الأوبئة (5) الوقاية والعلاج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 279 - عددالزوار : 54536 )           »          فتاوى فى الصوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          افطرت فى رمضان ولا تستطيع القضاء ولا الإطعام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          و دخل رمضان ،، مكانة شهر رمضان و أجر الصيّام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل العدل في الهدايا بين الزوجات واجب؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أشياء لا تفسد الصوم . أمور لا تفطر الصائم . فتاوى للصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          صور لكيفية التطهر للصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          دعاء يقال عند شدة الحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          رمضان وضرورة التغيير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-06-2021, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,382
الدولة : Egypt
افتراضي الأوبئة (5) الوقاية والعلاج

الأوبئة (5)

الوقاية والعلاج

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ، فَهُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ، الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ﴿ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزُّخْرُف: 84-85]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْشَدَنَا إِلَى مَا يَنْفَعُنَا، وَحَذَرَّنَا مِمَّا يَضُرُّنَا، وَدَلَّنَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَنَا، فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.


أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَاسْتَرْشِدُوا بِهِ فِي كُلِّ مَا يَمُرُّ بِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ دِينُهُ دَلِيلَهُ عَاشَ فِي الدُّنْيَا سَعِيدًا، وَمَاتَ مَوْتًا حَمِيدًا، وَفَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185] وَمَنْ كَانَ دِينُهُ هَوَاهُ لَمْ يَعْرِفْ مَوْلَاهُ ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50].

أَيُّهَا النَّاسُ: الْإِسْلَامُ فَخْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعِزٌّ يَعْتَزُّونَ بِهِ، وَشَرَفٌ لَا يُدَانِيهِ شَرَفٌ ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فُصِّلَتْ: 33].

وَرَغْمَ الْحَمْلَةِ الْعَالَمِيَّةِ الْمَسْعُورَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ الَّتِي تَبَنَّاهَا الْأَعْدَاءُ بِتَشْوِيهِ شَرِيعَتِهِ، وَالتَّنْفِيرِ مِنْهَا، وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالطَّعْنِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالسُّخْرِيَةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ يَقِفُ مَشْدُوهًا مُعْجَبًا أَمَامَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَ الْأَوْبِئَةِ، وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا فَضْلُ الْوُضُوءِ وَالطَّهَارَةِ وَغَسْلِ الْأَيْدِي، عَدَا احْتِشَامِ الْمَرْأَةِ وَتَخْمِيرِ وَجْهِهَا بِحِجَابِهَا، وَهُمْ بِالْأَمْسِ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ فَسُبْحَانَ مُغَيِّرِ الْأَحْوَالِ، وَمُبَدِّلِ الْأَقْوَالِ، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ. وَفِي الْإِسْلَامِ أَسْبَابٌ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْوَبَاءِ وَعِلَاجِهِ:
فَمِنْ أَسْبَابِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْوَبَاءِ: الْعَزْلُ الصِّحِّيُّ لِلْمُدُنِ الْمَوْبُوءَةِ، فَلَا يُدْخَلُ إِلَيْهَا، وَلَا يُخْرَجُ مِنْهَا؛ وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَنَاوَلَتِ الطَّاعُونَ، وَالطَّاعُونُ نَوْعٌ مِنَ الْوَبَاءِ، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا سُرْعَةُ انْتِشَارِهِمَا وَالْعَدْوَى بِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَمِنْ أَسْبَابِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْوَبَاءِ: عَزْلُ الْمُصَابِينَ بِهِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَصِحَّاءِ؛ لِئَلَّا تَنْتَقِلَ الْعَدْوَى إِلَيْهِمْ، وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَنَفَى مَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ مُعْدٍ بِطَبْعِهِ لَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَثْبَتَ حَقِيقَةَ الْعَدْوَى حِينَ أَمَرَ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ. وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَلَمْ يُصَافِحْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَجْذُومٌ.

وَمِنْ أَسْبَابِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْوَبَاءِ: سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى الْعَافِيَةَ، وَالتَّعَوُّذُ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ، وَمِنَ الدُّعَاءِ الْمَحْفُوظِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَمِنْ أَسْبَابِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْوَبَاءِ وَرَفْعِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَاللُّجُوءُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ:
أَمَّا التَّوَكُّلُ: فَفِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطَّلَاقِ: 3]، أَيْ: مَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ كَفَاهُ مَا أَهَمَّهُ.

وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ: فَفِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 33].

وَأَمَّا الصَّدَقَةُ: فَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «فَإِنَّ لِلصَّدَقَةِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي دَفْعِ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَاجِرٍ أَوْ مِنْ ظَالِمٍ بَلْ مِنْ كَافِرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُ أَنْوَاعًا مِنَ الْبَلَاءِ».

وَأَمَّا الدُّعَاءُ: فَجَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ،... فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَأَمَّا الصَّلَاةُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 45]، وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَأَيُّ أَمْرٍ يَحْزُبُ النَّاسَ أَعْظَمَ مِنْ وَبَاءٍ يَسْرِي فِيهِمْ فَيُهْلِكُهُمْ؟!

وَمِنْ أَسْبَابِ عِلَاجِ الْوَبَاءِ بَعْدَ إِصَابَةِ الْإِنْسَانِ بِهِ: التَّدَاوِي مِنْهُ بِالْأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ الْمُجَرَّبَةِ، وَالْأَغْذِيَةِ الْمُقَوِّيَةِ لِلْمَنَاعَةِ؛ فَإِنَّ لِلْغِذَاءِ الطَّيِّبِ أَثَرًا عَظِيمًا فِي قُوَّةِ الْجَسَدِ وَمُكَافَحَتِهِ لِلْمَرَضِ وَالْعَدْوَى، وَكَانَ النَّاسُ قَدِيمًا يَمُوتُونَ بِكَثْرَةٍ فِي الْأَوْبِئَةِ؛ لِضَعْفِ تَغْذِيَتِهِمْ، وَأَكْثَرُ ضَحَايَا الْأَوْبِئَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ. وَالتَّدَاوِي مَشْرُوعٌ وَمَأْمُورٌ بِهِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ؛ الْهَرَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْفَعَ الْوَبَاءَ عَنَّا وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: النَّاسُ إِزَاءَ الْأَوْبِئَةِ وَالتَّعَامُلِ مَعَهَا طَرَفَانِ وَوَسَطٌ:
فَطَرَفٌ يَضْرِبُهُ الْخَوْفُ وَالْهَلَعُ؛ فَلَا يَهْنَأُ بِنَوْمٍ وَلَا بِأَكْلٍ، وَيَنْشُرُ الْهَلَعَ وَالرُّعْبَ فِيمَنْ حَوْلَهُ، وَيُبَالِغُ فِي الِاحْتِيَاطِ إِلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَهَذَا الْخَوْفُ وَالْهَلَعُ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمُ الْوَبَاءُ، وَيَكُونُونَ أَقَلَّ مَنَاعَةً ضِدَّهُ. وَالْمُؤْمِنُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَجْزَعَ مِنْ أَقْدَارِهِ فِي الْبَشَرِ؛ فَإِنَّ الْجَزَعَ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ ﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ [الْأَحْزَابِ: 19]. وَقَدْ تَعَوَّذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ. وَمِمَّا يُقَوِّي الْقَلْبَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَتَدَبُّرُ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.

وَالطَّرَفُ الْآخَرُ قَوْمٌ عَابِثُونَ مُسْتَهْتِرُونَ، لَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ أَسْبَابِ الْوَبَاءِ، لَيْسَ تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا عِنَادًا أَوْ غَفْلَةً أَوْ عَدَمَ مُبَالَاةٍ، أَوْ عَدَمَ تَقْدِيرٍ لِلْمَخَاطِرِ الَّتِي تُحِيطُ بِهِمْ وَبِمَنْ يُخَالِطُونَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةَ وَالْأَوْلَادَ وَالْأُسْرَةَ وَالْقُرَابَةَ. وَهَؤُلَاءِ جِنَايَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى الْمُقَرَّبِينَ مِنْهُمْ عَظِيمَةٌ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ هَذَا الْوَبَاءَ يَفْتِكُ بِكِبَارِ السِّنِّ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ! أَيَكُونُ بِرُّهُمْ بِوَالِدِيْهِمْ نَقْلَ الْعَدْوَى الْمُهْلِكَةَ إِلَيْهِمْ؟! وَلَا سِيَّمَا أَنَّ أَعْرَاضَ الْإِصَابَةِ بِالْوَبَاءِ لَا تَظْهَرُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمَرَضُ مَنْ صَاحِبِهِ، فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي أُسَرِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ.

وَسَلَكَ مَسْلَكَ الْوَسَطِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْإِيمَانِ؛ فَعَلِمُوا أَنَّ هَذَا الْوَبَاءَ الْمُهْلِكَ قَدَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يُصِيبُ مَنْ يُصِيبُ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ، فَعَلَّقُوا قُلُوبَهُمْ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجْزَعُوا أَوْ يَسْخَطُوا أَوْ يَتَبَرَّمُوا؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ مَقَادِيرَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَمَعَ إِيمَانِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ أَخَذُوا بِالْأَسْبَابِ الْمَادِّيَّةِ مِنْ قَطْعِ الْخُلْطَةِ بِالْآخَرِينَ، وَعَدَمِ الْخُرُوجِ إِلَّا لِلْحَاجَةِ، وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدْوَى بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ بِهِ؛ حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَلَقَّفُوا الْمَرَضَ وَيَنْقُلُوهُ إِلَى أَحِبَّتِهِمْ، فَاسْتَشْعَرُوا الْمَسْئُولِيَّةَ، وَلَمْ يَتَهَاوَنُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ «وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وَمِنْ ذَلِكَ حِفْظُ رَعَايَاهُمْ وَإِبْعَادُهُمْ عَنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.05 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]