكًا، كان الذي تدعونه ربًّا وتزعمون أنه له ولد، أو جنيًّا أو إنسيًّا= "وهو بكل شيء عليم" ، يقول: والله الذي خلق كل شيء، لا يخفى عليه ما خلق ولا شيء منه، ولا يعزب عنه مثقالُ ذرة في الأرض ولا في السماء، عالم بعددكم وأعمالكم، وأعمال من دعوتموه ربًّا أو لله ولدًا، وهو محصيها عليكم وعليهم، حتى يجازي كلا بعمله. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (علم)



القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، هو الله ربكم، أيها العادلون بالله الآلهة والأوثان، والجاعلون له الجن شركاء، وآلهتكم التي لا تملك نفعًا ولا ضرًا، ولا تفعل خيرًا ولا شرًا= "لا إله إلا هو" .
وهذا تكذيبٌ من الله جل ثناؤه للذين زعموا أن الجن شركاء الله. يقول جل ثناؤه لهم: أيها الجاهلون، إنه لا شيء له الألوهية والعبادة، إلا الذي خلق كل شيء، وهو بكل شيء عليم، فإنه لا ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادةُ جميع من في السموات والأرض إلا له خالصة بغير شريك تشركونه فيها، فإنه خالق
كل شيء وبارئه وصانعه، وحق على المصنوع أن يفرد صانعه بالعبادة= "فاعبدوه" ، يقول: فذلُّوا له بالطاعة والعبادة والخدمة، واخضعوا له بذلك. (1) =
"وهو على كل شيء وكيل" ، يقول: والله على كل ما خلق من شيء رقيبٌ وحفيظ، يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" .
فقال بعضهم: معناه لا تحيط به الأبصار، وهو يحيط بها.
* ذكر من قال ذلك:
13694- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" ، يقول: لا يحيط بصر أحدٍ بالملك.
13695- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" ، وهو أعظم من أن تدركه الأبصار.
13696- حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا خالد بن عبد الرحمن قال، حدثنا أبو عرفجة، عن عطية العوفي في قوله:
(1)
انظر تفسير (( العبادة )) فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) .

(2)
انظر تفسير (( وكيل )) فيما سلف 11: 434 تعليق: 1، راجع هناك.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [سورة القيامة: 22-23] ، قال: هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم، فذلك قوله: "لا تدركه الأبصار" ، الآية. (1)
* * *
قال أبو جعفر: واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم هذا، بأن قالوا: إن الله قال: "حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت" ، (2) [يونس: 90] قالوا: فوصف الله تعالى ذكره الغرق بأنه أدرك فرعون، ولا شك أن الغرق غير موصوف بأنه رآه، ولا هو مما يجوز وصفه بأنه يرى شيئًا. قالوا: فمعنى قوله: "لا تدركه الأبصار" بمعنى: لا تراه، بعيد. لأن الشيء قد يدرك الشيء ولا يراه، كما قال جل ثناؤه مخبرًا عن قيل أصحاب موسى صلى الله عليه وسلم لموسى حين قرُب منهم أصحاب فرعون: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) ، [سورة الشعراء: 61] ، لأن الله قد كان وعد نبيه موسى صلى الله عليه وسلم أنهم لا يُدْرَكون، لقوله: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى) ، [سورة طه: 77] .
قالوا: فإن كان الشيء قد يرى الشيء ولا يدركه، ويدركه ولا يراه، فكان معلومًا بذلك أن قوله: "لا تدركه الأبصار" ، من معنى: لا تراه الأبصار،
(1)
الأثر: 13696 - (( سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري )) ثقة، روي عنه آنفًا برقم: 436. وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا (( يونس بن عبد الله بن الحكم )) ، وهو خطأ، والصواب ما سيأتي في التفسير 29: 120 (بولاق) ، حيث روى هذا الخبر نفسه، بإسناده عن (( سعد بن عبد الله بن عبد الحكم )) .

و (( خالد بن عبد الرحمن الخراساني المروروذي )) روى عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأخوه (( سعد )) . قال أبو حاتم: (( شيخ، ليس به بأس )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 / 2 /341. وأما (( أبو عرفجة )) ، فلم أعرف من يكون.
و (( عطية العوفي )) ، هو (( عطية بن سعد بن جنادة العوفي )) ، وهو ضعيف، مضى مرارًا، واستوفى أخي السيد أحمد الكلام فيه في رقم: 305. وهذا الخبر سيرويه أبو جعفر مرة أخرى في التفسير 29: 120 (بولاق) .
(2)
في المطبوعة والمخطوطة: (( فلما أدركه الغرق )) ، وهو سهو، فإن نص التلاوة ما أثبت.

بمعزل= وأن معنى ذلك: لا تحيط به الأبصار، لأن الإحاطة به غير جائزة.
قالوا: فالمؤمنون وأهل الجنة يرون ربهم بأبصارهم، ولا تدركه أبصارهم، بمعنى: أنها لا تحيط به، إذ كان غير جائز أن يوصف الله بأن شيئًا يحيط به.
قالوا: ونظير جواز وصفه بأنه يُرَى ولا يُدْرَك، جوازُ وصفه بأنه يعلم ولا يحاط بعلمه، (1) وكما قال جل ثناؤه: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) [سورة البقرة: 255] . قالوا: فنفى جل ثناؤه عن خلقه أن يكونوا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء. قالوا: ومعنى "العلم" في هذا الموضع، المعلوم. قالوا: فلم يكن في نفيه عن خلقه أن يحيطوا بشيء من علمه إلا بما شاء، نَفْيٌ عن أن يعلموه. قالوا: فإذا لم يكن في نفي الإحاطة بالشيء علمًا نَفْيٌ للعلم به، كان كذلك، لم يكن في نفي إدراك الله عن البصر، نفيُ رؤيته له. قالوا: وكما جاز أن يعلم الخلق أشياءَ ولا يحيطون بها علمًا، كذلك جائزٌ أن يروا ربَّهم بأبصارهم ولا يدركوه بأبصارهم، إذ كان معنى "الرؤية" غير معنى "الإدراك" ، ومعنى "الإدراك" غير معنى "الرؤية" ، وأن معنى "الإدراك" ، إنما هو الإحاطة، كما قال ابن عباس في الخبر الذي ذكرناه قبل.
قالوا: فإن قال لنا قائل: وما أنكرتم أن يكون معنى قوله: "لا تدركه الأبصار" ، لا تراه الأبصار؟
قلنا له: أنكرنا ذلك، لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهًا في القيامة إليه ناظرة، (2) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة، كما يُرَى القمر ليلة البدر، وكما ترونَ الشمس ليسَ دونها سحاب. (3) قالوا: فإذ كان الله قد أخبر في كتابه بما أخبر، وحققتْ أخبارُ رسول الله صلى الله عليه
(1)
في المطبوعة: (( ولا يحاط به )) ، وصواب السياق ما أثبت.

(2)
يعني آيتي سورة القيامة: 22، 23.

(3)
في المخطوطة، أسقط (( البدر )) ، والصواب إثباتها.

وسلم بما ذكرنا عنه من قيله صلى الله عليه وسلم: إن تأويل قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [سورة القيامة: 22-23] ، أنه نظر أبصار العيون لله جل جلاله، (1) وكان كتاب الله يصدق بعضه بعضًا، وكان مع ذلك غير جائز أن يكون أحدُ هذين الخبرين ناسخًا للآخر، إذ كان غير جائز في الأخبار= لما قد بينا في كتابنا: "كتاب لطيف البيان، عن أصول الأحكام" ، وغيره= (2) علم، أن معنى قوله: "لا تدركه الأبصار" ، غير معنى قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، فإن أهل الجنة ينظرون بأبصارهم يوم القيامة إلى الله، ولا يدركونه بها، تصديقًا لله في كلا الخبرين، وتسليمًا لما جاء به تنزيله على ما جاء به في السورتين.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تراه الأبصار، وهو يرى الأبصار.
* ذكر من قال ذلك:
13697- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لا تدركه الأبصار" ، لا يراه شيء، وهو يرى الخلائق.
13698- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة قالت: من حدَّثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه فقد كذب! "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" ، (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) ، [سورة الشورى: 51] ، ولكن قد رأى جبريل في صورته مرتين.
(1)
انظر الأحاديث الصحاح في رؤية ربنا سبحانه يوم القيامة في صحيح البخاري (الفتح 13: 356، وما بعدها) ، وصحيح مسلم 3: 25، وما بعدها. والخبران اللذان ذكرهما أبو جعفر خبران صحيحان.

(2)
قوله: (( علم )) جواب قوله آنفًا: (( فإذ كان الله قد أخبر في كتابه ... ))

13699- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد ربه؟ فقالت: سبحان الله، لقد قَفَّ شعري مما قلت! ثم قرأت: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير" . (1)
13700- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى وابن علية، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة بنحوه. (2)
13701- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال، قالت عائشة: من قال إن أحدًا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله! قال الله: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" .
* * *
فقال قائلو هذه المقالة: معنى "الإدراك" في هذا الموضع، الرؤية= وأنكروا أن يكون الله يُرَى بالأبصار في الدنيا والآخرة= وتأوّلوا قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، بمعنى انتظارها رحمة الله وثوابَه.
* * *
قال أبو جعفر: وتأول بعضهم في الأخبار التي رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيح القول برؤية أهل الجنة ربَّهم يوم القيامة تأويلات، وأنكر بعضهم مجيئها، ودافعوا أن يكون ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردُّوا القول فيه إلى عقولهم، فزعموا أن عقولهم تُحِيل جواز الرؤية على الله عز وجل بالأبصار، وأتوا في ذلك بضرُوب من التمويهات، وأكثروا القول فيه من جهة الاستخراجات.
(1)
الأثران: 13698، 13699 - حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، رواه مسلم في صحيحه 3: 10، مختصرًا.

(( قف شعري )) : إذا وقف من الفزع.
(2)
الأثر: 13700 - حديث داود، عن الشعبي، رواه مسلم مطولا 3: 8 - 10، وقد مضى جزء من هذا الخبر المطول فيما سلف برقم: 12280 - 12283. فانظر تخريجه هناك.

وكان من أجلّ ما زعموا أنهم علموا به صحة قولهم ذلك من الدليل، أنهم لم يجدوا أبصارهم ترى شيئًا إلا ما باينها دون ما لاصقها، فإنها لا ترى ما لاصقها. قالوا: فما كان للأبصار مباينًا مما عاينته، فإن بينه وبينها فضاءً وفرجةً. قالوا: فإن كانت الأبصار ترى ربها يوم القيامة على نحو ما ترى الأشخاص اليوم، فقد وجب أن يكون الصانع محدودًا. قالوا: ومن وصفه بذلك، فقد وصفه بصفات الأجسام التي يجوز عليها الزيادة والنقصان.
قالوا: وأخرى، أن من شأن الأبصار أن تدرك الألوان، كما من شأن الأسماع أن تدرك الأصوات، ومن شأن المتنسِّم أن يدرك الأعراف. (1) قالوا: فمن الوجه الذي فسد أن يكون جائزًا أن يُقْضَى للسمع بغير إدراك الأصوات، وللمتنسِّم إلا بإدراك الأعراف، فسد أن يكون جائزًا القضاءُ للبصر إلا بإدراك الألوان. (2) قالوا: ولما كان غير جائز أن يكون الله تعالى ذكره موصوفًا بأنه ذو لون، صح أنه غير جائز أن يكون موصوفًا بأنه مرئيٌّ.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تدركه أبصار الخلائق في الدنيا، وأما في الآخرة فإنها تدركه. وقال أهل هذه المقالة: "الإدراك" ، في هذا الموضع، الرؤية.
واعتلّ أهل هذه المقالة لقولهم هذا بأن قالوا: "الإدراك" ، وإن كان قد يكون في بعض الأحوال بغير معنى الرؤية، فإن الرؤية من أحد معانيه. وذلك أنه غير جائز أن يلحق بصرُه شيئًا فيراه، وهو لما أبصره وعاينه غير مدرك، وإن لم يحط بأجزائه كلها رؤية. قالوا: فرؤية ما عاينه الرائي إدراك له، دون ما لم
(1)
في المطبوعة: (( المتنشم )) بالشين، وهو خطأ صرف، والصواب بالسين كما في المخطوطة. يقال (( تنسيم النسيم )) ، إذا تشممه. و (( الأعراف )) جمع (( عرف )) (بفتح فسكون) : الرائحة، طيبة كانت أو خبيثة. يقال: (( ما أطيب عرفها )) ، أي: رائحتها.

(2)
في المخطوطة: (( انقضاء البصر )) ، والصواب ما في المطبوعة.

يره. قالوا: وقد أخبر الله أن وجوهًا يوم القيامة إليه ناظرة. قالوا، فمحالٌ أن تكون إليه ناظرة وهي له غير مدركة رؤيةً. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائز أن يكون في أخبار الله تضادٌّ وتعارض، وجب وصحّ أن قوله: "لا تدركه الأبصار" ، على الخصوص لا على العموم، وأن معناه: لا تدركه الأبصار في الدنيا، وهو يدرك الأبصار في الدنيا والآخرة، إذ كان الله قد استثنى ما استثنى منه بقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) .
* * *
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: الآية على الخصوص، إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية: لا تدركه أبصارُ الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله. قالوا: وجائز أن يكون معناها: لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة، وأما بالرؤية فَبَلَى. (1) قالوا: وجائز أن يكون معناها: لا تدركه الأبصار في الدنيا وتدركه في الآخرة= وجائز أن يكون معناها: لا تدركه أبصارُ من يراه بالمعنى الذي يدرك به القديم أبصارَ خلقه= فيكون الذي نفى عن خلقه من إدراك أبصارهم إياه، هو الذي أثبته لنفسه، إذ كانت أبصارهم ضعيفة لا تنفذ إلا فيما قوَّاها جل ثناؤه على النفوذ فيه، وكانت كلها متجلية لبصره لا يخفى عليه منها شيء. قالوا: ولا شك في خصوص قوله: "لا تدركه الأبصار" ، وأن أولياء الله سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، غير أنا لا ندري أيَّ معاني الخصوص الأربعة أريد بالآية. واعتلُّوا لتصحيح القول بأن الله يرى في الآخرة، بنحو علل الذين ذكرنا قبل.
* * *
وقال آخرون: الآية على العموم، ولن يدرك الله بصرُ أحد في الدنيا والآخرة; ولكن الله يُحدث لأوليائه يوم القيامة حاسّة سادسة سوى حواسِّهم الخمس، فيرونه بها.
(1)
(( بلى )) استعمالها مع غير الجحد، قد سلف بيانه ودليله 2: 280، 510، ثم 10: 98، تعليق: 4.

واعتلوا لقولهم هذا بأنّ الله تعالى ذكره نفى عن الأبصار أن تدركه، من غير أن يدلّ فيها أو بآية غيرها على خصوصها. قالوا: وكذلك أخبرَ في آية أخرى أن وجوهًا إليه يوم القيامة ناظرة. قالوا: فأخبار الله لا تتنافى ولا تتعارض، (1) وكلا الخبرين صحيح معناه على ما جاء به التنزيل. واعتلُّوا أيضًا من جهة العقل بأن قالوا: إن كان جائزًا أن نراه في الآخرة بأبصارنا هذه وإن زيد في قواها، وجب أن نراه في الدنيا وإن ضعفت، لأن كل حاسة خلقت لإدراك معنًى من المعاني، فهي وإن ضعفت كل الضعف، فقد تدرك مع ضعفها ما خلقت لإدراكه وإن ضعف إدراكها إياه، ما لم تُعْدم. قالوا: فلو كان في البصر أن يُدرك صانعه في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات ويراه، وجب أن يكون يدركه في الدنيا ويراه فيها وإن ضعف إدراكه إياه. قالوا: فلما كان ذلك غير موجود من أبصارنا في الدنيا، كان غير جائز أن تكون في الآخرة إلا بهيئتها في الدنيا في أنها لا تدرك إلا ما كان من شأنها إدراكه في الدنيا. قالوا: فلما كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد أخبر أنّ وجوهًا في الآخرة تراه، علم أنها تراه بغير حاسة البصر، إذ كان غير جائز أن يكون خبرُه إلا حقًّا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر" = "وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب" ، (2) فالمؤمنون يرونه، والكافرون عنه يومئذ محجوبون، كما قال جل ثناؤه: (كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [سورة المطففين: 15] .
فأما ما اعتلَّ به منكرُو رؤية الله يوم القيامة بالأبصار، لما كانت لا ترى إلا ما باينها، وكان بينها وبينه فضاءٌ وفرجة، وكان ذلك عندهم غير جائز أن تكون
(1)
في المطبوعة: (( لا تتباين )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب قراءتها.

(2)
انظر ص: 16، تعليق: 1.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #629  
قديم 15-07-2025, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (629)
صــ 21 إلى صــ 30




رؤية الله بالأبصار كذلك، لأن في ذلك إثبات حدٍّ له ونهايةٍ، فبطل عندهم لذلك جواز الرؤية عليه= فإنه يقال لهم: (1) هل علمتم موصوفًا بالتدبير سوى صانعكم، إلا مماسًّا لكم أو مباينًا؟
فإن زعموا أنهم يعلمون ذلك، كُلِّفوا تبيينه، ولا سبيل إلى ذلك.
وإن قالوا: لا نعلم ذلك.
قيل لهم: أو ليس قد علمتموه لا مماسًّا لكم ولا مباينًا، وهو موصوف بالتدبير والفعل، ولم يجب عندكم إذْ كنتم لم تعلموا موصوفًا بالتدبير والفعل غيره إلا مماسًّا لكم أو مباينًا، أن يكون مستحيلا العلم به، وهو موصوف بالتدبير والفعل، لا مماس ولا مباين؟
فإن قالوا: ذلك كذلك.
قيل لهم: فما تنكرون أن تكون الأبصار كذلك لا ترى إلا ما باينها وكانت بينه وبينها فرجة، قد تراه وهو غير مباين لها ولا فرجة بينها وبينه ولا فضاء، كما لا تعلم القلوب موصوفًا بالتدبير إلا مماسًّا لها أو مباينًا، وقد علمتْه عندكم لا كذلك؟ وهل بينكم وبين من أنكر أن يكون موصوفًا بالتدبير والفعل معلومًا، لا مماسًّا للعالم به أو مباينًا= وأجاز أن يكون موصوفًا برؤية الأبصار، لا مماسًّا لها ولا مباينًا، فرق؟
ثم يسألون الفرقَ بين ذلك، فلن يقولوا في شيء من ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله.
وكذلك يسألون فيما اعتلوا به في ذلك: أن من شأن الأبصار إدراك الألوان، كما أن من شأن الأسماع إدراك الأصوات، ومن شأن المتنسِّم درَك الأعراف، فمن الوجه الذي فسد أن يُقضى للسمع بغير درك الأصوات، فسد أن يُقضى للأبصار لغير درك الألوان. (2)
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( وإنه يقال لهم )) بالواو، وصواب السياق ما أثبت.

(2)
في المطبوعة: (( أن يقتضي السمع لغير )) ، و (( أن تقتضي الأبصار لغير )) ، وأما المخطوطة، ففيها (( أن يقضي السمع ... )) ، و (( أن يقضي للأبصار )) ، والصواب ما أثبت.

فيقال لهم: ألستم لم تعلموا فيما شاهدتم وعاينتم، موصوفًا بالتدبير والفعل إلا ذا لونٍ، وقد علمتموه موصوفًا بالتدبير لا ذا لونٍ؟
فإن قالوا: "نعم" = لا يجدون من الإقرار بذلك بدًّا، إلا أن يكذبوا فيزعموا أنهم قد رأوا وعاينوا موصوفًا بالتدبير والفعل غير ذي لون، فيكلفون بيان ذلك، ولا سبيل إليه. (1)
فيقال لهم: فإذ كان ذلك كذلك، فما أنكرتم أن تكون الأبصار فيما شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تدرك إلا الألوان، كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفًا بالتدبير إلا ذا لون، وقد وجدتموها علمته موصوفًا بالتدبير غير ذي لون. ثم يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في أحدهما شيئًا إلا ألزموا في الآخر مثله.
ولأهل هذه المقالة مسائل فيها تلبيس، كرهنا ذكرها وإطالة الكتاب بها وبالجواب عنها، إذ لم يكن قصدنا في كتابنا هذا قصدَ الكشف عن تمويهاتهم، بل قصدنا فيه البيان عن تأويل آي الفرقان. ولكنا ذكرنا القدرَ الذي ذكرنا، ليعلم الناظرُ في كتابنا هذا أنهم لا يرجعون من قولهم إلا إلى ما لبَّس عليهم الشيطان، مما يسهل على أهل الحق البيانُ عن فساده، وأنهم لا يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة، ولا رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة ولا سقيمة، فهم في الظلمات يخبطون، وفي العمياء يتردّدون، نعوذ بالله من الحيرة والضلالة.
* * *
وأما قوله: "وهو اللطيف الخبير" ، فإنه يقول: والله تعالى ذكره المتيسر له من إدراك الأبصار، (2) والمتأتِّي له من الإحاطة بها رؤيةُ ما يعسر على الأبصار من إدراكها إياه وإحاطتها به ويتعذر عليها= "الخبير" ، يقول: العليم بخلقه
(1)
في المطبوعة: (( فيكلفوا بيان ذلك )) ، وفي المخطوطة: (( فدلقوا بيان ذلك )) ، وهي غير مقروءة، ولعل الصواب ما أثبت.

(2)
في المطبوعة: (( الميسر له )) ، والصواب من المخطوطة، ولم يحسن قراءتها.

وأبصارهم، والسبب الذي له تعذر عليها إدراكه، فلطف بقدرته فهيأ أبصار خلقه هيئة لا تدركه، وخبرَ بعلمه كيف تدبيرها وشؤونها وما هو أصلح بخلقه، (1) كالذي:
13702- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: "اللطيف الخبير" ، قال: "اللطيف" باستخراجها= "الخبير" ، بمكانها.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) }
قال أبو جعفر: وهذا أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الذين نبَّههم بهذه الآيات من قوله: (2) "إن الله فالق الحب والنوى" إلى قوله: "وهو اللطيف الخبير" على حججه عليهم، وعلى سائر خلقه معهم، (3) العادلين به الأوثان والأنداد، والمكذبين بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم من عند الله= قل لهم يا محمد: "قد جاءكم" ، أيها العادلون بالله،
(1)
انظر تفسير (( الخبير )) فيما سلف من فهارس اللغة (خبر) .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: (( لهذه الآيات )) باللام، وصواب السياق يقتضي ما أثبت.

(3)
في المطبوعة (( وعلى تبيين خلقه معهم )) ، وهو كلام لا معنى له، وهو في المخطوطة سيئ الكتابة، وصواب قراءته ما أثبت. قوله: (( وعلى سائر خلقه معهم )) ، معطوف على قوله: (( عليهم )) قبله.

وقوله: (( على حججه )) ، السياق: (( أن يقول لهؤلاء الذين نبههم بهذه الآيات ... على حججه عليهم )) .
وقوله بعد: (( العادلين به الأوثان )) ، صفة لقوله آنفًا (( أن يقول لهؤلاء الذين نبههم بهذه الآيات.. . ))
والمكذبون رسوله= "بصائر من ربكم" ، أي: ما تبصرون به الهدى من الضلال، والإيمان من الكفر.
* * *
= وهي جمع "بصيرة" ، ومنه قول الشاعر: (1)
حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ ... وَبَصِيرَتِي يَعْدُو بِهَا عَتَدٌ وَأَى (2)
يعني بالبصيرة: الحجة البينة الظاهرة، (3) كما:-
13703- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "قد جاءكم بصائر من ربكم" قال: "البصائر" الهدى، بصائر في قلوبهم لدينهم، وليست ببصائر الرؤوس. وقرأ: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [سورة الحج: 46] وقال: إنما الدين بصره وسمعه في هذا القلب. (4)
13704- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "قد جاءكم بصائر من ربكم" ، أي بينة.
(1)
هو الأسعر الجعفي.

(2)
الأصمعيات: 23 (وطبعة المعارف: 157) ، والوحشيات رقم: 58، المخصص 1: 160، اللسان (بصر) (عتد) (وأي) . وغيرها كثير. وهي من قصيدة عير فيها إخوته لأبيه، وذلك أن أباه قتل وهو غلام، فأخذ إخوته لأبيه الدية فأكلوها، فلما شب الأسعر، أدرك بثأر أبيه، وقال قبله:

ولقد عَلِمْتُ، عَلَى تَجَشُّمِيَ الرَّدَى ... أَنَّ الحُصُونَ الخَيْلُ لا مَدَرُ القُرَى
وفسر أصحاب اللغة (( البصيرة )) هنا بأنها الدم ما لم يسل، يعني: دماءهم في أبدانهم، يعير أخوته. وقال غيرهم: (( البصائر )) دم أبيهم، يقول: تركوا دم أبيهم خلفهم ولم يثأروا به، وطلبته أنا. و (( عتد )) (بفتح العين، وفتح التاء أو كسرها) : الفرس الشديد التام الخلق، السريع الوثبة، المعد للجري، ليس فيه اضطراب ولا رخاوة. و (( الوأي )) ، الفرس السريع الطويل المقتدر الخلق.
(3)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 203

(4)
(( الدين )) (بتشديد الياء وكسرها) : المتدين، صاحب الدين.

وقوله: "فمن أبصر فلنفسه" يقول: فمن تبين حجج الله وعرَفها وأقرَّ بها، وآمن بما دلّته عليه من توحيد الله وتصديق رسوله وما جاء به، فإنما أصاب حظ نفسه، ولنفسه عمل، وإياها بَغَى الخير= "ومن عمي فعليها" ، يقول: ومن لم يستدلّ بها، ولم يصدق بما دلَّته عليه من الإيمان بالله ورسوله وتنزيله، ولكنه عمي عن دلالتها التي تدل عليها، يقول: فنفسَه ضر، وإليها أساء لا إلى غيرها.
* * *
وأما قوله: "وما أنا عليكم بحفيظ" ، يقول: وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والله الحفيظ عليكم، الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. (1)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما صرفت لكم، أيها الناس، الآيات والحجج في هذه السورة، وبينتها، فعرفتكموها، (2) في توحيدي وتصديق رسولي وكتابي ووقَّفتكم عليها، (3) فكذلك أبيِّن لكم آياتي وحججي في كل ما جهلتموه فلم تعرفوه من أمري ونهيي، كما:-
13705- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
انظر تفسير (( الحفيظ )) فيما سلف 8: 562.

(2)
انظر تفسير (( تصريف الآيات )) فيما سلف 11: 433: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: (( ووصيتكم عليها )) ، وهو لا معنى له، صوابه في المخطوطة، وإن كانت سيئة الكتابة.

حدثنا أسباط، عن السدي: "وكذلك نصرف الآيات" ، لهؤلاء العادلين بربهم، كما صرفتها في هذه السورة، ولئلا يقولوا: درسْتَ.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قَرَأة أهل المدينة والكوفة: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) ، يعني: قرأت، أنت، يا محمد، بغير "ألف" .
* * *
وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين، منهم ابن عباس، على اختلاف عنه فيه، وغيرُه وجماعة من التابعين، وهو قراءة بعض قَرَأة أهل البصرة: "وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ" ، بألف، بمعنى: قارأت وتعلمت من أهل الكتاب.
* * *
وروى عن قتادة: أنه كان يقرؤه: "دُرِسَتْ" ، بمعنى: قرئت وتليت. (1)
* * *
وعن الحسن أنه كان يقرؤه: "دَرَسَتْ" ، بمعنى: انمحت. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأه: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) ، بتأويل: قرأتَ وتعلمت; لأن المشركين كذلك كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله عن قيلهم ذلك بقوله: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [سورة النحل: 103] . فهذا خبرٌ من الله ينبئ عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما يتعلم محمد ما يأتيكم به من غيره. فإذ كان ذلك كذلك، فقراءة: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) ، يا محمد، بمعنى: تعلمت من أهل الكتاب، أشبهُ
(1)
في المطبوعة: (( قرأت وتليت )) ، وهو خطأ، والصواب ما في المخطوطة. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 349.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 349، وفسره بقوله: (( تقادمت، أي: هذا الذي تتلوه علينا شيء قد تطاول، ومر بنا )) .

بالحق، وأولى بالصواب من قراءة من قرأه: "دارسْتَ" ، بمعنى: قارأتهم وخاصمتهم، وغير ذلك من القراءات.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، على قدر اختلاف القرأة في قراءته. (1)
* ذكر من قرأ ذلك: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) ، من المتقدمين، وتأويله بمعنى: تعلمت وقرأت.
13706- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح قال، حدثنا علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وليقولوا درست) ، قالوا: قرأت وتعلمت. تقول ذلك قريش.
13707- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: (وليقولوا درست) قال: قرأت وتعلمت.
13708- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل وافقه، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: (وليقولوا درست) ، قال: قرأت وتعلمت.
13709- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وليقولوا درست) ، يقول: قرأت الكتب.
13710- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنى عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (درست) ، يقول: تعلمت وقرأت.
13711- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: قلت لابن عباس: أرأيت قوله: (درست) ؟ قال: قرأت وتعلمت.
(1)
انظر تفسير (( الدرس )) فيما سلف 6: 544 - 546.

13712- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، مثله.
* * *
* ذكر من قرأ ذلك (دَارَسْتَ) ، وتأوله بمعنى: جادلت، من المتقدمين.
13713- حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث، عن حميد، عن مجاهد، عن ابن عباس: "دارست" ، يقول: قارأت.
13714- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرؤها: "وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ" ، أحسبه قال: قارأت أهل الكتاب.
13715- حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: "وليقولوا دارست" ، قال: قارأت وتعلمت.
13716- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، سمعت التميمي يقول: سألت ابن عباس عن قوله: "وليقولوا دارست" ، قال: قارأت وتعلَّمت.
13717- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن علية، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير قال، كان ابن عباس يقرؤها: "دَارَسْتَ" .
13718- حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو المعلى قال، سمعت سعيد بن جبير يقول: كان ابن عباس يقرأ: "دَارَسْتَ" ، بالألف، بجزم السين، ونصب التاء.
13719- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال، أخبرني عمرو بن كيسان: أن ابن عباس
كان يقرأ: "دَارَسْتَ" ، تلوت، خاصمت، جادلت.
13720- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن كيسان، قال ابن عباس في: "دارست" ، قال: تلوت، خاصمت، جادلت.
13721- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: "وليقولوا دارست" ، قال: قارأت.
13722- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ: "دَارَسْتَ" ، بالألف أيضًا، منتصبة التاء، وقال: قارأت.
13723- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ: "دَارَسْتَ" ، أي: ناسخت.
13724- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "دارست" ، قال: فاقهت، قرأت على يهود، وقرأوا عليك.
13725- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وليقولوا دارست" ، قال: قارأت، قرأت على يهود، وقرأوا عليك.
13726- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "دارست" ، يعني، أهلَ الكتاب.
13727- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "دارست" ، قال: قرأت على يهود، وقرأوا عليك.
13728- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: "وليقولوا دارست" ، قال: قالوا دارستَ أهل الكتاب، وقرأت الكتب وتعلَّمتها.
* * *
* ذكر من قرأ ذلك: "دُرِسَتْ" بمعنى: تُليت، وقُرِئت، (1) على وجه ما لم يسمَّ فاعله.
13729- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا الحسين المعلم وسعيد، عن قتادة: "وكذلك نصرف الآيات وليقولوا دُرِسَتْ" ، أي: قرئت وتعلمت.
13730- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال قتادة: "دُرِست" ، قرئت = وفي حرف ابن مسعود: "دَرَسَ" .
* * *
ذكر من قال ذلك: "دَرَسَتْ" بمعنى: انمحت وتقادمت، أي هذا الذي تتلوه علينا قد مرَّ بنا قديمًا، وتطاولت مدته. (2)
13731- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقرأ: "وَلِيَقُولُوا دَرَسَتْ" ، أي: انمحت.
13732- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو إسحاق الهمداني قال: في قراءة ابن مسعود: "دَرَسَتْ" ، بغير ألف، بنصب السين، ووقف التاء. (3)
13733- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال، سمعت ابن الزبير يقول: إن صبيانًا ههنا يقرؤون: "دَارَسْتَ" وإنما هي "دَرَسَتْ" .
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: (( نبئت )) ، وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت، كما سلف، ص: 26 س: 9.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 349.

(3)
(( الوقف )) في اصطلاحهم قديمًا، هو (( السكون )) عند النحويين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #630  
قديم 15-07-2025, 11:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (630)
صــ 31 إلى صــ 40





13734- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمرقال: قال الحسن: "وليقولوا دَرَسَتْ" : يقول: تقادمت وانمحت.
* * *
وقرأ ذلك آخرون: "دَرَسَ" ، من "درس الشيء" ، تلاه.
13735- حدثني أحمد بن يوسف الثعلبي قال، حدثنا أبو عبيدة قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال: هي في حرف أبي بن كعب وابن مسعود: "وَلِيَقُولُوا دَرَسَ" ، قال: يعني النبي صلى الله عليه وسلم، قرَأ.
* * *
وإنما جاز أن يقال مرة: "دَرَسْتَ" ، ومرة "دَرَسَ" ، فيخاطب مرة، ويخبر مرة، من أجل القول.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا أولى هذه القراءات في ذلك الصواب عندنا، والدلالة على صحة ما اخترنا منها.
* * *
وأما تأويل قوله: "ولنبينه لقوم يعلمون" ، يقول تعالى ذكره: كما صرفنا الآيات والعبر والحجج في هذه السورة لهؤلاء العادلين بربهم الآلهة والأنداد، كذلك نصرف لهم الآيات في غيرها، كيلا يقولوا لرسولنا الذي أرسلناه إليهم: "إنما تعلمت ما تأتينا به تتلوه علينا من أهل الكتاب" ، فينزجروا عن تكذيبهم إياه، وتقوُّلهم عليه الإفك والزور، ولنبين بتصريفنا الآيات الحقَّ، لقوم يعلمون الحق إذا تبيَّن لهم فيتبعوه ويقبلوه، وليسوا كمن إذا بُيِّن لهم عَمُوا عنه فلم يعقلوه، وازدادوا من الفهم به بعدًا. (1)
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( من الفهم به )) ، والسياق يقتضي ما أثبت.

القول في تأويل قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اتبع، يا محمد، ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك، فاعمل به، وانزجر عما زجرك عنه فيه، ودع ما يدعوك إليه مشركو قومك من عبادة الأوثان والأصنام، فإنه لا إله إلا هو. يقول: لا معبود يستحق عليك إخلاص العبادة له إلا الله الذي هو فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح، وجاعلُ الليل سكنًا، والشمسَ والقمر حسبانًا = (وأعرض عن المشركين) ، يقول: ودع عنك جدالهم وخصومتهم. (1) ثم نسخ ذلك جل ثناؤه بقوله في براءة: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، الآية [سورة التوبة: 5] . كما:-
13736- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أما قوله: (وأعرض عن المشركين) ونحوه، مما أمر الله المؤمنين بالعفو عن المشركين، فإنه نسخ ذلك قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أعرض عن هؤلاء المشركين بالله، ودع عنك جدالهم وخصومتهم ومسابَّتهم = (ولو شاء
(1)
انظر تفسير (( أعرض )) فيما سلف 11: 436، تعليق: 2، والمراجع هناك.

الله ما أشركوا) ، يقول: لو أراد ربُّك هدايتهم واستنقاذهم من ضلالتهم، للطف لهم بتوفيقه إياهم فلم يشركوا به شيئًا، ولآمنوا بك فاتبعوك وصدَّقوا ما جئتهم به من الحق من عند ربك = (وما جعلناك عليهم حفيظًا) ، يقولُ جل ثناؤه: وإنما بعثتك إليهم رسولا مبلِّغًا، ولم نبعثك حافظًا عليهم ما هم عاملوه، تحصي ذلك عليهم، فإن ذلك إلينا دونك (1) = (وما أنت عليهم بوكيل) ، يقول: ولست عليهم بقيِّم تقوم بأرزاقهم وأقواتهم ولا بحفظهم، فما لم يُجْعل إليك حفظه من أمرهم. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13737- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، يقول سبحانه: لو شئتُ لجمعتهم على الهدى أجمعين.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به: ولا تسبُّوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد، فيسبَّ المشركون اللهَ جهلا منهم بربهم، واعتداءً بغير علم، كما:-
13738- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تسبوا الذين
(1)
انظر تفسير (( حفيظ )) فيما سلف ص: 25، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( وكيل )) فيما سلف ص: 13، تعليق: 2، والمراجع هناك.

يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ، قال: قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سبِّ آلهتنا، أو لنهجوَنَّ ربك! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله عدوًا بغير علم.
13739- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ، كان المسلمون يسبون أوثان الكفار، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن يستسِبُّوا لربهم، (1) فإنهم قومٌ جهلة لا علم لهم بالله.
13740- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ، قال: لما حضر أبا طالب الموتُ، قالت قريش: انطلقوا بنا فلندخل على هذا الرجل، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: "كان يمنعه فلما مات قتلوه" ! فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر بن الحارث، وأمية وأبيّ ابنا خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البختري، وبعثوا رجلا منهم يقال له: "المطلب" ، قالوا: استأذن على أبي طالب! فأتى أبا طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخولَ عليك! فأذن لهم، فدخلوا عليه فقالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا، وإنّ محمدًا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحبّ أن تدعوه فتنهاهُ عن ذكر آلهتنا، ولندَعْه وإلهه! فدعاه، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، وندعك وإلهك! قال له أبو طالب:
(1)
(( استسب له )) ، عرضه للسب وجره إليه. وفي حديث أبي هريرة: (لا تمشِيَنَّ أَمَامَ أَبِيكَ، ولا تجلِسْ قَبْلَهُ، ولا تَدْعُه باسْمه، ولا تَسْتَسِبَّ لهُ) ، أي: لا تعرضه للسب وتجره إليه، بأن تسب أبا غيرك، فيسب أباك مجازاة لك = وهذا أدب يفتقده الناس يومًا بعد يوم.

قد أنصفك قومك، فاقبل منهم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطيَّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب، ودانت لكم بها العجم، وأدَّت لكم الخراج؟ (1) قال أبو جهل: نعم وأبيك، لنعطينكها وعشرَ أمثالها، فما هي؟ قال: قولوا:" لا إله إلا الله "! فأبوا واشمأزُّوا. قال أبو طالب: يابن أخي، قل غيرها، فإن قومك قد فزعوا منها! قال: يا عم، ما أنا بالذي أقول غيرها حتى يأتوني بالشمس فيضعوها في يديّ، (2) ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يديّ ما قلت غيرها! إرادةَ أن يُؤْيسهم، فغضبوا وقالوا: لتكفّنَّ عن شتمك آلهتنا، أو لنشتمنك ولنشتمن من يأمرك. فذلك قوله (فيسبوا الله عدوًا بغير علم) ."
13741- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، فيسب الكفار الله عدوًا بغير علم، فأنزل الله: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) .
13742- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فيسبوا الله عدوًا بغير علم) قال: إذا سببت إلهه سبَّ إلهك، فلا تسبوا آلهتهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأجمعت الحجة من قرأة الأمصار على قراءة ذلك: (3) (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، بفتح العين، وتسكين الدال، وتخفيف الواو من قوله: (عدوًا) ، على أنه مصدر من قول القائل: "عدا فلان على فلان" ،
(1)
في المطبوعة: (( ودانت لكم بها العجم بالخراج )) ، وفي المطبوعة: (( ودانت لكم بها العجم الحراح )) غير منقوطة، وفي تفسير ابن كثير 3: 374، ما أثبته، وهو الصواب إن شاء الله.

(2)
في المطبوعة: (( حتى يأتوا بالشمس )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: (( وأجمعت الأمة من قراء الأمصار )) ، لم يحسن قراءة ما في المخطوطة.

إذا ظلمه واعتدى عليه، "يعدو عَدْوًا وعُدُوًّا وعُدْوانًا" . و "الاعتداء" ، إنما هو: "افتعال" ، من ذلك. (1)
* * *
روى عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: "عُدُوًّا" مشددة الواو.
13743- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن عثمان بن سعد: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا) ، مضمومة العين، مثقّلة. (2)
* * *
وقد ذكر عن بعض البصريين أنه قرأ ذلك: (3) "فَيَسُبُّوا الَله عَدُوًّا" ، يوجِّه تأويله إلى أنهم جماعة، كما قال جل ثناؤه: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) ، [سورة الشعراء: 77] ، وكما قال: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) ، [سورة الممتحنة: 1] ويجعل نصب "العدوّ" حينئذ على الحال من ذكر "المشركين" في قوله: (فيسبوا) ، = فيكون تأويل الكلام: ولا تسبوا أيها المؤمنون الذين يدعو المشركون من دون الله، فيسب المشركون الله، أعداءَ الله، بغير علم. وإذا كان التأويل هكذا، كان "العدوّ" ، من صفة "المشركين" ونعتهم، كأنه قيل: فيسب المشركون أعداء الله، بغير علم= ولكن "العدوّ" لما خرج مخرج النكرة وهو نعت للمعرفة، نصب على الحال.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك، قراءةُ من قرأ بفتح العين وتخفيف الواو، لإجماع الحجة من القرأة على قراءة ذلك كذلك، وغير جائز خلافُها فيما جاءت به مجمعة عليه. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير (( عدا )) فيما سلف 10: 522، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 13743 - (( عثمان بن سعد التميمي )) ، أبو بكر الكاتب المعلم. روى عن أنس، والحسن والبصري، وابن سيرين، وعكرمة، والمجاهد. تكلموا فيه. مترجم في التهذيب.

(3)
نسبها ابن خالويه في شواذ القراءات: 40، إلى بعض المكيين، ولم يبينه. وقال أبو حيان في تفسيره 4: 200 (( وقال ابن عطية: وقرأ بعض المكيين، وعينه الزمخشري فقال: عن ابن كثير )) .

(4)
في المطبوعة أسقط (( به )) ، وهي ثابتة في المخطوطة.

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) }
يقول تعالى ذكره: كما زيّنا لهؤلاء العادلين بربهم الأوثَانَ والأصنام، عبادةَ الأوثان وطاعةَ الشيطان بخذلاننا إيّاهم عن طاعة الرحمن، (1) كذلك زيَّنا لكل جماعةٍ اجتمعت على عملٍ من الأعمال من طاعة الله ومعصيته، عملَهم الذي هم عليه مجتمعون، (2) ثم مرجعهم بعد ذلك ومصيرهم إلى ربهم (3) = "فينبئهم بما كانوا يعملون" . يقول: فيُوقفهم ويخبرهم بأعمالهم التي كانوا يعملون بها في الدنيا، (4) ثم يجازيهم بها، إن كان خيرًا فخيرًا، وإن كان شرًّا فشرًّا، أو يعفو بفضله، ما لم يكن شركًا أو كفرًا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحلف بالله هؤلاء العادلون بالله جَهْد حَلِفهم، وذلك أوكدُ ما قدروا عليه من الأيمان وأصعبُها وأشدُّها (5) = (لئن جاءتهم
(1)
انظر تفسير (( زين )) فيما سلف 11: 357

(2)
انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف 11: 354، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير (( المرجع )) فيما سلف 11: 407، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير (( أنبأ )) فيما سلف 11: 434، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
انظر (( أقسم )) و (( جهد أيمانهم )) فيما سلف 10: 407 - 409، ولم يفسرهما.

آية) ، يقول: قالوا: نقسم بالله لئن جاءتنا آية تصدِّق ما تقول، يا محمد، مثلُ الذي جاء مَنْ قبلنا من الأمم = (ليؤمنن بها) ، يقول: قالوا: لنصدقن بمجيئها بك، وأنك لله رسولٌ مرسل، وأنّ ما جئتنا به حقُّ من عند الله.
وقيل: "ليؤمنن بها" ، فأخرج الخبر عن "الآية" ، والمعنى لمجيء الآية.
يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إنما الآيات عند الله) ، وهو القادر على إتيانكم بها دون كل أحد من خلقه = (وما يشعركم) ، يقول: وما يدريكم (1) = (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) ؟
* * *
وذكر أن الذين سألوه الآية من قومه، هم الذين آيس الله نبيَّه من إيمانهم من مشركي قومه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13744- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) ، إلى قوله: (يجهلون) ، سألت قريش محمدًا أن يأتيهم بآية، واستحلفهم: ليؤمننّ بها.
13745- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح: (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) ، ثم ذكر مثله.
13746- حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي قال: كلّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشًا، (2) فقالوا:
(1)
انظر تفسير (( أشعر )) فيما سلف 11: 316، تعليق: 2، والمراجع هناك. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 204.

(2)
في المطبوعة: (( قريش )) بالرفع، والصواب من المخطوطة.

يا محمد، تخبرنا أن موسى كان معه عصًا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن ثَمُود كانت لهم ناقة، فأتنا بشيء من الآيات حتى نصدقك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيَّ شيء تحبُّون أن آتيكم به؟ قالوا: تجعَلُ لنا الصَّفَا ذهبًا. فقال لهم: فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم والله، لئن فعلت لنتبعنّك أجمعين! (1) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل عليه السلام فقال له: لك ما شئت، (2) إن شئتَ أصبح ذهبًا، ولئن أرسل آيةً فلم يصدقوا عند ذلك لنعذبنَّهم، وإن شئت فأنْدِحْهُم حتى يتوب تائبهم. (3) فقال: بل يتوب تائبهم. فأنزل الله تعالى: (وأقسموا بالله) إلى قوله: (يجهلون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المخاطبين بقوله: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) .
فقال بعضهم: خوطب بقوله: (وما يشعركم) المشركون المقسمون بالله،
(1)
في المطبوعة: (( أجمعون )) ، والصواب من المخطوطة.

(2)
في المطبوعة أسقط (( له )) ، وهي في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: (( فاتركهم حتى يتوب تائبهم )) ، وفي المخطوطة: (( ما نرحهم )) ، غير منقوطة، ورجحت أن صواب ما أثبت، وإن كنت لم أجد هذا الحرف في كتب اللغة، وهو عندي من قولهم: (( ندحت الشيء ندحا )) ، إذ أوسعته وأفسحته، ومنه قيل: (( إن لك في هذا الأمر ندحة )) (بضم النون وفتحها وسكون الدال) و (( مندوحة )) ، أي: سعة وفسحة. فقولهم: (( أندحهم )) ، أي: أفسح لهم، واجعل لهم مندوحة في هذا الأمر حتى يتوب تائبهم. وهو حق المعنى إن شاء الله، والقياس يعين عليه.

لئن جاءتهم آية ليؤمنن= وانتهى الخبر عند قوله: (وما يشعركم) ، ثم استُؤنف الحكم عليهم بأنهم لا يؤمنون عند مجيئها استئنافًا مبتدأ.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
13747- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وما يشعركم) ، قال: ما يدريكم. قال: ثم أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون.
13748- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يشعركم) ، وما يدريكم= "أنها إذا جاءت" ، قال: أوجب عليهم أنها إذا جاءت لا يؤمنون.
13749- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، سمعت عبد الله بن زيد يقول: "إنما الآيات عند الله" ، ثم يستأنف فيقول: إنها إذا جاءت لا يؤمنون.
13750- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (إنما الآيات عند الله وما يشعركم) ، وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت. ثم استقبل يخبر عنهم فقال: إذا جاءت لا يؤمنون.
* * *
وعلى هذا التأويل قراءةُ من قرأ ذلك بكسر ألف: "إنَّها" ، على أن قوله: "إِنَّهَا إِذَا جَاءَتَ لا يُؤْمِنُون" ، خبر مبتدأ منقطعٌ عن الأول.
* * *
وممن قرأ ذلك كذلك، بعضُ قرأة المكيين والبصريين.
* * *
وقال آخرون منهم: بل ذلك خطابٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قالوا: وذلك أنّ الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بآيةٍ، المؤمنون به. قالوا: وإنما كان سببَ مسألتهم إيّاه ذلك، أن المشركين حَلَفوا أنّ الآية




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 43 ( الأعضاء 0 والزوار 43)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 448.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 443.00 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]