التدرّج: فقه العروج البشري - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قيام الليل يجعلك قريبا من رب العالمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          زكاة القلب ورشد العقل وسواء النفس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          أثر الذنوب والمعاصي والمجاهرة بها على الفرد والمجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          زَيتُ قنديلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قبل الندم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الهند .. حملة ترحيل قسري غير قانونية تستهدف المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الفرح بالحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الطوفان الرقمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغابن المعرفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2025, 12:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,761
الدولة : Egypt
افتراضي التدرّج: فقه العروج البشري

التدرّج: فقه العروج البشري


ما من طمأنينة أعظم من أن تدرك أن الدين لا ينتظر منك أن تبلغ الكمال، بل أن تتوجه إليه، لا يُكلفك أن تطير، بل أن تسير، لا يزنك بالخوارق، بل بالصدق، ومن ذا الذي بلغ الله بالقفزات؟ إنما نبلغه بالتدرج.
وفي خضمّ سعي العقل المسلم لفهم معالم هذا الدين، كثيرًا ما يقع في شَرَك التوقعات المثالية، التي يُخيّل إليه أنها من لوازم الدين، وهي ليست منه في شيء، وأول ما ينبغي أن يُعقل عند النظر في طبيعة الشريعة الربانية، أنها شريعة نزلت على بشر، وأُنيط تطبيقها بالبشر، في حدود طاقتهم، وبحسب طبيعتهم التي خلقهم الله عليها، لا في فضاء الكمالات الغيبية ولا في أفق الخوارق التي لا تتسق مع نواميس الكون ولا مع طبائع النفوس.
وهنا تكمن نقطة الانطلاق؛ إذ إن هذا الدين – من حيث الأصل – لا يتعامل مع الإنسان بوصفه ملاكًا مطهّرًا، ولا يُكلّفه بما لا يُطاق، بل يخاطبه من حيث هو بشرٌ محدود الجهد، متقلّب الحال، مثقل بأثقال الأرض وقيود الواقع، ومن هنا تتجلى عبقرية هذا المنهج، لا في كونه يصنع المعجزات في الأرض، بل في كونه ينهض بالإنسان الواقعي، المتعثّر، نحو معارج الكمال الممكن، على مهل، وبقدر، ووفق سنة التدرّج التي طبع الله بها حركة التاريخ وسيرة الأنبياء.
غير أن بعض العقول المعاصرة، بحكم التلقي الثقافي المُشوّش، تتصوّر أن التديّن الصحيح لا يكون إلا حين يُقدّم الإنسان تضحيات خارقة، أو يسلك مسارات روحية مفصولة عن شروط الواقع، أو يتعالى على سنن الفطرة وحدود الطبيعة البشرية، فينشأ هذا التصور المثالي المختل، فيقع أحد أمرين: إما أن يُصاب صاحبه بإحباط إذا لم يستطع تحقيق تلك الصورة المتخيلة، أو أن يُصاب بغرور خفي إذا أحسن الظن بوصوله إليها.
وتتتابع هذه الأخطاء الفكرية لتنتج فجوة ضخمة بين صورة الدين كما أنزله الله، وصورته كما رسمها الخيال المفرَط أو الزهد المنفصل عن سنن الله في خلقه.
وهذا الدين لم يأتِ ليُسقط الإنسان من سماء المثال إلى واقع الابتلاء دون مدد، بل جاء ليمنحه منهج حياة يسير به في حدود فطرته، ويعمل ضمن طاقته، ويبلّغ به الغاية العليا في مراتب السكينة والرضا، منهج يسير بالتدرج، ويُراعي الأطوار، ولا يحمل الإنسان ما لا طاقة له به.
وما زال الخلل في التعامل مع الشريعة – منذ القدم – راجعًا إلى إغفال هذه الحقيقة المركزية: أن الشريعة تعمل في إطار الزمن، وتؤتي أُكلها في ميدان الجهد البشري، ولا تناقض فطرة الإنسان ولا تحمّله ما لا يطيق، وإنما تأخذ بيده نحو الكمال، درجةً درجة، بطريقٍ يمشي عليه، لا طيران في سماء الأماني.
ولذلك فإن اختلال التصوّر عن هذا الدين نشأ – في أصله – من نسيان هذه الحقيقة التأسيسية البسيطة: أن الدين منهج للإنسان لا للملائكة، وأنه نازل من عند الله ليُعان به البشر على سلوك السبيل، لا ليُرهَقوا به خارج الطاقة.
إن هذا الدين – كما قال الله – {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، و{ما جعل عليكم في الدين من حرج}. لكنه يَطلب منك شيئًا أعظم من الخوارق، يطلب منك الصدق في السير، والثبات في التدرج، والنظر الدائم إلى المقصد الأعلى، رغم تعثر الخطى، وتقصير النفس.
ويا ويله من ظنّ أن طمأنينة هذا الدين وراحته لا تأتي إلا مع بلوغ المثالية، فإن راحة هذا الدين تكمن في اليقين به، لا في النجاة من كل نقص.
__________________________________________________ ____
الكاتب: فقه العروج البشري









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 47.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.61 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.53%)]