|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة أشراط الساعة الصغرى (1) الشيخ محمد بن إبراهيم السبر الخطبة الأولى يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنبياء: 1 - 3]. وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعدفإنالدنيا قد آذنت بصُرْم، وولت حذاء ولم يبق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء، يتصابُّها صاحبها،وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا منها بخير ما يحضرنكم" رواه مسلم. عباد الله: لقد أزفت الدنيا بالرحيل، ولم يبق منها إلا القليل، لأنها لم تخلق للبقاء ولا لتكون دار إقامة إنما هي دار ممر لا دار مستقر وقد آذنت بالانصرام وولَّت. ومن حكمة الله جل وعلا أن أخفى وقت الساعة وأوان الزوال، وجعل ذلك من علمه الذي لا يطلع عليه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34]. فعلم الساعة من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه، لا كما يدعيه بعض السذج من أنهم تمكنوا بحسابات معينة من معرفة موعد يوم القيامة، وهذا دجل ومحض افتراء ومنازعة لله تعالى في علمه الذي لا يطلع عليه أحد سواه: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187]، ولكن للساعة علامات وأشراط جعلها الله مقدمة ومؤذنة بقرب القيامة, وهي علامات صغرى وعلامات كبرى، أما الصغرى فقد بدأت منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولا زالت تتتابع وربما ظهر بعضها مع الأشراط الكبرى، ومنها علامات وقعت وانتهت كبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس, وهناك علامات وقعت ولا زالت مستمرة كتقارب الزمان وكثرة الأسواق وتشبه النساء بالرجال وانتشار الزنا والزلال والفتن وغيرها. أما العلامات الكبرى فهي الآيات العظام التي يؤذن ظهورها بانقضاء الدنيا وزوالها وهي الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها. وإن مما ينبغي أن يُعلم أنه ليست كُل أشراط الساعة مذمومةً، فهناك علامات مباحة لا شيء فيها كالتطاول في البنيان، بل قد يكون منها ما هو مأمور به كتعلم القرآن وكثرة القرّاء، وفشوّ العلم والقلم، فليس ذكر هذه العلامات وغيرها في أشراط الساعة ذم لها إنما المقصود أنها علامات على دنو يوم القيامة. إن في ذكر أشراط الساعة وأماراتها دلالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم الذي أخبر قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة بأمور تحقق الكثير منها في عصرنا الحاضر وسيقع الكثير منها مستقبلاً. وهذا فيه فائدة تحقق زيادة الإيمان والتصديق بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والاجتهاد بالعمل الصالح والدعوة إلى الله والتقرب إليه سبحانه بما يحب ويرضى والبعد عما يسخطه عز وجل. كما أنه لا يشترط أن تشمل العلامات كلها الأرضَ كلها بل قد تظهر علامة أو علامات في مكان ما دون مكان، خلا العلامات الكبرى التي تعم الأرض جميعاً. وأول علامات الساعة وأشراطها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فبعثته دليل على قرب قيام الساعة وأنه نبي الساعة, فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين، قال: وضم السبابة والوسطى). وفي الحديث: (بعثت في نسم الساعة) . والنسم هو أول هبوب الريح. فهو النبي الأخير فلا يليه نبي آخر, وإنما تليه القيامة كما يلي السبابة الوسطى, وليس بينهما أصبع آخر، قال القرطبي: (أولها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نبي آخر الزمان, وقد بعث وليس بينه وبين القيامة نبي). قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40]. ومن العلامات انشقاق القمر وقد اتفق العلماء على أن القمر قد انشق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن انشقاقه إحدى المعجزات الباهرة، وقد صرح القرآن بهذا في قوله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾ [القمر:1-2] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين. رواه مسلم. ومن أشراط الساعة موت النبي صلى الله عليه وسلم قال عوف بن مالك رضي الله عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة أدم فقال: "اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي... " رواه البخاري، وكان موته صلى الله عليه وسلم أولَ أمر دهم الإسلام حيث انقطعت النبوة، وكان أولَ ظهور الشر بارتداد العرب وأولَ انقطاع الخير وأولَ نقصانه وأظلمت الدنيا في عيون الصحابة رضي الله عنهم عندما مات عليه الصلاة والسلام، قال أنس بن مالك رضي الله عنه:" لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء فيهاكلشيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا". قال ابن حجر رحمه الله: (يريد أنهم وجدوها تغيّرت عمّا عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة، لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب) الفتح 8/149. لقد مات عليه الصلاة والسلام كما يموت الناس لأن الله تعالى لم يكتب الخلود في هذه الحياة الدنيا لأحد من الخلق, بل هي دار ممر لا دار مقر كما قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 34، 35]. والموت حق، وكل نفس ذائقة الموت، حتى ولو كان سيد الخلق وإمام المتقين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ومن العلامات فتح بيت المقدس قال صلى الله عليه وسلم: "اعدد ستاً بين يدي الساعة". وذكر منها "فتح بيت المقدس". رواه البخاري وقد تحققت هذه العلامة على يدي الفاروق رضي الله عنه فتم فتح بيت المقدس سنة ست عشرة من الهجرة كما ذهب إلى ذلك أئمة السير، فقد ذهب عمر رضي الله عنه بنفسه, وصالح أهلها، وفتحها، وطهرها من رجس اليهود والنصارى، وبنى بها مسجداً في قبلة بيت المقدس. ومن العلامات التي وقعت طاعون عمواس وهي بلدة في فلسطين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعدد ستاً بين يدي الساعة" وذكر منها: "ثم مُوْتانٌ يأخذ فيكم كقُعاص الغنم". رواه البخاري وقوله "موتان ": هو الموت الكثير الوقوع, وقوله "قُعاص": داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. قال ابن حجر: "يقال إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر رضي الله عنه وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس" أهـ. وبلغ عدد من مات فيه خمسةً وعشرين ألفاً من المسلمين مات فيه من المشهورين أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة رضي الله عنه. ومن العلامات استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكمالمالفيفيض، حتى يَهُمَّ ربَ المال من يقبله منه صدقه، ويُدعى إليه الرجل فيقول:لاأرَبَ لي فيه". رواه البخاري ومسلم. وقد تحقق كثير من هذا في عهد الصحابة رضي الله عنهم بسبب ما وقع من الفتوح، ثم فاض المال في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله، وسيكثر المال في آخر الزمان في زمن المهدي وعيسى عليهما السلام قال صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على الناس زمانيطوفالرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه...". رواه مسلم. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى سيعطي هذه الأمة ويفتح عليها من كنوز كسرى وقيصر ويبلغ ملكها مشارق الأرض ومغاربها. فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض..". بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.. ومن علامات الساعة قبض العلم وظهور الجهلفعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويَثْبُتَ الجهل". رواه البخاري ومسلم. ولا يزال العلم ينقص والجهل يكثر، وكلما بَعُدنا من عهد النبوة قل العلم حتى يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه فرائض الإسلام، وقبض العلم إنما يكون بقبض العلماء، قال النووي رحمه الله:" أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بحهالتهم فيضِلون ويُضلون"، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً منصدورالعلماء، إنما يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق علماً اتخذ الناسرؤوساًجهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" رواه البخاري. وكلما بعُد الزمان من عهد النبوة قل العلم وكثر الجهل ولا يزال يُقبض العلم بقبض أهله وحملته حتى لا يعرف من الإسلام إلا اسمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله" رواه مسلم. ومعنى هذا أنه لا يُنكر منكر ولا يُنهى عن فاحشة ولا يُزجر عن معصية، وذلك عند فساد الزمان، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمر وانصر جنودنا المرابطين على الحدود والثغور يا عزيز يا غفور.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() خطبة أشراط الساعة الصغرى (2) الشيخ محمد بن إبراهيم السبر الخطبة الأولى يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]. وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ﴾ [المدثر: 8] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متىيُؤمرفينفُخ"، فقال الصحابة يا رسول الله: كيف نقول؟. قال: قولوا: "حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". عباد الله: تحدثنا في الجمعة الماضية عن شيء من أشراط الساعة الصغرى وسنواصل الحديث في هذه الجمعة إن شاء الله عن أشراطٍ أخرى. فمن علامات الساعة الصغرى ظهور الفتن العظيمة وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ظهور الفتن وكثرتها من أشراط الساعة فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يُقْبَضَ العلمُ، وتكثُر الزلازلُ، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج: القتل القتل؛ حتى يكثر فيكم المال فيفيض" وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا ". فظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل وتُزلزلُ الإيمان فيمسي أو يصبح الرجل كافراً بعد أن كان مؤمناً من علامات الساعة. وروى الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإنأمتكمهذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجيءُ الفتنفيرققبعضها بعضاً، وتجيءُ الفتنة فيقولُ المؤمن: هذه مهلكتي وتجيءُ الأخرى فيقولُ:هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن باللهواليومالآخر". ويكون منبع الفتن واشتدادها من المشرق فعن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: " ألا إن الفتنة هاهنا، ألاإنالفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان ". رواه الشيخان وفي رواية مسلم: " رأس الكفر من هاهنامنحيث يطلع قرن الشيطان، يعني المشرق". وَبِمَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه انْقَسَمَ المُسْلِمُونَ، وَوَقَعَ القِتَالُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - وَانْتَشَرَتِ الفِتَنُ وَالأَهْوَاءُ، وَكَثُرَ الخِلَافُ، وَتَشَعَّبَتِ الآرَاءُ. وقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتداءً بقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قُتِلَ على يد أبي لؤلؤة المجوسي، ثم كُسِرَ باب الفتن فقد حدث كثير من الفتن بعد مقتل عمر رضي الله عنه، فقتل عثمان رضي الله عنه، وبمقتله انقسم المسلمون ووقع القتال بين الصحابة – رضوان الله عليهم - فحدثت وقعة الجمل ومعركة صفين وموقعة الحرة، وقُتل علي رضي الله عنه وقتل الحسن والحسين رضي الله عنهما وانتشرت الفتن والأهواء وكثر الخلاف وتشعبت الآراء، فظهرت فتنة القول بخلق القرآن، وظهرت الخوارج والروافض والباطنية والقدرية والجهمية والمعتزلة وغيرهم من الملل والنحل من المشرق ولا زالت الفتن من قبل المشرق تتتابع وتترى، وسيخرج من المشرق يأجوج ومأجوج، وسيخرج منه يهود خراسان أتباع الدجال وعددهم سبعون ألفاً عليهم الطيالسة. ومنعلامات الساعة كثرة القتل روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله قال القتلُالقتلُ"، وروى مسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدريالقاتلفيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل، فقيل كيف يكون ذلك؟ قال الهرج،القاتلوالمقتولفي النار". وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث قد وقع بعض منه فحدث القتال بين المسلمين في عهد الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ثم توالت الحروب والفتن، وفي القرون المتأخرة حصلت الحروب المدمرة بين الأمم وذهب فيها الملايين من البشر الأبرياء وصنعت الأسلحة الفتاكة التي لها دور كبير في كثرة القتل وصار دم الإنسان لا قيمة له وذلك بسب طيش العقول واختلاف الآراء. ومن علامات الساعة ظهور مدعي النبوة، ففي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله". وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين مسيلمة الكذاب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والأسود العنسي في اليمن وظهرت سجاح التميمية فادعت النبوة وتزوجها مسيلمة الكذاب ثم لما قتل رجعت إلى الإسلام، وظهر طليحة بن خويلد الأسدي ثم رجع إلى الإسلام، ثم ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، وظهر الحارث الكذاب في خلافة عبد الملك بن مروان، وخرج في خلافة بني العباس جماعة، وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند وادعى النبوة وأنه المسيح المنتظر، ولا يزال يظهر هؤلاء الكذابون حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال، كما قال صلى الله عليه وسلم: " وإنه والله لا تقومالساعةحتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الكذاب" رواه أحمد. وليس التحديد في الأحاديث مراداً به كل من ادعى النبوة مطلقاً, فإنهم كثير لا يحصون, وإنما المراد من قامت له شوكة, وكثر أتباعه, واشتهر بين الناس (فتح الباري) ومن علامات الساعة شيوع الأمن وزوال الخوف فعن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا عدي: هل رأيت الحيرة؟" قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. فقال صلى الله عليه وسلم: " فإن طالت بك حياة لترين الضعينة -المرأة- ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دُعَّار طي الذين قد سعروا البلاد؟! " ولئن طالت بكحياةلتفتحن كنوز كسرى".قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: " كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكحياةلترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداًيقبلهمنه ". قال عدي رضي الله عنه: فرأيتُ الضعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، يخرج ملء كفه. رواه البخاري. وقد تحقق الأمن في زمن الصحابة رضي الله عنهم حينما عم الإسلامُ والعدلُ البلادَ التي فتحها المسلمون وسيكون في زمن المهدي وعيسى بن مريم عليه السلام. وإن مما ينبغي أن يعلم أن هذه العلامة من العلامات المستمرة التي تحققت ولا زالت تتحقق، وإن كان تحققها يحدث في زمان دون زمان وفي مكان دون آخر. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم... الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا.. ومن علامات الساعة الصغرى ضياع الأمانة وإسناد الأمر إلى غير أهله فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: " أين السائلُ عن الساعة. قال: ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاري. وفي رواية أخرى: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة). أي أسند وجعل في غير أهله، يعني إذا سود وشرف غير المستحق للسيادة والشرف. وقيل: هو من الوسادة، أي: إذا وضعت وسادة الملك والأمر والنهي لغير مستحقها. (النهاية لابن الأثير). قال ابن المنير: ينبغي أن يجعل هذا الحديث أصلاً في أخذ الدروس والقراءة والحكومات والفتاوى عند الازدحام على السبق. إن من تضييع الأمانة إسناد الأمور إلى غير أهلها، ومعلوم أن أهلَها هم أهلُ الإخلاص والصدق والوفاء والتعفف عن الحرام، وأداءُ الأمانة كما ينبغي بعد الخوف من الله عز وجل، فإذا أسندت مصالح الناس إلى غير أهلها ضاعت الحقوق وحصل الاستخفاف بمصالح العباد وإيغار الصدور وإثارة الفتن وإشاعة الفوضى في المجتمع. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح كيف ترفع الأمانة من القلوب فقال: " إن الأمانة ترتفع في آخر الزمان من القلوب، وأنه لا يبقى منها في القلبإلاأثرُها، فيقال: إن في بني فلان رجل أميناً ". فيصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً لمخالطته أهل الخيانة فيقتدي بهم ويفعل فعلهم. اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتا من الكذب، وأعيينا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() خطبة أشراط الساعة الصغرى (3) الشيخ محمد بن إبراهيم السبر الحمد لله... يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ﴾ [الواقعة: 1 - 7]. وروى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوباً بينهما فلا يتبايعانهولايطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنالساعةوهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلايطعمها". عباد الله: أتينا في الجمعة الماضية على طرف من أشراط الساعة الصغرى، وسنكمل اليوم بمشيئة الله تعالى ذكر شيء من أشراطها ففي حديث جبريل عليه السلام.. قال: " فأخبرني عن الساعة "، قال: ما المسؤول بأعلم من السائل، قال: " فأخبرني عن أماراتها "، قال: " أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان.." الحديث رواه مسلم. ففد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علامتين من علامات الساعة الصغرى التي وقعت: (أن تلد الأمة ربتها) أي: سيدتها ومالكتها. وفسر ذلك بأحد معنيين: أن يكثر جلب الرقيق وقد وقع هذا في الإسلام، وفيه كناية إلى انتشار الإسلام وكثرة الفتوح واستيلاءُ أهله على البلاد وهذا قول أكثر أهل العلم. وقيل: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب، قال ابن حجر: وهذا أوجَه الأوجه عندي. والعلامة الثانية: التطاول في البنيان "أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان". يعني يتبارون ويتباهون في تطويله وزخرفته، وتكثير المجالس والمرافق. قال النووي: معناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان. قلت: والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا؛ حين كثرت الأموال، وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة. فالله المستعان. انتهى. فصح أن التطاول في البنيان من أشراط الساعة، لكن ذلك لا يقتضي ذمًّا لطول البنيان إن لم يترتب عليه طغيان، أو بطر، أو تفاخر، أو إسراف، أو إضاعة للحقوق ونحو ذلك. وقد ظهر هذا جلياً فأصبح الناس يتطاولون في بناء الأبراج والمباني الشاهقة وما يسمى ناطحات السحاب. ومنعلامات الساعة الصغرى ظهور المعازف واستحلالها فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل: ومتى ذلك يا رسولالله؟ قال إذا ظهرت المعازف والقينات". رواه ابن ماجه، وقال الألباني صحيح. وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة، وهي الآن أكثر ظهوراً، فقد ظهرت المعازف في هذا الزمن وانتشرت انتشاراً عظيماً، وكثر المغنون والمغنيات وأعظم من ذلك استحلال كثير من الناس للمعازف، روى البخاري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة). لقد شاع الغناء وانتشر في كثير من المجتمعات ورفعت أصوات المعازف والأغاني في البيوت والطرقات دون حياء من الله تعالى أو خجل من الناس بل أصبح أهل الفن والطرب نجوماً وقدوات يصدرون للشباب والناشئة وباتوا يشار إليهم بالبنان! ومن علامات الساعة كثرة شرب الخمر واستحلالها فقد ظهر في هذه الأمة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها، والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، وهذا من أمارات الساعة، فقد روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أشراط الساعة) وذكر منها (ويشرب الخمر). وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه). فقد أطلق على الخمر أسماء كثيرة، حتى سميت بالمشروبات الروحية ونحو ذلك، وقد فتن بعض الناس بشربها، وأعظم من ذلك بيعها جهاراً وشربها علانية في بعض البلدان، وانتشار المسكرات والمخدرات والحشيش انتشاراً عظيماً لم يسبق له مثيل مما ينذر بخطر عظيم، وفساد كبير، والأمر لله من قبل ومن بعد. ومن أشراط الساعة انتشار الزنا ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أشراط الساعة: - فذكر منها - ويظهرالزنا "، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذينفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترُشها في الطريقفيكونخيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط". رواه أبو يعلي وقال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح"، وصححه الألباني. قال القرطبي في (المفهم) على حديث أنس السابق: (في هذا الحديث علم من أعلم النبوة إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان). وأعظم من الزنا استحلال الزنا فقد ثبت في الصحيح عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ![]() لقد فشا الزنا وانتشر في العالم بشكل مخيف حتى غدا في بعض المجتمعات شيئاً مألوفاً لأناس أصبحوا أحط من البهائم إلى درجة أن الرجل يغشى المرأة على قارعة الطريق وفي الحدائق العامة ولا يرون في ذلك بأساً، فتلك هي الحرية البهيمية التي تترفع عنها بعض الحيوانات! وأهل الشهوات والباطل يدعون إلى الإباحية البهيمية والشهوات من خلال ترويج أفلام وقنوات الزنا والشذوذ بل أصبح لذلك تجارة وبيوت دعارة وتراخيص وقوانين تبيح الفواحش! إن من أسباب انتشار الزنا في بلاد المسلمين كثرة العوائق أمام الراغبين في العفاف كغلاء المهور وكثرة التكاليف والاشتراطات الفاسدة التي تشكل عقبة في طريق الحلال. ومن أسباب فشو الزنا القنوات والبرامج الخليعة التي تزين الفاحشة في قلوب الشباب كبرامج الواقع ومسلسلات وأفلام التعري وغيرها ناهيكم عن البلية بمواقع الانترنت ووسائل التواصل مع مخالفة الشرع في الخلوة المحرمة والسفر بلا محرم وخلع الحجاب والسياحة إلى البلاد الموبوءة. الزنا من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، جريمة تبدد الأموال، وتنتهك الأعراض، وتقتل الذرية وتهلك الحرث والنسل، عارها يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويخلط الأنساب، ويهوي بالرجل العزيز إلى حضيض الذل والازدراء، وينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا.. ومن علامات الساعة ظهور الربا وانتشاره بين الناس، وعدم المبالاة بأكل الحرام، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين يدي الساعة يظهر الربا) رواه الطبراني في الأوسط وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره. وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام). وهذه الأحاديث تنطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن، فتجدهم لا يتحرون الحلال في المكاسب، بل يجمعون المال من الحلال والحرام وأغلب ذلك بدخول الربا في معاملات الناس، فقد انتشرت المصارف المتعاملة بالربا، ووقع كثير من الناس في هذا البلاء العظيم ولقد كثر الربا وتعددت صوره وأشكاله وقلّ من يسلم من ذلك، بعد أن صار كثير من الناس همه جمع المال وتضخيم الأرصدة والمساهمات والصفقات ولا يبالي أمن حلال جمع ماله أم من حرام. الربا بلاء على الأمة في دينها وأخلاقها ودمار لاقتصادها، فهو نظام بشع يمحق سعادة الناس ويفسد الضمير ويفت تضامن المجتمع بما ينشره فيه من روح الطمع والجشع والأثرة لهذا وقف الإسلام من الربا موقفاً حازماً واعلن حرباً على المرابين لا هوادة فيها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]. ويحذر الله تعالى من سوء عاقبة الربا فيقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 275، 276]. هذا وصلوا عباد الله على الرحمة المسداة والنعمة المهداة محمد بن عبدالله..
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() خطبة أشراط الساعة الصغرى (4) الشيخ محمد بن إبراهيم السبر إن الحمد لله.. عباد الله: عندما يكثر الشح، ويفشو الكذب، وتكثر شهادة الزور، ويصبح التشبه بالكفار أمراً سائغاً بل مطلوباً بحجة مجاراة الحضارة والمدنية، وعندما يتناكر الناس فيما بينهم فلا يكاد أحد يعرف أحداً؛ عندما يقع هذا وغيره فقد آذنت شمس هذه الدنيا بالفناء واقترب الوعد الحق وأزفت الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة. ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ [محمد: 18]. عباد الله: تطرقنا عبر خطب ماضية إلى أكثر علامات الساعة الصغرى، ما وقع وما لم يقع وما زال واقعاً، ونكمل الحديث اليوم إن شاء الله تعالى بما تبقى منها: فمن علامات الساعة الصغرى كثرة الشح، والشح هو أشد البخل، وقيل: هو البخل مع الحرص. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح". رواه البخاري. والشح خلق مذموم نهى عنه الإسلام، وبين أن من وقي شُح نفسه، فقد فاز وأفلح، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ![]() قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة. ومن علامات الساعة الصغرى كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحقفعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق ". رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر 5 /333 وشهادة الزور هي الكذب متعمداً في الشهادة، فكما أن شهادة الزور سببٌ لإبطال الحق، فكذلك كتمان الشهادة سبب لإبطال الحق قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283]. وفي الصحيحين عن أبي بكرة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً) الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وكان متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"، ولعظم خطرها قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وعقوق الوالدين، فإنها سببٌ للظلم والجور وضياع حقوق الناس في الأموال والأعراض، وظهورها دليل على ضعف الإيمان، وعدم الخوف من الرحمن. ومن أشراط الساعة الصغرى زخرفة المساجد والتباهي بها فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني وقال أنس يتباهون بها، قم لا يعمرونها إلا قليلاً. قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري:" لتُزخرفُنّها كما زخرفت اليهود والنصارى). وعلة النهي من ذلك أنه علامة على الترف والتبذير والإسراف، وسبب لإشغال الناس عن صلاتهم. ولمّا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتجديد المسجد النبوي، نهى عن الزخرفة فقال:" أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمرّ أو تصفرّ، فتفتن الناس). لقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل، وما كان ذلك في يوم من الأيام عائقاً أمام الدور الريادي والحضاري الذي أدَّاه المسجد النبوي فقد كان مكان الصلاة والذكر وتعليم العلم والشورى ومأوى الفقراء والمساكين ومنه انطلقت جيوش الإسلام، وجحافل الإيمان. ما هو حال بعض مساجد المسلمين الآن، وما هو حال مساجد السلف التي كانت عامرة بذكر الله تجللها البساطة والترفع عن زخرف الدنيا الفاني ففتحوا الدنيا ودانت لهم الأمم والشعوب. ومنالعلامات تقاربالزمان فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعةحتىيتقارب الزمان". رواه البخاري. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهركالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراقالسعفة ". رواه الإمام أحمد بسند صحيح. ومن معاني تقارب الزمان: سرعة انقضاء الوقت، والتطور في وسائل النقل والاتصال التي تجعل التنقل أو المحادثة تتم في وقت قصير جداً، وقلة البركة في الوقت ولعل هذا هو المعنى الصحيح. قال ابن حجر: (فالذي تضمنه الحديث وُجد في زماننا هذا، فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء من الزمان وذلك من علامات الساعة... قال النووي: المراد بقصده: عدم البركة فيه، وأن اليوم مثلاً يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة) الفتح (16 /309). ومن علامات الساعة الصغرى التشبه بالكفار. قال صلى الله عليه وسلم: " لا تقومالساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع " قيل يا رسول الله: كفارسَ والروم؟! فقال: " ومَنْ الناسُ إلا أولئك؟" رواه البخاري. وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعنّ سنَنَ مَنْ كان قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جحر ضبٍ اتبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهودُ والنصارى، قال: فَمنْ؟) رواه البخاري ومسلم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاةٌ لليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب ومضاهاةٌ لفارس والروم وهم الأعاجم. وقد تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع كثير من المسلمين في التشبه باليهود والنصارى، والتخلق بأخلاقهم، وهذا كثيراً ما يفعله ضعاف الإيمان والنفوس الذين يظنون أنهم بهذا يسيرون في ركب التقدم والرقي. قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، رواه أحمد وأبو داود. فكيف يتناسى المسلمون هذا المآل الفظيع في سبيل المسايرة والمجاراة في أمور لا تزيدهم إلا جهلاً ونقصاً. ومن علامات الساعة الصغرى ظهور النساء الكاسيات العاريات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإنريحهاليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (منأشراط الساعة، أن تظهر ثيابٌ يلبَسُها نساءٌ كاسيات عاريات). ومعنى (كاسيات عاريات) أي أنهن يلبسن ثياباً غير ساترة لجميع أبدانهن، أو شفافة تصف ما تحتها، أو ضيقة تبرز تفاصيل جسدها. وهذا كله موجود ويختلف من بلد لآخر. ومن العلامات كثرة النساء وقلة الرجال فعن أنس رضي الله عنه، قال: لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ). رواه البخاري ومسلم. وقيل إن سبب ذلك كثرة الفتن فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء. وقيل: إن سبب ذلك كثرة الفتوح، فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل عدة موطوءات. ومن العلامات صدق رؤيا المؤمنعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء منستةوأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. وفي رواية: " إذااقتربالزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ". فكلما اقترب الزمان، زادت غربة الإسلام وقبض أكثر العلم، ودرست معالم الشريعة، وازدادت الفتن، فيقل عندها أنيس المؤمنين وتعظم وحشتهم وغربتهم، ولذلك فإنهم يعوضون بالرؤيا الصادقة، التي هي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة. قال الحافظ في الفتح (12 /406): والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان: أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريباً فيقل أنيسه ومعينه في ذلك الوقت فيُكرم بالرؤيا الصالحة. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا بلا إله إلا الله؛ فإنها العروة الوثقى، واحذروا المعاصي، فإن أجسامكم على النار لا تقوى، وتواضعوا لله؛ فإن من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، ومن زرع التقوى حمد عند الحصاد ما زرعه. واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار. واعلموا رحمكم الله أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار المقر؛ فتزودوا من ممركم لمقركم، وتأهبوا ليوم حسابكم وعرضكم على ربكم، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18] واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون، وعلى رب العزة ستعرضون ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227] واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم وسوف يتخطى غيركم إليكم؛ فخذوا حذركم. فالموت مآل الإنسان ونهايته، وليس له إلا ما قدم من الأعمال الصالحة التي يجد ثوابها موفراً، ويجده مضاعفاً عند الله سبحانه وتعالى:﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() خطبة أشراط الساعة الصغرى (5) الشيخ محمد بن إبراهيم السبر الخطبة الأولى في آخر الزمان يرتفع السفهاء والأراذل، ويؤخذ العلم عن الأصاغر، وتسوء الأخلاق، وتقطع الأرحام، وتأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، وهو الرجل السفيه التافه يتكلم في أمر العامة. عباد الله: تحدثنا في جمَع ماضية عن أشراط الساعة الصغرى ما وقع منها وانتهى، وما وقع ولا زال مستمراً، ونكمل الحديث إن شاء الله عن العلامات الصغرى التي لم تظهر بعد والتي تليها العلامات الكبرى العظام. في آخر الزمان يتمنى المرء الموت من شدة البلاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه). رواه البخاري ومسلم. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغَ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدَّين إلا البلاء) رواه مسلم. وتمني الموت يكون عند كثرة الفتن وتغير الأحوال وتبديل رسوم الشريعة، وهذا وإن لم يكن وقع فهو واقع لا محالة. قال ابن مسعود رضي الله عنه: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه، وكما قيل: وهذا العيش ما لا خير فيه *** ألا موت يباع فأشتريهِ؟! ومن علامات الساعة عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً". رواه مسلم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا) رواه مسلم. وهذه آية من آيات الله حيث تخرج الأرض كنوزها المخبوءة في جوفها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتىيحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو". رواه البخاري. وفي رواية: "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً". وهذه العلامة لم تقع بعد، ومن فسرها بالنفط فقد أخطأ ويلزم على قوله هذا النهي عن الأخذ من النفط ولم يقل به أحد من العلماء، وقد رجح الحافظ ابن حجر: أن سبب المنع من الأخذ من هذا الذهب لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه. اهـ. الفتح (13 /81). ومن علامات الساعة خروج القحطاني فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ". متفق عليه. وفي رواية: (لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له: الجهجاه) رواه مسلم. وسوقه الناس بعصاه كناية عن طاعة الناس له ورضوخهم لأمره، وهو رجل شديد القوة والبطش والقحطاني ليس هو المهدي الذي في آخر الزمان، فإن خروج المهدي بعد القحطاني بزمن. وقي آخر الزمان يكثر الروم ويحشدون لقتال المسلمين فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعدد ستاً بين يدي الساعة، فذكر منها: ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً " رواه البخاري. وهذا القتال يقع في الشام في آخر الزمان، قبل ظهور الدجال، كما دلت على ذلك الأحاديث ويكون انتصار المسلمين على الروم تهيئة لفتح القسطنطينية، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنهعن نافع بن عتبة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظتُ منه أربعَ كلمات أعدُّهن في يدي، قال: " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجالفيفتحه الله، قال: فقال نافع: يا جابر لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم ". رواه مسلم. وجاء تحديد أرض المعركة مع الروم وأنها في الشام في حديث أبي الدرداء رضي الله عنهفي سنن أبي داود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فسطاطالمسلمين يوم الملحمة في أرض بالغوطة في مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام". وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق - ودابق قرية قرب حلب - فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فيتنزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكنه يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته". وورد في وصف شدة هذاالقتال، ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرحَ بغنيمة، - ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام - فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة". إن الصراع بين الإسلام والنصرانية لن ينتهي بل هو ماض إلى قيام الساعة. قال صلى الله عليه وسلم: "فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله، ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر". رواه ابن أبي شيبة في المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وهو حديث حسن. وهذا الصراع والمواجهة تكون بين مد وجزر لتأتي المعركة الفاصلة والملحمة الكبرى التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص وتنتهي بالهزيمة النهائية حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح روما العاصمة الدينية للروم وعندها تفتح الروم ويتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبع ذلك مباشرة المعارك مع الدجال الذي ينتهي الأمر بقتله، وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها ويقرب العالم من نهايته، ويتحقق وعد الله بتبديل الأرض غير الأرض، ويعود الخلق جميعهم إلى موجدهم لتبدأ بعد ذلك الحياة السرمدية الأخروية. وفي الحديث إشارة إلى أن المسلمين سيتمكنون من تكوين دولة إسلامية تمثل قوة جديدة في العالم، يلتجئ إليها النصارى، ويطلبون مصالحتها للحصول على مساعدتها في محاربة عدو ثالث. ومن علامات الساعة فتح القسطنطينية فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوهانزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقطأحد جانبيها - قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر- ثم يقولوا الثانية: لاإله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا اللهوالله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون". رواه مسلم. ومن العلامات قتال اليهود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبداللههذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". متفق عليه. وهاهم اليهود يتجمعون في فلسطين من أكثر من عشرات السنين كما أخبر تعالى في كتابه المحكم: "وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". فقد جاؤوا كما أخبر الله عز وجل، وهاهم يزرعون شجر الغرقد ذي الشوك الذي هو شجرهم كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي آخر الزمان خراب المدينة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاهاإلا العوافي، يريدعوافي السباع والطير". رواه البخاري. وذلك والله أعلم بعد أن يتوجه أهلها لنصرة جيش المسلمين في الشام ضد جيش الروم الجرار كما مر معنا. وفي آخر الزمان استحلال البيت الحرام وهدم الكعبة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرِّب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله". رواه أحمد بإسناد صحيح. الخطبة الثانية وفي آخر علامات الساعة يبعث الله الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه في حديث طويل فيه قصة الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج قال صلى الله عليه وسلم: "إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كلمؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة" رواه مسلم. وفي نهاية العالم فإن هذه القوة المادية والتقنية لن تستمر.. قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وتوفنا وأنت راض عنا، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وردنا إليك رداً جميلا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |